إسلام ويب

الفرحة الكبرىللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعته والتزام أمره وشرعه؛ لننال بذلك السعادة الأبدية في جنات النعيم، وقد جاء في هذه المادة بيان لحاجة المسلم إلى الرفيق يوم القيامة، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، وأنه لا يجد الرفيق إلا إذا كان من أهل الطاعة، فيكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ثم توضيح فرح الأبدي في دار النعيم والمكافأة التي تنتظر العبد المؤمن في الجنة.
    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي خلقنا من عدم، وأسبغ علينا وافر النعم، كبَّرنا من صغر، وقوَّانا من ضعف، وأطعمنا من جوع، وسقانا من ظمأ، وكسانا من عري، وشفانا من مرض، وهدانا من ضلالة، وعلمنا من جهالة، وحبب إلينا الإيمان، وعلمنا القرآن، وعلمنا البيان، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على قدوتي وقرة عيني وحبيبي محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وأصحابه الطيبين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

    عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وأوصيكم أن تجددوا إيمانكم، فإن الإيمان يخلَق كما يخلَق الثوب القديم، وتجديده بترديد لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين وأفغانستان وفي كل أرض يذكر فيها اسم الله، اللهم أكرم الشهداء، وثبت الغرباء، وفك المأسورين، واجبر كسر المكسورين.

    اللهم إنا نسألك لأمة محمد خليفةً ربانياً، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ونعوذ بك اللهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسألك كما صنت جباهنا عن السجود لغيرك أن تحفظ أيدينا من أن تمتد لأحد سواك، اللهم أغننا برحمة من رحماتك المغنيات الغافرات المنجيات عن رحمة من سواك.

    أحبتي في الله: ما أحوج المسلم يوم القيامة إلى الرفيق والصديق! في يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته أي: زوجته، وبنيه، ورفقاء المؤمنين في يوم القيامة خير الرفقاء، فما تقول برفقة آدم أبي البشر وكلنا يشتاق إلى صورته وإلى رؤيته؟!

    كيف لا وهو أبونا أجمعين، وخلقه الله ستون ذراعاً في الفضاء عملاقاً، جمع في صلبه كل ذريته إلى يوم الدين؟! وكيف لا نشتاق إلى نوح النبي الرسول الصابر المحتسب الذي دعا من أجل ربه وتحمل أذى الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاما؟!

    كيف لا نشتاق إلى إدريس؟! كيف لا نشتاق إلى موسى وعيسى والنبيين وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم؟!

    كيف لا والإنسان في أقصى الأرض ليس من لونه ولا لغته ولا أرضه إذا أسلم وسمع اسمه صلى عليه وسلم ارتجف قلبه، وفاضت عينه شوقاً إليه ولو برؤيا يراها في المنام، ثم يفقد بعدها أهله وماله وولده.

    وهذه البشرى يعلن عنها القرآن يقول الله فيه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] كيف شعورك لو قبض محمد بيدك وأدخلك معه الجنة؛ لأنك كافل يتيم؟!

    كيف شعورك لو دعاك الأنبياء إلى قصورهم وحدائقهم ودورهم وأنهارهم وأشجارهم، وجلست تأكل معهم وتشرب في نعيم الله ورضوانه؟!

    يا تعاسة من فرط برفقة الصالحين! وأضاع محبة المؤمنين، وصار من المهرجين المطبلين المزمرين الذين يجرون خلف كل ناعق وزاعق! ويوم القيامة يصيح: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:100-102].

    ومع هذه الرفقة المباركة هناك المليك، وأي مليك؟! مليك مقتدر، كل السلاطين والملوك غير مقتدرين، فهذا تبعٌ لـأمريكا، وهذا تبعٌ لـروسيا، وهذا تبعٌ للصين، تظن أن عند أحدهم اقتداراً، ولكنه لا يستطيع أبداً أن ينفذ قراراً حتى يستشير الأسياد، وتجده يوماً من الأيام يقول: لا أستطيع، أما الله فلا يقول: لا أستطيع، سلاطين الدنيا تمر عليهم لحظات يقولون: أيتها الشعوب! لا نقدر، البيت الأبيض يضغط، البيت الأحمر يهدد: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء:111].

    هذا المقعد المبارك مع هذه الرفقة الطيبة، وما يدريك لعلها لحظات، فلان نسمع به في الصباح معافى يخبط الأرض برجليه، وفي المساء يشيع: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] مقتدرٌ أن يريك وجهه الكريم، مقتدرٌ أن يعطيك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لا تطالب غير المقتدر فتمد يدك إلى العبد الذليل، ولكن مد يدك إلى الله.

    الله أنجح ما طلبت به     والبر خير حقيبة الرحل

    فاطلب الله وحده، وقل: اللهم اجعل الدنيا بيدي ولا تجعلها في قلبي، وارزقني منها ما تكفيني فتنتها، واجعل حظي الأكبر والأوفر يوم لقائك.

    عبد الله: دع الدنيا لعبيد الدنيا، لا تحسدن مؤمناً ولا كافراً على نعمة، كيف تحسد مؤمناً على نعمة والجنة أعظم منها؟ وكيف تحسد كافراً على نعمة وراءها النار؟!

    وإن كان هناك حسد ففي اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله المال فسلطه على هلكته في سبيل الله، والمليك المقتدر يسلم، والزعماء والملوك والسلاطين لا يسلمون على الرعية، ينتظرون الرعية حتى يقومون لهم، ويقبلون أكتافهم وأيديهم وأقدامهم، وعارٌ عليه أن يقول للفقراء السلام، أما السلام فمنه السلام وهو السلام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089031711

    عدد مرات الحفظ

    780736842