أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
اللهم أرنا يوماً يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا
فضيحة تعذيب السجناء العراقيين في سجون الحرية الأمريكية، والديمقراطية الأمريكية، والعدالة الأمريكية، عملية تحرير العراق -كما تعرفون- فضيحة قذرة بكل المقاييس، تعجب لها كثيرون وأحبط منها كثيرون، بل وبررها بعضهم، لكن إخواني وأخواتي أصدقكم القول: والله أنا ما تعجبت منها، بل على العكس لو لم يحدث هذا التعذيب والإذلال والقهر والبطش لتعجبت؛ لأن الأصل هو أن يحدث، احفظوها جيداً. فالقانو: أن أي قوة في أي مكان أو في أي زمان تجرد من الدين لا بد أن تكون بهذه الصورة والبشاعة، وأمريكا ليست بدعة من الأمم، وحروب الرومان لم تختلف كثيراً عن حروب أمريكا، وحروب الفرس لم تختلف كثيراً عن حروب أمريكا، كذلك حروب إنجلترا وفرنسا وإسبانا والبرتغال وغيرها لم تختلف كثيراً عن حروب أمريكا، قوة بلا دين أو ضمير أو خلق لا بد أن تكون بهذه الصورة، والذي يدرس خلفيات الجيش الأمريكاني: الخلفيات التاريخية، والأخلاقية، والفكرية، والدينية، والتربوية، لا بد أن يتوقع هذا الأمر، لكن قبل أن نحلل في خلفيات الجيش الأمريكي، ونفسيات الجنود الأمريكان، أريد أن ألفت الأنظار إلى ما هو أهم وأخطر من قضية صور الأسرى العراقيين المعذبين، قد يقول قائل: وهل هناك ما هو أبشع من تعذيب البشر، وامتهان الإنسانية، وإذلال الأسرى؟ أقول: نعم، نعم يا إخوة ويا أخوات! هناك ما هو أبشع، هناك الجريمة الكبرى والجناية العظمى، هذا التعذيب للأسرى على بشاعته هو جزء بسيط جداً من الجريمة الكبرى، ألا وهي جريمة احتلال العراق ونهب مقدرات دولة بكاملها وامتهان شعب بأسره، وعدم اكتراث بأمة ضخمة جداً تجاوز عددها مليار إنسان، نعم. جريمة تعذيب الأسرى جريمة كبيرة جداً جداً، لكن الجريمة الأكبر لا يجب أن تنسى.
فلا يجب أن ينسى المسلمون أبداً أن العراق محتل ومدنس وممتهن بكامله، ليس فقط مئات أو آلاف العراقيين في السجون الأمريكية، بل أكثر من أربعة وعشرين مليون عراقي كلهم يعيشون الآن في إذلال وبطش وقهر، مسجونين كلهم داخل حدود العراق، ومعذبين كلهم داخل حدود العراق، هذا أمر لا يجب أبداً أن ينسى، وإلا شاهدنا من قد يخرج علينا ويقول: نريد احتلالاً بلا تعذيب، فتصبح القضية الأساسية التي يريدون منا أن ننشغل بها هي حسن معاملة الأسرى ومعاقبة المعذبين لهم، أما أمر الاحتلال فيصبح واقعاً ليس قابلاً للنقاش أو المجادلة، بعد ما عرفنا هذا الموضوع، وفهمنا أن أعداء الأمة قد يفخمون جداً من قضية ما؛ لإلهاء الأمة بها؛ ولتنسى القضية الرئيسة، وتقبل بالأمر الواقع مع قليل من التحسين والتجميل.
بعد ما عرفنا هذا تعالوا نحلل قضية التعذيب هذه، وسنحاول في هذه المحاضرة بسرعة أن نجيب على ثلاثة أسئلة مهمة جداً.
أولاً: يا ترى ما هي الخلفيات التي دفعت الجندي الأمريكي إلى هذا السلوك المشين؟ يا ترى هل هذا شيء طبيعي بالنسبة للجندي الأمريكي، أو هو شيء مخالف للطبيعة الأمريكية؟
ثانياً: يا ترى لماذا الصور ظهرت في هذا الوقت بالذات، مع أنها مصورة منذ ستة أشهر، وبعضها مصور منذ سنة كاملة؟
ثالثاً: ما هو دورنا كشعوب في هذه الأزمة التي تمر بها الأمة؟
أولاً: ما هي خلفيات ونفسيات الجيش الأمريكي الذي يقوم بهذه الفضائع؟ يا ترى هل هذه أول مرة يعملها الجيش الأمريكي، أم أن الأمريكان متعودون على مثل هذا التعامل؟
إن أمريكا ليست دولة قديمة، لا يوجد لها جذور حضارية قديمة، فقد قامت في سنة 1776م -أي: أقل من 250 سنة- كيف قامت؟ عن طريق مجموعة كبيرة من النصارى البروتستانت الهاربين من اضطهاد الكاثوليك في أوروبا، الهاربين من إنجلترا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وغيرها من عموم أوروبا.
هؤلاء الهاربون عبروا المحيط، ونزلوا الأرض الجديدة أمريكا، وجدوا أن هذه الأرض يعيش عليها شعب كبير ضخم معروف باسم الهنود الحمر، وهو شعب عاش واستوطن الأرض منذ آلاف السنين، فقد رأيت آثاراً من ألفين وثلاثة آلاف سنة للهنود الحمر بأرض أمريكا.
ماذا عمل المتدينون البروتستانت الهاربون من الظلم الكاثوليكي؟ قرروا أن يستوطنوا في الأرض الجديدة أمريكا، لكن ماذا عن الشعب الأصلي الذي يسكن البلد؟ ليس مهماً، لا تقل: شعب، ولا تقل: حق، ولا تقل: أخلاق ولا دين، إنما البقاء للأقوى، البقاء للأظلم وللأبشع، وهكذا بدأت مراحل من الإبادة والقهر للشعب الهندي الأحمر، وبدأت عمليات المذابح الجماعية، لا فرق بين مدني ومحارب، ولا فرق بين رجل وامرأة، ولا فرق بين كبير وصغير، المسألة بالنسبة للمهاجرين الأوربيين المتدينين الجدد مسألة حياة أو موت، لا توجد قوانين ولا قواعد، وإنما إبادة كل شيء، وهذه هي سياسة الأرض المحروقة، لا يبقون على بشر ولا شجر.
هذا الشعب الهندي الأحمر الذي تعداده في أقل تقدير خمسون مليوناً وفي بعض التقديرات يصل إلى مائتي مليون، وبعد وصول الأوربيين المتحضرين أجداد الأمريكان انخفض تعدادهم إلى اثنين أو ثلاثة ملايين على أكثر تقدير.
وهكذا قامت أمريكا وبدأت وتأسست على أشلاء هذه العشرات من الملايين من أصحاب الأرض؛ ولكي يظهر الأمريكان في صورة نظيفة أمام أنفسهم وأولادهم وأحفادهم وأمام العالم، صوروا الجندي الأحمر المقاوم لهم -وما زالوا إلى الآن يصورون ذلك- بأنه إرهابي متوحش دموي يقاوم الأمريكان المتحضرين الذين يريدون الخير لأرض أمريكا، فالهنود في نظرهم أناس همج يعيشون في دكتاتورية قبلية، والأمريكان أتوا ليرسخوا الديمقراطية في بلاد الهنود، إذاً: لا مانع من أن الأمريكان يقتلون ثمانية وأربعين مليون هندي على الأقل من أجل أن يعيش مليونان في ديمقراطية وسلام.
فهؤلاء هم أجداد الجيش الأمريكي الذي احتل العراق وأفغانستان، فهل هذه هي آخر المجازر؟ فإن الهمجيين -كما يقولون- قد ذبحوا والبدائيين وضعوا في مقابر جماعية.
تعالوا أيضاً لنعيش في ديمقراطية وحضارة تبدأ من مرحلة استعباد أفريقي، تبدأ من مرحلة اصطياد البشر الأفارقة المساكين، الذين يعيشون أيضاً في بلادهم الأفريقية من مئات أو آلاف السنين، ومعلوم أن الأمريكان يريدون أناساً يخدمونهم في أمريكا؛ لأن الهنود الحمر قد أبيدوا، والأمريكيون لرفاهيتهم وسيادتهم يريدون أناساً يزرعون لهم ويبنون لهم، ويكنسون شوارعهم.
إذاً: كيف قام البيض باصطياد السود الأفارقة؟ كانوا يدخلون القرى الأفريقية الآمنة في الليل، فيدخلون على الرجل وزوجته وأولاده وأمه وأبيه، فيحرقون القرية بكاملها ويفزعون المساكين، فيأخذ الرجل أولاده ويجري مع أهله خارج القرية، ويبقى البيض ينتظرونهم خارج القرية بالأقفاص الكبيرة، والبنادق والبارود، والخناجر، كل ذلك تحت مسمى الديمقراطية.
والذي يقاوم يعتبر إرهابياً ولا يعرف مصلحته ولا مصلحة أمته، وعقابه العادل هو القتل والذبح لإراحة الأرض من الإرهابيين الأفارقة، وبدأت عملية شحن الأفارقة من أفريقيا إلى أمريكا، في ظروف لا إنسانية فيها، بل والله لا حيوانية، فقد كان العبد يربط بالسلاسل في مكانه طوال فترة الشحن لا يبرح المكان أبداً، ولا يسمح له بالقيام حتى إلى دورات المياه مطلقاً، بل دورات مياههم حيث يسلسلون، وتخيل معي الحياة في هذا الجو لمدة شهور حتى ترسو السفن على الموانئ الأمريكية المتحضرة، ويتم بيع العبيد، ونتيجة لمثل هذه الظروف البشعة في النقل كان يموت 70 أو 80 % من الشحنة البشرية، وكان البيض لا يكترثون لذلك، فهم يعتبرون الذي يموت ضعيفاً، ولن يقوى على العيش في الأرض الأمريكية المتحضرة، وأزهقت في النقل على مدار مائتي سنة أرواح عشرات الملايين من الأفارقة السود، ومن عاش منهم انتقل إلى حياة التسخير والبطش والقهر والاستعباد والذل، وكل ذلك بلا ثمن ولا حق.
وهكذا قام السود في أمريكا بالبناء والزراعة والنظافة، لتقوم أمريكا الديمقراطية، فهل هذا تاريخ فقط؟ وهل هذه أيام ومضت؟ وهل واقع أمريكا الحديث يختلف كثيراً عن هذه الذكريات المخزية؟ أليست أمريكا الدولة الوحيدة في الأرض التي استعملت السلاح النووي الإرهابي سلاح التدمير الشامل؟ أليست هي الدولة التي رمت بقنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكي في سنة 1945م، أليست هي التي قتلت في هيروشيما ثمانين ألف مدني، وفي ناجازاكي سبعين ألف مدني، وتركت فيها مائتي ألف مشوه، ومازال إلى الآن يولد الأطفال مشوهين في هذه المناطق نتيجة الإشعاع النووي، وفي هذا الوقت يقول الأمريكان: اكتشفنا في العراق مقبرة جماعية فيها ثلاثون شخصاً.. فيها أربعون شخصاً سبحان الله! أما مقبرة هيروشيما وناجازاكي التي فيها أكثر من مائة وخمسين ألف مدني ماذا نسميها؟
خرجت أمريكا من الحرب العالمية الثانية ومن هيروشيما وناجازاكي إلى الحرب الكورية سنة 1951م، وقتل من الكوريين على أيدي الأمريكان ثلاثة ملايين، منهم أكثر من مليوني كوري مدني، كل هذا طبعاً لترسيخ الديمقراطية في كوريا الشيوعية.
وفي فيتنام في سنة 1964م إلى سنة 1973م قام الأمريكان بإبادة وسحق الشعب الفيتنامي، وكان عدد الذين قتلوا من الفيتناميين في أرضهم وفي ديارهم من مليونين إلى أربعة ملايين فيتنامي في عملية من أكبر عمليات الإبادة في التاريخ، ناهيك عن تاريخ أمريكا مع المسلمين أنفسهم في تأييدهم المطلق لكل المجازر الصهيونية ضد المسلمين من عام 1948م إلى الآن مروراً بعام 1967م وما بعده من مذابح، مروراً ببحر البقر، مذبحة قانا وغيرها، ونفس المساندة المطلقة في حرب رمضان أكتوبر 1973م، ونفس المساندة لليهود في ضرب وحصار بيروت في عام 1982م ورميهم بالقنابل العنقودية المجرمة والمحرمة دولياً، ولكن لا مانع إن كان الذي سيضرب بها هم من المسلمين.
أمريكا نفسها ضربت العراق وأفغانستان بقنابل محرمة دولياً فيها يورانيوم، وأمريكا عندما أتت لتحرر كوسوفا -كما يقولون- ولتضرب المتمرد اليوغسلافي ميلوسوفيتش ضربت كوسوفا بقنابل يورانيوم، وسيبقى اليورانيوم في أرض كوسوفا -كما تقول الجرائد الأمريكية- مليار سنة، هذا إن كان في عمر الأرض مليار سنة. فالجندي الأمريكي الذي يعذب الأسرى العراقيين هذا هو تاريخه، والأمر هذا عادي جداً بالنسبة للتاريخ الأمريكي.
إذاً: هذه هي الخلفية التاريخية للجندي الأمريكي.
إن العمل الذي يعمله الجندي الأمريكي مع الأسير العراقي ليس غريباً على حياة الأمريكان حتى قبل أن يدخلوا العراق، ألا تلاحظون أن معظم صور التعذيب تحمل توجهاً جنسياً فاضحاً، يا ترى التفكير في الجنس بهذه الصورة اللا أخلاقية والمتكررة غريب على الأمريكي حتى في بلاده ليس في بلد أعدائه؟ تعالوا لنرى الإحصائيات: 80% من الشباب الأمريكي أقل من ثماني عشر سنة في المدن الكبيرة كنيويورك، وسان فرانسيسكو، ولوس أنجلوس ارتكبوا جريمة الزنا، وتنخفض هذه النسبة في القرى إلى 33%، إذاً: أقل معدل في أمريكا للشباب الزاني تحت ثماني عشرة سنة، 33% في القرى، يعني: أشرف مكان في أمريكا يرتكب فيه الزنا بواسطة الأطفال بنسبة 33%، والمعدل القومي لكل أمريكا 55%، أما من أعمارهم فوق ثماني عشرة سنة -يعني: في الجامعة- النسبة تتجاوز 90% على مستوى أمريكا، ونتج بسبب ذلك ثلاثمائة وخمسون ألف حالة حمل بدون زواج للمراهقات كل سنة، أما مراكز الصحة فقد سجلت في سنة 1998م 1.267.415 سحالة إجهاض، تخيلوا أكثر من مليون وربع مليون حالة إجهاض في سنة واحدة، و24% من العائلات الأمريكية لا تعرف رمز الأب، وإنما فيها رمز لأم فقط، بل إن الأم قد لا تعرف الأب أصلاً؛ لأنها ارتكبت الزنا مع أكثر من رجل، فربع الجيش الأمريكي لا يعرف أباه، فتخيلوا إلى أي مدى هذا الانهيار الأخلاقي في الشعب الأمريكي، وإن الخيانة الزوجية كما ذكرت مجلة يو أس تودي تصل إلى 60% في الشعب الأمريكي، هذا هو المعروف وما خفي كان أعظم، كذلك 26% من الأمراض في أمريكا بصفة عامة أمراض جنسية نتيجة للعلاقات غير المشروعة، فلماذا نستغرب من حوادث الاعتداء الجنسي من الأمريكان على الأسرى العراقيين والأسيرات العراقيات؟!
هل تعرفون كم حالة اغتصاب داخل أمريكا؟ ففي سنة 1993م فقط سجلت ثلاثمائة وثمانون ألف حالة اغتصاب لامرأة أمريكية داخل حدود أمريكا، طبعاً هذا غير الزنا بالتراضي، لكن هذه الأرقام لا تلفت أنظار الكثيرين.
وهذا تقرير من وزارة العدل الأمريكية في شهر 12 عام 1992م عن دراسة في اثنتي عشرة ولاية أمريكية -يعني: ربع أمريكا- وجدوا في هذا التقرير عشرة آلاف حالة اغتصاب في السنة لبنات تحت سن 12 سنة، ناهيك عن حوادث الاغتصاب لبنات فوق 12 سنة، فهذا كثير جداً كما قلنا، والرقم رهيب وخطير، فقد سبب لهم هذا الرقم عامل إزعاج، لكن الأخطر منه أن 20% من هؤلاء اغتصبن بواسطة الآباء، أي: أن ألفي طفلة في اثنتي عشرة ولاية يغتصبن بواسطة الآباء، وهذا كله سنة واحدة، وفي كل سنة نسمع عن مثل هذا الكلام.
فهذا تقرير وزارة العدل الأمريكية، فهو تقرير رسمي وغالباً يعكس الصورة مخففة؛ لأن الكثير الكثير من الحوادث لا تعلم ولا يبلغ عنها أصلاً، ويذكر التقرير أن 54% من حالات الاغتصاب للبنات الصغيرات كانت بواسطة الأقارب، ومعظمهم من المحارم، يعني: الأخ، الخال، العم، و22% بواسطة المعارف، و4% فقط بواسطة الغرباء.
إذاً: المصيبة تأتي من داخلهم، وإذا كان الجندي الأمريكي يعمل هذا العمل المشين في شعبه ووطنه وأحبابه وأصحابه بل وفي أبنائه، فلماذا نستغرب إن فعل ذلك في أعدائه المسلمين العراقيين؟!
أما الشذوذ الجنسي في الأمريكان، فقد كان الأطباء النفسيين الأمريكان يعتبرون الشذوذ الجنسي مرضاً نفسياً، وفي هذا الوقت نتيجة انتشار المأساة في أمريكا أصبحوا يعتبرونه شيئاً عادياً، وأنه من تنوع الرغبات، فلا يوجد في ذلك مشكلة، وجاء كلينتون فزاد من شعبيته عن طريق السماح للشواذ بدخول الجيش الأمريكي، وكانت طفرة كبيرة جداً للشواذ، فقد كثر عدد الشواذ لدرجة أن دخولهم في الجيش أصبح قضية قومية يتكلم فيها الرئيس، فأكبر نسبة للانحراف الجنسي في الإحصائيات الأمريكية موجودة في الجيش الأمريكي، وفي السجون الأمريكية.
كما أن بعض الكنائس الأمريكية الآن تسمح بزواج الرجال من الرجال، كما هو موجود في ولاية ماساشوسيتس الأمريكية، فهي أول ولاية تجعل في دستورها إمكانية زواج الرجال من الرجال، مع كل المترتبات القانونية على هذا الزواج، يعني: عقد زواج وطلاق وميراث وكل الحقوق، فماذا تقول عن مثل هذا المجتمع؟ وماذا تقول عن مثل هذا الجيش؟ إن أعداد الشواذ في أمريكا من الرجال والنساء في بعض الإحصائيات بلغت خمسين مليوناً، يعني: سدس الشعب الأمريكي، لكن بعض الإحصائيات تقول: إن هذا رقم كبير جداً، فإن نسبة الشواذ في أمريكا سبعة عشر مليون شاذ على أقل تقدير، ومن هؤلاء الشواذ من هو موجود في الجيش الأمريكي، هذا مع كل الضحايا لمرض الإيدز في أمريكا، فإلى سنة 2002م فقط بلغ عدد المصابين بمرض الإيدز ثمانمائة وستة وثمانين ألف شخص، مات منهم خمسمائة ألف وألفان، يعني: نصف مليون أمريكي ماتوا بالإيدز، ومع ذلك لم يقتنعوا بأن الشذوذ سلوك خاطئ.
وأما في أوروبا فليس الفرق بكثير، فإن دول أوروبا تعقد مؤتمراً سنوياً للشواذ يعقد في أمستردام بهولندا، ويحضر هذا الاجتماع مليون شاذ كل سنة من أطراف أوروبا والتعذيب الجسدي من وسائل الاستمتاع الجنسي عند كثير من الأمريكان، حتى وصل بهم الأمر إلى أن هيئوا محلات كثيرة جداً لتسويق الاستمتاع الجنسي، ومن ضمن هذه الأدوات كرابيج، جنازير، سلاسل، حبال، هذه بعض أنواع المتعة عند بعض أفراد الشعب الأمريكي، وعند كثير من أفراد الجيش الأمريكي، جيش وقوة بلا أخلاق. هذه هي الخلفية الأخلاقية أو اللا أخلاقية للجنود الأمريكان.
يا ترى هل هناك عنصرية في الجيش الأمريكي أم أن هناك عنصرية في الشعب الأمريكي؟
إن الدستور الأمريكي يمنع العنصرية والتفرقة بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو غيره، لكن العنصرية مغروسة في قلب معظم الأمريكان، فالأبيض شيء والأسود شيء آخر تماماً في أمريكا، فالأسود الأمريكي يعامل معاملة أخرى تماماً، فللبيض أحياؤهم الجميلة، وبيوتهم الأنيقة، وشوارعهم النظيفة، وللسود نظام آخر تماماً، أحياء شعبية قد تكون أدنى مستوى من بعض دول العالم الثالث، كما أن للبيض مدارس وللسود مدارس أخرى، وللبيض جامعات وللسود جامعات أخرى، نعم القانون يسمح للأسود أن يلتحق بمدارس البيض والعكس، لكن الواقع عكس هذا تماماً، الواقع يقول: إن الأسود يعيش غريباً وسط المجتمع الأبيض، وينظر إليه في كل لحظة نظرة دونية تماماً، ونتج من ذلك شعور شديد بالكراهية في قلوب السود ليس للبيض فقط، ولكن للحياة بكاملها.. للبيض وللمجتمع وللعالم كله؛ لذلك فإنك ترى معدلات الجريمة في السود عالية جداً جداً، فإن أكثر من 80% من السجناء في أمريكا سود، وجرائم القتل البشعة والمخالفات الكبيرة للقانون يقوم بها السود، كل هذا بسبب العنصرية والتمييز على أساس اللون والجنس، فإذا كان الأبيض الأمريكي عنده عنصرية ضد الأسود الأمريكي، فما بالكم بعنصرية الأمريكي الأبيض تجاه غير الأمريكي أصلاً؟! خاصة إذا كان الإعلام والقيادة يعبئون الجنود الأمريكيين بذهابهم لمحاربة الإرهابيين المسلمين، وعلى هذا فقس وانظر إلى الجيش الأمريكي، فالجيش الأمريكي إما أبيض عنصري محتقر لما دونهم من الأجناس، وإما أسود حاقد على كل شيء ولم يصدق أنه حصل على فرصة ليخرج الغل الذي بداخله، والصنفان يجدان أن تعذيب المسلمين حل لكل مشاكلهم النفسية.
فلا تصدقوا المظاهر الكذابة التي يحترف فيها الأمريكان، من أجل تجميل الصورة وتأكيد رفضهم للعنصرية، ففي أفلامهم يأتون بواحد أبيض وصديقه الحميم أسود، ويأتون ببطلة بيضاء تحب بطلاً أسود، ويأتون بطفل أبيض يلعب مع طفل أسود، ولا مانع من أن يكون وزير الخارجية أسود، لماذا؟ من أجل تجميل الصورة من ناحية، وكسب أصوات الناخبين السود من ناحية أخرى، والواقع أن الفرق بين الأسود والأبيض داخل أمريكا كالفرق تماماً بين السماء والأرض، إذاً: هذه خلفية مهمة جداً للجيش الأمريكي بصفة عامة سواء كان أبيض أو أسود.
هناك أيضاً خلفية تربوية للجيش الأمريكي والشعب الأمريكي بصفة عامة، وهي خلفية مصالح، فالشعب الأمريكي مترب على أهمية المصالح في تحديد تصرف الإنسان، فإذا كانت المصالح مع اليهود فلا مانع من التعاون مع اليهود إلى أقصى درجة، مع أن النصارى يكنون في قلوبهم كل الحقد والكراهية لليهود، ويتهمون اليهود بقتل المسيح عليه السلام، والله تعالى يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].
وكان للأمريكان مصالح مع الأفغان أثناء حربهم مع الروس، فأعطى الأمريكان الأفغان سلاحاً وساعدوهم، فلما تغيرت المصالح أرادوا احتلال أفغانستان، ولما كان لهم مصالح مع صدام حسين قالوا: إذاً: صديق حميم، وزعيم متعاون، وفخامة الرئيس، وسعادة السفير، وجلالة الوزير وهكذا، ولما تعارضت المصالح تحول كل الزعماء والوزراء والنظام الصديق إلى أوراق كوتشينا يجري البحث عنها، وتحتل الدولة الصديقة، وتخرج من الأدراج ملفات إجرام صدام وظلمه ومقابره، وننسى الصداقة القديمة والعلاقة الحميمة، والزيارات واللقاءات والمعاهدات. هذه هي تربية المصالح، وفي هذا الوقت من مصالح الاحتلال التعذيب لاستخراج الأسرار، والإذلال لكسر الروح المعنوية، والاعتداء الجنسي لتفريغ شهوات الجنود.
إذاً: قانون المصلحة لا بد أن ينفذ، وأمريكا كما يقولون قبل كل شيء. هذه خلفية تربوية خطيرة عن الجنود الأمريكان.
قلنا: خلفية تاريخية، وخلفية أخلاقية أو لا أخلاقية، وخلفية عنصرية، وخلفية تربوية، ومع كل هذه الخلفيات أوامر مباشرة من القيادة العسكرية الأمريكية بتعذيب السجناء وإذلال العراقيين، إذاً: كل شيء سيكون واضحاً أمام عينيك، فإن الأوامر العسكرية بتعذيب الأسرى لم تعد سراً، فالناس كلهم يعرفون أنها أوامر، وظهر ذلك في تقرير الميجور الأمريكي أنطونيو تجوبا الذي كتب تقريراً عن الفضيحة، ذكر فيه أن الأوامر العسكرية كانت تأتي بوضوح بتعذيب الأسرى حتى يتسنى أخذ المعلومات منهم، وذكر أن الرجال العراقيين كانوا يجبرون على لبس ملابس داخلية نسائية ويصورون فوتغرافياً وبالفيديو، ثم يتم التعذيب وهم على هذه الصورة أو وهم عرايا تماماً.
فهذا في تقرير رسمي للميجور أنطونيو تجوبا رفع إلى السي آي أيه المخابرات المركزية الأمريكية، وحصلت عليه وكالة الأنباء الفرنسية ونشرته، فأنت عندما تعرف كل ما تكلمنا عنه لا بد أن تدرك أن التعذيب شيء متوقع جداً في داخل السجون العراقية، ومتوقع أن يكون بهذه البشاعة، بل ومتوقع أن يكون بهذا الانحراف النفسي والشذوذ الجنسي، الذي يعكس بوضوح صورة الجندي الأمريكي.
السؤال الثاني: لماذا هذه الصور ظهرت في هذا الوقت بالذات، مع أنها التقطت منذ شهور وبعضها التقطت منذ سنة كاملة؟ لماذا نخوة الصحفيين تحركت بعد كمون شهور متتالية؟
إن هذه الصور لظهورها احتمالان: إما أنها ظهرت برغبة القيادة الأمريكية، أو رغماً عن أنف القيادة الأمريكية.
الحالة الأولى: أن هذا الفعل ظهر بمزاج الإدارة الأمريكية، والغرض منها إذلال الشعب العراقي، بل والأمة الإسلامية بكاملها، ورفع الروح المعنوية للجندي الأمريكي، وطمأنته بأنه مسيطر على الموقف تماماً، وكان هذا التوقيت بالذات بسبب أحداث الفلوجة وضراوة المقاومة العراقية واستشهاد سبعمائة من المقاومين في الفلوجة فقط، وكثرة تساقط الجنود الأمريكان، وظهور مقتدى الصدر وغيرهم من المقاومين، فكان لا بد من خروج هذه الصور؛ لإرجاع العراقيين إلى عقولهم؛ لأنهم يرون ما يحصل للأسرى الذين يقاومون الأمريكان، والمثل يقول: اضرب المربوط يخاف السايب.
فالرسالة هذه ليست فقط للعراقيين، بل لكل مسلم يفكر أن يقاوم الجيش الأمريكي، سواء في العراق أو في أفغانستان أو في سوريا مستقبلاً أو إيران مستقبلاً أو السودان مستقبلاً أو غيرها حسب البرنامج الإصلاحي الأمريكي.
الحالة الثانية: وهذا الاحتمال الثاني ممكن وأنا أرجحه، وهو أن الصور تسربت بدون إرادة القيادة الأمريكية، صورت بهدف فضح القيادة الأمريكية، ونشرت من أجل نفس السبب.
فإن قيل: لماذا التوقيت بالذات؟
الجواب: راجع معي المصادر التي نشرت هذه الأخبار، إن قناة السي بي إس الأمريكية قناة يهودية 100%، وصحيفة الواشنطن بوست نشرت ذلك، وهي أيضاً صحيفة يهودية 100%، والصحيفة الإنجليزية الديلي ميرور التي نشرت ذلك عليها سيطرة يهودية شبه كاملة، كذلك وكالة الأنباء الفرنسية التي نشرت التقرير الرسمي للميجور أنطونيو تجوبا هي وكالة يهودية 100%.
فاليهود بصفة عامة يسيطرون على أكثر من 50% من الإعلام الأمريكي والإنجليزي والفرنسي، ولا تنسوا أن وكالة رويتر التي تنقل منها معظم الجرائد في العالم، سواء كانت غربية أو عربية وكالة يهودية أيضاً 100%، وكالة السوشييتد برس أيضاً يهودية 100%.
إذاً: اليهود اختاروا هذا الوقت بالذات من أجل إحراج الإدارة الأمريكية وفضحها.
فإن قيل: لماذا والأمريكان واليهود أصدقاء؟
الجواب: اليهود ليس لهم صاحب أبداً، فإن صاحبهم إذا احترقت ورقته رموه، حتى ولو كانت ورقته أعز الأوراق لديها! فهذه ورقة جورج بوش الابن حرقت، وورقة رامسفيلد حرقت، وورقة كونداليزا رايس حرقت، وورقة ديك تشيني حرقت، وورقة كولن باول حرقت.
فإن قيل: لماذا احترقت أوراقهم؟
الجواب: لأن العالم كله مسلماً وغير مسلم أصبح يكرههم، وكراهية العالم سواء كان مسلماً أو غير مسلم لزعماء أمريكا ستعوق كثيراً من طموحات اليهود، فإن الشعوب المتضررة قد تثور وتعترض، من أجل ذلك فإن اليهود يفكرون في إبعاد هذه الرموز المكروهة، والإتيان برموز أخرى جديدة، ليس لها تاريخ أسود مع المسلمين، وهذه الرموز الجديدة ستعمل نفس الذي كانت تعمله الرموز القديمة، والمسلمون سينسون المشاكل القديمة، فتفتح الأبواب من جديد.
إذاً: سنشاهد اليهود يقفون خلف المرشح الديمقراطي الجديد جون كيري ؛ لأنه رجل لم يقتل ولم يعذب ولم يحتل، ويفكر الزعماء والشعوب المسلمة في بناء علاقات جديدة معه، مع أن الكل يعرف أن جون كيري لا يفرق كثيراً عن بوش ، ولا يفرق كثيراً عن كلينتون ، ولا يفرق كثيراً عن زعيم سابق، وهذه يا إخوتي! ليست سياسة زعيم، بل هي سياسة أمة ونظام شعب، وأول وعود جون كيري كانت لإسرائيل، وأول خطابات كيري أعلن فيها أن أمن إسرائيل من أمن أمريكا؛ لذلك فإن اليهود سيقفون وراء جون كيري ، وإذا ظهرت فضيحة تعذيب الأسرى العراقيين في ذلك الوقت، وهم يعذبون على يد بوش ورامسفيلد وجنودهما؛ فسيكون لذلك أكبر الأثر في سقوط بوش في الانتخابات القادمة، والحملة الانتخابية بدأت والانتخابات على الأبواب، وهذه النقطة لا شك أنه سيضرب عليها الديمقراطيون في مواجهة الجمهوريين، وقد بدءوا بالضرب على هذا الوتر، وطلبوا من رامسفيلد أن يقيل نفسه أو يقال، وقد رأينا في إسبانيا أن حادث انفجار واحد قبل الانتخابات الإسبانية أطاح برئيس الوزراء الإسباني أزنار خارج كرسي الحكومة واليهود يدرسون ذلك الموقف جيداً.
إذاً: اليهود دفعوا جرائدهم وتلفزيوناتهم إلى أن ينشروا الفضائح في هذا الوقت لإسقاط بوش وإنجاح كيري ، وهذا في الغالب الذي سيحدث وسنرى.
هناك نقطة مهمة جداً، اليهود يريدونها وكلنا نراها في هذا الوقت خطيرة جداً، فإن اليهود يريدون أن يحدثوا فرقعةً صحفية كبيرة جداً تشغل العالم كله عن أحداث فلسطين، فالعالم كله إسلامي وغير إسلامي يتابع باهتمام الفضائح الأمريكية وجرائم الجيش الأمريكي، متناسياً ما يحدث في أرض فلسطين وهو أبشع بكل المقاييس.
من في هذا الوقت في العالم الإسلامي يذكر استشهاد الشيخ أحمد ياسين أو الدكتور الرنتيسي ؟
من يذكر استشهاد عشرات بل مئات من الشهداء الفلسطينيين؟ من يرى هدم منازل الفلسطينيين في رفح وغزة والضفة وغيرها؟ ومن يتنبه لما عمله شارون وموفاز ؟ الكل في هذا الوقت يعيش في مصيبة الأسرى العراقيين، والكل منشغل بـبوش ورامسفيلد ، ومن المؤكد أن اليهود سيستغلون انشغال العالم بكل هذه الجرائم في العراق بارتكاب جرائم أبشع في أرض فلسطين ولا أحد يأخذ باله من ذلك، ولو أحد تكلم بذلك لقال اليهود: نحن أين والجرائم الأمريكية أين، نحن بالنسبة للأمريكان رحمة، ليس عندنا صورة بمثل فضاعة الجرائم الأمريكية، نحن ندافع عن أنفسنا ضد الإرهابيين الذين يريدون أن يخرجونا من بلادنا، لكن الأمريكان والإنجليز يعذبون العراقيين في بلادهم، وهذا الكلام قد صرح به مسئول صهيوني كبير لإذاعة البي بي سي، لما سأله مذيع بريطاني: ما رأيك في الانتهاكات اليهودية في أرض فلسطين؟ قال له بمنتهى الثبات: قبل أن تسألنا عن الانتهاكات اليهودية في أرضنا، اسأل مستر بلير عن الانتهاكات الإنجليزية في أرض البصرة، وهذا الكلام في الحقيقة ليس له رد عند الإنجليز ولا عند الأمريكان.
إذاً: اليهود هم أكثر من يستفيد من نشر هذه الصور في هذا التوقيت، سواء لإنجاح كيري وإسقاط بوش ، أو للتغطية على أحداث فلسطين، فضلاً عن السبق الصحفي الكبير للواشنطن بوست وللسي بي إس، ولوكالة الأنباء الفرنسية، وهذه وكالات أنباء يهودية، وهي جرائد صادقة تبحث عن الحقيقة وتدافع عن الإنسانية، وتهاجم العنصريين حتى لو كانوا أمريكان، يعني: مصالح ضخمة جداً متحققة لهذه الجرائد والوكالات، فمن الممكن أن يكون هذا مبرراً لتغيير السياسة الأمريكية في الأربع السنوات القادمة.
إذاً: من الممكن أن تكون هذه من بعض المبررات التي من أجلها نشرت هذه الصور في ذلك التوقيت بالذات.
يبقى معنا في المحاضرة نقطة في غاية الأهمية، وهو ما دور الشعوب والأفراد في مثل هذا الظرف؟
فنحن نتكلم عن الشعوب لا عن الحكومات؛ لأننا كلنا نرى تفاعل الحكومات مع الحدث كيف كان، فيا ترى كيف يكون دورنا؟
الدور الأول: الجهاد في سبيل الله، وهذا الدور لا يوجد شيء مثله، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل وقال: (دلني على عمل يعدل الجهاد. قال: لا أجده)، أي: لا يوجد، فلما أعاد عليه الرجل السؤال أكثر من مرة قال: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟) فهذا هو المجاهد، كأنه قائم صائم دائماً بلا انقطاع، فالشعوب التي فتح لها باب الجهاد لا بد لها أن تجاهد، لا يوجد لها خيار آخر، مثل فلسطين والعراق وأفغانستان، لكن مع كل ما يحصل ما زال بعض الزعماء الفلسطينيين يطمحون من حكومة بوش ورامسفيلد وكونداليزا رايس أن يقيموا لهم دولة، وهذا كلام لا يقبل عقلاً، فضلاً عن عدم قبوله شرعاً، أما الشعوب التي في ودها أن تجاهد وما زال الباب مغلقاً، فعليها أن تعلم أن الجهاد صعب جداً؛ لأنه يحتاج إلى تربية وإعداد، فقد يفتح غداً باب الجهاد بإرادتنا أو بغير إرادتنا، فيا ترى كم سيثبت في أرض الجهاد؟ فلا بد أن تجاهد نفسك من الآن تربوياً ومعنوياً وبدنياً ومالياً وأسرياً، لا بد أن تعرف: حياة المجاهد، وما هي رغباته وأحلامه، بل ضحكاته ومزاحه.
هذه تربية تحتاج إلى وقت ومجهود وإخلاص، تحتاج إلى رجال ونساء وأطفال يفهمون جيداً دور الأمة الإسلامية في الأرض، والموضوع هذا كبير جداً، ومن الصعب أن نطرح كل أركان بناء المجاهد المسلم في جزء من محاضرة، فهذا الموضوع لا يحتاج إلى محاضرات فقط، بل يحتاج إلى تغيير كامل لمنهج الحياة.
الدور الثاني: دراسة الأسباب التي من أجلها استهان الأمريكان والإنجليز واليهود وغيرهم من أهل الأرض بأمة المليار، والأسباب يا إخواني وإن كانت كثيرة إلا أنني أقف على سبب رئيس، جعله صلى الله عليه وسلم السبب الذي تأتي وراءه كل الأسباب، هذا السبب جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه وأرضاه الذي رواه أبو داود بسند صحيح، قال فيه صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير -مليار- ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)، فحب الدنيا وكراهية الموت في سبيل الله هو سبب كل الأزمات التي تمر بها الأمة الإسلامية، فدورنا في هذه المرحلة أن نعرف قيمة الدنيا في ميزان الله تعالى، وأنها لا تساوي قطرة في محيط، ولا تساوي جناح بعوضة، ولا تساوي جدياً ميتاً، وأن الإنسان مهما طال عمره فعمره قصير.
الدور الثالث: تحريك القضية، فلا ينبغي لنا أن ننسى أبداً هذه الصور، ولا ينبغي أن نقول: إن العراق محتل، وإن الحكومة التي فيه في هذا الوقت وضعت من قبل الأمريكان، ولا ينبغي أن ننسى الآلاف الذين ماتوا ونُهِبوا، والملايين الذين ظُلِموا، وللأسف نحن كثيراً ننسى، ومهما كانت الأحداث جسيمة فإننا ننسى، فالناس الذين تأثروا جداً بموت الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي وغيرهم، والناس الذين مشوا في مظاهرات، وحضروا مؤتمرات وندوات، كم شخص منهم يذكر ما حصل من قبل؟ كم شخص منهم غير منهج حياته من أجل أن يصلح من حال الأمة؟ كم واحد في الأمة في هذا الوقت يذكر قضية جوانتنامو؟ نسيناه منذ سنة لما كان الموضوع جديداً، كنا طوال اليوم نتكلم عن الفضائع التي ترتكب مع المسلمين الأفغان وغيرهم في سجن جوانتنامو، فانشغلنا في أشياء أخرى كثيرة، ولا يزال التعذيب مستمراً في جوانتنامو، ولا تزال أفغانستان محتلة، والموضوع في هذا الوقت أصبح عادياً، مهمتنا في هذا الوقت نذكر بهذه القضية في الأمة، تكلم مع كل الذين من حولك، تكلم في كل صباح وليل، وفي كل لحظة وزمان ومكان وظرف، شكل لك مجموعات على الإنترنت، وابعث لهم رسائل تذكرهم باستمرار هذه القضية الخطيرة، ابعث مراسلات للصحف والمجلات والفضائيات، كما أنه على الطلبة أن يشكلوا مجلات حائطية ونشرات صحفية ومؤتمرات وندوات ولقاءات ولافتات تتعلق في كل مكان.
فالقضية لا بد أن تبقى حية، العراق محتل، وفلسطين محتلة، وأفغانستان محتلة، وكشمير محتلة، والشيشان محتلة، والسودان وضعها خطير جداً، فكلما ذكرنا قضايانا صار عندنا أمل، وبمجرد النسيان يبقى النصر بعيداً وسيبعد أكثر.
الدور الرابع: مخاطبة الغرب عن هذه القضية، فالشعوب الغربية لا تسمع إلا وجهة النظر الأمريكية عن احتلال العراق، ولا تسمع إلا وجهة النظر اليهودية عن احتلال فلسطين، أين وجهة النظر الإسلامية في هذه القضايا وغيرها؟ إن إعلام الشعب الأمريكي يقول: إن الذي يقوم بالتعذيب قلة منحرفة من الجيش الأمريكي. فمن الذي يرد عليهم ويفهمهم أن هذا أمر عام على كافة الشعب العراقي، دورنا في المرحلة هذه أن نخاطب الشعوب الغربية والشعوب الشرقية، دورنا أن نخاطب كل الذين نعرفهم خارج البلدان الإسلامية، فأين دور المسلمين في البلاد الغربية، وأين دور الجاليات المسلمة؟ الواجب عليها أن تدافع عن قضايا المسلمين وسط الشعوب الغربية، كذلك دور المسلمين الذين يتقنون اللغات الغربية إنجليزية، فرنسية، ألمانية، أسبانية، عليهم أن يتكلموا ويشرحوا الواقع الحقيقي من وجهة نظر المسلمين، هذا دورنا الأعظم، وهو دور من أدوارنا في الفترة الحالية، لدينا مادة مغرية جداً للحديث، العالم كله في هذا الوقت يتكلم عن قضية الأسرى العراقيين، وهذه فرصتنا للكلام.
الدور الخامس: وهو من أهم الأدوار مطلقاً، وهو دورنا في التعريف بالإسلام عموماً وبموقف الإسلام من الأسرى خصوصاً، فإن المحاضرة التي ستأتي إن شاء الله ستكون عن هذا الموضوع، عن الأسير في الإسلام، وفقه الأسرى في الإسلام، وما هو تاريخ المسلمين في التعامل مع الأسرى؟ وما هو الفرق بين الإسلام وبين اتفاقية جنيف؟
وما هو الفرق بين المسلمين في عهد القوة، وبين الأمريكان في عهد قوة الأمريكان؟ فإذا كنا لا نقول هذا الكلام في الوقت الحالي فمتى سنقوله؟ واجبنا أن نعرف كل الناس ماذا يعنى إسلام؟ كل من في بقاع الأرض يسأل في هذا الوقت عن الإسلام، وكل من في بقاع الأرض يحتاج إلى الإسلام، فهي آخر رسالة من الله للناس، ونحن الذين نحمل هذه الرسالة، ومهمتنا في هذا الوقت أن نوصل هذه الرسالة إلى كل بقعة في الأرض، وسيكون موضوع الأسرى في الإسلام مفتاحاً جيداً جداً في الحديث عن الإسلام.
الدور السادس: الجهاد بالمال، فمن كان يستطيع أن يوصل مالاً أو أشياء عينية كالأدوية والبطانيات والأغذية فلا بد أن يوصل؛ لأن الجهاد بالمال فرصة كبيرة جداً من أجل أن تحمل اسم مجاهد، قال تعالى: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41]، فخير لك من اكتناز المال أن تجاهد به، وخير لك من إنفاق المال في شيء مترف أن تجاهد به، بل خير لك من إنفاق المال في أشياء كثيرة ضرورية أن تجاهد به في سبيل الله إن كان الجهاد متعيناً، وهو الآن متعين بكل المقاييس، فالله سبحانه وتعالى قد قسم الأدوار، فأهل فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير يدفعون بأرواحهم من أجل أن يدافعوا عن أرضي وحرمات ومقدسات المسلمين، وأنت عليك أن تساعدهم وتقف وراءهم وتكفل أسر شهدائهم، وصدقوني الجزء الذين تقومون به هو الأسهل، ومن الجائز غداً أن تجاهد بروحك وتحتاج إلى من يساعدك بماله، (كل ميسر لما خلق ل) ، ولا تنسى أن كل (من جهز غازياً فقد غزا).
الدور السابع المقاطعة، المقاطعة للمنتجات اليهودية والأمريكية والإنجليزية، ونحن قبل هذا تكلمنا في محاضرة كاملة عن قيمة المقاطعة وفوائدها، فلا داعي في هذه المحاضرة للتكرار، لكن الذي أحب أن أقوله هنا: أن الناس عادة تفتر مع مرور الوقت، وتكسل عن المقاطعة، وتضعف أمام إغراء السعر أو المنتج أو الجودة، فدورنا في مثل هذه الظروف أن نعود بالمقاطعة مرة أخرى بتحريك موضوع المقاطعة من جديد، تكلم عن صور التعذيب وانشرها، وقل: ليس من المعقول أن نشتري من هؤلاء! ليس من المعقول أن نرفع علامة تجارية لهم ونعمل في ظلها، حتى لو كان كل العمال وطنيين، فنحن نرفض أن نرفع العلامة الأمريكية على أماكن عملنا ورزقنا، لا نستطيع أن نتعامل معهم أبداً إلا إذا خرجوا من بلادنا، وامتنعوا أن يحاربونا، أو يساعدوا الذين يحاربوننا.
الدور الثامن: إصلاح ذات البين والوحدة بين صفوف المسلمين.
فإن قيل: ما هي علاقة إصلاح ذات البين بقضية صور الأسرى؟
الجواب: ما هو الذي أدخل أمريكا أصلاً إلى هذه المنطقة الإسلامية؟ هل تذكرون أم نسيتم؟ هل تذكرون حرب الخليج، واحتلال العراق للكويت، واستنجاد المسلمين بالقوة الأمريكية الضخمة، وزرع هذه القوة في قلب العالم الإسلامي؟ فهل كان من الصواب أن نأتي بمئات الألوف من الجنود بأحدث تقنية عسكرية، ونسهل لهم كل شيء، حتى يعسكروا داخل بلادنا؟ وهل الذي كنا سنخسره بعدم قدوم الإنجليز والأمريكان مساوٍ للذي كسبناه من قدوم الأمريكان، أم أننا خسرنا أكثر؟ كنا نخاف من احتلال العراق لدولة الكويت، مع أن دولة الكويت مساحتها أقل من ثمانية عشر ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانها مليونان بالكثير، والكثير منهم ليس كويتياً أصلاً، بل من بلاد أخرى، فهاهي أمريكا احتلت العراق ومساحتها أربعمائة ألف وثمانية وثلاثون ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانهم ليس مليونين، بل أكثر من أربعة وعشرين مليوناً عراقياً، وليت البلاد التي تحررت فعلاً حرة.
فإن قيل: طيب ما هو البديل أن نترك الكويت محتلة من قبل العراق؟
الجواب: لا، ليس هذا المقصود، المقصود هو: أن ننفذ ما جاء في كتاب الله عز وجل: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].
أين الدول العربية والإسلامية؟ لماذا لم يتجمعوا بجدية للإصلاح بين المتنازعين؟ فإن فشل الإصلاح وجب تكوين جيش إسلامي موحد يرد العراق عن ظلم الكويت، فهل يمكن للعراق أن تحارب الدول الإسلامية مجتمعة؟! فأين وحدة المسلمين التي كانت ستوفر علينا أموراً لا حصر لها؟
وأنا أكلمك كفرد أو كشعب، ومن المعلوم أنه ليس في يديك أن توحد العالم الإسلامي، وتكون جيشاً إسلامياً على غرار حلف الناتو مثلاً الذي يقدر على حل مشاكله الداخلية، من المعلوم أن هذا ليس في يديك، ولكن من المستحيل أن يتحد الزعماء والدول إذا كان الأفراد مختلفين من الداخل، من أجل هذا لا بد أن نبدأ بأنفسنا، وكل واحد يرى من يعرفه من أصحابه وجيرانه، هل بينه وبين أحد منهم خلافات أو شقاق وفراق؟ فإن كان كذلك فيذهب بسرعة ويصلحه، فلا مانع من أن يتنازل قليلاً عن حق من حقوقه، وهكذا نقرب وجهات النظر، فأنت لن تترك حقك لأحد غريب، إنما تتركه لأخيك، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
وحاول أيضاً أن تحل المشاكل التي بين الناس حتى ولو كنت أنت مشتركاً فيه، فلا مانع من أن كل مجتمع صغير يشكل لجنة تحل المنازعات القائمة في المجتمع، فتحقق في المشكلة وتصلح وتقرب وتساعد، لماذا كمل ذلك؟ من أجل الوحدة الإسلامية الكبرى التي نريدها، وحدة إسلامية في كل شارع ومسجد وشركة ومصلحة وعمارة، نريد أن نحس بشعور الأمة الواحدة: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، فإذا كنا لا نحس بهذا الشعور في ظل هذه الأزمات الخطيرة، فمتى سنحس بشعور الأمة الواحدة، إذاً: هذه نقطة في منتهى الأهمية.
الدور التاسع: الدعاء، ولم أؤخره لقلة أهميته، حاشا لله، ولكن الدعاء لا بد له من عمل حتى يقبل، كما يقول أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: الدعاء يرفعه العمل، فآثرت أن أقدم بعض الأعمال التي من الممكن كشعوب أن نشارك فيها، وإياك أن تقف عن الدعاء لحظة، إياك أن تقف عنه في كل صلاة، أو في كل سجود أو في كل سفر، أو عند نزول المطر، لا تتركه في كل أوقات الإجابة، والله عز وجل قريب لا يرد الدعاء إذا جاء من قلب مخلص، وإذا جاء من مؤمن صالح طائع.
الدور العاشر والأخير في هذه المحاضرة، وليس الآخر، فالأمر متروك لكل الأمة أن تفكر في أدوار إيجابية لنصرة قضايا المسلمين، الدور العاشر: هو زرع الأمل في نفوس الأمة، فإنه إذا تسلل الإحباط إلى نفوس المسلمين فالنصر بعيد جداً، ونشر هذه الصور يهدف إلى زرع الإحباط في نفوس المسلمين، وبالتالي نتعامل مع الأحداث بسلبية وانهزامية.
فنصر الله عز وجل لا بد أن يتحقق، والأمل لا يجب أن يموت أبداً في قلوب المؤمنين، فالابتلاء في حياة المؤمنين لا بد أن يكون، التعذيب والقهر والبطش ليس جديداً على الأرض، فقد كان ذلك كله في التاريخ، ونشاهده في الواقع، وسيكون في المستقبل، لكن تعلمنا أنه دائماً: مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5]، وتعلمنا أنه دائماً يأتي بعد الليل فجر، وتعلمنا أنه دائماً تقوم أمة الإسلام بعد كل سقوط ومحنة.
فموقفنا في هذا الوقت ليس أصعب من موقف المسلمين في مكة وهم يعذبون صباح مساء، موقفنا ليس أصعب من موقف خباب بن الأرت رضي الله عنه الذي كان يوضع على الفحم الملتهب حتى تظهر الحفر في ظهره، وكان يكوى في رأسه بالنار، ومع ذلك عندما ذهب خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحال الذي وصل إليها، ويقول له من الألم الذي قد بلغ به: ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا. لمح رسول الله صلى الله عليه وسلم نزعة يأس وإحباط في كلام خباب بن الأرت ، ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ انتفض صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً فجلس وقد احمر وجهه من الغضب وقال وهو يعلم خباب ويعلمنا أن الطريق طويل، لكن في آخره نجاح وفلاح وعزة وتمكين، قال له في ثبات: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق نصفين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه).
فما يزال الطريق طويلاً، ولكن أقسم صلى الله عليه وسلم وهو لا يحتاج إلى إقسام، ولكن ليزرع هذه الحقيقة في قلوب المؤمنين قال: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، تخيل في هذه الظروف الصعبة يبشره بالنصر والتمكين والسيادة، هكذا علمنا رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إخواني في الله! إن الذي يحصل في السجون العراقية قد يكون إرهاصة نصر، فإن التعذيب زاد في مكة في أواخر أيامها، حتى بعد هذا التعذيب هجرة ودولة ونصر وعزة، حبسوا في شعب أبي طالب، واحتبس الرسول صلى الله عليه وسلم خارج مكة لما خرج من الطائف، وحبس داخل مكة بعد هذا، وكان التخطيط أنه يحبس في بيته أو يقتل، ولكن: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]، الكلام هذا لا يكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا، بل مع كل الرسل، فهي سنة من سنن الله عز وجل، فإن سيدنا يوسف عليه السلام حبس بضع سنين، وخرج من أجل أن يصبح ملكاً وعزيزاً وممكناً في الأرض، وفي وضع أكثر المتفائلين، لم يكن يتخيل عشر ذلك.
سيدنا نوح عليه السلام نصر في وقت قفلت فيه كل أبواب الدعوة، كذلك سيدنا موسى عليه السلام لم يخرج من الأزمة إلا بعد أن بلغت أقصاها، هل كفى التعذيب والإيذاء والقتل فرعون؟ لا، لم يكفه ذلك، لا بد من المطاردة حتى النهاية، وفي أقصى درجات الأزمة يأتي النصر، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى لا تتغير ولا تتبدل.
وهكذا يا إخواني يجب أن نتحرك بهذه الروح وهذه العزيمة والقوة، فنحن لا نستجدي سلاماً من أحد، ولا نستعطف هيئة ولا دولة ولا منظمة، ولا نتسول معونة ولا نركع لأحد من البشر، نحن نصنع مجدنا ونصرنا وعزتنا بأيدينا وتوفيق الله لنا، استمع إلى قول الله عز وجل: قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:52].
كان هذا هو الدور العاشر للشعوب المسلمة المؤمنة في هذه الأزمة التي ولا شك أنها ستمر إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام وينصر المسلمين، وأن يرزقنا الشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر