إسلام ويب

الفرق والمذاهب المعاصرة [1]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التفرق والاختلاف سنة الله تعالى في الخليقة, غير أن منه الجائز الكائن في فروع الدين من لدن العصر الأول, وأهله معذورون فيه بما ثبت لهم في ذلك من أعذار, ومنه المذموم الكائن في أصول الدين, وهو ما نهى الله تعالى عنه في كتابه وعده من مسالك المشركين, وأسبابه عديدة, منها الجهل والبدع واتباع المتشابه من النصوص وغير ذلك, وأول نشأته في المسلمين في أحداث الفتنة التي انتهت بمقتل عثمان رضي الله تعالى عنه ونشبت بعدها الحرب بين المسلمين وتميز الخوارج الذين كانوا أول المخالفين للأمة في عقيدتها.
    إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    أما بعد:

    إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأراد أن يبتليه وأن يختبره، وقد ابتلى الله سبحانه وتعالى النوع الإنساني بأنواع متعددة من البلايا والامتحانات، وكان من الأمور التي امتحن الله سبحانه وتعالى بها الإنسان: الاختلاف والتفرق.

    فالله سبحانه وتعالى عندما خلق آدم وأنزله إلى الأرض، استمر هو وبنوه عشرة قرون على الإسلام والتوحيد، ثم بعد ذلك وقع الشرك في حياة الإنسان في قوم نوح عليه السلام، وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم عليه السلام هو وأبناؤه كانوا على التوحيد عشرة قرون، ثم حدث الشرك بعد ذلك في قوم نوح عليه السلام، وعندما حصل الخلاف في حياة الإنسان أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل، وأنزل الكتب، وبين الحق للناس بياناً واضحاً وظاهراً فآمن بالحق أقوام وكفر به آخرون، وكان الخلاف الذي حصل في بداية الأمر في أصل الدين وفي أساسه، ولهذا جاء الرسل الكرامُ بالدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة، فكل نبي يبعثه الله سبحانه وتعالى فإنه يقول لقومه: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]. وحصل نوع آخر من الخلاف وهو الاختلاف في اتباع الرسل، فحصل خلاف في اتباع موسى عليه السلام وحصل خلاف أيضاً في اتباع عيسى عليه السلام، وحصل كذلك خلاف في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

    وقد ثبت في ذلك الحديث المشهور وهو حديث الافتراق الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) ولهذا فإن الخلاف في هذين النوعين وفي غيره من الأنواع التي سيأتي الكلام عليها هو خلاف قدري كوني أراده الله سبحانه وتعالى وابتلى الخلق به.

    يقول الله سبحانه وتعالى: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119] قال المفسرون في قوله: ولذلك خلقهم يعني: خلقهم للاختلاف والتفرق، ابتلاءً وامتحاناً منه سبحانه وتعالى.

    إذاً: الخلاف والتفرق ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وهو سنة جارية قدرها الله سبحانه وتعالى بكل أنواعها سواءً كان الاختلاف في أصل الدين بوجود أديانٍ متعددة، أو كان الخلاف في أصحاب الدين الواحد بوجود فرق ومذاهب وهي داخلة تحت دين واحد وتحت منهاج عام واحد.

    موقف الرسل من الاختلاف والتفرق

    موقف الرسل الكرام عليهم السلام هو: أنهم دعوا إلى ما أمر الله سبحانه وتعالى به من إفراده بالعبادة والكفر بالطاغوت، ولهذا يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فالرسل عليهم السلام خطوا خطاً، ودعوا الناس للالتزام بهذا الخط؛ وبهذا المنهاج وبهذه الطريقة، ولهذا يقول الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، فلم يكن من طريقة الرسل عليهم السلام جمع هذا الخليط المختلف المتفرق من الناس وصهره في مكان واحد بأخلاطهم وتفرقاتهم المتعددة، وإنما جاءوا بما أمر الله به وجاءوا بكتب الله عز وجل، ودعوا الناس إليها بل إنهم قاتلوهم عليه كما هو معروف من سير الأنبياء والمرسلين.

    والذي يهمنا الحديث عن الخلاف والتفرق الذي وقع في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد سبقت الإشارة إليه في الحديث المشهور وهو حديث الافتراق عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) وسئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) وهو المعني بدراستنا في هذه اللقاءات إن شاء الله تعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088975470

    عدد مرات الحفظ

    780288827