إسلام ويب

العقيدة الواسطية [11]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من صفات الله تعالى الثابتة بالمتوافر من نصوص الوحي صفة معيته سبحانه وتعالى لخلقه مع استوائه على عرشه ومباينته لخلقه, ويعتقد أهل السنة ثبوتها بأقسامها, خلافًا لمنكري ذلك من المنحرفين عن جادة إثبات ما نطقت به النصوص, كما أن من صفات الله تعالى العظيمة صفة الكلام المتضمنة إثبات الكمال لله تعالى, وقد ضل فيها طوائف عديدة, وخالفوا أهل السنة في اعتقاد ظاهرها كما أخبر الله تعالى به عن نفسه بما يدل على إثبات أن الكلام بحرف وصوت ليس بمعنى نفسي ولا بمخلوق.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    أما بعد:

    ففي الدرس الماضي انتهينا من الكلام على صفة الاستواء والعلو بشيء من الاختصار، وإلا فصفة العلو أفردت بكتب مستقلة، ومن أفضل هذه الكتب التي نقلت آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكلام السلف الصالح رضوان الله عليهم كتاب: (اجتماع الجيوش الإسلامية لغزو المعطلة والجهمية) لـابن القيم رحمه الله تعالى.

    وفي هذا الدرس سنتحدث - بإذن الله تعالى - عن موضوع معية الله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4].

    وقوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].

    لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].

    وقول: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46].

    إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].

    وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].

    كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]].

    هذه الآيات جميعاً هي في إثبات معية الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، وهو في العلو سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت هو مع خلقه، هذه المعية التي نثبتها بمقتضى النصوص الشرعية هنا هي معية العلم والقدرة.

    والمقصود بعلو الله عز وجل: هو علو القهر، والقدر، والذات، فليست المعية الواردة في هذه الآيات هي معية الذات، بل هي معية العلم، والإمام أحمد رحمه الله عندما صنف كتابه: (الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله) ذكر جملة من آيات المعية، وبين أن هذه الآيات فُهمت عند الجهمية على غير وجهها، فإن الجهمية ظنوا أن هناك تعارضاً بين آيات إثبات العلو لله عز وجل، وبين الآيات التي فيها معية الله عز وجل، وهي الآيات التي تقدمت آنفاً.

    وبين رحمه الله تعالى: أن المعية في هذه الآيات ليس المقصود بها (المخالطة) وأن الله عز وجل مخالط للخلق بذاته، وإنما المقصود: أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، وهو عالٍ عليهم، وأيضاً: هو معهم بعلمه وإحاطته وقدرته وسلطانه سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما ساق آية المجادلة قال: إن هذه الآية بدئت بالعلم وختمت بالعلم، فإن بداية الآية قول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7] فبدأ بالعلم وختمها بقوله: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، فدل ذلك على أن قول الله عز وجل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] أن المقصود بها: معية العلم والإحاطة، وأن المعية لا تقتضي المخالطة بالذات، كما فهم الجهمية.

    والآيات التي تقدمت جميعاً تدل على المعية، ويمكن أن نحدد موطن الشاهد من كل آية:

    الآية الأولى: قول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4] والاستواء على العرش فيه إثبات العلو.

    وقوله: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، فقوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) هذا هو موطن الشاهد من الآية الذي يدل على إثبات معية الله عز وجل، والمقصود بهذه المعية هنا: معية العلم والقدرة.

    وأما الآية الثانية: فسبق أن حددنا موطن الشاهد منها وبينا معناها.

    الآية الثالثة: قوله تعالى: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، والمقصود أيضاً بالمعية هنا: معية الرحمة، ومعية الإعانة والنصرة، وسيأتي الحديث عن أقسام المعية.

    وقوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] هذه المعية أيضاً هي معية العلم والقدرة والنصرة والإعانة.

    وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] هذه الآية كذلك.

    وقوله: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] مثلها.

    وقوله: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] كذلك مثل السابقة.

    أقسام المعية

    والمعية تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: معية عامة، وهذه المعية العامة تكون للمخلوقات جميعاً، تكون للبر والفاجر والمؤمن والكافر، والصالح والطالح، تكون لجميع المخلوقات.

    ومن الأدلة على هذه المعية قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، فهذه الآية تدل على أن الله عز وجل مع كل المخلوقات بعلمه وقدرته سبحانه وتعالى.

    القسم الثاني من المعية: المعية الخاصة، وهذه المعية الخاصة هي معية الله عز وجل مع المؤمنين، يمثل هذه الآية قوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] وغيره من الآيات التي تدل على هذا.

    وبعض العلماء الذين شرحوا هذه العقيدة قسموا المعية الخاصة إلى قسمين، فقالوا: إن المعية تنقسم إلى قسمين:

    معية مطلقة، وهي المعية العامة، ثم المعية الخاصة، ثم قسموا الخاصة إلى قسمين:

    معية لوصف، ومعية لشخص، فالمعية التي تكون للوصف هي مثل قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا [النحل:128] فالذين اتقوا، هنا وصف، يشمل فلاناً وفلاناً وفلاناً من المتقين في كل زمن وفي كل مكان.

    وأيضاً كقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، والصبر: وصف، يشمل أعداداً كبيرة من الناس الذين يتحقق فيهم هذا الوصف، وكقوله: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]، وهذه المعية أيضاً هي معية الوصف أيضاً، وأما المعية المتعلقة بالشخص فهي مثل قول الله عز وجل: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر كما يدل على ذلك سياق الآية من بدايتها، وكقوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، والمقصود بالضمير في قوله: (معكما): مع موسى وهارون، فهي معية متعلقة بشخص.

    والحقيقة: أن المعية الخاصة تشمل معية الوصف، وهو الأصل في هذه المعية الخاصة، ثم المعية التي تكون مقيدة بشخص هي ناتجة عن تلك المعية، وهما بمعنى واحد.

    فالمعية المطلقة معناها: أن الله عز وجل مع كل المخلوقات بعلمه، فلا يكون في هذا الكون شيء لا يعلمه الله، وهو مع هذه المخلوقات بقدرته، فلا يكون في هذه المخلوقات شيء لا يقدر عليه الله، وهو مع هذه المخلوقات بسلطانه، فلا يمكن أن يوجد شيء ليس لله سلطان عليه، فكل شيء الله عز وجل قادر عليه، وهو عالم به.

    وأما المعية الخاصة فهي تتضمن المعنى الذي في المعية العامة وزيادة، وهذه الزيادة هي النصرة والتأييد والإحاطة والعناية والتوفيق والتسديد.. ونحو ذلك.

    إذاً: المعية الخاصة تتضمن ما في المعية العامة من المعاني؛ فهي تشمل أن الله عز وجل يعلم كل شيء، وأن الله قادر عليه، وأنه من سلطان الله الذي يتصرف فيه كيفما يشاء، ومن كانت له معية خاصة يزاد على ذلك أن الله ينصره، وأن الله مؤيده، وأنه مسدد ونحو ذلك.

    دفع شبهة منكري العلو في احتجاجهم بآيات المعية

    وقد استدل الجهمية -كما سبق- بهذه الآيات على نفي العلو، واستدلالهم باطل؛ فإن القرآن لا يمكن أن يتناقض أبداً، فالآيات والأحاديث التي فيها إثبات العلو يقال: إن هذا العلو ثابت لله عز وجل، وإنه سبحانه وتعالى عالٍ على الخلق بقهره وقدرته سبحانه وتعالى، وهو عالٍ ذاته أيضاً، وهو كذلك مع الخلق بعلمه وقدرته، ومع بعضهم بتأييده ونصره بل إن هذه المعية التي أثبتها الله عز وجل لا تقتضي المخالطة بأي وجه من الوجوه، ويدل على هذا عدة أمور:

    الأمر الأول: أن الله عز وجل أثبت لنفسه العلو، فدل هذا على أنه عالٍ على خلقه بعلمه وقدرته.

    والأمر الثاني: أن هذه النصوص التي فيها إثبات أن الله مع خلقه لا يلزم منها المخالطة لا عقلاً ولا لغةً.

    فأما عقلاً أو حساً: فإنك تقول: سرنا والقمر معنا، وهو في العلو، وليس مخالطاً لك.

    وأما في اللغة: فإن المعية لا تقتضي المخالطة أبداً بأي وجه من الوجوه، فإنه يصح كما قلت لغة أن تقول: سرت والقمر معنا، وهذا صحيح لغة، مع أنه غير مخالط لك.

    وقد تحدث أهل العلم كثيراً عن هذه الصفة من صفات الله عز وجل، أعني: صفة المعية، وسيأتي لها حديث إن شاء الله مستقلاً بعد مجموعة من الصفات. وبعد الحديث عن وسطية هذه الأمة، وسنتكلم عن هذه الصفة بشكل أكبر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088970779

    عدد مرات الحفظ

    780253741