فلا زلنا مع صحيح الإمام البخاري : في كتاب العمل في الصلاة والباب السابع عشر منه.
قال البخاري رحمه الله: [ باب: لا يرد السلام في الصلاة ].
ومقصوده هنا: رد السلام بالقول. أي: لو ألقي عليك السلام وأنت تصلي فلا ينبغي أن ترد السلام لفظاً، وإنما بالإشارة، أو بعد انتهاء الصلاة. هذا رأي جمهور العلماء: أن تؤخر الرد اللفظي إلى ما بعد السلام، أو أن ترد أثناء الصلاة بالإشارة.
ولقد دفع لي أخ فاضل تحقيق حديث: الرد بالإشارة يكون هكذا، اليد باطنها إلى أسفل وظاهرها إلى أعلى.
قال: [ حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ] وهو شيخ البخاري ، وترجمته: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ، من طبقة كبار تبع الأتباع، كنيته: أبو بكر، بلد الإقامة: الكوفة. تاريخ الوفاة: (235هـ). رتبته: ثقة حافظ. قال فيه ابن حنبل : صدوق. وقال يحيى بن معين : صدوق. وقال أبو حاتم الرازي : ثقة. إلى غيرهم من علماء الحديث، وهو شيخ من شيوخ البخاري .
قال: [ حدثنا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ].
إذاً: الحديث ينتهي إلى الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وطبقة الصحابة لا تخضع للجرح ولا التعديل؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فلا ينبغي أن تقول: الصحابي ثقة؛ لأنه ثقة سواء قلت أم لم تقل، فطبقة الصحابة لا تخضع لجرح ولا تعديل.
قال: [ (كنت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علي)] ، وذلك كان في أول الأمر، يجوز رد السلام في الصلاة لفظاً، بل كان يجوز الكلام لمصلحة الصلاة، كأن يسأل الرجل إخوانه: في أي ركعة أنتم؟ فيقولوا: في الثانية، فيدخل معهم في الصلاة، هذا كان في أول الأمر إلى أن أنزل الله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فنهوا عن الكلام في الصلاة إلا بذكر الله عز وجل، وبما هو من أمور الصلاة.
عبد الله بن مسعود لما رجع من الحبشة يقول: (فلما رجعنا من الحبشة سلمت عليه -يعني: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي فلم يرد علي، وقال: إن في الصلاة شغلاً)، أي: أنه لم يرد عليه، فعلم ابن مسعود أن الأمر بالكلام قد نسخ. وفي هذا: أن عدم العلم بالأمر المنسوخ يجوِّز العمل به إلى أن تعلم، فالعلم مناط التكليف، فيعذر بعدم العلم، فالصحابة منهم من صلى إلى المسجد الأقصى المغرب والعشاء مع أن القبلة تحولت في صلاة العصر -على قول- لكنه صلى وهو لا يعلم، فهل أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة؟
في هذا يقول الحافظ ابن كثير : فالعلم مناط التكليف، وعدم العلم بالمنسوخ يجوِّز العمل به إلى أن تعلم الناسخ.
ثم جاء بالحديث الآخر: [ حدثنا أبو معمر ]، وأبو معمر أيضاً من شيوخ البخاري ، ترجمته: هو عبد الله بن عمرو. الطبقة: من كبار تبع الأتباع. إقامته: البصرة، وهو أيضاً ثقة ثبت، وثقه يحيى بن معين ، وبدون أدنى شك فرجال البخاري من الثقات.
قال: [ حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا كثير عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ]، ولا تقل: جابر بن عبد الله رضي الله عنه، لماذا؟ لأن أباه أيضاً صحابي: عبد الله بن حرام استشهد في غزوة أحد رضي الله عنه، فحينما تقول: جابر بن عبد الله ، قل: رضي الله عنهما، تترضى على الصحابي وعلى أبيه.
قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له -في أمر له- فانطلقت ثم رجعت وقد قضيتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد علي -لأنه كان في صلاة- فوقع في قلبي ما الله أعلم به) ؛ لأنه ظن أنه لم يرد عليه؛ لأن في نفسه شيئاً من جابر : (فقلت في نفسي: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد علي أني أبطأت عليه، ثم سلمت عليه فلم يرد علي، فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى، ثم سلمت عليه فرد علي)، رد عليه بعد انتهاء الصلاة، فقال: (إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي، وكان على راحلته متوجهاً إلى غير القبلة صلى الله عليه وسلم).
وفي الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: جواز صلاة النافلة على الراحلة.
الفائدة الثانية: أن جابراً لم يكن يعلم سنة رد السلام بالإشارة؛ إذ لو كان عنده علم لرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالإشارة، لكنه كان يعلم أنه لا بد من الرد اللفظي.
وجواز الرد بالإشارة في الصلاة هو مذهب جمهور العلماء: فيجوز لك أن تلقي السلام على المصلي وهو يرد عليك بإشارة اليد، وإن شاء أخر الرد إلى ما بعد الصلاة بعد أن ينتهي.
الفائدة الثالثة: حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على محبته ورضاه عليه الصلاة والسلام.
الفائدة الرابعة: بيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أشكل على الصحابة، كـجابر لما قال له: (إنما منعني أن أرد عليك)؛ حتى لا يجد في نفسه، ولذلك لا تترك الأمور تختلط وإنما تبين لأخيك ما أشكل عليه، فربما تعرض عن أخيك لانشغالك عنه بمصلحة أخرى، فتخبره بذلك، وأنك كنت في مشكلة حتى لا يحمل في نفسه عليك، ولذلك قال في الحديث الآخر: (على رسلكما إنها
الفائدة الخامسة: بيان جواز إظهار الحقائق في وقتها، فلا بد أن تبين الحقائق في وقتها يا عبد الله! فلعل البعض لا يعذر، فلا بد أن تبين له لماذا لم ترد عليه .. لماذا كنت معرضاً .. لماذا أغلقت الهاتف في وجهه، ربما تكون في مكان لا تستطيع فيه الرد، فلابد أن تبين له الأمر.
بعض الناس أيضاً يأخذ بالشبهات إن رآك تسير مع رجل له مكانة وسلطة: عميل! مباشرة يعطيك الختم، هذا في قلبه مرض؛ لأنه لا يأخذ الناس بظاهرها، وإنما ينقب عن السرائر، فإياك إياك من هذا!
والمعنى: أن كل هذا من العمل في الصلاة.
وما علاقة الباب السابق بالعمل في الصلاة؟ جواز رد السلام بالإشارة باليد وأنت تصلي، وهذا عمل.
قال: [باب: رفع الأيدي في الصلاة؛ لأمر ينزل به].
وهذا رد على من يقول بعدم جواز رفع اليدين عند دعاء القنوت، رفع اليدين في الصلاة هكذا لأمر عارض ينزل بك، بمعنى: أنه ليس موضع دعاء وإنما أمر عرض لك، ربما وأنت تصلي أُخبرت بأن ابنك نجح وحصل على تقدير عالٍ، فماذا تصنع؟ ترفع يديك تحمد الله عز وجل. هل يجوز هذا؟ نعم يجوز، حتى لو لم يكن الموضع موضع رفع لليدين، فيجوز رفع الأيدي في الصلاة لأمر طارئ.
قال: [ حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد : (بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني عمرو بن عوف بقباء كان بينهم شيء) .. الحديث، وهو حديث صلاة الصديق لما صفق الصحابة، هذا الحديث في البخاري كرره في كتاب العمل في الصلاة في ثلاثة مواضع، وهي: (باب من صفق جاهلاً بحكم التصفيق) و(باب التسبيح للرجال).
ومعرفة تبويب البخاري مهمة لطالب العلم؛ حتى يرد على الإجابات بتبويبه، فمثلاً: ما حكم من صفق في الصلاة جاهلاً؟ سؤال فقهي، الجواب: بوّب البخاري في صحيحه في كتاب العمل في الصلاة: باب من صفق جاهلاً من حديث سعد بن سهل .
هل يجوز تأخير صلاة العشاء؟ بوّب البخاري في كتاب مواقيت الصلاة: باب تأخير العشاء، ثم أخرج حديث كذا وكذا، هذا التأصيل، عنوان الباب يحسم المسألة.
قال: [ باب رفع الأيدي في الصلاة: (بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني عمرو بن عوف بقباء كان بينهم شيء -يعني: خلاف- فخرج يصلح بينهم في أناس من أصحابه) ].
وفي الحديث: بيان عظم إصلاح ذات البين، فقد ترك إمامة الناس بالصلاة واستخلف الصديق وذهب إلى قباء.
وفي الحديث: مسئولية ولي الأمر عن إصلاح ذات البين، ولذلك يقول: (فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يعني: تأخر عند بني عوف في قباء وحانت الصلاة، (فجاء
وفي الحديث: أن للصلاة موعد إقامة، فلو تأخر الإمام الراتب يجوز أن يستخلف من يصلي بالناس. يعني: إمام سيتأخر نصف ساعة أو ساعة إلا ربع الساعة فليس شرطاً أن ننتظر الإمام الراتب ونؤخر الناس طالما أن المسجد يلتزم وقتاً محدداً بين الآذان والإقامة، فإذا تأخر الإمام الراتب عن هذا الوقت فيجوز للمؤذن أن يستخلف غيره.
وفي الحديث: وجوب أن يستخلف الإمام الراتب من يؤم الناس في عدم وجوده، فيقول للمؤذن: أنا سأتأخر فإن تأخرت فاجعل فلاناً يصلي، وهذا من تنظيم العمل في المساجد، ويوم أن تكون المساجد على هذا النحو لا تحدث مشكلة؛ لأن الإمام الراتب سيستخلف من هو أهل لذلك. (فقال
قال: (فأقام
والمدرجات في الحديث ما أتت من بعض ألفاظ الرواة اتصلت
والإدراج إما أن يكون في أول النص، وإما أن يكون في وسطه، وإما أن يكون في آخره، ومعنى الإدراج: أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام الراوي؛ أراد أن يبين معنى، فإن بين الإدراج فلا شبهة، يعني: قال صلى الله عليه وسلم: (ويل للأعقاب من النار) ، هذا هو الحديث، أبو هريرة حينما يروي الحديث فيقول: أسبغوا الوضوء؛ فإني سمعت رسول الله يقول: (ويل للأعقاب من النار)، (أسبغوا الوضوء) هذا من قول أبي هريرة .
إذاً: هذا يسمى إدراج في أول الحديث، فقوله: (أسبغوا الوضوء)، ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما من قول أبي هريرة . (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، إذا أصبحت فلا تنتظر ..)، هذا قول ابن عمر ، وهو إدراج في وسطه، في كتاب بدء الوحي، آخر حديث في كتاب بدء الوحي عند البخاري : (والتحنث يعني: التعبد)، هذا إدراج من الراوي يوضح به المعنى، والإدراج يقبل بشروط عند علماء الحديث.
معنى هذا: لما دخل النبي عليه الصلاة والسلام صفق الصحابة على ظهور أيديهم وأكثروا، وكان أبو بكر لا يلتفت، ونظره في محل السجود، فلما أكثروا التفت ونظر بطرف عينه إلى من خلفه في الصف الأول فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع يديه إلى السماء وحمد الله عز وجل.
وهل هذا موضع رفع لليد في الصلاة؟ الجواب: لا، إنما لأمر نزل به.
قال ابن حجر شارحاً: وفي الحديث بيان جواز رفع اليدين في الصلاة بالدعاء ولأمر نزل: هذا هو الشاهد.
يقول سائل: هل التصفيق للنساء في الصلاة فقط؟ لفظ (إنما) يفيد الحصر، ليس للرجل أن يصفق، التصفيق من صفات النساء، (إنما التصفيح للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله، ثم التفت إلى
وفي الحديث: حسن أدب الصديق رضي الله عنه. وفيه أيضاً قال: (ما كان لـ
رواه أبو داود في سننه، وأخرجه البخاري في أكثر من باب.
وفيه من الفوائد أيضاً: جواز الالتفات في الصلاة.
وفيه: جواز أن يستخلف الإمام.
وفيه: جواز أن يرجع المستخلف في الركعة الأولى.
وفيه: من صفق جاهلاً .. التصفيق للنساء .. التسبيح للرجال .. إصلاح ذات البين، دروس عديدة في الحديث يمكن أن يستنبطها طالب العلم بنور البصيرة.
ومنها: أن الإمام إذا أتى متأخراً بقدر ركعة، فلا يجوز له أن يرد من استخلفه، ولذلك عبد الرحمن بن عوف هو الصحابي الوحيد الذي صلى إماماً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الفجر وأتى بركعة، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام بعد ركعة، فأكمل ابن عوف الصلاة، فمن مناقبه أنه الصحابي الوحيد الذي أَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أي: وضع اليدين على الخصر، وفيه كبر، وهي وقفة المتكبر.
لماذا نهي عن الخصر في الصلاة؟
أقوال: منهم من قال: إن هذه وقفة اليهود، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بهم. ومنهم من قال: لأنها وقفة المتكبرين. ومنهم من قال: لأنها راحة أهل النار. أي: أن أهل النار حينما يستريحون يتخصرون. ومنهم من قال: إن إبليس لما هبط من الجنة إلى الأرض هبط متخصراً.
قال: [ حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهي عن الخصر في الصلاة) ].
(نهي) من صيغ التحريم، والتحريم له صيغ في أصول الفقه: لفظ: (حرمت)، لفظ: (لا يحل) لفظ النهي، والنهي أصله يفيد التحريم إلا إذا صرفه صارف.
النهي هنا: (نهي عن الخصر في الصلاة)، ثم جاء بحديث: (نهي أن يصلي الرجل مختصراً) ، يعني: واضعاً يده على خاصرته.
أراد البخاري رحمه الله بهذا الباب أن يبين ما لا يجوز من العمل في الصلاة، أي: أنه أشار إلى جواز رد السلام ثم أورد باب: النهي عن الخصر في الصلاة؛ ليبين أنه ليست كل الأعمال جائزة في الصلاة.
كتاب العمل في الصلاة احتوى على (18) باباً، وكل باب له فقه، وكل باب له أحاديث وفوائد.
والحقيقة أن من ليس عنده فتح الباري شرح صحيح البخاري فقد حرم نفسه من علم كثير.
دعك من كتب الحواشي والرسائل وتعالى إلى الأمهات! الشوكاني عالم يمني عرف لهذا الكتاب قدره، لما قيل له: اشرح البخاري ، قال: لا هجرة بعد الفتح، معرضاً بفتح الباري. وابن حجر ظل يشرح في الصحيح ربع قرن هنا في مصر، ولما أكمل الشرح أعد وليمة استضاف فيها الأمراء والعلماء ابتهاجاً بإكمال شرح الصحيح، ونحن لا نجيد أن نقرأ ما كتب؟ يعني لا نكتب بل لا نقرأ ما كتب!!
هذا الباب مهم جداً، يسأل البعض: أنا أفكر في الصلاة في أمر كذا وكذا فهل تبطل الصلاة؟ هل يجوز لي أن أفكر في الصلاة؟ فكري يشرد أحياناً في أمور تخص الآخرة أو الدين أو الشرع فهل يجوز أن أفكر في ذلك؟
يقول: [ قال عمر رضي الله عنه: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة ].
يعني: عمر بن الخطاب وهو يصلي كان يقول: الله أكبر. فلان على الميمنة، فلان على الميسرة، فلان يأخذ الراية، ويقسم الجيش وهو في الصلاة، لكن هذا في عجالة وليس طوال الصلاة. هذا فكر طارئ على عقله وهو في الصلاة، فهذا أمر شرعي يجوز بلا أدنى شك.
قال: [ حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا روح حدثنا عمر أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فلما سلّم قام سريعاً) ].
هذا الحديث أورده الإمام النووي في كتاب رياض الصالحين في باب المسارعة إلى فعل الخيرات.
لا تؤجل دينك! عليك مظلمة استحل منها الآن ولا تؤجل!
انظروا إلى فعل نبيكم عليه الصلاة والسلام كما في حديث عقبة بن الحارث : (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فلما سلّم قام سريعاً ودخل على بعض نسائه)، والمعنى: أنه لما صلى العصر مع أصحابه كان يستدير بوجهه -ومن فقه الإمام أن يستدير بوجهه للمصلين- لكنه هذا المرة لما استدار قام من مصلاه على التو والفور، ثم تخطى الرقاب -رقاب المصلين- ودخل إلى حجر بعض نسائه، وهذا الأمر لم يعتاده. (فدخل ثم خرج فرأى في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته)، القوم يتعجبون من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث: أدب أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فهم لم يسألوه عن سبب قيامه. وفي الحديث معرفته صلى الله عليه وسلم بأحوال أصحابه، فقد رأى في وجوههم التعجب، فقال لهم: (ذكرت وأنا في الصلاة تبراً عندنا)، والتبر هو الذهب غير المصوغ، وكانت قطعة في مال الصدقة، قال: (ذكرت وأنا في الصلاة تبراً عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته) صلى الله عليه وسلم. يعني: تبر من مال الصدقة في بيته، فلم ينتظر حتى يردد أذكار الصلاة، وإنما خرج مسرعاً ليتخلص منه، يخشى أن يقبض قبل ذلك فيسأله عنه الله عز وجل.
وفي الحديث: أنه لا يجوز أن يحبس المال عن أصحابه: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]، يحجبونه عن الأمة .. حدث ولا حرج، النبي صلى الله عليه وسلم يذكر تبراً في الصلاة فيخرج بعدها لينفقه ثم يعود، ما قال أنتظر، رغم أن وقت الانتظار انشغال بطاعة، لكنه أراد أن يعلمنا أن المسارعة في فعل الخيرات هو أصل سلوك المؤمن: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133].
قال البخاري : [ حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر عن الأعرج قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط) ].
يعني: حينما يسمع الشيطان الآذان يولي وله ضراط.
[ (حتى لا يسمع التأذين، فإذا سكت المؤذن أقبل، فإذا ثوب أدبر) ].
(ثوب) يعني: أقام الصلاة، فإذا أقام الصلاة أدبر.
[ (فإذا سكت أقبل، فلا يزال بالمرء يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر حتى لا يدري كم صلى) ].
أي: أن الشيطان يأتيه في صلاته يذكره بشيء لم يكن يذكره، حتى أن البعض قال: إذا ضاع مني مال أدخل الصلاة لأعرف أين هو؛ لأن الشيطان في الصلاة يستحضر له ما لا يستحضره خارج الصلاة، يأتيه ويذكره، (حتى لا يدري كم صلى)، هذا المنهي عنه: أن ينشغل بفكره عن الصلاة حتى لا يدري كم صلى.
[ قال أبو سلمة : إذا فعل أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو قاعد ]، يعني: سجدتي السهو.
[ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري قال أبو هريرة رضي الله عنه: يقول الناس: أكثر أبو هريرة. فلقيت رجلاً فقلت: بما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟ ] أي: أن أبا هريرة كان بعض الناس يتهمونه بالإكثار، ونحن نسميه من المكثرين في الرواية، وأكثر منه بلاغاً لحديث رسول الله عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لأنه كان يكتب وكان أبو هريرة لا يكتب، ويقول: (لا أعلم أحداً أكثر مني حفظاً لحديث رسول الله إلا عبد الله بن عمرو فكان يكتب وكنت لا أكتب)، وأبو هريرة بلَّغ أكثر من سبعة آلاف حديث عن رسول الله، مع أنه أسلم في عام خيبر، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في عام (11هـ)، يعني أبو هريرة ظل أربع سنوات إلا قليلاً ملازماً للنبي عليه الصلاة والسلام، ورغم قصر المدة إلا أنه أكثر الصحابة بلاغاً، وذلك لسببين:
السبب الأول: أنه لازم النبي عليه الصلاة والسلام كظله، يقول: (انشغل الأنصار بزراعتهم، وانشغل المهاجرون بتجارتهم، ولازمت النبي صلى الله عليه وسلم على ملء بطني)، كان معه كظله، معه في كل وقت، لا يفارقه إلا قليلاً. يقول: (ففي يوم قلت: يا رسول الله! إني أسمع الحديث منك وأنساه -آفة العلم النسيان- فقال: يا
السبب الثاني: وفي حديث آخر: (أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه، فقال
ولذلك دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوة، وحب أبو هريرة في قلوب المؤمنين وصدورهم بدعوة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف العلماء في اسمه، والراجح: أنه عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين على رغم أنف الشيعة الرافضين عليهم من الله اللعائن إلى يوم الدين؛ لأنهم يطعنون في أصحاب النبي الأمين عليه الصلاة والسلام، والتشيع حركة الآن قد فردت ذراعيها، ورصدت البلايين لنشر هذا الفكر الخبيث؛ فانتبهوا فإن المؤامرة واضحة بينة في بلاد المسلمين.
قال أبو هريرة : (يقول الناس: أكثر
وأراد أبو هريرة بذلك أن يبين له ولأصحابه أنه رزق علماً لا ينسى بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الجواب: إن كنت كما تقول: ليس لك حاجة في الزواج، ويمكنك أن تؤخر، فالمسألة على حسب الحالة، فابدأ بطلب العلم حفظك الله تعالى ورعاك!
الجواب: يكره كتابة الآيات القرآنية على لوحات وتعليقها، ذكر ذلك النووي في كتاب التبيان في آداب حملة القرآن.
الجواب: نعم يجوز، الحرمة عليه وليست عليك أنت، ليس معنى أنه يتعامل بالقروض ألا تأكل من ذبيحته، والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر