[ واعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم، وكفى به فرقة وطعناً عليهم، وهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه ].
هنا ذكر مستلزمات الإسلام، الأصول التي يستلزمها الإسلام:
الأصل الأول: التصديق، والشيخ لم يذكرها مرتبة.
الأصل الثاني: التسليم؛ لأن التسليم معنى زائد عن التصديق؛ ذلك أن كثيراً من البشر قد يصدقون الأنبياء في الجملة، لكن لا يسلمون لهم في الجانب العملي، أو لا يخضعون خضوعاً قلبياً ولا خضوعاً عملياً.
إذاً: المستلزم الأول للإسلام هو تصديق ما جاء به الرسل عموماً، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص من قول أو فعل أو تقرير، وأول ذلك التصديق بالقرآن الذي جاء عن الله عز وجل.
ثانياً: التسليم، ومعناه: تسليم القلب وتسليم الجوارح.
ثالثاً: الاتباع، وهو ما نعبر عنه بالتطبيق، أي: العمل بمقتضى الدين، والاتباع للطريق المستقيم، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والقول والعمل، ثم اتباع سبيل المؤمنين الذي هو صراط الله المستقيم.
إذاً: فهذه المستلزمات الثلاثة لا يصح الإسلام إلا بها جميعاً: التصديق فالتسليم فالاتباع.
المقصود بالقياس الممنوع: القياس في أمور الاعتقاد ومناهج السنة وأصول الدين؛ لأنها توقيفية، والموضوع هنا موضوع العقيدة، فالسنة المقصود بها العقيدة كما عنون لها الشيخ هنا، ولا قياس فيها؛ لأنها تنبني على الأصول القطعية وعلى مناهج الدين العلمية والعملية، ومناهج الدين أصول توقيفية، مأخوذة عما جاء عن الله تعالى وثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه السلف من سنة الخلفاء الراشدين وما اتفقوا عليه بعد ذلك، فهذه أمور لا قياس فيها.
أما القياس الفقهي، القائم على قاعدة شرعية مستمدة من النصوص، وهو قياس النوازل الحادثة في تصرفات البشر على ما سبق مما هو من سنن الهدى أو مما تقرر في النصوص، فهذا لا يدخل في مفهوم القياس الوارد في العقيدة، فيجوز أن تقاس قضية اجتهادية على قضية سبقت، وعليه عمل المسلمين.
إذاً: فينبغي أن نفهم معنى القياس الممنوع، وهو القياس في أصول الدين وفي قضايا العقيدة، فلا قياس فيها لأنها توقيفية لا زيادة فيها ولا نقص.
قال رحمه الله تعالى: [ والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث، يقدح الشك في القلب، وإن أصاب صاحبه الحق والسنة ].
وهذه قاعدة عظيمة من القواعد المقررة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفق عليها السلف، وهي: أن الكلام والخصومة في الدين وما يستتبعهما من المراء والجدل كل ذلك حرام، وما حدث من المراء منذ نهاية القرن الأول أمر محدث لم يكن عليه سلف الأمة، وإنما أحدثته الفرق، ومع ذلك بقي الصحابة والتابعون والسلف وأئمة الدين يتفادون الوقوع في المراء والجدل إلا في حالات ضرورية يضطرون فيها لنصر الدين بالجدال بالتي هي أحسن، كما حدث من ابن عباس وعلي بن أبي طالب مع الخوارج، وكما حدث من بعض أئمة السلف كـالأوزاعي والثوري وغيرهم مع القدرية والجهمية.
ثم بعد ذلك لما كثرت الفرق صارت للسلف بعض المواقف لجئوا فيها إلى الجدال لكن بدون مراء، فما كانوا يلجئون إلى المراء، وكان هذا مما يستفز الخصوم، كما حدث من الإمام أحمد رحمه الله، حيث كان لا يجادل بأكثر من إقامة الدليل، وإذا وجد أن خصمه يماري سكت، وكان سكوته مما يغضب عليه بعض الخلفاء والرءوس الذين حضروا المجادلة أو حضروا المناظرة؛ لأن السلف يرون أن القصد بالجدل هو إقامة الحجة، وما عدا ذلك إذا تبين أن الخصم يماري فيكرر القضية بأكثر مما يحتاج الناس، فهذا لا ينبغي أن يتمادى معه صاحب الحق.
إذاً: الجدال والمراء محدث؛ لأن مبنى الدين على التسليم، كما أن من ثمرات المراء أنه يقدح الشك في القلب، وذلك أن الدين مبناه على التسليم والتثبيت واليقين، فأي سؤال ينشأ ولو على سبيل الافتراض فإنه يحدث في النفس شيئاً، سواء لمن أنشأه أو لمن سمعه شاء الإنسان أم أبى، ولذلك نجد أن نصوص الشرع التي وردت في الرد على أهل الأهواء جاءت مختصرة لا تثير الشكوك، إنما تبني اليقين بالبدهيات الفطرية والعقلية، كما هو ظاهر من الردود التي ذكرها الله عز وجل في كتابه على الكفار والمشركين، فالبرهان العقلي الذي استدل به القرآن يتكون غالباً من كلمتين أو ثلاث، وهذا هو الذي قد يحتاجه من يجادل أهل الباطل، لكن إثارة الشكوك أو الافتراضات أو حتى التمادي في الإجابة على شكوك المشككين لا يستقيم على المنهج الحق ومنهج أهل السنة والجماعة.
ولذلك فإن عجوز نيسابور لما رأت الرازي مع تلاميذه بالعشرات وهم يكتبون ما يتلفظ به من الأوهام والخيالات وسفاسف الأمور؛ ومن إعجابهم به كانوا يحيطون به كإحاطة الناس بالزعماء والملوك والسلاطين، فلما رأتهم تعجبت وقالت لأحد تلاميذ الرازي : من هذا الرجل، أهو السلطان؟ قال: لا، قالت: أهو نائب السلطان؟ قال: لا، قالت: أهو القائد فلان؟ قال: لا.. قالت: إذاً فمن يكون؟ قال: هذا العالم فلان الذي يملك على وجود الله ألف دليل، قالت: لقد والله تعس وخسر وخاب، أفي الله شك؟ إن كان الأمر كما تقول، فإن في قلبه ألف شك.
أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم:10]، هذا هو مقتضى الفطرة، ولذلك فإن الشك سواء كان على سبيل الافتراض أو كان حقيقياً أو أحدثه السؤال أو أنشأه المراء والجدال، فإنه باب ضلالة وفتنة، وينبغي لطالب العلم ألا يعرض نفسه ولا غيره لأي نوع من أنواع الشك بقصده، أما إذا حدث من غير قصد، فينبغي أن يعالج الشك بأقصى درجات الكتمان، وألا يوسع دائرة الجواب على الشكوك في الدروس العامة والمنابر والمناظرات.
هذا تفصيل للإجمال السابق، حينما ذكر أن الكلام والخصومات والجدال والمراء محدثات، ذكر أعظم وأخطر الكلام والخصومات، وهي الخصومات في الله عز وجل، فذكر أن الكلام في الرب عز وجل محدث؛ لأن الأصل في الناس التسليم بالعقل والفطرة فيما يتعلق بالله عز وجل على جهة الإجلال، ثم التسليم المطلق فيما ثبت عن الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته على سبيل التفصيل، ولا طاقة للعقول في أن تتكلم عن الله عز وجل، وذلك ورد الإرشاد إلى التفكر في خلق الله وآلائه وما يدل على اليقين بحقوقه عز وجل، ولا يكون التفكر في ذات الله؛ لأنه مما لا طاقة للعقول به، ولأن الإيمان بالله ينبني على التسليم، هذا أمر.
الأمر الآخر: أن الكلام في الرب عز وجل لا شك أنه سوء أدب؛ لأن الله عز وجل كفانا كل ما يتعلق بذاته وأسمائه وصفاته، فقد ذكر الله لنا من صفات الكمال له ما لا يمكن أن يخطر على بال بشر، ولو تكلم البشر بجميع ألسنتهم ولغاتهم وبجميع قواهم العقلية ليأتوا بصفة لله أعظم مما وصف به نفسه ما استطاعوا أبداً، بل كثير مما وصف الله به نفسه في كتابه مما لا يمكن أن يدرك بالعقول.
فإذاً: لا حاجة للناس أن يتكلموا في الرب عز وجل وقد نهوا عن ذلك، وهو تطاول على الله عز وجل ورجم بالغيب.
ومن هنا ندرك خطورة مناهج المتكلمين، أما الجهمية والمعتزلة فعوار منهجهم واضح، لكن البلوى عمت بمن جاء بعدهم من المتكلمين الذين هم أقرب إلى السنة، كمتكلمة الأشاعرة والماتريدية، هؤلاء لا يعرفون غالباً من التوحيد إلا الثرثرة في أسماء الله وصفاته وأفعاله وتوحيد الربوبية، وارتقوا مرتقى صعباً لا طاقة لهم فيه، فأخذوا يقررون توحيد الربوبية ويتكلمون في الأسماء والصفات بقواعد عقلية لم ترد في كتاب ولا سنة، إنما هي أوهام ما زادت على أن أوقعت فيهم الشك في أسماء الله وصفاته، فوقعوا في التأويل، حتى أنهم لم يثبتوا لله عز وجل إلا سبع صفات وابتدعت الماتريدية صفة ثامنة أيضاً، وأنكروا بقية الصفات؛ لأنهم خاضوا في الله عز وجل وفي ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله بغير ما ورد في الكتاب والسنة، ثم لم يسلموا بما ورد في الكتاب والسنة، وكان هذا لهم جزاءً وفاقاً، فكل من عدل عن شيء من السنة ابتلي بالبدعة، فلما عدلوا عن الإقرار بأسماء الله وصفاته وصفوا الله بما لم يصف به نفسه، تورعوا عن أن يصفوا الله بصفاته الواردة في الكتاب والسنة تورعاً كاذباً، فوقعوا في أن وصفوا الله بالأوصاف البدعية، فقالوا: ليس بعرض ولا جوهر ولا بجهة ولا مباين ولا مفاصل ولا داخل العالم ولا خارجه ولا.. ولا، من اللاءات التي تجعل الله عز وجل على صورة المعدوم، تعالى الله عما يزعمون.
إذاً: كل ذلك منشؤه ما أحدثته الجهمية تبعاً للفلاسفة من الكلام في الرب عز وجل، وهو بدعة وضلالة كما قال الشيخ، فلا يُتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، مع إثبات جميع وصفه به، ونفي المشابهة على قاعدة قوله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ربنا أول بلا متى، وآخر بلا منتهى، يعلم السر وأخفى، وعلى عرشه استوى، وعلمه بكل مكان، لا يخلو من علمه مكان، ولا يقول في صفات الرب: كيف ولم إلا شاك في الله تبارك وتعالى.
والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره؛ ليس بمخلوق، لأن القرآن من الله، وما كان من الله فليس بمخلوق، وهكذا قال مالك بن أنس وأحمد بن حنبل والفقهاء قبلهما وبعدهما، والمراء فيه كفر.
والإيمان بالرؤية يوم القيامة؛ يرون الله عز وجل بأبصار رءوسهم، وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا ترجمان.
والإيمان بالميزان يوم القيامة ].
المرحلة الأولى: يراه جميع البشر، لكنها رؤية مجملة، ليس عندنا يقين بأنها بصرية، فربما تكون رؤية قلبية.
وهي رؤية تليق بجلاله عز وجل، وتكون بحسب أحوالهم، فالمؤمنون يتمتعون بهذه الرؤية -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- والمنافقون والكفار لا يتمتعون بها، بل يرونه رؤية المذنب المنكسر الحسير الذي لا يمكن أن يتمتع بهذه الرؤية، بل يعذب بها؛ لأنه عاص لربه.
المرحلة الثانية: وهي في المحشر أيضاً، وهي أن يراه المؤمنون دون المنافقين ودون الكفار، حيث يحتجب عز وجل عن الكفار والمنافقين.
وبعضهم قسمها إلى ثلاث: الرؤية العامة لجميع البشر، والرؤية الثانية يراه المؤمنون ومعهم منافقون؛ لأنهم كانوا يزعمون في الدنيا أنهم مع المؤمنين فيطمعون في هذه الرؤية، مما يجعل العذاب عليهم بعد ذلك أشد، فيطمعهم عز وجل برؤية ثانية، ثم في رؤية ثالثة يحتجب الله عن المنافقين كما احتجب عن الكفار ولا يراه إلا المؤمنون، وهذا وردت فيه الروايات بإجمال.
فهذه رؤية تكون بالأبصار بعيون رءوسهم، أما رؤيتهم وهو يحاسبهم فهي الرؤية العامة، ولا شك أنها بلا حجاب ولا ترجمان، أما رؤية في الجنة فهي بعين رءوسهم، أما الرؤية العامة فهي مجملة ليس عندنا عليها قطع بأنها عينية.
هذا الكلام ليس عليه دليل، بل ربما يكون من الأمور التي لا أصل لها، حتى ما ورد فيه من حديث فهو موضوع؛ أعني القول بأن صالحاً النبي صلى الله عليه وسلم حوضه ضرع ناقته، فإن ثبت أن لكل الأنبياء حوض يوم القيامة، فكذلك نبي الله صالح فهو ضمن الأنبياء.
إذاً: الأصل الإيمان بحوض النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد مفصلاً بعرضه وطوله وشكله وهيئته وما يدور حوله من مشاهد القيامة، وأن لكل نبي حوضاً، كذلك ثبت في آثار وأحاديث، ويدخل في ذلك صالح عليه السلام، وما قيل من أن حوضه ضرع ناقته لا يصح.
هذه الشفاعة تسمى الشفاعة لأهل الكبائر، المذنبين الخاطئين، وليس الكفار، فالكفار الخلص ليس لهم شفاعة ولا تنفعهم شفاعة الشافعين.
قال رحمه الله تعالى: [ ويخرجهم من جوف جهنم، وما من نبي إلا له شفاعة، كذلك الصديقين والشهداء والصالحين ].
وورد أن للقرآن أيضاً شفاعة وللصيام شفاعة، والراجح أنها صحيحة.
قال رحمه الله تعالى: [ ولله بعد ذلك تفضل كثير فيمن يشاء، والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً ].
ثبت في الصحيح أن الله عز وجل حينما يأذن للشفعاء يشفع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويشفع النبيون عليهم السلام، ويشفع الصديقون والشهداء والصالحون ومن أذن الله لهم بالشفاعة، ثم بعد ذلك يقول الله عز وجل: لم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج من شاء، فيقبض قبضة بيده ممن لم يعملوا خيراً قط، ولله الأمر من قبل ومن بعد يفعل في خلقه ما يشاء، لا معقب لحكمه.
والإيمان بالأنبياء والملائكة، والإيمان بأن الجنة حق، والنار حق مخلوقتان؛ الجنة في السماء السابعة وسقفها العرش، والنار تحت الأرض السابعة السفلى وهما مخلوقتان، قد علم الله تعالى عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها، لا تفنيان أبداً، بقاؤهما مع بقاء الله تبارك وتعالى أبد الآبدين في دهر الداهرين ].
على أي حال أبدية الجنة والنار لا شك فيها، وهي رأي جمهور السلف، أما أبدية الجنة ونعيم الجنة فلا جدال فيه، وهو محل إجماع معلوم من الدين بالضرورة، وكذلك القول بأبدية النار هو الأصل، وإن نازع فيه بعض المجتهدين فنزاعهم محمول لا على فناء النار، إنما على انقطاع العذاب عند بعضهم، ومع ذلك فهذا رأي مرجوح لا ينبغي أن يخرج عن الأصل.
أما عبارة: (هما مع بقاء الله تبارك وتعالى) فيظهر لي أنها غير لائقة؛ لأنه لا يجوز أن نقرن شيئاً من خلق الله مع صفات الله عز وجل، فنقول: هما باقيتان لا تفنيان أبداً، فالذي يظهر لي أن العبارة ينبغي أن نتورع عنها؛ لأن الله عز وجل له الكمال المطلق، فهو الآخر الذي ليس بعده شيء. والله أعلم.
الجواب: أولاً: كلمة (بلا حجاب) لأن الله عز وجل يتبدى لعباده بلا حجاب بينهم وبينه على ما يليق بجلاله عز وجل، حتى أنه ورد في حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري وغيرهما قضية الصورة، أنهم يرونه في غير الصورة التي يعرفونها، ثم يرونه في الصورة التي يعرفونها، ففي الأولى يقولون: لست ربنا، وفي الثانية: يقولون: أنت ربنا، فهذا يدل على أنه ليس بينه وبينهم حجاب وهذا كلام مجمل أيضاً.
فأما المؤمنون فيحاسبون حساباً يسيراً، وأما العصاة والكفار فيحاسبون حساباً عسيراً، فالله عز وجل يكلم كل واحد من عباده كلاماً خاصاً بواحاً ليس بينه وبينه ترجمان، ويقول له: ألم تفعل كذا، ألم أستر عليك كذا.. إلى آخره، حتى أنه ورد في النص أن الله عز وجل يحاسبهم جميعاً في وقت واحد، وكل واحد يظن أن الله لا يحاسب غيره ولا يكلم غيره.
فالمقصود بالإشارة إلى الترجمان: أن الله يكلم عباده أفراداً كما يكلمهم جميعاً.
الجواب: قصده المشاهد التي مرت، وليس هناك خلاف في ترتيب المشاهد إلا فيما يتعلق بالحوض، مشاهد القيامة أولها البعث ثم النشور ثم الحشر، ثم بعد الحشر يكون الحساب، وأثناء الحساب تكون أمور مثل الصحف والميزان والكتب، ثم بعد ذلك يكون الصراط، وبقي الخلاف في الحوض، هل هو قبل الصراط أو بعده؟ هذه مسألة خلافية، ذكرت كمثال من الأمثلة التي أشكلت فيها الآثار.
الجواب: المراء في الدين هو الجدل في أمر الدين، والأصل في الدين هو إقرار الحق بدليله، أو السؤال عن الحق بدليله، لكن لا يكون هناك جدال، بمعنى أنه لو كان لك وجهة نظر مع دليلها فإنك تقولها ولا تزيد، فلا تكرر حجة، ثم تثير الشبه وترد على الشبه، ثم ترد على الرد، والآخر يرد على الرد.. وهكذا، كما يحدث في مجالس الناس الآن إذا أثيرت قضية شرعية تجد اللغط فيها والكلام ورفع الأصوات، وأحياناً التشابك بالأيدي، فهذا نموذج من المراء المحرم، بل من كبائر الذنوب، فلا يجوز للناس أن يتجادلوا، وإذا بحثوا قضية شرعية فينبغي أن يقفوا فيها على مجرد ما يوجد عند الحاضرين معلومة بدليلها. ولا داعي لإثارة إشكالات أو التعصب للرأي، والجزم بما يراه أحد الحاضرين، فالمراء هو ما يزيد عن مجرد ذكر القضية ودليلها.
والمحاورات والمناظرات التي تحدث في وسائل الإعلام خاصة في القنوات الفضائية الأصل فيها المنع، إلا في حالات استثنائية بشروطها؛ لكن لما عمت بها البلوى فأرى أنه لا مانع من أن يتصدى طالب العلم لأهل الباطل الذين يعرضون آراءهم في هذه القنوات، لكن بشرط أن يكون ملماً بالقضية التي سيناقش فيها وبأدلتها، وأن يكون ملماً بشبهة الخصم قبل أن يتعرض لها، وأن يكون عنده القدرة والجدارة، وأن يلتزم بشروط المناظرة، ويلزم خصمه بأن يضع شروطاً وضوابط في بداية المناظرة وبداية النقاش، فيشترط لنفسه؛ لئلا ينهزم فيظن أن الحق انهزم بسببه، وذلك من الآثار السيئة لوجود النقاش غير المتكافئ، وهو المحرم الذي حرمه السلف.
ومن آثار النقاش غير المتكافئ أن بعض شبابنا فتنوا ببعض آراء الفرق، وفعلاً جاءني الآن بعض الشباب، يقول: إني أعرف من زملائي من اقتنع برأي فرقة من الفرق الضالة الكبرى بسبب مناظرة رآها في إحدى القنوات الفضائية، فصار المناظر في سبيل الباطل من العتاة المفتنين، والآخر ادعى السنة وهو لا يعرف كوعه من كرسوعه، فجلس ضعيفاً ذليلاً منهزماً يردد كلامه لا يكاد يبدي ولا يعيد، فظهر وكأن الحق انهزم، هذا شيء.
الشيء الآخر أن أغلب القائمين على القنوات الفضائية، والقائمين على هذه البرامج فيهم خبث، فهم يتصيدون الشياطين من أصحاب الفرق، ويتصيدون الضعفة ممن ينتسبون للسنة، وربما ليسوا سنة أصلاً، فحسب ما سمعت من أسمائهم أصلاً لا يمثلون السنة مع الأسف، فهم بحاجة إلى أن يناظروا وأن تصحح عقائدهم، فكيف يمثلون السنة؟
فالوقوع في مثل هذه الحبائل حرام إلا بشروطه وضوابطه، ولذلك ينبغي لكل طالب علم يريد أن يتصدى لمثل هذه الأمور أن يستشير المختصين، وأن يتعرف على مؤهلاته هو، وما ينبغي أن يقول وما ينبغي أن يفعل ومؤهلات خصمه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر