الباب الثاني والثلاثون من كتاب الجهاد والسير: (باب إزالة الأصنام من حول الكعبة) وهذا في مقام الخبر، كأن الإمام النووي عليه رحمة الله أراد أن يخبر أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما دخل مكة فاتحاً أزال الأصنام من حول الكعبة، فهو يخبرنا بما جرى حقيقة وفعلاً، لكن هذا الحكم ينسحب على المنكر بعد ذلك، فمن تمكن من إزالة المنكر بغير منكر أعظم منه وجب عليه تغيير المنكر.
حول الكعبة (360) نصباً أو صنماً، أي: بعدد أيام السنة، لا أدري هل كانوا يعبدون هذه الأصنام كلها في وقت واحد وفي كل يوم، أو أنهم كانوا يعبدون في كل يوم صنماً آخر يختلف عن صنم الأمس، ويختلف عن صنم الغد، بل كان لكل مشرك في مكة أربعة أصنام يعبدها: الصنم الأول في الحرم، والثلاثة الأصنام الباقية في بيته، كان إذا دخل بيته وقبل أن يخرج من بيته يسجد لها ويعبدها ويدعوها من دون الله عز وجل، بل إذا أراد أن يسافر انتخب وأقرع بين هذه الآلهة الثلاثة، فاصطحب من خرجت عليه القرعة في سفره حتى لا يُحرم من الشرك في هذه الرحلة.
قال: [(دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصباً، فجعل يطعنها بعود كان بيده، ويقول: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، ويقول: جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ:49]) زاد ابن أبي عمر : يوم الفتح]. يعني: دخل مكة يوم الفتح.
قال: [وحدثناه حسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق -وهو ابن همام الصنعاني - أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح] فكأن السفيانين رويا عن ابن أبي نجيح، في الرواية الأولى سفيان بن عيينة وفي الرواية الثانية سفيان الثوري. [بهذا الإسناد إلى قوله: زَهُوقًا [الإسراء:81] ولم يذكر الآية الأخرى، وقال بدل (نصباً): صنماً].
أنتم تعلمون أن أعظم أوجه الشرك عبادة الأصنام من دون الله عز وجل، ولذلك الذي صنعه إخواننا في طالبان من تكسير ذاك الصنم (بوذا) كان من أعظم الأعمال التي قاموا بها، بل هي من أعلى مظاهر التوحيد التي قدّمتها حكومة طالبان للعالم كله، أنهم كفوا أهل الشرك عن شركهم خاصة في بلادهم التي هي تحت سلطانهم.
إذاً: هم قوم لهم الإمارة ولهم الرياسة في هذه البقعة من الأرض، ويأتي الناس من هنا وهناك ليشركوا بالله تعالى على أرض هؤلاء الموحدين، فكان من أوجب الواجبات الشرعية عليهم أن يتخلصوا من هذه الشركيات، كما أنهم تخلصوا من تلك القبور التي كانت تعبد من دون الله عز وجل، كما أنهم كذلك قاموا بحرق جميع حقول المخدرات والحشيش والأفيون وغير ذلك، فكلها مظاهر تدل على أن هؤلاء كانوا على النهج السديد القويم.
فالذي يغلب على ظني أنه لا يحب هؤلاء إلا مؤمن، ولا يُبغضهم إلا منافق أو جاهل. يعني: أقل أحواله أنه جاهل بأحوال هؤلاء، أما إذا كان عالماً بأنهم كانوا قائمين على الحق وهو مع هذا يُبغضهم فلا أقل من كونه منافقاً.
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بُغض الأنصار) فهذا الحب والبُغض اللذان هما من علامات الإيمان أو النفاق للأنصار إنما مرده إلى حب الأنصار؛ لأنهم نصروا الله ورسوله، فإذا كان هؤلاء في أفغانستان قد نصروا الله تعالى ورسوله، وعملوا بالشرع بالليل والنهار، وأفنوا حياتهم في سبيل إعلاء كلمة التوحيد فإن مبغضهم منافق.
معنى الصبر: الحبس على الأكل والشرب حتى الموت، وكذلك أن يُقيّد ويُكبّل من يديه من خلف ظهره ويُطعن، هذا أيضاً قتل صبر، وقتل الصبر أنواع كثيرة. فلا يُقتل قرشي صبراً بعد الفتح. أي: بعد فتح مكة.
فحينما كان في لسان العرب اسمه: العاصي وأسلم سماه النبي عليه الصلاة والسلام مطيعاً.
فالذي زكاه هو النبي عليه الصلاة والسلام، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يغيّر الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة، كما أراد أن يغير اسم حزن؛ لأن الحزن بمعنى: الصعب الشديد. قال ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل. قال: لا. أنا حزن ، السهل يرتقى -يعني: دعني كما أنا حزن- وهو جد سعيد بن المسيب ، فـسعيد بن المسيب بن حزن أبوه وجده صحابيان، وسعيد من كبار التابعين، ومن أئمة الدين، ومن علماء المدينة المنورة.
قال سعيد : لا زلنا نشعر بالحزونة. أي: بالحدة والشدة والغلظة، مع أن أهل المدينة لا يتصفون بذلك؛ وذلك لأن جده رد على النبي عليه الصلاة والسلام اسم سهل، فلو قبِله لكانت فيه السهولة وفي أولاده.
قال: [سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة: (لا يُقتل قرشي صبراً بعد هذا اليوم -أي: بعد فتح مكة- إلى يوم القيامة)].
فهذه شهادة من النبي عليه الصلاة والسلام لقريش -وهم من أهل مكة- أنهم لا يُقتلون صبراً إلى قيام الساعة.
قال: [حدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي -وهو عبد الله بن نمير- حدثنا زكريا بهذا الإسناد. وزاد: قال: ولم يكن أسلم أحد من عصاة قريش غير مطيع].
أي: ممن كان اسمه في قريش العاص، العاص بن فلان والعاص بن فلان، والعاص بن فلان.. وكانوا أكثر من عشرين، لم يسلم منهم يوم الفتح إلا هذا الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم مطيعاً.
ومعنى (لا يُقتل قرشي صبراً بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة): الإعلام بأن قريشاً يسلمون كلهم. وهذه من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وإخباره بالغيب، ودليل ساطع من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام. فقوله: (لا يقتل قرشي صبراً) ليس نفياً بأن يقتل القرشي صبراً، وإنما هذا إخبار أن قريشاً كلهم سيسلمون، وفعلاً لم يبق أحد من قريش على الكفر والشرك، فهذا إعلام منه عليه الصلاة والسلام بأن قريشاً يسلمون كلهم، ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده ممن حورب وقتل صبراً. وليس المراد: أنهم لا يقتلون ظلماً صبراً، فقد جرى على قريش أكثر من معركة قُتلوا فيها صبراً. وإنما معناه: أن كل قريش يدخلون في دين الإسلام.
قال النووي: (قال القاضي عياض : العصاة هنا: جمع العاص، وهو من أسماء الأشخاص لا من الصفات، مثل العاص بن وائل السهمي والعاص بن هشام أبو البختري والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية والعاص بن هشام المخزومي والعاص بن منبه بن الحجاج، لم يسلم أحد من هؤلاء سوى العاص بن الأسود العذري، فغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه مطيعاً، وقد أسلم عصاة قريش وعتاتهم كلهم بحمد الله تعالى، ولكن بعد ذلك، وقد ترك النبي عليه الصلاة والسلام أبا جندل بن سهيل بن عمرو على اسمه، وهو ممن أسلم واسمه أيضاً العاص، فإذا صح هذا فيُحتمل أن هذا لمّا غلبت عليه كنيته وجُهِل اسمه؛ لأن كنيته أبو جندل وكان معروفاً ومشهوراً بذلك، إذ كان اسمه العاص ؛ ولذلك لم يستثنه كما استثنى مطيع بن الأسود والله أعلم).
قال: باب: (صلح الحديبية في الحديبية)، أي: أن الصلح تم في الحديبية وليس في داخل مكة. والحديبية: مكان يبعد عن مكة بعض الأميال أو الفراسخ.
أي: أن الذي كان يكتب حينذاك وثيقة الصلح بين المسلمين والكافرين هو علي بن أبي طالب ، وهذا يدل على أن علياً كان كاتباً ولم يكن أمياً. قال: [(فكتب: هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله)] أي: ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [(فقالوا: لا تكتب: رسولُ الله، فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك)] أي: إذا أردت أن تكتب فاكتب: هذا ما كاتب عليه محمد بن عبد الله؛ لأننا لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، فكيف تحتج علينا بصفة لا نؤمن بها، ولا بد أن نتناقش بلغة نتفق عليها.
قال: [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ
قال: [(فقال
قال: [(فقال
حصل الاتفاق بين المشركين وبين النبي عليه الصلاة والسلام، وكان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الاتفاق هو علي بن أبي طالب ، والذي ناب عن قريش هو سهيل بن عمرو ، وكان هذا الصلح له ثلاثة شروط:
الشرط الأول: ألا يدخلوا مكة من هذا العام ويدخلوها من العام المقبل، ويمكثوا بها ثلاثة أيام فحسب، ولا يأتوا معهم من السلاح والكراع إلا الشيء اليسير.
الشرط الثاني: أن يرد المسلمون من أتاهم من المشركين مسلماً.
الشرط الثالث: ألا تُلزم قريش برد من أتاها مرتداً. أي: أن الذي يأتي إلى قريش من طرف محمد يقبلونه، ولا يلزمون برده، أما الذي يأتي مسلماً من قريش إلى محمد عليه الصلاة والسلام فلا يقبل، بل يجب على المسلمين رده.
قال: [(وكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثاً، ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح)] أي: الأجربة اليسيرة التي يوضع فيها السهم والرمح، أي: أنها أشياء لا تصلح للقتال إلا شيئاً يسيراً.
[قلت -أي: قال شعبة- لـأبي إسحاق : وما جلبان السلاح؟ قال: القراب وما فيه] أي: الجراب الذي يوضع فيه السيف.
وإنما اشترطوا هذا لوجهين: الوجه الأول: ألا يظهر منه دخول الغالبين القاهرين. أي: لتقول قريش: أن محمداً دخل بغير سلاح؛ لأنه لو دخل بسلاح فإنه سيدخل في صورة الداخل الفاتح المنتصر، فهم لا يريدون ذلك.
والثاني: أنه إن عُرض فتنة يكون هناك صعوبة في الاستعداد بالسلاح، أي: لا يجد سلاحاً يدافع به عن نفسه، ومع هذا رضي النبي عليه الصلاة والسلام بهذا.
[حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر -وهو المعروف بـغندر- حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول: (لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب
قال: [(فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك -وفي رواية: بايعناك- ولكن اكتب محمد بن عبد الله)] لأن هذا هو الاسم الذي نعرفك به ولا ننكرك، أما رسول الله فنحن ننكر ذلك.
قال: [(فأمر
إن النبي عليه الصلاة والسلام عازم على الوفاء بالعهد، وسيخرج من آخر اليوم، ولكنهم احتاطوا لأنفسهم، فنبّهوا علياً في أول النهار: [(هذا آخر يوم من شرط صاحبك فأمره فليخرج. فأخبره بذلك فقال: نعم)] أي: هذا شرط بيننا من العام الماضي أننا لو أتينا مكة في هذا العام لا نمكث بها إلا ثلاثة أيام وأنا أذكر هذا الشرط، وبالتالي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا من مكة وخرج أمامهم، دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها عليه الصلاة والسلام.
[وقال ابن جناب في روايته مكان تابعناك: (بايعناك)].
قال: [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـعلي : اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. قال
واليهود في المدينة كانوا يعظّمون اسم الرحمن، أما المشركون في مكة فما كانوا يعرفون الرحمن ولا الرحيم، إنما كانوا يعرفون (باسم الله) أو (باسمك اللهم)؛ ولذلك حينما دخل النبي عليه الصلاة والسلام المدينة وسمع به عبد الله بن سلام أتاه وقال: (يا محمد! إني سائلك ثلاثة أسئلة لا يعرفها إلا نبي أو رجل أو رجلان) أي: فإن أجبت فأنت نبي. فكان السؤال الأول هو: (ما أول طعام أهل الجنة؟) والسؤال الثاني: (ما أول أشراط الساعة؟) والسؤال الثالث: (كيف ينزع الولد؟) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما أول أشراط الساعة فنار تخرج من اليمن تحشر الناس إلى الشام، وإذا غلب ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه) أي: إذا سبق في الإنزال والقذف ماء الرجل ماء المرأة وافق الولد لأبيه، أي: في الذكورة أو في الشبه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إليها. أي: في الأنوثة أو في الشبه.
قال: (أشهد أنك نبي، وقال: يا
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه له أرض في عوالي المدينة، وذات يوم ذهب إلى أرضه فطمِع فيه يهود بني النضير. قالوا: يا عمر! لو كان ينزل على صاحبك غير جبريل لاتبعناه، فاذهب إليه واجعله يغيّر جبريل أو ينظر غيره من الملائكة. قال لهم عمر : أي يمين فيكم أعظم؟ يعني: بماذا أحلف لكم حتى تصدقوني؟ قالوا: الرحمن؛ لأنهم يطمعون في الجنة، والرحمن من الرحمة. فلما قالوا: الرحمن قال: والرحمن.
والشاهد: أن اليهود كانوا يعظّمون الرحمن، والله تعالى يقول: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110].
قال: [فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي بن أبي طالب : (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قال
ثم في الصحيح أن خباب بن الأرت أتى النبي صلى الله عليه وسلم -وكان ذلك في مكة قبل الهجرة، وقد نزل به وبأصحابه من المشركين أذى كثيراً- فقال خباب بن الأرت : (يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر لنا؟) ألا تطلب من ربنا النصر؟ ولا نريد أكثر من الدعاء، فدعاؤك مستجاب.
وفي البخاري قال: (فغضب النبي عليه الصلاة والسلام حتى احمرّ وجهه، وكان مسنداً ظهره فجلس، وقال: إنه من كان قبلكم ينشّر بالمناشير) أي: كان الرجل من أهل الإيمان ممن كان قبلكم كان يؤتى به فيُحفر له في الأرض ويوضع في هذه الحفرة ويُنشّر بالمناشير.
قال: (حتى يلقى على الأرض نصفين لا يرده ذلك عن دينه شيئاً) فلا تتصوروا لأنكم مسلمون موحدون أن ندعو الله أن يبعد عنكم هؤلاء المجرمين الظلمة الكفرة، لا بد أن تدفعوا ثمن الإيمان ويبتلى المرء على قدر دينه، فإذا كان في دينه صلابة وقوة زيد له في البلاء حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة، هذه سنة الله تعالى في أهل الإيمان في كل زمان ومكان، يموتون ويذهبون وتبقى دعوة قائمة. ما الذي يحول بينك وبين أن تختار ميتة شريفة تسعد بها في الدنيا والآخرة؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن من كان قبلكم كان ينشّر بالمناشير حتى يلقى على الأرض نصفين لا يرده ذلك عن دينه شيئاً، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون). ولم يقل: ائت بأصحابك حول الكعبة، فأدعو وأنتم تؤمنون خلفي، ولكنه صلى الله عليه وسلم بيّن له أنه لا يلزمه إلا صاحب العقيدة، أما المذبذب إذا أراد الخروج فليخرج، فإنه لا بد أن يتنقى الصف تماماً ويتميّز، صف النفاق والكفر في صعيد واحد، وصف الإيمان في صعيد آخر، ومن اهتم بجمع الناس أياً كانت أحوالهم ودياناتهم وعقائدهم وأخلاقهم لا يمكن أن يكتب له النجاح أبداً، فلا بد أن يكون المؤمنون جميعاً على عقيدة واحدة وفهم واحد وأصول واحدة. هذه هي الجماعة الحقة بإذن الله تعالى، وهي الجماعة الثابتة في الأرض ثبوت الجبال الرواسي، أما إذا كان بين الجماعة شيعي أو نصراني أو شخص لا يصلي فإنه لا يمكن أبداً أن تستقيم هذه الجماعة؛ لأنه ليس لها أصول ولا قواعد ولا آداب ولا أخلاق.
قال: [(قالوا: يا رسول الله! أنكتب هذا؟ قال: نعم. إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً)] رد الأمر إلى الله تعالى في شأن هؤلاء الذين يأتون مسلمين من مكة إلى المدينة فقال: هؤلاء في حماية الله وفي كنفه ورعايته، وسيجعل الله لهم مخرجاً.
سهل بن حنيف كان من الذين قاتلوا يوم صفّين، وكانت الحرب بين الخوارج وبين علي بن أبي طالب ، وكان سهل بن حنيف في جانب علي بن أبي طالب، وكان أصحاب معاوية حينما أحسّوا بالخطر رفعوا المصاحف على أسنة الرماح، وبعض ممن كان مع علي بن أبي طالب : قال: كيف نقاتل قوماً رفعوا كتاب الله. ولكن علي بن أبي طالب كان فطناً فعلِم أن هذه خدعة، فاضطر إلى التحكيم والصلح وكان أصحابه يرفضون الصلح، فقام سهل بن حنيف خطيباً فيهم وقال: (أيها الناس! اتهموا أنفسكم) أي: أنه ينبغي أن تعتقدوا أنكم أخطأتم، ويجب أن تكونوا تبعاً لإمامكم علي بن أبي طالب ؛ لأنه أعرف الناس وأفهمهم وأفظنهم، وإذا اختار الإمام خيرة فلا يجوز لأحد ممن كان معه أن يرى شيئاً آخر، وإن رأى شيئاً آخر فلا ينبغي أن يخالف في العمل إمامه؛ لأننا كنا في صلح الحديبية ننكر على النبي عليه الصلاة والسلام تلك الشروط التي وافق عليها في صلح الحديبية، ثم تبيّن لنا بعد ذلك أن الخير كل الخير فيما وافق النبي عليه الصلاة والسلام عليه.
قال: [(أيها الناس! اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه سلم وبين المشركين، فجاء
قال: [(فقال: يا
قال: [(فقال: يا
قال: [(فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح)] أي: أنزل الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] والفتح المبين: هو فتح مكة، وهذه الآية نزلت بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة، والله تعالى أعلم. قال: إِنَّا فَتَحْنَا [الفتح:1] ولم يقل: إنا سنفتح، خاطبه بأسلوب الماضي للدلالة على تحقق ما سيأتي في المستقبل مع أنه لم يتم الفتح بعد، ولكنه سيتم.
قال: [(فأرسل إلى
قال: [(ووالله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر قط إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه إلا أمركم هذا...)] أي: القتال الواقع بينكم وبين أهل الشام.
إن يوم أبي جندل رضي الله عنه كان يوماً عجيباً جداً؛ وذلك لما حصل في أثناء كتابة وثيقة الصلح التي بين المشركين وبين النبي عليه الصلاة والسلام، كان فيها: من أتاكم منا يا محمد! لا تقبلوه بل يجب عليكم رده. ذكر البخاري أن أبا جندل كان أسلم ونزل من طريق سفلي حتى هبط إلى المسلمين في الحديبية، وكان أبو جندل في معسكر الشرك أثناء كتابة الصحيفة، فقال سهيل بن عمرو : يا محمد! هذا أول شرط معك قد أتاك أبو جندل مسلماً منا إذاً: وجب عليك رده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم نكتب الصحيفة بعد. وذلك أنه لم يتم الختم عليها، ولا تتم الصحيفة إلا بالأختام، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له ختم. قال: إذاً والله لا أُعاهدك أبداً على شيء. وسهيل بن عمرو والد أبي جندل ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ردوا عليه ولده، فقام أبو جندل يضرب الأرض ويقول: كيف تردونني إلى المشركين وقد أتيتكم مسلماً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ردوه إلى قومه. فردّوه إلى قومه، وحينما وثق النبي عليه الصلاة والسلام الصحيفة رجع إلى المدينة، فأتاه أبو بصير من مكة مسلماً، وكان في إثره اثنان من زعماء قريش من المشركين، فقالا: يا محمد! قد أتاك منا أبو بصير وإنه ليلزمك أن ترده إلينا حسب الاتفاق الذي بيننا وبينك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـأبي بصير : (اذهب معهم لا نقبلك. قال: سمعاً وطاعة لرسول الله) والحديث في البخاري. فمشى معهما أبو بصير حتى نزلوا ذا الحليفة وهو ميقات أهل المدينة، فقال أبو بصير لأحدهما: ما أجمل سيفك! قال: نعم. ما أجمله وأحده، لقد قتلت به فلاناً وفلاناً وفلاناً وصار يعدد شمائل هذا السيف. فقال: أرني أنظر إليه، فدفعه إليه فقام إليه أبو بصير فقتله، فلما رأى الثاني ما كان من أبي بصير ولى هارباً إلى المدينة، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد ذعر فلان) أي: أصابه الفزع، وكأن شيئاً قد حصل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل أبي بصير صاحبه. ولم يرجع أبو بصير إلى المدينة، بل اختبأ في الطريق المؤدي ما بين مكة والشام، وذاع أمره وانتشر صيته في الأرض، فعلم أهل مكة أن أبا بصير في الطريق، فلحق به أبو جندل ، وأنتم تعملون أن قتال الكهوف والجبال ليس له حل، وكان كل من أسلم من قريش لحق بـأبي جندل وأبي بصير ؛ حتى كونوا جيشاً عظيماً، وكلما مرت قافلة لأهل مكة ذاهبة إلى الشام أو قادمة من الشام إلى مكة خرجوا إليها وقتلوا من فيها، وأخذوا ما معهم من إبل وزاد وطعام وشراب.
إذاً: الشرط الذي تضايق منه عمر كان شرطاً جميلاً جداً، ولكنكم فعلاً قوم تستعجلون!!
قال: [وحدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أسامة عن مالك بن مغول عن أبي حَصين] وهو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي ثقة ثبت سني، وكانت كلمة سني عند السلف تُطلق على الرجل الداعية إلى مذهب السلف في الاعتقاد خلافاً للشيعة.
قال: [قال: عن أبي حَصين عن أبي وائل قال: سمعت سهل بن حنيف بصفين يقول: (اتهموا رأيكم على دينكم، فلقد رأيتني يوم
قال: [وحدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: (لما نزلت: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] إلى قوله: فَوْزًا عَظِيمًا [الفتح:5] مرجعه من الحديبية)] أي: أن الآيات هذه نزلت عليه بعد وثيقة الصلح وهو راجع من الحديبية إلى المدينة، فنزلت هذه الآيات في الطريق.
قال: [(وهم يخالطهم الحزن والكآبة) إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد نحر الهدي بالحديبية. فقال: لقد أنزلت على آية هي أحب إلي من الدنيا جميعاً)] أي أنها نزلت علي آية تبشرني بأن ما نحن بصدده هو عين النصر، مع أن الظاهر للعيان أنه الهزيمة الساحقة، لكنه في حقيقته هو النصر المبين من عند الله، قال تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] وليس أي فتح.
وأرجح الأقوال قول مالك حيث قال: مرد ذلك إلى الإمام، ويراعي في ذلك مصلحة المسلمين، لا حد لذلك، بل يجوز ذلك -قل أم كثر- بحسب رأي الإمام.
وأما جواب أبي بكر رضي الله عنه لـعمر بمثل جواب النبي عليه الصلاة والسلام فهو من الدلائل الظاهرة على عظيم فضله وبارع علمه وزيادة عرفانه، ورسوخه في كل ذلك، وزيادته فيه كله على غيره رضي الله عنه.
فالأمر شورى وليس ديمقراطية، فالديمقراطية ليست مذهباً شرعياً وإسلامياً، بل هو مذهب كفري؛ لأنها تعني: أن الحكم لغير الله؛ فتعريف الديمقراطية: حكم الشعب بالشعب، أي الناس هم الذين يحكمون بعضهم البعض، والله سبحانه وتعالى ليس له علاقة بالناس، فأين الحاكمية لله عز وجل؟
إذاً: كلمة الديمقراطية تعني: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، والدين في المساجد، وكان من قبل يقولون لنا: إن الدين النصراني داخل الكنيسة، فهو ليس له علاقة بالحياة، والآن تريد النصرانية الصليبية العالمية قتال الإسلام، وهذا دليل على كذبهم.
وأراد النبي عليه الصلاة والسلام بذلك تصبير الناس على الصلح، وإعلامهم بما يرجى بعده من الخير، فإنه يرجى مصيره إلى خير، وإن كان ظاهره في الابتداء مما تكرهه النفوس، كما كان شأن صلح الحديبية، وهذا الحديث من المعجزات.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على النبي محمد.
الجواب: رفع المصاحف على أسنّة السيوف والرماح ليس كفراً ولا خطيئة، وإنما فعلوا ذلك إعلاماً منهم أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى كتاب الله، ولا يجوز لك يا أخي المسلم! أن تخوض في هذه الفتنة، فمثلك كمثل رجل يحرص أن يعرف كيف يصلي وكيف يصوم، ومنهج سلف الأمة أننا لا نخوض فيما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم، ونحسّن الظن بهم جميعاً، وأن ما وقع بينهم لم يكن إلا عن اجتهاد.
الجواب: أحسنت المخرج، إذا ترتب على ذلك مضرة عظيمة لك فكل وتصدّق بثمنه، ولا بأس أن تكون هذه الصدقة في وسط الجند، أي: في نفس المكان.
الجواب: على أية حال الصداق ليس لأكثره حد، وأقله ما تعارف عليه العرف أنه مال، بل من صحابيات النبي عليه الصلاة والسلام من قبِلت أن تتزوج على نعل. أترضين من نفسكِ بنعل؟ قالت: بلى، أنا أقبل أن يكون صداقي هو النعل. والحقيقة لا يزال الخير في الأمة، ولي أخ تزوج وقدّم الصداق كتاب فتح الباري.
الجواب: حديث صحيح.
الجواب: الصلاة صحيحة، إذا كان يلحن لحناً خفياً لا يعرفه إلا أهل التخصص فلا بأس بذلك، في الغنة والمد والإخفاء والإدغام وغير ذلك، أما إذا كان يلحن لحناً جلياً يقلب المعاني رأساً على عقب، فهذا لا تصح الصلاة خلفه.
الجواب: لا، فأنت خرجت تطلب وتريد من يصلي معك جماعة، فأنت خرجت بنية الدخول مرة أخرى، وهذا لا يدخل في حديث النهي.
الجواب: لا يجوز له ذلك؛ لأن هذا الرجل الذي رست عليه المناقصة يبيع ما ليس عنده، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يبيع الرجل ما ليس عنده، ونهاه أن يبيع الشيء حتى ينقله إلى رحله، فالذي يبيع أشياء ليست عنده فالبيع ليس صحيحاً، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر