إسلام ويب

سلسلة الأندلس عهد ملوك الطوائفللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تجزأت بلاد الأندلس إلى دويلات ضعيفة لا تمتلك أسباب ومقومات النصر على الأعداء المحيطين بها؛ وذلك بسبب حب الدنيا والركون إليها، وحب الجاه والسيادة، وأدى ذلك إلى التناحر والتباغض فيما بين أمراء هذه الدويلات، وتفاقم الأمر حتى بلغ إلى الاستعانة بالنصارى، فسقطت بسبب ذلك بعض الإمارات الإسلامية كطليطلة، والبعض الآخر فرض عليه الحصار كإشبيلية، فصارت هذه الدويلات تحت سلطة النصارى وحكمهم، وأصبح المسلمون يدفعون الجزية للنصارى وهم صاغرون.
    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فمع الحلقة الثامنة من حلقات الأندلس: من الفتح إلى السقوط.

    قبل: الدخول في الحلقة المعتادة هناك بعض التعليقات والأسئلة بخصوص الحلقات السابقة.

    شكوى متكررة من كثرة الأسماء والتواريخ والأرقام .. وما إلى ذلك، والحقيقة أن هذه المجموعة لتاريخ الأندلس هي مجموعة للتاريخ، فمن الضروري أن يذكر فيها كل الأسماء المؤثرة في تاريخ الأندلس، لكن ليس بالضرورة أن تحفظ كل الأسماء والتواريخ، وعلى سبيل المثال:

    ما حدث في الحلقة السابقة من صراع دامي وطويل بين مجموعة الملوك الأقزام من سنة (399) إلى سنة (422هـ)، أي: (13) خليفة، غير مهم أن تحفظ أسماء هؤلاء الخلفاء الذين ما حكموا إلا شهوراً معدودات، وما حكموا إلا لجمع الدنيا والمال وما إلى ذلك.

    وهذه الفترات كانت دامية في العصر الإسلامي في بلاد الأندلس، لكن المهم هو العبرة في هذه الفترة من الفرقة، وأثرها على المجتمع، والولاء للنصارى والتعاون معهم ضد المسلمين، وأثر ذلك على المجتمع الأندلسي، والترف وأثره على المجتمع والقواد والشعوب.

    وهناك على الجانب الآخر أسماء لابد أن تحفظ وأن تدرس بعناية وأن تتخذ نبراساً للأمة، أمثال: موسى بن نصير وطارق بن زياد وعبد الرحمن الغافقي وعبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر والحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمهم الله، ومما لا شك أن لهؤلاء أخطاء وعيوباً، لكنها قليلة جداً بالنسبة للحسنات الكثيرة التي فعلوها، فتدرس حياة هؤلاء بعناية، وتدرس العبر والدروس لهذا التاريخ الطويل.

    فنحن نلخص تاريخ (800) سنة، فعليكم أن تعذرونا في كثرة الأسماء والأحداث وتلاحقها؛ لأننا نريد أن نكمل هذه المجموعة في حوالي (11) أو (12) درساً، أي: أن تاريخ 100 سنة تقريباً أو أقل منها بقليل يكون في كل حلقة واحدة، وهذا الشيء يجعلنا نتغاضى عن كثير من الأحداث، ليس لقلة أهميتها، ولكن لضيق الوقت، والأمر محتاج لدراسة طويلة.

    أنا أنصح كل الإخوة الذين يسمعون هذه الحلقات أن يسمعوا الأشرطة أكثر من مرة، وأن يدونوا ذلك، ويجمعوا الأحداث والأفكار؛ لأن هذه دراسة لتاريخ الأندلس، ليس مجرد أخذ بعض المعلومات من هذا التاريخ، وهذه الدراسة متأنية، وأنا واثق أنه في كل سماع جديد للشريط ستوجد نتائج ودروس جديدة، فهذه دعوة مفتوحة للجميع.

    هذا سؤال يقول: لماذا كلما قام المسلمون على أقدامهم سقطوا، وكأنه ليس هناك أمل، أليس من قيام لا سقوط بعده، ولا تحصل فيه هذه الهزات المتتالية للمسلمين؟

    الجواب: نحن رأينا في تاريخ الأندلس قياماً أثناء الفتح وعهد الولاة الأول، ثم تلاه سقوط في آخر عهد الولاة، وحللنا ذلك، ثم رأينا قياماً في أول الإمارة الأموية في عهد عبد الرحمن الداخل ومن تبعه من الأمراء والخلفاء، ثم تلاه سقوط في النصف الثاني من الإمارة الأموية في عهد الضعف، والذي استمر من سنة (238 - 300هـ) أي: قرابة 62 سنة، ثم صار قيام من جديد في عهد عبد الرحمن الناصر ووصول إلى الذروة والعلو، ثم سقوط بعد نهاية عهد الحاجب المنصور أو الدولة العامرية والدخول فيما يسمى بعهد ملوك الطوائف، والذي قد تحدثنا عنه في الحلقة السابقة، واعذروني في هذه الحلقة لأنه سيكون فيها أشياء قد تدمي القلب أكثر، لكن هذا واقع لا بد من دراسته.

    وللجواب عن السؤال الذي يقول: لماذا كلما نقوم نقع؟ ولماذا كلما ارتفعت الأمة سقطت؟

    فهذه ملحوظة في منتهى الجمال، نقول: من سنن الله سبحانه وتعالى الارتفاع والهبوط، وهما بصفة مستمرة منذ نزول الرسالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، بل وحتى يوم القيامة، فالمسلمون لا يقومون ولا ينهضون بأمتهم إلا إذا أخذوا بأسباب القيام، وأسباب القيام كثيرة جداً تحدثنا عنها في كل فترة من فترات القيام، ومن أهمها:

    الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والاعتقاد الجازم بنصرته وقدرته سبحانه وتعالى، والأخوة بين المسلمين والوحدة بين الصفوف والتجمع، ونبذ الفرقة، والعدل في التعامل بين الحكام والمحكومين، وانتشار العلم والدين بين الناس، والأخذ بالأسباب بصورة كاملة، من عدة وعتاد وعدد وخطط وعلم ومال، وكل ما هو مستطاع في اليد، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].

    إذاً: الإعداد المادي يكون على حسب الاستطاعة، فإن كان في استطاعتك أن تعد عشرة سيوف وأعددت خمسة فأنت مقصر، ولن تنتصر على عدوك إلا إذا أعددت عشرة، وإن كان العدو يملك مائة سيف أو (1000) سيف .. أو غير ذلك.

    إذاً: يقوم المسلمون من بعد السقوط بهذه الأسباب، فيكون القيام في بداية الأمر متدرجاً وبطيئاً ويحتاج إلى صبر وثبات من الناس، ثم بعد ذلك يكون القيام باهراً، ثم يحدث انتشار للدين بصورة ملموسة، حتى إذا فتحت الدنيا كثيراً على المسلمين فهنا تحدث طامة كبرى على المسلمين، فيصبر القليل ويقع في الفتنة الكثير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال).

    ويحدث من جديد سقوط آخر نتيجة انفتاح الدنيا ووقوع الناس في هذه الفتنة، وكلما ارتفعت الحضارة المادية وكثرت الأموال والغنائم والمعمار والقصور كان السقوط شديداً، فالسقوط الذي كان بعد عبد الرحمن الداخل كان وراءه ثورات وانقلابات، وبالرغم من وقوع نوع من التدني، لكن لم يصل إلى الذي رأيناه في عهد ملوك الطوائف من الصراع الدامي، واجتياح المدن، وهتك عورات النساء، والاستعانة بالنصارى بهذه الصورة الملفتة للأنظار؛ لأن الانفتاح في الدنيا بعد عبد الرحمن الناصر كان أعلى من الانفتاح في الدنيا بعد عبد الرحمن الداخل ، والفترة الأولى في عهد الإمارة الأموية كانت الدنيا فيها أقل من الفترة التي فتحت على المسلمين في أواخر عهد عبد الرحمن الناصر والحكم والحاجب المنصور.

    لذلك كان السقوط شديداً، وكان الانهيار مروعاً، وهذه سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، ونسأل الله سبحانه وتعالى الثبات عندما تعرض علينا فتنة من فتن الدنيا.

    و عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوقف الفتوح في فارس في سنة (17) من الهجرة؛ لكثرة الغنائم، فإن الأموال كثرت على المسلمين، والدنيا فتحت عليهم، وجاءت الجواهر والثياب الموشاة بالذهب والحرير.. وكذا وكذا من الأمور التي لم يكن يحلم المسلمون بها في جزيرة العرب أبداً.

    والعربي قبل الفتوحات الإسلامية ما كان يحلم بمبلغ أكثر من 1000 دينار؛ لأن هذا بالنسبة له ضخم جداً، فوجد الملايين تأتي عليه من تلك البلاد، فحدثت فتنة للناس، وبدأت وجوه الناس تتغير، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الرجل الحكيم المتدبر في أمور شعبه، العالم بسنن ربه سبحانه وتعالى، ينظر في الأمور فيجد أن هؤلاء الناس الذين سيفتنون في الدنيا، قد يملكون الدنيا ولكن سيخسرون الآخرة؛ لذا أوقف الفتوح رضي الله عنه وأرضاه، وقال: وددت لو أن بيني وبين فارس جبلاً من نار، لا أقربهم ولا يقربوني، فهو لا يريد هذا النعيم الذي فتح عليه من هذه البلاد، ولم يعد الفتوح إلا بعد أن هجم الفرس على المسلمين، وخاف على المسلمين من الضياع نتيجة هجوم الفرس المتكرر وإعداد الفرس، فأجاز الفتح من جديد في سنة (18) من الهجرة.

    فـعمر رضي الله عنه أدرك أن المسلمين لما سكنوا المدائن الضخمة ذات القصور العظيمة جداً والترف الشديد تغيرت ألوانهم، فقد كانت فيهم سمرة نتيجة العيش في الصحراء، وإذا بهم يعيشون في حدائق المدائن وغابات المدائن وظلال الأشجار الباسقة، ولم يعد المسلم يتكلم بالصلابة التي كان عليها في سنة (16هـ) وما قبلها قبل فتح المدائن.

    فهذا هو الفكر الراقي جداً من عمر بن الخطاب ومن كان على شاكلته من أمراء المسلمين.

    إذاً: هذه سنة أصيلة من سنن الله سبحانه وتعالى، ويدل على هذه السنة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود ، وأيضاً رواه الحاكم في صحيحه وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، ولماذا التجديد إن كان الأمر في علو دائم؟ لا بد أنه سيحدث سقوط ومن بعد السقوط ارتفاع، وهذا الارتفاع سيكون على يد مجدد أو مجددين، فقد يكون المجدد فرداً كما قيل: إن المجدد في القرن الثاني الهجري هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، وفي القرن الثالث الهجري هو الإمام الشافعي رحمه الله.

    وقد يكون المجدد جماعة من المسلمين المصلحين، فرداً في هذا القطر وفرداً في قطر آخر، فلا بد من تجديد لهذا الدين، وسيظل هذا الأمر دائماً إلى يوم القيامة، والتاريخ الإسلامي مليء بفترات الارتفاع والهبوط، وهذا ليس حدثاً خاصاً بتاريخ الأندلس، بل إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدوا ذلك بأعينهم.

    فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة حصل سقوط ذريع وانهيار مروع، وردة في كل أطراف جزيرة العرب، ولم يبق من البلاد إلا مكة والمدينة والطائف وقرية صغيرة في شرق الجزيرة العربية اسمها: هجر في البحرين، وهي الآن بجوار الرياض، فهذه المنطقة الواسعة من جزيرة العرب ارتدت عن دين الإسلام، وآلاف مؤلفة من الناس ارتدوا عن الإسلام، ولم يبق إلا قليل جداً، ثم حدث قيام في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه في حروب الردة المجيدة الطويلة.

    ثم يحدث قيام عظيم جداً وفتوح وانتصارات وتفتح الدنيا في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه، ويدخل في الإسلام أفواج كثيرة من الناس، فتحدث فتنة وانكسارات في الأمة الإسلامية على اتساعها وهزات قوية جداً أدت إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الثالث الراشد، وتقوم فتنة كبيرة جداً تستمر طيلة خلافة سيدنا علي بن أبي طالب وسقوط كبير للأمة الإسلامية ثم من جديد قيام في عهد الدولة الأموية واسترداد للأمر واستكمال للفتوح، ويستمر الأمر هكذا فترة من الزمان، ثم يحدث سقوط آخر عندما فسد بنو أمية في الأرض في آخر أيامهم، فقام بنو العباس من جديد ويحدث من جديد عزة للإسلام وانتشار للإسلام وعهد قوة مجيدة جداً للدولة العباسية في أولها، ثم بعد ذلك ضعف وسقوط.. وهكذا الأيام، والدولة الأيوبية قامت في منتهى القوة، ثم سقطت بعد ذلك، والمماليك كذلك قاموا وهم في منتهى القوة، ثم سقطوا بعد ذلك.

    والخلافة العثمانية الراشدة التي فتحت شرق أوروبا كله قامت في منتهى القوة، ثم سقطت بعد ذلك؛ لكثرة الدنيا وانفتاحها وفتنة الناس بها.

    إذاً: هذه سنة من سنن الله سبحانه وتعالى لا يجب أبداً أن تفت في عضد المسلمين، فلا بد للمسلمين من قيام بعد السقوط، ولا بد للمسلمين من سقوط إذا فتنوا بالدنيا؛ لأن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين أحد من البشر نسب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعملي يا فاطمة فإني لا أغني عنك من الله شيئاً).

    إن ضل المسلمون وخالفوا طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهجه الكريم ستكون الهزيمة لا محالة، وسيكون الانتصار المروع لأعداء الإسلام، والذي شاهدناه في عهد الأندلس، ونشاهده في كل عهود المسلمين المنحطة، وقد يسأل سائل: أين نحن الآن في هذا العصر الذي نعيش فيه من مراحل السقوط ومراحل القيام؟

    فالأمة الإسلامية في هذا الزمان في مرحلة من مراحل السقوط، فقد حصل سقوط كبير جداً للخلافة العثمانية، التي كانت في أعلى درجات المجد في وقت من الأوقات، ثم بدأت تضعف وتضعف وتضعف حتى سقطت وتفرق المسلمون وضعفت الشوكة، وهذا شيء طبيعي جداً وليس بمستغرب؛ لأن هذه دورة من دورات التاريخ الطبيعية وسنة من سنن الله، لكن الحق يقال: إن سقوط الخلافة العثمانية فيه ظاهرة غير متكررة في السابق، وفيه شيئان جديدان على الأمة الإسلامية:

    الشيء الأول الخطير: غياب الخلافة، ففي طول الفترات السابقة من السقوط لم تكن تغيب الخلافة حتى في صورتها الضعيفة، فقد يكون الخليفة ضعيفاً، لكن الناس ممكن أن تلتف حوله، ولما يأتي عهد قيام من جديد فإن الناس تلتف حول الخليفة الضعيف الموجود فتقويه بقوتها.

    أما الآن فلا يوجد خليفة ولا توجد خلافة، فقد ضاع رمز الخلافة وانتهت فكرتها من أذهان الناس، وهذا أمر خطير لا بد أن يعود لأذهان الناس.

    الشيء الخطير الثاني: غياب الشرع الإسلامي أيضاً في كل عصور السقوط السابقة، ومع كل هذا التدني الشديد والانهيار الكبير في الأمة الإسلامية على فترات التاريخ المختلفة ما كان يلغى الشرع، فقد كان الشرع يقام في كل أطراف الأمة الإسلامية، نعم، كان الحكام والأمراء يظلمون أحياناً في تطبيق الشرع، ويتجاوزون أحياناً، لكن ما ظهرت دعوة تقول: جنبوا الشرع من الحكم، وائتوا بغيره من قوانين البشر يحكم الناس، وهذا حدث في هذه الآونة، ويجعل مهمة الإصلاح صعبة، لكن لن تكون مستحيلة؛ لأن المستحيل فعلاً هو التعارض مع سنن الله سبحانه وتعالى.

    والأصل أن سنة الله للمسلمين تكون دائماً قياماً بعد السقوط، لكن أن يحدث سقوط لا يتبعه قيام فهذا ليس من سنن الله سبحانه وتعالى مع المسلمين، وأي أمة من أمم الأرض لا بد لها من سقوط بعد القيام، لكن الاختلاف بين أمم الأرض جميعاً وبين أمة الإسلام أن أمم الأرض قد تسقط ولا تقوم، فعلى سبيل المثال: أين حضارة الفراعنة؟ فقد اندثروا في الأرض، وماتوا جميعاً، ولم يكن لهم قيام بعد ذلك، وأين حضارة اليونان والرومان؟ وأين حضارة إنجلترا التي كانوا يسمونها الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس؟

    لكن أمة الإسلام أمة لا تموت، وهذا وعد الله سبحانه وتعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، فأبشروا وأملوا فقد استمر السقوط للأمة الإسلامية منذ أوائل القرن العشرين لما سقطت الخلافة العثمانية في سنة (1924م) حتى أواخر الستينات أو السبعينات، ثم حدث قيام للأمة الإسلامية في منتصف السبعينات إلى ما نحن فيه، الآن انظر إلى المساجد فكم فيها من الشباب المصلين، وانظر إلى المحجبات في الشوارع في كل أطراف العالم الإسلامي! وانظر إلى المراكز الإسلامية في كل بلاد أوروبا وفي أمريكا! وانظر إلى جمهوريات روسيا السابقة الجمهوريات الإسلامية هناك أوزبكستان وكازخستان والشيشان، وهي الدولة التي لم تتحرر بعد، والتي ما زالت تقاتل أعداء الإسلام، نسأل الله سبحانه وتعالى لها التوفيق والانتصار على عدوها.

    وانظر إلى الإسلام في هذه البلاد بعد احتلال دام أكثر من (300) عام من روسيا النصرانية، ثم روسيا الشيوعية، لكن الإسلام فيه صحوة وفيه قيام، لكن القيام تدريجي وبطيء، وهذه سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، لا تستعجل النصر أبداً، انظر إلى ما فعله عبد الرحمن الداخل وإلى ما فعله عبد الرحمن الناصر وإلى ما فعله اللاحقون لهما، فـعبد الرحمن الناصر على سبيل المثال كانت له خطوات بطيئة في التغيير، خطوة تتلوها خطوة من تعليم وتربية ونشر للإسلام، ثم الفرج للمسلمين يحدث بعده فتح من الله ونصر مبين.

    كان الفرج في عهد عبد الرحمن الناصر حين دخول سرقسطة معه دون قتال، وموت عمر بن حفصون ، فهذه هدايا ربانية للمسلمين تتكرر على ممر العصور، فهي سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مطروداً ومشرداً بعد موت السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها وعمه أبي طالب ، وخرج من مكة ذاهباً إلى الطائف، ورمي بالحجارة، ثم عاد يعرض الإسلام على القبائل المختلفة التي تأتي في الحج فلا يقبل منه أحد، ثم أسلم له ستة من الخزرج فدخلوا بالإسلام إلى المدينة المنورة، ثم بعد ذلك بيعة العقبة الثانية، وهي فتح من الله ونصر كبير، ويهاجر المسلمون إلى المدينة المنورة، ثم بعدها بسنتين غزوة بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم فتح مكة بعد ذلك.

    وهكذا تتوالى الانتصارات حتى يعم الإسلام الجزيرة العربية بكاملها في عشر سنوات إلا قليلاً.

    وهذا أمر على الإنسان أن يفكر فيه ويتدبر فيه، وهذه سنة متكررة، قال تعالى: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43].

    إذاً: نحن في مرحلة قيام متدرج، ونريد من الشباب أن يستمروا على هذا القيام ولا يستعجلوا، فإنه لا محالة سيحدث الفرج الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، لكن المهم أين الصابرون والثابتون؟

    وبعد هذه المقدمة وهذه الأسئلة نعود إلى ما كنا عليه، وهو عهد ملوك الطوائف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088948457

    عدد مرات الحفظ

    780063509