إسلام ويب

رسالةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هذه الرسالة تحتوي على عدة قضايا، يحتاج إليها الفرد والمجتمع، وهي سبب السعادة في الدنيا والآخرة، وهي: الصلاة والمحافظة عليها، وبر الوالدين والتحذير من عقوقهما، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى من الذنوب والمعاصي، وتربية الأبناء والمحافظة على حقوقهم والقيام بها كما في الشريعة الإسلامية، وسل السخيمة من القلوب، وحب المسلمين والتودد إليهم والتآلف معهم، إلى غيرها من الرسائل والمسائل.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

    اللهم صلّ وسلم على من أرسلته هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أيها الإخوة الأبرار الأخيار: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد:

    فإن أعظم ما أوصي به نفسي وإياكم هذه الليلة تقوى الله عز وجل؛ فإنها وصية الله للأولين والآخرين، كما قال: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] ونتكلم فيما يأتي عن بعض القضايا في الحياة والمجتمع.

    السعادة الحقيقة وأسبابها

    أيها المسلمون! يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء:101-103].

    من هم الذين سبقت لهم من الله عز وجل الحسنى؟

    هم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، هم الذين أخلصهم الله بخالصة ذكرى الدار، هم الذين كتب الله لهم السعادة في الدنيا والآخرة - نسأل الله أن نكون منهم- لأن المرء إما سعيد رضي الله عنه، وإما شقي غضب الله عليه.

    الناس إما رجل جعله الله من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، من يوم أن وقع رأسه في الأرض

    ولدتك أمك يا بن آدم باكياً     والناس حولك يضحكون سرورا

    فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا     في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

    وهذه الحياة ليست للأكل ولا للشرب، ولا للرفث، ولا للهو، والله الذي لا إله إلا هو لقد وجد أناس يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون ويزكون ويذكرون الله، ولا يعرفون معنى الحياة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] ويقول سبحانه: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].

    ولقد وجد بين أطراف المسلمين من يعتني بدنياه، وبملبسه ومطعمه وسيارته، وبوظيفته أكثر من الإسلام.

    بل وجد هنا من يعرف كل شيء في الدنيا، فإذا سألته عن صلاته وحجه وعمرته لا يعرف شيئاً! فلماذا خلقه الله؟

    ولماذا أوجده الله إذا لم يعرف هذا الشيء؟!

    فالذين سبقت لهم من الله الحسنى هم الذين سعدوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

    وأسباب السعادة:

    أن تعتقد أن لا إله إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله، وأكبر كلمة أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي (لا إله إلا الله) بها قامت السماوات والأرض، وصلح عليها أمر الدنيا والآخرة، وبها رضي الله عن المؤمنين، وعلى لا إله إلا الله دمَّرت الدنيا خمس مرات، وبلا إله إلا الله أنزل الله الكتب، وأرسل الله الرسل، وأقام الله سوق الجنة والنار، وعليها مدَّ الصراط، وبنى الحوض.

    فيا أيها المسلم! يا من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً عليه أفضل الصلاة والسلام أسألك أن تحيا بلا إله إلا الله، وتموت على لا إله إلا الله؛ علَّ الله أن يبعثك على لا إله إلا الله.

    الصلاة وأهميتها

    كثير من الناس يعتقد أن صلاته ليست بذاك الأمر الكبير العظيم في حياته، يصلي في المزرعة، ويصلي في الطريق، ويصلي في البيت، وليس عليه ألا يدرك الصلاة في أي جماعة، ولا في أي مسجد!

    الصلاة -يا عباد الله- أول ما يسأل عنها العبد، الصلاة يا عباد الله! يترك الإنسان في القبر (الحفرة الضيقة) يأتيه الملكان فيسألانه عن الصلاة.

    الصلاة -يا عباد الله- عليها قامت شعائر الإسلام.

    الصلاة -يا عباد الله- الركن الأهم الذي إذا حافظ عليه تمم الله للعبد أموره، وإذا نقص خذل الله العبد، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيَّعها وأخل بها ضيَّع دينه.

    تارك الصلاة لا يؤاكل، ولا يشارب، ولا يرافق، ولا يصاحب، ولا يؤتمن، ولا يصدق، ولا تقبل شهادته.

    تارك الصلاة حلال الدم والعرض والمال.

    تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء والأرض.

    تارك الصلاة تشتكي منه العجماوات: الحوت والأسماك، الطيور والزواحف، كلها تشكو وتجأر إلى الله من تارك الصلاة، تقول: مَنعنا الرزق بسببك، مُنعنا الرحمة بذنبك، منعنا القطر من السماء بجريمتك.

    تارك الصلاة حبله مقطوع من ذمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القدسي: {أبي تغترون، أم علي تجترئون، فبي حلفت لأنزلن فتنة تجعل الحليم حيراناً} وورد عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه قال: {والله لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع، لخسفت بكم الأرض خسفاً}.

    تجد المسلم صحيحاً معافى قوياً شاباً غنياً يسمع: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) ثم لا يأتي إلى المسجد، حينها يعلن عليه حاله أنه منافق معلوم النفاق.

    ومن النفاق العملي: أن تسمع الأذان، ثم لا تأتي المسجد، ولذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وما يتخلف عن الصلاة إلا رجل معلوم النفاق]] فهذه من المسائل الكبرى يا عباد الله.

    ومن أعظم ما تخاذل فيه المسلمون هذه الأيام، وهذه السنوات صلاة الفجر:

    الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه أهلكه}.

    بر الوالدين

    جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حق الوالدين الأب والأم مع حقه لعظم حقهما في الإسلام يقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:23-24].

    ويقول عليه الصلاة والسلام:{كان في من كان قبلكم ثلاثة نفر ذهبوا في الصحراء، فدخلوا في مغارة، فلما دخلوا انطبقت عليه صخرة} فأصبحوا في مقام موحش مقفر، لا أنيس فيه ولا قريب، ولا سامع إلا الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض {فقال بعضهم لبعض: لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم} بعد أن دخلوا في الغار وانطبقت عليهم الصخرة، وأظلم عليهم الليل، وابتعدوا من الأهل والجيرة، والأصحاب والقرابة، فأتى أولهم يدعو بصالح عمله والله - عز وجل - لا يحفظ العبد المسلم إلا بصالح عمله، نقول: ما لأبنائنا يفسدون؟! ومالهم يضيعون؟ وما لأجسامنا لا تصح؟ وما لدورنا لا تعمر؟! ونحن الذين نخرب دورنا بأنفسنا وبأيدينا.

    هل من المعقول أن أبناءنا ينامون ويصحون على الأغاني الماجنات؟! ملأنا آذانهم بالأغاني الماجنات -إلا من رحم الله- ثم نقول: فسد أبناؤنا!

    يقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ [التحريم:6].

    ففي أمور الدنيا نحزم على أبنائنا فيها، ونشد عليهم، ونحاسبهم حساباً عظيماً شديداً، لكن أمور الدين نقول: الله الهادي، ويذهب أحدنا إلى المسجد ويقول لأبنائه- بصوت ضعيف- مع صلاة الفجر: صلوا هداكم الله، فإذا أتى وهم نائمون قال: اللهم إني أديت ما عليَّ، ووالله ما أدى ما عليه، ولو أداه لأيقظهم بالقوة.

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [القصص:17] كما لا نرضى أن يضيعوا أموالنا في أمور الدنيا، فلماذا نرضى في حق الله عز وجل؟

    فنحن السبب، فلذلك من لا يصلح نفسه ويصلح بيته، لن يهديه الله سواء السبيل يقول الله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].

    دخل الثلاثة الغار، قال أولهم: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق عليهما أهلاً ولا مالاً - أي: لا أقدم عليهما من أبنائي أحداً في العشاء، ولا في الشرب، ولا في الخدمة- وإنه قد نأى بي طلب الشجر يوماً من الأيام، فلم آتيهما إلا بعد أن ناما فحلبت في الإناء، ثم أتيت به لأقدمه لهما، فبقيت عندهما لم أو قظهما حتى طلع الفجر وأبنائي يتضاغون عند رجلي يريدون اللبن، فلم أسقِ أبنائي، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج}.

    وأتى الثاني فقال: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم} هؤلاء هم الذين حفظوا الله في الغيب، بعض الناس ناسك زاهد عابد أمام الناس، لكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها.

    وفي سنن ابن ماجة يقول صلى الله عليه وسلم: {ليأتين أقوام من أمتي يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً، قالوا: يا رسول الله أليسوا مسلمين؟ قال: بلى، يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ولهم صلاة بالليل، لكن كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} فهذا الثاني يقول: {اللهم إنه كان لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إلي، فراودتها عن نفسها فأبت حتى أتتها سنة قحط وفقر ومسكنة، ثم أتيت بمائة وعشرين ديناراً فطاوعتني، فلما جلست عندها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانكففت عنها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً غير أنهم لا يستطيعون الخروج}.

    وأتى الثالث وقال: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي أجراء أعطيت كل واحد منهم أجره إلا واحداً ذهب مغاضباً فلم يأخذ أجره، فنميت أجره وثمرته حتى عاد فأصبح عنده من الرقيق، والإبل، والغنم، والبقر الشيء الكثير فلما أتى قال: أعطني حقي قلت: هذا حقك. قال: اتق الله ولا تستهزئ بي، قلت: هذا حقك، قال: فأخذه ولم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون}.

    وهذا يدل على فضل بر الوالدين، ويوم يسعد الوالدان بولدهما حينها يرضى الله من فوق سبع سماوات، فوالله لا يدخل الجنة قاطع رحم.

    {لما خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الرحم تعلقت بالعرش وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة يا رب! قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى. قال: فذلك لك، فأنزلها الله في الأرض، فمن وصلها وصله، ومن قطعها، قطعه}.

    التوبة.. وفضلها

    إذا أذنبت وأخطأت وأجرمت، وأسرفت على نفسك، ثم تفكرت في لقاء الله، وفي القبر المظلم، والعرض الأكبر على الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

    يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا     وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

    كم نطلب الله في ضر يحل بنا     فإن تولت بلايانا نسيناه

    ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا     فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

    ونركب الجو في أمن وفي دعة     فما سقطنا لأن الحافظ الله

    المقصود: أن الذنوب والخطايا لا يسلم منها أحد، ولا يغفر الذنوب إلا الله ولا يستر العيوب إلا هو، ولا يسامح عن الزلل إلا الله، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136] قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] فإذا أذنبنا فررنا إلى الله، قال الله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50] فما منا إلا مذنب، وما منا إلا عاصي، وما منا إلا مسرف على نفسه.

    ويا أيها الإخوة الكرام! واجبنا تجاه الذنوب والخطايا أن نتوب إلى علام الغيوب، وأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نتزين للعرض الأكبر على الله عز وجل قبل أن نعرض عليه فلا تخفى عليه منا خافية، ولذلك طالبنا صلى الله عليه وسلم بالتوبة.

    يروى عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القدسي أنه قال: {يا بن آدم إنك ما دعوتي ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لغفرتها لك، يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة}.

    فما هو الواجب تجاه ذنوبنا وخطايانا؟ الواجب أن نستغفر الله وأن نتوب إليه، وقدوتنا عليه الصلاة والسلام يقول: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} وفي لفظ: {مائة مرة}.

    فيا إخوتي في الله! كثرة ذنوبنا وخطايانا، وما جف القطر، وفسدت كثير من البيوت، وقست القلوب، وتشتت الأسر، وتفرقت الجماعات والقبائل، إلا بسبب الذنوب والخطايا.

    الجار لا يسالم جاره، تحدث حرب شعواء بين الجيران وصلت إلى المحاكم، ووصلت إلى القاصي والداني بسبب عدم رقابتنا لله عز وجل، وبسبب قسوة قلوبنا، والجار في الإسلام حقه عظيم، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يوصي به.

    يقول أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه: {خرجت مع أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا به قائم، وإذا رجلٌ مقبلٌ عليه، فظننت أن له حاجة، فجلست، فوالله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي له من طول القيام، ثم قمت إليه، فقلت: يا رسول الله! لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام. قال: أتدري من هذا؟ قلت: لا. قال: جبريل، مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، أما إنك لو سلمت عليه لردَّ عليك السلام} رواه أحمد بإسناد جيد.

    وأتى جار فقال: {يا رسول الله! أشكو إليك جاري. قال: ماذا فعل؟ قال: آذاني، وسبني، وشتمني، وما حفظني، ولا رعاني، إن غبت خفت على أهلي منه، قال: اصبر له واحتسب} فذهب فصبر، ولكن ذاك الجار ما اتقى الله، وما خشي من الله، فاشتكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مرة ثانية، قال: {خذ متاعك وقف في الطريق، فأخذ متاعه، ومر الناس عليه مصبحين وممسين فقالوا: مالك؟ قال: أخرجني جاري إلى هذا الطريق، قالوا: عليه لعنة الله.

    فيصبح الرجل، فيقول: مالك؟ قال: أخرجني جاري، قال: عليه لعنة الله، ويمسي الممسي فيقول: مالك؟ قال: أخرجني جاري، قال: عليه لعنة الله، فعاد هذا الجار بعد أن قال له جاره: عد، والله لا أوذيك بعدها أبداً}.

    ولذلك أكثر ما هضمت حقوق الجيران؛ لما قست القلوب، ونسيت حقوق المسلم على لمسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام علمنا حقوق المسلم؛ نظر إلى الكعبة عليه الصلاة والسلام وقال: {ما أجلك وما أعظمك وما أشد حرمتك عند الله عز وجل! والذي نفسي بيده للمؤمن أشد حرمة منك} المؤمن أشد حرمة من الكعبة عند الله - عز وجل - وأقدس، ويقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا:من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه} هذه قضية الجيران، وحقوق المسلمين تتداخل بعضها في بعض.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088932531

    عدد مرات الحفظ

    779977805