إسلام ويب

سلسلة الصديق دروس من حياة الصديقللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الناظر في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ليجد العجب العجاب؛ فقد كان رضي الله عنه أمة في رجل، وكان أشبه الناس سمتاً ودلاً وهدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت صفاته تشبه صفات النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك وصف ابن الدغنة له بما يوافق وصف خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وعافنا وارزقنا واجبرنا وارفعنا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضنا وارض عنا، اللهم آتنا الحكمة وثبّتنا، واجعلنا هادين مهديين.

    وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.

    أما بعد.

    فمع الدرس الأخير من دروس الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

    ودروس الصديق رضي الله عنه لا تنتهي، ولكن أقصد أن هذه هي الحلقة الأخيرة في هذه المجموعة مجموعة الصديق الصاحب والخليفة.

    وقد تحدثنا فيها عن صفات الصديق الرئيسية التي ميزت شخصيته عن الآخرين، وإن كان الحق أن الصديق رضي الله عنه وأرضاه جمع خلال الخير كلها، وتفوق فيها على غيره، وكان بحق نِعم الصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونِعم الخليفة من بعده.

    وتحدثنا أيضاً في هذه المجموعة عن مصيبة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكوارث التي أحاطت بالمدينة بعد موته صلى الله عليه وسلم، وكيف خرج المسلمون من هذا المأزق العنيف وهم مستمسكون بشرع الله عز وجل ومحتكمون إلى كتابه وإلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

    وتحدثنا أيضاً عن السقيفة وما دار فيها من أحداث وحوارات.

    وتحدثنا عن أرقى عملية انتخاب على وجه الأرض.

    وتحدثنا عن مقومات الصديق رضي الله عنه وأرضاه كخليفة، وعن رغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في استخلافه وإن كان لمح لذلك ولم يصرّح.

    وأخيراً تحدثنا عن الشبهات التي آثارتها بعض طوائف الشيعة، وأثارها المستشرقون والمستغربون بعد ذلك، وفصّلنا في الرد عليها قدر المستطاع.

    وبقيت لنا بعض الأمور المتعلقة بهذا الحدث، ولكن آمل أن تكتمل بها الصورة عند الجميع.

    وهذه الأمور أربعة:

    أولاً: الخطبة التي خطبها الصديق رضي الله عنه وأرضاه في اليوم الثاني لمبايعته، وكيف حدد فيها الصديق رضي الله عنه الخطوط العريضة لسياسته في الحكم.

    ثانياً: خطة المحاضرات القادمة، وكيف سنكمّل الحديث عن بقية الجوانب الهامة في حياة الصديق رضي الله عنه.

    ثالثاً: سألني بعض الإخوة عن المراجع التي رجعت إليها في هذا البحث، وإن شاء الله ستكون نقطة من نقاط هذه المحاضرة.

    رابعاً: الدروس المستفادة من هذا الحدث الكبير، أو من هذه المجموعة بصفة عامة.

    ونبدأ بعون الله وفضله في الأمر الأول وهو خطبة الصديق رضي الله عنه يوم أن بايعه العامة في اليوم الثاني لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    هذه الخطبة على قصرها وإيجازها كانت بليغة وهادفة جداً، ومحددة لسياسة الصديق رضي الله عنه في الحكم، وشارحة للمسلمين وحكامهم الأصول الصحيحة للحكم في الإسلام..

    والخطبة فعلاً عجيبة، فقد حوت معاني كثيرة جداً في كلمات قليلة جداً، ولذلك فالخطبة أتت في صورة بيان يلقيه زعيم الأمة في يوم استلامه للحكم، تلا فيه قواعد حكمه القاعدة تلو الأخرى.

    قال الصديق رضي الله عنه في خطبته بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله: أما بعد:

    أيها الناس! فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم.

    هذه هي القاعدة الأولى في بيان الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهي المساواة بين جميع أفراد الأمة، وأنه ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، لا فرق بين الحاكم والمحكوم، ولا فرق بين الوزير والجندي، فالكبر مهلك، سواء الكبر في الحاكم أو الهيئة الحاكمة فإنه يُهلك الأمة بكاملها، والرسول صلى الله عليه وسلم عرف الكبر في الحديث فقال: (الكِبر بطر الحق وغمط الناس) بطر الحق: إنكار الحق، وغمط الناس: احتقار الناس، وانظر إلى قوله عز وجل في كتابه الكريم: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:45-47] هذا هو الكبر، فالكِبر: غمط الناس واحتقارهم واستصغار شأنهم، فكانت النتيجة: فَكَذَّبُوهُمَا [المؤمنون:48] وهذا هو بطر الحق، أنكروا الحق لأنه أتى من قبل غيرهم، فكانت النتيجة النهائية والمحصلة النهائية للأمة: فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ [المؤمنون:48].

    فالكبر مهلك، والصديق رضي الله عنه وأرضاه يضع قاعدة هامة لكل من تولى أمراً للمسلمين: لا تتكبر، فها هو أعظم رجال الأمة على الإطلاق بعد رسولها صلى الله عليه وسلم بشهادة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم يقول: قد ولّيت عليكم ولست بخيركم.

    إذاً: كانت هذه هي القاعدة الأولى الهامة جداً في بيان الصديق .

    القاعدة الثانية في بيان الصديق رضي الله عنه: فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.

    وهذه قاعدة هامة أصيلة نتجت عن القاعدة السابقة، فالحاكم والمحكوم كلاهما طرفان في منظومة واحدة تريد الوصول إلى الحق وإلى الصواب وإلى الخير لهذه الأمة، فالحاكم بشر معرض لكل ما يحدث في البشر، ومعرض للاجتهاد المصيب والاجتهاد الخاطئ، ومعرض للرأي السديد وغير السديد، والعلاقة بين الحاكم وشعبه ليست علاقة تنافسية، وليست علاقة تقوم على الحذر والرعب والإرهاب والخوف أبداً، فالعلاقة في الإسلام بين الحاكم والمحكوم علاقة لطيفة جميلة رقيقة، وكل من الطرفين يحب الآخر وكل من الطرفين يخاف على الآخر، فالحاكم إذا اجتهد فأصاب أعانه الشعب بكل طاقته، وإذا اجتهد فأخطأ -وهذا لا شك وارد في الحدوث، بل هو مؤكد الحدوث- فعلى الشعب التوجيه والتقويم والإرشاد، وعلى الحاكم أن يقبل النصح في غير ضجر ولا غضب، فالجميع كما يقولون: في سفينة واحدة، والجميع يريد لهذه السفينة السلامة والنجاة.

    كما أن الصديق بهذا الكلام أرسى قاعدة هامة هي قاعدة الشورى، فالحاكم مهما بلغت درجة ذكائه وفطنته وورعه وتقواه فإنه يحتاج إلى الآخرين، ليس فقط للنصح ولكن لأخذ القرار وتنفيذه، ودائماً يجعل الله البركة في الجماعة وفي الشورى، والاجتماع دائماً على الأمر الأقل فضلاً خير من التفرق على أمر فاضل.

    كانت هذه هي القاعدة الثانية من قواعد الحكم في بيان الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

    القاعدة الثالثة في البيان الصديقي الرائع يقول: الصدق أمانة، والكذب خيانة.

    هذه الكلمة ثقيلة جداً في الميزان الإسلامي وتستمد ثقلاً أكبر من كونها تأتي من الصديق رضي الله عنه، والذي كانت حياته كلها تشييداً لمعاني الصدق والوفاء، فيلتقي القول مع العمل فيحدث في القلب يقيناً كاملاً بما يسمع، فالصدق أمانة، والكذب خيانة، وآه من الحاكم الكذاب! فكم من التداعيات الخطيرة تحدث في بلده وفي شعبه نتيجة الكذب، وإن قام الحكم على الكذب والأباطيل والتصريحات الخادعة فلا أمل في القيام، ولا طموح في الصدارة، والمصارحة بين الحاكم وشعبه أساس رئيسي من أسس الحكم في الإسلام، وركن لا بديل عنه لضمان علو الأمة ورقيها.

    روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر) أي: فقير يستكبر.

    هؤلاء الثلاثة نُزعت منهم مقومات الفساد، ومع ذلك أفسدوا، فالشيخ الكبير يزني، والملك القوي القاهر يكذب، والعائل الفقير الضعيف يستكبر.

    القاعدة الرابعة الأصيلة في البيان يقول: والضعيف فيكم قوي عندي حتى أُرجع إليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.

    والصديق هنا يرسي قاعدة في غاية الأهمية في بناء الأمم وفي قيادة الشعوب، وهي قاعدة العدل، فلا تقوم أمة بغير العدل، وابن تيمية له كلمة جميلة في هذا المعنى يقول: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الظالمة ولو كانت مسلمة، وقد ذكر ربنا عز وجل في كتابه الكريم في أكثر من موضع مصير الأمم الظالمة، قال الله عز وجل: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء:11]، وقال: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

    وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يضع أيدينا على أمر من الأمور المهلكة للأمم-: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

    فلا واسطة في الأمة العادلة، ولا اعتبار لقرابة أو لمنصب أو لسطوة أو لمال أو لملك، فالاعتبار الوحيد هو العدل حتى مع من تكره، قال عز وجل: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    فـالصديق يعطي درساً لا يُنسى في بناء الأمم، ويضع يده على مقومات الأمة الناجحة، هكذا في بساطة وفي سهولة في هذا البيان العجيب.

    القاعدة الخامسة الرائعة في بيان الصديق : لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل.

    هذه كلمات تكتب بماء الذهب، قالها بلسانه وصدّقها بعمله رضي الله عنه وأرضاه، فمن أول يوم تولى فيه الخلافة وهو يجعل الجهاد سبيله، ومن أول يوم تولى فيه الخلافة وهو عزيز وأمته عزيزة؛ لأنه لم يعدل عن الجهاد أبداً.

    كانت هذه هي أول كلماته عند استلام الحكم، ثم كانت آخر كلماته هي تحفيز عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على استنفار الناس للجهاد في أرض فارس مع المثنى بن حارثة كما ذكرنا من قبل؛ عمل ذلك لأنه تعلم دروساً لا تقدر بثمن من معلمه ومعلم البشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    روى أبو داود وصححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تبايعتم بالعينة -والعينة نوع من الربا- وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع -أي: في زمن الجهاد- وتركتم الجهاد..) ماذا سيحدث للأمة يا رسول الله! لو تركت الجهاد وقالت: نحن سنزرع ونبني؟ قال صلى الله عليه وسلم: (سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).

    فلا بد للأمة الناجحة من أعداء، ولا بد للحق من باطل يحاربه، ولا بد أيضاً للحق من قوة تحميه.. هكذا فقه الصديق ، وهكذا نجحت الأمة في زمانه.

    القاعدة السادسة الهامة في خطاب الصديق : ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمّهم الله بالبلاء.

    وهذه قاعدة أخرى أصيلة في بناء الأمم: الذنوب مهلكة، وما أكثر ما ربط الله عز وجل في كتابه الكريم بين هلكة الأمم وبين ارتكاب الذنوب، كما قال عز وجل: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ [الأنعام:6] وهذا تمكين كبير جداً، ثم يقول عز وجل: فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام:6] وقد تكررت هذه المقولة كثيراً في كتاب الله عز وجل فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ .

    وهكذا لا تقوم الأمة التي تنتشر فيها الذنوب والميوعة والخلاعة والفاحشة، وهذا عام على كل أهل الأرض وبصورة أكبر في أمة الإسلام؛ فقد تظهر الأمة في أعين الناس قوية صلبة منيعة ومع ذلك فالذنوب تنخر في عظامها، حتى إذا أراد الله عز وجل لها الهلكة حدث السقوط المروع والانهيار الكامل، وأصابهم الله بأنواع من البلاء ما خطرت على أذهانهم، ولا مرت ببالهم.

    روى ابن ماجه وصححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) فظهرت الأمراض التي لم يكن يُسمع بها قبل ذلك، فظهر الإيدز وغيره من الأمراض التي لم يكن يسمع بها.

    القاعدة السابعة والأخيرة في بيان الصديق هي أهم قاعدة في كل البيان، وعلى أساس هذه القاعدة يفرّق بين العدل والظلم، وبين الكبر والتواضع، وبين الصدق والكذب، وبين الجهاد والقعود، وبين الأفعال الحميدة والآثام القبيحة، هذه القاعدة السابعة تحدد المرجعية التي بها نعرّف كل هذه الأمور، أي: أنه أحياناً العدل في رأيي يكون مختلفاً عن العدل في رأيك، والعدل في مقياس أمة قد يكون ظلماً في مقياس أمة أخرى، ما تراه أمة ذنباً قد تراه أمة أخرى فضيلة، فإلى أي شيء نرجع؟ وإلى أي شيء نحتكم؟

    يقول الصديق رضي الله عنه وأرضاه في إيجاز: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.

    الصديق هنا يحدد ببساطة شديدة المرجعية للحاكم وللأمة، والمرجعية لا تكون إلا لله عز وجل ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، أو قل: للكتاب والسنة، هكذا يحدد الصديق مصادر التشريع في أمته، ولا فلاح للأمة في الدنيا أو في الآخرة إلا باتباع الكتاب والسنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

    إنها أصول ثوابت تربى عليها الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وخرجت من فمه ببساطة ويسر، ولو تدبرتها لعلمت أن معانيها تحتاج إلى مجلدات ومجلدات، وهكذا انتهت الخطبة الموجزة الرائعة، وانتهى البيان الجليل، ولم يستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث.

    ولنذكر البيان كاملاً كما قاله الصديق يوم الاستخلاف، وتخيلوا الصديق وهو يقف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة من حوله يستمعون بإنصات: يا أيها الناس! إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع إليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.

    فبناء الأمة الإسلامية القوية ليس لغزاً من الألغاز وليس من دروب المستحيل، ولكن الصرح القوي العظيم يحتاج إلى أساس متين، وها هو الصديق يشرح لنا في إيجاز كيف يكون الأساس لهذا الصرح العظيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088960137

    عدد مرات الحفظ

    780170767