إسلام ويب

العقيدة الواسطية [20]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم مكانتهم العظيمة في الإسلام, فهم حملة لوائه, وناشروه في الأقطار, ولذا كانت لهم منزلتهم في قلوب أهل السنة اعتقادًا يدينون الله تعالى به, فيرون وجوب سلامة صدورهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, ويعتقدون فضلهم على غيرهم, وتفاضل مراتبهم, والشهادة بالجنة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك, وتفاضل الأربعة الخلفاء, والبراءة من طريقة الرافضة والخوارج تجاههم, والإمساك عما شجر بينهم, وغير ذلك مما يعتقدونه بشأنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    أما بعد:

    فسبب دخول باب الصحابة في أبواب العقيدة أنه وجد من الضالين المنحرفين عن سواء السبيل من طعن فيهم، وتكلم عليهم، ونقص من قدرهم، أو من رفع بعضهم فوق منزلته الشرعية التي يجب أن ينزله إياه.

    وهذا الباب يوجد في مصنفات أهل العلم في العقائد مثل: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، والشريعة للآجري ، والإبانة لـابن بطة ، وغيرها من مصنفات أهل العلم في العقائد.

    وقد أفرد له البخاري رحمه الله في صحيحه كتاباً مستقلاً سماه: كتاب المناقب، وكذلك الإمام مسلم في صحيحه أفرد له كتاباً سماه: كتاب الفضائل، وأورد فيه فضائل الصحابة رضوان الله عليهم.

    والإمام ابن ماجة القزويني رحمه الله تعالى جعله ضمن كتاب السنة في كتابه السنن.

    أما الترمذي رحمه الله؛ فإنه أفرد له كتاباً سماه: المناقب أيضاً.

    وقد صنف أهل العلم قديماً وحديثاً مصنفات مستقلة في موضوع الصحابة، ومن أشهرها كتاب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى الذي سماه: فضائل الصحابة.

    والصحابة رضوان الله عليهم جم غفير، يقول أبو زرعة الرازي : إن عدد الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورووا عنه وسمعوه يتجاوزون المائة ألف، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بما يقارب المائة ألف، وقد رأوه صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا به، واستمعوا إلى خطبته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    تعريف الصحابي

    التعريف الدقيق والحد المنضبط للصحابي هو: كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.

    والمقصود باسم الإشارة (ذلك) يعني: مات على الإيمان.

    وقولنا: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، يشمل الرجال والنساء، ويشمل كذلك من رآه بنظره، ومن سمعه بأذنه كالأعمى، ولهذا لفظة: (من لقي) أدق من لفظة: (من رأى).

    وقولنا: (وهو مؤمن به) يخرج من لقيه من الكفار، كعمه أبي لهب ، أو أبو جهل ، أو غيرهم من الكفار الذين التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلموا، ومنهم اليهوديان اللذان التقيا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا له: (نشهد أنك رسول الله، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يمنعكما أن تتبعاني؟ قالا: تقتلنا يهود) فرجعوا ولم يؤمنوا، فهؤلاء وإن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدوا بأنه نبي مرسل من الله سبحانه وتعالى، إلا أنهم ليسوا من الصحابة؛ لأنهم لم يؤمنوا به.

    وقولنا: (ومات على ذلك) يخرج به من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن، ثم ارتد عن الإيمان، كبعض الذين التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدوا وقاتلهم الصحابة وقتلوا، كـمسيلمة الكذاب وغيره من المرتدين.

    مسائل متعلقة بتعريف الصحابي

    وهناك مسائل يذكرها أهل العلم في تعريف الصحابي:

    المسألة الأولى: هل عيسى عليه السلام يعتبر من الصحابة؟

    الواقع أن عيسى عليه السلام ينطبق عليه حد الصحابي، فقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في السماء عندما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وهو مؤمن به، وهو لم يمت بعد، وسينزل في آخر الزمان، ثم يموت وهو مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا ذكره بعض من ترجم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

    المسألة الثانية: هل النساء يدخلن في تعريف الصحابي؟

    نعم. النساء يدخلن في تعريف الصحابي كما هو واضح في التعريف، فـ(مَن) مِن ألفاظ العموم التي تشمل الرجال والنساء.

    المسألة الثالثة: من ارتد ثم عاد إلى الإسلام بعد ذلك، كـالأشعث بن قيس هل هو داخل في الصحابي؟

    نقول: نعم. داخل في حد الصحابي، وهو ينطبق عليه أنه لقي النبي وهو مؤمن، ثم مات على الإيمان، لأنه بعد ردته آمن مرة أخرى.

    المسألة الرابعة: ما هو الدليل على أن من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة أنه من الصحابة؟ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم عندما حج وحج معه مائة ألف، ما الدليل على أن هؤلاء من الصحابة؟

    الدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها بأن تأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فراجعته في ذلك، وقالت له: إن أبا بكر رجل رقيق، وإذا وقف مكانك لا يملك نفسه من البكاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكن صويحبات يوسف، مرن أبا بكر فليصل بالناس) فسمى من لقي يوسف عليه السلام من النسوة اللاتي قطعن أيديهن، وهن لم يلتقين به إلا مرة واحدة صويحبات، وهذا دليل واضح على أن من لقي إنساناً مرة واحدة فإنه يسمى صاحبه لغة.

    المسألة الخامسة: أن الصحابة ليسوا على مرتبة واحدة في الفضل؛ فمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ليس كمن عاش مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد معه وبذل، وليس كمن رافقه كـأبي بكر الصديق ودافع عنه، واجتهد في نصرة الدين معه، ليسوا على درجة واحدة.

    سلامة قلوب أهل السنة وألسنتهم للصحابة رضي الله تعالى عنهم

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم].

    ممن يتفق مع أهل السنة والجماعة من الطوائف في باب الصحابة: الأشاعرة والماتريدية؛ ولهذا يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه منهاج السنة النبوية: أن لفظة (أهل السنة) تطلق ويراد بها ما يطلقه العامة، والعامة تطلق أهل السنة فيما يقابل الشيعة الروافض الذين يشتمون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا المعنى يكون الأشاعرة من أهل السنة وهو الإطلاق الذي تطلقه العامة، وهذا إطلاق عرفي؛ لأن الأشاعرة وأهل السنة والماتريدية اتفقوا على مخالفة الشيعة في هذه المسألة من مسائل العقيدة، فسموا هؤلاء الطوائف أهل السنة، وهذا اصطلاح عرفي تطلقه العامة لا ينبني عليه مدح ولا ذم إلا في موافقتهم للسنة فإنهم يمدحون في ذلك.

    والإطلاق الثاني هو: أن أهل السنة هم الذين يقابلون أهل البدعة، وحينئذ فلا يدخل الأشاعرة، ولا تدخل الماتريدية في هذا التعريف، فإن أهل السنة هم أهل السنة المحضة الخلص الصافين من الابتداع، والأشاعرة عندهم بدع عقائدية علمية وعملية في مثل باب الصفات والإيمان والقدر وغيرها.

    يقول: [ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]].

    هذه الآية جاءت بعد آيتين في موضوع الصحابة، وهي في موضوع الفيء.

    الآية الأولى في المهاجرين: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر:8] إلى آخر الآية.

    والآية الثانية في الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ [الحشر:9]، والمقصود بالدار: المدينة.

    والآية الثالثة هي في أهل السنة الذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10] يعني: جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]، وقد أخذ بعض أهل العلم من هذه الآية فائدة فقهية، وهي: أن الشيعة ومن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس له شيء في الفيء، فإن الله قال: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر:8] ثم قال في الآية التي بعدها: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ [الحشر:9] يعني: لهم نصيب في الفيء، ثم قال في الآية الثالثة: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10] والشيعة ليسوا من المهاجرين، وليسوا من الأنصار، وليسوا من الطائفة التي تقول: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]؛ لأنهم يتكلمون في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

    اعتقاد أهل السنة فضل الصحابة على غيرهم

    يقول: [وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله].

    طاعة هنا معطوفة على قوله: (سلامة قلوبهم) يعني: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أصولهم أيضاً:

    [طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)].

    هذا الحديث حديث صحيح رواه البخاري ومسلم .

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق) يعني: في سبيل الله.

    (مثل أحد) وهو الجبل المعروف في المدينة.

    (ذهباً) يعني: تصدق بأغلى أنواع الأثمان.

    (ما بلغ) يعني: في الأجر والمكانة عند الله عز وجل.

    (مد أحدهم) يعني: ما بلغ مثل ما يتصدق به الواحد من الصحابة بمقدار المد، وهو ربع الصاع (ولا نصيفه).

    وهنا تلاحظون مقابلة بين رجل من الصحابة ورجل من المؤمنين من غير الصحابة، هذا الرجل من المؤمنين تصدق بمثل أحد ذهباً في سبيل الله، وذاك الرجل من الصحابة تصدق بمقدار المد من الطعام، كيف عرفنا أن المقصود بالمد هنا الطعام؟

    لأن المد من المكيلات، والذهب من الموزونات، ولا يمكن أن يقصد بالمد هنا مد الذهب، وإنما المقصود به مد الطعام؛ لأنه لو كان المقصود به مد الذهب لجعله من الموزونات.

    وما الفائدة أن يكون من المطعوم أو من الذهب؟

    الفائدة: أن هذا المتصدق من غير الصحابة تصدق بما هو أكثر حجماً، وأجود نوعاً، والصحابي تصدق بما هو أقل حجماً وكماً وأقل نوعاً، ومع هذا فضل مد الصحابي على مثل الجبل من الذهب الذي يتصدق به من بعده.

    ولهذا صدقة الصحابة أفضل من صدقة غيرهم، وهذا يدل على أن فضل الصحابة أكبر من فضل غيرهم، فهل يصح أن يسب مثل هؤلاء الفضلاء؟!

    اعتقاد أهل السنة تفاضل مراتب الصحابة

    يقول: [ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم].

    وقد سبق أن أشرنا إلى أن أهل العلم رووا فضائلهم في الصحيحين والسنن، وجعلها بعضهم من العقيدة كما فعل الإمام ابن ماجة القزويني رحمه الله تعالى في سننه المعروفة بسنن ابن ماجة حيث جعلها في كتاب السنة؛ لأن علاقة فضائل الصحابة بالعقيدة علاقة قوية.

    يقول: [ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل].

    لا شك أن الصحابة ليسوا على مرتبة واحدة في الفضل، وإنما هم على مراتب، فمن أسلم قبل صلح الحديبية أفضل ممن أسلم بعد صلح الحديبية.

    الدليل على هذا: قول الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10].

    هذه الآية فيها تقرير واضح لفضل من أنفق من قبل الفتح وقاتل على من أنفق من بعد الفتح وقاتل.

    والدليل على أن الفتح هو صلح الحديبية: قول الله عز وجل: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:27].

    وقد أنزل الله عز وجل في هذه الحادثة -صلح الحديبية- سورة كاملة وهي سورة الفتح وبدأها بقوله: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] فسمي صلح الحديبية فتحاً.

    وقد يقول قائل: كيف يسمى صلح الحديبية فتحاً مع أنه صلح اتفاق مع الكفار على شروط، وقد رأى بعض الصحابة رضوان الله عليهم أن في هذه الشروط تقليلاً لهيبة المسلمين، وتعظيماً لقوة الكافرين، ومع هذا سمي فتحاً؟

    نقول: كان ذلك فتحاً بإذن الله عز وجل وبأمره، وذلك أن هذه الفترة التي عاهد النبي صلى الله عليه وسلم فيها الكفار كانت من أعظم الفترات التي أسلم فيها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلح الحديبية بألف وأربعمائة وحصل الصلح، ودخل مكة فاتحاً بعشرة آلاف، وهذا يدل على الفتح العظيم الذي حصل بهذا الصلح.

    إذاً: الصحابة الذين أسلموا قبل صلح الحديبية أفضل من الصحابة الذين أسلموا بعد صلح الحديبية.

    يقول: [ويقدمون المهاجرين على الأنصار].

    لأن المهاجرين أسلموا قبل الأنصار، ولأنهم جمعوا بين خصلتي الهجرة والنصرة، أما الأنصار فلهم خصلة النصرة.

    يقول: [ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر -: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)].

    هذا حديث رواه البخاري ورواه مسلم في قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب رسالة إلى أهل مكة يخبرهم فيها بأن النبي صلى الله عليه وسلم قادم إليهم، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل علياً بن أبي طالب ومعه آخر وقال: ستجدون امرأة في مكان كذا وكذا معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فجاءوا إلى المكان المعين، فوجدوا هذه المرأة وطلبوا منها الكتاب فرفضت، فهددها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها إن لم تأت بالكتاب فإنه سيعريها من ملابسها، فلما رأت منه العزم أخرجت الكتاب.

    فلما جيء بالكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب : دعني أضرب عنق هذا المنافق، وهذا يدل على أن موالاة الكفار من النفاق، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في كون هذا العمل من النفاق، لكنه سأل المعين وهو حاطب - قائلاً: ما حملك على ذلك؟! فتأول حاطب وهذا يدل على أن الإنسان إذا تلبس بالكفر فإنه لا يلزم أن يكون كافراً مباشرة، ولا بد من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ومن ذلك: التأول؛ فإن حاطباً تأول، حيث كان له مال في مكة، وليس له أحد يحمي ماله في مكة، وخشي أن يتلاعب به الكفار، فقال: يا رسول الله! إن لأصحابك من يحمي أموالهم في مكة، وليس لي أحد يحمي مالي في مكة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر : (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر -وحاطب منهم- فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

    وقد عد ابن سعد في الطبقات الكبرى أسماء الثلاثمائة والأربعة عشر في كتابه؛ لأنه أفرد للبدريين طبقة خاصة لفضلهم.

    أما قوله: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، فليس فيه دعوة إلى فعل المعاصي، ويمكن مراجعة كلام ابن القيم رحمه الله في الفوائد لمعرفة هذه القضية.

    يقول: [وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة].

    هذه البيعة حصلت في صلح الحديبية؛ فإن الصحابة لما قدموا وكان عددهم ألفاً وأربعمائة، وأرسلوا عثمان بن عفان للتفاوض مع المشركين في هذا، ثم أشيع في المسلمين أن عثمان قتل، فبايع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، فكل من بايع تحت الشجرة فإنه لا يدخل النار كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة.

    بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، كما قال الله عز وجل عن أهل الشجرة: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.

    شهادة أهل السنة بالجنة لمن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة

    يقول: [ويشهدون -يعني: أهل السنة- بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم].

    فمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالجنة يشهدون له بالجنة يقيناً لا تردد فيه، أما غيرهم من العلماء والصالحين والفضلاء فإننا نرجو لهم الجنة، لكن لا نشهد يقيناً بها لأحد إلا لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيناً بها كالعشرة وهم معروفون، وسموا بالعشرة لأنهم جمعوا في حديث واحد رواه أبو داود.

    ومنهم ثابت بن قيس بن شماس وهو صحابي جليل تأثر من قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1]، ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى [الحجرات:3]، وقبلها بين أن من رفع صوته فإنه يكاد أن يحبط عمله، وكان رجلاً ذا صوت مرتفع، فخشي أن يكون ممن شملته هذه الآية، فبقي في بيته لا يشهد صلاة الجماعة، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما يظن، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.

    يقول: [وغيرهم].

    وغيرهم كثير كأمهات المؤمنين مثلاً، وورقة بن نوفل ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تسبوا ورقة ، فإني رأيت له جنة أو جنتين).

    وأيضاً: كأصحاب الشجرة وأهل بدر فإنهم يدخلون في هذا، وغيرهم ممن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومنهم بلال بن رباح وغيره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088982093

    عدد مرات الحفظ

    780342342