إسلام ويب

سلسلة الصديق حب رسول الله صلى الله عليه وسلمللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حب النبي صلى الله عليه وسلم فريضة من فرائض الدين التي لا يتم إسلام المرء إلا بها، وقد ضرب الصحابة الكرام أمثالاً عظيمة في حبه صلى الله عليه وسلم، ومنهم الصديق الأكبر رضي الله عنه وأرضاه، أكثر الناس وأعظمهم حباً للنبي صلى الله عليه وسلم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم فقهنا في الدين، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً.

    وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فمرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب، وفي هذا الجمع المبارك، وأسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتنا أجمعين، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    قد تحدثت قبل ذلك كثيراً عن أهمية دراسة التاريخ الإسلامي، وأشرت قبل ذلك كثيراً إلى أنه لا جديد على الأرض، نعم والله لا جديد على الأرض، والتاريخ يكرر نفسه بصورة عجيبة، فنفس الأحداث نراها رأي العين، ولكن باختلاف في الأسماء والأمكنة.

    فمن يدرس التاريخ بعمق يكون كأنه يرى المستقبل ويقرأ ما يجد على وجه الأرض من أمور، ولا يخدع بسهولة مهما تعاظمت المؤامرات ومهما تعددت وسائل المكر والمكيدة.

    من يدرس التاريخ بعمق يعرف أين يضع قدمه وكيف يقود نفسه ومجتمعه وأمته، ويكون كالشمس الساطعة تنير الطريق لأجيال تتلوها أجيال، وقد يمتد أثره إلى يوم تقوم الساعة، كيف لا وقد ذكرنا من قبل أنه لا جديد على الأرض؟ ويكفينا في ذلك قول الله عز وجل: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176]، وهذا أمر من الله عز وجل.

    ولكن قص القصة أو رواية الرواية لا يغني شيئاً إن لم يتبع بتفكر وتدبر، فدراسة التاريخ ليست دراسة تكميلية أو جانبية أو تطوعية، بل دراسة التاريخ ركن أساسي من أركان بناء الأمة القوية الصحيحة.

    وفي دراستنا للتاريخ نعرض لأمور لا تستقيم حياة المسلمين بغيرها، وستجدون أننا في دراستنا للتاريخ نعرض لأمور من العقيدة وأمور من الفقه وأمور من الأخلاق وأمور من المعاملات، وأمور من الأحكام، ونعرض لفقه الموازنات والأولويات، ونعرض لفقه الواقع.. وغير ذلك من الأمور، وإن شئت فقل: نعرض لكل أمور الدين، فإن الله عز وجل في كتابه الحكيم يقص القصة فيعرض فيها الحجة التي تقنع العقل، ويعرض فيها الرقائق التي تلمس القلب، وقد يعرض فيها أمراً عقائدياً، وقد يعرض فيها حكماً فقهياً، ثم هو يربط القديم بالحديث، والتاريخ بالواقع، والماضي بالحاضر، فتشعر أن التاريخ حي ينبض ولساناً ينطق.

    ولا يحدثنا عن رجال ماتوا ولا عن بلاد طواها التاريخ بين صفحاته العديدة، بل يحدثنا عن أحداثنا وينبئنا بأنبائنا، ويخبرنا بأخبارنا.

    فالتاريخ ثروة حقيقية، ولكنها مدفونة تحتاج إلى بذل مجهود وتفريغ وقت وحشد طاقات، وتحتاج إلى عقول وقلوب وجوارح، يعني: لن ينفع جهد رجل أو رجلين أو عشرة أو جهد يوم أو يومين أو سنة، بل تحتاج إلى جهود إلى جهود علماء كثر، وتحتاج إليكم جميعاً يا من ترجون للإسلام قياماً.

    التاريخ الإسلامي هو أنقى وأزهى وأعظم وأدق تاريخ عرفته البشرية، ووالله! إني أشعر أن الدنيا قد سعدت بتدوين التاريخ الإسلامي، فالتاريخ الإسلامي هو تاريخ أمة شاهدة، أمة خاتمة، أمة صالحة، أمة تقية نقية، هو تاريخ أمة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، داعية إلى كل خير، محاربة لكل شر.

    التاريخ الإسلامي هو تاريخ رجال ما عرف التاريخ أمثالهم، رجال فهموا دينهم ودنياهم فأداروا الدنيا بحكمة، وعيونهم على الآخرة، فتحققت المعادلة العجيبة، عز في الدنيا وعز في الآخرة، ومجد في الدنيا ومجد في الآخرة، وملك في الدنيا وملك في الآخرة، التاريخ الإسلامي هو تاريخ حضارة جمعت كل مجالات الحياة في منظومة رائعة راقية، حضارة جمعت الأخلاق والسياسة والاجتماع والاقتصاد والمعمار والقضاء والترفيه، جمعت القوة والإعداد والذكاء والتدبير، جمعت كل ذلك جنباً إلى جنب مع سلامة العقيدة وصحة العبادة وصدق التوجه ونبل الغاية، وصدق الله تعالى إذ يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

    هذا هو التاريخ الإسلامي في أصله وجوهره، ولا يمنع ذلك أنه يحوي أخطاءً بعضها عظيم، ويشمل عيوباً بعضها خطير، وإنه لمن العبث أن ندعي أنه بياض بلا سواد، ونقاء بلا شوائب، لكن أيضاً من الظلم البين أن نلصق أخطاء المسلمين بدين الإسلام؛ فالإسلام دين لا ثغرة فيه ولا خطأ ولا عيب، فهو دين محكم تام كامل، أنزله الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى الحكيم الخبير، ومن خالف دين الإسلام من المسلمين فوباله على نفسه وليس على الإسلام، وكثيراً ما يخالف الناس فتحدث هنات وسقطات، لكنه في تاريخ المسلمين ما تلبث أن تتبع بقيام إذا ثاب المسلمون إلى رشدهم وعادوا إلى دينهم، وإلا استبدلهم القوي العزيز بغيرهم من المجاهدين الصابرين الطاهرين.

    هذا هو التاريخ الإسلامي، ومع كل هذا القدر لهذا التاريخ العظيم هنا وقفة وسؤال:

    هذه الثروة الثمينة وهذا الكنز العظيم ثروة التاريخ الإسلامي الطويل من من البشر في زماننا أمناه على هذه الثروة؟

    من من البشر أعطيناه مفاتح الكنوز التاريخية لينقب فيها ويستخرج كنوزها؟

    من من البشر سلمناه آذاننا وعقولنا وأفئدتنا ليلقي عليها ما استنبطه من أحكام وما عقله من أحداث؟

    عجباً لأمتنا لقد أعطت ذلك لحفنة من الأشرار، أعطت ذلك لطائفة من المستشرقين وطائفة من المفتونين بهم من أبناء المسلمين، فهؤلاء تسلموا كنز التاريخ؛ تسلموه لينهبوا أجمل ما فيه، ثم يغيرون ويبدلون ويزورون، فيخرج التاريخ إلينا مسخاً مشوهاً عجيباً، فتقطع حلقة المجد، وينفصل المسلمون في حاضرهم عن ماضيهم كما تنفصل الروح عن الجسد تماماً بتمام.

    وقد انتبه بعض شباب المسلمين فوجدوا بين أيديهم سجلاً حافلاً من الصراعات والمؤامرات والخيانات والسرقات، وجدوا صفحات سوداء تتلوها صفحات أسود، واحتار الشباب في تاريخهم أيمسكون على هون أم يدسونه في التراب؟ فويل ثم ويل لمن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم، وويل ثم ويل لأبناء المسلمين الذين فتنوا بمناهج العلمانية فصاغوا التاريخ صياغة مشوهة مزورة محرفة، فحرموا المسلمين من أمثلة عملية تطبيقية رائعة لكل أمر من أمور الدين، وويل ثم ويل لمن يقدر على التصحيح والتعديل فلم يفعل، ولمن يقدر على التوضيح والتبيين فلم يفعل، ولمن يقدر على النصح والإرشاد فلم يفعل.

    يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

    سبحان الله! إلى هذه الدرجة، من سمع طعناً في الصحابة أو في الصالحين من الأمة ثم لم يرد كان كمن كتم ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نعم، لأنه كيف وصل إلينا ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لم يصل إلينا إلا عن طريق الصحابة والتابعين وتابعي التابعين؟

    فإذا طعن في هؤلاء دون توضيح لحقيقتهم الطاهرة لم يقبل ما يأتي عن طريقهم أبداً، وهذا هدم للدين بالكلية.

    إذاً: تزوير التاريخ أمر خطير مروع، يحتاج إلى وقفات ووقفات ووقفات، ولا ينفي هذا أن هناك جهوداً مشكورة ومشكورة جداً قام بها رجال مخلصون وعلماء أجلاء من علماء المسلمين، ونحن في هذه المحاضرات ننقب سوياً عن هذه الجهود، ونحلل ونفسر ونوضح على ضوء ما فعله علماؤنا المخلصون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088959350

    عدد مرات الحفظ

    780162853