ولا ينبغي لأهل الحق أن يقفوا ساكتين بل ينبغي لهم أن يردوا على افتراءاتهم حتى لا يغتر بها عوام الناس.
ومما يجب أن نذكره للناس معجزات الرسول كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، ونبع الماء من بين أصابعه، وقبل ذلك كله معجزة القرآن الكريم.
عباد الله: سمعتم، أو قرأتم ما فعل المبطلون المجرمون في مقالاتهم، وفي نشراتهم، وفي صحفهم من اعتراض على نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، واتهام له أن نبوته أتت بالصدفة، وتزعَّم كبر ذلك وإجرام ذلك ما يسمى بـرشاد خليفة، وهو رجل مبتدع ضال، أضله الله على علم، يعيش في أمريكا، وله حزب كبير، وله أتباع وطائفة، أنكر السنـة، ثم أنكر نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، واتفقـت هذه المقالة مع آخر كتاب صدر للخميني المبتدع الضـال، والذي قال فيه: إن نبينا عليه الصلاة والسلام كانت نبوته صدفة واتفاقاً وأخذها ولم تكن له. وثالثة الأثافي صاحب الكتاب الأخضر الذي قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام رجل بدوي بسيط، وإنه لعب على البدو بالمقالات حتى ظنوه نبياً، وليس بنبي، وليس الغريب أن يصدر هذا الكلام عن هؤلاء المجرمين: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً الفرقان:31] ولكن الغريب أن يقف أهل الحق، وأهل الفكر، وأهل العلم، وأهل القلم جامدين خامدين لا يكتبون، ولا يردون، ولا يخطبون، ونبوة نبينا عليه الصلاة والسلام كالشمس، بل أعلى وأوضح من الشمس في رابعة النهار.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ وينكر الفم طعم الماء من سقم |
الرسول عليه الصلاة والسلام ثبتت معجزات نبوته بالآيات الكونية والشرعية والسماوية والأرضية، والرسول عليه الصلاة والسلام له أكثر من ألف معجزة، والرسول عليه الصلاة والسلام سخر الله له الكون حتى جعل له من الكون آيات ومعجزات، فالقمر شق له، الشجر جاءت تمشي إليه، والحمامة وقفت على رأسه، والعنكبوت نسجت على غاره عليه الصلاة والسلام، والماء نبع من بين أصابعه الكريمة، والغزال توقف له، علَّم الناس بعلم من علم الغيب الذي علَّمه الله إياه، فقد دبرت له أكثر من عشر محاولات اغتيال، ويخبر بمن دبرها وصنفها، ومن أنتجها وأخرجها.
تحدى الله به أفصح أمة نطقت بالضاد، أمة الخطباء، أمة الأدباء، أمة الشعراء، فقال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23] وقال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الأحقاف:8] وفي آية ثالثة:فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:34].
نزل عليه الصلاة والسلام إلى الحرم، فاجتمع إليه سادات قريش، وخطباء قريش، وأدباء قريش، فقال بعضهم لبعض: أرسلوا رجلاً منكم إلى هذا الرجل الذي سب آلهتنا، وسفه آراءنا، وذم أجدادنا، واسألوه ماذا ينقم علينا، فأرسلوا عتبة بن ربيعة فلما وصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (ماذا تريد يا محمد منا؟ إن كنت تريد زوجةً زوجناك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد مالاً سودناك وأعطيناك، فقال عليه الصلاة والسلام: أفرغت يا
فهذا القرآن تحدَّى الله العرب أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من سوره أو بسورة أو بآية من آياته، فلم يستطيعوا، ولذلك كان القرآن أعظم معجزة لرسولنا عليه الصلاة والسلام.
ويقول الله: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [الحجر:14-15] يقول الله جل ذكره: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر:1-5].
فدخل صلى الله عليه وسلم وربط الفرس، فجمع الله له الأنبياء والرسل كلهم -كما يقول ابن كثير وغيره- فلما التفتوا من يصلي بهم قدَّموا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم ركعتين.
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم |
كنت الإمام لهم والجمع محتفلٌ أعظم بمثلك من هاد ومؤتم |
لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر، أو كالجند بالعلم |
حتى بلغت مكاناً لا يطار له على جناح ولا يسعى على قدم |
وقيل: كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم |
فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من الركعتين، نظر إلى وجوه الأنبياء والرسل، إلى أفضل من خلق الله، وأشرف من خلق الله، وأصدق من بعث الله، فأراد أن يسألهم كما قال الله له في سورة الزخرف: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45] أراد أن يسألهم فرأى الجلالة، ورأى الصدق والإخلاص في وجوههم فاكتفى بالمنظر عن السؤال.
ثم صعد هو وجبريل عليهما السلام إلى السماء الدنيا، وبينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام، وجرم السماء خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، فطرق جبريل، فقيل له: من؟
قال: جبريل وعرفوه، قالوا: من معك؟
قال: محمد عليه الصلاة والسلام، ومر عليه الصلاة والسلام بإخوانه الأنبياء والرسل، يسلم عليهم واحداً واحداً، رأى يوسف عليه السلام، وقد أوتي شطر الحسن، ورأى يحيى بن زكريا، ورأى آدم في سماء الدنيا، وعن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة يلتفت إلى اليمين فيضحك، ويلتفت إلى اليسار فيبكي، فقال لجبريل: من هؤلاء؟
قال: أما الذين عن يمينه فأهل الجنة، وأما الذين عن يساره فأهل النار نعوذ بالله من أهل النار، ورأى هارون، ورأى موسى في السادسة، فسلم عليه وكلمه، ورأى إبراهيم أبا الأنبياء في السابعة، فكلمه وآنسة ولاطفه حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى بساط حديث القدس، ولم ير ربه، قيل له: {هل رأيت ربك يا رسول الله؟ قال: نور أنى أراه} وكلمه الله، وفرض عليه الصلوات الخمس، الصلوات الخمس كانت خمسين، فاستحيا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه، فلمَّا عاد إلى موسى في السادسة، قال: كم فرض الله عليك؟
قال: خمسين صلاة، قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، وقد جربت أنا بني إسرائيل بأقل من ذلك، فعد إلى ربك، فراجع صلى الله عليه وسلم ربه حتى خفف الله علينا إلى خمس صلوات، فهي في الأجر خمسون، وأما في العمل فهي خمس، فجزى الله موسى عنا خير الجزاء.
ورأى صلى الله عليه وسلم الجنة والنار، وعاد إلى الدنيا، عاد إلى مكة، عاد إلى بيته في مكة، وأمسى في فراشه، وفي الصباح خرج يصلي صلى الله عليه وسلم فاجتمع كفار قريش يتضاحكون يقول أبو جهل: ماذا حدث لك يا محمد البارحة؟
يستهزئ ويستهتر ويضحك، ولكن سيعلم الظالمون لمن عقبى الدار، فقال عليه الصلاة والسلام: حدث البارحة أمر عجيب عظيم، قالوا: ماذا حدث؟
قال: أسري بي إلى بيت المقدس في فلسطين، وصليت بالأنبياء، فتمايلوا من الضحك، وانظروا إلى مرارة الموقف، ومرارة التكذيب، والرسول صلى الله عليه وسلم فريد غريب ما له ناصر إلا الله، ولا له مؤيد إلا الله، يضحكون عليه، فيقول أحدهم وكان شيخاً كبيراً في السن أظنه الوليد بن المغيرة قال: يا محمد! ما جربنا عليك كذباً، إن كنت صادقاً وأنه أسري بك؛ فنحن نعرف بيت المقدس سافرنا إليه في التجارة، وعرفناه باباً باباً، فصِفْ لنا بيت المقدس وذهابه صلى الله عليه وسلم كان في ظلمة الليل الدامس، ولم ير الأبواب كلها، ولم ير النوافذ والسواري، فعرق صلى الله عليه وسلم، وأصابه من الكرب ما الله به عليم؛ لأنه إذا لم يستطع فمعناه أنه يكذب!
وكيف يكذب على الدنيا وعلى المعمورة؟! فقرب الله له بيت المقدس حتى رآه في ناحية الحرم، فأخذ يصفه باباً باباً، ونافذةً نافذةً، فقال: والله ما زدت ولا نقصت شيئاً.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: سوف تقدم قافلتكم غداً التي أرسلتموها للتجارة غداً يتقدمها جمل أورق، عليه غرارتان، ورعى منكم رعيان في وادي كذا وكذا، وسوف يقدمون غداً، وقد انكسرت رجل ناقة من نوقهم، وانتظروا الصباح، فقدمت القافلة، وعليها الجمل الأورق وعليه غرارتان، وأتى رعيان الإبل، فسألوهم ماذا حدث؟
قال راعٍ منهم: انكسرت رجل ناقتي.. أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] وهذه ثلاث معجزات من ألف معجزة للرسول عليه الصلاة والسلام.
لقد شهدت السماء بنبوته، ولقد شهدت الأرض برسالته، ولقد آتاه الله من الآيات والمعجزات ما هو كفيل بدمغ كل مفترٍ على الله، ودجال على الله فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أمَّا بَعْد:
لقد ظهرت معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام الكونية كمعجزاته الخُلقية والخَلقية، تصوروا إنساناً يعيش (63) سنة، فلا يكذب كذبة، ولا يغدر غدرة، ولا يخون خيانة، ولا ينظر نظرة سيئة، ولا يخالف مخالفة، والرسول عليه الصلاة والسلام من رآه لأول وهلة، علم أنه رسول الله، يقول أبو هريرة وقد سئل عنه: (والذي نفسي بيده، كأن الشمس تجري في وجهه) ويقول أنس: (والذي نفسي بيده، لقد نظرت إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى البدر ليلة أربعة عشر، فلوجهه صلى الله عليه وسلم أجمل وأحسن وأبهى من البدر ليلة أربعة عشر).
جاءت إليك حمامةٌ مشتاقةٌ تشكو إليك بقلب صبٍ واجفِ |
من أخبر الورقاء أن مكانكم حرمٌ وأنك ملجأٌ للخائفِ |
إي والله أشهد أنك رسول الله، أشهد أنك رفعت علم الإنسانية، وأنك أوضحت معالم البشرية، وأنك دكدكت أركان الوثنية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر