إسلام ويب

البعوضة في القرآنللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى شرع الدين الإسلامي، وعضده بوحي من عنده وهو القرآن الكريم، الذي أنزله الله بلغة العرب، ليفهموا كلامه وليفقهوا أمثلته، ومن الأمثال التي أوردها الله سبحانه وتعالى البعوضة، وقد رد سبحانه في هذه الآية على من يكفر بالله، ويستبعد أن يضرب هذا المثل، ويذكر الله في القرآن الكثير من هذه الأمثلة،فيهتدي أناس ويضل أناس.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته..

    ومع كتاب الله النور المبين, والصراط المستقيم, ومع آيات محكمات, وعظات بالغات:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:26-27].

    فما زال الحديث في القرآن معترك بين الكفار والمؤمنين, والله عز وجل قال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] فلما انتهى سُبحَانَهُ وَتَعَالى من هذه الآية، وكأنه أنزل أهل الإيمان الجنة دار الرضوان، وكأن أهل البغي والطغيان أنزلهم ناراً تلظى، قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] والسؤال: ما هو سبب نزول هذه الآية؟ والسؤال الثاني: هل يطلق الحياء على الواحد الأحد؟

    سبب نزول آية ضرب المثل بالعبوضة

    فأما سؤال: ما هو سبب نزول هذه الآية؟ فلأهل العلم قولان:

    الله ضرب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما يقارب من البعوضة وما فوقها وما دونها أمثلة في القرآن, وذكر الله النحل وهي حشرة خلقها وفطرها وهداها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وذكرها في كتابه فقال: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل:68] وهي آية من أكبر الآيات.

    ولذلك ينقل الأستاذ سيد قطب في الظلال عن كريسي موريسون الأمريكي صاحب الإنسان لا يقوم وحده , يقول: أعظم آية على أن هناك قدرة: هذه النحلة, قال: من يدلها أن تقطع آلاف الأميال، وتأتي من الجبال إلى خليتها فلا تضل خلية إلى غير خليتها, أعندها (هوائي)؟ قال سيد قطب: لا يوجد عندها هوائي ولكن عندها: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل:68] فقال الكفار: رب قدير كبير عظيم ويتحدث عن النحل! والنحل حشرة صغيرة، والعظماء على زعمهم لا يتحدثون في الحشرات.

    وذكر الله الذباب، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:73-74] قال كفار مكة: رب محمد يضرب المثل بالذباب.

    وذكر الله النمل فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18] يقول بعض أهل اللغة: نادت، وأمرت، وبينت، واستثنت، واعتذرت وختمت, فنادت فقالت: يا أيها النمل, وأمرت فقالت: ادخلوا, وبينت فقالت: لا يحطمنكم سليمان وجنوده, واعتذرت وختمت فقالت: وهم لا يشعرون, فسبحان من علمها وعلم سليمان منطقها!

    فلما كثر القيل والقال رد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، وأقول: إن سورة البقرة تعتني -كما يقول أحد المفكرين- بالنسف والإبادة وبالردود, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] الله يضرب الأمثال بالبعوض وما فوق البعوض، وهو الذي خلقها، وهو الذي سواها, فهذا هو سبب نزولها عند بعض المفسرين.

    القول الثاني: وقال قوم من أهل التفسير ومن أهل السنة: سبب الآية أن الله عز وجل لما ضرب بعض الأمثلة في القرآن قالوا: ما هذه الأمثلة، القرآن وهو كتاب معجز تضرب فيه الأمثلة, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17] ثم بعدها بآية قال: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة:19] قالوا: كيف يضرب الله هذه الأمثال؟! فرد الله عليهم قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26].

    إثبات صفة الحياء لله عز وجل

    أما بالنسبة للسؤال الثاني: هل يطلق الحياء على الله عز وجل؟

    جاء عند الترمذي وابن ماجة وأبي داود والحاكم وصحهه من حديث سلمان قال عليه الصلاة والسلام: { إن الله يستحي من أحدكم إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً} في لفظ: {إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} سبحان الله! يستحي منك الله إذا رفعت يديك إليه أن يردهما صفراً, لا يرد لك طلباً، وهو يستحي منك وأنت لا تستحي منه!

    وإذا خلوت بريبة في ظلمة     والنفس داعية إلى الطغيان

    فاستحي من نظر الإله وقل لها     إن الذي خلق الظلام يراني

    وورد في الحديث: {إن الله يستحي أن يعذب ذا شيبة في الإسلام} فنطلق هذه الصفة على الله ونقول: له حياء يليق بجلاله, لا نكيفها، ولا نشبهها، ولا نمثلها، ولا نعطلها.

    وقد ورد في الحديث الصحيح: {إن الله يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً} فلابد أن يرد الله في يديك شيئاً, فأكثر من سؤال الله, ومن الالتجاء إلى جنبات الواحد الأحد.

    لا تسألنَّ بني آدم حاجة     وسل الذي أبوابه لا تحجب

    الله يغضب إن تركت سؤاله     وبني آدم حين يسأل يغضب

    والفرق في هذه المسألة بين الخالق والمخلوق: أن المخلوق إذا سألته غضب عليك، ولذلك جاء عند ابن ماجة بسند صحيح: { أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ قال: ازهد في الدنيا يحبك الله, وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} فلا يحبك الناس إلا إذا زهدت فيما عندهم, ولا يحبك الله إلا إذا سألته.

    وأحب الناس إلى الله أكثرهم مسألةً ولجوءاً ودعاءً، وإذا رأيت العبد يرفع يديه دائماً، ويقول: يا رب.. يا عظيم.. يا كريم.. يا إلهي.. فاعلم أنه قوي الإيمان.

    واللجوء إلى الله من أعظم ما يمكن أن يقرب العبد من الله, قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] وقال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] وقال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

    إنه ليوجد من البدو مؤمن موحد يعرف الله والدار الآخرة, ويوجد من المثقفين ملحد زنديق رعديد، يحمل الشهادة الجامعية ولكن عقله عقل حمار..! قال تعالى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66] وقال: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].

    ويوجد في أهل البادية من يحافظ على الصلوات الخمس، ومن يصلي في الليل ويدعو الله ويبكي، ويوجد من طلبة العلم من بلغ درجة البرفسور أو الأستاذ المشارك وهو لا يحافظ على الجماعة، ولا يتلو القرآن، ولا يعرف الواحد الديان..!

    قصة توضح استحياء الله من عبده إذا دعاه

    وحدثنا بعض الدعاة بهذه القصة فقال: نزل رجل أعرابي في الصحراء, فارتحل عن الغدران والأودية مسافة يومين ومعه أهله وأطفاله، أصابهم عطش شديد فلما بحث عن الماء لم يجده طلبه أطفاله ليشربون وطلبته زوجته فلم يجد ماءً, قال: انتظروا قليلاً..! فذهب وراء الجبال فلم يجد ماءً, رجع وترك ما وراء الجبال، والتجأ إلى ذي الجلال, كما قال الله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] فتيمم وصلّى ركعتين ورفع يديه؛ لكنه مضطر صادق وبكى.. وقال: يا رب! التجأنا إليك أنا وزوجتي وأطفالي, من ينقذنا يا رب؟! كيف يرد الله هذه الكلمات؟! أيرد الله يديه صفراً؟! أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] وقال: والذي فلق البحر لموسى ما انتهيت إلا والغمامة على رءوسنا غطت ما بين الجبلين, قال: فأنزل الغيث فإذا بالسيل من جانبنا ودخلنا الخيمة حتى انتهى السيل, قال: فأخذ أطفالي وزوجتي يتضاحكون من قرب الفرج ومن كرمه عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].

    فالزم يديك بحبل الله معتصماً     فإنه الركن إن خانتك أركان

    فالشاهد: أننا نطلق الحياء على الله، لكنه حياء يليق بجلاله، ما دام أنه أطلقه على نفسه فما هو المانع من إثباتها لله؟ ولكن العبرة ليست في إطلاق الصفة فهي ثابتة, لكن العبرة يوم يستحي الله من العبد ولا يستحي العبد من الله! يا سبحان الله! رب يستحي من عبده وخالق يستحي من بعض خلقه ألا يستحي المخلوق من الله؟!

    تصور أن ملكاً من ملوك الدنيا -ولله المثل الأعلى- دخلت عليه فقال: يا فلان! والله إني أستحي منك، ولولا حيائي منك لفعلت بك وفعلت..! فتخرج أنت وتعصيه, ثم دخلت عليه، وقال: إني أستحي منك أن أعاقبك..! هل بقي لك وجه أن تقابله؟! أما عندك حياء أن تستحي منه؟

    والله لا يستحي من الحق، أتت أم سليم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق -هذه مقدمة لطيفة ظريفة- فأقرها صلى الله عليه وسلم, وكان عندها في صدرها كلام, لكن قدمت ديباجة بين يديها, ما هو المعنى؟ تقول: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق.. ماذا تتصورون؟ عندها سؤال فيه حياء, وسؤال شائك, وسؤال تستحي المرأة أن تسأله العالم, وخاصة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, لكن طرحت السؤال: إن الله لا يستحي من الحق, هل على المرأة غسل إذا رأت الماء؟ -أي احتلمت ورأت الماء- فقالت أم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم: تربت يمينك! فضحت النساء -في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم- تقول: ما هذا السؤال المجحف الذي فضحت به النساء, فقال عليه الصلاة والسلام: {بل تربت يمينك أنت يا أم سلمة، نعم. على المرأة غسل إذا هي رأت الماء}.

    فالشاهد أنه أقرها صلى الله عليه وسلم على هذه المقدمة (إن الله لا يستحي من الحق), كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً [البقرة:26].

    مع أهل اللغة والأدب في قوله تعالى: (مثلاً ما)

    والآن نريد أن نعرب (مثلاً ما) مثلاً: منصوب على أنه مفعول به, ما: بدل أو صفة جائزة عند أهل النحو, أو منصوبة على نزع الخافض حرف مجرور مقدم, أو حال، أو تمييز في مقام الحال, كلها معربة.

    والمعنى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا [البقرة:26]. أي مثل, أو مثل ولو صغر, أو مثل من أي مثل موجود, وهو المعنى الذي قلته أولاً, ما بعوضة, ما هي البعوضة؟ أولاً الله له أن يضرب المثل بما يشاء من الأشياء، والله عز وجل له أن يقسم بما يشاء من خلقه, وليس للمخلوق أن يقسم إلا بالخالق, والعرب تضرب الأمثلة.

    وذكر الرازي في كتابه التفسير الكبير أن من عادة العرب ضرب الأمثلة, يقولون: أجرأ من ذئب, وأشجع من أسد، وأجبن من غراب, وأحقد من جمل, وأحمق من حمامة.

    ولا بد أن نقف قليلاً، ومن يقرأ كتاب الحيوان للجاحظ يتعجب من هذا الكون الذي خلقه فاطر السموات والأرض, كيف ركَّب عقل هذه.. وكيف سوى هذه.. وحسّن هذه.. وقبح هذه.. وجعل لهذه منقاراً.. ولهذه أجنحة.. ولهذه مخلباً.. سبحانك!

    وكتاب الحيوان للجاحظ يقربك من التوحيد إذا كنت مؤمناً, فقالت العرب: أحمق من حمامة والسبب يقولون: خرج صياد بقوسه وبكنانته يريد صيد حمامة, فأخذت تولول وتغني هذه الحمامة وجارتها في العش, فأردات أن تنصحها أن تسكت, فقالت: اسكتي اصمتي من صمت نجا, فأطلق عليها الصياد فقتلها, مثل هذه القصص نوردها, لأن صاحب كتاب الحيوان الجاحظ يوردها لضرب الأمثلة، وصاحب كليلة ودمنة يقول: يضربونها مثلاً للناس.

    حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما قتل عثمان قال له الناس: تولَّ الخلافة, قال: [[أكلت يوم أكل الثور الأبيض]] قالوا: ما هذا المثل يا أمير المؤمنين؟ قال: كان في الصحراء أو في حديقة ثلاثة ثيران: أحمر, وأبيض, وأسود, فأتى الأسد ويقال للأسد أبو معاوية، وهو يأكل الرجال أكلاً عريضاً, أشجع الحيوانات الأسد, ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:50-51] وهو حاكم الغابة, فأتى إلى الثيران فإذا هي ذات قرون، وعضلات، وثلاثة إذا اجتمعت عليه وهو وحداني لا يستطيع..! فأتى إلى الثور الأسود ودعاه بينه وبينه بالنصيحة والدين النصيحة, فقال: إني أرى الأبيض والأحمر يأكلان مأكلك وعشبك, قال: فما رأيك فيه؟ قال: ما رأيك نستعين بالأحمر لقتل الأبيض قال: نعم, فدعوا الأحمر ونصحوه, فاجتمعا فقتلا الأبيض, ثم أتى إلى الأسود وقال: الأحمر هذا مغرض عليك فما رأيك فيه؟ قال: نقتله فتعاونا فقتلا الأحمر, قال: ما بقي إلا أنت يا عدو الله..! فأكله.

    قال علي بن أبي طالب: لا تظنوا أني باقٍ وقد قتل عثمان، فأنا في الطريق, وهؤلاء العظماء قتل عمر، وقتل عثمان وقتل علي، وذبح زكريا، وذبح يحيى.

    ولسنا على الأقدام تدمى كلومنا     ولكن على أعقابنا تقطر الدما

    تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد     لنفسي حياة مثل أن أتقدما

    تفسير قوله: (فما فوقها)

    البعوضة: حشرة صغيرة, بعض العامة يسميها (النامس) والله أعلم بتسميتها, لكن هي حشرة صغيرة، وكأنها من أصغر الحشرات, شبه الذرة.

    وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا [البقرة:26] أن يمثل بالبعوضة، وبالذباب، وبالنملة، وبالنحلة, لكن العجيب (فما فوقها) ما هو تفسير فما فوقها؟ يعني: أكبر منها أو أصغر منها, لأهل العلم رأيان وقولان:

    1- قول يقول: المعنى: فما أكبر منها, فأصغر شيء البعوضة.

    2- قال: فما فوقها: فما أصغر منها, يقال لك: الرجل بخيل فتقول أنت: بخيل وفوق ذلك, أي: بخيل وزيادة, يقال: الرجل شحيح فتقول: شحيح وفوق ذلك، أي: من أشد الناس شحاً وكأن المعنى أقل في الكرم، فهذا من باب فما فوقها أي: فما أصغر منها.

    وكلا المعنيين محتمل والله أعلم وأدرى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى له أن يضرب الأمثال لأنه يخاطب العرب بلغتهم. يقولون في الشجاعة: أشجع من الأسد, ولذلك من قتل الأسد عند العرب فهو من أشجع الناس.

    والعجيب أنه وجد بطل في العرب قتل أسداً، ولم يقتله بالسيف بل قتله بعصا, وهو أمير من أمراء الأردن؛ فقد خرج أحد الأسود ودخل المدينة، فناداه الناس، فترك السيف معلقاً وأخذ عصا، وشمر عن ساعديه، ونزل فاستقبل الأسد فضربه أول ضربة ثم يلحقه ضربات على رأسه حتى قتله..! فأتى فعقدوا له مهرجان بـدمشق يمدحونه, يقول المتنبي الشاعر:

    أمعفر الليث الهزبر بسوطه      لمن ادخرت الصارم المسلولا

    يطأ الثرى مترفقاً في مشيه     فكأنه آسٍ يجس عليلاً

    يصف الأسد وهو يمشي في تبختر وكبرياء كأنه طبيب يجس مريضاً، وقال: أنت أيها البطل كيف تعفره بعصاك، فلمن تدخر السيف؟

    أمعفر الليث الهزبر بسوطه     لمن ادخرت الصارم المسلولا

    ومثلوا البلادة بالحمار, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] ومثلوا بالكلب للذي لا يغير حاله، فمثلاً: إنسان تكرمه أو تهينه سيان, تعلمه أو يبقى جاهلاً, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176].

    إذا أنت أكرمت الكريم ملكته     وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

    هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا     على الدر واحذره إذا كان مزبدا

    أو كما قال.. وهذا للمتنبي في قصيدة طويلة مطلعها يقول:

    لكل امرئ من دهره ما تعودا     وعادة سيف الدولة الطعن في العدا

    إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] انتهى من ضرب المثل وأثبت له صفة الحياء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, لكن أتى التفصيل في الأمثال.

    أقسام الناس بالنسبة لما ينزل من القرآن

    فقال سبحانه: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] يعلمون أنه الحق, فما هو هذا الحق؟ قيل: القرآن, وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم, وقيل: الإسلام.

    والقرآن إذ نزل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إذا قرئ حتى اليوم وبعد اليوم ينقسم الناس تجاهه إلى قسمين: قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكفار: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً [فصلت:44] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19].

    والخطيب يوم الجمعة إذا قرأ الآيات، انقسم الناس إلى قسمين: قسم يزداد إيماناً وبصيرة وهداية ورشداً وتوفيقاً، وقسم يزداد نقصاً؛ لأنه منافق فاجر لا يريد القرآن ولا السنة, وهو إنما يصلي مع الناس عادة لا عبادة، قال الله: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142].

    إذاً فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] يعلمون أن هذا الدين والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن حق من عند الله.

    وقال بعضهم - وهو الصحيح إن شاء الله-: يعلمون أن المثل -وهو الصحيح إن شاء الله- من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وأنه يضرب الأمثال وأنه يقص سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما شاء, فسبحان الله كيف يتفاوتون إيماناً!!

    وتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي بك صلاة الفجر أو العشاء، وتصور كيف يتلقى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي القرآن، فإنهم كل يوم يزدادون إيماناً, وتصور المنافق كيف يزداد عمى من القرآن؛ لأنه يبغض القرآن ولا يحبه, قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].

    ثم يقول: فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] أي: هذا المثل وأنه وارد، وأنه صحيح, والله ضرب الأمثلة كثيراً في القرآن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى--: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [الرعد:35] أي: صفة الجنة, وقال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112] وقال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25]

    ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مثلاً آخر: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً [البقرة:26] أي: لماذا يأتي بهذه الأمثال؟ ما هو المقصود منها؟ فهم كفروا وشكوا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26] قيل: يضل بالرسول ويهدي به, وقيل: يضل بالقرآن ويهدي به, ويضل بالإسلام ويهدي به, ويضل بالمثل ويهدي به.

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26].

    أولاً: هل يضل الله عباده؟

    قال تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25] والله هو الهادي, وجعل محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً، فقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7] وقال: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] , وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى طالباً المؤمنين أن يدعوه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وقال جل شأنه: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [يونس:35] فهو يهدي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فهل يضل عباده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟

    عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله خلق العباد وأفعالهم, قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] وأن الله خلق الهداية، وخلق الإضلال، وأنه قدر الخير، وقدر الشر, ولكن مع خلق الله عز وجل للإضلال وتقديره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لكنه لا يحبه ولا يرضاه, خلق الكفر ولا يحبه, وقدره ولا يرضاه, وأراده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولكنه لا يحبه, وهذا الإضلال من كسب العبد, فإن للعبد مشيئة لكنها تحت مشيئة الله, قال سبحانه: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير:29] فمن ضل فلا يحتج بالقضاء والقدر بل له كسب وسبب, فهو الذي فعل, ولو أن الله قدر عليه لكن لا حجة له, ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً [البقرة:26] والسؤال: كيف يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً [البقرة:26]؟ لأن الأستاذ مثلاً -ولله المثل الأعلى- إذا قيل له: أنجح الطلاب أم رسبوا؟ فيقول: نجح كثير من الطلاب ورسب كثير من الطلاب, وإن قلت: نجح قليل ورسب كثير كان الجواب صحيحاً, لهذا يقال: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً [البقرة:26] أي أن هؤلاء الكثير بالنسبة لغيرهم قليل, لأن الله عز وجل يقول: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] وقال: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].

    نزل عمر بن الخطاب إلى السوق فسمع أعرابياً يبيع ويشتري، ويقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل, فوكزه عمر بالدرة, وهذه الدرة كانت تقوّم الذين في رءوسهم وساوس, هذه الدرة تدخل النور في بعض القلوب وتوقظ بعض الأذهان, فضربه ووكزه قائلاً: ما لك ولهذا الدعاء؟ فسّر لي هذا الدعاء؟ قال: يا أمير المؤمنين! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] فأسأل الله أن يجعلني من ذاك القليل, قال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر..! بل أنت من أفقه الناس, ومن أعلم الناس.

    وأقل الناس الآن هم أهل الهداية، ولذلك لا تستغربوا أن تجدوا في هذا المسجد أو في غيره من المساجد كثيراً من الناس؛ لكنهم بالنسبة للفجار، وللمنحرفين والضائعين والضالين لا يساوون نسبة تذكر. قاعات من قاعات الغناء والسمر والساعات الحمراء يحضرها الألوف المؤلفة, الأستاد الرياضي يحتشد فيه بالألوف المؤلفة وعشرات الآلوف,وإذا أتيت لأهل الدروس، وأهل الطلعات الخيرة، وأهل الصحوة الإسلامية وأهل الوجوه النيرة تستصغرهم بجانب أولئك.

    تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا      فقلت لها إن الكرام قليل

    وما ضرنا أنا قليل وجارنا      عزيز وجار الأكثرين ذليل

    لأن الأقلين فيهم خير فلا يعجبك كثرة الخبيث.

    والناس ألف منهم كواحدٍ      وواحدٌ كالألف إن أمر عنا

    وإن تفق الأنام وأنت منهم     فإن المسك بعض دم الغزال

    خرج عليه الصلاة والسلام للأمة العربية، وهي قبائل مثل الموج, فأتى يدعو فأخذ أبا بكر ثم عمر وعثمان وطلحة وعلياً والزبير فكان يربيهم حتى أصحبوا ما يقارب الثلاثمائة, فغرس الإيمان في قلوبهم، وسكب لا إله إلا الله في أرواحهم، ووجههم إلى الدار الآخرة؛ ففتحوا الدنيا, فلما فتح الله عليهم الفتوح أتوا يدخلون بالعشرات، لكن كل عشرة بريال..! نحن لا نستهزئ بأحد لكن أتجعل مسلماً في الفتح كمسلم ما قبل الفتح؟ لا يستوون، والله ذكر ذلك, ولذلك يكون الذين أسلموا بالعشرات والمئات فروا في المعارك وما بقي إلا الأسماء اللامعة التي أسلمت على يقين, قال الله: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً [النصر:1-2] ما دخلوا في أول الإسلام أفواجاً لكن اليوم دخلوا بكثرة، فقال الله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:3].

    إذا -أيها الأخيار- يضل الله من يشاء بالأمثلة ويهدي من يشاء, ويثبت هذا الحديث بما يليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويليق بجلاله وصفاته وذاته وعظمته تبارك وتعالى وتقدس وتنـزه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088927629

    عدد مرات الحفظ

    779937848