بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه هي المحاضرة الحادية عشرة من محاضرة قصة التتار: من البداية إلى عين جالوت.
في المحاضرة السابقة تحدثنا عن موقعة عين جالوت، تلك الموقعة التي غيرت فعلاً من خريطة العالم، ومن جغرافية الأرض.
والتعليقات على هذه الموقعة لا تنتهي، والدروس والعبر والفوائد والعظات لا تحصى، فكل خطوة من خطوات الجيش المسلم، وكل خطوة من خطوات الملك المظفر سيف الدين قطز رحمه الله تحتاج إلى وقفات طويلة؛ لأن موقعة عين جالوت سقط فيها الجيش التتري، الذي أفسد في الأرض إفساداً عظيماً، والله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين، مع كون هذا الجيش جيشاً مفسداً إلا أنه سلط على المسلمين فترة طويلة من الزمان، مدة أربعين سنة متصلة، عاشها المسلمون في قهر وتعذيب وبطش وإجرام من التتار، وهزم فيها المسلمون في عشرات بل مئات المواقع الحربية، ثم دارت الأيام وتمت المعركة الهائلة عين جالوت، وانتصر المسلمون انتصاراً مبهراً حقاً، يقول ربنا في كتابه الكريم: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
وهنا يبرز سؤالان: ولابد لمن يتوسع في هذه الأحداث أن يخطر على ذهنه هذان السؤالان، وهذان السؤالان لهما إجابة واحدة:
السؤال الأول: كيف سلط جيش التتار الفاسد المفسد على أمة الإسلام وهي خير منه، فمهما خالفت أمة الإسلام منهجها، ومهما بعدت وقصرت في واجباتها فهي ما زالت أمة الإسلام، فلماذا يسلط الله عز وجل أمة التتار المفسدة على أمة الإسلام؟
السؤال الثاني: لماذا انتصر جيش التتار على المسلمين في كل المواقع السابقة، ثم هزم في موقعة عين جالوت وهو نفس الجيش؟ فلماذا انتصر سابقاً ثم هلك بكامله بهذه الصورة العجيبة في موقعة عين جالوت؟
إن الإجابة على السؤالين نجدها في خطاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الصحابي العظيم الملهم إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، الذي كان يقود الجيوش الإسلامية المتجهة لحرب فارس في موقعة القادسية الكبرى، فقد قال له: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكون أشد احترازاً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لن نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله عز وجل يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شر منا، فلن يسلط علينا.
أي: كما نقول: إن التتار شر من المسلمين، فلن يسلطوا على المسلمين، أو نقول: إن اليهود شر من المسلمين، فلن يسلطوا على المسلمين، أو نقول: إن الأمريكان شر من المسلمين، فلن يسلطوا على المسلمين، أو نصف أي عدو من أعداء الله عز وجل بأنه شر، ولن يسلط على المسلمين.
ثم قال: فرب قوم سلط عليهم من هو شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار، وكان وعداً مفعولاً.
فاليهود لما أفسدوا في الأرض وعملوا ما يسخط الله من المعاصي، وابتعدوا عن شرعه عز وجل، سلط الله عليهم المجوس عباد النار، واليهود أهل كتاب، ومهما عصوا فهم أفضل من المجوس، ومع ذلك سلط الله عز وجل المجوس، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ورسالة الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه هذه من أنفس ما قال رضي الله عنه، ومن أعظم الرسائل مطلقاً، والرسالة طويلة، وقد درسناها بالتفصيل في فتوح فارس، ودراستها في منتهى الأهمية في بناء الأمة الإسلامية.
ومن هذا الجزء الذي ذكرناه من الرسالة يتضح أنه إذا عمل المسلمون بمعاصي الله، فإنهم يهزمون ويسلط عليهم الكفار من أهل الأرض.
وإذا التزم المسلمون بتقوى الله عز وجل، وساروا على منهج ربهم، ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، انتصروا على الجيوش التي طالما انتصرت عليهم؛ فهم لا ينتصرون على هذه الجيوش بقوة الجسد، أو بكثرة العدد، أو بكفاءة العدد، وإنما ينتصرون عليهم بارتباطهم بربهم، وبعد أعدائهم عن رب العالمين سبحانه وتعالى.
ومن هنا نفهم سبب تسلط جيش التتار أربعين سنة على المسلمين في الأرض، ثم سبب انتصار المسلمين في عين جالوت على هذا الجيش الذي دوخ بلاد المسلمين، وبلاد الأرض جميعاً عشرات الأعوام، وأيضاً نفهم أحداثاً كثيرة جداً تتكرر في التاريخ وفي الواقع.
فإذا رأينا ضعفاً وخوراً وجبناً واستكانة في جيوش المسلمين، وتبعية للغرب أحياناً وللشرق أحياناً أخرى، وإذا رأينا هواناً في الرأي وسقوطاً للهيبة الإسلامية، وذلة في معظم أحوال المسلمين، وموالاة لمن سفك دماءهم، وتحالفاً مع من دمر ديارهم، وصداقة مع من شردهم من ديارهم، واستعانة بمن خرب اقتصادهم، ثم رأينا أن الأمة العظيمة الكبيرة الكثيرة قد أصبحت لا تساوي شيئاً في أعين أعدائها، وأنه قد تطاول عليها أخس أهل الأرض من إخوان القردة والخنازير، وعباد البقر والبشر والملحدين، فلنعلم علماً يقينياً أن الأمة تعمل بمعاصي الله عز وجل، ولا تتبع شرعه عز وجل، وأنها قد سقطت من عينه عز وجل، وأنه عز وجل هو الذي يسلط عليها الفاسدين من اليهود والصليبيين والهندوس والشيوعيين.. وغيرهم.
وإذا رأينا كل ذلك فإنه لا يجوز أن يكون داعياً لنا إلى الإحباط واليأس، بل إلى التفكر والتدبر، والاستفادة من التاريخ، ثم العمل، وعين جالوت بين أيدينا، وهذه هي الفائدة من دراسة الأحداث التاريخية التي مرت عليها قرون وقرون، حتى نرجع إلى ديننا، وعندها تحل جميع قضايانا.
والعودة إلى الله عز وجل ليست مستحيلة ولا صعبة، فمهما غرقت الأمة في معاصيها وابتعدت عن كتاب ربها وضلت طريقها، فإنها تعود إلى الله عز وجل في لحظة واحدة إذا أرادت أن تعود وأن تعيش، بل إذا أرادت أن تسود وتقود وترفع رأسها وتعز شأنها.
وإننا مهما ابتعدنا عن الله إلا أنه سبحانه وتعالى يقبلنا إذا عدنا إليه، بل ويفرح بنا إذا عدنا إليه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، فقال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده). كيف ستكون فرحة هذا الرجل، وقد أنقذ بعد أن أيقن بالهلكة، فالله عز وجل أشد فرحاً بعبده الذي يعود إليه بعد معصية، من هذا الرجل براحلته، فما علينا إلا أن نعود إلى الله عز وجل، والعودة إليه قد تكون في لحظة واحدة، وإذا عدنا إليه عز وجل فسنرى عين جالوت، وألف عين جالوت.
والتأصيل الشرعي للانتصار وللهزيمة في الإسلام: أن المسلمين ينتصرون بارتباطهم بربهم، ويهزمون ببعدهم عنه عز وجل، فالله عز وجل لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
وأسأل الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يعز الإسلام والمسلمين.
ومع الإرهاق الشديد والمعاناة القاسية التي كان يعاني منها الجيش المناضل البطل، الذي عبر صحارى سيناء بكاملها في شهر يوليو، وحارب في غزة، ثم اجتاز فلسطين بكاملها من جنوبها إلى شمالها حتى وصل إلى عكا، ثم عاد بعد ذلك إلى عين جالوت، والذي خاض المعركة الهائلة مع أقوى جيوش الأرض في زمانه في عين جالوت، ثم في بيسان، إلا أن الخطوة التالية المباشرة لـقطز رحمه الله بعد انتصار عين جالوت هي الاتجاه مباشرة ودون أدنى راحة إلى دمشق في الشمال، فدمشق هي أول المحطات الإسلامية التي تقع تحت سيطرة التتار، بينها وبين عين جالوت (150) كيلو متر تقريباً، ولابد من تطهير هذه المدينة العظيمة من دنس التتار، واستغلال فرصة الانكسار الرهيب لجيش التتار لتحرير دمشق وغيرها، قبل أن تأتي أمداد التتار من فارس أو من أوروبا أو من الصين.. أو من غيرها، فأراد قطز رحمه الله القائد المحنك أن يهيئ الفرصة العظمى لجيشه؛ لينتصر على قواد التتار في دمشق، وقد كان يعلم أن جيش التتار بكامله قد فني في عين جالوت، ولا يوجد أحد ينقل الأخبار إلى دمشق بأن جيش التتار قد فني، فقام هو رحمه الله بهذا الدور، فأرسل رسالة إلى دمشق يخبر فيها أهلها بأن المسلمين قد انتصروا انتصاراً هائلاً في عين جالوت، وأن الجيش التتاري قد دمر بكامله في هذه الموقعة، فوصلت الرسالة لتخلق جواً جديداً تماماً على دمشق، فارتفعت معنويات المسلمين إلى أقصى درجة، وهبطت معنويات التتار إلى أدنى درجة، وقام المسلمون في دمشق -الذين كانوا تحت سيطرة التتار لا يتحركون ولا يقاومون- يدافعون عن أنفسهم بعد أن وصل إليهم الكتاب، وكان الكتاب قد وصل في (27) أو (28) من رمضان في سنة (658هـ)، فقاموا بثورة كبيرة جداً في دمشق، وانقلبوا على الحامية التتارية وقتلوا منها ما قتلوا، وأسروا منها ما أسروا، وفر الباقون إلى الشمال. وسبحان الله! فالشعب هو الشعب، والتتار هم التتار! ولكن الوضع تغير بسماع الأخبار المفرحة التي جاءت من عين جالوت، فقد اكتشف الشعب أنه قادر على المقاومة والدفاع والحرب في سبيل الله، لما رأى القدوة التي كانت في عين جالوت، وأما التتار الذين كانوا يسيطرون على الموقف فقد سقطت هيبتهم تماماً، وما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين.
وانتهى الاحتلال في دمشق في لحظات، لدرجة أن قطز رحمه الله لما وصل إلى المدينة في يوم (30) رمضان، يعني: بعد يومين أو ثلاثة من وصول الرسالة، لم يبق في دمشق تتري واحد، فقد انتهت الحامية التترية التي كانت تسيطر تماماً على الوضع قبل انتصار عين جالوت، وكان انتصاراً مهيباً.
دخل الجيش المملوكي دمشق، واستتب الأمن الحقيقي بسرعة عجيبة، ولم يكن الوضع مثل ما يحدث عند دخول المستعمرين البلاد من عموم الفوضى، وترك الحبل على الغارب، وانتهاك الحرمات أمام الأعين، وانتهاب المحلات والديار، فلم يحدث شيء من هذا، وإنما استقر الوضع حقيقة وبسرعة، بل أمن النصارى واليهود على أرواحهم وأموالهم.
ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال!
طهر المسلمون بلاد الشام بكاملها في غضون أسابيع قليلة جداً، وعادت من جديد أرض الشام إلى ملك الإسلام والمسلمين، ونسأل الله عز وجل لها ولسائر بلاد المسلمين دوام التحرر والعزة.
ثم جاءت بعد ذلك خطوة هامة من أعظم خطوات قطز رحمه الله، فقد أعلن قطز رحمه الله بعد هذا الانتصار المهيب توحيد مصر والشام من جديد في دولة واحدة تحت زعامته، وذلك بعد عشر سنوات كاملة من الفرقة والشتات، منذ وفاة نجم الدين الصالح أيوب رحمه الله في سنة (648هـ)، حيث انفصل في ذلك الوقت الشام عن مصر، حتى عاد الآن قطز رحمه الله ليوحدهما.
والشام يضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، فضم الشام إلى مصر، وأصبحا دولة واحدة، وخطب لـقطز رحمه الله على المنابر في كل المدن المصرية والشامية، حتى خطب له في أعالي بلاد الشام، وفي المدن التي حول نهر الفرات، وعاش المسلمون أياماً من أسعد أيامهم.
ومن حكمته رحمه الله أنه أرجع بعضاً من الأمراء الأيوبيين إلى مناصبهم؛ وذلك ليضمن عدم حدوث فتنة في بلاد الشام، ولاشك أن هؤلاء لهم أتباع من المسلمين، وقطز لا يخشى الآن من خيانتهم؛ لأنه تبين لهم جداً أنهم لا طاقة لهم بـقطز رحمه الله وبجنوده الأبرار، فأعطى رحمه الله إمارة حمص للأشرف الأيوبي الذي كان موالياً للتتار، ولكنه أظهر الندم والانكسار والتوبة وعاد إلى صف المسلمين، بل وانكسر بين أيديهم في موقعة عين جالوت كما أشار بذلك صارم الدين أيبك في الرسالة التي تحدثنا عنها في الدرس السابق، وأعطى قطز رحمه الله إمارة حلب لـعلا الدين بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل الذي كان والده بدر الدين لؤلؤ من أشد الموالين للتتار، ومات منذ شهور قليلة ولكن ابنه علاء الدين أظهر الولاء والانقياد لـقطز رحمه الله، وأظهر الحمية للإسلام، فلم يجعل قطز رحمه الله التاريخ الأسود لأبيه حائلاً عن تقليده علاء الدين إمارة حلب، فقد كان يقدر كل رجل بقدره، وأعطى إمارة حماة إلى صاحبها الأسبق الأمير المنصور ، الذي قاتل مع القوات الإسلامية المشتركة في عين جالوت، واشترك منذ بداية الإعداد مع قطز رحمه الله، وعين الأمير جمال الدين آقوش الذي قتل كتبغاً كما فصلنا في الدرس السابق على فلسطين وغزة.
وأما دمشق فقد عين عليها الأمير علم الدين سنجر الحلبي ، وهكذا استقرت الأوضاع تماماً في بلاد الشام وفلسطين وقويت شوكة الإسلام، واختفى كل تهديد يمس المسلمين من النصارى أو اليهود.
واستمر هذا الإعداد والترتيب قدر حوالي (25) يوماً، وفي يوم (26) من شهر شوال سنة (658هـ) يعني: بعد حوالي شهر كامل من يوم عين جالوت، بدأ السلطان قطز رحمه الله رحلة عودته إلى عاصمته القاهرة في مصر، فكثير من الأوضاع السياسية هناك تحتاج إلى استقرار وإدارة، وأصبحت دولة قطز رحمه الله تمتد من الفرات إلى حدود ليبيا، ولابد من إعادة تنسيق كثير من الأوراق.
ولا ننسى أن قطز رحمه الله لم يمض عليه في الحكم حتى ذلك اليوم إلا أحد عشر شهراً فقط، فقد تولى الحكم في (24) من ذي القعدة سنة (657) من الهجرة، وها هو يعود في أواخر شهر شوال سنة (658) من الهجرة، فما زالت تنتظره آلاف الأعمال في مصر.
وهكذا تم النصر المبين على التتار، واستيقظ المسلمون من الكابوس المزعج الذي آلمهم في كل السنوات الماضية.
وعلى الدارسين والمحللين أن يبحثوا في هذه الآثار بمزيد من التفصيل والدراسة، فالموضوع فعلاً في غاية الأهمية، وسنقص هنا بعض هذه الآثار لموقعة عين جالوت الخالدة:
وتبين المسلمون أيضاً بعد موقعة عين جالوت أن الحرب دينية في المقام الأول، فقد تحالف كثير من النصارى كما رأينا مع التتار أكثر من مرة، مع أن مصالحهم على المستوى البعيد كان مع المسلمين وليس مع التتار، فالتتار لا عهد لهم، بينما يحترم المسلمون عهودهم جداً؛ لأن هذا الاحترام للعهود أصل من الأصول في دين الإسلام، وواقع المسلمين يشهد بذلك في معظم فترات التاريخ، والمخالفات الإسلامية للعهود قليلة جداً في التاريخ، ومع ذلك آثر النصارى أن يتحالفوا مع التتار ضد المسلمين، ولذلك استقر في نفوس المسلمين تماماً بعد انتصار عين جالوت، أن الحروب التي دارت بينهم وبين التتار والنصارى لم تكن حروب مصالح فقط، كما يصورها كثير من الغربيين والعلمانيين على أن المحرك الرئيسي للحروب أبداً هو الاقتصاد، أو يجعلون الأغراض العسكرية أو الإستراتيجية هي الهدف الأساسي، فنحن لم نر هذا في قصتنا هذه، بل رأينا في هذه القصة الواقعية أن الدين هو المحرك الأساسي للنصارى في حرب المسلمين، وكان له كذلك أكبر أثر في تحريك المسلمين أنفسهم لحرب التتار والنصارى في هذه الموقعة الخالدة، والله عز وجل نبهنا إلى ذلك في كتابه مراراً أكثر من مرة، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]. فجعل الرضا عندهم مقروناً باتباع الملة، وليس مقروناً ببقاء المصالح.
وكذلك قال ربنا في كتابه الكريم: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]. فوضح أن القتال سيستمر حتماً إلى أن يترك المسلمون دينهم، وأما قبل ذلك فالحرب لن تتوقف، ولن يكتفي اليهود والنصارى والتتار والمشركون والهندوس في أي وقت من أوقات الدنيا بالسيطرة على الديار والأموال والبترول والناس.. وغير ذلك أبداً، فسيظل الهدف الأسمى لهؤلاء هو السيطرة على الدين الإسلامي، أو إن شئت فقل: محو الدين الإسلامي.
وما نراه الآن من متابعة لكل الحركات الإسلامية والتوجهات الدينية، ومحاولات تغيير مناهج المسلمين الدراسية، وحرب في وسائل الإعلام المختلفة، كل هذا ما هو إلا صور للتعبير عن شدة الكراهية لبقاء الدين، وليس لبقاء القوة أو الحدود، فالمعركة في أصلها هي معركة وجود أساساً، فهم لا يقبلون بوجود الدين الإسلامي على وجه الأرض، ولذلك فالحرب لن تنتهي أبداً؛ لأن دين الإسلام لن ينتهي أبداً بإذن الله.
وهكذا لا يصلح كما ذكرنا قبل ذلك مراراً أن يكون السلام خياراً إستراتيجياً أبدياً مهما تغيرت الظروف، وأنت إن تنازلت عن كل شيء في مقابل السلام، فهم لن يقبلوا إلا أن تتنازل عن الدين بوضوح.
إذاً: فقه المسلمون بعد موقعة عين جالوت أن الصراع ديني في المقام الأول، ومن ثم إذا أردت أن تنتصر في هذا الصراع الديني فلابد أن تكون مستمسكاً تماماً بهذا الدين.
كان هذا هو الأثر الأول الخالد والهام جداً من موقعة عين جالوت الخالدة، وهو عودة المسلمين إلى الله عز وجل عودة كاملة، ليس في مصر والشام فقط، بل وفي كثير من بقاع العالم الإسلامي آنذاك، ولمدة عشرات السنين بعد ذلك، فالحقيقة وضحت تماماً أمام أعين الناس، فما لم تكن مستمسكاً بالدين فلا تبحث عن النصر.
وأدرك المسلمون بوضوح أنهم يستطيعون الانتصار بأنفسهم دون أن ينتظروا جيش المهدي أو جيش غيره، ويستطيعون أن يصنعوا النصر بأيديهم إذا عادوا إلى الله عز وجل، فالله عز وجل هو الذي ينصر ويؤيد ويمنح العزة والتمكين، ولكن لابد أن يقدم المسلمون شيئاً.
واستمع إلى قول الله عز وجل في سورة التوبة حيث يقول سبحانه وتعالى على لسان المؤمنين: وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا [التوبة:52].
هكذا فقه المسلمون هذه الحقيقة الواضحة في أنهم لابد أن يصنعوا النصر بأيديهم، ولابد أن يتحركوا بأنفسهم ويعملوا، ثم ينزل الله عز وجل نصره على من يشاء من عباده.
فظهر للمسلمين بوضوح بعد عين جالوت أن الله عز وجل قادر على كل شيء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهم وإن كانوا يعلمون ذلك علماً نظرياً قبل عين جالوت، فإن موقعة عين جالوت جاءت كالدرس العملي التطبيقي الذي لا يبقي شكاً في قلب أحد. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107].
الانتصار الأول: انتصار المنصورة وفارسكور على جيوش الصليبيين بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا.
الانتصار الثاني: انتصار عين جالوت، ولئن كانت القيادة العامة لجيش المسلمين في موقعة المنصورة ثم في موقعة فارسكور قيادة أيوبية، فإن الجيش كان معتمداً في الأساس على المماليك، أما في عين جالوت فالانتصار كان مملوكياً خالصاً، فكانت القيادة مملوكية والجيش مملوكي، ولذلك شعر الجميع أن هؤلاء المماليك هم أقدر الناس على قيادة الأمة، فسلموا لهم.
وهكذا نشأت الدولة المملوكية، وحملت على عاتقها صد هجمات أعداء الله عز وجل من تتار أو صليبيين، وكانت دولة جهادية في معظم فتراتها.
ومع أن دولة المماليك حاولت أن تضفي شرعية على وجودها بصورة أكبر بعد ذلك حين استضافت أبناء بني العباس في القاهرة ابتداءً من سنة (659) هجرية بعد سنة من عين جالوت مباشرة، وفي عهد الظاهر بيبرس رحمه الله، إلا أن دولة المماليك لم تكن تمثل الخلافة الحقيقية للمسلمين؛ لأنها لم تكن في أقصى اتساعها تسيطر إلا على أجزاء محدودة من العالم الإسلامي، فكانت تسيطر على مصر والشام والحجاز واليمن وأجزاء من العراق وأجزاء من ليبيا، وأما بقية العالم الإسلامي فكان موزعاً بين طوائف شتى، ولم يجد المسلمون معنى الخلافة الحقيقية الجامعة لكل المسلمين، إلا بعد قيام الخلافة العثمانية العظيمة التي أعادت جمع المسلمين بعد سنوات من التفرق.
وعلى العموم فدولة المماليك كانت أقوى دول المسلمين في فترة وجودها، وكانت أكثرها جدية، وأعظمها هيبة، ولذلك كثيراً ما يطلق المؤرخون على العهد الذي عاش فيه المماليك العهد المملوكي، متجاهلين بذلك كثيراً من الممالك والدول الصغيرة التي عاشت إلى جوار دولة المماليك.
إذاً: فدولة المماليك ولدت ميلاداً حقيقياً بعد عين جالوت، وحملت راية الإسلام حوالي (270) سنة، إلى أن جاءت الخلافة العثمانية الكبرى، لتحمل راية المسلمين بقوة بعد دولة المماليك.
ولذلك فبعد عين جالوت وبعد استقرار المماليك في الحكم بدءوا يوجهون جيوشهم الواحد تلو الآخر لتحرير هذه البلاد الإسلامية العظيمة في كل هذه المناطق.
فبدأ الظاهر بيبرس رحمه الله الذي تولى الإمارة بعد قطز رحمه الله منذ سنة (659) من الهجرة يعني: بعد عين جالوت بشهور قليلة في إرسال الحملات الواحدة تلو الأخرى لتحرير هذه الإمارات الصليبية، وبعد جهاد مضن بدأت الإمارات الصليبية في التساقط في أيدي المسلمين في سنة (664) هـ، -يعني: بعد عين جالوت بخمس سنوات، وحرر المسلمون عدة مدن فلسطينية، فقد حرروا قيسارية وحيفا وحصن أرسوف، وفي سنة سنة (665) حررت صفد في الشمال الشرقي لفلسطين، وبينما كان الظاهر بيبرس رحمه الله يحرر هذه البلاد في فلسطين كان سيف الدين قلاوون رحمه الله أحد أعظم قواده يحرر قليقية في تركيا، وهي مدينة من أعظم المدن في تركيا، وهي إمارة صليبية قديمة، وانتصر هناك على قوات الأرمن النصرانية بقيادة الملك هيثوم ، الذي تحالف مع هولاكو في إسقاط بغداد ثم إسقاط الشام، وجمع سيف الدين قلاوون غنائم لا تحصى، وأسر من الصليبيين ونصارى الأرمن أربعين ألفاً.
وفي سنة (665) هجرية، وسنة (666) هجرية حرر الظاهر بيبرس يافا، وفي سنة (667هـ) حررت أنطاكيا وهزم الأمير بوهمند الذي أيضاً كان متحالفاً مع التتار في إسقاط الشام وفي حرب المسلمين هناك، وكانت أنطاكيا أول مملكة صليبية في بلاد المسلمين، فقد احتلت سنة (491) هجرية، وكانت أغنى الإمارات، حتى إن غنائمها من الذهب والفضة كانت توزع على الفاتحين بالمكيال وليس بالعدد من كثرتها، ولم يبق عند وفاة الظاهر بيبرس رحمه الله من المدن الإسلامية المحتلة إلا القليل، مثل عكا، وكانت أقوى المدن المحتلة، وبعض المدن في سوريا ولبنان مثل: صور وصيدا وبيروت وطرطوس واللاذقية في سوريا.
وفي سنة (684) من الهجرة حررت طرابلس، يعني: بعد عين جالوت بست وعشرين سنة على يد السلطان المملوكي المنصور قلاوون .
ثم خلفه بعد ذلك ابنه السلطان العظيم جداً الأشرف خليل بن قلاوون رحمه الله، وهو من أعظم سلاطين المسلمين، وقد أخذ على عاتقه تحرير كل الممالك الصليبية المتبقية، فحررت عكا الحصينة سنة(690) هجرية، يعني: بعد حوالي قرنين كاملين من الاحتلال الصليبي، وبعد فشل كل أمراء المسلمين السابقين على مدى هذين القرنين بتحريرها، وبفتح عكا سقطت أعظم معاقل الصليبيين في الشام، وبعدها بقليل حررت صيدا وصور وبيروت وجبيل وطرطوس واللاذقية، وبذلك انتهى الوجود الصليبي تماماً من الشام بعد اثنين وثلاثين سنة من موقعة عين جالوت، مما يجعل كل هذا التحرير أثراً مباشراً من آثار عين جالوت، فما أعظم تلك الموقعة التي أعزت الإسلام بهذه الصورة العجيبة، وفي غضون سنوات قليلة!
وهناك تفاصيل في غاية الأهمية والروعة في تحرير كل هذه المدن والإمارات، وسنأتي لها إن شاء الله عند الحديث عن الحروب الصليبية في مجموعة خاصة بها بإذن الله.
فبدأ بعض التتار يؤمنون بدين الإسلام، ثم شاء الله عز وجل أن يدخل الإيمان في قلب أحد زعماء القبيلة الذهبية التي هي أحد الفروع الكبيرة جداً في قبائل التتار، وهذا الزعيم هو ابن عم هولاكو مباشرة وأخو باتو قائد التتار المشهور الذي تكلمنا عليه أيام فتح أوروبا، وتلقب هذا الزعيم بعد إسلامه باسم بركة، وتولى زعامة القبيلة الذهبية سنة (652) من الهجرة، يعني: قبل عين جالوت بست سنوات، وكانت المنطقة التي يحكمها تعتبر شبه مستقلة عن دولة التتار، وهي المنطقة الواقعة شمال بحر قزوين، في جنوب الاتحاد السوفييتي، وبدخول هذا الرجل في الإسلام دخلت أعداد كبيرة من قبيلته في الإسلام، وهذا أمر في منتهى الغرابة؛ لأن هذا كان قبل عين جالوت بست سنوات، فمن الغريب جداً أن التتار الأقوياء يدخلون في دين الضعفاء، فالتتار في ذلك الوقت كانوا يتحكمون في رقاب المسلمين، والمسلمون يهزمون في كل مواقعهم، وهي من المرات القليلة جداً في التاريخ أن يدخل الغازي في دين من يغزوه، والقوي في دين الضعيف، ولكن هذا دين الإسلام، الذي يخاطب الفطرة البشرية، وهذا يعزز المسئولية على أكتاف الدعاة أن يصلوا بهذا الدين إلى غيرهم من أهل الأرض جميعاً، فإن من وصل إليه الدين صحيحاً نقياً فإنه يرجى إسلامه بإذن الله مهما كان معادياً للإسلام في بدء حياته.
ثم بعد موقعة عين جالوت تزايد جداً عدد المسلمين في القبيلة الذهبية، حتى أصبح كل أهلها من المسلمين، فقد أثرت فيهم القوة والانتصار، وتحالفوا مع الظاهر بيبرس ضد هولاكو ، ولهم مع هولاكو حروب متكررة طويلة جداً.
والجدير بالذكر في هذا المقام أن نذكر أن هناك بقايا من هذه القبيلة الذهبية ما زالت موجودة إلى الآن، وهي: عبارة عن بعض الإمارات الإسلامية مثل: إمارة قازان ، وإمارة القرم ، وإمارة استراخان ، وإمارة النوغاي ، وإمارة خوارزم، وكل هذه الإمارات ما زالت إلى الآن محتلة من روسيا، ولم تحرر حتى بعد أن تفكك الاتحاد السوفييتي وسقط، ولا يعلم بها أحد.
ونسأل الله عز وجل لها ولسائر بلاد المسلمين التحرر الكامل والسيادة المطلقة على أراضيها.
ولاشك أن هناك آثاراً أخرى كثيرة لهذه الموقعة الخالدة، والأمر بين يدي الباحثين والدارسين لدراستها، فموقعة عين جالوت من أعظم المواقع في تاريخ الأرض.
تكلمنا بالتفصيل في محاضرة سابقة على خطوات قطز رحمه الله في إعداد الأمة، وفي إعداد الجيش المنتصر، ونعيد في إيجاز شديد بعض الأسباب التي أخذ بها قطز ونجملها في هذا الحديث الآتي:
فالدعاء هو العبادة، وهو اعتراف من العبد بعبوديته لله عز وجل، وإعلان صريح من العبد أنه محتاج لرب العالمين.
وكان قطز رحمه الله يدرك في كل خطوة من خطوات إعداده أنه لن يفلح إلا إذا أراد الله عز وجل ذلك، ولابد أن يطلب من الله عز وجل باستمرار وبإلحاح وبخشوع وبتضرع أن ينصر الإسلام والمسلمين، فلم ينسب قطز رحمه الله النصر لنفسه ولو مرة واحدة، بل كان دائماً ينسبه إلى الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه قد طلب النصر من الله عز وجل كثيراً، وأن الله عز وجل قد تفضل وتكرم عليه وعلى المؤمنين بالنصر والتوفيق، فلله تعالى المنة والفضل.
وقد كان قطز رحمه الله قدوة في كل شيء، فقد كان قدوة في أخلاقه وفي نظافة يده وفي جهاده وفي إيمانه وفي عفوه، وفي كل شيء.
فلم يشعر الجنود أبداً بأنهم غرباء عن قطز ، فقد نزل رحمه الله بنفسه إلى خندق الجنود وقاتل معهم، فكان حتماً أن يقاتلوا معه.
وأما قطز رحمه الله فقد كان واضح الرؤية، وقد تحقق له هذا الوضوح في الرؤية بفضل تمسكه بشرع الله عز وجل، فلم يوال كافراً أبداً على حساب المسلمين.
وقد رأينا في هذه السلسلة الذين تعلقوا بالدنيا كيف كانت حياتهم وطموحاتهم وأحلامهم، ثم كيف باعوا أنفسهم وشعوبهم وأخلاقهم، بل وعقيدتهم من أجل أغراض رخيصة جداً من أغراض الدنيا، ورأينا كيف عاشوا في ذلة ثم ماتوا في ذلة كذلك، فقد رأينا محمد بن خوارزم ، وجلال الدين بن خوارزم ، والمستعصم بالله ، وبدر الدين لؤلؤ ، والناصر يوسف الأيوبي .. وغيرهم وغيرهم، كل هؤلاء عاشوا في ذلة وماتوا في ذلة.
وأما قطز رحمه الله فقد فطن إلى هذا المرض الذي ابتلي به هؤلاء الضعفاء فزهد فيه وتجنبه، وعلم أن متاع الدنيا مهما زاد فهو قليل، وأن نعيمها مهما كان له بريق فهو زائل ومنقطع، فلذلك لم يفتن بالدنيا لحظة، ولم يطمع فيها قيد أنملة، بل حرص على أن يبيع دنياه كلها، ويشتري الجنة، فترك المال الغزير الذي كان تحت يده، ولم يطمع فيه، وباع ما يملك ليجهز جيوش المسلمين المتجهة لحرب التتار، ولم يطمع في كرسي الحكم, فعرض القيادة على الناصر يوسف الأيوبي على ضحالة قدره إذا قبل بالوحدة بين مصر والشام، ولم يطمع رحمه الله في استقرار عائلي أو اجتماعي أو أمن وأمان، بل كرس حياته للجهاد والقتال على صعوبته وخطورته، بل لم يطمع في طول حياة، فقد خرج بنفسه وهو الشاب الصغير على رأس الجيوش ليحارب التتار في حرب مهلكة، ولا شك أنه كان يعلم أنه سيكون أول المطلوبين للقتل، لكنه كان مشتاقاً بصدق إلى الجهاد، ومتمنياً للموت في سبيل الله، فقد كان زاهداً حقاً في الدنيا، ولم يتردد لحظة، وكانت حياته تطبيقاً عملياً جداً لكل كلماته؛ لذلك أعطاه الله عز وجل الدنيا التي فر منها، وأعطاه الكرسي الذي زهد فيه، وأعطاه الغنائم الهائلة والمال الوفير الذي لم يحرص عليه أبداً، فعاش رحمه الله عزيزاً شريفاً، رافعاً رأسه، معزاً لدينه، محبوباً من شعبه، مرهوباً من أعدائه.
فرحم الله هذا العلم الجليل والقائد الفذ قطز الذي تعلمنا منه وما زلنا نتعلم كيف يعيش المسلم بالقرآن، وكيف تخالط كلمات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كل ذرة في كيانه.
ونسأل الله عز وجل أن يصلح آخرته كما أصلح دنياه، وأن يعزه أمام الخلائق يوم العرض الأكبر، كما أعزه في عين جالوت، وأن يكتب اسمه في سجل الصادقين المخلصين المجاهدين، كما كتب اسمه قبل ذلك في سجل الخالدين.
هذه هي أسباب النصر في هذه الموقعة الجليلة.
نسأل الله عز وجل أن ييسر لنا تحقيقها حتى نرى رجلاً أو رجالاً كـقطز ، وحتى ننعم بنصر أو انتصارات كعين جالوت، وما ذلك على الله بعزيز.
كما نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر