إسلام ويب

العقيدة الواسطية [12]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تضمنت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بيان جملة من أمور العقيدة, في عدة من متواتر الأخبار وآحادها, وكل ذلك مما يجب اعتقاده والإيمان به دون تفريق بين متواتره وآحاده؛ خلافًا لنابتة الضلالة المعتقدة عدم حجية السنة مطلقًا أو عدم حجية آحادها في باب العقائد, ومن جملة ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك إخباره عن صفة نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا, وعن صفة الفرح وصفة الضحك وصفة العجب وغير ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى.
    الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين, وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.

    أما بعد:

    في الدرس الماضي تحدثنا عن صفة الكلام لله عز وجل, وبينا قول أهل السنة, وأن الله عز وجل يتكلم بصوت وحرف, وبينا الدليل على صفة الكلام, وبينا الدليل على أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بحرف وأنه يتكلم بصوت, وقلنا: إن معنى الكلام في لغة العرب وعند أهل السنة: هو المعنى والصوت والحرف جميعاً فهو مجموع المعنى واللفظ، وأما الأشاعرة فإنهم يعتبرون الكلام هو: المعنى فقط. وأما المعتزلة فإنهم يعتبرون الكلام هو: اللفظ فقط. وبناء على هذا الاختلاف في معنى الكلام اختلفوا في تحديد كلام الله عز وجل، فالأشاعرة قالوا: إن الكلام هو: معنى قائم بالنفس قديم أزلي ليس بصوت ولا حرف.

    والمعتزلة قالوا: إن الكلام ليس صفة ثبوتية لله عز وجل, وإنما هو خلق الله عز وجل، والله يخلق كلاماً في الهواء أو في الشجر أو في نحو ذلك فيسمى كلاماً، ويكون إضافة الكلام إلى الله عز وجل بهذا الاعتبار عند المعتزلة إضافة تشريف كقولهم: بيت الله، وناقة الله، ونحو ذلك.

    وأما أهل السنة فإنهم قالوا: إن صفة الكلام صفة قائمة بالله عز وجل ثابتة له معنى ولفظاً. فهو سبحانه وتعالى يتكلم بصوت، وله صوت يليق بجلاله، ويتكلم بحرف، وهذه الحروف الموجودة في القرآن هي كلام الله عز وجل، وأما قراءة الإنسان نفسه للقرآن فمخلوقة؛ لأنه هو مخلوق، ولكن القرآن الموجود هو من كلام الله؛ لأن الكلام ينسب إلى من قاله أولاً، فأنت مثلاً تقرأ كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتقول: قال شيخ الإسلام وتقول: هذا كلام شيخ الإسلام . مع أن الذي يتكلم به في اللحظة نفسها هو أنت؛ لأن الكلام ينسب إلى قائله أولاً.

    صفة الكلام صفة اختيارية

    وصفة الكلام من الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، فهو يتكلم متى شاء، وكيف شاء، وفي أي وقت شاء، وكلامه سبحانه وتعالى يكون شيئاً بعد شيء، فهو سبحانه وتعالى يتكلم الآن, وفي الأيام القادمة، وفي يوم القيامة, وعندما يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، وهذه أمور في المستقبل، وهو سبحانه وتعالى يتكلم ويسكت فيتكلم إذا شاء، ويسكت إذا شاء.

    الأدلة على ثبوت صفة السكوت لله تعالى

    والسكوت صفة ثابتة لله عز وجل ومعناها: عدم التكلم، والدليل عليها ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو).

    وأيضاً ثبت عنه في حديث آخر صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها, وحد حدوداً فلا تعتدوها, وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها).

    والسكوت كما يقول العلماء: نوعان: سكوت عن التكلم، بمعنى: عدم التكلم، وسكوت عن إظهار الكلام, يعني: قد يتكلم ولكن لا يظهر كلامه, ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أرأيت سكوتك بعد التكبير وقبل القراءة ماذا تقول؟) فسماه قولاً مع كونه سكوتاً, وهو سكوت بالنسبة له؛ لأنه لا يسمع شيئاً من كلامه, بينما هو يتكلم في واقع الأمر, فأخبره بدعاء الاستفتاح المعروف.

    وهناك كتب صنفت في هذا الموضوع لشيخ الإسلام ابن تيمية ، منها: كتاب التسعينية, وسمي التسعينية؛ لأنه رد على الأشاعرة بما يقارب تسعين وجهاً في موضوع الكلام النفسي.

    أدلة الأشاعرة على أن كلام الله نفسي والرد عليهم

    وقد استدل الأشاعرة على قولهم: بأن كلام الله كلام نفسي وليس بحرف وصوت: بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ذهب هو وأبو بكر الصديق إلى سقيفة بني ساعدة فقال عمر : زورت في نفسي كلاماً. قالوا: فهذا يدل على أن الكلام كلام نفسي، وأن الكلام النفسي وهو: ما يدور في النفس يسمى كلاماً، ومن هنا لم ينسبوا إلى الله الحرف والصوت وقالوا: إن الكلام كلام نفسي.

    وهذا باطل. وهذا النص ورد فيه تقييد الكلام بالنفس، ولم يرد فيه العموم ولا إطلاق الكلام بشكل عام وإرادة الكلام النفسي. هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى: فإنه فرق بين ما دار في نفسه وبين الكلام, ولو أن أحداً قال لـعمر : فهل تكلمت؟ لقال: لا. يعني أنه لما قال: زورت في نفسي كلاماً, لو قيل له: فهل تكلمت؟ ولو كان كلاماً لقال: نعم، تكلمت في نفسي. ولكن من المعلوم أنه سيقول: لم أتكلم؛ لان الكلام إذا أطلق لا يمكن أن يكون معناه الكلام النفسي؛ ولهذا ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عفا عن أمتي أو إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت بها نفوسها ما لم تتكلم أو تعمل)، ففرق بين حديث النفس وبين الكلام, ودل هذا على أن حديث النفس ليس كلاماً.

    واستدلوا كذلك بقول الأخطل :

    إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا

    ولا شك أن هذا أيضاً باطل.

    وقد أبطل شيخ الإسلام الكلام النفسي في ذاته, وقال لهم: ماذا تعنون بالكلام النفسي؟ فإن الكلام النفسي إن كان خبراً فهو صفة العلم, وإن كان أمراً ونهياً وإنشاء فهو صفة الإرادة, فليس هناك إذاً شيء يستطيعون أن يقولوا أنه صفة جديدة -غير العلم والإرادة- يسمى الكلام النفسي, فدل هذا على أن هذه الصفة التي نسبوها إلى الله غير صحيحة، إلا إذا أثبتوها بالطريقة الشرعية الصحيحة.

    وهناك كتاب آخر لـشيخ الإسلام في صفة الكلام بعنوان: المسألة المصرية في القرآن، وهذه فتوى أصلاً, وليست رسالة مستقلة وكتاب السبعينية غير كتاب التسعينية؛ لأن السبعينية في الرد على الملاحدة والفلاسفة, وتسمى بغية المرتاد في الرد على ابن سبعين وابن سبعين هذا صوفي كبير جلس في غار حراء شهراً ينتظر الوحي, فلم يحصل له؛ لأنه كان على مذهب الفلاسفة الذين يعتقدون أن الوحي اكتساب يكتسب.

    وله كتاب: الكيلانية, وهي في موضوع الكلام النفسي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088972534

    عدد مرات الحفظ

    780271027