إسلام ويب

شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [9]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان موقف السلف حازماً مع من يشكك في ثوابت الدين، أو يحاول المساس بها؛ ولذا لم تظهر البدع في عهدهم كفرق لها مناهجها ودعاتها، وإنما ظهر أفراد دعوا إلى أمور تخالف الدين فكان السلف لهم بالمرصاد، فمنهم من قتل، ومنهم من أدب وعزر، ومنهم من اقتصر على هجره ونبذه وتحذير الناس من مجالسته ومخالطته، كل ذلك حماية لجناب التوحيد.

    1.   

    الرد على من أنكر أو أول صفة مجيء الله عز وجل وإتيانه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو عبد الله -أعني: ابن أبي حفص -: هذا عبد الله بن عثمان -وهو عبدان شيخ مرو- يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة : قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22] وقوله عز وجل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210]؟ وهل يجيء الملك صفاً صفاً؟

    قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذاك، ولا ندري كيفية جيئته.

    فقلنا لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفاً صفاً ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب، قلنا: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب ].

    هذه من أساليب السلف في الرد، وهي أساليب تميزت بالوضوح والإيجاز مع قوة الحجة والبعد عن التكلف، وهي حجة عقلية، هذه الحجة العقلية جمعت بين الاستدلال الشرعي والعقلي، فهي حجة كافية لمن أراد أن يقف على الحق، ولو تأملتم ما فيها من معاني ملزمة لوجدتم أنها كافية، لكن غالب أهل الأهواء تقوم أهواؤهم على المراء والجدل والانتصار للنفس والرأي، وإلا فهي أدلة شرعية عقلية فطرية فيها البساطة والوضوح واليسر، بعيدة عن التعقيد وعن التفلسف أو إثارة الإشكالات والمراء والجدل.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال الفضيل بن عياض : إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ].

    كذلك هذه من الحج السهلة القوية الفطرية التي لا تحتاج إلى مزيد تكلف، والذي يريد الحق يتبين له الكلام أو الحق من مثل هذا الكلام الموجز البين المبسط الواضح الذي يفهمه صغار طلاب العلم فضلاً عن كباره.

    1.   

    موقف السلف من أخبار الصفات

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وعن جرير بن عبد الله في الرؤية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر)، فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد ! ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحرد، وقال: ما أشبهك بـصبيغ! وأحوجك إلى مثل ما فعل به! ويلك! ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه واستخف بدينه، إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوه، ولا تبتدعوا فيه، فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم.

    وقصة صبيغ الذي قال يزيد بن هارون للسائل: ما أشبهك بـصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به! هي: ما رواه يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : (أن صبيغاً التميمي أتى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا [الذاريات:1]، قال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن الْحَامِلاتِ وِقْرًا [الذاريات:2]، قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن الْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا [الذاريات:4] قال: الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن الْجَارِيَاتِ يُسْرًا [الذاريات:3] قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: ثم أمر به فضرب مائة سوط، ثم جعله في بيت حتى إذا برأ دعا به، ثم ضربه مائة سوط أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : أن حرم عليه مجالسة الناس، فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى الأشعري ، فحلف له بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجده شيئاً، فكتب إلى عمر بخبره، فكتب إليه: ما إخاله إلا قد صدق، خل بينه وبين مجالسة الناس) ].

    مثل هذا الإجراء من عمر رضي الله عنه أفاد الأمة وأدب الناس دهراً طويلاً، ولذلك تأخر القول بالقدر، مع أنه من النزعات التي تحدث في الأمم قبل غيرها، خاصة ضعاف العقول وضعاف الدين فإنهم ينزعون إلى التشكيك في القدر، ودخول المفسدين في الديانات من خلال القدر عادة يبدأ مبكراً، لكن هذا الموقف الحازم من عمر رضي الله عنه وما سبقه من تهديده لـبطريق في الشام.. ونحو هذه الأمور التي كان عمر يدافع بها عن العقيدة هذا أجّل القول في القدر إلى ما بعد منتصف القرن الأول الهجري.

    ثم إن هذه القصة وردت في سياقات كثيرة ولها أسانيد بعضها صحيح، وفي هذه القصة أن صبيغاً كان يسأل، ومجرد السؤال ليس فيه عيب، لكن كان صبيغ يثير هذه الإشكالات عند الجهال، وكان يكرر هذا الكلام بين الجهلة، كما جاء في سياق آخر في القصة، وكان ينهاه أهل العلم ولا ينتهي، ويثير هذه المسائل وغير هذه المسائل، والأمور الغيبية وأمور القدر كان يثير منها أشياء على سبيل المراء والجدل والتعنت والتعالي والغرور، فمحاورة عمر رضي الله عنه معه كانت أنموذجاً لما كان يحدث، وإلا لو كان جاء ليستفهم من عمر كما يستفهم طلاب العلم لما أدبه عمر على هذا النحو، لكن عمر رضي الله عنه عرف ما كان يحدث منه في أكثر من موقع وأكثر من مقام، كما هو معروف في القصة.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى حماد بن زيد عن قطن بن كعب سمعت رجلاً من بني عجل يقال له: فلان -خلته ابن زرعة - يحدث عن أبيه قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلق، فكلما جلس إلى قوم لا يعرفونه ناداهم أهل الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين.

    وروى حماد بن زيد أيضاً عن يزيد بن أبي حازم عن سليمان بن يسار : أن رجلاً من بني تميم يقال له: صبيغ قدم المدينة، فكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر ، فبعث إليه، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ ، قال: وأنا عبد الله عمر ، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي ].

    هنا أحب أن نقف على بعض الفوائد:

    الفائدة الأولى: فيما يتعلق بمنهج السلف في الهجر: الهجر يعتبر منهجاً شرعياً لتأديب المبتدعة والعصاة، لكن له شروطه وضوابطه، وأهم هذه الشروط والضوابط: أن يكون للهجر فائدة، بمعنى: أن يعود المهجور عما هجر بسببه، وأن يستفيد الآخرون، أو على الأقل تضمن السلامة للآخرين بحيث لا يتعدى الضرر إليهم، وأحياناً يجتمع -وهو الغالب- الأمران: يرتدع المهجور، وكذلك يرتدع الناس.

    لكن إذا افترضنا أن الناس لم يكن لهم التزام بالهجر، كما هو حاصل في عصرنا هذا، أو يكون الهجر يؤدي إلى جرأة المهجور وشهرته وشهرة العمل الذي هجر من أجله، أو يؤدي إلى رواج البدعة والمعصية، أو يؤدي إلى تعاطف طوائف من الناس مع هذا المهجور، كما هو حاصل الآن في كثير من بلاد المسلمين؛ لأن البدعة سادت والمعاصي والفجور ساد، وأهلها متمكنون، فالهجر في الغالب في مثل هذه الظروف يؤدي إلى نتيجة عكسية.

    إذاً: القصد جلب المصلحة ودفع المفسدة عن الأمة، وإذا لم يتحقق ذلك أو تحقق العكس فالهجر ينبغي أن يتأنى فيه.

    ثم إن الهجر لا يكون في الغالب إلا ممن يطاع، كالوالد لولده، والإمام العالم الكبير الذي يطاع في الأمة.. ونحوهم، فلابد من مراعاة هذا الأمر في مسألة الهجر.

    وإذا كان الهجر يؤدي إلى رواج المعصية ورواج البدعة ويؤدي إلى قوة المهجور وتعاطف الناس معه فيجب الكف عن هذا؛ لأن القصد مصلحة الناس في دينهم ودفع الشر عنهم، وإذا كان الهجر يؤدي إلى رواج البدعة ورواج الفجور والمعصية، كما هو حاصل في كثير من أحوال المسلمين اليوم، فينبغي ألا يمارس الهجر إلا تحت الولاية الصغرى، ولاية الأب لابنه، إذا كان هذا ينفعه؛ لأنه حتى في هجر الأب لابنه أحياناً يؤدي إلى نتائج عكسية، فأحياناً قد يكون هجر الابن سبباً في ذهابه إلى مجالات الفجور والفساد، وإلى محاضن تفسد دينه ودنياه، كما هو حاصل اليوم في كثير من أحوال الأمة، فينبغي أن يضبط الأمر بالضوابط الشرعية.

    والهجر ليس له ضابط محدود، بل الهجر في كل زمن بحسبه، وفي كل حال بحسبها، ويرجع إلى السبب الذي من أجله هجر الشخص، وإلى الهاجر والمهجور، فالهجر أنواع وأشكال، أحياناً قد يؤدي إلى عدم السلام، وأحياناً يكون مجرد الإعراض عن الشخص، وأحياناً يكون بمجرد المجانبة، فلا يجالسه.. إلى آخره، مع بقاء ضروريات كونه يسلم عليه.

    فالهجر ليس له قاعدة دقيقة، والهجر: هو اعتزال الشخص ومجانبة الشخص بقدر ما يؤدي إلى المصلحة أو يدفع المفسدة، وهذا يختلف من حال إلى حال ومن شخص إلى شخص.

    1.   

    الأسئلة

    شروط المحبة في الله وضوابطها

    السؤال: هل للمحبة في الله شروط؟

    الجواب: المحبة في الله أهم ضابط لها أن يكون المحبوب من أولياء الله ومن المتقين الصالحين، وألا يكون للمحبة أغراض أخرى أو دوافع أخرى عاطفية أو دنيوية.. أو غيرها.

    الغلو بين الرافضة والصوفية

    السؤال: ما هو الفرق بين غلو الرافضة وغلو الصوفية؟

    الجواب: لا فرق بين غلو الرافضة وغلو الصوفية إلا في الشكليات، وفي المصطلحات فقط، أما المؤدى العقدي فلا فرق بين غلو الصوفية وغلو الرافضة.

    حكم ذبائح الدروز والنصيريين

    السؤال: ما حكم ذبائح الدروز والنصيريين؟

    الجواب: الدروز والنصيريون ومن كان على شاكلتهم لا تؤكل ذبائحهم، فإذا جزمت بأن ما في أيديهم أو ما يبيعونه من الطعام من ذبحهم فلا يجوز أكله أبداً بحال. والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765797178