إسلام ويب

شرح الفتوى الحموية [10]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أصول الإسلام وقواعده العظام ليست مجال نقد أو مناقشة، لأنها مأخوذة من الكتاب والسنة، وما ضل من ضل من الفرق إلا لتركهم للكتاب والسنة إلى غيرهما، كأهل التعطيل فإن أصل مقالتهم مأخوذة من تلاميذ اليهود والمشركين والضلال الصابئين.

    تحدثنا في الدرس الماضي عن شبهات المعطلة أهل الكلام كالمعتزلة والأشاعرة والماتريدية في نفي الصفات، وقلنا: إن مجموع هذه الشبه تدور على أربع شبه:

    الشبهة الأولى: شبهة تعدد القدماء، وقد بينا معناها والرد عليها، وهي شبهة المعتزلة.

    والشبهة الثانية: شبهة التركيب، وهي شبهة المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، وهي شبهة عامة أهل الكلام.

    وقد بينا حقيقة هذه الشبهة، وأنه بسببها نفى أهل الكلام صفات الله سبحانه وتعالى الذاتية، وبينا الرد عليها.

    والشبهة الثالثة: شبهة منع حلول الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، وقلنا: إن هذه الشبهة هي شبهة عامة المتكلمين أيضاً، وبينا الرد عليها.

    والشبهة الرابعة: شبهة التشبيه والتمثيل، وكذلك بينا حقيقتها والرد عليها.

    وبعد بيان هذه الشبه بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أصل مقالة التعطيل ونفي الصفات، وأرخ لبدايتها، كما أنه بين جذورها العقدية والفكرية، وبين رحمه الله تعالى المنطلق الذي كان سبباً في نفي هؤلاء المعطلة لصفات الله سبحانه وتعالى.

    وذكر رموز أهل التعطيل في عصور مختلفة ومتنوعة، وسيكون حديثنا هنا بإذن الله تعالى حول هذا الموضوع.

    وقبل أن نبدأ في هذا الموضوع أحب أن نقرأ أولاً كلام شيخ الإسلام بشكل مختصر حول شبهات هؤلاء ضمن كلامه حول اللوازم التي تلزم المعطلة في نفيهم لصفات الله سبحانه وتعالى، ثم نتحدث مباشرة عن هذا الموضوع الذي سيكون محور حديثنا بإذن الله تعالى.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل، إنما تقلدوا أكثرها عن طواغيت من طواغيت المشركين أو الصابئين، أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم، مثل: فلان! وفلان! أو عن من قال كقولهم لتشابه قلوبهم، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213].

    ولازم هذه المقالة: أن لا يكون الكتاب هدى للناس، ولا بياناً ولا شفاء لما في الصدور، ولا نوراً ولا مرداً عند التنازع؛ لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقول هؤلاء المتكلفون إنه الحق الذي يجب اعتقاده لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصاً ولا ظاهراً، وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]].

    سبق أن بينا السبب في كون هؤلاء لا يعتمدون أصلاً في تلقيهم لقضايا العقائد على النصوص الشرعية، فإنهم يؤصلون العقائد أولاً بالأدلة العقلية حسب ظنهم، وهي ليست أدلة عقلية، وإنما هي جهالات وشبهات، ولهذا عندما التزموا هذه الأدلة العقلية فيما ظنوا ترتب على هذه الأدلة العقلية أنهم نفوا صفات الله سبحانه وتعالى، بعضها أو كلها.

    فهؤلاء أصلاً من حيث المنطلق لم يكن المنطلق الأساسي في نفي الصفات والنصوص آيات أشكلت عليهم وفهموها على غير وجهها، وإنما انطلقوا في بداية أمرهم من تأصيل فاسد، وهو أن العقل هو المصدر الأساسي في تلقي العقائد، فلما أسسوا هذه العقائد على العقل بعيداً عن الشرع، ترتب على هذا أنهم استخدموا أدلة عقلية كانت مؤثرة على النصوص الشرعية؛ لأنهم عندما استخدموا هذه الأدلة العقلية قال لهم الناس: أنتم بدليلكم العقلي هذا خالفتم النص الفلاني، والنص الفلاني، وخالفتم الصفة الفلانية.

    فقاموا بتأويل هذه النصوص الشرعية حتى توافق القواطع العقلية، ولهذا إذا ناقشوا شخصاً لا يعترف بغير الكتاب والسنة ويقول: الكتاب والسنة فيها أدلة عقلية كافية، يقول هؤلاء: إن نفي الصفات موجود ضمن الكتاب والسنة، ويأتون بالعمومات مثل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].

    وكأن الإنسان إذا أثبت الصفات لزم منه أن يكون مشبهاً لله عز وجل بخلقه، وهذا فاسد فإنه وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، ولا سمي له، ومع هذا هو موصوف بالصفات، ولا تعارض بين إثباتنا للصفات ونفي المشابهة عن المخلوقات، فالله أثبت لنفسه الصفات ونفى المشابهة عن المخلوقات.

    فهذه الصفات التي نثبتها لله لا تشبه صفات المخلوقين؛ لأن الخالق لا يشبه المخلوقين بأي وجه من الوجوه، ولهذا ظن هؤلاء أن مجرد إثبات الصفات يلزم منه مشابهة المخلوقات، ولهذا اضطربوا اضطراباً كبيراً في هذه القضية وفي هذه المسألة، فقال لهم الناس: إن أنتم التزمتم بأن الإنسان إذا أثبت أي صفة لله عز وجل تشبه في الاسم صفة المخلوق، فيلزم من هذا تشبيه الله بالمخلوق، فأنتم حينئذ لا ينبغي أن تثبتوا أي صفة من الصفات.

    فالأشاعرة الذين يثبتون سبع صفات نقول: كيف تنفون الصفات الذاتية والصفات الفعلية بحجة مشابهة المخلوقات، وتثبتون صفات المعاني التي هي: الحياة، والعلم، والإرادة، والسمع، والبصر. فهذه يلزم منها مشابهة المخلوقات أيضاً؟ قالوا: هذه السبع لا يلزم منها مشابهة المخلوقات.

    قلنا: وكذلك بقية الصفات التي أثبتها الله لنفسه لا يلزم منها أيضاً مشابهة المخلوقات.

    قالوا: هذه الصفات التي أنتم أثبتموها من الكتاب والسنة فيها معنى الأبعاض والأجزاء، وكل جزء يحتاج إلى الآخر. وهذه هي شبهة التركيب التي جاءوا بها.

    قلنا: لا يلزم هذا، فإن كلمة أبعاض وأجزاء مصطلحات جديدة حادثة أنتم جئتم بها، فإن كنتم تقصدون أن الله عز وجل مركب منها، ركبه غيره، فهذا باطل، فإن الله عز وجل أعظم من ذلك وهو متقدس عن ذلك سبحانه وتعالى.

    وإن قلتم: إن المعنى أن اليدين صفة، والعينين صفة، والقدم صفة وهذه أبعاض؛ لأن هذه صفة وهذه صفة وهذه صفة، قلنا: فإن العلم صفة، والحياة صفة أخرى، والسمع صفة ثالثة، والبصر صفة رابعة، ولم تلتزموا أنه بإثباتكم لهذه السبع الصفات يلزم منها التركيب.

    ولهذا فهم متناقضون تناقضاً كبيراً جداً في هذه القضية، تجد أن أحدهم يقول: لا نشبه الله بخلقه، مع أنه يثبت صفة من الصفات، فنحن نأتي ونناقش في صفة الوجود، فالمعتزلي لا يثبت عامة الصفات لله عز وجل، نقول: هل تثبت لله صفة الوجود؟ قال: نعم، هو موجود؛ لأنه إذا قال: ليس بموجود صار ملحداً، فإذا قال: هو موجود، نقول: والعبد موجود أيضاً، فيلزمك أن وجود الله كوجود العبد، فهل له ذات وهو قائم بنفسه؟

    قال: نعم، له ذات وقائم بنفسه.

    قلنا: وكذلك العبد له ذات وقائم بنفسه، فأنت يلزمك بناءً على هذا أن ذات الله كذات العبد، وقيامه بنفسه كقيام العبد.

    قال: لا يلزمني هذا؛ لأن الله خالق والعبد مخلوق.

    قلنا: وكذلك عامة الصفات، فلماذا تأتي أيها المعتزلي وتأخذ جملة من الصفات وتثبتها وتنفي البقية، فإذا سئلت عن سبب النفي هنا قلت: مشابهة المخلوقات، فإذا قيل لك: وهذه الصفات التي تثبتها تشبه المخلوقات أيضاً؟ قلت: لا، هذا لا دليل عليه، ولا حجة فيه، قال: هذه الصفات التي أثبتها هي من الكمالات، وقلنا: وكذلك هذه لو كانت من علامات النقص ما أثبتها الله لنفسه.

    أصول الإسلام وقواعده العظام ليست مجال نقد أو مناقشة

    وبناءً على هذا يصبح أهل السنة هم أهل الحجة، وهكذا قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، يعني: ظاهرين بالحجة، وبالبرهان، وبالدليل العقلي، والنقل، وموافقة الكتاب والسنة دائماً، وفي كل حال ومع كل فرقة من فرق الضلال، وقد يكون لهم في بعض الأحيان سيف ودولة، وقد يكونون في بعض الأحيان أفراداً مبثوثين في العالم.

    وحينئذ نقول: إن أهل الحجة الصحيحة والمستقيمة هم أهل السنة والجماعة فقط ليس غيرهم، ونحن نؤمن بهذا عن علم ويقين، وهذا أمر لا يقبل الشك ولا يقبل الخلاف.

    وكثير من أصحاب الحوارات الذين يتكلمون عن الحوار، والذين يتكلمون عن التعددية في الآراء وفي الأفكار يقولون: كيف تجزم بأن رأيك هو الحق؟

    نقول: هذا ليس رأيي، هذا إجماع أجمع عليه المسلمون، وهذا الإجماع الذي أجمع عليه المسلمون هو مقتضى الكتاب والسنة، والكتاب والسنة هما الحق الذي ما عداه فهو الباطل كما قال الله عز وجل: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32].

    قال: ينبغي أن تقول إن هذا رأيي، ويمكن أن يكون رأي غيري صواباً.

    نقول: هذا الكلام لو قلناه لكفرنا بالله عز وجل، فإذا جاءك من يناقشك في أصول الإسلام أو في قواعده الكلية، أو في مسائل الدين، أو في الرأي، والأفكار، والاجتهادات، لا يفرقون بين القضايا اليقينية الإجماعية المتفق عليها، والقضايا التي لا تقبل الجدل ولا تقبل الخلاف بأي وجه من الوجوه، وبين القضايا التي هي مجال آراء واجتهاد، فالقضايا التي هي مجال آراء واجتهاد مثل القضايا الحياتية اليومية، هذه تناقش فيها حتى تتعب، ولا يهمنا هذا، لأن الذي يهمنا هو أن أصول الإسلام وقواعده العظام ليست مجال نقد ولا مناقشة.

    نحن نعتقد أن هذه الأصول من أصول الإسلام لم تأت اعتباطاً، وإنما هي مبنية بناءً عقلياً يقينياً لا يقبل النقاش، قد يتوصل إليه أحد فيكون عالماً، وقد يجهله البعض فيكون غير عالم، لكن أن نجعلها مجالاً للنقاش والحوار هذا غير صحيح، ولا يمكن أن يصح أبداً بأي وجه من الوجوه.

    قال المؤلف رحمه الله: [وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش، ولا فوق السماوات ونحو ذلك بقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، لقد أبعد النجعة وهو إما ملغز أو مدلس لم يخاطبهم بلسان عربي مبين].

    أي: إذا قلنا: إن الله مستو على عرشه في العلو، فقال لنا شخص: لا، قلنا: ما هو الدليل؟ قال: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، قلنا: وهل هذه الآية التي تتضمن أن الله لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا مثيل له تدل على أنه ليس في العلو؟ الجواب: لا تدل على هذا، بل على العكس، تدل على أنه لتميزه سبحانه وتعالى، وأنه لا سمي له ولا كفؤ له فهو فوق العالم جميعاً، وأن هذه السماوات والأرض -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- هي عبارة عن حلقة ألقيت في فلاة بالنسبة للكرسي الذي هو موضع قدمي الرب، والكرسي كحلقة ألقيت في فلاة بالنسبة للعرش الذي استوى عليه الله سبحانه وتعالى، وحينئذ فهو فوق العالم بكل ما تدل عليه الأدلة من الكتاب والسنة، والعقل، والفطرة، بل فطرة الدواب كما ذكر ابن القيم ذلك في اجتماع الجيوش الإسلامية.

    قال رحمه الله: [ولازم هذه المقالة أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم في أصل دينهم؛ لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد، وإنما الرسالة زادتهم عمىً وضلالاً.

    يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر، ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، لكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم، أو اعتقدوا كذا! وكذا! فإنه الحق، وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره، وانظروا فيها، فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه، وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه؟].

    افتراق الأمة وبيان الفرقة الناجية

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته ستفترق ثلاثة وسبعين فرقة، فقد علم ما سيكون، ثم قال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله)، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفة الفرقة الناجية: (هو من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)].

    حديث الافتراق حديث مشهور مروي عن عدد كبير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح صححه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وصححه أيضاً الشاطبي في الاعتصام، وصححه عدد كبير من أهل العلم كـالترمذي رحمه الله، والحاكم ، وابن حبان وغيرهم، وهو حديث صحيح ومشهور.

    وقد يوجد في بعض الأسانيد في بعض رواياته ضعف، لكن مجمل الروايات التي رويت عن مجموعة كبيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن هذا الحديث حديث صحيح لا شك فيه، وقد ضعف هذا الحديث ابن حزم الأندلسي رحمه الله تعالى، وابن الوزير في كتابه العواصم والقواصم، ولا حجة لهم في تضعيف هذا الحديث، وبالذات تضعيف ابن الوزير في العواصم والقواصم مبني على ذكر هذا في خطبة كتابه، عندما تحدث عن عظمة هذه الأمة ومكانتها ومنزلتها، فأشار إلى هذا الحديث الذي فهم منه أن عامة الأمة من الضالين المهددين بالهلاك إلا مجموعة بسيطة، وهذا خطأ، فإنه ليس مفهوم الحديث أن هذه الأمة عندما تفترق على ثلاث وسبعين فرقة وأن الواحدة منها هي الناجية أن أكثر الأمة من الضالين.

    فإن هذه الفرقة الواحدة هي في الحقيقة أكثر الأمة، والاثنتان والسبعون فرقة الأخرى هي عبارة عن أعداد إذا قيست بالنسبة لحجم الأمة بالكلية هي قليلة وضعيفة لا سيما في الصدر الأول، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا هم أهل السنة والجماعة، فلما ظهرت الفرق ظهرت أعداد بسيطة جداً وقليلة، مع أن لها أسماء، فالخوارج كان عددهم محدوداً، ومعطلة الصفات كانوا أربعةً أو خمسةً منتشرين في البلاد الإسلامية، ولهذا كان يتتبعهم الخلفاء ويقتلونهم كما سيأتي معنا.

    وهكذا الحال بالنسبة للمرجئة، وهكذا الحال بالنسبة للمعتزلة، ولهذا فإن كل فرقة خرجت عن السنة من حيث العدد ومن حيث الكم ومن حيث انتساب مجموعة كبيرة من الأمة إليها؛ هم عدد قليل لا يمثل عامة الأمة التي التزمت بالسنة والجماعة، ثم أصبحت هذه الفرق تزيد قليلاً.. قليلاً، وفي عصور الجهل الذي انتشر في الأزمان المتأخرة كثرت هذه الطوائف وصاروا عدداً كبيراً، لكن من كان من هذه الأمة على طريقة عامة أهل السنة ولم يختلط بالقبوريين ولا بالتصوف ولم يكن من عامتهم فإنه من أهل السنة، وهم عدد كثير من الناس ولله الحمد، لا سيما في هذه الأزمان ممن ولد على الفطرة، ولم يكن له ارتباط بفرقة من هذه الفرق بحيث يكون من عامتهم.

    ولهذا كما قلت: إن هذه الفرق في بدايتها وإن كانت من حيث العدد كثيرة -باعتبار أن أهل الحق فرقة واحدة- لكن هذه الفرقة هم عامة المسلمين، وهؤلاء فرق بسيطة مع الزمن أصبح لهم أعداد كثيرة، لكن أيضاً مع عامة المسلمين يبقون مهما كثرت أعدادهم ليسوا بالكثرة التي تغطي عامة المسلمين.

    وكثير ممن تحدث ودافع عن الأشاعرة تكلم وقال: إن خمسة وتسعين في المائة من الأمة على طريقة الأشاعرة، وهذا قول فاسد باطل، ودندن عليه بعض المتأخرين وقال: لماذا يتكلم على الأشاعرة بهذه الطريقة مع أن عامة الأمة أشاعرة؟ وهذا ليس صحيحاً أبداً؛ لأن عقيدة الأشاعرة عقيدة دقيقة كلامية لا يفقهها إلا الدارس، والدارسون المتخصصون في العقائد وفي علم الكلام والمشتغلون بذلك قلة، حتى لو أن عدداً كثير من الناس درسوا هذه المناهج في المتوسطة أو في الجامعة أو في غيرها، ينساها في بعض الأحيان، وحينئذ فالقول بأن أكثر الأمة على عقيدة الأشاعرة قول باطل؛ لأن الرجل الذي يبقى على فطرته إذا سألته أين الله؟ أجابك أنه في السماء مباشرة، وهذا نقد كبير جداً في عقيدة الأشاعرة الذين ينفون علو الله عز وجل على خلقه.

    وهكذا الحال في بقية صفات الله عز وجل، عندما تتحدث مع الإنسان المسلم الذي لم يختلط بهذه الشبهات، أو ربما درسها في بعض فترات حياته ونسيها إذا أجاب بفطرته سيجيبك بمقتضى الكتاب والسنة.

    وهذا لا يعني أن هذه الفرق ليست خطراً، بل هي خطر؛ لأنه عندما توجد هذه الفرق، وخاصة عندما تتبناها دول ستنشرها في الناس نشراً كبيراً من خلال المساجد، والخطباء الذين يتبنون هذه المذاهب، ومن خلال حلقات التعليم في المدارس مثلاً، ومناهج الجامعات؛ لأن الأجيال عندنا كلها تمر على التعليم.

    ولهذا فإن المخطط دنلوب الإنجليزي عندما جاء أيام الاستعمار الإنجليزي على مصر وضع خطة لمناهج التعليم، وتأثر بها الناس تأثيراً كبيراً؛ لأن الأجيال كلها تمر على التعليم، وحينئذ ستتأثر ولو بنوع من التأثر، فإذا دعم ذلك اهتمام من الشخص بهذه القضية، حينئذ ربما يكون هذا مؤثراً عليه في اعتقاده وتبنيه لعقائد هؤلاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089079214

    عدد مرات الحفظ

    781442259