والشيخ في هذا الدرس شرح لهذا الحديث العظيم، وهو من ضمن شروحه لأحاديث في صحيح البخاري.
إن البرية يوم مبعث أحمدٍ نظر الإله لها فبدل حالها |
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها |
لبس المرقع وهو قائد أمةٍ جبت الكنوز فكسرت أغلالها |
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها |
في الأثر: (إن الله سبحانه نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب).
ثم أغاث الله الناس بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى أهل البيوت التي بنيت من الشجر، وفي كهوف الجبال ومن الأعلاف، وجاء إلى أهل الثياب الممزقة من الأعراب والقبائل المتناحرة المتقاتلة، فجمعهم تحت راية لا إله إلا الله، فكان صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق في غزوة الأحزاب، ومعه المعول بيده الشريفة، وقد ربط على بطنه حجرين من الجوع صلى الله عليه وسلم، وأخذ المنافقون يتسللون لواذاً ويفرون، ويقولون: أيعدنا هذا أن نفتح قصور كسرى وقيصر، ولا يأمن أحدنا أن يبول في هذا المكان، ثم يتضاحكون كلما أخبرهم صلى الله عليه وسلم، فينزل عليه أفضل الصلاة والسلام، فيضرب بمعوله في الأرض، فإذا بنورٍ يلمع فيقول: (أريت قصور كسرى، وقد أرانيها الله سبحانه وتعالى وسوف يفتحها على أمتي، ثم ضرب ضربة أخرى فإذا نورٌ يلمع فقال: وهذه قصور قيصر أرانيها الله سبحانه وتعالى وسوف يفتحها على أمتي).
ونفذ الله سبحانه وتعالى ما وعد، وصدق الله ورسوله، ففتحنا بلا إله إلا الله ثم بالسيوف المثلمة وبالرماح التي مضى عليها الأمد قصور الدنيا، وعبرنا المحيطات والبحار بلا إله إلا الله، وصار الأعراب أمراء على الأقاليم، حتى إن سعداً رضي الله عنه لما دخل المدائن عاصمة كسرى بكى، ثم قال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:25-29].
مرت سحابة على بغداد، فذهبت ولم تمطر فقال هارون الرشيد: أمطري أنى شئتِ؛ فإن خراجك سوف يأتيني بإذن الله.
فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني |
ونحن في مثل هذه الأوقات نجلس في رياض محمد صلى الله عليه وسلم، مع المعلم الأول، مع الذي رفع رءوسنا يوم كانت مخفوظة، والذي فتح قلوبنا بعد أن كانت غلفاً، وفتح أعيننا بعد أن كانت عمياً، وأسمع آذاننا بعد أن كانت صماً، فرفع رءوسنا على الأمم حتى قال الله فينا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] في تاريخ الإنسان وحياته هم خير أمةٍ أخرجت للناس وذلك إذا كانوا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
وكما أسلفنا في بعض الأحاديث التي مرت، وهي من رياض محمد صلى الله عليه وسلم نكتبها في كل درس، والمقصود هو اتصال القلوب بهذا النور الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم؛ التمسوها في السبع والتسع والخمس) وقد أتى الإمام البخاري بهذا الحديث في باب الإيمان.
ذلك لأن الأرض التي لا تطلع عليها شمس الرسالة هي أرضٌ ملعونة، فقال عمر [[ قبح الله أرضاً لست فيها أنت وأمثالك، فعد إلى الشام]].
وكتب إلى معاوية: [[ لك إمرة على أهل الشام جميعاً إلا على عبادة، فليس لك إمرة عليه فهو أمير عليك وأنت لست بأمير عليه]].
فلما ذهب عبادة إلى هناك كان يقول ويفعل على نور من الله سبحانه وتعالى، يتكلم معاوية وهو مسدد خال المؤمنين رضي الله عنه، ولكن الأنصار ربما لا تعجبهم بعض الكلمات التي تصدر فيتأولون، فيقوم عبادة ويقاطع كلام معاوية ويقول: لا سمع ولا طاعة، فيقول معاوية: ما لك يا عبادة؟ قال: [[إنك ما كنت معنا يوم بايعنا رسول صلى الله عليه وسلم على أن نقول الحق لا نخشى لومة لائم]] فهو من أهل العقبة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كانت يد الله فوق أيديهم، فصدقوا ما عاهدوا عليه الله عز وجل.
ولذلك يقول عبد الله بن رواحة: {لما بايعنا رسول صلى الله عليه وسلم قمت من وسط القوم وكنت شاباً، فقلت: يا رسول الله ما لنا إذا بايعناك؟ وما علينا إذا بايعتنا؟ قال: فحصبني الأنصار -يعني: رجموه بالحجارة حياءً من الرسول صلى الله عليه وسلم- فقال لهم صلى الله عليه وسلم: لي عليكم أن تمنعوني مما تمنعوا منه نسائكم وأولادكم وأموالكم؛ فإذا فعلتم ذلك فلكم الجنة، فقام
فأخذها بيعة عند الله عز وجل، فوفى لله بما بايع: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
أخبر بأسمائهم صلى الله عليه وسلم، ولكن الراوي لم يخبرنا بأسمائهم تشريفاً لهم؛ لأنه موطن شجار لا يذكرون فيه، أما لو كان موطن مدح ورفعة وتقدير وفداء وتضحية، لكان أخبرنا بهما رضوان الله عليهم وأرضاهم.
قال أهل العلم: كان يعرفها صلى الله عليه وسلم فأنسيها من الله عز وجل، وقال بعضهم: إنه يعرفها ولا يزال يعرفها، ولكن رفع الأمر بتعريف الناس بها، والصحيح أنه كان يعرفها صلى الله عليه وسلم ثم أنسيها، ولو كان يعرفها لأخبر بها الناس، فإنه يقول: {فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس} السبع والتسع والخمس التي ذكرها صلى الله عليه وسلم من ليالي رمضان، وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم السبع؛ لأنها الراجح، وعليه كلام أبي بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، وكلام ابن مسعود وعائشة، ولكن الظاهر من الأدلة أنها تتنقل، وأنها لا تثبت، ولكن أرجحها وأرجح ما تأتي في ليلة السبع.
قال أهل التفسير: نزلت في أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما عندما أتى وفد بني تميم، واختلفوا أيهم يؤمر على قومه، فقال أبو بكر: أرى أن يؤمر القعقاع بن معيد وقال عمر: أرى أن يؤمر الأقرع بن حابس.
فلما سمع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم سكت فقال أبو بكر: ما أردت يا عمر إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما على رسول صلى الله عليه وسلم، فلما أنزل الله ذلك، قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: والله لا أكلمك إلا كأخي السرار، أي: أخفض صوتي لك، وكان صلى الله عليه وسلم لا يسمع عمر حتى يستفهمه من لطافة صوته وأدبه مع رسول صلى الله عليه وسلم.
فالمقصود أن رفع الصوت ليس من الأدب في الأخذ والعطاء، ولذلك يقول سبحانه وتعالى في وصية لقمان لابنه: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:19] لأن صاحب الحق صوته متزنٌ ووقور.
وإنما يرفع الصوت في مقامات وردت بها السنة، منها الخطابة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته، ويشتد غضبه، وتحمر عيناه الشريفتان كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم.
ومنها الصوت عند النداء في المعركة، إذا نادى بالإقبال على المعركة؛ فإنه يرفع الصوت كما فعل العباس في حنين رضي الله عنه وأرضاه.
فمسائل هذا الحديث أن الشجار قد يرفع البركة ولو كان في خير، وأن الاختلاف والتنازع مذموم، فلبركته صلى الله عليه وسلم أتى ليخبر الناس، فلما تشاجروا رفعت هذه البركة، ولعل رفع الله خير من الزهد في العمل في التماس هذه الليلة، ومن أسرار هذا الدين أن بعض الأمور فيه مبهمة، لم يخبرنا الله سبحانه وتعالى بها، فساعة الجمعة لم يخبرنا بها نصاً؛ وإنما تلميحاً، وهي في آخر ساعة من ساعات الجمعة على الصحيح، فبقيت ساعة الجمعة مختفية ومبهمة، لنجتهد ونبذل وسعنا فيما يقربنا من الله عز وجل.
فالسبب: أن الله سبحانه وتعالى منع الصحابة أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوقت وقت تشريع، فكلما سألوا عن شيء أحرامٌ ذاك؟ يمكن أن يقول: حرام؛ لأن وقت التشريع ووقت النزول ليس من المصلحة فيه كثرة الأسئلة، حتى لا تقع الأمة فيما وقع فيه بنو إسرائيل، فإن الله عز وجل أمرهم على لسان موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[لو أخذوا بقرة فذبحوها لأجزأتهم، لكن قالوا: ما هي؟ فأخبرهم، فلو أخذوا على هذا الخبر لأجزأتهم، فقالوا: ما لونها؟ فلما أخبرهم باللون عادوا مرة ثالثة فقالوا: ما هي؟ فشددوا فشدد الله عليهم، حتى ما وجدوها إلا بملء جلدها ذهباً؛ لأنها كانت فريدة في زمانها]] هذه البقرة أوصافها فريدة فما وجدوها إلا بعد كلفة.
قال أنس رضي الله عنه وأرضاه: {كان يعجبنا الرجل العاقل يأتي من البادية، فيسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع}.
وقال أنس: الرجل العاقل: يخرج غيره، لأن بعض الأعراب سألوا أسئلة ضيعت الوقت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وضيعت كذلك أوقات الصحابة، جاء رجلٌ من الأعراب -كما يروي أهل السير وأهل الحديث- إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن كان هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فسوف يخبرني أين ناقتي، فربط ناقته في وادٍ من الوديان، وأتى فقال: يا رسول الله! أين ناقتي؟ فقال عمر: ثكلتك أمك وما دخل رسول صلى الله عليه وسلم بناقتك، فأجلسه صلى الله عليه وسلم واستحيا منه.
وجاء رجل من الأعراب فقال: يا رسول الله! ما هذا الدجال الذي تذكره في صلاة الجمعة؟ قال: {رجل يفتن الله سبحانه وتعالى به الناس به، وعنده جنةٌ ونار، وعنده ثريد -والثريد هذا لحمٌ وخبز يغر الناس به فيأكلون منه- قال الأعرابي: فماذا يفعل إذا أكلنا من ثريده؟ قال: يغريكم يقول: هذه جنة وهذه نار، فناره الجنة، وجنته نار قال الأعرابي: والله لآكلن من ثريده حتى أشبع وأتضلع ثم أكفر بجنته وبناره، فضحك صلى الله عليه وسلم}.
يقول عليه الصلاة والسلام لأحدهم: {ماذا تقول يا فلان في آخر التحيات قبل أن تسلم؟ قال: أسأل الله الجنة وأستعيذ بالله من النار، وأما دندنتك ودندنة
وأنتم تعرفون أن أهل العلم يوردون في باب سماحته صلى الله عليه وسلم، وتحمله للسائل حديث أنس قال: {كنا جلوسٌ معه صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأتى رجل فدخل، فتخطى رقاب الناس حتى جلس بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ما لبث أن قام، فاستعرض المسجد، فبال في طرف المسجد، فقمنا عليه لنضربه، فقال صلى الله عليه وسلم: اتركوه ولا تزرموه، فلما انتهى قال صلى الله عليه وسلم: علي بدلو من ماء، فأتي بدلو من ماء، ودعا صلى الله عليه وسلم الرجل، فأجلسه بجانبه، ووضع صلى الله عليه وسلم يده على كتفيه ليستأنس، ولئلا يخاف ويستوحش منه صلى الله عليه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن} فتوضأ الرجل كما أمره صلى الله عليه وسلم، ثم قام يصلي، فقام في الصف الأول وراء النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فلما أوشك صلى الله عليه وسلم أن يسلم رفع هذا الدعاء وقال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً، فسلم صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى الناس يتبسم عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو يدري أنه هذا؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يبهت الناس ويقول: يا فلان! لماذا قلت كذا؟ بل يقول صلى الله عليه وسلم: من القائل آنفاً كذا وكذا؟ فسكت الناس، فأعادها صلى الله عليه وسلم فقال: أنا يا رسول الله! -ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يعطيه جائزة- فقال: لقد حجرت واسعاً، أو تحجرت واسعاً، أو ضيقت واسعاً، فرحمة الله عز وجل وسعت السماوات والأرض، وأنت ضيقتها لي ولك، ثم قام هذا الرجل بعد أن علمه صلى الله عليه وسلم.
فتحمله صلى الله عليه وسلم مطلوبٌ منه، والسؤال هو: لماذا لم يرد صلى الله عليه وسلم هذه الأسئلة التافهة ويرفضها من أول الطريق؟ لأنه لو رفضها عليه أفضل الصلاة والسلام لارتد هؤلاء؛ فكان يريد أن يتألف قلوبهم، والله يقول: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] لو قال صلى الله عليه وسلم: أنا لا أجيب على هذا السؤال، أو ما هذا السؤال التافه؟ يمكن أن يرتد الإعرابي، ولا يسلم أبداً.
ولذلك أتى إعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث مع الصحابة، فقال:{يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك؛ لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فتبسم صلى الله عليه وسلم وتغيرت وجوه الصحابة، فأرادوا أن يبطشوا به، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه، ثم أخذه صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وأدخله بيتاً فيه تمر وزبيب وقال: خذ من هذا ما أردت، قال: جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً، قال: أوما أجملت معك؟ قال: جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرا، قال إذا خرجت أنا وأنت عند أصحابي فقل لهم هذا الكلام حتى يرضوا عنك؛ فإنهم وجدوا عليك في أنفسهم، فلما خرج به صلى الله عليه وسلم قال: يا فلان أأجملت معك وأحسنت؟ قال: نعم. فجزاك الله عن أهلٍ وعشيرة خيراً، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: إن مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي كرجلٍ كانت له دابة فنفرت، فأتى الناس يلحقونها، فما يزيدونها إلا نفاراً، فقال صاحبها: خلوا بيني وبين دابتي، ثم أخذ من حشائش الأرض -يعني من برسيم الأرض أو من خضرة الأرض- فأخذ يلوح للدابة حتى جاءت فأمسكها، فلو تركتكم وهذا لطردتموه، ثم عاد كافراً، ودخل النار} فأعطاه صلى الله عليه وسلم وأدخله في هذا الدين.
فأتى جبريل عليه السلام ولم يعلم الناس حتى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي دخل، أولاً: لأن الله عز وجل لم يوح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن جبريل سوف يأتيك ليسألك أسئلة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتجهز بالإجابة، ولم يذاكر ولم يراجع معلوماته في هذه الأسئلة العظيمة، إنما كان ذلك مع الصحابة، وجبريل أتى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ لأنها أشرف بقعة يتناول فيها العلم؛ لأن في المسجد نوراً وبركة وهداية، فمن أراد الفائدة والعلم فعليه بالمسجد.
ثانياً: لأنه أتاه في صورة رجل؛ لأنه لو أتى في صورته التي خلقه الله عليه لخرج الصحابة من العوام من المسجد فراراً؛ يقول صلى الله عليه وسلم: {أريت جبريل مرتين على صورته التي خلقه الله عليها} ولما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في حراء ارتعد خوفاً، وقفل يقول: زملوني زملوني، وهو صلى الله عليه وسلم من أولي العزم، فما بالك لو رآه أحد الصحابة على هذه الصورة، أين ستكون قلوبهم آنذاك وعقولهم؟!
ودخل جبريل في صورة إنسان جميل، وكان يأتي في صورة دحية الكلبي، وهو رجلٌ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أجمل الناس، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرسله إلى الملوك وفداً بالرسائل؛ لأنه يختار السمة والشارة الطيبة، فيختار دحية بن خليفة الكلبي من بني كلب، حتى قال بعض الصحابة: رأيت دحية مر اليوم عليه عمامة، وهو جبريل عليه السلام، وجبريل لا يراه إلا أهل الكرامة من الصحابة رضوان الله عليهم.
حتى إن العباس بن عبد المطلب دخل هو وابنه عبد الله على الرسول صلى الله عليه وسلم، فسلم العباس وسلم ابنه عبد الله، فرد صلى الله عليه وسلم فأتى العباس يكلم الرسول صلى الله عليه وسلم فما كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ ابنه عبد الله وخرج، وقال: كيف أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمني؟ قال: أما ترى الرجل الذي يكلمه؟! قال: ما عنده رجل، قال: والذي نفسي بيده إن عنده رجلاً جالساً، فعادا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يجدا رجلاً، فقال: يا رسول الله إن عبد الله يقول: إن عندك رجلاً ولم أر عندك أحداً، قال: يا عبد الله! أرأيته؟ قال: نعم رأيته بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قال: هذا جبريل، وهذه كرامة لـعبد الله لما علم الله في قلبه من اليقين والإيمان، ولم يرها أبوه لأمرٍ علمه الله عز وجل.
ويقول سعد بن أبي وقاص: [[رأيت الملائكة يوم أحد]] ورئيت كذلك يوم بدر، أما سعد فرآها يوم أحد نزلت وعليها الثياب البيض والعمائم البيض مسومة، وقاتلت مع الناس.
إنما أتى جبريل عليه السلام فدخل المسجد والناس جلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عمر: {ولا يعرفه منا أحد} لماذا؟
يقول: {شديد بياض الثياب}. والمسافر الذي يمضي على رجله لا بد أن تتسخ ثيابه وتغبر؛ لكن هذا ما اتسخت ثيابه، وثيابه بيضاء؛ لأنه نزل من السماء للتو؛ لكن لم يدر الناس أنه نزل من السماء.
{شديد سواد الشعر}: أي أنه ليس فيه غبار السفر ولا شعثه، فدخل حتى جلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فجلس على ركبتيه كما نجلس في التحيات، وهي من أحسن الجلسات كما أنها جلسة المتواضعين، فلذلك جعلها الله عز وجل من سنن الصلاة كما سنها صلى الله عليه وسلم، وهي جلسة طالب العلم عند المعلم إذا كانوا جلوساً على أرضٍ سواء.
{فجلس فأدنى ركبتيه من ركبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ووضع يديه على فخذيه} قال بعض أهل العلم: هما يدا جبريل على فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل يدا جبريل على فخذيه، والصحيح أنه على فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: ذلك ليبعد الشبهة عن نفسه، وليظهر بعض الجفاء، فإنه وضع يديه على ركبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يظن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ملك من السماء، فيظن أنه من الناس، ثم بدأ بالأسئلة، وهذه الأسئلة عرضها البخاري، ولكنها معروضة في مسلم وسوف أذكر اختلاف الرواية.
{فلما أخبره بالإسلام قال: صدقت} فتعجب الناس كيف يسأله ويصدقه، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليه؛ لأن السائل لا يقول للعالم: صدقت؛ لأن من يقول: صدقت هو أعلم منه، كأن تسأل العالم في مسألة وأنت لا تعرفها، فإذا أفتاك قلت: صدقت، من علمك أنه صدق أو كذب أو أنه أصاب وأخطأ؟ إذاً فأنت أعلم منه، فمادمت أنك تصدقه فأنت أعلم منه، قال عمر: {فعجبنا له يسأله ويصدقه}.
قال أحد العلماء المالكية: إن السبب في إنكار ذلك (يسأله ويصدقه) أن هذه أمورٌ غيبية لا يعلمها إلا الله عز وجل، فهي لا تأتي إلا من مشكاة النبوة، فلما قال: صدقت كأنه يعرفها فأنكروا عليه، قال: {ثم قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: صدقت} هنا لم يذكر الحج، وذكره في بعض الروايات، وعدم ذكره في بعض الروايات تصرف من بعض الرواة؛ لأنه علم أنه لما ذكر عليه الصلاة هذه الأركان علم أنه سوف يكمل الحج، وأنه من الأركان فاستفادوا ذلك، وهذا من باب الاختصار والإشارة، وقيل: لا، بل كان هذا النزول قبل أن يفرض الحج وهذا كأنه بعيد؛ لأن بعض أهل العلم كما يقول الحفاظ إذا لم يجد مخرجاً للرواية، ولم يجد رواية ثابتة قال: يمكن أن تكون متقدمة، ويمكن أن تكون هذه ناسخة لها وهذه منسوخة، وهذا لا دليل لهم عليه، بل ذكر صلى الله عليه وسلم الحج.
أولاً: اعلموا أن هذا الحديث مقامه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كمقام الفاتحة من سور القرآن، فإنه حوى أحكام الإسلام وآداب الإسلام، وكل دقيقة وجليلة في الإسلام، فالفاتحه موجز القرآن، وتفصيل هذا الموجز كله في القرآن، وهذا موجز لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفصيل موجز كلامه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بكل حديثٍ له، فهو من أعظم الأحاديث في الإسلام، وهو قاعدة من قواعد هذا الدين، ومن أتم الأصول عند المسلمين، ولذلك لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يوقظ الناس ويعلمهم ويفهمهم أنزل جبريل، فسأل هذه الأسئلة العظيمة الجامعة التي يحفظها جميع الناس.
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15] قال بعض أهل العلم: معنى أكاد أخفيها: أكاد أظهرها؛ من باب التضاد.
قال: سأنبئك عن أشراطها، ولم يذكر هنا إلا علامتين، فكيف يقول: أشراطها ولم يذكر إلا علامتين؟ قالوا: إن أقل الجمع اثنان، أو أنه ذكر شرطاً آخر لم يذكره الراوي هنا.
قال: {إذا ولدت الأمة ربتها} وهنا: {إذا ولدت الأمة ربها} ولا خلاف بين ربتها وربها، والمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أنه في آخر الزمان سوف ينشر الله هذا الدين، وينتصر المسلمون، ويسبون السبي، فيأخذ المسلم أمة، فتنجب له ولداً، يصبح هذا الولد سيداً لها؛ لأنه ابن سيدها، وهذا المعنى هو الذي تميل إليه النفس من أربعة معاني ذكرها أهل العلم.
والمعنى الثاني: أن العرب تكون سادة لغيرهم من الأمم، وهو بعيد.
والمعنى الثالث: أنها تختلط الأنساب في آخر الزمان حتى تلد الأمة ربها، أي: أنها تصبح عنده الأم يتزوجها، وهذا بعيد ونسأل الله العافية؛ لأن اختلاط الأنساب من المفاسد التي لا يقرها الدين، لكن الصحيح أنه يتسرى المسلمون في آخر الزمن إذا انتصروا على الأعداء، فإذا ولدت الأمة ابناً أصبح هذا الابن ابن سيدها، فأصبح سيداً لها.
{ وإذا تطاول رعاة الإبل البهم} قال أهل العلم: البهم: إما صفة للإبل أي أن لونها أبهم، أو أنها صفة لرعاة الإبل أنهم بهم عميٌ صم، أي لا يفقهون في الدين شيئاً، يبنون القصور وهم لا يعرفون كيف يصلون، فهذا من علامات الساعة إذا تحضر البدو وبنوا القصور، وتزاحموا في بناء البيوت، فهذه من علامات الساعة التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم.
{وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان} (رعاةُ الإبلِ البهمُ) بالرفع على أنها صفة للرعاة، و(رعاةُ الإبلِ البهمِ) بالكسر على أنها صفة للإبل.
{في خمسٍ لا يعلمهن إلا الله} أي أن هذه الخمس استأثر الله بعلمها: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34] والسر في قوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34] أن الدراية غير العلم؛ لأنه لو قال سبحانه وتعالى: وما تعلم لاقتضى أنها تدري بعض الشيء، لكن لما قال: ولا تدري فهو يحوط كل العلم أي أن الدراية علمٌ وزيادة.
ثم خرج جبريل وقام من بين الناس رضي الله عنه وأرضاه فأدبر، فقال صلى الله عليه وسلم: {ردوه} لأنه يظن صلى الله عليه وسلم أنه رجل وأراد صلى الله عليه وسلم أن يسأله: من أين أتيت؟ وماذا تريد؟ فخرج هذا الرجل فالتمسوه في سكك المدينة فلم يجدوه، فرجعوا فأخبروا صلى الله عليه وسلم قالوا: ما وجدناه، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {هذا جبريل جاء الناس يعلمهم أمر دينهم} قال أهل العلم: يمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف في تلك الساعة من الله أنه جبريل، أو يمكن أنه عرف بالقرائن والأسباب أنه جبريل عليه السلام، فجعل ذلك صلى الله عليه وسلم كله ديناً، وأخبر الناس أن هذا هو الدين الذي أتى به جبريل من عند الله عز وجل، والذي أجاب عليه محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث هو الإسلام وهو الإيمان وهو الإحسان، وهو درجات أهل اليقين، فأول ما يبدأ الإنسان المرحلة الأولى في هذا الدين لا بد أن يتقيد بفرائض الإسلام التي ذكرها صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم عليه بالإيمان، وقد قال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] يعني أنهم تعدوا مرحلة، فردهم الله سبحانه وتعالى في المرحلة الأولى، يقول: ما نجحتم إلى الآن، فلا تدعوا درجة ليست لكم، وأما الإحسان فهي درجة المقربين، وهي أرفع درجة، وهي درجة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال بعض أهل العلم: وهي رسوخ العلم القلبي بالعيان بالإيمان حتى يكون الغيب كالعيان، وورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اعبد الله كأنك تنظر إليه، واستحي من الله كأحيا رجلٍ من قبيلتك} كما ترى أحياناً رجل تستحيي منه، فاستحي من الله أكثر وأكثر؛ لأن سبحانه وتعالى بيديه مقاليد القلوب، واعلم أن الله سبحانه وتعالى مطلع، وأن له معية -كما يقول أهل السنة والجماعة- خاصة في كل إنسان: فما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم، فهو مع كل فردٍ منا في الليل والنهار.
وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني |
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: أتى وفد عبد القيس، وهم من وفود العرب، وقد وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من اثني عشر وفداً عام الوفود، فما كان صلى الله عليه وسلم يستقبل وفداً ويودعه إلا والوفد الآخر قد نزل، وأتى هؤلاء الوفود في سنة تسع من الهجرة، يقول سبحانه وتعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] وخصص صلى الله عليه وسلم بلالاً لضيافة هؤلاء الوفد، فكان ينزلهم في دار الضيافة، فيجلسون ويغيرون ملابسهم، ويقابلون الرسول صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة، فيسمعون منه من الحكمة ويتعلمون ويتأدبون.
ووفد عبد القيس هؤلاء من ربيعة، وكانوا يسكنون في الأحساء، وهي البحرين في كتب التاريخ وفي كلام العرب، وليس البحرين التي عاصمتها المنامة، إنما هي الأحساء التي فيها مسجد جواثى.
يقول ابن عباس في صحيح البخاري: ثاني مسجد في الإسلام جُمّع فيه مسجد جواثى، فهو مسجد عبد القيس، اجتمعوا هذا اليوم، وكانوا ثلاثة عشر، وأورد ابن حجر في رواية أنهم كانوا أربعين، قال: ربما يحمل على أن الثلاثة عشر هم رؤساؤهم وأعيانهم، والبقية من الذين مضوا معهم ورافقوهم، فلما نزلوا في المدينة، وعمدوا إلى المسجد مباشرة، وهم بلباس السفر وغباره، فتخطوا رقاب الناس، وأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إلا أشج عبد القيس وهو سيدهم؛ فإنه نزل فربط جمالهم جميعاً بعد أن ذهبوا إلى المسجد، وأعلفها، ثم ذهب إلى النهر فاغتسل، ثم غير ثيابه، ولبس أحسن الثياب وتعمم، ثم تطيب، ثم أخذ عصا بيده، ثم دخل بهدوء وسكينة من المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم يلاحظه، فلم يتخط رقاب الناس، فجلس بأدبٍ وسكينة عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتفت صلى الله عليه وسلم إليهم قبل أن يتكلموا، وتبسم لهم جميعاً صلى الله عليه وسلم، ثم قال لـأشج عبد القيس: {إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة} أي: العقل والوقار والسكينة، والأناة: هي التثبت وعدم العجلة.
قال ابن القيم في زاد المعاد في كتاب الوفود: فيه ذم الطيش والعجلة، وأنها تورث صاحبها مضرة أكثر من المنفعة، وفيها أن الله عز وجل يجبل العبد على أخلاقٍ يرضاها تبارك وتعالى؛ لأن الجبل غير الجبر، فالجبر ليس في عقيدة أهل السنة والجماعة.
والجبل: هو أن يجبلك الله على أخلاق معينة، ومعظم الأخلاق تكون على الفطرة؛ ومنها الكرم والشجاعة.
ما آمنوا بالله ولا برسوله ولا بهذا الدين، ويقولون: اكتب لنا كتاب أمان، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا أمان لكم عندي، وإنما هي المصارمة والمقاتلة، وانتظروا يوماً كيوم أهل مكة} فاجتمعوا في بيت المغيرة وقالوا: ماذا ترون؟ قال المغيرة: أرى أنكم إن لم تفعلوا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يهدم بيوتكم على رءوسكم، فتعالوا فأسلموا وأطيعوا وآمنوا بما جاء به، فأتوا وأطاعوا فقال كنانة وكان عاقلاً من عقلائهم: إذا رجعنا إلى قومنا في الطائف قالوا: إنا قد أعطينا الدنية وربما قتلونا، فإذا أتينا ودخلنا عليهم في الطائف فسنظهر الغضب، وكلٌ منا لا يحدث الآخر، ونتشاتم ونحن في الطريق أمامهم، ثم لا نسلم عليهم، وندخل في بيوتنا مغضبين، فإذا سألونا ما لكم؟ قلنا: سوف يحاربنا محمد صلى الله عليه وسلم ويشن علينا الغارة؛ لأنا أبينا أن نترك الزنا والربا ونترك الخمر، فإنهم سوف يقولون لنا: اذهبوا إليه وقولوا: سوف نترك هذا وهذا؛ لأنه سوف يقاتلنا كما قاتل قريشاً، فلما قربوا من الطائف خرج أهل الطائف رجالاً ونساءً وأطفالاً، فتفرق هذا الوفد كل واحد على حدته، وأخذوا يتشاتمون ويتحاثون بالتراب على وجوههم، فقال لهم القوم: ما لكم ذهبتم جميعاً ورجعتم فرادى؟! ادخلوا معنا، فما كلموهم، ودخل كل واحد بيته، فاجتمع أهل الطائف جميعاً وقالوا: نرى أن تذهبوا إلى هذا الرجل وأن تعطوه ما أراد، وأن تكتبوا بينكم وبينه كتاباً؛ فإنا نخاف أن يوقع علينا الدائرة، فقال كنانة: هذا ما أردنا وقد فعلنا ما أردتم، فاجتمعوا جميعاً فأسلموا.
فرجع المغيرة إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرسل معي رجلاً يهدم اللات التي كانوا يعبدون، فقال: قم يا خالد، وهو رجل المهمات والطوارئ، فقام رضي الله عنه مع المغيرة، فلما ذهبوا قال المغيرة لـخالد وكان مزاحاً، سوف أضحكك وأضحك أهل ثقيف اليوم، قال: ماذا تفعل؟ قال: اتركني ولا تقرب هذه اللات؛ فإنهم يظنون أنها تقتل، وأنها تحيي وتميت، وأنها تنفع وتضر، فسوف أقعد عليها، ثم أصيح وكأنني مقتول، ثم أتقلب عليها، فقام بالفرس فضربها ضربة ثم شهق شهقة حتى سمع أهل ثقيف، فإذا هو ملقى على ظهره كأنه مقتول، فقال أهل ثقيف: لقد حذرناك يابن فلانة -يقصدون المغيرة - وقلنا لك: إنها تقتل الناس، فذق ما أتاك، وخذ يابن بني مخزوم -يقصدون خالداً - مثلما فعل صاحبك؛ تقدم إن كان فيك خير، فسكتوا، وأقبلوا يقلبون المغيرة ظانين أنه قد مات، فانتفض حتى وقف يضحك قال: قاتلكم الله يا ثقيف! أما عرفتم أن هذه حجارة لا تنفع ولا تضر، فقام خالد فهدمها من أساسها رضي الله عنه وأرضاه.
وكان منهم عروة بن مسعود قتله قومه قال صلى الله عليه وسلم: { إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه} يقول صلى الله عليه وسلم: { ورأيت عيسى كأنه
كل فتاةٍ بأبيها معجبة |
ولو أن وفد الأزد ضعيف سنده، لكن نقويه إن شاء الله.
قدم وفد الأزد على الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول الحارث وهو سابع سبعة أو ثامن ثمانية منهم: وفدنا على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأزد -من قبائل الجنوب (من هنا) لأن الأزد ينتسبون إلى قحطان كما تعرفون ذلك- فهم أزد شنوءة، وقد تفرقوا قسمين، قسم سكن السراة وقسم سكن عمان، ولا يهمنا هذا العمة والخالة والجدة؛ لأننا لا نرث عمان ولا يرثوننا؛ لكن من باب معرفة الشيء.
فأتى هذا الوفد، فقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فنزلوا وكانوا طوالاً في أجسامهم، وفيهم قوة كما صح، فلبسوا لباساً جميلاً، فلما نزلوا عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب كما في بعض الروايات عند ابن عساكر وغيره: [[يا رسول الله! هنا قومٌ كأنهم من الهنود]] لأنهم كانوا يوفرون لحاهم لا بقصد السنة فهم لا يعرفون السنة؛ لأنهم جاهليون، لكنهم يعدون من المروءة والشهامة ألا يأخذ الإنسان من لحيته شيئاً، وإذا قامت بينهم الحرب وعقد أحدهم لحيته فلا يفكها حتى يأخذ حقه، وينتقم ممن يقاتله، أو يأخذ بثأره، فقال صلى الله عليه وسلم: ترجموهم، فتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسألهم: {ممن القوم؟} لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن ينتسبوا إليه عليه أفضل الصلاة والسلام، فقالوا: مؤمنون، فتبسم صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {إن لكل قومٍ حقيقة؛ فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: خمس عشرة خصلة، خمسٌ أمرنا الله بها، وخمسٌ أمرتنا أنت بها، وخمسٌ تخلقنا بها من أخلاق الجاهلية، فتبسم صلى الله عليه وسلم أكثر وأكثر، وقال: ما هي الخمس التي أمركم الله بها؟ قالوا: أمرنا أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وأن نقيم الصلاة، وأن نؤتي الزكاة، وأن نصوم رمضان، ونحج البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: وما الخمس التي أمرتكم أنا بها؟ قال: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ونؤمن بالقضاء والقدر، فقال: وما الخمس التي تخلقتم بها من أخلاق الجاهلية؟ قالوا: الصدق في مواطن النفاق، والصبر على مر القضاء، وترك شماتة الأعداء، وشكر الله في الرخاء، وزادوا خامسة نسيتها، فتبسم صلى الله عليه وسلم ونظر إلى الناس وقال: علماء علماء، كادوا من علمهم أن يكونوا أنبياء، ثم زادهم صلى الله عليه وسلم قال: وأنا أزيدكم خمساً فتصبح عشرين لا تردوا ما لا تسكنون، ولا تدخروا ما لا تأكلون، واتقوا ربكم الذي عليه تعرضون وإليه تحشرون، وعنده تحاسبون} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فذهب الوفد وأجازهم صلى الله عليه وسلم بمثل ما يجيز الوفود، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، هذا وفد الأزد والجنوب الذي وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل المعجزات في مثل هذا الموقف حتى يزيد الإيمان، فعادوا فوجدوا هذا البطل قد نام، ووجدوا الرحال قد سرقت، فأتوا يلتمسون فعادوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله علمت أنها سرقت فأخبرنا: من سرقها؟ قال: {لقد أخذها قومٌ من الأعراب، وقد أخفوها تحت البطحاء في وادي كذا وكذا} فذهبوا فنقبوا فوجدوها، ثم عادوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأوصاهم، وكان منهم أبو صخر الذي له حديث في مسند أحمد وهو صحيح: {بارك الله لأمتي في بكورها} قال في الرواي: كان أبو صخر تاجراً فكان يغدو ويصبح، فكثرت تجارته حتى ما كان يدري أين وهطها.
فصدقه قومه بخرافته، فكتب رسالة للرسول صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله -قاتله الله- إلى محمد رسول الله؛ أما بعد: فلي نصف الأرض، ولك نصفها، لك المدر ولي الوبر، ولكن الناس أكثرهم لا يعدلون، وجعلها مثل آخر الآية!
فوصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأها مزقها صلى الله عليه وسلم ودعا عليه، ثم أرسل إليه صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد فقتله، وظل دجالاً حتى صفى حسابه أبو سليمان خالد بن الوليد في عهد أبي بكر فقاتله؛ فما علم أين القبلة هل هي في الشمال أو في الجنوب، ودخل عليه في حديقته، فقتله قتل عاد وثمود.
الجواب: لا تذبح عنه، إذا مات قبل الأيام السبعة؛ لأنه خسارتين يخسر الولد ويخسر الذبائح، فيتأكد حتى يعيش الولد، يقول ابن الجوزي: كان أحد الحمقى عنده حمار فمرض هذا الحمار وهو رأس ماله وميزانيته، ولا يملك من الدنيا إلا هذا الحمار، فنذر لله نذراً إن شفى الله الحمار أن يصوم سبعة أيام، فشافى الله حماره، فصام سبعة أيام، فلما انتهى من السبعة مات الحمار، فقال: ما سلمت من الصيام، ولا سلمت من بقاء الحمار، والله لأحتسبنها من رمضان، فلما أتى رمضان صام ثلاثة وعشرين يوماً، وخصم سبعة أيام، فهذا صاحب العقيقة يتأكد؛ لأنه قد يذبح ويعق، ثم يموت الولد بعدما يتعشى الناس.
الجواب: مكروه والأولى أن يبول المسلم جالساً، وفي صحيح البخاري يقول حذيفة: {ذهبت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أتى بساط قوم، بال واقفاً عليه أفضل الصلاة والسلام} قال بعض أهل العلم: لمرض في مأبضه صلى الله عليه وسلم، أي: عند الركبة، وقيل: كانت العرب تستشفي بذلك من وجع الظهر، فالصحيح الذي دل عليه كلام أهل العلم أن البول واقفاً مكروه، لكن إذا اضطر الإنسان فلا حرج.
الجواب: هذا السائل كأنه زهراني، فإن أبا هريرة رضي الله عنه زهراني دوسي، من قبيلة دوس، وهي معروفة في شعب زهران، وهو حسنة من حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي ودوس من الأزد الذين منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي أكبر عروبي في تاريخ الإسلام، ومنهم مؤرز السدوسي العابد الشهير والعالم، ومنهم كثير من أهل العلم، والله سبحانه وتعالى يوزع الفضل: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة:4].
الجواب: الذي قتل مسيلمة هو وحشي، لكن الذي قاد عملية القتال وأدارها هو خالد، وأنا ما قلت: إنه باشر قتله؛ لكنه هو الذي اقتحم الحديقة عليه، فإن الله عز وجل يقول لفرعون: يقتل أبناءهم، وهو لم يقتلهم بيده، فجنوده هم الذين قتلوهم لكنه هو الذي أمر.
الجواب: بعد الفريضة من اتخذه دائماً وداوم عليه فقد ابتدع، أما من دعا بعض الأوقات فلا عليه؛ لأن البدعة ما استمر عليها؛ لأنه ليس من هديه صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه دائماً بعد الفريضة ولا أصحابه الكرام.
الجواب: لا نعرف هذا النزول المعنوي؛ وكأنه يرد على القرآن، ويرد على السنة؛ فإنها تذكر أنهم نزلوا، ورآهم الصحابة، فيقول هذا: ما نزلوا، ولا رآهم الصحابة؛ إنما هو نزول معنوي، وهذا أتى من بعض أهل التفسير من المتأخرين، منهم محمد عبده في تفسيره يقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ [الفيل:1-3] قال: هذا الطير هو الجدري! ما شاء الله، يخفى هذا التفسير عن ابن عباس، وعن علي، وعن ابن مسعود، ويأتي هذا في القرن الخامس عشر يفسره بالجدري، وهذا مما أخطأ فيه؛ لأنه فسر الغيبيات التي أتى بها سبحانه وتعالى والمعجزات والكرامات بأمورٍ معنوية، وهذا خطأ في فهم كتاب الله عز وجل.
الجواب: كفارة الرشوة أن يتوب المرتشي إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يأخذ هذا المال لينفقه في إحدى الوجوه، ولا يدخله عليه، ثم لا يعود مرة ثانية، وقد قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [الفرقان:70-71].
الجواب: الأولى إذا علمت أنه قد انتهى أن تقف حتى يسلم الإمام، ثم تصلي جماعة؛ ليكون هناك إمام، ويكون لكم جماعة، وتتمون كلكم جماعة، فإنكم لو دخلتم لأصبحتم تصلون فرادى بعد أن يسلم بلا إمام.
الجواب: الاستياك وقت الخطبة لا يجوز، وهو معصية، وقد يبطل أجر حضور الجمعة؛ لأن بعض أهل العلم شبهه باللعب بالحصى، ومن مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، بل لا يتشاغل أبداً ولينصت، وأما من قام يصلي ركعتين بين الخطبتين، فهو مبتدع بدعة ما فعلها السلف، بل يصلي قبل دخول الإمام، أما وقت الخطبة فينصت، لأن هذا الوقت من حظ الإمام، وليس من حظ المأموم، وللمأموم أن يتكلم مع الإمام، وللإمام أن يتكلم مع المأموم.
الجواب: صحيح، وأورده ابن حجر في فتح الباري، وضعفه واستبعده، وهو بعيدٌ كل البعد.
الجواب: نعم يجوز أن يقول: الله ورسوله أعلم، فإن في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم لـأبي بن كعب: {يا
أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كانت المسألة من مسائل الدين التي يدري بها صلى الله عليه وسلم، وليست من مسائل الغيب، مثلاً سألت إنساناً عن الوضوء، فما عرف يجيبك، فقال: الله ورسوله أعلم، فيصح ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بهذه المسائل في الدين، أما مسائل الغيب فلا، بل يقول: الله أعلم، لأن مسائل الفقه والتكليف التي بلغها صلى الله عليه وسلم يعلمها صلى الله عليه وسلم، ويكفر من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلمها، وأما مسائل الغيب التي اختص الله بها فلا يعلمها إلا الله عز وجل.
الجواب: يقصد السائل مقدار الوقت، هل هو اجتهاد أن يكون عشر دقائق أو ربع ساعة، فأقول: نعم؛ فإنه يجوز للناس إذا اجتمعوا وأذن المؤذن أن يقيم فيهم مباشرة بدون أن ينتظروا أحداً، إذا لم يكن هناك أحدٌ ينتظرونه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما في بعض الأوقات أو الأحيان إذا كان يسافر أذن للصلاة وأقيمت، وما كان صلى الله عليه وسلم ينتظر وقتاً محدوداً، بعض الأوقات يؤذن لصلاة العشاء، وإذا بـبلال يقيم، وفي بعض الأحيان يمكث صلى الله عليه وسلم فيأتيه وفدٌ فيبقى معهم في البيت حتى ينام الناس في المسجد، يقول عمر: {كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فنام النساء والصبيان ونظرت إلى الليل، فإذا هو قد ذهب، فقلت: يا رسول الله! نام النساء والصبيان، فخرج صلى الله عليه وسلم قال
الجواب: نعم. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه: {لا تقوم الساعة حتى لا يوجد في الأرض أحد يقول: الله الله}.
الجواب: لا، لا تكشف عليك؛ فإن الرضاعة لا تسري إلا في المرتضع والراضع وفي فروعهما أصولاً وفروعاً، وأما أنت فهي أجنبية عنك، سواء كانت كبرى أو صغرى.
الجواب: ذكره رحمه الله؛ لأن فيه مسائل الإيمان، ولأن العمل من الإيمان، فـالبخاري يرد على من أنكر أن العمل من الإيمان، وقد عقد باباً في الصحيح أن العمل من الإيمان، فأورد أن قيام ليلة رمضان من الإيمان رداً على المرجئة الذين يقولون: يكفي أن نقول: لا إله إلا الله ثم لا نعمل.
الجواب: يجوز دفن جنازتين وثلاث في قبرٍ واحد، قال جابر فيما صح في الصحيحين: {لما قتل الصحابة يوم أحد كان أبي مع من قتل، فضاقت بالناس الضائقة، فقلنا: يا رسول الله إن علينا مشقة من الحفر، فقال: احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة معاً} ويقول صلى الله عليه وسلم في رواية: {ادفنوا المتحابين سوياً، وقدموا أكثرهم أخذاً للقرآن إلى القبلة} فكانوا يقدمون من كان أحفظ لكتاب الله تجاه القبلة، فيدفن الاثنين والثلاثة سوياً، لكن ينتبه لا يدفن منافق أو فاجر أو كافر مع مؤمن، نسأل الله السلامة؛ لأن الكافر كلب لا يدفن ولا يقرب من مقابر المسلمين وذلك مثل من ماتوا في جاهلية جهلاء، أو على إلحاد، أو على كبائر.
الجواب: لا أدري ماذا يقصد السائل، لكنه ورد عن شهداء مؤتة أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم وفي غيرهما من دواوين الإسلام، منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: { دخلت الجنة وفي سرير
ورد أن في سريره ازوراراً، وهو حديث حسن، وليس من الصحيح؛ ولم يرد في البخاري ومسلم، يقولون: لأنه تأخر، وكان الأمير الثالث، وهذا يسمى عند أهل السنة والجماعة من باب تنزيل الناس منازلهم؛ لأن الله تعالى يقول: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [آل عمران:163] فبعضهم على بعض أرفع من مائة درجة.
في ختام هذا الدرس نتوجه إلى الله العليم أن يغفر لنا ولكم ذنوبنا وخطايانا، وأن يتغمدنا بواسع فضله ورحمته، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحسن خاتمتنا في الأمور كلها.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر