والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله ونصح، وزهد إلا فيما عند الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
لا إله إلا الله كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88] لا إله إلا الله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ [الرحمن:26-27] لا إله إلا الله كتب الفناء على كل مخلوق واستأثر بالبقاء.
اللهم لك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق.
أمَّا بَعْد:
فو الله إني لمتحير كيف أدخل إلى هذا الموضوع، ومن أنا أمام هذا الموضوع المدهش المحير المبكي؟! إنه موضوع وفاته عليه الصلاة والسلام، إنه موضوع انتقاله إلى الرفيق الأعلى عليه أفضل الصلاة والسلام، وإني لأتقاصر حقارة أن أتحدث في هذا الموضوع، ولكن لا جدوى إلا بحديث يذكرنا بذاك الحدث الجلل، وكل حدث بعد وفاته هين سهل بسيط يسير.
قال الله عز وجل: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] إطلاق لا تقييد فيه، وعموم لا خصوص فيه كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] فليبن أهل البغي والعدوان بروجاً من التحسين إن شاءوا، فو الله ليموتن ولو كانوا في بروج مشيدة، والموت وما أدراك ما الموت؟!
مذهل، سماه الله مصيبة فقال: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:106] وكان السلف إذا آنسوا من قلوبهم قسوة تذكروا الموت والقدوم على الله وما بعد الموت، فمات كل عضو من أعضائهم مكانه، وأثر عن ابن سيرين رضي الله عنه وأرضاه أنه كان إذا ذكر الموت وسأله سائل قال: والله ما أدري ماذا تقول، طاش عقلي من ذكر الموت. وقال الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لب فرحاً]].
فإذا كان الموت هو مصيبة، وإذا كان الانتقال إلى الله هو رزية؛ فما بالكم يا أجيال محمد صلى الله عليه وسلم، ويا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بحادث وفاته عليه الصلاة والسلام؟!
بلَّغ الرسالة، وجاهد في الله، وقام الليالي منذ قال الله له: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً [المزمل:1-2] فو الله ما ارتاح ثلاثاً وعشرين سنة، قام فما ارتاح، ووقف فما جلس، سهر وعانى الجلاد والجهاد وفي توصية العباد، ونصحهم إلى الله عز وجل، ولما وقف بـعرفة حوله أحبابه ومحبوه وأصحابه وأقربوه، كلهم يرى فيه القدوة والأسوة، وكلهم يرى فيه الأب الحاني، والأخ العاطف، والمشفق الناصح، والصادق الأمين الذي أنقذهم الله به من الوثنية، وقف وأنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فتلاها على الناس، وعلم الناس أن فحوى الخطاب ولسان الحال يقول: إنك ميت فتأهب، وإنك مرتحل فتجهز، وإنك منتقل فودع أصحابك، فيقول عليه الصلاة والسلام بعدها: (يا أيها الناس: لعلي لا أراكم بعد هذا العام) ووالله ما رآهم بعد ذاك العام، فإذا البكاء وهم واقفون في هذا الصعيد، وإذا دموع الحزن تنهمر..
إذا اشتبهت دموع في خـدود تبين من بكى ممن تباكى |
وعاد عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير رحمه الله: واستقر الركاب الشريف سنة إحدى عشرة في المدينة عائداً من من حجة الوداع، ومن موادعة الناس، ومن ذلك المؤتمر الذي استشهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، واستشهد الناس على أنه بلغ الرسالة فما كتم شيئاً، وأدى الأمانة فما ضن بشيء، فنشهد بالله ونشهد لله ونشهد في يومنا هذا إلى أن نلقى الله أنه ما كتم شيئاً، ولا هضم شيئاً، ولا ضن بشيء، بل بلغها كالشمس في واضحة النهار.
عاد إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، وأخبره الله الخبر، وعلم أن كل من عليها فان، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] ويقول جل ذكره: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].
يوم زار المرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ذكر هذا اليوم شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: بأبي هو وأمي زاره المرض يوم الخميس. نعم، بأبي هو وأمي، وليت ما أصابه أصابنا، فإن مصابه رزية على كل مسلم، ولكن رفعاً لدرجاته وتعظيماً له عند مولاه.
ذكر ابن كثير بسند جيد قال: كان ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يقلب الحصى في المسجد الحرام ويقول: [[يوم الخميس، وما يوم الخميس -وهو يبكي- يوم زار المرض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم]].
فديناك من حب وإن زادنا كرباً فإنك كنت الشمس في الشرق أو غربا |
وكان الصحابة يفدونه صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد) حيث أحبابنا وأجدادنا وآباؤنا وإخواننا، الذين نمر عليهم صباح مساء، ومن لم يعتبر بالأموات والمقابر فبماذا يعتبر؟ ومن لم يتعظ بمن يودع ومن يحمل إلى المقبرة صباح مساء فبماذا يتعظ؟
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنـا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندب |
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب إذا حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقـرب |
ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب |
وعاد عليه الصلاة والسلام وهو معصوب الرأس، فتقول عائشة وقد فجعت رضي الله عنها وأرضاها:(وارأساه! قال عليه الصلاة والسلام: بل أنا وا رأساه) وصدق صلى الله عليه وسلم، فإن صداع الموت قد وصل إلى رأسه الشريف ثم يلاحق، وهذه رواية البخاري فيقول: (والله لولا أن يتمنى متمن أو يدعي مدع لأرسلت إلى أبيك وإلى أخيك فأكتب لهم كتاباً) أي: أبا بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر يكتب لهم كتاب الوصاية، والله أعلم بذاك الكتاب، ثم لما أحس صلى الله عليه وسلم بدنو الأجل، وهذا عند أحمد في المسند بسند حسن عن أبي مويهبة قال: قال لي صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس: (يا
وعند البخاري في الجنائز من حديث عقبة بن عامر قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما وصل الشهداء في أحد، فسلَّم عليهم سلام المودع، ثم قال: يا أيها الناس: والله ما أخاف عليكم الفقر، ولكن أخاف أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم) وصدق عليه الصلاة والسلام، فو الله ما قطعت أعناقنا إلا الدنيا، وما أفسد ديننا إلا الدنيا، وما ذهب بأخلاقنا وآدابنا إلا الدنيا.
ولا ذنوب له صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكن رفعت درجاته عليه الصلاة والسلام، جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك -أي: في مرض موته- فمسسته بيدي- بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- فقلت:يا رسول الله! إنك توعك وعكاً شديداً. قال: نعم. إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بأن لك الأجر مرتين يا رسول الله. قال: نعم. ثم قال: ما من مؤمن يصيبه هم أو غم أو حزن أو مرض إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها}.
كان عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود يقول: {أرحنا بالصلاة يا
فقل لـبلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا |
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبواب الجنان الثمانيا |
وعند ابن كثير في السيرة: قال أبو بكر متواضعاً محتقراً نفسه رضي الله عنه وأرضاه: يا عمر! صل بالناس. قال: بل أنت صل بالناس. وورد بسند جيد: {أن
كذب الأدعياء، وكذب الدجاجلة، إن هو إلا زور افتروه، وكذب دجلوا به على الأمة.
وتنشَّط عليه الصلاة والسلام ذات غداة في صلاة الظهر ووجد من نفسه خفة، فقام ليصلي مع الناس، وقام عليه الصلاة والسلام معتمداً على الفضل ورجل آخر، حتى أدخل المسجد صلى الله عليه وسلم، فوضع عن يسار أبي بكر، فجلس صلى الله عليه وسلم يُكبر وأبو بكر يكبر بتكبيره، ويسجد فيسجد أبو بكر لسجوده، والناس يسجدون بعد أبي بكر، فلما سلم عليه الصلاة والسلام رقى المنبر، فلما رقى المنبر كشف عن وجهه الشريف الذي ضمر بالحمى، واصفر بالمرض، ورق بالألم، فقال للناس: {يا أيها الناس: إني أنهاكم عن الشرك فلا تشركوا بالله} كما أوردها ابن كثير، ثم قال وهو على المنبر، بل كرر هذا الحديث ثلاث مرات: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} يحذر من الشرك، ثم قال: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد} ثم أوصاهم بالتوحيد، فكان حرصه على التوحيد في أول الطريق، وفي وسط الطريق، وفي آخر الطريق.
قال أنس رضي الله عنه وأرضاه كما في الصحيح: (كشف صلى الله عليه وسلم لنا ونحن في الصلاة، فنظرنا إلى وجهه وهو في حجرة
يا لقلبي ويا لشعري ما لهذا التبسم، ومالهذا التعجب! إنه -إن شاء الله- تبسم لأنه رأى الصفوف منتظمة، ورأى الدعوة حية، ورأى الرسالة منتصرة، ورأى لا إله إلا الله مرتفعة، ورأى أبا بكر يصلي بالناس، ورأى دعوة التوحيد قد ضربت بجرانها في الجزيرة، فحق له أن يتبسم.
يتبسم لأنه ترك جيلاً مؤمناً، وكتيبة موحدة، وترك جيشاً يوالي لله ويعادي في الله، ويموت من أجل الله، ثم رد الستار، ولكنه تبسم أخير ومنظر أخير، ما بعده إلا الموت، ثم أتى عليه الصلاة والسلام فمرضته عائشة رضي الله عنها وأرضاها، جلس عليه الصلاة والسلام ووضع رأسه الشريف في حجرها، ويا لسعادة الزوجة بزوجها! ويا لسعادة الحبيبة بحبيبها! ويا لفرحتها بمؤنسها وبرجلها في آخر عمره وهو يلصق رأسه بحجرها رضي الله عنها وأرضاها! كانت تقول: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري) وفي الصحيح قالت: (توفي بين حاقنتي وذاقنتي) فأخذت تتلو عليه القرآن، وتعوذه بالمعوذات؛ لأنه أصبح لا يستطيع أن يقرأ أو يتلو.
اشتد عليه الكرب عليه الصلاة والسلام، وفي تلك الفترة دخل عليه أسامة بن زيد حبه وابن حبه، كان مولى، ولكن الحب والود في الله، فما استطاع عليه الصلاة والسلام أن يكلم أسامة، وقد جهز له جيشاً يرسله إلى البلقان، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه، وما سمعوا له كلاماً كما في السيرة يرفعها ثم يردها، قال أسامة: فعلمت أنه يدعو لي صلى الله عليه وسلم.
ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر، والرسول صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت، ومع عبد الرحمن سواك من أراك يستاك به، وهو صهره ورحيمه، فنظر إلى السواك؛ لأنه طيب، فمه طيب، ونفسه طيب، وكلامه طيب،وحياته طيبة، ومماته طيب، قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (فعلمت أنه يريد السواك، فأخذته فقضمته ثم غسلته ودفعته إليه صلى الله عليه وسلم، فاستاك كأشد ما يستاك في الحياة صلى الله عليه وسلم) وأخذ يدير السواك بقوة، ليلقى الله طيباً، فإن حياته طيبة، ووفاته طيبة يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
ثم أعاد صلى الله عليه وسلم قضية التوحيد ورسالة التوحيد -يا أهل التوحيد- وهو في سكرات الموت، كان يأخذ خميصة فيبلها بالماء، ويجعلها على وجهه ويقول: (لا إله إلا الله، اللهم هوِّن عليَّ سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله، اللهم هوِّن عليَّ سكرات الموت) ثم قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى -مرة ثانية- اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وعند مسلم: (قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري مسجداً، فإني أنهاكم عن ذلك) فهو يوصي بالتوحيد صلى الله عليه وسلم.
ثم من كمال إشفاقه أوصى بالصلاة وهو في سكرات الموت.. أين الذين يوصون بالقصور والفلل؟
أين الذين يوصون بالأموال والمناصب؟ أين الذين يوزعون التركات؟
ها هو سيد البشر وخير البشر صلى الله عليه وسلم يوصي بالصلاة، ويقول وهو في الرمق الأخير: (الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم) ثم يشير بسبابته صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، فترتفع روحه إلى الحي القيوم، إنا لله وإنا إليه راجعون! صلى الله على محمد رسوله، نشهد بالله شهادة ندخرها ليوم العرض على الله، أنه ما مات إلا وقد دلنا على كل خير، وحذرنا من كل شر، وبلغ الرسالة، ونشهد أنه أدى الأمانة.
وانصرع صلى الله عليه وسلم في ذاك المصرع، الذي لا بد أن يصرعه كل واحد منا، فجهز نفسك وقدم لها، وتهيأ لذاك المصرع، فو الله لتصرعَن يوماً ما، ووالله لتأخذن روحك خلسة، فتهيأ لذاك المصرع، أعاننا الله وإياك وكل مسلم عليه.
فداً لك من يقصر عن فداك فلا ملك إذاً إلا فداكا |
أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا |
إذا اشتبكت دموع في خـدود تبين من بكى ممن تباكى |
وقف الصحابة في موقف لا يعلمه إلا الله، وفي دهشة لا يعلمها إلا الحي القيوم، كلهم يكذب الخبر، ولا يصدق إلا من أتاه اليقين..
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب |
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي |
وقفوا حول مسجده صلى الله عليه وسلم، وأغلق بابه الشريف على جثمانه، وبقيت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تبكي مع النساء، أما السكك فقد امتلأت بالبكاء والعويل والنحيب، وأما عمر رضي الله عنه وأرضاه فوقف عند المنبر يسل سيف الإخلاص والصدق الذي نصر به دين الله، ويقول: يا أيها الناس: من كان يظن أن رسول الله قد مات، ضربت عنقه بهذا السيف. ولكن البكاء غلب والنحيب والعويل زاد، أما أبو بكر فكان غائباً في ضاحية من ضواحي المدينة في مزرعته، ما يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوفى في ذلك اليوم، بأبي هو وأمي! فسمع الخبر فأتى على فرسه، وقد ثبته الله يوم أن يثبت أهل طاعته، وقد سدده الله يوم أن يسدد أهل التوحيد.
فأتى بسكينة ووقار، كان رجل المواقف، ورجل الساعة، وكان اختياره صلى الله عليه وسلم موفقاً في إمامة أبي بكر، فأتى وإذا الناس لا يزدادون من البكاء إلا بكاء، ولا من العويل إلا عويلاً، ولا من النحيب إلا نحيباً، فقال: ماذا حدث؟ قالوا: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات رسول الله، أتدرون ماذا قال؟
قال: الله المستعان! الله المستعان نلقى بها الله، والله المستعان نعيش بها لله، والله المستعان نتقبل بها أقدار الله، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! إنها كلمة الصابرين حين يصابون بصدمات في الحياة، إنها كلمة الأخيار حينما تحل بهم الكوارث من أقدار الله وقضاء الله.
ثم دخل وشق الصفوف في سكينة على فرس له، وبيده عصا، ويشق الصفوف بسكينة ووقار، حتى وصل إلى البيت ففتح الباب، ثم أتى إليه صلى الله عليه وسلم، فكشف الغطاء عن وجهه، ثم قبله وبكى ودمعت عيناه الشريفتان على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال: [[بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما أطيبك حياً وما أطيبك ميتاً، أما الموتة التي كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن والله لا تموت بعدها أبداً، والله لا تموت بعدها أبداً، والله لا تموت بعدها أبداً ].
ثم خرج رضي الله عنه وأرضاه إلى الناس وعصاه بيده، فأسكتهم، وقال لـعمر: يـابن الخطاب! اسكت، فلما سكت الناس، وهم ينظرون إلى القائد الجديد الملهم، إلى هذا الإمام الموفق، إلى هذا الخليفة الراشد، وهو يتخطى الصفوف حتى صعد المنبر، فيستفتح خطابه بحمد الله والثناء على الله، فالمنة لله والحمد لله، والأمر لله من قبل ومن بعد، ثم يقول: [[يا أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]]] فكأن الناس سمعوها لأول مرة، وكأنها ما مرت على أذهانهم، ثم عاد رضي الله عنه وأرضاه.
أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد أصيبوا بمصيبة في الصميم..
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر |
ثوى طاهر الأدران لم تبق بقعـة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر |
عاد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كلهم يتلمح مصلاه صلى الله عليه وسلم، كلهم ينظر إلى ممشاه وإلى مجلسه وإلى ذكريات كلامه، فما أصبح يرى ذاك الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أصبح يعيش تلك الأيام، يقول جابر كما صح عنه: [[ما دفنَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفضنا أيدينا من تراب قبره حتى أنكرنا قلوبنا]]
وأورد صاحب مجمع الزوائد عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، [[أن p=1000029>عمر
مر به فسلم عليه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليه السلام، فذهب عمر إلى أبي بكر فاشتكى عثمان وقال: سلمت عليه فلم يرد علي السلام، فاستدعاه أبو بكر، وقال: يا عثمان! سلَّم عليك أخوك عمر فلم ترد عليه السلام، فقال: يا خليفة رسول الله! والله ما علمت أنه سلَّم علي قال: لعلك داخلك ذهول أو دهش من وفاته صلى الله عليه وسلم قال: إي والله، فجلسوا يبكون]].وفي الصحيحين من حديث أنس قال: قال أبو بكر لـعمر رضي الله عنه وأرضاه: يا عمر! اذهب بنا إلى أم أيمن -هذا بعد وفاة رسول الله، وهي مولاة كانت مرضعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عجوز مسنة كان يزورها صلى الله عليه وسلم في حياته- قال: اذهب بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان صلى الله عليه وسلم يزورها.. يا للتواضع! يا للتمسك بالسنة! يا للحرص على الأثر! فذهبا رضوان الله عليهما، فلما وصلا إلى أم أيمن بكت، فقالا: ما يبكيك يا أم أيمن؟
قالت: أبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: والله إني أعلم ذلك، ولكن أبكي على أن الوحي انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان رضوان الله عليهما.
جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فضلت |
هُمُ خلطونا بالنفوس وألجئـوا إلى غرفات أدفأت وأظلت |
فبايعوه بالخلافة وعادوا إلى جثمان الحبيب صلى الله عليه وسلم.
لا يطلب منه الدعاء، ولا يتوسل به وهو في قبره، ولا يستشفع به بعد موته في قبره، ولا ترفع إليه الحوائج ممن يأتي إلى قبره، بل هو في قبره عليه الصلاة والسلام، لم تأكل الأرض جسده الشريف عليه الصلاة والسلام دائماً وأبداً سرمداً.
نعم.. دفن عليه الصلاة والسلام بعدما صلى عليه الناس زرافات ووحداناً، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار: أن من صلى عليه صلى الله عليه وسلم يبلغون سبعة وثلاثين ألفاً من الرجال والنساء، من المهاجرين والأنصار، ما كان لهم إمام يصلي بهم، بل صلى كل إنسان منهم على حدة، وكان في الصف الأول أبو بكر وعمر، حفظ من دعائهما رضي الله عنهما أنهما قالا: [[صلى الله وسلم عليك يا رسول الله، نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حتى أتاك اليقين]].
كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم |
تبني الفضائل أبراجاً مشيـدة نصب الخيام التي من أروع الخيم |
إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم |
صففت مائدة للروح مطعمها عذب من الوحي أو عذب من الكلم |
ذهب عليه الصلاة والسلام وبقي بيته من طين، وبقيت بعض الدراهم ليست له، أنفقت في الصدقات وفي سبيل الله، وأتى أبو بكر فقال لقرابته ولبناته صلى الله عليه وسلم لما طلبوه الميراث، قال: { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نورث، ما تركناه صدقة} وعند أحمد في المسند: {إنا لا نورث ما تركنا صدقة} فما ترك صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولكن ترك هذا الدين، اجتماعنا بهذه الوجوه الطيبة النيرة حسنة من حسنات، وهذه المساجد والمنابر حسنة من حسنات رسالته، وهذه الدعوة الخالدة والرسالة القائمة فضل من فضل الله ثم من فضله صلى الله عليه وسلم.
نعم. مضى إلى الله صلى الله عليه وسلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون! وحسبنا الله على كل ما يصيبنا! فإنه قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يا أيها الناس: من أصيب بمصيبة فليتعز بي، فإني عزاء لكل مسلم} إي والله
وإذا أتتك من الأمور بلية فاذكر مصابك بالنبي محمد |
إذا مات ابنك فاعلم أن ابنك لا يكون أحب في قلبك إن كنت مؤمناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن مات أبوك أو أمك أو قريبك أو صفيك، فاعلم أنهم لا يعادلون ذرة في ميزان الحب مع حبه صلى الله عليه وسلم، تذكر أنه مات، وأنه صلى الله عليه وسلم عند ربه، يستشهده الله علينا هل بلغنا ما علينا؟ ويستشهده الله علينا هل سمعنا وأطعنا أم لا؟ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41].
قال: ثكلتكم أمهاتكم؛ وهل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً أو ديناراً، إنما ترك العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر
]].فأكبر عبرة أن تنقذ نفسك من غضب الله، باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
والعبرة الأخرى: أن تعلم أن قضية التوحيد أخطر قضية في حياة الإنسان، كان ينادي بها صلى الله عليه وسلم قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وفي حياته وفي مماته، في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله، وفي سكرات الموت يقول: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
والعبرة: أن الرسالة باقية، وأن هذا الدين لا يموت، قد يمرض أهله، ولكنه لا يمرض، لا تصيبه حمى أبداً، لأنه دين محفوظ من عند الله، قال الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
وعبرة أخرى: وهي أن الدنيا تافهة وحقيرة، فعجباً لعبادها! وعجباً للساجدين لها! وعجباً لمن يركع عند أبوابها! أما اتعظوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أما أخذوا درساً من رسالته؟ أما سمعوا ما فعل يوم ما ترك إلا الجميل والعمل الصالح؟
لا نقول للناس: اتركوا الأموال، واخرجوا من القصور، ولا تركبوا السيارات، ولكننا نقول: اسكنوا في القصور، واجمعوا الأموال، واركبوا السيارات، ولكن لا تنسوا نصيبكم من الحي القيوم، اذكروا حفرة ضيقة، اذكروا لقاءكم عند الله يوم تأتون حفاة عراة غرلاً بهماً، اذكروا يوم يقول الله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94]:
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا |
فاعمل لنفسك أن تكـون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا |
وعبرة أخرى: أن المسلم لا يهمه ولا يشغله عن الله شاغل، ومن شغله عن الله شاغل شغله الله، وطبع الله على قلبه وأنساه ذكره، فالرسول صلى الله عليه وسلم على كثرة أعماله وأشغاله، وعلى كثرة ما ينوبه من أغراض وأعراض ما نسي الله لحظة واحدة، حتى في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله! ويوصي بحقوق الله ويقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) فالله الله في ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وعبرة أخرى تؤخذ من سياق وفاته صلى الله عليه وسلم: وهي أن الموحد حقاً لا يحتج بالأحداث، لأنه يعيش لله ويموت لله ويبعث إلى الله، فـأبو بكر ما خارت قواه، وما انهد ولا انهزم ولا فشل في ذاك الموقف، بل علم أنه يعبد الله حياً لا يموت، وأنه يعبد باقياً سُبحَانَهُ وَتَعَالى ودائماً دواماً سرمدياً، فالتجأ إليه، وأخبر الناس أن كل إنسان يموت، فمن كان يعبد محمداً فإنه قد مات صلى الله عليه وسلم، ولكن الله لا يموت.
وعبرة أخرى: أن لكل مسلم ساجد سهماً في التركة، فالله الله لا تترك سهمك، فإنك إن تركت سهمك قيض الله من يأخذ عنك، واستغنى الله عنك والله غني حميد، فخذ حظك من هذه التركة، وخذ سهمك من هذا الميراث؛ لتلقى الله وأنت سعيد يشهد لك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأسأله كما جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا به صلى الله عليه وسلم.
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا |
نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا |
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا |
تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا |
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32] فأكثروا -أيها الناس- من الصلاة والسلام على رسول الله، واتبعوه ظاهراً وباطناً، واحرصوا على سنته، فإن تعظيمه حق التعظيم وتوقيره حق التوقير عليه الصلاة والسلام في التمسك بسنته، وفي الأخذ بآدابه، وفي اغتنام سيرته والتمثل بها في الحياة؛ لنلقى الله وقد رضي عنا ورضينا عنه.
ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
اللهم إن هذه الوجوه قد اجتمعت في مرضاتك، وهذه القلوب تحابت في مودتك، فنسألك يا حي يا قيوم ألا تحرمنا شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسقنا من كوثره ومن حوضه المورود، يوم يرد الناس ظامئون فيروى من اتبع السنة، اللهم أسقنا وأسق كل واحد شربة لا يظمأ بعدها أبداً.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.. هذا الأمر قد ورد، ولكن حسب ما اطلعت عليه أن هذه الرواية ضعيفة، ولذلك تجنبت إيرادها في هذه الجلسة.
الجواب: هذا الحديث جاء من حديث أوس بن أوس، ورواه أهل السنن، ونصه: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا من الصلاة والسلام عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ -أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} هذا الحديث صحيح، وهناك حديث في مسلم: {إن لله عز وجل ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام} فهذا سند معاضد لذلك الحديث مع أن ذاك بذاته صحيح.
الجواب: أما هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان بإمكانه أن يدعو الله في أن يزيل عنه المرض، فذلك وارد، لكن الظاهر أن هذا خلاف الأولى، وأن الله عز وجل يرفع بالأمراض والمصائب من يصيبه من عباده، ويبتلي الناس على قدر إيمانهم، وأكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فلذلك كان باستطاعته صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله، ولكن ما دعا عليه الصلاة والسلام ليرفع الله درجته بهذا، وليعظم مثوبته، فهنيئاً مريئاً له صلى الله عليه وسلم.
وهل أراد صلى الله عليه وسلم أن يتخلص من الحياة؟
وردت بعض الألفاظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {دعوني فو الله إنَّ ما أنا فيه خير مما أنتم فيه} وورد في الصحيح:{ أنه صلى الله عليه وسلم لما كانت تنفث عليه زوجته
الجواب: سامع الأغاني أوصيه وأوصي نفسي وكل مسلم أن يتقي الله عز وجل، وأن يأخذ من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مواعظ ترده عن استماع هذا اللغو وهذا اللهو، الذي يشتت القلوب ويبعدها عن باريها، ويقسيها عن الموعظة، وليتذكر تلك الحفرة القبر الموحش يوم يقدم على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم أنه لا زاد إلا العمل الصالح، ولا مؤنس إلا العبادة، ولا أنيس إلا في ما قدم من خير، فليتق الله في نفسه، وليحفظ الله في أذنيه، فوالله ليسألن عن أذنيه وعن عينيه وعن كل جارحة، فاتق الله يا عبد الله، ولا تضيع قلبك بالغناء، فما وقعت فاحشة ولا جريمة إلا بسبب هذا الصوت المجرم الآثم، وما ضيع كثير من شباب الإسلام ومن فتيان الدعوة إلا بسبب هذا الغناء الذي انتشر في أوساطنا، فحبب الزنا، وحبب الفحش والإثم إلى كثير من القلوب، بل هو أسرع إلى الجريمة من الخمر إلى العقول، وسمَّاه ابن القيم: بريد الزنا، وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه: إياكم واستماع الغناء فإنه يشغل عن ذكر الله.
وورد في حديث ابن مسعود: [[إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر]] وبعض المحدثين يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال كما جاء من حديث أبي مالك الأشعري: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف} فاستحلال المعازف بعد تحريمها.
فالله الله في أن يتقي المسلم ربه، وأن يحاسب نفسه، وأن يعد لذلك اللقاء يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
الجواب: أما لفظ: قتلتني يهود قتلتني يهود، فما أعلم عنه شيئاً، وأما هل كانت وفاته بآثار ذلك السم الذي وضعته اليهودية؟ فهذا صحيح ووارد، وأسانيده صحيحة ذكرها أهل العلم، وجمعها ابن كثير في كتاب السيرة من وفاته صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير: والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نبي رسول شهيد. فإن الله جعله شهيداً بآثار تلك الأكلة، وهي من الشاة المسمومة، ويقول عليه الصلاة والسلام: {هذا أوان انقطاع أبهري} قال ابن الأثير: الأبهر عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات الإنسان.
فعلم أن ذلك من آثار تلك الأكلة، وقد مات بشر بن البراء قبله صلى الله عليه وسلم، ثم لحقه صلى الله عليه وسلم.
الجواب: قسوة القلب كلنا ذاك الرجل الذي يشكو منها، ونسأل الله أن يلين قلوبنا لذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وطاعته، قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعدها: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الحديد:17] فنسأله كما أحيا الأرض بعد موتها بغيث المطر، أن يحيي قلوبنا بعد موتها وقسوتها بالذكر.
أما قسوة القلوب فذكروا لها أسباباً، ومن ضمن من تفنن في ذلك وبرع ابن القيم، فقد ذكر من أسباب قسوة القلب: البدعة؛ نعوذ بالله من البدعة، وهي أعظم صاد عن منهج الله بعد الكفر، ثم المعصية، فإنها ترين على القلب وتطبع عليه، ثم الإسراف في المباحات؛ من كثرة الأكل والشرب والنوم، وكثرة الكلام بغير ذكر الله، وكثرة خلطة من لا ينفع ولا تقربك خلطته من الله، هذه من أسباب قسوة القلب.
أما الأسباب المؤدية -بإذن الله- إلى رقة القلب، فتكمن في مدارسة كتاب الله عز وجل، والجلوس معه، والخشية، والخشوع، والترنم بالصوت، وتكرار الآيات، والتدبر لما فيها من عبر وعظات، ثم زيارة القبور،فقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي: {زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة} وقال عليه الصلاة والسلام: {اذكروا هادم اللذات} زاد بعض أهل العلم في رواية: {فما ذكر في قليل إلا كثره ولا في كثير إلا قلله}.
ومن أسباب رقة القلب: قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقراءة سيرة الأخيار من الصحابة والتابعين وكل صالح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن أسباب رقة القلب: ذكر الله عز وجل، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] فكثرة الذكر والاستغفار والتهليل والتكبير من أسباب الرقة.
ومنها: مجالسة الصالحين، ثم التنفل إلى الله عز وجل، ومن وفقه الله سبحانه وتعالى أراه الخير وسدده وأخذ بيده، فنسأل الله لنا ولكم السداد والثبات.
الجواب: أعظم الطرق المؤدية إلى محبته صلى الله عليه وسلم:العمل بسنته صلى الله عليه وسلم، فقد جاء اليهود إليه صلى الله عليه وسلم يقولون: نحب الله ولكن لا نتبعك، فكذب الله قولهم ورد مقالتهم، فقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] فمن أراد حبه صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يرزقه الله حب الرسول عليه الصلاة والسلام فليعمل بسنته، وليحرص على التمثل بآثاره، فإن هذا هو الحب، وإن الذي يزعم الحب بقلبه ثم يخالف بفعله، أو لا يتنسك بنسكه صلى الله عليه وسلم فهو كاذب، فلا بد أن تظهر عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعظمها اعتقاد أن لا إله إلا الله.
ومن الأمور التي يتهاون بها كثير من الناس: الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الزي وفي اللحى وفي السواك وفي كل أثر، فإن من يتهاون في هذه الأمور معنى ذلك أنه يشهد على نفسه الله والمؤمنين أنه ليس بمحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر ذاك الزعم الذي يزعمه.
والسبب الثاني من أسباب محبته صلى الله عليه وسلم: قراءة حديثه، والجلوس مع ميراثه وتركته صلى الله عليه وسلم، وشرب الماء العذب من نبعه الطاهر الصافي الذي لم يصبه غبش، فإنه صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى.
والسبب الثالث: كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فإنها من أعظم الأمور، ومن أعظم الأجور، ومن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً، بل خاطبنا الله بذلك ونادانا فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] فهذه الأمور وغيرها من الأمور التي يفتحها الله عز وجل على من يعمل بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تؤدي إلى حبه صلى الله عليه وسلم بإذن الله.
الجواب: هذا اللفظ لا أعرفه، إنما أعرف قوله صلى الله عليه وسلم: {من أصيب بمصيبة فليتعز بي، فإنني عزاء لكل مسلم} وهذا كما قال أهل العلم: حديث حسن، وإذا أراد الأخ أن يراجع فليراجع كتاب السيرة من تاريخ ابن كثير في البداية والنهاية، فإنه تكلم عن هذا الحديث، وأرى من كلام أهل العلم أنه في درجة الحسن؛ لأنه ليس في الصحيحين ولا في أحدهما، ولكن رواه بعض أهل العلم بأسانيد، ومجموع هذه الأسانيد تدل على أنه حسن.
الجواب: إن كنت تعلم أن هذا الرجل الذي يريد شراء الجهاز سوف يستخدمه في المعصية وفيما يضر بدين الله عز وجل وفي المسلمين، فليس لك أن تعينه على المعصية ولا تبع هذا الجهاز منه، وإن كان الأمر مطلقاً، ولا تدري لماذا يشتريه، أو علمت أنه يشتريه لمصلحة، أو لأمر فيه صلاح وخير، فلك أن تبيع هذا، والله يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.
نرجو التوضيح جزاكم الله خيراً.
الجواب: هذا ليس بصحيح، قول القائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قائم يتعبد في قبره ليس بصحيح، بل رفع التكليف، والتكليف إنما هو في الحياة؛ الصلاة والصيام والعبادات هي في الحياة الدنيا، فإذا توفي العبد فقد انتهى وما بقي إلا الحساب، ولم أر في سند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتعبد في قبره، ومن اطلع على شيء فليفدنا بهذا، ولينفعنا بهذه القضية جزاه الله خيراً.
الجواب: لا يجوز لك أن تصلي عليه صلاة الجنازة صلى الله عليه وسلم، بل تصلي عليه وتكرر الصلاة والسلام عليه دائماً وأبداً.
أما صلاة الجنازة بهيئتها المعروفة وبتكبيراتها، فليس لك ذلك؛ لأنه أمر محدث، ولم يسبقك إلى هذا من هو أعلم وأنصح وأصدق منك، من الصحابة والتابعين والسلف الصالح و{من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} فلو سُبقت إلى هذا أو كان هناك حديث يدل على هذا كان لك وجه، أما والقضية هكذا ولم يرد فيها نص من المعصوم، ولا عمل من أصحاب رسول الله؛ فليس لك ذلك، فانتهِ وتمسك بالسنة.
الجواب: نعم. تصلي ركعتين تحية المسجد؛ لأن عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة الذي رواه البخاري ومسلم: {من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} يشملك في هذه الحالة، ثم ولو كان لك مخرج من عموم هذا الحديث؛ فإن هناك ركعتي الوضوء، ذكرها ابن تيمية في فتاواه، وقال: ربما كانت من ذوات الأسباب، ويجوز حتى أن تصلي بعد صلاة العصر، وبعد صلاة الفجر، فتصلي بعدما تتوضأ تحية المسجد، وإن شئت فركعتي الوضوء.
الجواب: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي} وهذا نص على أن رؤيته صلى الله عليه وسلم حقيقة لا لبس فيها لمن رآه، لكن بضوابط، منها: أن تكون أوصافه عليه الصلاة والسلام التي رآها في المنام هي أوصافه التي كتبت أو حفظت في الكتب، فلا يمكن أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم حليقاً لا لحية له، أو يراه صلى الله عليه وسلم وهو يفعل بعض الأمور المخالفة.
بل يراه عليه صلى الله عليه وسلم مثل أن يكون أبيض، مشوباً بحمرة، وأن يكون ربعة، وأن يكون صلى الله عليه وسلم كث اللحية، أقنى الأنف، فهذه علامة الصدق، وبعض أهل العلم يقولون: ويكون الرائي صالحاً، ولكن ما رأيت هذا الشرط في النصوص، فيكتفى أن تكون رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام كما ذكرت في كتب أهل العلم في السنة، ولا يعتبر أن كل من رآه علامة لصلاحه، وعلامة لولايته، بل قد يراه بعض من عندهم فجور ومعاصي تنبيهاً لهم، وإنذاراً وإعذاراً إلى الله عز وجل لمصلحة يعلمها الله تبارك وتعالى.
وبعض الصالحين لا يرونه صلى الله عليه وسلم لئلا يصيبهم عجب أو تيه أو كبر أو غرور، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بعباده، فهو يصرفهم كيف يشاء.
الجواب: الذي يكتب صلى الله عليه وسلم ويرمز لها بالصاد قد خالف الأولى في هذا، وفاته أجر كبير وخير عميم وثواب جزيل، بل يغتنم الصلاة والسلام عليه، فإن النووي رحمه الله يذكر من آداب طلب العلم والحديث: أنه إذا ذكر الصلاة فليغتنم الأجر في هذا، فليصل ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم وليكتبها؛ لأنها بركة في وقته وفي عمره وفي أجره، وأما رمز (ص) فإنما أتى لنا من بعض من تأثر بالغرب في اختزال الكلمات، فاختزلوا الكلمات ليوفروا على أنفسهم بعض الأجور والثواب ورفع الدرجات، وهذا خطأ، بل يكتب (صلى الله عليه وسلم) وتنطق عند الكتابة، ويعتذر لبعض المحدثين -كما ذكر أهل المصطلح- في أنهم ما ذكروا الصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم- من العجلة، أو أن الشيخ كان يملي، أو أنهم كانوا ينطقونها ويكتفون بنطقها.
لكن الأحسن أن تنطقها، وأن تصلي وتسلم عليه صلى الله عليه وسلم كتابةً؛ لتكون لك نوراً عند الله عز وجل.
الجواب: من زعم أنه يرى الرسول صلى الله عليه وسلم جهرةً لا مناماً، وأنه يأمره وينهاه ويعظه؛ فقد كذب على الله، وافترى على دين الله، وهذا عنده هوس ودجل، ما خجل على نفسه، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، وهو في قبره، ولا يمكن أن يخرج من قبره صلى الله عليه وسلم إلا في البعث، فإذا علم ذلك فهؤلاء خالفوا، وما دل على ذلك آية ولا حديث ولا كلام سلف، وإنما هذا ابتدعه بعض الغلاة من أهل البدع الذين ما عندهم من العلم شيء، ولا من الأثر ولا من الحديث، فهذا قول مردود على صاحبه ليس بصحيح، لا يصدق ولا يسلم لقائله، وإنما هو ضرب من الدجل.
والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يرى في المنام، وقضية رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام كذلك لا يبنى عليها حكم، فقد جاء في ترجمة ابن مندة وأبي نعيم، مع أنه صحح لـأبي نعيم بعض الأحاديث، فهذا ليس بصحيح، فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يحلل ولا يحرم بعد وفاته، وإنما كانت شريعته في الحياة، وقد بلغها كاملة، وقال الله عز وجل في آخر أيامه الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3].
فأما أن يأتي في المنام يسأله عن مسألة ويحلل له ويحرم، فهذا ليس بصحيح، وما دل على هذا أثر فليعلم.
الجواب: الحديث أنواع وأقسام:
أما الحديث المنهي عنه فإنه حرام في المسجد وفي غير المسجد، في البيت وفي الشارع وفي السوق، كالغيبة والنميمة والزور واللغو والهراء واللعن، فهذا حرام في المسجد وفي السوق وفي أي مكان، لكن في المسجد أنكى وأمر، وأما الحديث العام في المسجد فما به بأس إن شاء الله، وأما الحديث الذي يستدلون به من منع الحديث في المسجد: {إن الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} فليس بصحيح، بل هو ضعيف، ولا يعتمد عليه، وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث للصحابة في المسجد، وفي حديث حسن عن جابر بن سمرة قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إلينا بعد صلاة الفجر، فنتحدث في أخبار الجاهلية ونضحك وهو يتبسم} وفي صحيح البخاري: { أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى
وصح في البخاري أن أنساً رضي الله عنه وأرضاه قال: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدته في المسجد يتحدث مع الناس، فدعوته إلى طعام صنعته
الجواب: أما حديث: {أحسن الله عزاءكم} فما أعلم له أصل في حد علمي، ما أعلم أنهم كانوا يقولون: أحسن الله عزاءك، وهناك بدع في وقت التعزية، منها: أن بعض الناس يجتمعون ويذهبون مجموعات إلى بيت الميت، ومنها: أن أهل الميت يجتمعون في استقبال المعزين ويقولون بعض الألفاظ، بل ذكر في أثر أن العزاء ثلاثة أيام، أورد هذا الشوكاني في نيل الأوطار، فالسنة أن يعزى ثلاثة أيام، إما برسالة، وإما باتصال، أو تلقاه في أي مكان، فتدعو له وتترحم على الميت وتوصيه بالصبر، أما لفظ: أحسن الله عزاءك، فما أضبطه.
الجواب: المرأة لا ينبغي لها إذا كان هنالك ريبة أو تهمة أو خوف من فتنة أن تخالط الرجال، لا في بيع ولا في شراء ولا غيره، فلتتق الله المسلمة ولتبقَ في بيتها، لكن يجوز لها أن تبيع وتشتري من النساء، أو من ليس فيهم ريبة، كأن تكون عجوزاً كبيرة مسنة مع أطفال، فلها أن تبيع وتشتري كما فعل بعض الصحابيات.
أما مع الرجال فليس للمرأة أن تبيع ولا تخالط ولا تشتري ولا تنافس، بل لها أن تبيع للنساء وعليها ببيتها وعليها بتقوى الله عز وجل، فإن بيتها خير لها لو كانت تعلم، وحصنها وسترها واحترامها وأجرها ومثوبتها في تسترها عن الأجانب، ومن تسترت بستر الله سترها الله عز وجل، ومن طلبت الفتنة فتنها الله عز وجل، فنسأل الله السداد والثبات.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـعائشة: {إنكن صواحب يوسف، أو صويحبات يوسف} بالجمع والتصغير كما في البخاري ومسلم، وذلك عندما قالت عائشة رضي الله عنها لـحفصة، قولي له: يأمر عمر أن يصلي بالناس، ومقصود عائشة تقول: لئلا يتشاءم الناس بـأبي بكر، عندما يقوم أول مقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتشاءموا به، فأرادت أن تجعلها في عمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأبى، فلما أطالوا عليه قال: {إنكن صويحبات يوسف} ومعنى ذلك: أنكن من تلك السلالة ومن ذاك المورد والقسم، وهن صويحبات يوسف اللواتي كدن أن يمكرن به، واجتمعن ليرينه وقطعن أيديهن، هذا على الصواحب، أو من جنس المرأة التي كادت تفتن يوسف، فهم أرادوا غضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقت الوفاة، فعزرهم بهذه الكلمة صلى الله عليه وسلم.
الجواب: نتف شعر اليدين للمرأة إن كانت ترى أنه نقص لجمالها وأن من الضرورة والحسن أن تنتفه فلها ذلك، أن تزيله بمزيل وأن تنتفه لتكون أجمل وأحسن، فليس عليها في ذلك شيء، فلتزل شعرها بأي مزيل أو تنتفه نتفاً.
الجواب:الكتب في سيرته كثيرةٌ جداً، ومن أجودها فيما أعلم، وما أعلم أنه ألف في فنه مثل هذا الكتاب: زاد المعاد لـابن القيم، وأوصي به نفسي وكل مسلم أن يجعله مع القرآن، وأن يكرر قضاياه وأن يستفيد منه، لأنه منقح محقق من عالم سني متبع عارف بفن الحديث، ثم هناك كتاب السيرة لـابن كثير ولـابن هشام، ولا بأس بهما لولا بعض الأحاديث الضعيفة، وهناك كتاب عصري طيب اسمه: الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام للمبار كفوري، وهناك بعض الكتب، ولكن هذه الكتب التي تحضرني في هذا الفن.
الجواب: مناسبة وفاته صلى الله عليه وسلم ما أظن أن هناك قصائد، لكن هناك أربعة أبيات وقد سمعتموها، ولكن لا بأس بإعادتها:
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا |
نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا |
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا |
تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا |
وهناك قصيدة اسمها: ثناء وتبجيل لمعلم الجيل صلى الله عليه وسلم، من ضمن أبياتها:
الأماني على لسانك أحلى فأعد يا حبيب عصراً تولى |
لم أقض لبانة العيش فيه ودعاني المشيب لما أطلا |
أعصر الليل في كئوس من الحزن وأدعو الصباح حتى أملا |
وأناجي الدجى بهمسة حـب فارغ الصبر من لساني لعلَّ |
ذكريات مع الرسـول وحب يستثير الشئون منه الأجلَّ |
إلى أن قلت:
قد جعلنا حديثك الصب خدناً ووجدنا في خلة الناس هجرا |
فاتخذنا حديثك الصب خـلاً وبقينا كالطير نقطف زهرا |
الجواب: هذه القصيدة مكررة، ولكن المكرر أحلى، وقلت البارحة: إن الذين مدحوا الشيخ كثير من الشعراء والعلماء، والشيخ يستحق ذلك، فإننا نتقرب بحبه إلى الله عز وجل،وبعض الإخوة من طلبة العلم يعزم -إن شاء الله- أن يجمع ديواناً اسمه الممتاز في مدائح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وسوف يأتي ويصدر، ومنهم كما قلت تقي الدين الهلالي المحدث المغربي الكبير، يقول:
خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثنا أحرى |
وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا |
إلى آخر ما قال، وأما المجذوب فإنه يقول:
روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم |
فلما تلاقينا وجدناك فوق مـا سمعنا به في العلم والأدب الجم |
فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي |
وأما قصيدتي فهي بعنوان: البازية، وهي في مدح الشيخ، أقول فيها:
قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي |
لا أبتغي الأجر إلا من عظيم رجا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي |
عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي |
والمدح يا والدي في غيركم كذب لأنكم لفؤادي بلسم شافي |
يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي |
يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي |
أغراهم المال والدنيا تجاذبهـم ما بين منتعل منهم ومن حافي |
مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي |
وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف |
بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي |
تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصدافِ |
أقبلت في ثوب زهد تاركاً حللاً منسوجة لطفيلي وملحاف |
تعيش عيشة أهل الزهد من سلف لا ترتضي عيش أوغاد وأجلاف |
فأنت فينا غريب الدار مرتـحل من بعد ما جئت للدنيا بتطوافِ |
سر يا أبي واترك الدنيا لعاشقها في ذمة الله فهو الحافظ الكافي |
أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي |
كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن ق |
ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أوصاف |
يكفي محياك أن القلب يعمـره من حبكم والدي أضعاف أضعافِ |
يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلافِ |
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر