وقد تحدث الشيخ في مطلع حديثه عن سيرة يوسف حتى وصوله إلى بيت العزيز، وأورد أقوال المفسرين في معنى: (برهان ربي) ومواضيع أخرى هامة ومفيدة تضمنتها هذه المادة.
في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآياتك.
من استنصرك نصرته، ومن حاربك خذلته، ومن عصاك أدبته، ومن تقرب إليك بالطاعات أحببته وقربته، أنت رب الطيبين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
والصلاة والسلام على من أرسلته شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية.
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
أيها الناس: فلنستمع إلى القرآن وهو يواصل معنا عرض قصة يوسف في إبداع عجيب وفي تصوير مشرق رائع، بعد أن تركناه في الجب غريباً وحيداً ولكن معه الله يؤنسه، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قال عن نفسه: (أنا جليس من ذكرني) فمن ذكره فهو معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]
هل تذكرونا مثل ذكرانا لكم رُبَّ ذكرى قربت من نزحا |
بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر غريباً يحتمي بحماكا |
إني ضعيف أستعين على قوى جهلي ومعصيتي ببعض قواكا |
يقول الله تبارك وتعالى: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:19-24].
ترك في البئر وحيداً، وعاد إخوته يبكون بكاء كاذباً، ويعرضون دماً كذباً على قميصه، تركوه وحيداً ولكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالىمعه، ولذلك قال أهل العلم: لما أنزل يوسف عليه السلام في الجب أخذ يذكر الله، ويكبر ويهلل، قال الله: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ [يوسف:19] هو في صحراء منقطع، في بيداء ليس معه أنيس إلا الذئب، وحيداً في الفلاة لكن الله أتى بهذه القافلة، وبهذا الموكب العظيم لينقذ يوسف عليه السلام من الجب أتت القافلة من الشام تريد فلسطين فضلت طريقها، وسوف تعترض على طريقها مصر فذهبت إلى تلكم الصحراء لحكمة أرادها الله، وعناية الله تتابع من يريد الله، ورعاية الله تذهب مع عباده أنّى حلوا وأنّى ارتحلوا، يقول ابن الجوزي في صفة الصفوة: وهو يتحدث عن رعاية الله وعنايته، يقول أحد الصالحين: رأيت عصفوراً كل يوم يأخذ من المزبلة لحماً وخبزاً ويذهب به ويضعه في نخلة، وعهدي بالعصفور أنه لا يعشعش في النخل فصعدت؛ لأرى ماذا هناك، فرأيت حية عمياء كلما أتى العصفور بهذا اللحم فتحت فاها وأكلت.
إن الذي سخر العصفور للحية العمياء هو الذي سخر تلكم القافلة ليوسف عليه السلام لتأخذه من البئر، وأدلى واردهم دلوه في البئر، والقرآن عجيب في العرض، رائع في الأداء، بديع في التصوير، لم يقل: أدلى دلوه، ثم تعلق يوسف بالدلو، ثم سحب الوارد الدلو، فقال له: من أنت؟ ثم ذهب به إلى أصحابه، بل جاء بالفاء التعقيبية؛ لأن عنصر المفاجأة في الآية يقتضي ذلك فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ [يوسف:19] أدلى دلوه فتعلق يوسف عليه السلام بالدلو، وسحب الدلو فرأى غلاماً صبيحاً أوتي شطر الحسن، فقال لأصحابه: (يا بشرى)! وقرأ أهل الشام: (يا بشرايا هذا غلام) -أي: خادم وعبد أبيعه لي- ثم يقول عز من قائل: وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً [يوسف:19] وقيل: أخفوه عن الناس لأنهم ما أخبروا الناس به خوفاً أن يجدوا أباه أو إخوانه، وما علموا أن إخوانه هم الذين تركوه، وهم الذين طرحوه وهجروه وأبعدوه وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [يوسف:19].
وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20] أي: لا يرغبون فيه.
ومن اشتراه؟ ومن ابتاعه؟ إنه ملك مصر العزيز وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ [يوسف:22] ولم يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى العزيز باسمه لأمرين اثنين:
1/ لأن بطل القصة يوسف عليه السلام فما كان لعنصر ثانٍ أن يتدخل في القصة.
2/ ولأن كلمة العزيز لا يستحقها العزيز لأن العزيز من أعزه الله بطاعته، والشريف من دخل في عبودية الله:
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا |
فقال لامرأته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ [يوسف:22] أي: أحسني طعامه وشرابه، ومكساه ومنامه، عسى أن ينفعنا في أغراضنا ويقرب لنا بعض حوائجنا، أو نتخذه ولداً عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً [يوسف:22] كان العزيز حصوراً لا يأتي النساء، وكانت امرأته عقيمة، فأرادا أن يتخذا هذا الغلام ولداً يترعرع في بيتهم، يهدءون ويرتاحون إليه، وهم لا يشعرون أنه لن يكون لهم ولداً وسوف يكون نبياً من الأنبياء، ورسولاً يحمل رسالة السماء إلى الأرض، وداعية إصلاح، يحرر الشعوب، ويقود الأجيال إلى الله، فكيف يباع الحر في مصر؟ وكيف يسود العبد هناك؟! أيباع الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟!
عجبت لـمصر تهضم الليث حقه وتفخر بالسنور ويحك يا مصر |
سلام على الدنيا سلام على الورى إذا ارتفع العصفور وانخفض النسر |
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يران |
يا من سترت مثالبي ومعايبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني |
والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام علي من يلقاني |
وقف عليه السلام وحيداً وهم بها، أصابه شيء من النقص البشري، وألمت به الفاحشة ولما يفعل، هاجت الشهوة في قلبه عليه السلام، لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24] فما هو برهان ربه يا ترى؟
اسمعوا إلى أقوال المفسرين أعرضها عليكم ثم نخرج بالصحيح الراجح إن شاء الله، قال: ابن عباس رضي الله عنهما: [[لما هَمَّ يوسف بها سمع هاتفاً يهتف يقول: يا يوسف! إنني كتبتك في ديوان الأنبياء فلا تفعل فعل السفهاء]] وقال السدي: سمع هاتفاً يهتف ويقول: يا يوسف! اتق الله إنك كالطائر الذي يزينه ريشه فإذا فعلت الفاحشة نتفت ريشك.
وقال بعض المفسرين كما أورد ذلك ابن جرير الطبري: رأى لوحة في القصر مكتوب عليها وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] وقال غيرهم: رأى كفاً مكتوباً عليه (إن عليكم لحافظين) إننا نحفظ تصرفاتكم وحركاتكم وسكناتكم، إننا نراكم، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [[لما هم يوسف عليه السلام رأى أباه يعقوب في طرف الدار قد عض على أصبعه ويقول: يا يوسف اتق الله]] وهذه الروايات أوردها ابن جرير وابن كثير.
وقال بعض أهل العلم من المفسرين أيضاً: فلما همَّت به وهمَّ بها قالت: انتظر! قال: ماذا؟
فقامت إلى صنم في طرف البيت فسترته بجلباب على وجهه، صنم لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يأكل ولا يشرب، قال: مالك، قالت: هذا إلهي أستحي أن يراني، فدمعت عينا يوسف، قال: أتستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وأنا لا أستحي من الله الذي بيده مقاليد الأمور!
ويرى شيخ الإسلامابن تيمية وغيره من أهل العلم أن برهان ربه الذي رآه واعظ الله في قلب كل مؤمن، والحياء من الله والخجل من الله، فارتد عن المعصية، وعاد منيباً إلى الله: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] تذكر الوقوف بين يدي الله يوم يحشرهم حفاة عراة غرلاً بهما، فبرهان ربه: واعظ الله في قلبه، يعظه بالتوحيد، ويناديه بالتقوى.
فهل آن لشباب الإسلام أن يتحرك واعظ الله في قلوبهم؟! وهل آن للمسلمين أن يجعلوا من يوسف عليه السلام قدوة لهم؟
فيا من يتطلع على عورات المسلمين! أليس لك في يوسف عليه السلام قدوة؟!
ويا من يعامل ربه بالمعاصي ويرتكب الجرائم ويحرص على الزنا! أما رأيت يوسف عليه السلام قد خلا بامرأة جميلة ذات منصب فتذكر واعظ الله في قلبه؟!
ويا من يدعو إلى تبرج المرأة وإلى الاختلاط! أرأيت ما تفعل الخلطة والتبرج؟!
يوسف نبي معصوم كاد أن يزل وأن يهلك!! وأنت تنادي المرأة بأن تتبرج وتسفر عن وجهها!! فأين الواعظ، وأين التقوى، وأين مراقبة الله؟!
يقول عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) والنظرة سهم مسموم من سهام إبليس، يقول عليه الصلاة والسلام (لا تتبعوا النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية).
فيا شباب الإسلام! أما رأيتم ما ذا فعل يوسف؟
ثم قال الله له: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] لنعمر مستقبله باليقين، لنجعله من ورثة جنة رب العالمين، مع المؤمنين الخالدين، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] فإذا أخلص العبد لله، حماه الله من المحن وجنبه الشرور.
يقول سعيد بن المسيب رحمه الله: [[إن الناس تحت كنف الله وظله إذا أراد أن يفضح بعضهم رفع ستره تعالى عنهم]].
فيا شباب الإسلام! ويا معاشر المسلمين! انظروا إلى هذا التقي النقي الورع، انظروا إلى من راقب الله فأسعده الله، ونجاه الله وحفظه.
يا واهب الآمال أنت منعتني وحفظتني |
وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني |
فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصـرتني |
أقول ما تسمعـون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
أمَّا بَعْد:
ثم ماذا كان بعد هذا؟
قال الله عز وجل: وَاسْتَبَقَا الْبَابَ [يوسف:25] -يريد أن يهرب وهي تلاحقه- وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ [يوسف:25] شقت قميصه وهي تلاحقه وتدعوه إلى نفسها وهو يلتجئ إلى الله ويصيح بأعلى صوته، وصوته يدوي في القصر، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] قال جمع غفير من المفسرين إن معنى قوله: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] أي: إن زوجك وسيدي أحسن استقبالي وضيافتي فكيف يكون جزاء معروفه ورد جميله أن أخونه في أهله؟
وقال السدي: إنه ربي أحسن مثواي: إنه إلهي الحي القيوم اجتباني ورباني وعلمني وحفظني، فكيف أخون الله في أرضه؟ وكيف أعصي الله؟ وكيف أنتهك حرماته؟
فيا من أراد أن يتجاوز المحرمات ويتعدى على الحرمات! تذكر معروف الله عليك، وقل: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] قل: لا أعصي الله؛ لأنه رباني وكفاني ورزقي وآواني.
وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] إنها قصة كلها مفاجئات، وإذا بسيده -وزوجها- لدى الباب وانظر إلى كيد النساء، تسبق يوسف بالكلام، وتلطم وتبكي وتشتكي، تقول: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] غلق علي الأبواب، ودعاني لنفسه، فما هو جزاؤه عندك إلا السجن أو عذاب أليم؟ قال ابن عباس: [[يضرب بالسياط]].
وقال يوسف بلسان الصادق الناصح الأمين التقي الورع الزاهد: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [يوسف:26] فمن هو الشاهد يا ترى؟ قيل: رجل من أبناء عمومتها شهد عليها، وقيل: ابن خالها، وقيل: رجل من الخدام، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه طفل صغير كان في الغرفة لا يتكلم فأنطقه الله الذي أنطق كل شيء، أتوا إلى الطفل في المهد فقال: صدق يوسف وكذبت المرأة، هي التي همت به، وهي التي راودته ودعته إلى نفسها.
ولذلك في مسند أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أربعة تكلموا في المهد: ماشطة امرأة فرعون، والغلام الذي مع
ثم قال الله عز وجل على لسان العزيز: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] أي: لا تتكلم ولا تتحدث به في المجالس لا توزعه في الأندية، وكثير من الناس يتبجح في المجالس بالمعصية.
وقال بعض المفسرين: إن العزيز قال ليوسف: أعرض عن هذا، ولا تتحدث به إلى الشعب المصري فيبثها ويوزعها.
ثم قال: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] انتصار على النفس الأمارة بالسوء ما بعده انتصار، وهل النصر العجيب إلا أن ينصرك الله على نفسك، وأن يعلي حظك، وألا يخيب ظنك، وأن يحفظك من الفتن، ومن المحن ومن المعاصي فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
يا من حفظ يوسف عليه السلام احفظنا بحفظك، ويا من رعاه ارعنا برعايتك يا أرحم الراحمين، ويا من حرسته احرسنا بعينك التي لا تنام إنك على كل شيء قدير.
عباد الله صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وأرض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً.
وارذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر