إسلام ويب

سلسلة كيف تصبح عالماً [5]للشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حين عرف الصحابة ومن بعدهم قيمة العلم ركبوا الصعب والذلول من أجل تحصيله، ومن يقرأ في قصصهم مع العلم يرى العجب العجاب من الصبر والجد والمثابرة من أجل تحصيله، حتى صاروا منارات يهتدى بهم، ويستضاء بنورهم.

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

    إخواني مازلنا نتدارس سوياً في القضية الهامة التي أثرناها حول العلم: وهي أمة الإسلام بين علوم الشرع وعلوم الحياة، تحدثنا في محاضرة أولى عن قيمة العلم في الميزان الإسلامي.

    وتحدثنا في محاضرة ثانية عن أن هذا العلم ليس مقصوداً به العلم الشرعي فقط، ولكن المقصود به العلم الشرعي والعلم الحياتي جميعاً كلاهما.

    ثم ذكرنا في المحاضرة الثالثة والرابعة، الإسلام وعلوم الحياة، وذكرنا الأدلة على أن من مارس واجتهد وكد وتعب في علم حياتي، فإنه بإذن الله إن أخلص النية يكون عمله عملاً من أعمال الآخرة، ويتقرب به إلى الله عز وجل، ونرجو أن يكون ذلك في ميزان حسناته.

    بعد هذه التطوافة في أهمية العلوم بصفة عامة سواء كانت العلوم الشرعية أو العلوم الحياتية، وبعد الإحصائيات والأرقام التي ذكرناها والتي أبرزت الهوة الواسعة والفجوة الكبيرة بين واقع المسلمين وبين ما ينبغي أن يكونوا عليه، وبين واقع المسلمين وبين الدول الأخرى التي تعاصرنا في هذا الزمان وظروفها قد تتشابه كثيراً مع ظروفنا، بعد هذا الأمر لا بد من وقفة، إن شاء الله في هذا الدرس سنحاول أن نكون عمليين إلى أقصى درجة، في هذا الدرس نريد أن نجيب عن سؤال في غاية الأهمية ألا وهو: كيف نصبح علماء؟ ذكرنا قبل هذا أنه إذا كان طموحك فقط أن تبقى طويلب علم فأكثر ما يمكن أنك ستصير طالب علم، لكن لو كان طموحك أن تكون طالب علم وأكثر فهذا يحتاج إلى إعداد خاص، يحتاج إلى نفسية خاصة وخطة خاصة وحياة خاصة ومنهج مختلف تتناول فيه كل أمور حياتك، ستأكل بطريقة مختلفة، ستنام بطريقة مختلفة، ستمشي بطريقة مختلفة، ستتكلم بطريقة مختلفة، ستقرأ بطريقة مختلفة، أصحابك سيكونون مختلفين، حياتك كلها ستتغير من أجل أن تبقى عالماً من علماء المسلمين في التخصص الذي أنت فيه، ليس بالضرورة أن تكون عالماً في الفقه أو التفسير أو الحديث وإن كنا نحتاج إلى هذه الفروع أشد الاحتياج، ولكن في مجال تخصصك، سواء في علوم شرعية أو علوم حياتية، وفصلنا في أهمية هذا وذاك كثيراً.

    إذاً: كيف نصبح علماء؟ القضية خطيرة.

    وذكرنا قبل ذلك أيضاً إحصائية تقول: إن عدد الباحثين في العالم العربي (136) لكل مليون إنسان، بينما عدد الباحثين في إسرائيل (1335) لكل مليون إنسان، وعدد الباحثين في أمريكا أكثر (4000) لكل مليون إنسان، وفي اليابان (5000)، نعم ليس المطلوب أن يكون كل الحضور علماء، لكن المطلوب أن نخرج (5000) باحث لكل مليون إنسان، وليس هذا على الله عز وجل بعزيز عندما تكون النوايا صادقة والطريق سليماً، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] ، ولا نريد في هذا المضمار أن نسمع دعاوى الإحباط واليأس، فقد ذكرت في الدروس السابقة بعض الأمثلة الإيجابية، فهناك إخوة سمعوا الحديث عن العلم والتعلم وأهمية السبق في هذا المجال فبدئوا يفكرون كيف يتقدمون بالعلم، وهذا طيب وجميل، لكن هناك على الجانب الآخر من أصيب بالإحباط واليأس نتيجة رؤية الفجوة الكبيرة بيننا وبين غيرنا، فأرسل رسائل لا يستقيم أن تأتي من مسلم فاهم واع، فمثلاً يقول أحدهم: ذكرت أن نسبة الأمية في كوبا صفر في المائة في الشباب، وعلى مستوى الدولة كلها الكبار والصغار والرجال والنساء (0،2 %)، وهذه نسبة هائلة فعلاً، فماذا فعلت كوبا، فهي لم تصنع كالصين ولا ككوريا؟ يعني: ما الفائدة من العلم؟

    هذا كلام غريب جداً، أنا أتعجب كيف كتبه! كان عليه أن يفكر قبل أن يكتبها، من هذا الذي يقول: إن العلم ليس له فائدة، وليس بالضرورة إذا تقدمت كوبا في الأمية ومحت الأمية من بلادها أن تصنع ككوريا والصين الآن، لكن انظر إلى المستقبل، وكوبا في السنوات الأخيرة تحقق درجة من أعلى درجات التنمية على مستوى العالم، فهي تسبق بلاداً كثيرة جداً في مستوى التنمية، والتنمية مربوطة ربطاً وثيقاً بالعلم، كلما زاد العلم زادت التنمية في البلد، وكلما زادت موارد الدولة زادت إمكانياتها الاقتصادية والتصنيعية، ولا مانع من أن تزيد ببطء، المهم أنها تزيد، لكن أن يقول إنسان: كيف بدولة متعلمة ولم تصنع مثل هذه أو تلك؟ نقول: نحن لا نريد أن نقفز مرة واحدة إلى مستوى أعلى الدول في يوم أو يومين، هذا مخالف لسنن التدرج، لكن المهم أن تسير في الطريق السليم.

    وشخص آخر أيضاً بعث لي (إيميل) يقول لي: إن أحد المراكز للبحوث في مصر يقوم بعمل البحوث العلمية ثم يقوم بتصديرها إلى أوروبا أو أمريكا؛ لأنه لا توجد عندنا إمكانيات التطبيق. يعني: باحثنا يكتشف النتيجة وأوروبا وأمريكا يستفيدون منها، ويقول: ومن ثم لا يوجد داع للبحث ما دام أعداؤنا هم الذين يستفيدون منه؟ انظر إلى التفكير العجيب، يعني: حين لا توجد عندنا إمكانيات فلا داعي إلى عمل أبحاث؛ لأن أعداءنا يستفيدون منها، نقول: يا سبحان الله! أول الغيث قطرة، ثم ينهمر، في البداية أنت تعمل بحثاً ضعيفاً نسبياً معتمداً على أفكار غيرك، ثم بعد هذا تتطور فيه قليلاً قليلاً، ثم بعد ذلك تأتيك القدرة على تنفيذ جزء من أبحاثك، وبعد هذا تأتيك القدرة على تنفيذ كل أبحاثك، وبعد هذا تجذب الباحثين من العالم، وهذا طريق طويل وسلم متصاعد لا بد أن تسير فيه بتدرج، لكن أول الأمر أن تعرف قيمة البحث وتهتم به.

    إذاً: نحن نريد أن نأخذ جوانب عملية، كيف نصبح علماء؟ كيف تصبح هذه المجموعة الحريصة على العلم من علماء الأمة؟ لا يستصغر الإنسان نفسه ولا يقلل من إمكانياته في أي مجال، حتى لو كنت في مجال ليس جامعياً أصلاً، يعني: في المجال الحرفي أو المهني أو الفني، فهذه الأمور من الممكن أن تطور فيها نفسك، وكما ذكرنا قبل ذلك أن مخترع أول محرك سيارة كان فنياً ولم يكن مهندساً.

    أذكر الناس بحديث رسولنا صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلَكهم) أو: (فهو أهلُكهم) والروايتان صحيحتان. يعني: إذا قال الرجل: هلك الناس، أو قال: لا توجد فائدة فالبلد ضايع والمسلمون متأخرون ولا أمل في التغيير، إذا قال هذا الكلام فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (فهو أهلُكهم) يعني: هو أكثر الناس هلكة فيهم، أو: (فهو أهلَكهم) يعني: هو السبب في هلاكهم، هو الذي أهلكهم بهذه المعنويات المنخفضة وبهذا الإحباط واليأس، فإياك أن تقول: هلك الناس، إياك أن تقول: لا توجد فائدة، ولو كنت تشعر بهذا الشعور يا أخي فاكتمه في قلبك لا داعي إلى أن تخرجه، لا تكسر مجاديف الناس التي تعمل وتبذل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088965659

    عدد مرات الحفظ

    780201860