إسلام ويب

رسالة إلى كل مسلم ومسلمةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • رسالة إلى الطبيب والمهندس، رسالة إلى العالم والمتعلم، رسالة إلى كل طبقات المجتمع، رسالة تزيدك قرباً من الله؛ لأنها تعرفك بالتوحيد، وتحثك على العمل الصالح، رسالة تزيد الترابط في المجتمع لأنها بينت مالك وما عليك .. نصائح وعبر .. وعد ووعيد .. علامات وأمارات، وللمرأة في هذه الرسالة نصيب... افتحها وابدأ بالقراءة.
    الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وأفضل الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعــد:

    أيها المسلمون: فقد أشار إليَّ بعض الأحباب -أثابهم الله- أن أقدم شريطاً فيما يهم كل مسلم ومسلمة، شريطاً يخاطب المسئول والموظف، شريطاً يهدى للرجل والمرأة، شريطاً يهم المهندس والطبيب، والأستاذ والفلاح والتاجر.

    شريطاً للطفل الصغير وللشيخ الكبير، فاستعنت بالله عز وجل وتأملت أفكار هذا الموضوع، فوجدت أنه من أهم ما يهم المسلم، أصولاً لا بد أن ينبه عليها في كل مناسبة، وهي دائماً تهم الدعاة وتتعلق بكلامهم، ولا ينبغي لهم أن يقدموا عليها شيئاً من الأمور، فجمعت هذه الأصول على أمل أن ينتفع بها، وعل مهدٍ لهذا الشريط أن يؤجر وأن يثاب.

    فإن هذه الرسالة إلى المسئول فهو بحاجة إليها حاجة ماسة أحوج من الماء الذي يشربه، ومن الهواء الذي يستنشقه.

    وهي رسالة توجه إلى الأستاذ، فهي تناديه وتخاطبه أن يتقي الله في الجيل.

    وهي رسالة توجه إلى الأب المسلم والأم المسلمة في البيت، وإلى الطفل الدارس، وإلى التاجر في أمواله وتجارته، وإلى المزارع في مزرعته، وإلى العامل في عمله، وإلى الطبيب في طبه.

    فأسأل الله أن ينفع، وأن يشفع لهذه الرسالة حباً في الله، وحرصاً على الفائدة والمصلحة العامة لتنفع من سمع؛ عل الله ألا يحرمنا أجرها ومثوبتها، وأعلم علم اليقين أنني ما أعلم مسلماً يسمع هذا ويوجه له الخطاب إلا وبيني وبينه رابطة من الود، وهي تقوى الله، والحب في الله، والنسب الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول لكم:

    أما والذي شق القلوب وأوجد الـ     ـمحبة فيها حيث لا تتصرم

    وحملها جهد المحب وإنه     ليضعف عن حمل القميص ويألم

    لأنتم على بعد الديار وقربهـا     أحبتنا إن غبتم أو حضرتمُ

    كل من سجد لله وأحب الله نشهد الله على محبته، وعلى التقرب بوده، مسئول، أو موظف، أو تاجر، أو جندي، أو فلاح، أو طبيب، أو مهندس، أو أخ كبير، أو طفل صغير؛ لأننا أمة مؤلفة وهذه الرسالة تدور على مسائل وهي:

    1- التوحيد الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام.

    2- عظم الصلاة.

    3- تحريم قتل النفس المعصومة.

    4- تحريم عقوق الوالدين وقطيعة الرحم.

    5- حق الجار على جاره، حق المسلم على أخيه المسلم.

    6- التوبة النصوح.

    7- التزود بالنوافل بعد الفرائض.

    8- أمور توجه إلى الأم المسلمة في البيت.

    9- شيء في التربية.

    على أنني أقول لكم: سوف يصدر قريباً -إن شاء الله- سلسلة من التربية النبوية للمصطفى عليه الصلاة والسلام، قام بجمع مادتها أحد الدعاة ألا وهو الأخ الأستاذ/ صالح أبو عرّاد الشهري، وسوف أقدمها في أشرطة تجدونها -إن شاء الله- في التسجيلات الإسلامية على أعداد منها:

    - شريط في الذكر.

    - شريط في أدب الطعام.

    - شريط في أدب الشرب.

    - شريط في أدب النوم.

    لتكون على تصور تام بالقدوة العظيم محمد عليه الصلاة والسلام.

    فلعل الله أن ينفع، ولعله أن يلي هذا الشريط شريط في " رسالة إلى أهل البادية " والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل.

    في أول هذه الرسالة أقول كما ورد في كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهي وصية الله للأولين والآخرين؛ أوصى بها الكبار والصغار؛ والعلماء والتلاميذ؛ والسلاطين والرعية، وهي الزاد في الرحلة، حرص على تبليغها الأول للآخر.

    قال سليمان بن داود عليه السلام: تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يتعلم الناس فما وجدنا كتقوى الله قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    واعلموا -بارك الله فيكم- أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـمعاذ: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) حديث صحيح.

    وقال لـابن عباس رضي الله عنهما: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء؛ يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك؛ فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك؛ فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) حديث صحيح.

    بداية ظهور التوحيد

    بُعث محمد عليه الصلاة والسلام والدنيا مظلمة، شوهاء عمياء، لا تجد طريقاً ولا مسلكاً ولا نوراً ولا هداية، فهدى الله به الناس، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] فلا إله إلا الله كم بصر به ربه من العمى! وكم أسمع به من الصمم! وكم هدى به من الضلالة! وكم علم به من الجهل! ولا إله إلا الله ما أعظم منته على الناس! لا إله إلا الله ما أشهر نوره! وما أذكر صيته! علم العجوز والطفل والشيخ الإسلام.

    دخلت رسالته إلى الملوك، وخاطبت الفلاحين، وذهبت إلى البادية، فمن اهتدى بهدي محمد هداه الله وكفاه وشفاه ورعاه.

    ومن أعرض عن محمد وعن رسالته، لعنه الله وأخزاه وأضله: عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [البقرة:161] لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

    كل عين عمياء إلا عين رأت هديه، وكل أذن صماء إلا أذن سمعت بدعوته، وكل قلب ملعون إلا قلب استنار بنوره، وكل أرض مظلمة إلا أرض أشرقت عليها شمس رسالته:

    إن البرية يوم مبعث أحمد     نظر الإله لها فبدل حالها

    بل كرم الإنسان حين اختار من     خير البرية نجمها وهلالها

    لبس المرقع وهو قائد أمة     جبت الكنوز فكسرت أغلالها

    لما رآها الله تمشي نحوه     لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

    أتى إلينا وكان أجدادنا يعبدون الصنم، ويسجدون للوثن، يزنون، ويخونون، ويغشون، ويغدرون، ويفجرون، ويكذبون فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وعلمهم توحيد الباري فارتفع على الصفا يقول: {يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}.

    وقال عليه الصلاة والسلام: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله} فجرد السيف وأخرج أصحابه كتائب، ودعا إلى طريق الجنة فمن عصاه قاتله، فإن انتصر عليه فالمقتول في النار، وإن هداه الله فإلى الجنة، فقام سوق الجنة وسوق النار، ونصب الميزان، وامتد الصراط على متن جهنم، وتطايرت الصحف، ونزل جبريل، وشهر سيف العدالة وأنشئ منبر العدل فما مضت خمس وعشرون سنة إلا والدنيا على حزبين كما قال الله تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] فاسأل الله الذي جعلنا في هذا المكان الطاهر أن يجعلنا من حزبه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يجمعنا في زمرته، وأن يوفقنا لسنته، وأن يجعلنا من أتباع سيرته، وألا يضلنا بعد إذ هدانا، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هداها، وأن يوجهنا وإياكم وجهة حسنة.

    التوحيد الصافي الجميل

    التوحيد الصافي الجميل أن تعبد الواحد الأحد، وأنا لا أدخل في مصطلحات أهل العلم، ولا في خلافهم لكني أريد عبارة مبسطة يفهمها العالم وطالب العلم، والعامي والأعرابي عل الله أن ينفع بما نقول ونسمع.

    أتى صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وسره أن تتعلق بالباري، وأن تعتقد أنه لا ينفع إلا الله، ولا يضر إلا الله، ولا يشافي إلا الله، ولا يعافي إلا الله، ولذلك لام الله من اتخذ الأنداد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3] فأتت العقيدة سهلة مبسطة، عرضها الله في القرآن، يعرفها العامي يوم يقرأها، والأعرابي والبدوي والعجوز.

    يقول سبحانه وهو يضرب أمثلة على قدرته: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20] ويقول الله عز وجل وهو يضرب لنا الأمثلة عن البعث والنشور: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] فكانت عقيدة سهلة.

    صح عنه عليه الصلاة والسلام أن أعرابياً سأله: ما هو الدين؟! ومن هو الله؟! فقال: {الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشف عنك الضر} هذه العلامة للواحد الأحد دليل قدرته، فلم يعطه مصطلحات، وما ملأ ذهنه معلومات، بل بسَّط له -وهو الذي إذا مرضت فدعوته كشف عنك الضر قال: وهل نبعث بعد الموت؟ -لأن مشكلة العرب وأزمتهم وجريمتهم في الجاهلية أنهم: ما اعترفوا بالبعث بعد الموت، هضموا كل شيء إلا البعث بعد الموت، أتى العاص بن وائل ففتت العظم أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفخ هذا الفتات قال: يا محمد! أتزعم أن ربك يبعث هذا؟ قال: {نعم. ويدخلك النار} قد تولى الله الرد عليه، وأدحض حجته، وكذب مقالته فقال: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79] وقال أيضاً: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].

    والله عز وجل ضرب بإنزال الغيث وإخراج النبات ما بين ورد أحمر، وأصفر، وأخضر، وبقع جميلة، وأغصان فيحاء في حدائق جميلة، ضرب المثل على البعث، فقال: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق:9-11].

    قال: {يا رسول الله! وهل يعيدنا الله عز وجل بعد أن نموت؟ قال: إي والذي نفسي بيده، قال: كيف يعيدنا؟ قال: أما مررت ببقعة قد مات نباتها؟ قال: بلى} انظر إلى العقل، انظر إلى الدين الصادق الذي يصل إلى القلب قبلته المعمورة، وسرى في الناس لأنه يخاطب الفطرة: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم:30] قال: {أما مررت بأرض قد مات نباتها؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أما مررت عليها بعد فترة وقد حيت واخضرت؟ قال: بلى. قال: فمن أحياها؟ قال: الله. قال: فإن الذي أحياها يحييك بعد أن تموت} فأسلم الأعرابي.

    جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: {يا رسول الله! من خلق السماء؟ قال: الله، قال: من خلق الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ قال: نعم. كان متكأ فجلس -سؤال لو وضع على الجبال لدكدكت، أعظم سؤال طرح في الدنيا- قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام- الدين السهل البسيط الرائع- قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة أخوه بني سعد بن بكر، ثم ولى، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} حياه الله وحيا دينه، ما أسهله! وما أبره! وما أرحمه!

    قال تعالى: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] وقال أيضاً: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

    التوحيد جميل، التوحيد أبيض كالثوب الأبيض، أي شيء يتدنس به يظهر، التوحيد فيه صلاح أي شيء، لو قلت: ما شاء الله وشاء فلان.. خدشت توحيدك، لو قلت: وأبي.. خدشت توحيدك، لو قلت: وحياتي.. خدشت توحيدك، لو قلت: وشرفي ونجاحي.. خدشت توحيدك، التوحيد أبيض.

    لو اعتقدت في شخص أنه ينفع ويضر من دون الله ثلمت توحيدك، التوحيد شفاف، لو زعمت أن رجلاً يشافي ويعافي ويمرض، وينجح ويرسب من دون الله ثلمت توحيدك؛ لأنه لا ينفع إلا الله، ولا يضر إلا الله قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:66]

    أهمية التوحيد وفوائده

    التوحيد يصلك بالله، فيجعل في قلبك أن كل شيء بيد الله، التوحيد يجعلك تقول: (حسبي الله ونعم الوكيل) فإذا الدنيا أمامك أسفاط، وإذا هيئاتها وأشخاصها وكياناتها لا شيء.

    قال ابن عباس في صحيح البخاري: [[حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم لما أوقدوا النار له فجعلها الله برداً وسلاماً]] وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها محمد عليه الصلاة والسلام في أحد لما قيل له: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174].

    (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها خالد بن الوليد لما أقبل عليه جيش الروم كالجبال، كتائب مجندة، وجيوش مجيشة، مقيدون بالسلاسل، يحملون السيوف، وهم أضعاف مضاعفة على أعداد المسلمين، فإذا جيش المسلمين حفنة أمام الجبال من أهل الروم، فقال مسلم لـ أبي سليمان خالد بن الوليد قبل المعركة، يا أبا سليمان! انظر ما أكثرهم وما أقلنا، نفر اليوم إلى جبل سلمى وآجا فدمعت عين خالد -حامل القلب الذي فيه (حسبنا الله ونعم الوكيل) حامل القلب الذي فيه (لا إله إلا الله) خالد الذي تخرج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، خالد الذي تعلم في المسجد، وحمل القرآن، وتوضأ كل يوم خمس مرات.

    وما أتت بقعة إلا سمعت بها     الله أكبر تسعى في نواحيها

    ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم     ولا رمى الروم إلا طاش راميها

    فدمعت عين خالد وقال: [[لا والله، بل ما أقل الروم وما أكثرنا، ثم قال: لا نفر إلى جبل سلمى وآجا ولكن إلى الله الملتجأ، حسبنا الله ونعم الوكيل]] فانطلق في المعركة فسحق أعداء الله، قال تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45].

    (حسبنا الله ونعم الوكيل) خرج بها الأفغاني الفقير في ثيابه البالية، وبندقيته المجردة البسيطة يقاتل قوة الأرض العاتية الحمراء الروسية بدباباتها، وطائراتها ومدافعها، وهي تقصف الجو، والأرض وهي تهدم المساجد ويقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فانتصر.

    (حسبنا الله ونعم الوكيل) يخرج بها الضعيف أمام القوي فينهزم القوي، والفقير أمام الغني فيغتني الفقير ويفتقر الغني إذا تجرد عن (حسبنا الله ونعم الوكيل).

    التوحيد جميل يجعلك وأنت على فراش الموت تتصل بالله، دخلوا على أبي بكر الصديق الموحد الكبير، نحيف الجسم لكنه قوي الإرادة، هزيل البنية لكنه كبير القلب، همته تمر مر السحاب صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88] قالوا: ألا ندعو لك طبيباً، قال: الطبيب قد رآني، قال: فعَّال لما يريد، أخذه الشعراء فقال أحدهم:

    كيف أشكو إلى صبيبي ما بـي      والذي أصابني من صبيبي

    دخلوا على عمران بن حصين -أحد الصحابة وقصته في الإصابة - قالوا: يا عمران! مرضت ثلاثين سنة ألا تدع الله، قال: [[ما دام الله يحب هذا المرض فأنا أحبه]]:

    إن كان سركم ما قال حاسدنا     فما لجرح إذا أرضاكم ألم

    هذا التوحيد هو الذي جعل هذه النماذج تظهر للناس، التوحيد أتى بـعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على المنبر يوم الجمعة ببردة مرقعة أربع عشرة رقعة، فيصرف الدنيا وذهبها وفضتها الدنيا، ويقول في أول الخطبة: [[إنك تعلم ما أريد]] وصدق، نعلم ما تريد يا أمير المؤمنين، تريد جنة عرضها السماوات والأرض، ولذلك قرقرت بطنه في الخطبة من الجوع، فقال لها: [[قرقري أولا تقرقري والله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين]] كل هذا توحيد وهو من معاني التوحيد، ولن تدرك أسرار التوحيد إلا إذا قرأت تراجم الصحابة؛ لأن الصحابة علموا التوحيد.

    يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب والحديث صحيح قال: يا أبي: {! إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة -الله من السماء يأمر محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على أبي سورة البينة - قال: أوسماني في الملأ الأعلى؟قال: نعم إن الله سماك، وقال: الحمد لله أو كما قال، ثم اندفع صلى الله عليه وسلم يقرأ}.

    التوحيد أخرج من هذه النماذج أمماً وأجيالاً، يأتي أحدهم إلى جبل أحد فيقال له: عد من المعركة والكفار أمامه صفوف قال: [[إليكم عني، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]]

    التوحيد يأتي بـجعفر فتقطع يده اليمنى فيأخذ الراية باليسرى، فتقطع اليسرى فيضم الراية ويقول:

    يا حبذا الجنة واقترابها     طيبة وبارد شرابها

    والروم روم قد دنا عذابها     كافرة بعيدة أنسابها

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088929863

    عدد مرات الحفظ

    779951680