إسلام ويب

أصول العقيدة [9]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مسائل العقيدة المهمة معرفة أركان الإيمان الستة التي هي أصول العقيدة وأساس الدين الواجب على العبد الإيمان بها مع ما تضمنه كل واحد منها, ومن مسائل العقيدة كذلك ما يتعلق بالسنة والبدعة, وحقيقة كل منهما, وأنواع البدع وأقسامها.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو الدرس الأخير من دروس أصول العقيدة، سيكون الحديث إن شاء الله في هذا الدرس في موضوعين مهمين، الموضوع الأول: في أركان الإيمان وأصول الأحكام.

    والموضوع الثاني: في السنة والبدعة.

    وأركان الإيمان: هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وهذه الأركان تعتبر أصول العقيدة وأساسيات الدين.

    بيان ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى

    فأما الإيمان بالله فيتضمن أربعة أمور:

    الأمر الأول: الإيمان بوجود الله تعالى، وهذا أمر فطري، فإن كل مولود يولد وهو عارف بربه، وهو مفطور على معرفة الله تعالى.

    يقول الله عز وجل: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها) ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه الآية السابقة التي في سورة الروم.

    الأمر الثاني: الإيمان بربوبية الله تعالى، وقد سبق أن بينا معنى الإيمان بالربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتقدير والتدبير، يقول الله عز وجل: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54].

    الأمر الثالث: الإيمان بألوهية الله تعالى، وألوهية الله تعالى هي إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والإلهية، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وقد سبق أن تحدثنا عن توحيد الألوهية.

    الأمر الرابع: توحيد الأسماء والصفات أو معرفة الله بأسمائه وصفاته، وقد سبق أن بينا القواعد الشرعية في باب الأسماء والصفات، وكيف أن أهل السنة والجماعة جاءوا بالإثبات والنفي، فجاءوا بإثبات صفات الله تعالى وأسمائه على الوجه الذي يليق به سبحانه وتعالى، وبنفي مشابهته ومماثلته للمخلوقات، كما قال الله سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] فيه رد على المشبهة، وهو نفي للتشبيه والتمثيل، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فيه رد على المعطلة النفاة، وهو دليل على الإثبات أيضاً.

    هذا ما يتعلق بالإيمان بالله، وقد سبق أن تحدثنا عن الإيمان بالله في باب عظيم من أصول العقيدة وهو باب التوحيد.

    الإيمان بالملائكة وما يتضمنه

    الركن الثاني من أركان الإيمان هو الإيمان بالملائكة، والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان، وقد ذكرهم الله عز وجل في القرآن كثيراً، وجاء أيضاً في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الملائكة كثيراً.

    والإيمان بالملائكة يتضمن الإيمان بما جاء في القرآن والسنة من عددهم وأوصافهم، ويتضمن أيضاً الإيمان بمن ذكر اسمه منهم.

    وملائكة الله عز وجل وجنوده لا يعلمهم إلا هو، كما أخبر الله عز وجل وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31]، والملائكة كثيرون جداً، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أطت السماء وحق لها أن تئط، لا يوجد فيها موضع ثلاثة أصابع إلا وفيها ملك راكع أو ملك ساجد).

    والأطيط هو صوت الرحل الذي يكون عليه حمل ثقيل.

    وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء أن البيت المعمور يدخله كل يوم عدد كبير من الملائكة ثم لا يرجعون إليه إلى يوم القيامة.

    وذكر الله عز وجل من أوصافهم أن لهم أجنحة، وأنهم لهم خلق عظيم، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه خفقان الطير سبعين سنة).

    ومنهم إسرافيل نافخ الصور، وجبرائيل وهو الموكل بالوحي، وميكائيل وهو الموكل بالقطر، ولا يصح في اسم ملك الموت حديث، وإنما ورد في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل، لكن لم يرد في آية من كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسميته شيء.

    والإيمان بالملائكة يتضمن أيضاً الإيمان بالأعمال التي يقومون بها، وذلك أن الله عز وجل خلق هؤلاء الملائكة ليقوموا بتنفيذ أمره سبحانه وتعالى، فللموت ملك، وللوحي ملك موكل، وأيضاً حتى قطرات المطر لا تنزل قطرة واحدة إلا وهي في يد ملك حتى يضعها على الأرض، وأيضاً هناك ملائكة موكلون بالإنسان ويكتبون أعماله الحسنة والسيئة.

    والإيمان بالملائكة ركن أساسي في الإيمان لا يصح إيمان الإنسان إلا به، فلو أن إنساناً أنكر الإيمان بالملائكة فإنه يكفر، ولو قال: ليس لله ملائكة، وكذلك من أول الملائكة تأويلاً يخرجهم من حقيقتهم، مثل من أول الملائكة بأنها أنوار روحانية ليس لها أجنحة وليس لها أوصاف فهذا كفر مخرج من الملة؛ لأنه تكذيب لنصوص القرآن التي وردت في أوصافهم.

    الإيمان بالكتب السماوية وما يتضمنه

    ومن الإيمان أيضاً الإيمان بالكتب، ويتضمن الإيمان بأن الله عز وجل أنزل كتباً على أنبيائه، وهذه الكتب جاءت لهداية البشرية، ومنها: التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، ومنها هذا القرآن العظيم الحكيم الذي هو من أعظم كتب الله سبحانه وتعالى، وهو معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.

    ويتضمن الإيمان بالكتب أيضاً الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد أنزلهما الله سبحانه وتعالى على موسى وعيسى، ولكن أتباع موسى وعيسى من اليهود والنصارى حرفوا التوراة والإنجيل، وأدخلوا فيهما من العقائد والأخبار ما ليس منهما، وأن التوراة والإنجيل الموجودتان الآن بأيدي اليهود والنصارى ليستا حقيقة التوراة والإنجيل التي أنزلهما الله سبحانه وتعالى على موسى وعيسى، وإنما فيهما تغيير وتبديل وتحريف، والتحريف فيهما موجود بشكل واضح، فإن بعض أسفار التوراة تتحدث عن موسى بصيغة الغائب، وتتحدث عنه أنه مات في المكان الفلاني، وأنه كان رجلاً فاضلاً! فهذا لا يصح، فلو كانت التوراة نزلت على موسى فكيف تتحدث عن وفاة موسى مع أنها نزلت عليه؟!

    وأيضاً من الإيمان بالكتب أن نؤمن بأن الله عز وجل كتب التوراة بيده وأعطاها لموسى، كما ورد في حديث محاجة آدم لموسى فقد جاء في حديث محاجة آدم لموسى والحديث في الصحيحين أن آدم قال: (أنت موسى كلمك الله وكتب لك التوراة بيده).

    ومن الإيمان بالكتب أيضاً أن يؤمن الإنسان بأن القرآن هو أعظم كتب الله عز وجل، وأنه جاء بكل خير وفلاح للناس، وأنه لا يمكن حصول التحريف والتبديل في هذا الكتاب؛ لأن الله عز وجل تكفل بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، ومن اعتقد أن القرآن حرف كما حرفت التوراة والإنجيل فإنه يكفر، ومن اعتقد أن القرآن زيد فيه أو نقص منه كما تعتقد الشيعة فإنه يكفر؛ لأن الله عز وجل يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]

    وبهذا نعلم بطلان عقيدة الشيعة في قولهم بأن هناك سوراً من القرآن حذفت مثل سورة الولاية أو أن آيات من القرآن حذفت مثل قولهم في سورة الضحى: (وأن علياً صهرك)، فكل هذا من الكذب والتكذيب لخبر الله عز وجل بأنه تكفل بحفظ هذا القرآن.

    ومن نسب لله كتاباً جاء به من عند نفسه إلى الله عز وجل فهو كافر أيضاً، كما نسبت الدروز والنصيرية والشيعة لله عز وجل كتباً ليست من كلامه سبحانه وتعالى، فنسبوا إلى الله عز وجل مصحف فاطمة ، ونسبوا إلى الله سبحانه وتعالى مصحفاً خاصاً بالدروز كتبه كمال جنبلاط أبو وليد جنبلاط كما يذكر بعض المؤرخين، ويحاول أن يحاكي القرآن، وقد اطلعت على نسخة من هذا المصحف الذي يزعمون أنه من كلام الله عز وجل، ويتلاعبون فيه ويحاولون أن يحاكوا كتاب الله عز وجل، ويختم هذه الآيات بقوله: إن الله عزيز حكيم، والله غفور رحيم ونحو ذلك من الآيات ويعبثون في هذا الكتاب وينسبونه إلى الله سبحانه وتعالى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.

    الإيمان بالرسل وما يتضمنه

    ومن الإيمان أيضاً الإيمان بالرسل، ويتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بأن الله عز وجل أرسل رسلاً لكل أمة من الأمم، فلا تخلو أمة من الأمم من بشير ونذير ومن رسول يعلمهم التوحيد ويحذرهم من الشرك، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فكل أمة من الأمم وكل جماعة من الناس أرسل الله عز وجل إليهم رسولاً، ولهذا فإن الرسل الذين ذكرهم الله عز وجل في القرآن، هم جزء من الرسل وليسوا كل الرسل، بل إن الله عز وجل أخبرنا أن هناك عدداً من الرسل لم يخبرنا الله عز وجل بخبرهم، فقال: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78].

    وأيضاً يتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بأسماء الرسل الذين سماهم الله عز وجل: آدم وإدريس ويوسف وعيسى وإبراهيم واليسع ذو النون وإلياس ومحمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم من المرسلين الذين ذكروا في القرآن الكريم.

    وأيضاً مما يجب الإيمان به فيما يتعلق بالرسل الإيمان بأن منهم من كلمهم الله عز وجل مباشرة كما حصل مع موسى، ومنهم من كان يرسل إليهم رسولاً ويأتيهم الوحي من السماء، ومنهم من أوحى الله عز وجل إليهم بالإلهام، والنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه بهذه الطرق جميعاً.

    ومن الإيمان بالرسل أيضاً الإيمان بمعجزات الرسل، فإن الرسل جاءوا بالبينات والهدى، وكل رسول أرسل إلى قومه فإنه يكون له بينة ومعه دليل واضح، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يبعث رسولاً إلا أتاه من الآيات ما على مثله آمن قومه) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو نص الحديث، والذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات هو القرآن الكريم، ولهذا فتعتبر أعظم معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم هي معجزة القرآن الكريم، ولهذا فإن إعجاز القرآن من حيث فصاحته، ومن حيث بلاغته، ومن حيث ما يتضمنه من الحكم، وما يتضمنه من الشرائع العظيمة، وما يتضمنه من القصص والدقة المتناهية، وما يتضمنه من الشفاء، وما يتضمنه أيضاً من الانضباط والاتساق، كل ذلك دليل واضح على أن هذا القرآن من كلام الله سبحانه وتعالى، ولو كان من كلام البشر لما كان بهذه الصورة وبهذه الكيفية.

    ولهذا فعلى طالب العلم أن يعلم أن دلائل النبوة من أعظم الوسائل التي يثبت بها الدين، فإن الإنسان إذا عرف دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ما يترتب على ذلك يعتبر من أعظم الحجة، يترتب عليه صدق الرسول، ويترتب على صدق الرسول صحة الدين، ويترتب عليه صحة كل التفصيلات الواردة في الدين في القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا ينبغي أن يدرك الإنسان دلائل النبوة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن رسالته تدل عليها أدلة كثيرة ربما تصل إلى أكثر من ألف دليل، وأبلغ ذلك وأعظم ذلك القرآن.

    والأنبياء والمرسلون الذين كانت آيات نبوتهم خفية، كآية هود عليه السلام قال له قومه: مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ [هود:53].

    يقول شارح العقيدة الطحاوية: إن الآية التي جاء بها هود هي أنه جاء إلى أمة طاغية باغية قوية، وكان مستضعفاً، ومع ذلك وقف أمامهم غير عابئ خواف، وجاءهم بأدلة مقنعة من حيث توحيد الله عز وجل، واتباع المرسلين، ولهذا تعتبر آية ودليل هود عليه السلام من أخفى الأدلة كما نبه على ذلك شارح العقيدة الطحاوية.

    الإيمان باليوم الآخر وما يتضمنه

    ومن الإيمان أيضاً الإيمان باليوم الآخر، والإيمان باليوم الآخر يتضمن الإيمان بالبعث والإيمان بالحشر، والإيمان بعذاب القبر ونعيمه، والإيمان بالميزان والصراط والحوض والجنة والنار وما يتبع ذلك من المسائل.

    الإيمان بالقدر وما يتضمنه

    ومن الإيمان أيضاً الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بأربعة مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله عز وجل الشامل لكل شيء، وأن الله عز وجل مطلع على أعمال العباد قبل أن يعملوها، وأنه سبحانه وتعالى كان يعلم قبل أن يخلق الإنسان ماذا سيعمل من أعمال الخير والشر.

    والمرتبة الثانية: هو أن الله عز وجل كتب ما علمه من أحوال العباد في اللوح المحفوظ.

    والمرتبة الثالثة من مراتب القدر: هو مشيئة الله عز وجل النافذة والشاملة لكل أحوال الإنسان، ومشيئة الله سبحانه وتعالى وإرادته تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية عامة موافقة لمعنى الخلق، وإرادة شرعية خاصة موافقة لمعنى المحبة والأمر.

    والمرتبة الرابعة: هي الإيمان بخلق الله سبحانه وتعالى لأفعال العباد، فإن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى، والعباد وقدرة العباد هي أسباب في انتقال الفعل من العدم إلى الوجود وليست مستقلة استقلالاً تاماً، بل أفعال العباد جميعاً مخلوقة لله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، ما يعمله العباد من مخلوقات الله عز وجل كسائر مخلوقاته سبحانه وتعالى.

    حكم إنكار مراتب القدر

    فهذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقدر، من أنكر المرتبة الأولى وهي مرتبة العلم فإنه يكفر، فمن أنكر أي مرتبة من بقية المراتب سواء مرتبة الكتابة أو المشيئة أو الخلق فإن إنكاره على نوعين:

    النوع الأول: أن يكون إنكار جحود وتكذيب، وحينئذ فيكون ..... بالله تعالى.

    والأمر الثاني: أن يكون إنكاره إنكار تأويل، وهذا كعامة المعتزلة المتأخرين، والقدرة المتأخرين، فهؤلاء لا يكفرون، وإن كانت المقالة في حد ذاتها كفراً؛ لأنها تتضمن التكذيب لخبر الله سبحانه وتعالى.

    وكان أوائل القدرية ينكرون العلم، ولكن انقرضت هذه الفرقة التي تنكر العلم ولم يبق إلا القدرية المعتزلة والشيعة والخوارج الآن، فإنهم لا ينكرون العلم، لكنهم ينكرون خلق الله لأفعال العباد، وينكرون كتابة الله سبحانه وتعالى لأحوال العباد.

    فيجب على الإنسان إذاً أن يعلم أن الله عز وجل عالم بأعمال العباد قبل أن يفعلوها، وأنه كتب سبحانه وتعالى هذه الأعمال في اللوح المحفوظ، وأنه سبحانه وتعالى ما يحصل في هذا الكون شيء إلا بمشيئته وإرادته العامة، وأن هذه الأشياء التي يعملها العباد هي من مخلوقات الله عز وجل، وأن العبد وقدرة العبد هو سبب من الأسباب الذي ينقل الشيء من العدم إلى الوجود، فإن انتقال الشيء من العدم إلى الوجود؛ انتقال الفعل قبل أن يكون فعلاً إلى مرحلة بعد الفعل أو مرحلة الفعل في حد ذاتها؛ هذا الانتقال يكون بقدرة العبد المخلوق لله سبحانه وتعالى، ويكون هذا على سبيل السببية وأن العبد سبب لهذا الانتقال، والسبب كما هو معلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة لا يفعل بذاته، وإنما يفعل بقدرة الله عز وجل ومشيئته، فإذا شاء تم السبب وإذا لم يتم، فالإحراق مثلاً سبب، لكن الإحراق هذا تخلف عندما ألقي إبراهيم في النار؛ لأن الله عز وجل لم يرد لهذه النار أن تحرق إبراهيم، بل قال: كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].

    والسكين سبب للقطع، لكنها لم تقطع عندما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسماعيل؛ لأن الله عز وجل لم يرد ذلك، وهكذا كل سبب فإنه يوجد إذا تحقق المسبب في الواقع إذا أراد الله عز وجل وينتفي إذا لم يرد الله سبحانه وتعالى ذلك.

    فالسبب لابد لوجوده من وجود شروط وانتفاء موانع، ومع ذلك فإن عنده قدرة خاصة خلقها الله سبحانه وتعالى، وهذا مما يشعر به الإنسان، والإنسان قد يشعر أن عنده قدرة للفعل بدون أي تردد وأنه قادر على أن يفعل أي فعل دون تردد، سواء من أفعال الخير أو من أفعال الشر، وهذا يدل على أن عنده قدرة في نفسه وأن عنده إمكانية، لكن يجب أن يؤمن أن هذه القدرة خلقها الله، وأنه لا يمكن له أن يفعل الشيء إلا بعد إرادة الله سبحانه وتعالى، وأنه إذا فعله فإن الله قد كتب هذا الفعل وقد علمه قبل ذلك، لكنه لم يجبر العبد عليه، وهذا ما يشعر به الإنسان من نفسه، بل قد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل شيء بقدر الله حتى العجز والكيس) يعني: كون الإنسان عاجزاً عن العمل هذا بقدر الله، وكون الإنسان كيساً فطناً قادراً على الفعل والعمل هذا أيضاً بقدر الله سبحانه وتعالى.

    مراتب الكتابة

    ومرتبة الكتابة قسمها بعض العلماء إلى مراتب فمنها: الكتابة العامة، وهذه هي التي كانت في بداية الخلق عندما أمر الله عز وجل القلم أن يكتب، فقال: اكتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة.

    والنوع الثاني من الكتابة: الكتابة العمرية التي تكون في عمر الإنسان، فإن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الإنسان وطور خلقه في بطن أمه فإنه إذا جاء الشهر الرابع أرسل إليه ملكاً يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد كما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الطويل في كيفية خلق الإنسان.

    وهناك كتابة حولية وهي التي تكون في ليلة القدر كما ورد في سورة الدخان قوله تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4] فكل أعمال السنة يكتب في ليلة القدر كما ذكر المفسرون ذلك في تفسير هذه الآية من سورة الدخان.

    وهناك كتابة يومية كما قال بعض العلماء، وهذه الكتابة هي المراد بقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] سبحانه وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088952185

    عدد مرات الحفظ

    780099413