إسلام ويب

سلسلة الأندلس عهد الدولة العامرية والفتنةللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كانت زلة الحكم بن عبد الرحمن الناصر باستخلاف ابنه هشام للحكم وهو في الثانية عشرة النواة الأولى لضعف الإمارة الأموية في الأندلس، ونشوء الفتن بين المسلمين واستعانة بعضهم بالنصارى ضد بعض، وتقسيم بلاد الأندلس إلى دويلات ضعيفة مكنت الأعداء من القضاء على الإسلام والمسلمين آنذاك.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    وبعد:

    فنبدأ بعون الله في الحلقة السابعة من حلقات الأندلس: من الفتح إلى السقوط.

    في الحلقة السابقة توقفنا عند آخر عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله، وذكرنا الفترة العظيمة التي مرت في تاريخ الأندلس من سنة (300هـ) منذ ولاية عبد الرحمن الناصر رحمه الله إلى سنة (366هـ).

    في آخر عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر ، مع أنه كان من أفضل حكام المسلمين في هذه البلاد، إلا أنه أخطأ خطأً كبيراً جداً، فقد أصيب في آخر أيامه بالفالج، يعني: الشلل، فاستخلف ابنه هشام بن الحكم على حكم هذه البلاد العظيمة وعمره اثنتا عشرة سنة فقط، وقد كان أكبر أولاده، فاستخلفه على حكم الأندلس ومن فوقها بلاد النصارى في الشمال، ومن تحتها بلاد الدولة الفاطمية، وكل ممالك أوروبا تتشوق إلى هزيمة هذه البلاد وإلى الكيد لها.

    فهذه زلة خطيرة جداً من الحكم بن عبد الرحمن الناصر وكان عليه أن ينتقي خليفة مناسباً ولو من غير بني أمية، يستطيع أن يقوم بالأعباء الثقيلة لمهمة حكم دولة قوية مثل دولة الأندلس، دولة متسعة الأطراف ولها أعداء كثر.

    لكن الذي حدث هو أنه استخلف ابنه، ثم مات في سنة ( 366هـ) ليتولى هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر الحكم، وهو طفل صغير لا يستطيع أن يحكم البلاد، ولذلك جعل عليه مجلس وصاية.

    فمجلس الوصاية هذا كان مكوناً من ثلاثة:

    الأول: الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، والحاجب يعني: رئيس الوزراء، فهذا كان أحد الأوصياء على هشام بن الحكم .

    الثاني: قائد الشرطة: محمد بن أبي عامر ، وقائد الشرطة في هذا الوقت مثل وزير الداخلية، ومحمد بن أبي عامر كان من اليمن ليس من بني أمية.

    الثالث: أم هشام بن الحكم وكان اسمها صبح .

    والمثل يقول: المركب الذي فيه سائقان يغرق، فقد كان محمد بن أبي عامر طموحاً في أن يكون والياً على هذه البلاد.

    فدبر مكيدة لسجن الحاجب جعفر بن عثمان ثم قتله بعد ذلك.

    فهذا الرجل الذي قام بمكائد عدة ومؤامرات عظيمة، حتى تظن أنه من أكثر الناس مجوناً وفساداً، ثم إذا به يقوم بحسنات عظيمة حتى تظنه أنه من أعظم المجاهدين، فأمره عجيب جداً وسنرى، فصلاً من حياته مع سيرة هشام بن الحكم .

    أما أم هشام بن الحكم فقد كانت ضعيفة بالنسبة لقائد الشرطة فلم تؤثر عليه في شيء فتركها في قصرها، لكنه تقلد الأمور وحده وبدأ يحكم في بلاد الأندلس باسم الخليفة الصغير هشام بن الحكم .

    وأراد أن يقوي منصبه أكثر من ذلك، فتزوج ابنة غالب بن عبد الرحمن أمير الجيش، وبذلك ضمن ولاء الجيش الأندلسي له، ثم دبر محمد بن أبي عامر مكيدة أخرى لـغالب ثم قتله؛ لأنه اكتشف نواياه وعلم خطته.

    ثم بعد ذلك استدعى جعفر بن علي بن حمدون ، قائد الجيش الأندلسي في المغرب في عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر ، فاستدعاه وقربه إليه واستفاد من قوته، ثم بعد ذلك دبر له مكيدة أخرى ثم قتله، وبذلك تمكن من كل الأمور، كان كلما قتل واحداً عين آخر برأيه هو، وهو الوصي الأساسي على هشام بن الحكم الذي هو صورة خليفة في قصر السلاح.

    الأمر الذي بعد هذا أنه بدأ يقنع الخليفة هشام بن الحكم بالاختفاء عن العيون في قصره خوفاً عليه من المؤامرات، وقال: إن الخلفاء يجب أن يتفرغوا للعبادة، ويتركوا أمور الناس لرئاسة الوزراء أو لقوة الشرطة .. أو ما إلى ذلك، فقام هو بإدارة كل شيء، وربي هشام بن الحكم الطفل الصغير على ترك الأمور لـمحمد بن أبي عامر ، ومرت السنوات ومحمد بن أبي عامر يتولى كل شيء في بلاد الأندلس وهشام بن الحكم يكبر في السن ولكنه ربي على عدم تحمل المسئولية.

    وفي سنة (371هـ) أي: بعد حوالي خمس سنوات من تولي هشام بن الحكم الأمور ووصاية محمد بن أبي عامر عليه سمى محمد بن أبي عامر نفسه بـالحاجب المنصور ، ولأول مرة نسمع أن رئيس الوزراء أو الوصي يسمي نفسه باسم المنصور ، وأصبح يدعى له على المنابر مع الخليفة هشام بن الحكم ، وبدأ محمد بن أبي عامر ينقش اسمه على النقود والكتب، وأصبح هو كل شيء في بلاد الأندلس.

    نحن نعرف أن عبد الرحمن الناصر رحمه الله كان قد أسس مدينة الزهراء في الشمال الغربي من مدينة قرطبة، أما محمد بن أبي عامر فقد أسس مدينة أخرى في شرق قرطبة وسماها مدينة الزاهرة أو العامرية، ونقل إليها دواوين الحكم والوزارات، وأنشأ له قصراً كبيراً هناك، وبدأ يجمل كثيراً في هذه المدينة، حتى أصبحت مدينة الزاهرة أو العامرية هي المدينة الأساسية في الأندلس، وبها قصر الحكم وبها كل شيء.

    وفي عام (381هـ) قام محمد بن أبي عامر بأمر ما عمل في تاريخ المسلمين، وهو أنه يعهد بالحجابة لابنه من بعده، يعني: رئيس وزراء يستخلف رئيس وزراء من بعده لما يموت، وكان معروفاً أن الخليفة هو الذي يستخلف خليفة أو رئيس وزراء من بعده، فاستخلف ابنه عبد الملك بن المنصور على الحجابة من بعده.

    وفي عام (386هـ): سمى نفسه الملك الكريم وذلك تمهيداً لإقامة ملك على أنقاض بني أمية، كل هذا وهشام بن الحكم يكبر في السن، لكن ليس له من الأمر شيء، وبدأ العامريون يكثرون في أماكن الحكم في بلاد الأندلس، وبدأ يكوّن ما يسمى في التاريخ بالدولة العامرية، والتي استمرت حقبة من الزمان بدايتها من سنة (366هـ) منذ أن تولى محمد بن أبي عامر الوصاية على هشام بن الحكم ونهايتها سنة (399هـ) يعني: استمرت (33 سنة)، لكن فترة الدولة العامرية تعتبر داخلة في فترة الخلافة الأموية؛ لأن الذي في الصورة حاكم هو الخليفة هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر .

    و محمد بن أبي عامر عمل شيئاً آخر أدى إلى انقسامات في بلاد الأندلس، وهو أنه كان يخشى أن يستعين بالقبائل المضرية وبقبائل بني أمية معه في الجيش وفي الأمور، فبدأ يعظم من أمر البربر؛ لأن محمد بن أبي عامر من قبيلة يمنية، واليمنيون ليسوا بكثرة في داخل الأراضي الأندلسية، لذلك فكر أن يستعين بعنصر آخر غير عنصر المضريين، حتى يضمن له الولاء من قبلها، فبدأ يستعين بالبربر ورفع من شأنهم بشدة وقوى من أمرهم.

    وقد تولى محمد بن أبي عامر الحكم من سنة (366هـ - 392هـ) إلى أن مات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088954652

    عدد مرات الحفظ

    780125175