أولها: القرآن الكريم وحالنا معه، وواجبنا نحوه.
ثانيها: الرسول صلى الله عليه وسلم وواجبنا تجاهه.
ثالثها: الوقت واستغلاله وعدم تضييعه فيما لا ينفع.
رابعها: المعاصي وخطرها، وأثرها على المجتمع، والتخلص منها بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى.
لك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم.
عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت.
والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً للبشرية، وهادياً للإنسانية، ومزعزعاً لكيان الوثنية.
أدَّى الرسالة، وبلَّغ الأمانة، ونصح الأمة، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام عليكم يوم تواضعتم واجتمعتم منصتين لتسمعون ماذا يُقال، وسلام عليكم يوم حييتم من أتاكم زائراً ومحباً.
وإن كان هناك من شكر فإني أتوجه بالشكر إلى الله العلي العظيم، الذي وفقنا لأن نجتمع بهذه الوجوه المباركة الخيرة النيرة،ثم أشكر أستاذ ومدير هذه المدارس الأستاذ الكريم: محمد الزيداني، وهيئة التدريس، وأشكركم أيها الإخوة الأخيار.
واعلموا -بارك الله فيكم- أن موضوعنا ليس بجديد، إنه قديم في الأخوة وقديم في العراقة في النصوص، لكنه جديد في الإلقاء، وتدور هذه الكلمة على أربعة عناصر لا خامس لها، هي مفاد كلمة هذا اليوم إليكم أيها الأخيار:
العنصر الأول: علاقتنا بكتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
العنصر الثاني: المعاصي التي دمرت علينا مستقبلنا، وضيعت أعمارنا، وذكاءنا، وأفكارنا، وإنتاجنا، وجعلت منا تلك الثلة التي انحرفت عن منهج الله تعالى.
العنصر الثالث: الوقت وحياتنا وأعمارنا في ماذا نصرفها.
العنصر الرابع: موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم.
دخل ربعي بن عامر على رستم قائد فارس في معركة القادسية، فلما دخل ربعي -وهو مجاهد من المجاهدين- بثياب ممزقة، وبفرس هزيل، وبرمح مثلَّم، ضحك رستم، لأن ربعياً أرسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائد المسلمين، أرسله يفاوض رستم، وقبل المعركة، قال رستم: لماذا جئتم؟ أجئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس الهزيل، وهذا الرمح المثلم؟
قال ربعي: [[إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]].
قال رستم: والله لا تخرج حتى تأخذ تراباً على رأسك من تراب بساطي. فحمل التراب على رأسه، ولما خرج من عنده، قال المنجمون: هذه علامة أنه سوف يسلب ملكك وملك آبائك وأجدادك.
فخرج رستم ينظر إلى المسلمين وهم يصلون صلاة الظهر، فوجدهم يركعون بعد سعد رضي الله عنه ويرفعون بعده، إذا قال: الله أكبر، كبروا بعده، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، قالوا: ربنا لك الحمد. فعض رستم الكلب أنامله وقال: علَّم محمد الكلاب الأدب.
كانوا يتصورون أن العرب قبل الإسلام كالكلاب، لم تكن لهم حضارة ولا معرفة ولا أدب، حتى يقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] فأتى صلى الله عليه وسلم بالقرآن.
الأول: أن نعده أعظم ثقافة عرفتها البشرية، وأن نقرأه آناء الليل وأطراف النهار.
الثاني: أن نحفظ ما تيسر منه.
الثالث: أن نجعله تعاليم سلوكية أدبية اجتماعية، نعمل بها ونلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها.
يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} ويقول: {اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كغيايتين أو غمامتين أو كفرقان من طير صواف} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يجلس مع تلاميذه الأخيار، الذين تأثروا بالقرآن، فيقول: {أريد أن أسمعه من غيري} يقول هذا لـابن مسعود، وكلكم يعرف ابن مسعود، ولستم أنتم فحسب في أبها يعرف ابن مسعود، بل يعرفه أهل الجزيرة العربية، ويعرفه أهل الدول العربية، وأهل الشرق الأوسط، ومسلمو اليابان والصين وأمريكا، كلهم يعرفون ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود اتجه بهذا القرآن ورفع الله قدره بالقرآن، كانت قامة ابن مسعود على قدر جلوس الرجل، أي أنه يوازيك وأنت جالس برأسه، من نحافته ومن هزاله وضعفه، لكن القرآن لما دخل قلبه جعله أمة من الأمم، حتى إن الصحابة عندما صعد شجرة رضي الله عنه، ضحكوا من دقة ساقيه، كاد أن يسقط على غصن من أغصان الشجرة كأنه طائر، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتضحكون من دقة ساقيه، والله إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} يقول صلى الله عليه وسلم لـابن مسعود: { اقرأ علي القرآن. فيقول
تأثر أيما تأثر بهذا القرآن، ولذلك ليس لنا ثقافة نقدمها، ولا تاريخ نقدمه، ولا معرفة ولا تربية، ولا علم نفس نقدمه على القرآن. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من ظن أنه سيهتدي بهدىً غير هدى القرآن، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
ويقول: "كل أرض لم تشرق عليها شمس القرآن فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يشرق عليه هدى هذا القرآن، فهو قلب مغضوب مسخوط عليه".
فأنت أيها الأخ الكريم! إذا غربت عليك شمس يوم لم تقرأ فيه آيات أو لم تعش فيه مع المصحف، أو لم تتدبر فيه آيات، اعتبر ذلك اليوم منسياً من عمرك، وأنك خسران مغبون في هذا اليوم، لأن ثقافتنا نأخذها من القرآن.
يقول سيد قطب، صاحب ظلال القرآن، هذا الكتاب الذي أرشدكم لاقتنائه وشرائه، الذي يعلمك حياة الواقع وكيفية ردها إلى القرآن الكريم، صاحب هذا الظلال عاش أربعين سنة في الضلال، أي: في الضياع كما يضيع الكثير منا الآن، يضيعون ويتيهون بلا رسالة، في الشوارع، في الذهاب والإياب، في المقاهي، مع جلساء السوء، لا يعلمون أنهم من خير أمة أخرجت للناس، لا يعلمون أن أجدادهم فتحوا الدنيا، وأنهم عمروا التاريخ، وأنهم بنوا منابر الحق، سلوا كل سماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، ما أوجد العدل في الدنيا إلا أجدادنا، فهذا الشاب الذي يضيع كأنه يتناسى ويكذب ما فعل أجداده.
سيد قطب يقول: "عشت أربعين سنة في الضياع، فلما عدت للقرآن؛ تهولت من القرآن أن يخاطبني من فوق سبع سماوات، من أنا؟ العبد الضعيف المسكين، قال: وكنت أقرأ أن الصحابة يتأثرون ويبكون من القرآن، فما شعرت بذلك حتى سافرت مرة من المرات، يقول: سافر في سفينة من مصر إلى أوروبا، قال: وكان معي شباب من العرب يريدون أوروبا، فركب معنا جاريات، منهن جارية يوغسلافية، فرت من يوغسلافيا، قال: فلما أتت صلاة الجمعة، قمت فصليت بزملائي، وقرأت بعد الفاتحة: (سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية) فلما انصرفت من الصلاة، التفت فإذا هذه المرأة اليوغسلافية التي لا تعرف اللغة العربية تبكي، فقلت للترجمان حولي: ما لها تبكي؟ فقال: إنها تبكي لأنها سمعت إيقاعاً منك خاصاً، أثر في قلبها -إيقاعاً من القرآن- فهي تسألك كلام من هذا؟ قلت: أخبرها أنه كلام رب السماوات والأرض، فلما أخبرها قال: زاد بكاؤها بكاءً ونحيبها نحيباً".
ثم يورد سيد قطب، قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، يقول: كان من هديه صلى الله عليه وسلم وهذا ثابت في الحديث الصحيح، كان يدور على أصحابه من آخر الليل، صلى الله عليه وسلم؛ ليسمع من يقرأ القرآن، فاستمع مرة من المرات إلى عجوز تقرأ وراء الباب، فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه على الباب، فسمع العجوز تقرأ وتبكي وتقول: {هل أتاك حديث الغاشية، هل أتاك حديث الغاشية، وترددها فأخذ يبكي ويردد معها ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني} لأنه يعرف عليه الصلاة والسلام فيم أنزل هذا القرآن، ومن أنزله.
فالذي أدعو نفسي وإياكم يا شباب الإسلام! يا أيها الأخيار! يا أيها الأحبة! لأنكم أنتم أمل الأمة؛ أن تجعلوا وقتاً من أيامكم لهذا الكتاب الكريم، واعتبر يومك إذا لم تقرأ فيه القرآن؛ أنه يوم ضائع مغضوب عليه. يقول الحسن البصري رحمه الله: [[كل يوم تشرق فيه الشمس يقول لابن آدم: اغتنمني يا بن آدم، فوالله لا أعود إليك أبد الدهر]].
أي خيبة وصلنا إليها بعد تلك الخيبة، وأي حسرة وصلنا إليها بعد تلك الحسرة، بعد حياة كنا فيها أرقى الأمم، حتى إن الصحابي كان يقف عند الرسول صلى الله عليه وسلم، الشاب مثلكم أنتم، كان يأتي في معركة أحد فيقول: يا رسول الله! إنني ذاهب إلى الجنة، والله لا أعود، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. يأتي عبد الله بن عمرو الأنصاري، فيستشهد ويقطع بالسيف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، فيأتي ابنه يبكي، فيعزيه النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله كلم أباك كفاحاً -أي: بلا ترجمان- فقال له: تمن يا عبدي! قال: أتمنى أن أعاد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنَّ. قال: أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك. قال: فإني أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، فجعل الله روحه في حواصل طير ترد ماء الجنة فتشرب منه، وتأكل من شجر الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة في السماء}.
ويأتي شاب آخر، ويقول: يا رسول الله! والله إني لأجد ريح الجنة من دون أحد. فيقتل ويضرب بالسيف ثمانين ضربة، حتى إنه لم تعرفه إلا أخته ببنانه.
ويأتي شاب ثالث، ابن الزبير فيدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: {والرسول صلى الله عليه وسلم يحتجم، ويخرج دم الحجامة -الحجامة: إخراج الدم الفاسد من الرجل أو من المرأة- فأخرج منه صلى الله عليه وسلم، ووضع في طست، فقال: يا
أما نحن فكثير منا تربى -إلا من رحم الله- على الأغنية الماجنة، وعلى المجلة الخليعة، وعلى جلساء السوء، فأخرجت هذا الإنتاج العجيب، المعاصي والسجون المليئة، والمخدرات، والانحراف عن منهج الله، والشرود عن آيات الله، التي نراها في مجتمعاتنا، ونسمع قضاة يتحدثون عنها صباح مساء، التي يندى لها جبين المسلم، وفي الأخير نقول: ما لنا ما فعلنا مثل الصحابة، وما لنا ننحرف، وما لنا ليس عندنا استقامة ولا عندنا منهج قويم؟!
السبب أننا لم نعش مع القرآن ولم نتأثر به.
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: (أن رجلاً من بني إسرائيل لما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا أنا مت فاجمعوا حطباً، ثم أشعلوه بالنار، ثم أحرقوني فيه، فإذا أصبحت فحماً فاسحقوني وذروني علَّ الريح أن تذهب بي؛ لئلا يجدني الله عز وجل -سبحان الله! أليس الله قادر على أن يجمعه كما جمعه أول مرة، أليس الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يستطيع أن يقول للشيء: كن فيكون- فلما توفي هذا الرجل أحرق بالنار، فلما أصبح حمماً سحق وذري في يوم ذي ريح، فلما ذري ذهبت به الريح يمنة ويسرة، فجمعه الذي بدأه أول مره، فلما أصبح أمامه رجلاً، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خشيتك وخفت ذنوبي. قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة) قال ابن تيمية: لما شك في القدرة، غفر الله له بسبب أنه خاف من لقاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى".
وإذا دعيت لريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني |
إذا أتيت لريبة في ظلمة، أي أنك وحدك لا يراك إلا الله وما معك إلا الله، ولا يشاهد حركاتك وسكناتك إلا الله، تظن أنك خلوت، وأنك انفردت، وأنك أصبحت في مكان فريداً، ووالله ما انفردت، بل معك رقيب وعتيد، ومعك الذي لا ينام، ومعك الذي لا يغفل، ومعك الذي لا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فاعلم أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
ولذلك ورد في بعض الآثار: أن رجلاً اختفى في غابة وهمَّ بمعصية، فقال: لا يراني أحد، أنا في غابة وحدي، وقد تسنت لي المعصية، فسمع هاتفاً يهتف: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] ولذلك يقول ابن مسعود: [[الله الله في السرائر، الله الله إذا خلوت]] يقول الإمام أحمد وقد أغلق عليه البيت -وهو الإمام أحمد الزاهد الكبير، والعالم النحرير- فقال تلاميذه: فوالله إنا نسمعه يبكي من وراء البيت، وهو يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب |
وصاحب هذا البيت أبو نواس، الذي تسمعون عنه والذي عندما توفي رئي في المنام، كما في البداية والنهاية قالوا: ما فعل الله بك يا أبا نواس؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة. قالوا: بماذا؟ قال: وصفت الزهرة.
-قصيدة اسمها: القصيدة النرجسية، في ديوانه- ورددت أمرها إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقلت: إنه هو الذي أبدعها وزينها، وحلاها وجملها، فغفر الله له بذلك السبب؛ ولذلك بعض الأسباب السهلة في حياتك تستطيع أن تدخل بها الجنة.
رجل من بني إسرائيل، رأى غصن شوك من شجرة في طريق الناس، فرفعه عنهم، فأدخله الله بذلك الجنة.
ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: رئي جرير بن عطية الشاعر المشهور في المنام بعد أن توفي، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة. قالوا: بماذا؟ قال: أذنت وحدي في البادية حيث لا يراني إلا الله. أذن في البادية للصلاة الأذان الذي فتحنا به الدنيا، الأذان الذي أرسلناه نغماً في آذان البشرية، الأذان الذي تهاوت به أصنام الوثنية، وأصبح شبابنا الآن يخجلون إذا ذهبوا في رحلة من الرحلات وفي سفر من الأسفار أن يؤذنوا، يقول أحدهم: أنا لو أذنت أصبحت مطوعاً وأنا لست مطوعاً، وبمفهوم المخالفة أنه عاصٍ، يقول محمد إقبال شاعر الباكستان:
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا |
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا |
شباب الصحابة كادوا يقتتلون في معركة القادسية على الأذان؛ لأن مؤذنهم، عبد الله بن أم مكتوم قتل في المعركة وهو أعمى، وقد عذر الله الأعمى أن يحضر المعركة، فقال: والله لا بد أن أحضر المعركة، فلما حضر المعركة قتل في سبيل الله، فكاد شباب الصحابة أن يقتتلوا على الأذان؛ لكننا الآن أصبحنا نخجل أن نتقدم وأن نؤم الناس، وأن نصلي بهم على المنابر، وأن نؤذن بالناس، ونقول: نحن لسنا مطاوعة، نحن شباب متطور أو متهور، فألغينا هذه الوظائف التي رفعت رءوسنا بين الأمم.
الشاهد هو: أن المعصية دمار لمستقبل الإنسان، وأنها إنهاء وعقاب وغضب من الله.
خرج موسى عليه السلام الأمين القوي، صاحب أكبر صراع في تاريخ الإنسان مع فرعون، خرج يستسقي لبني إسرائيل، فلما استسقى لهم قال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا.
أوحى الله إليه: يا موسى! عد ببني إسرائيل، فبعزتي وجلالي لئن لم تعد بهم لأرمينهم بالحجارة على رءوسهم، أكلوا الربا، وفشا فيهم الزنا، وتواصوا بالفحش والعهر، فبكى موسى عليه السلام، وقال: يا بني إسرائيل! عودوا لا يلقين الله عليكم الحجارة على رءوسكم.
فلما انتشرت فينا المعاصي قلَّت بركاتنا، وقل ذكاؤنا وفهمنا، حتى أصبح أهل الدنيا أكثر إنتاجاً منا، أيُّنَا أكثر؟ نحن أو أوروبا إنتاجاً وتصديراً وتوريداً؟ وأمريكا هم أكثر منا؛ لأننا تساوينا نحن وإياهم في المنهج، فغلبونا في أسباب الدنيا والله يقول فيهم: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].
كان عمر بن الخطاب إذا خرج وحده في الصحراء أخذ عصا، فضرب رجليه وبكى، وقال: [[يا
فيا إخوتي! الله الله في ترك المعاصي والانتهاء عنها بترك المخالفات.
وعيناك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين |
يسألك الله يوم القيامة، بعد أن يختم على فمك، فتتكلم عينك، ولسانك، ويدك، ويتكلم جلدك، فيشهد عليك بما فعلت. ولذلك أوصي نفسي وإياكم بالتوبة وترك المعاصي ما ظهر منها وما بطن، واصرف نفسك أيها الأخ الكريم! فيما ينفعك ويقربك من الله عز وجل.
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان |
مجلسنا الذي جلسناه، من يوم بدأنا إلى الآن، لا يعود هذا الوقت الذي صرف فيه، ولو اجتمع أهل العالم أن يعيدوا هذا الوقت لا يعيدوه أبداً، لأنه انتهى من أعمارنا
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي |
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي |
ولذلك نحن نتقدم خطوة خطوة إلى الموت، وإلى الهلاك والفناء، ونحن لا نشعر. فلا إله إلا الله كم من ساعة ضيعناها، وكم من يوم صرفناه في المعصية، وفي اللهو واللغو والإعراض عن الله، وبعدها ندَّعي أننا نحن شباب الإسلام, ونحن أمل الأمة؟!
أمل الأمة أن تقرأ وتحقق، وأن تواظب وتجد وتجتهد، ليس أمل أمة أن تقضي ساعاتك الطويلة في اللهو واللغو واللعب والغناء، ومع كل من هب ودب.
فالإنسان منا يعيش ويموت ولا يُشعر به؛ لأنه لم يحفظ وقته، يقول ابن عقيل: إني آكل الكعك ولا آكل الخبز.
قيل له: لماذا تأكل الكعك ولا تأكل الخبز؟ قال: " بين أكل الكعك والخبز قراءة خمسين آية". فهم يحسبون بالآيات.
يقول: من داوم على ترك هذه العشر الركعات النوافل التي جعلها صلى الله عليه وسلم سنناً راتبة، فهو فاسق ترد شهادته، نسأل الله العافية.
فليت ابن تيمية علم أن منا من يترك الصلاة، وأن منا من يتهاون بالصلاة، وأن منا من يدخل عليه الوقت ويخرج وهو ما اهتم بالصلاة، ولا انضبط مع أمر الله عز وجل، مسلم يسمع الله أكبر، ولا يقوم ويتحرك ويتوضأ، أي مسلم هذا؟! يقول الله في المنافقين: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] فإذا أردت أن تعرف المنافق، لا تعرفه بشكله أنه أحمر أو أسود أو أصفر، ولا بلونه، ولا بعضلاته، بل تعرفه بموقفه من الصلاة، إذا أذن المؤذن، ثم تكاسل وتهاون؛ فاعلم أن فيه نفاقاً، تقول عائشة: { كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الأذان أو النداء للصلاة، قام إلى الصلاة كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا} يقطع أعماله وأشغاله صلى الله عليه وسلم ويقوم إلى الصلاة.
حتى إن الذهبي يذكر عن عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أحد الصالحين الأخيار، يقول: أُذن لصلاة المغرب وهو في سكرات الموت، حضره الموت، وأصبح في آخر ساعة من ساعات الدنيا قال: احملوني إلى المسجد. قالوا: إن الله عذرك وسامحك وعفا عنك، وأنت في سكرات الموت. قال: والله لا أسمع الله أكبر الله أكبر ثم أبقى على فراشي، فحملوه وهو في سكرات الموت، فصلى وهو معتمد على رجلين، ثم توفي وقبض الله روحه وهو في السجدة الأخيرة، فلما أخبروا أهله قالت زوجته: والله لقد علمت أن الله سوف يتوفاه ساجداً، لأنه كان يقول كلما أصبح: [[اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، اللهم إني أسألك الميتة الحسنة]] فرزقه الله الوفاة وهو ساجد.
وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة، أن أحد الصالحين كان يشتغل نجاراً، حين كان النجار في عهد السلف أتقى لله منا ونحن طلبة علم الآن، كان الخياط في عهد السلف الصالح أتقى لله منا ونحن طلبة علم، ونسمي أنفسنا طلبة علم وواجهة للمجتمع، كان البائع التاجر أتقى لله في عهد السلف، كانوا كلهم أخياراً إلا ما شذ منهم، حتى إن عمر عينه أبو بكر رضي الله عنه قاضياً، قال: [[فبقيت سنه في المدينة ما أتاني خصم أبداً]]. بقي سنة ما أتاه خصم؛ لأنهم عرفوا الحق.
ولذلك قال ابن الجوزي: أتى أحد النجارين كان يعمل، فكان إذا رفع المطرقة يضرب بها المسمار وسمع الله أكبر لا يردها ثانية، يلقيها ويطرحها وراء ظهره ويقوم إلى الصلاة.
واعرف إيمان المؤمن من قيامه للصلاة ومن استعداده لهذه الصلوات.
إخواني في الله: يومنا هذا أو غيره من الأيام، يسدد فيه الإنسان بسبب حضوره لصلاة الفجر، واسأل نفسك وأنت جالس الآن، إن كنت صليت صلاة الفجر في جماعة؛ فأنت في ذمة الله وفي حفظه وفي رعايته، ففي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة؛ فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإن من طلبه أدركه، ومن أدركه كبع على وجهه في النار}.
لماذا امتلأت السجون من الشباب الذين يتعاطون المخدرات؟ لماذا امتلأت السجون من الشباب الذين زاولوا الزنا والمخالفات والشذوذ الجنسي؟ لماذا هتكت المحرمات؟ بسبب تركنا للصلوات، حتى يقول العلماء: إن من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة؛ لا يصاب بكبيرة بإذن الله -لا يقترف كبيرة بإذن الله- ولا يمكن أن تتعرض له كبيرة من كبائر الذنوب.
يقول أحد الناس: كنت حارساً في سجن في الشمال في القرن الرابع، فدخل عليَّ في سبع سنوات ما لا أحصي ولا أعد من المسجونين من أهل المعاصي، فكنت أسألهم بعد صلاة العشاء، وكانوا يأتون بهم بعد صلاة العشاء، قلت: أسألكم بالله! أصليتم العشاء اليوم في جماعة؟ قالوا: لا. فابتلاهم الله بالفواحش وبالمنكرات والكبائر، فضربت ظهورهم وسجنوا، وذهبت عقولهم بالمخدرات بسبب تركهم للصلوات.
فالله الله -يا شباب الإسلام- في الصلوات الخمس! الصلوات الخمس التي لمَّا تركناها رأيت كثيراً من الأجيال المنحرفة عن منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ورأيت البيوت المهدمة على أعقابها، ورأيت التربية السيئة، ورأيت العصيان من الولد للوالد، يقول الله عز وجل في حديث قدسي: {أبي تغترون أم عليَّ تجترئون! فبي حلفت لأنزلن فتنة تدع الحليم حيران}.
زلزلت المدينة في عهد عمر رضي الله عنه -أصابها زلزال سهل ليس بكبير- حتى تساقطت بعض الجدران وبعض البيوت، فجمع عمر الناس في المسجد، فلما اجتمعوا رجالاً ونساءً وأطفالاً؛ بكى عمر رضي الله عنه، ثم قال: [[والذي نفسي بيده! إن وقع زلزال مرة ثانية في المدينة، ما أجاوركم في المدينة وإنه لآخر العهد بي وبكم، قالوا: فما علاقتنا -يا أمير المؤمنين- بالزلزال؟ قال: أنتم الذين أوقعوا الزلزال ولم يقع الزلزال إلا بذنوبكم، فوالله إن وقع مرة ثانية لا أجاوركم أبداً. فبكى المسجد حتى ضج بالبكاء، وقالوا: تبنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]] فنحن ما وقعت بنا المصائب التي حلت بالأمة؛ إلا بذنوبنا وإعراضنا عن الله.
واعلم -يا أخي- أن الله لم يخلق أشرف ولا أكرم ولا أرحم ولا أجل من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك أغلق الله أبواب الجنة أن تدخل إلا من بابه، فمن أتى من غير باب الرسول صلى الله عليه وسلم احرمه الله من دخول الجنة، قال الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
وموقفك من الرسول صلى الله عليه وسلم يدور على ثلاث قضايا:
القضية الأولى: أن تعيش معه في السيرة، أن تعرف سيرته وحياته، جليلها وحقيرها، كبيرها وصغيرها، وما أعلم كتاباً أحسن من زاد المعاد لـابن القيم يقول أبو الحسن الندوي: ما دبجت يد مسلم أفضل من زاد المعاد. فأوصي نفسي وإياكم باقتنائه، أو كتاباً آخر في السيرة كـسيرة بن هشام، وأجلها زاد المعاد لـابن القيم تستصحبونه معكم، وتقرءونه وتتدبرون ما فيه، علَّكم أن تعرفوا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وحياته، وعلكم أن تعرفوا هذا الإنسان العظيم، الذي زكاه الله من فوق سبع سماوات فقال فيه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
وقراءة السيرة ليس للتسلية ولا للسمر، لكن لنقتدي به صلى الله عليه وسلم، فإنه ورد في حديث: (والله لا يسمع بالرسول صلى الله عليه وسلم سامع، يهودي ولا نصراني ولا مجوسي، ثم لم يسلم إلا أدخله الله النار) فوالله لا يسمع بالرسول صلى الله عليه وسلم سامع، ثم لا يقتدي به ولا يسلك مسلكه إلا دخل النار.
يا مدعي حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا |
أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا |
خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا |
تأخذ كل صغيرة وجليلة وكبيرة أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، فتحكمه في نفسك، يقول الله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] كان محمد صلى الله عليه وسلم يصلي كذا، تصلي مثلما صلى، يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) كيف ندعي أننا طلبة علم ولا نعرف كيف كان يصلي صلى الله عليه وسلم؟
صحيح أننا أجدنا علم الدنيا، وعرفنا وأتقنا علم الجغرافيا والتاريخ والتربية، لكن علم السيرة، وعلم الأثر، وعلم الحديث، ما أنتجناه ولا أجدناه كما ينبغي، يقول صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فتعرف كيف كان يصلي وكيف كان يشرب، وكيف كان يأكل.
وأوصي نفسي وأوصي الأساتذة والمربين والموجهين، أن يتقوا الله في شباب المسلمين، ويتقوا الله في هذه الفلذات التي عرضت أمامهم على كراسي الدراسة، أن يمنحوها علماً، وأن يحضروا علماً نافعاً، وأن يخلصوا لله عز وجل، ولا يكن هم الأستاذ أن ينهي الخمس والأربعين دقيقة هذه، ثم يخرج من الفصل ويعتبرها وظيفة لا والله، والله ليسألنه الله يوم القيامة عن هؤلاء، ليسألنه الله ماذا فعل فيهم، ليسألنه الله في هذا المرتب، وهذا المعاش الذي قبضه، وهذه الأكباد والوجوه والقلوب ماذا فعل فيهم.
ثم أوصي نفسي وهؤلاء الشباب، أن يتقوا الله في أيامهم وفي جلوسهم على مقاعد الدراسة، أن يستفيدوا علماً من أساتذتهم، وأن يحترموهم ويوقروهم؛ لأنهم يهدونهم إلى الصراط المستقيم إن شاء الله.
فيا أيها الإخوة: موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً: أن نعيش سيرته.
والأمر الثاني: أن نتأدب بأدبه.
والأمر الثالث: أن نكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
واعلموا أنكم لن تجدوا في العالم أزكى منه قلباً، ولا أطهر ولا أوضح منهجاً، ولا أحسن سيرة منه صلى الله عليه وسلم، يقول الله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [الشورى:52-53].
والعجيب أن أحد الأمريكان له كتاب موجود في السوق، اسمه: دع القلق وابدأ الحياة هذا الكاتب مؤلفه اسمه: دايل كارنيجي أمريكي، يقول: الأمريكان يقرءون في اليوم والليلة ست عشرة ساعة، من أربع وعشرين ساعة، أمريكان لا يعتقدون أن الله يبعث الناس يوم القيامة، ونحن الذين من سلالة أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، ونحن الذين نقول: إننا فتحنا العالم، وكلما أتانا إنتاج قلنا: هذه بضاعتنا ردت إلينا، ونقول: نحن في مهبط الوحي، لا يقرأ الواحد منا إلا من رحم الله في اليوم ساعة أو ساعتين، وإذا قرأ ساعة ذهب يخبر جيرانه وإخوانه أنه قرأ ساعة، ويقول: سئمت ومللت وأصابني النعاس وأصابني كذا وكذا.
فلذلك كيف يكون أهل الكفر والذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة أكثر منا قراءة، يقول موشي ديان وزير حرب العدو الميت الهالك إلى نار جهنم: العرب لا يقرءون. يقولون: نشرتم أسراركم في صحفكم، فكيف لم يقرأها العرب؟ قال: العرب لا يقرءون. وهذا موجود فينا وأكثر ما يوجد في بلادنا نحن، فالعرب أسهل أو أيسر لكن يقرءون أكثر منا، ونحن أقل الناس قراءة.
فالذي أريد أن أنبهكم إليه هو أن تقبلوا على مكتباتكم، وأن تستشيروا أساتذتكم في الكتب الجيدة، فليس كل ما يعرض في السوق يشرى، بل تأخذون الكتب النافعة الطيبة، كـالصحيحين، وكتب ابن القيم، وابن تيمية، وكتب ابن كثير، وكتب التفاسير التي تزيدكم علماً وتقوى ويقيناً، وتهديكم إلى الصراط المستقيم.
ثم أدلكم على الشريط الإسلامي، أن تقتنوه في سياراتكم وفي بيوتكم بدل شريط الأغنية، مسلم ويستمع إلى الغناء؟! مسلم ويستمع العهر ويستمع الفجور؟! مسلم ويستمع ما يقال في الفحش؟! حتى يقول عمر بن عبد العزيز لأبنائه: الله الله لا تستمعوا الغناء، فوالله ما استمعه مستمع إلا حبب إليه الفاحشة.
ويقول عقبة بن عامر، القائد المسلم الكبير فاتح أفريقيا لأبنائه: أسأل الله عز وجل أن يعصمكم من الغناء، فوالله إن استمعتموه لا تحفظون كتاب الله أبداً.
فالغناء هو سبب تضييعنا للقرآن، وسبب ضياع أوقاتنا، وسبب إنهاء علمنا من رءوسنا.
أيها الإخوة الفضلاء: لا أريد أن أطيل عليكم، وإلا فالحديث كثير، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، لكني أشكركم شكراً جماً على تواضعكم، وعلى جلوسكم، وعلى تحملكم حرارة وتوقد الشمس؛ لتستمعوا فجزاكم الله خير الجزاء، وشكراً لكم الشكر الكثير، وأسأل الله الذي بيده مفاتيح القلوب أن يفتح على قلوبنا وقلوبكم، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يجعل منا ومنكم مفاتيح للخير هداة مشاعل حق، نقود أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا إلى سواء السبيل، نعرض عمن أعرض عن الله، ونتحاكم إلى شرع الله، ونستروح إلى هدى الله، ونسير على منهج الله ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم فافتح علينا من فتوحاتك، واهدنا سواء السبيل، وتقبل منا ما قلنا وما استمعتم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر