إسلام ويب

سلسلة كيف تصبح عالماً [4]للشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك أسباب لا بد من اتخاذها للنهوض بالأمة علمياً، وهذا واجبنا جميعاً أفراداً وجماعات، وليس من واجبنا النتائج، فالنتائج إلى الله عز وجل، فهو سبحانه إذا علم صدقنا وأنا قد بذلنا جهدنا في النهوض بالأمة علمياً، فسيحقق لنا ما فيه عزنا ونهضتنا ومجدنا، وهذا الدور ليس مقتصراً على الرجال فقط، بل على النساء أيضاً أدوار عظيمة في النهوض بالأمة علمياً.

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

    نستكمل ما كنا قد بدأناه من حلقات حول موضوع أمة الإسلام بين علوم الشرع وعلوم الحياة، وتحدثنا في عدة محاور، كان المحور الأول هو قيمة العلم بصفة عامة في الشريعة، قيمة العلم في كتاب رب العالمين سبحانه وتعالى وفي السنة المطهرة، وأثبتنا بما لا يدع مجالاً للشك أن العلم أساس لبناء الأمم، وأول ما فتح به كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وأن أكثر الكلمات التي جاءت في كتاب ربنا بعد لفظ الجلالة العلم.

    ثم تحدثنا في محاضرة أخرى عن رصد الواقع عن قراءة في واقعنا العلمي، وفجعنا جميعاً بالفجوة الهائلة التي بين أمة الإسلام وبين غيرها من الأمم التي كانت تتشابه مع أمتنا في ظروف كثيرة، ولكنها أخذت بأسباب العلم فسبقت وقادت، وتحدثنا عن الفجوة التي بين جامعات المسلمين وبين الجامعات الغربية، والفجوة التي بين علماء المسلمين والعلماء الغربيين والشرقيين، وبين التقنية والاختراع والتصنيع والابتكار والإبداع وما إلى ذلك، وكان هذا قراءة حقيقية للواقع الذي نعيش فيه، وذكرنا ذلك بالإحصائيات والأرقام.

    ثم في المحاضرة السابقة أخذنا في تحليل: لماذا وصل المسلمون إلى هذا الوضع؟ وذكرنا أن القضية في الأساس تمكن في فهم المسلمين على مدار عصور طويلة، حيث فهموا أن العلوم تقسم إلى علوم دين وعلوم دنيا، فتحرج المتحمسون لهذا الدين والملتزمون به والمحبون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم أن ينصرفوا عن علوم الدين إلى علوم الدنيا، وأن ينشغلوا بدنياهم عن آخرتهم، كما صور الذين صنفوا هذا التصنيف: علوم دنيا وعلوم دين.

    وأما التصنيف الذي أرتاح له كما ذكرت أنها علوم شريعة أو شرع وعلوم حياة، والحياة ليست مذمومة كالدنيا في كتاب ربنا سبحانه وتعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، أما الدنيا فتأتي مذمومة ملعونة، حتى قال رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً) ، فالدنيا بصفة عامة ملعونة، فكيف يقرن علماً بالدنيا ثم يكون من العلوم المحمودة؟ هذا ما لم يفهمه الكثير من الملتزمين، وبذلك أعرضوا عن التفوق في العلوم الدنيوية أو العلوم الحياتية، وتوجهوا إلى العلوم الشرعية فقط، العلوم الشرعية في غاية الأهمية، وهي لا شك تسبق العلوم الحياتية، لكن لا تقوم أمة إلا بالعلمين سوياً.

    وفي المحاضرة السابقة عن الإسلام وعلوم الحياة ذكرنا خمسة أدلة على أن العلوم الحياتية هي علوم شرعية، وعلى أن العلوم الحياتية إن أخذت بنية وبإخلاص تقود إلى الجنة إن شاء الله رب العالمين.

    قبل أن نخوض في الأدلة الخمسة الأخرى، نجيب على بعض الأسئلة التي وردت.

    في الحقيقة أنا سعيد جداً بالتفاعل الذي لمسته من الحضور من إخواننا وأخواتنا في هذا الموضوع مع صعوبته، أنا أعلم أنه ليس من القصص وليس من الحكايات والروايات التي تمر سريعاً على القلب، بل هو موضوع صعب ويحتاج إلى جهد، ومع ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله تفاعلكم هذا يرفع الهمة، وحضوركم بهذه الكثافة أيضاً يرفع الهمة.

    ونسأل الله أن يتقبل منا أجمعين، وأن يرفع من درجات المسلمين، وأن يعلي من شأن هذه الأمة في الدنيا وفي الآخرة.

    هذه ملحوظة جاءت من كثير من الإخوة، تقول: إن الدور الرئيسي في التغيير هو دور الحكومات ونحن أفراد لا نملك الإنفاق على البحوث العلمية، ولا نملك تحسين مستوى الجامعات، ولا نملك كذا وكذا من الأمور التي ذكرتها، براءة الاختراع، والترجمة، والكمبيوتر، والعلوم التقنية، والتصنيع، والشركات الكبرى، لا نملك كل هذا.

    أقول: لقد تعرضنا لهذه النقطة في الدرس السابق، ولا مانع من أن نعيد الكلام فيها؛ لأهميتها، وما أطلبه في هذه المحاضرات بعد أن نفهم قيمة العلم فهماً جيداً أن نسدد ونقارب، لو فهمنا حقيقة هي في غاية الأهمية فأنا على يقين أننا بإذن الله سنعمل بطريقة مختلفة تماماً، ليس فقط في هذا الموضوع، ولكن في كل أمور حياتنا، هذه الحقيقة: هي أن الله عز وجل برحمته لا يحاسبنا على النتائج، ولكن يحاسبنا على الأعمال، ماذا عملت في حدود إمكانياتك وقدراتك التي وضعها لك رب العالمين ويسرها لك في هذه الدنيا؟ فأنت لو أتاح الله عز وجل لك التفوق بمساحة معينة فهذه قدرتك، وليس مطلوباً منك ما هو أعلى من ذلك، يقول عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].

    فالمطلوب من الإخوة الأفاضل الحضور، والذين يسمعون هذا الكلام بعد ذلك سواء في أشرطة أو يقرءونه في كتاب أو يسمعونه من أحد الإخوة الذين ينقلون هذا الكلام، مطلوب منه أن يتحرك بقدر طاقته لرفعة الأمة في هذا الباب باب العلم، نريد من الطالب أن يكون متفوقاً، ومن الأستاذ أن يصبح معلماً جيداً ومبدعاً، ومن المهندس أن يقرأ أكثر وأكثر حتى يبدع في مجاله، قد لا تسمح الظروف أن تكون على درجة مساوية لعلماء الغرب في هذه الظروف التي تمر بها الأمة، ليس هذا هو المطلوب الآن، المطلوب هو بذل الجهد قدر المستطاع، سنتعرض إن شاء الله في المحاضرة القادمة لقضية كيف نصبح علماء؟ وما هو الطريق الذي ينبغي أن يسير فيه الفرد ليصبح عالماً؟ وأنا أقول: عالماً بملء الفم لا أقول فقط: طالب علم، أو كما يقول بعض الإخوة بتواضع شديد: طويلب علم، لا، نحن نريد طموحاً عالياً، أن تكون عالماً مفيداً لأمتك، مفيداً للإنسانية بصفة عامة، مبدعاً مخترعاً، رائداً للناس ولست مقلداً فقط لغيرك، فنحن نحاسب على الأعمال ولا نحاسب على النتائج، افرض أنك عملت كل الذي عليك لإصلاح مؤسسة علمية، أنت في جامعة أو في معهد أو في مركز بحثي أو في مدرسة أو في غير ذلك، وحاولت قدر المستطاع ثم جابهوك بالعراقيل وكسروا ما أصلحت وأفسدوا ما فعلت فعلوا كل ذلك فلم تظهر نتيجة، هل حرمت الأجر؟ لا.

    يا أخي! كن كـأسعد بن زرارة رضي الله عنه وأرضاه، كـمصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، كحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه، كـأنس بن الربيع ، كـأنس بن النضر ، كالكثير والكثير والكثير من عظماء الصحابة الذين قدموا ثم لم يشاهدوا تمكيناً في حياتهم، إنما جاء التمكين بعد ذلك بسنوات وسنوات، هل حرموا من الأجر؛ لأن النتائج لم تتحقق في عصرهم وفي عهدهم؟ أبداً، إذا راجعت قصة قيام الدولة الأيوبية والانتصار على الصليبيين ستجد أنه حتى قبل نور الدين محمود وقبل عماد الدين زنكي كان هناك العلماء الذين يربون الأمة على الخير وعلى الصلاح، وعلى العودة إلى الله عز وجل، وعلى البناء في شتى المجالات، فـنور الدين محمود لم يكن مهتماً فقط بالعلوم الشرعية وإن كان شديد الاهتمام بها رحمه الله، لكن كان مهتماً أيضاً ببناء المصانع، وبناء الأسواق، وتعبيد الطرق، وتعليم الحمام الزاجل، والتدريب على السلاح، وبناء القلاع، عمل كل الأسباب المادية المتاحة في حياته ولم يصل إلى قوة الصليبيين في زمانه، ولكنه قدم ما يستطيع، هذا ما نسأل عنه.

    لو فهمت هذا المفهوم ما يضرني أن هناك الآلاف والملايين من المفسدين في الأرض في بلاد المسلمين وفي غير بلاد المسلمين، حتى لو كنت وحدي، وسأقول كما قال الصديق رضي الله عنه وأرضاه عندما قرر أن يحارب المرتدين وعارضه الصحابة؛ لقلة العدد، قال: سأقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي. يعني: سأستمر حتى لو كنت في هذا الطريق وحدي.

    إذاً: هذا هو الطريق الذي به تصلح الأمة إن شاء الله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088964257

    عدد مرات الحفظ

    780196496