إسلام ويب

سلسلة التتار المتساقطونللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تفرق الصفوف، واختلاف القلوب، ونسيان روح الأخوة بين المسلمين، والتناحر والاقتتال بينهم أمراض أدت إلى تسليط التتار عليهم، وإلى ذلهم وهوانهم، فكانت سبباً للهزيمة والخذلان، وسلبهم الممالك والبلدان، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فهذه هي المحاضرة الثالثة من محاضرات قصة التتار: من البداية إلى عين جالوت.

    تحدثنا في الدرس السابق عن الاجتياح التتري الرهيب الذي عانى منه المسلمون في سنة (617هـ)، ورأينا المجازر الشنيعة في سمرقند، ومرو، ونيسابور.. وغيرها، ثم تحدثنا عن الانتصار المرحلي الذي حققه جلال الدين بن محمد بن خوارزم على التتار في غزنة؛ وذلك بعد أن وحد بعض جيوش الدولة الخوارزمية، ووقفنا على الانتصار الثاني لـجلال الدين على التتار في كابل، والذي كان من نتيجته أن حرر المسلمون عشرات الآلاف من أسرى المسلمين وقتلوا عدداً كبيراً من التتار.

    ثم تمكن المسلمون من شيء يعتبره كثير من الناس نعمة، ولكنه كثيراً ما يكون نقمة، هذا الشيء هو غنائم الدنيا، وكم أهلكت الدنيا من مسلمين!

    روى البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).

    وقد كانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض الدنيا العضال، إلا من رحم الله عز وجل، وكانت حروبهم حروباً مادية قومية، وحروب مصالح وأهواء، ولم تكن حروباً في سبيل الله عز وجل، بل كانت لحب البقاء، والرغبة في الملك، والخوف من الأسر والقتل، وكان لهم انتصاران على التتار، ولكن ظهرت خبايا نفوسهم عند كثرة الأموال والغنائم، ووقع المسلمون في الفتنة، واختلفوا على تقسيم الغنيمة، فقام سيف الدين بغراق أمير الترك وملك خان أمير مدينة هراة يطلبان نصيبهما من الغنائم، وحدث الاختلاف وارتفعت الأصوات، ثم ارتفعت السيوف؛ ليتقاتل المسلمون على تقسيم الغنيمة، وجيوش التتار مازالت تملأ معظم مدن المسلمين، وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين، وكان ممن سقط أخ لـسيف الدين بغراق ، فغضب غضباً شديداً، وانسحب من جيش جلال الدين ومعه (30000) مقاتل، فحدث ارتباك كبير جداً في جيش المسلمين، وحاول جلال الدين حل المشكلة، فأسرع إلى سيف الدين بغراق محاولاً إقناعه بالعودة إلى صف المسلمين، فالمسلمون في حاجة إلى كل جندي، وإلى كل طاقة، وفوق هذا فإن الانسحاب سيؤثر على معنويات بقية الجيش؛ لأن الفرقة التركية التي انسحبت هي أقوى فرقة في الجيش، ولكن سيف الدين بغراق أصر على الانسحاب وانسحب بالفعل، فانكسر جيش المسلمين انكساراً هائلاً مادياً ومعنوياً، ولم يفلح المسلمون -ولا حول ولا قوة إلا بالله- في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في غزنة وفي كابل.

    روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)، فلم يدرك المسلمون في هذه الآونة حقيقة الدنيا، وأنها دار استخلاف واختبار وامتحان، وليست دار قرار وبقاء وخلود.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088959793

    عدد مرات الحفظ

    780166667