إسلام ويب

العقيدة الواسطية [2]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتعلق بباب الأسماء والصفات مسائل مهمة, ومن جملتها أن مصدر تلقيها منحصر في القرآن الكريم والسنة النبوية, ومن ذلك سورة الإخلاص التي تضمنت صفة الوحدانية وصفة الصمدية وغيرهما, وأن توحيد الأسماء والصفات مبني على قاعدتي النفي والإثبات للدلالة على الانفراد والاختصاص, وأن للصفات طرقًا ومسالك تؤخذ بها من نصوص الشرع, وغير ذلك من مسائل هذا الباب العظيم.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    أما بعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه.

    ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]، فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون؛ فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين].

    شرع المصنف رحمه الله تعالى في بيان المصدر الذي تؤخذ منه العقائد، فقال: (فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه). وهذا هو المصدر الأول وهو القرآن الكريم، ثم قال: (ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون). وهذا هو المصدر الثاني، وهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالمصدر إذاً في العقائد يكون بالقرآن والسنة، ويكون بما دل عليه القرآن أنه مصدر مثل الإجماع؛ فإن الإجماع مصدر من مصادر التشريع لدلالة القرآن الكريم عليه، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، فقوله: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115] المقصود به الإجماع، وكل الآيات الواردة في الأمر بالجماعة والائتلاف، والنهي عن التفرق والاختلاف يؤخذ منها حجية الإجماع، والإجماع حجة معتبرة، وحجيته مأخوذة من القرآن الكريم.

    إذاً: القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأساسيان في تلقي العقائد، ولا يصح أن تتلقى العقائد من غير القرآن والسنة، وذلك أن العقائد تشتمل على جزء كبير من الغيبيات، والغيب محجوب عنا لا نستطيع أن نعرفه بالقياس، ولا بأي مصدر من المصادر إلا بخبر الصادق، وخبر الصادق المراد به هنا هو كلامه سبحانه وتعالى، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن اتخذ مصدراً للعقائد غير هذين المصدرين فقد ضل وانحرف.

    مخالفة الفرق المنحرفة لأهل السنة في مصدر تلقي العقيدة

    ولهذا نجد أن الطوائف والفرق الضالة كان من أعظم الأسباب التي جعلتها تخالف الصراط المستقيم، والمنهج القويم، هو مخالفة أهل السنة في المصدر، فنجد مثلاً: أن أهل الكلام يعتقدون أن العقل مصدراً من مصادر تلقي العقيدة، ونجد أن الصوفية يعتبرون الكشف مصدراً من مصادر تلقي العقيدة، ونجد أن بعض المقلدين يعتبرون أئمتهم مصدراً لتلقي العقائد، وكل هذه المصادر باطلة، وإنما المصدر الذي تؤخذ منه العقائد هو القرآن والسنة، ولهذا وقعت كثير من الفرق الضالة في الانحراف بهذا السبب.

    نجد أيضاً أن المعتزلة والأشاعرة عندما أرادوا تقرير العقائد جعلوا المصدر الأساسي في تقريرها العقل، فما لا يدل العقل عليه لا يقبلونه، وبدأوا في ذلك من أساسيات الاعتقاد وهو وجود الله عز وجل، حيث أنهم خاصموا أصحاب الأديان الأخرى -لا سيما الملاحدة- فوجدوا أن الملاحدة لا يعترفون بالنصوص، لذا فهم عندما يناقشونهم لا يقولون لهم: قال الله قال رسول الله؛ لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالله من حيث المبدأ، ولا يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم، فأرادوا مناقشة هؤلاء الملاحدة بنفس المنهج الذي ارتضوه وهو المنهج العقلي، فلما ناقشوهم به عظموا العقل تعظيماً كبيراً، فأصبحوا يفرضون على كل مسلم الاستدلال العقلي، ولهذا تجدون في كتب الأشاعرة أن من أوليات العقائد التي يبدأون بها: أن إثبات وجود الله عز وجل ووحدانيته لا بد لها من النظر، يعني: يوجبون النظر على الإنسان، وبعضهم يربطه بالبلوغ مثل الأشاعرة، وبعضهم يربطه بالتمييز مثل المعتزلة، فيرون أن النظر العقلي لإثبات وجود الله عز وجل، وإثبات وحدانية الله عز وجل، وإثبات أسمائه وصفاته هو العقل فقط، ولهذا يوجبون النظر على الناس، وقد جعلوا هذا الوجوب عاماً على كل مسلم ومسلمة يبلغ حد التمييز عند المعتزلة، أو حد البلوغ عند الأشاعرة، يلزمونه بالنظر في مخلوقات الله عز وجل وآلائه للتوصل إلى وجود الله سبحانه وتعالى.

    ولا شك أن أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة أخطئوا في أمرين: الأمر الأول: أنهم عندما ناظروا وناقشوا الملاحدة من أصحاب الأديان الأخرى بدون رجوع إلى النصوص الشرعية، فقد أحدثوا أدلة عقلية جاءوا بها من عندهم لإقناع هؤلاء الملاحدة لإثبات وجود الله عز وجل ووحدانيته، وكان الواجب عليهم أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة فيعرفوا ما تضمناه من الأدلة العقلية، فالقرآن والسنة ممتلآن بالأدلة العقلية التي تكفي كل أحد يريد أن يصل إلى الحق، وبالأدلة العقلية الكافية في إثبات وجود الله ووحدانيته عز وجل، وإثبات المعاد، والنبوات، وكل العقائد.

    ومثال ذلك: إثبات أن الله عز وجل هو الخالق الرازق المحيي المميت، مع أنه فطرة موجودة عند كل أحد -كما سيأتي معنا في الجانب الثاني الذي أخطأ فيه هؤلاء- يمكن الاستدلال العقلي عليه من خلال القرآن والسنة، يقول الله عز وجل: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39]، هذه الآية فيها دليل عقلي لإثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له، وكذلك من الأدلة العقلية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35]، وهذا كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نص عقلي في إثبات أن الله وحده هو الخالق، أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] حصر عقلي.

    والإنسان والمخلوقات الموجودة له حالتان: الحالة الأولى: أن يكون خلق من غير شيء. وهذا يرده العقل بالبداهة؛ لأنه لا يمكن لهذا النظام الدقيق، وهذه العناية العجيبة، وهذا الوضع المتناسق المرتب أن يأتي هكذا.

    الحالة الثانية: أن يكونوا هم خلقوا أنفسهم، وقد دل العقل على أنهم لم يخلقوا أنفسهم، وهم يعرفون ذلك؛ لأننا قبل مائة سنة لم نكن شيئاً مذكوراً، ثم كنا، ونحن نعرف أننا لم نوجد أنفسنا في هذه الدنيا، ولا أنفسنا أوجدتنا، وإنما أوجدنا الله عز وجل.

    فلما أبطلت المقدمتان العقليتان ثبت أن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، وهو غير المخلوقات الموجودة.

    وهكذا إذا جئتم إلى البعث والمعاد تجدون أدلة عقلية واضحة في أن الله عز وجل قادر على أن يحيي العظام وهي رميم، فعندما احتج ذلك المشرك على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ العظم وفته بيده وقال: (يا محمد! هل ترى أن الله يحيي هذه العظام بعد أن صارت رميماً؟ قال: نعم، ويدخلك النار)، فأنزل الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] يعني: نسي خلقه أول مرة، فإنه خلقه وأنشأه وطوره، وجعل النطفة تستحيل إلى علقة، ثم تستحيل إلى مضغة، ثم تتغير هذه المضغة لتكون عظاماً، ثم يكسو هذه العظام لحماً، ثم يشق بصره، وينشئ عقله، سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يكون هذا كله حصل بدون وجود خالق، وبالتالي فإن الذي خلقه أول مرة قادر على إحيائه المرة الثانية.

    إذاً: هذا دليل عقلي مأخوذ من القرآن الكريم على إثبات المعاد، والرد على الذين ينكرون المعاد، ولهذا فإن المعتزلة والأشاعرة الذين ناقشوا الملاحدة الذين ينكرون وجود الله عز وجل ناقشوهم بدون الرجوع إلى القرآن والسنة، وأنشئوا أدلة عقلية من عندهم، فصارت هذه الأدلة العقلية وبالاً عليهم؛ لأن أصحاب الفرق الضالة بدأوا يلزمونهم بلوازم كثيرة جداً ترتبت على هذه الأدلة التي جاءوا بها فالتزموها، فكان من هذه اللوازم نفي الصفات والأسماء كما هو عند المعتزلة.

    الجانب الثاني الذي أخطأ المبتدعة من الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية فيه: أنهم لم يفرقوا بين المسلمين عموماً، وبين وجود أشخاص لديهم شبه أو ملاحدة أو عندهم شكوك، ولهذا أوجبوا النظر على كل الناس، فقالوا: إن أول ما يجب على المكلف هو النظر في مخلوقات الله عز وجل، أوجبوا النظر على كل الناس البالغين رجالاً ونساء، حتى لو كانوا مسلمين، وحتى لو نشئوا في مجتمع إسلامي، وحتى لو كان بعضهم يصلي وهو صغير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع)، قبل البلوغ يصلي ويعرف الله عز وجل، لكن قالوا: إذا بلغ يلزمه أن ينظر، وكيف ينظر وهو يعرف أصلاً وجود الله عز وجل؛ لأنه يصلي ويصوم مثل أطفالنا الذين يعيشون في مجتمعاتنا؟ قالوا: يلزمه النظر، وإذا لم ينظر كفره بعضهم، وبعضهم جعله من العصاة؛ لأن النظر واجب وترك الواجب معصية.

    إذاً: هؤلاء ضلوا من الجانبين: الجانب الأول: أنهم في مناظرتهم للملاحدة لم يستخدموا الأدلة العقلية المأخوذة من القرآن والسنة، كما أنهم لم يعرفوا العقائد الصحيحة من القرآن والسنة، بحيث أنهم لا يأتون بأدلة تبطل هذه المعتقدات الصحيحة.

    الجانب الثاني: أنهم لم يفرقوا بين من كانت عنده شكوك، أو بين الملاحدة وبين بقية المسلمين، فأوجبوا النظر على كل المسلمين.

    والواجب أن يقال: من وجد عنده شكوك يمكن أن يقال له: انظر في الأدلة العقلية الصحيحة التي تورث الإيمان الصادق في نفسك، بشرط أن يكون هذا الدليل دليل صحيح مستقيم، لكن الذي ليس عنده شك لا يصح أن يقال له: انظر؛ لأن قلبه مطمئن بالإيمان ولله الحمد، فلا داعي لإيجاب النظر عليهم.

    مخالفة القرآن والسنة أساس كل بدعة وضلالة

    ومن هنا فالمصدر الأساسي لتلقي العقيدة عند السلف الصالح رضوان الله عليهم هو القرآن الكريم والسنة النبوية، والقرآن الكريم جعله الله عز وجل تبياناً لكل شيء، فهو هدى، ونور، وروح، وذكرى، وبشرى، وسماه الله عز وجل في القرآن بأسماء كثيرة، وكل اسم من هذه الأسماء يدل على صفة من الصفات، فالقرآن إذاً شفاء لما في الصدور، وهداية للإنسان، ولا يوجد أبداً عقيدة من العقائد النافعة التي ينبغي للمسلم أن يعتقدها وتنفعه في دينه ودنياه إلا بينها، ولهذا يقول الله عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، ويقول سبحانه وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

    إذاً: القرآن جاء بكل ما تحتاجه البشرية من العقائد النافعة، والأعمال الصحيحة، علمه من علمه وجهله من جهله، لكن لما فرط بعض المسلمين في تعلم هذا القرآن، وتعلم معانيه، وتعلم ما اشتمل عليه من العقائد الصحيحة النافعة والأدلة المستقيمة الصحيحة التي لا عوج فيها، وأخذوا أدلة أخرى جاءوا بها إما من عقولهم أو من أصحاب العقائد الأخرى، فوقعت الضلالة في حياة الناس، وانتشرت البدع، وظهر الفساد الثقافي والعقائدي في حياة الناس.

    إذاً: المصدر الأساسي في تلقي العقيدة هو القرآن، ومعه السنة النبوية، كما هو واضح من أمر الله عز وجل بها لما قال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، ويقول الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

    ولهذا فإن أصل كل بدعة وضلالة وكفر ونفاق في حياة المسلمين: الإعراض عن الكتاب والسنة، وعن هدي الكتاب والسنة، في كل باب من الأبواب فلا بد من التحاكم إلى الكتاب والسنة على كافة المستويات، وفي كل شئون الحياة، فالدول والحكومات يجب أن تحكَّم شرع الله عز وجل، وأن تأخذ أحكامها من الكتاب والسنة، وهو ما يسميه الناس اليوم: العلاقات الدولية، وكذلك المجتمعات الصناعية والقروية والرعوية يجب أن يكون مصدرها الأساسي هو الكتاب والسنة، وكذلك الجماعات والأفراد، وكل أحد يجب أن يكون مصدره الكتاب والسنة.

    والحقيقة: أن هذا الشعار: أهمية الكتاب والسنة، ومنزلة الكتاب والسنة كل الناس يحبه ويدندن حوله ويردده دائماً، لكن هناك فرق بين من يتمسك بالكتاب والسنة حقيقة، وبين من يتسمى بالتمسك بالكتاب والسنة ويجعله شعاراً، وهناك فرق بين الشعار وبين الحقيقة.

    وندرك الفرق بين الشعار والحقيقة في العمل، فإذا كان أحد مثلاً يقول: أنا ملتزم بالكتاب والسنة. ثم هو في عقائده لا يبنيها على الكتاب والسنة، فمثل هذا قد جعل الكتاب والسنة شعاراً، ولو أن شخصاً قال: أنا أحكم بالكتاب والسنة. وهو في الحقيقة لا يحكم بهما، ويخالف حكمها، فهذا أيضاً شعار وليس حقيقة، وهكذا الذي يأخذ أي هدي من غير الكتاب والسنة، وهو يردد الكتاب والسنة، فقد جعل الكتاب والسنة شعاراً، وهذا هو سبب المشكلة عند كثير من الناس، ولهذا فإن الطوائف الضالة لا يعارضون الكتاب والسنة بشكل مباشر، وإنما يفسرونها بغير معناها، أو يؤولون ويحرفون معناها، أو نحو ذلك من الطرق التي يحتالون بها على الكتاب والسنة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه: إن البدعة والنفاق لا يمكن أبداً أن يكونا باطلاً محضاً؛ لأنهما لو كانا باطلاً محضاً لعرفه كل الناس، كما أنه لا يمكن أن يكونا حقاً محضاً؛ لأنهما لو كانا حقاً محضاً لما صار بدعة ونفاقاً، لكنه لبس الحق بالباطل، وهذه هي صفة اليهود والنصارى التي نهى الله عز وجل عنها لما قال: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71].

    القرآن والسنة هما مصدرا تلقي العقيدة

    ثم عندما ذكر هذه المصادر بين الموجب لكونها مصدراً، والأمور التي تجعل الإنسان يقتنع فعلاً بكونهما مصدراً، فقال: (إنه -يعني: الله عز وجل- أعلم بنفسه). إذاً: لا نأخذ العقائد إلا منه؛ لأنه أعلم بنفسه وبغيره كذلك.

    (وأصدق قيلاً)، يعني: المبرر الأول: أنه أعلم بنفسه، والمبرر الثاني: أنه أصدق قيلاً.

    (وأنه أحسن حديثاً من خلقه)، وبالتالي فإن كلامه هو المصدر الأساسي في العقائد.

    (ثم رسله صادقون)، وهذا لا يشك فيه أحد أنهم صادقون، (ومصدقون) يعني: أن الله عز وجل يخبرهم بالصدق، فهم صادقون في أنفسهم، فما يأتيهم من الأخبار أو الأحكام فإنهم يقولونها بالصدق لا يكذبون لا يزيدون ولا ينقصون، وكذلك مصدقون؛ لأن المخبر الذي يعطيهم الخبر أو الحكم هو الله سبحانه وتعالى، ولهذا توجد أحاديث كثيرة تبدأ بعبارة: أخبرني الصادق المصدوق.. حدثني الصادق المصدوق، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعون يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك) إلى آخر الحديث المشهور.

    قال: (بخلاف الذين يقولون على الله ما لا يعلمون)، فإنهم لا يصلح أن يكونوا حجة أبداً، واستدل على ذلك بقوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088977479

    عدد مرات الحفظ

    780302062