والصلاة والسلام على رسول الله خير من تكلم بالقرآن وفهمه وبلغه، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
أيها الناس: إن أكبر قضية في حياة الإنسان، هي قضية البحث عن الهداية، وقضية معرفة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه لا أكبر من الله، فلا إله إلا الله، ولا إله غير الله.
الله ربي لا أريد سواه هل في الوجود حقيقة إلا هو |
قد ضل من يرجو سواه وأفلست من كل خير في العلا يمناه |
يقول عز من قائل: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الأنعام:19] ولذلك كانت هذه القضية هي القضية الكبرى التي ينبغي للمسلم أن يبحث عنها، فأين الباحثون عن الحقيقة الكبرى؟
وأين الملتمسون للهداية؟
وأين المتطلعون إلى معرفة الله؟
وفي مقدمتهم، وفي أولهم سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، سلمان ابن الإسلام الذي لما اجتمع مع نفر من العرب فسألوه عن نسبه، حيث يقول هذا: أنا قرشي، وذاك يقول: أنا قيسي، وذاك يقول: أنا تميمي، فقال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم |
هو لا يعرف إلا الإسلام، فأبوه الإسلام، وأمه التقوى.
نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا |
أتى من أرض فارس، يتلمس الهداية، ويطلب النور ويريد لا إله إلا الله، وأبو جهل وأبو لهب وأبو طالب، عند الركن اليماني والحجر الأسود يبغضون لا إله إلا الله ويحاربونها، فعجباً كيف يقود قدر الله وهدايته واصطفاؤه هذا الرجل من وراء بلاد فارس، ليكون من حماة الإسلام؟ وكيف تطرد قدرة الله وعنايته هذه الشرذمة وهم عند الحجر الأسود والركن اليماني، فيموتون ويكون مصيرهم إلى نار جهنم.
كان سلمان يعبد النار من دون الله الواحد القهار.
وأصبح عابدو الأصنام حماة البيت والركن اليماني |
يقول عن نفسه: كنت مع أبي وكان من سدنة النار التي يسجد لها المجوس من دون الله فانشغل ذات يوم من الأيام في شغل له في مال؛ فأرسلني لأوقد النار مكانه، قال: فذهبت فأوقدت النار، فمررت في طريقي؛ فوجدت قوماً من النصارى يعبدون الله على دين المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، قال: فأعجبتني عبادتهم، وتلهيت معهم ساعة، وعدت إلى أبي في المساء، فقال لي: أين كنت؟ فأخبرته الخبر، قال: فحبسني ووضع الحديد في رجلي -لأنه خرج عن دينه، وخاف أن يرتد عن دين المجوسية، وهكذا حماس أهل الباطل لباطلهم، فأين حماس أهل الحق لحقهم؟
قال: فسألت الناس هل هناك من دين مثل هذا الدين في غير هذه الأرض؟ قالوا: نعم في الشام في سوريا، قال: فمر بي ركبٌ فوضعت الحديد من رجلي وركبت معهم وتركت أبي وأهلي لألتمس الدين الحق، قال: فأركبوني معهم حتى نزلت بـالشام، فأنزلوني عند راهب في صومعة، فجلست عنده، فوجدته رجل سوء شريراً يأمر الناس بالصدقة ويأكل أمولهم، ويأمرهم بطاعة الله ويعصي الله في الخفاء.
قال: فلما مات حملوا جنازته، وحفروا له قبراً، قلت: لا تسرعوا إن هذا رجل سوء، عنده سبع قلال من المال من الذهب والفضة، وأريتهم إياها، فرجموه بالحجارة، ولعنوه وصلبوه، قال: ثم سألت الناس، فدلوني على راهب في العراق، فذهبت إلى ذاك الراهب في صومعته؛ فوجدته من أعبد الناس لله ومن أصدقهم لمولاه، ما رأيت رجلاً غير المصلين أفضل منه -يستثني المسلمين- قال: فكنت معه بأحسن حال، فلما دنت منه الوفاة، قلت: إني صاحبتك وإن للصحبة حقاً، فدلني على رجل صالح، قال: فدلني على رجل صالح آخر فذهبت إليه، فوجدته كصاحبه في الصلاح والعبادة، فلما دنت منه الوفاة -وللفائدة فإن سلمان عاش ثلاثمائة سنة في الجاهلية، والمجوسية والنصرانية، وفي الإسلام، فهو مجرب كل التجارب، وهو مخضرم أكل عليه الدهر وشرب، واستقرأ الحوادث والوقائع والأيام، وخرج بنتيجة أنه لا دين إلا دين الله الذي رضيه للناس- قال: فلما دنت منه الوفاة، قلت: بحق الصحبة معك، دلني على رجل صالح في الأرض، قال: لا أعلم راهباً بقي في هذه الأرض، ولكن هذا زمان مبعث رسول يرسل من العرب، قد أظلك زمانه، وهو يخرج في هذه الأيام، وسوف يهاجر من بلاده إلى أرض ذات نخل بين حرتين، أرض شديدة الحرارة، فإذا سمعت به فاذهب إليه.
قال: فاشتغلت ببعض الكسب فحصل لي بعض الأموال من البقر والغنم، فتعرضت على ساحل البحر، فوجدت أناساً من العرب من التجار؛ فأعطيتهم الإبل والبقر والغنم أجرة على أن يحملوني إلى الجزيرة، قال: وكانوا ظلمة، وادعوا أني عبد لهم -وما أصابته عبودية ولا رق إلا لله تبارك وتعالى- قال: فلما نزلنا ظلموني وباعوني من رجل من أهل وادي القرى قريباً من المدينة -وانظر إلى عناية الله كيف يقربه تبارك وتعالى من المدينة - قال: فأتى رجلٌ من اليهود في تلك الليلة من أهل المدينة، فاشتراني من هذا الرجل في وادي القرى؛ فذهبت معه، فكنت أجذ له النخل، وأسقي له على الناضح، وأشتغل له في الزراعة، وأتلمس الأخبار، وأتسمع الأنباء عن مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وبينما أنا في النخلة، وإذا بيهودي آخر أتى يستهزئ ويستهتر على اليهودي الثاني صاحب المزرعة، ويقول: أتى جد بني قيلة -وبنو قيلة: هم الأنصار، وجدهم أي: حظهم، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال له: أقدم اليوم؟ قال: نعم قدم، قال سلمان: فو الله ما إن سمعت كلامه وقع في أذني، حتى أصابتني رعدةٌ في جسمي فكدت أسقط من أعلى النخلة.
من الفرح لما وقع الخبر في أذنيه.
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت منه بآمالي إلى الكذب |
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي |
قال: فوقفت بجانب سيدي، وقلت: ما الخبر؟ فلطمني على وجهي لطمة أجلستني، وقال: عد إلى شغلك، ما شأنك وهذا الشأن؟ قال: فعدت، وكان آخر الرهبان الثلاثة أخبرني بعلامات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ثلاث علامات:
أولها: أنه لا يأكل الصدقة. وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية.
وثالثها: أن بين كتفيه خاتم النبوة.
قال: فلما أظلم الليل أخذت مكتلاً معي من تمر، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قباء حيث بنو سلمة في أعالي المدينة، فسلمت عليه؛ فرأيت وجهه ليس بوجه كذاب كأنه البدر.
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر |
فوضعت المكتل بين يديه، وقلت: سمعت أنكم غرباء قدمتم؛ فخذوا هذا التمر صدقة، قال: فأمسك صلى الله عليه وسلم ولم يأكل، وقال لأصحابه: كلوا بسم الله، قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة، قال: ثم عدت إلى النخل فلما أتت الليلة المقبلة، حملت مكتلاً آخر، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوضعته بين يديه، وقلت: هذه هدية، فقال: بسم الله وأكل، فقلت: هذه الثانية.
قال: ومشيت وراءه فأخذ يلمحني بعينيه صلى الله عليه وسلم، وعلم أنني أريد أن أرى خاتم النبوة بين كتفيه؛ فرفع رداءه صلى الله عليه وسلم فرأيت خاتم النبوة بين كتفيه، فانحنيت عليه أبكي وأقبله، قال: فهداني الله وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأعتقني صلى الله عليه وسلم.
وسار سلمان في طريق الهداية، وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتاج: {
فيجب علينا أن نتأسى به في طلب الهداية، والذي يحرص على الهداية ويلتمسها ويدعو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبلغه سبل الهداية يجدها، ويوفقه الله لها، ويعطيه الله عز وجل ما تمنى، والذي يعرض عن الهداية، ولا يحرص عليها، ولا يريدها، يطبع الله على قلبه، ويسيء ذكره، ويجعل الشيطان يستحوذ عليه، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5] ويقول عز من قائل: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23].
فيا من يريد الهداية التمسها تجدها، فإن الهداية لا تتعلق بنسب ولا بمنصب ولا بولد ولا بمال ولا بجاه، ولكن الله ينظر إلى قلوب العباد، فإذا رأى قلباً يستحق الهداية أعطاه وأولاه واجتباه واصطفاه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
قال: فكنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يصلي في الحرم، وأرى علامات الصدق في وجهه، قال: فاقتربت منه -انظر إلى هداية الله كيف تقرب البعيد, وانظر إلى الشقاء كيف يبعد القريب- قال: فما زلت أتقرب منه، وقلت لنفسي: عجباً لي! أنا رجلٌ لبيبٌ وشاعر لا يخفى علي حسن الكلام من قبيحه، قال: فما زالت نفسي تحدثني حتى وضعت القطن من أذني، فاستمعت إليه وهو يقرأ القرآن، فوقع القرآن في قلبي، قال: فسلمت عليه؛ فرد عليه السلام، فأخبرته الخبر، وقلت: ما الذي تدعو إليه؟ فأخبرني صلى الله عليه وسلم بالإسلام، فوقع حب الإسلام في قلبي، وهذه عناية الله واصطفاؤه، فقلت: يا رسول الله! أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
قال: {ممن الرجل؟ قلت: من دوس، فتبسم صلى الله عليه وسلم} لأن دوساً تبعد الكيلو مترات عن مكة فيهدي الله منهم هذا الرجل وأهل البيت كفرة بالله العظيم، يعبدون الحجارة من دون الله، فقلت: يا رسو الله! ادع الله أن يجعل لي آية وعلامة وكرامة أدعو قومي بها، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اجعل له آية} قال: فذهبت فلما انحدرت على قومي -في بلاد زهران - وإذا بالنور في وجهي أصبح مد البصر، فقلت: اللهم اجعله في غير وجهي، فإني أخاف أن يقول قومي: هذه مثلة أو مرض، فجعله الله في عصاي؛ فكان كالقنديل، فلما وصلت إليهم، أقبل أبي ودنا مني، فقلت: أنت مني حرام، وأنا منك حرام حتى تؤمن بديني، قال: وما هو دينك؟ فأخبرته، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، قال: ودنت مني صاحبتي، فقلت لها مثل ما قلت لأبي، فشهدت أن لا إله إلا الله، ثم خرجت على قومي؛ فأخبرتهم الخبر فكفروا وأعرضوا، وعدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! غلب الزنا على دوس، فادع الله عليهم، قال: فرفع يديه واستقبل القبلة، فقلت في نفسي: هلكت دوس، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم}.. لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
قال: فعدت إليهم، فآمنوا كلهم عن بكرة أبيهم، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقدمت بهم إلى رسول الله.
وبقي الباحث عن الحقيقة الطفيل بن عمرو الذي هداه الله إلى لا إله إلا الله وافياً مجاهداً عابداً، ناصراً لكلمة الحق، حتى أتت معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب الدجال، وقبل أن تصبح صباح المعركة نام الطفيل بن عمرو؛ فرأى في نومه كأن رأسه حُلق، وكأن طائراً خرج من فمه، وكأن امرأة أدخلته في فرجها، وكأن ولده يجري وراءه فلم يدركه -رؤيا في المنام- فأولها في الصباح، فقال: أما الطائر فروحي تخرج من فمي، وأما حلق رأسي فيقطع رأسي في سبيل الله، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تبتلعني فيها، وأما ابني الذي يجري بعدي فهو يطلب الشهادة ولا يوفق بها في هذه المعركة.
وابتدأت المعركة، وقتل الطفيل بن عمرو في سبيل الله، ومن أجل لا إله إلا الله، فكان ممن قال الله فيهم: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:169-170] والبحث عن الحقيقة قائم لمن يريدها إلى قيام الساعة، وأتى الله بأجيال يحبهم ويحبونه، فمن أراد الله وفقه الله إليه، ومن أعرض عن الله استغنى الله عنه وطبع على قلبه وجعله من الأشقياء: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35] ويهدي الله لفضله، ويمنح الله عطاءه من يريد عطاءه.
فيا أيها الجيل! ويا أيتها الأمة المباركة! ويا أيها الناس المحمودون بتقواهم وبعبادتهم! هلموا إلى الهداية، واطلبوا النور من الله الواحد الأحد، والتمسوها في كل حين وآن، في سجودكم، وأدبار صلاتكم، وصيامكم، وابتهالاتكم، علَّ الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
أمَّا بَعْد:
أيها الناس! إن الهداية من أعظم ما يمن الله به على العبد، وإن لها أسباباً، فمن أسبابها:
أولاً: تلاوة كتاب الله عز وجل وتدبره، والعمل به، ومن لم يتله فليعمل به، فإن أعظم تلاوة له العمل به قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] فمن لم يهتد بالقرآن فلا هداه الله، ومن لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله، فإنه النور والنجاة.
ثانياً: سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه، والاستنارة بنوره عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
ثالثاً: كثرة الدعاء والابتهال للحي القيوم في كل وقت وآن، أن يثبتك الله ويهديك، ويريك رشدك ويصلح بنيك وبناتك وأهل بيتك، فإن هذا أعظم المثوبة والفخر في الدنيا والآخرة.
رابعاً: التقرب إلى الله تبارك وتعالى بالنوافل، من صلاة وصيام وصدقة وبر وجهاد، فإن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
أولها: خبث النفس، فتجد بعض الناس معرضاً عن الله، لا يريد الله ولا الدار الآخرة، ولا يريد ذكر الله ولا كتابه ولا رسوله، وإذا ذكر الله في مجلس أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم اشمأز واحمر وجهه، وتكدَّر خاطره، وساء حاله، فنعوذ بالله من هذا الخبث. يقول عز من قائل في من هذا شأنه وحاله: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] وما صرف الله من صرف عن الهداية إلا لأنهم لا يريدونها.
ثانيها: مرض الشبهه، وهو مرض الشك والإلحاد الذي ابتلي به كثيرٌ من الشباب إلا من رحم الله، شكٌ في القدرة والإيمان، وشكٌ في الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك حوربنا في هذه الفترة بحرب شعواء، أعظم من حرب الطائرات والصواريخ، إنها حرب الإلحاد، والرأي العفن المتخلف، رأي لينين واستالين وماركس الذي نشروه في المعمورة، واجتاحوا به البلاد الإسلامية، وأورثوا الشبه والشكوك في المجلات، والجرائد، والمؤلفات، واتخذوا في نشرها الوسائل المغرية، حتى ألحد كثير من الناس بالله العظيم، وصرفوا الناس عن باب المسجد، وعن تلاوة القرآن، ودلوهم على جهنم وبئس المصير.
ثالثها: مرض الشهوة، والتهالك على الحطام والشهوات، ولا نعني بذلك أن المال حرام، فجمع المال مطلوب، والصحابة جمعوا المال، ولكن لا يعبده الإنسان من دون الله، وكثيرٌ من شباب الإسلام ابتلوا بالشهوات، إلا من عصم ورحم الله وابتلوا بالزنا، والخمر، والفحش، والإعراض عنه تبارك وتعالى؛ فتركوا الطاعات، وهجروا المساجد، وقاطعوا كتاب الله عز وجل، وامتلأت بهم السجون، فما نفعت فيهم الحدود، لأنه لا يقومهم إلا لا إله إلا الله، ولا يهديهم إلا فتح من الله، في أن يعودوا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه هو الذي يهدي، وهو الذي يوفق: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193] رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين!
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر