إسلام ويب

أصول العقيدة [2]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أول واجب على المكلف هو توحيد الإلهية, وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة, فمن اعتقد ربوبية الله تعالى لخلقه ولم يفرد الله تعالى بالعبادة فقد أشرك بالله تعالى, فالواجب على العبد توحيد الله تعالى في الربوبية وتوحيده في الإلهية وتوحيده في أسمائه وصفاته سبحانه, وتلك هي أقسام التوحيد الواجب بالنظر إلى الخالق جل وعز, وأما أقسامه بالنظر إلى المخلوق فتوحيد المعرفة والإثبات, وتوحيد القصد والطلب.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

    فأول واجب على المكلف بإجماع أهل السنة والجماعة هو توحيد الألوهية، والأدلة على ذلك كثيرة، ومن أصرح الأدلة وأوضحها الحديث الثابت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرسله إلى اليمن معلماً لهم قال له: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وجاء في رواية أخرى: (فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله)، وهذه الرواية في البخاري إلى آخر الحديث.

    فهذا الحديث صريح في أن أول واجب على المكلف هو توحيد الألوهية، والسبب في هذا هو أن توحيد الألوهية شامل لمعرفة وجود الله عز وجل ولتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات، ولهذا يقول الله عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].

    قال البخاري : فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، والعلم مقيد بـلا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله هو توحيد الألوهية، فتوحيد الألوهية هو أول واجب، وهو الذي جاءت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب، وهو الذي بدأ به كل رسول بعثه الله عز وجل إلى قومه أن: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، ويقول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وتوحيد الألوهية معناه: إفراد الله بالعبادة.

    إذاً: أول واجب على المكلف أن يفرد الله عز وجل بالعبادة، فلا يعبد إلا الله سبحانه وتعالى ولا يصرف أي عمل من الأعمال التي هي من العبادات إلا لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الإيمان المنجي، والاكتفاء بتوحيد الربوبية ليس منجياً عند الله سبحانه وتعالى.

    ولو أن إنساناً اعتقد أن الله الخالق الرازق المحيي المميت واكتفى بهذا، ولم يفرد العبادة لله عز وجل، بل عبد الله وعبد غيره، فإن هذا لا يكون كافياً، بل يكون من المشركين.

    ولهذا فإن أهل الشرك عندهم نوع من الإيمان، فكانوا يعترفون بأن الله موجود، وأنه الخالق الرازق المحيي المميت، ومع أن هذا من الإيمان إلا أنه لم يكن كافياً ومنحنياً، بل لابد من إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، يقول الله عز وجل: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]، فأثبت لهم هنا نوعاً من الإيمان، لكنه ليس كافياً، قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إذا سألتهم من خلق السماوات؟ قالوا: الله، ومن خلق الأرض؟ قالوا: الله، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، يعبدون غير الله سبحانه وتعالى.

    ولهذا كان حقيقة شرك المشركين هي عبادة غير الله سبحانه وتعالى مع الإقرار لله عز وجل بالربوبية، يقول الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، فهم يعرفون أن الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض، وهم يعرفون أن الله عز وجل هو المدبر وحده، ولهذا فقد كانوا يعظمون البيت والأشهر الحرم، ويمنعون القتال فيها، وكانوا يحلفون بالله، بل إن قوم عاد الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى أخبر الله عز وجل أنهم تقاسموا بالله، يعني: تحالفوا بالله، فهذا يدل على أنهم يعرفون الله عز وجل، وإلا ما حلفوا به، بل إنهم يزيدون على المعرفة بالله أنهم يعظمون الله، لكن هذا التعظيم لم يكن كافياً.

    إذاً: حقيقة الإسلام هو الاستسلام لله في العبادة، فمن فهم هذه القضية فهم الإسلام دين الله سبحانه وتعالى، وتعتبر هذه القضية من أصول الدين التي لا يقبل للإنسان عذر في جهلها، وأنه لا تكون نجاة عند الله إلا بإفراد الله بالعبادة وإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم وجود النواقض التي تنقض هذه الأمور.

    سبب الخلاف بين أهل السنة والقبوريين

    أول واجب على المكلف هو إفراد الله تعالى بالعبادة؛ لأن الأمور الأولية في العقيدة فطرية، فمعرفة الله عز وجل فطرية، ومعرفة ربوبية الله عز وجل فطرية جملة، والتأله لله عز وجل والحاجة إليه فطرية بالجملة، وهذا معنى الفطرة.

    وهذه القضية وقع فيها خلاف عميق في تاريخ المسلمين بين أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحق وبين أهل الكلام المذموم من الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية وغيرهم، ولهذا فإن الخلاف القائم الآن بين أهل السنة من جهة وبين القبوريين من جهة أخرى فيما يتعلق بتعظيم القبور والطواف حولها والذبح والنذر لأصحاب هذه القبور ونحو ذلك من الشركيات أساسه عائد إلى هذه القضية أو المسألة، فأهل السنة تقريرهم للتوحيد كما سبق؛ ومعرفة الله عز وجل فطرية دلت عليها النصوص الشرعية الواضحة.

    وتوحيد الربوبية كما أنه فطري في الجملة فإنه لم يكن موطن إشكال أصلاً بين الأمم، فكل الأمم كانت تعترف بأن الله عز وجل هو الخالق والرازق والمحيي والمميت ونحو ذلك، بل إن أول أمة نزلت على ظهر الأرض آدم وأبناؤه، وقد كانوا على التوحيد لمدة عشرة قرون، أي: ألف سنة، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا على التوحيد لمدة عشرة قرون، ثم حصل الشرك في قوم نوح، فأرسل الله عز وجل إليهم نوحاً وكان أول رسول أرسله الله عز وجل إلى الإنسانية، فدعاهم إلى الله، وكان شرك قوم نوح في العبادة، ولم يكن في معرفة الله عز وجل أو إنكار وجوده، أو ادعاء أن هناك خالقاً أو رازقاً مع الله، قال الله عز وجل: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213]، فقد قال ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان آدم وبنوه على التوحيد عشرة قرون).

    وقال الله عز وجل حاكياً عنهم: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، فهذه أسماء رجال صالحين كانوا في قوم نوح كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، وكانوا مضرب المثل في العبادة لله عز وجل، فلما ماتوا حزن عليهم الناس حزناً شديداً، فجاء الشيطان إليهم ووسوس إليهم أن ينصبوا على أشكالهم تماثيل ويضعونها في الميادين والأماكن العامة، من أجل أن يذكروهم بالعبادة، ولم يقل لهم: اعبدوهم، فإنهم كانوا قريبي عهد بالتوحيد، ولا يمكن أن تنطلي عليهم مثل هذه الخطة.

    وأنتم تعلمون أن الشيطان له خطوات، فليست له خطوة واحدة بل مجموعة خطوات، فهو يقرب الإنسان من الحرام ثم يدخله في بداية الحرام، ثم قليلاً قليلاً حتى يقع في بطن الحرام.

    فأقنعهم بأن ينصبوا تماثيل ويجعلوها في الأماكن العامة، فلما هلك الجيل الأول وجاءت الأجيال القادمة ونسي العلم جاء الشيطان إليهم وقال: إن آباءكم كانوا يستسقون بهم المطر فيسقون، وكانوا يستدفعون بهم الشر فيندفع، فعبدوهم من دون الله، فكانوا يعرفون الله ويعظمونه، لكن المشكلة الحقيقة التي وقعت عندهم كانت في العبادة.

    وهذه القضية مهمة وأولية وأساسية في بناء العقيدة بالنسبة لطالب العلم إذا أدركها بهذه الطريقة، ومسألة فطرية المعرفة وأول واجب على المكلف من المسائل المهمة حتى يدرك الإنسان جذور الخلاف الذي وقع في حياة المسلمين، وكيف أن المسلمين اختلفوا في أصول دينهم، وأصبح هناك أشخاص يدافعون عن القبور والطواف حولها والنذر لغير الله عز وجل، ولهذا فإن الشيعة يعبدون القبور ويحجون إليها، حتى إن أحدهم ألف كتاباً وسماه حج المناسك، أي: مناسك زيارة القبور، والمناسك المشروعة: هي الطواف والسعي والذهاب إلى منى وعرفات ومزدلفة، والرجوع إلى منى ورمي الجمرات وطواف الإفاضة والوداع ونحو ذلك من المناسك التي هي نصوص صريحة في القرآن والسنة، أما المناسك عند الشيعة فهي زيارة القبور، بل نص بعض أئمتهم أن الذهاب إلى القبور والحج إليها أفضل من الحج إلى مكة والمشاعر المقدسة بألفي ألف مرة، أي: بمليوني مرة! ولهذا فإنهم يأتون إلى هذه القبور ويبكون عندها ويسجدون لها، ويدعون غير الله عز وجل كالأولياء والصالحين، ويطلبون منهم أموراً خاصة لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، كالولد والرزق، والعفو من الذنوب، والبركة في الأموال والأولاد والأهل، ويمارسون الشرك حقيقة، ويقولون أنهم مسلمون، فأساس المشكلة في وقتنا الحاضر هو في فهم التوحيد، فينبغي علينا أن ندرك حقيقة التوحيد الشرعية من خلال القرآن والسنة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088973880

    عدد مرات الحفظ

    780276345