إسلام ويب

إنهم فتية آمنوا بربهمللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر سبحانه وتعالى في سورة الكهف قصة الفتية الذين آمنوا بربهم، وفروا من قومهم بدينهم، وفي قصتهم عظة وعبرة، وبيان لأن طريق الدعوة محفوف بالمكاره والمخاوف، لذا كان على الدعاة إلى الله عز وجل أن يوطنوا أنفسهم على تحمل التبعات والمشاق، وأن يوقنوا بأن العاقبة لهم، وأن الله سيجعل لهم فرجاً ومخرجاً، فهو غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

    الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه: أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنّة وفضلاً، فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له بالفوز في الجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته.

    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبون عن هديه إلى صراط الجحيم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.

    فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه، كما وحّد الله عز وجل وعرّفنا به ودعا إليه وسلّم تسليماً.

    أما بعد عباد الله:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

    قوله عز وجل: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:9-13].

    أصحاب الكهف -عباد الله- هم فتية في ريعان الشباب وفي سن الشهوة والقوة والفتوة، اعترضوا على قومهم فقالوا: هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا * وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا [الكهف:15-26].

    على طريقة القرآن على سرده للقصص، ذكر الله عز وجل القصة مختصرة أولاً من أجل التشويق إلى سماعها، فقال: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9] إلى آخر الآيات الثلاث، ثم سرد القصة بالتفصيل بعد ذلك، كما ذكر في قصة بقرة بني إسرائيل، ابتدأت القصة بقول الله عز وجل: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، وليس هذا هو الترتيب الزمني للقصة، بل هو بعد ذلك: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:72].

    فابتدأت القصة من أجل التشويق من طرف القصة أو من وسطها، يحكي الله عز وجل في سورة الكهف قصة هؤلاء الفتية، وهي قصة من قصص الإيمان، قيل: كانوا نصارى، ورجّح الشنقيطي بأنهم كانوا من اليهود؛ لأن اليهود كان عندهم خبر بذلك، فلما أرسل مشركو مكة إلى يهود المدينة يسألونهم عن أشياء يختبرون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم: سلوه عن الفتية الذين خرجوا في الزمان الغابر، وكان من شأنهم ما كان، وسلوه كذلك عن الرجل الذي ملك المشارق والمغارب -أي ذو القرنين - وسلوه عن الروح، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: سأخبركم، ونسي أن يستثني فعاتبه الله عز وجل بقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا [الكهف:23-24].

    في أي مكان كانوا؟ وما أسماء هؤلاء؟ وما وصف كلبهم؟ طريقة القرآن في القصص أن يسكت عن التفصيلات التي ليست فيها عبرة وعظة؛ لأن القصص القرآني لا يساق من أجل تضييع الأوقات، وأن يقضي الإنسان وقتاً مع القصص كما في قصص أصحاب الدنيا من تضييع للأوقات والساعات، ولكنه يرتقي بمستوى الأمة الإيماني، ويغرس المعاني الإيمانية الشريفة، ويسكت عن التفصيلات التي ليست فيها عبرة وعظة، يقول عز وجل: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9].

    قال الشنقيطي : (أم) بمعنى بل والهمزة: أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً، أو بمعنى: بل حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانون من آياتنا عجباً، أي: لا تحسب يا محمد أن المعجزات والكرامات التي حصلت مع أصحاب الكهف كانت من أعجب آياتنا، فهم أناس يخرجون ويفارقون قومهم؛ لأنهم يعبدون مع الله عز وجل غيره، ويُعلنون توحيدهم لله عز وجل، ويفارقون قومهم وهم في ريعان الشباب، وفعل الله عز وجل بهم هذه الأعاجيب هذا في مقاييس البشر، ولكنها بالنسبة إلى قدرة الله ليست من الأمور العجيبة، بل في الوجود ما هو أعجب منها، فخلق السماوات والأرض أعجب من ذلك بكثير، فهم أناس ضرب الله عز وجل على آذانهم فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، وألقى الله عز وجل عليهم المهابة، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف:18] قيل: ناموا وأعينهم مفتوحة، حتى يظن من رآهم أنهم في يقظة، وهم نائمون وحجب الله عز وجل حسهم، وضرب الله عز وجل على آذانهم حتى يبلغ الكتاب أجله، وحتى يبقوا المدة التي قدّرها الله عز وجل، فهي وإن كانت عجيبة في مقاييس الناس، لكنها بالنسبة إلى قدرة الله عز وجل ليست من أعجب العجائب، أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ [الكهف:9] قيل الرقيم: اسم كلبهم، وقيل الرقيم: اسم مدينتهم، وقيل الرقيم: اسم الكهف الذي كانوا فيه، ورجّح الشنقيطي أن الرقيم هو لوح كُتب عليه أسماؤهم وخطة خروجهم، وقيل: كُتب عليه شريعتهم.

    قال بعضهم: هو لوح من الذهب كُتب عليه أسماؤهم، أو لوح من الرخام أو من الحجارة كُتبت فيه قصتهم أو كُتبت فيه أسماؤهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088985366

    عدد مرات الحفظ

    780375908