سأصلي أمامكم على المنبر، لحديث مالك بن الحويرث عند البخاري قال: ما أردت أن أصلي، ولكن أردت أن أبين لكم كيف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا فالتعليم بوسائل الإيضاح من أهم الوسائل لوصول ورسوخ المعلومة، لأننا في المساجد قد نجد واحداً يضع يده هكذا، والآخر هكذا، والثالث تحت السرة وهكذا، كما نجد أيضاً عند الاعتدال من الركوع يرفع البعض يديه، وفريق آخر لا يرفع، مع أن الثابت أن يرفع المسلم يديه عند الرفع من الركوع خلافاً للمالكية، لأنهم لا يعملون بخبر الآحاد إذا خالف عمل أهل المدينة، وهذا كلام في أصول المالكية.
والمهم أنني أريد أن أقول: إننا نختلف بجوار بعضنا البعض في كيفية الصلاة!
رغم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ونقل الصحابة لكيفية صفة صلاته عليه الصلاة والسلام بل حتى عندما كان يقرأ في الصلاة وأصابته عطسة فقطع القراءة وركع، وتحريك الأصبع في التشهد، ووضع اليدين على الركبتين في حال الركوع، كل ذلك نقلوه عن النبي عليه الصلاة والسلام نقلاً دقيقاً، وعليه فلا يجوز للمسلم أن يخالف في ذلك.
أيضاً: التأمين فلا زلنا نخطئ فيه ونصر على الخطأ، قال شيخنا العلامة الألباني رحمه الله تعالى: إنه لا بد حتى يحصل المأموم على الأجر أن يوافق تأمينه تأمين الإمام. أما نحن فحالنا أننا نسبق الإمام بالتأمين، فبمجرد أن يقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، نقول بسرعة: آمين، والإمام لم يشرع بعد في قول آمين، بينما لو وافق تأمين المأموم للإمام غفر له ما تقدم من ذنبه.
كذلك: تجد البعض عندما يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أو عند الركوع أو عند الرفع من الركوع يرفعهما وكأنه ينش الذباب، أو يرفعهما بكسل جداً، أو يرفعهما كالسيف! والسنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام أن تكون الأصابع متجهة إلى القبلة، وفي حذو المنكبين تحت شحمة الأذنين، لحديث أبي داود رحمه الله تعالى.
لكن تعال في زمننا اليوم، فتجد أن كل واحد يرفع يديه حسب هواه، وكيفما أراد، بل بعضهم قد لا يرفع أبداً، ولذلك حينما نتعلم كيفية صفة الصلاة لا بد أن ننقلها إلى العباد في كل مسجد، فنقول: إن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هي: أن يكبر المسلم تكبيرة الإحرام، ثم يضع اليمنى على اليسرى في أول الصدر، ثم يقول دعاء الاستفتاح وينظر إلى محل سجوده، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع، ثم يسجد على سبعة أعظم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأن لا أكف يداً ولا شعراً)، ونعمل ذلك عملياً أمام الناس، ثم يبين حركة الإصبع عند التشهد، ثم ينقل الخلاف: هل النزول إلى السجود على الركبتين أم على اليدين؟ فالشيخ أبو إسحاق يرى النزول على اليدين أولاً، وابن القيم في زاد المعاد يقول: لا بد من النزول على الركبتين، والراجح: النزول على اليدين، وسأبين سبب ذلك إن شاء الله تعالى، والمهم حركة الإصبع في التشهد، لأننا نجد البعض قد يعمل بأصابعه هكذا، فيقبضها ثم يبسطها، والسنة أن تكون الأصبع تجاه القبلة لا تتحول عنها، والبعض الآخر قد يحلق بإصبعه كذا، والذي بجانبه متضايق منه، والبعض أيضاً: عندما يقف في الصف يريد أن يضع رجله في رجل الذي بجانبه، بل وربما قد يضعها فوق رجل أخيه! والبعض كذلك: قد يفتح رجليه مائتين وثمانين درجة! فيقف في الصف مباعداً بين رجليه، وكذلك بعض الناس قد يقف في الصلاة مكتوفاً هكذا، وهو يظن أنه على حق، وسأنقل لكم الكيفية بالنصوص، والجمع بين الأدلة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأموراً أخرى عجيبة في الصلاة نراها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خطاه، ولا يشبك أصابعه، ويقول: باسم الله: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء:78] الآيات إلى قوله: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89]، ويقول: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فإذا سمع الإقامة لم يسع إليها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول، وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال ذلك، إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك].
وتعال إلى بعض المساجد، فتجد أن المأموم يدرك الإمام وهو راكع، فيريد المأموم أن يدرك الركعة، فيقول بصوت حتى يسمعه الإمام: إن الله مع الصابرين! فهذا العمل لا يجوز، لأن العبد مأمور بأن ما أدركه من الصلاة صلى، وما فاته أتم.
ويستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، وإن كان دخوله في وقت سنة صلى السنة وأجزأته عن التحية، وإن كان دخوله والناس يصلون فرضاً صلى معهم وأجزأته عن تحية المسجد، وعليه: فالمهم أن يكون أول فعل يفعله عند دخوله المسجد أن يصلي.
وكذلك يوم الجمعة إذا جاء والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جاء والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين)، ومن باب أولى من جاء إلى حلق العلم، فلا يجوز له أن يجلس حتى يصلي ركعتين.
الأول: لو أن بعض الناس دخلوا مسرحاً، وأخبروا بأن الستار سيرفع في الثامنة، فقال أحدهم: بل في الثامنة إلا خمس! لقالوا له: ما شأنك أنت؟! ولا يمكن أن يؤمر برفع الستار إلا في الوقت المحدد، والمخرج الفني هو الذي يأمر بذلك، والجمهور كأن على رؤوسهم الطير.
الثاني: أن الحكم هو الذي يأمر ببداية المباراة ونهايتها، فهو الذي يملك تحديد الوقت، الوقت الضائع والوقت بعد الضائع، وهو الذي ينظر ويعطي الأمر بالإشارة، ولا يقوم بذلك أحد غيره.
الجواب: أنه بالخيار، فإن استطاع أن يتم قبل أن يدخل الإمام في تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح فليتم، لأن الإقامة وتكبيرة الإحرام تحتاج إلى وقت، لكن لو أنه في الركعة الأولى وأقيمت الصلاة ، ففي هذه الحالة يخرج من الصلاة دون تسليم، وهذا اختيار فقهائنا، والله تعالى أعلم.
وأما صلاة النافلة بعد الفجر فتجوز، أي: صلاة سنة الفجر إن فاتت.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر