قال تعالى: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:45-46]، وقال تعالى: فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الطور:45-47].
وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا، وأن يراد به عذابهم في البرزخ، وهو أظهر؛ لأن كثيراً منهم مات ولم يعذب في الدنيا، أو المراد أعم من ذلك ].
فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه. لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه. لا أدري، فينادي مناد من السماء أن: كذب، فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؛ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب! لا تقم الساعة
) رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وروى النسائي وابن ماجه أوله، ورواه الحاكم وأبو عوانة الإسفرائيني في صحيحيهما وابن حبان ].وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).
وفي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قبر أحدكم -أو الإنسان- أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر وللآخر: النكير) وذكر الحديث.
وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا تتكلم في كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذا الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا ].
كون الشرع لا يأتي بما تحيله العقول صحيح، بمعنى أنه لا يمكن أن يأتي بشيء يخالف العقل السليم؛ لأن العقل السليم مفطور على الاستقامة، وعلى التوافق مع الوحي؛ لأن الوحي هو كلام الله، والعقل السليم من خلقه، ولا يمكن أن يتعارض الخلق مع الأمر، فخلق الله وأمره متوافقان، لكن العقول المشوشة أو التي اعترضتها الأهواء، أو سوء التربية أو الجهل، أو تنازعتها المذاهب وأقوال الناس؛ ربما يتخيل أصحابها تخيلاً أو توهماً يحيله العقل، لكن المقصود هنا العقل السليم المهتدي بهدي الله عز وجل، فإن هذا العقل أي السليم الذي على الفطرة السلمية لا يمكن أن يتصور من أمور الشرع ما يناقض العقل.
لكن قد يأتي الشرع بما تحار فيه العقول، بمعنى أنه قد يأتي في الشرع ما لا تدركه العقول، فتحار فيه، والحيرة متوجهة إلى العقل بقدراته الناقصة، لا إلى الشرع، فحينما نقول: إن الشرع قد يأتي بما تحار فيه العقول؛ فإن الحيرة أتت من قصور العقول، لا من كون كلام الله عز وجل أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم يشتمل على المحارات في ذاته، أو على الأمور المحيرة المتشابهة، فهذا لا يمكن، لكن الحيرة تأتي من قصور العقل، والعقل مخلوق، والمخلوق محدود ويعتريه السهو والنسيان والخطأ، والفناء، والهوى، ونوازع الشيطان، وغير ذلك من الأمور التي تعتري العقل، فقد يحار في بعض الأمور التي جاء بها الشرع.
وحيرته لا تعني أن الشرع اشتمل على محارات، فالشرع لا يأتي إلا بالأمر البين، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدين بالواضحة البيضاء التي ليلها كنهارها، والوضوح لا يمكن أن يكون فيه شيء من المحارات، إنما المقصود أن عقول بعض البشر قد تحار في بعض الأمور الغيبية التي جاءت في كتاب الله، أو صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها إليه التفات ألبتة، فإنه ورد ردها إليه وقت سلام المسلم، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه؛ إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً، فالنوم أخو الموت، فتأمل هذا يزح عنك إشكالات كثيرة.
وليس السؤال في القبر للروح وحدها كما قال ابن حزم وغيره، وأفسد منه قول من قال: إنه للبدن بلا روح! والأحاديث الصحيحة ترد القولين، وكذلك عذاب القبر يكون للنفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب مفردة عن البدن ومتصلة به.
واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور.
وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه ونحو ذلك فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، فكم حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله! بل سوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد، والله المستعان ].
الحالة الأولى: أنه تعاد روحه إلى جسده في الحياة البرزخية، والحياة البرزخية هي الواسطة بين حياتين؛ إذ البرزخ هو الفاصل بين شيئين، فالطريق الفاصل بين أرضين يسمى برزخاً، والطريق بين البحرين يسمى برزخاً، فالبرزخ معناها حياة بين حياتين، بين حياة الدنيا وبين الحياة الآخرة.
فأول أحوال الإنسان أنه تعاد روحه في جسده، والثانية يأتيه ملكان، ويحصل له من الملكين ما يحصل، ومن ذلك أنهما يحاسبانه ويسألانه، وليس المراد الحساب التفصيلي الوارد بعد الحشر والبعث، إنما هو حساب محدود بهذه الأسئلة الثلاثة.
والملكان قيل: إنهما المنكر والنكير، وبعض أهل العلم يصحح حديث منكر ونكير الذي فيه اسماهما.
والحالة الثالثة: أنه يسأل عن ثلاثة أمور: عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم.
والحالة الرابعة: أنه يفرش له إذا كان مؤمناً من الجنة، نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهل الجنة.
وإذا كان من أهل الجنة فله حالة خامسة، وهي أن يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وريحها.
والحالة السادسة: أنه إذا كان أيضاً مؤمنا يفسح له في قبره مد بصره، وهذه مسألة غيبية أيضا أشكلت على بعض العقلانيين الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، فزعموا أن القبور المتقاربة لا يتأتى أن يمد لكل واحد من المؤمنين فيها مد بصره؛ لأنهم قاسوا أحوال البرزخ بأحوال الدنيا، وهو قياس فاسد؛ فإن ذلك أمر راجع إلى قدرة الله عز وجل، وراجع إلى الحياة البرزخية الغيبية بكل أجزائها، ولا تحكمها مقاييس الدنيا، لا بمسافات ولا بزمان ولا بمكان، إنما هي راجعة إلى قدرة الله عز وجل، وهذا أمر لا حد له، والخبر لا بد أن يصدق.
والحالة السابعة: أنه يأتيه رجل حسن الوجه إذا كان مؤمناً، وتنعكس الأحوال الأربعة الأخيرة بالنسبة للكافر، نسأل الله العافية.
فهذه أحوال سبعة ثبتت بالنصوص: إعادة الروح، وسؤال الملكين، وما يفرش له، وما يفتح له من باب، وكذلك أنه يمد له مد بصره، أو يضيق عليه إذا كان كافراً، نسأل الله السلامة، وأنه يأتيه رجل فإن كان مؤمناً كان حسن الوجه يؤنسه ويسعد به، وإن كان عمله سيئاً فيكون بمثابة الرجل القبيح الوجه، كما هو وارد في النصوص.
هذه الأحوال ثبتت فيها النصوص، ولم يجادل فيها أهل العلم، وإن كان بعض أهل العلم ناقش في بعض المسائل، لكن الغالب أن من ناقشوا هم من أهل الكلام، وليسوا من أهل السنة، وأن من روي عنهم هذا الشيء من بعض أهل السنة ربما لم يبلغهم الحديث، مع أني لا أعرف أن هذا من آراء أهل السنة، إنما هو من آراء المتكلمين، أي إنكار هذه الامور جميعاً أو بعض هذه الأمور، أو بعض هذه الاقوال.
وأما تسمية الملكين بمنكر ونكير فهذه مسألة راجعة إلى ثبوت الحديث الذي فيه التسمية، لكن لا أثر لها على ثبوت ورود خبر الملكين، فإن هذا أمر آخر، وقد خلط بعض المفسرين في هذه المسألة، فخلط بين إنكار اسم منكر ونكير، أو دعوى أنه لم يرد إلا في أحاديث ضعيفة، وبين مسألة ثبوت ورود الملكين، فالملكان لا شك أنهما يأتيان الإنسان في قبره، لكن تسمية الملكين بمنكر ونكير هذه راجعة -كما قلت- إلى صحة الحديث، والظاهر أن الحديث صحيح، والله أعلم.
وهل يدوم عذاب القبر أو ينقطع؟ جوابه أنه نوعان: منه ما هو دائم، كما قال تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] ].
أي: منه قسم دائم إلى قيام الساعة، فالدوام في حال الحياة الدنيا.
قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك في حديث البراء بن عازب في قصة الكافر: (ثم يفتح له باب إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة) رواه الإمام أحمد في بعض طرقه.
والنوع الثاني: أنه مدة ثم ينقطع، وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه كما تقدم ذكره في الممحصات العشرة ].
وقيل: إن أرواح المؤمنين بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها.
وقيل: على أفنية قبورهم.
وقال مالك : بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت.
وقالت طائفة: بل أرواح المؤمنين عند الله عز وجل، ولم يزيدوا على ذلك.
وقيل: إن أرواح المؤمنين بالجابية من دمشق، وأرواح الكافرين ببرهوت بئر بحضرموت.
وقال كعب : أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة، وأرواح الكافرين في سجين في الأرض السابعة تحت خد إبليس.
وقيل: أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكافرين ببئر برهوت.
وقيل: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله.
وقال ابن حزم وغيره: مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها.
وقال أبو عمر بن عبد البر : أرواح الشهداء في الجنة وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم.
وعن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش تغدو وتروح إلى رياض الجنة، تأتي ربها كل يوم تسلم عليه.
وقالت فرقة: مستقرها العدم المحض، وهذا قول من يقول: إن النفس عرض من أعراض البدن كحياته وإدراكه! وقولهم مخالف للكتاب والسنة.
وقالت فرقة: مستقرها بعد الموت أبدان أخر تناسب أخلاقها وصفاتها التي اكتسبتها في حال حياتها، فتصير كل روح إلى بدن حيوان يشاكل تلك الروح! وهذا قول التناسخية منكري المعاد، وهو قول خارج عن أهل الإسلام كلهم، ويضيق هذا المختصر عن بسط أدلة هذه الأقوال والكلام عليها. ويتلخص من أدلتها: أن الأرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت، فمنها: أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وهم متفاوتون في منازلهم، ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء لا كلهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه، كما في المسند عن محمد عبد الله بن جحش : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! مالي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: الجنة. فلما ولى قال: إلا الدين، سارني به جبرائيل آنفا).
ومن الأرواح من يكون محبوساً على باب الجنة، كما في الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت صاحبكم محبوساً على باب الجنة)، ومنهم من يكون محبوساً في قبره، ومنهم من يكون محبوساً في الأرض، ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة، كل ذلك تشهد له السنة، والله أعلم.
وأما الحياة التي اختص بها الشهيد وامتاز بها عن غيره في قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، وقوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154]؛ فهي أن الله تعالى جعل أرواحهم في أجواف طير خضر كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم -يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب مذللة في ظل العرش) الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وبمعناه في حديث ابن مسعود رواه مسلم .
فإنهم لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ أبدانا خيرا منها تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون تنعمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين، ففي الموطأ أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه).
فقوله: (نسمة المؤمن) تعم الشهيد وغيره، ثم خص الشهيد بأن قال: (هي في جوف طير خضر).
ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير، فتدخل في عموم الحديث الآخر بهذا الاعتبار، فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فرشهم، وإن كان الميت على فراشه أعلى درجة من كثير منهم، فله نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه، والله أعلم.
وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما روي في السنن، وأما الشهداء فقد شوهد منهم بعد مدد من دفنه كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة، والله أعلم.
وكأنه -والله أعلم- كلما كانت الشهادة أكمل والشهيد أفضل كان بقاء جسده أطول ].
الجواب: الشرك الأصغر داخل في عموم المعاصي والذنوب، ولا يدخل في الشرك من حيث الحكم، والشرك الأصغر يشمل الكبائر والبدع وما دون ذلك، فالبدع المغلظة والكبائر المغلظة التي لا تخرج من الملة كثير منها يدخل في الشرك الأصغر.
بل ما هو دون ذلك من بعض البدع يدخل في الشرك الأصغر، فعلى هذا فالمقصود بالشرك الذي لا يغفر هو الشرك الأكبر فقط.
الجواب: هذا السؤال فيه خطأ في التصور، ذلك أن عمل الملائكة لا يقاس بعمل البشر في المحدودية وفي الكيفية، فلو مات مائة ألف في لحظة واحدة ودفنوا في لحظات متقاربة فإن سؤال منكر ونكير يشملهم.
وكيفية ذلك الله أعلم بها، وليس هناك داع لنقيسها بمقاييس الدنيا، وأحوال البشر في الوقت والمكان والزمان.
فهذا القول لا يقال على سبيل تقرير أن منكراً ونكيراً وصف.
والحقيقة أنه لا يلزم أن يكون وصفاً، فربما يكون اسماً، وربما يكون الاسم مشتقاً من الوصف، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر