وقد عرض الشيخ في محاضرته هذه لكثير من المسائل المتنوعة الأبواب، ففي التفسير ذكر أسباب نزول بعض الآيات، وفي الفقه تتحدث عن بعض أحكام العبادات والمعاملات التي يحتاجها المسلم في حياته.
وفي العقيدة تكلم عن بعض المسائل الشركية التي تخالف العقيدة السليمة، وإلى غيرها من الأحكام والمسائل والنصائح.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
عنوان هذه المحاضرة: (سؤال وجواب) ورقمها: السادسة بعد الثلاث مائة، وأشكركم على حضوركم، وأشكر إمام المسجد على تقديمه، وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة.
قبل أن أبدأ في هذه المحاضرة وهي على شكل سؤال وجواب، أنبهكم على سنة المغرب؛ فإن من لم يصلها عليه أن يصليها في ختام المحاضرة، ومن لم يتسن له إلا بعد العشاء فليصلها بعد العشاء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقضي السنن الرواتب، وهاتان الركعتان بعد المغرب من السنن الرواتب التي حافظ عليها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها).
أيها الإخوة الفضلاء: لقد أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بالسؤال، فقال: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45] والسؤال نصف العلم، والجواب نصف العلم، وحسن السؤال من حسن العقل؛ وعند أبي داود: (أن رجلاً أصابته شجة -جرح في رأسه- فقال لأصحابه: هل لي رخصة في أن أتيمم؟ قالوا: لا رخصة لك، فذهب إلى الماء، فاغتسل، فدخل الماء في جرحه فمات، فلما أُخبر الرسول عليه الصلاة والسلام قال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) والله يقول: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
الموطن الأول: أن تسأل عما لا يعنيك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [المائدة:101] فشيء لا يعنيك لا تسأل عنه، كمن يضيع عمره في أسئلة وهو بحاجة إلى أسئلة أحسن منها، ولكن أمضى عمره في الأسئلة، مثل الجدل البيزنطي حول دوران الشمس حول الأرض أو العكس، أو حكم أطفال أهل الفترة، أو أسئلة لا تعنينا ولا تنفعنا في الحياة.
الموطن الثاني: ألا تسأل عن شيء استأثر الله بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، مثل سؤال المتشابه من القرآن، وتتكلف علمه مثل: حم، آلم، طسم، إلى غير ذلك من الحروف التي استأثر الله بعلمها أو علم المتشابه، فإن أهل العلم كـابن هبيرة الحنبلي يقول: " إن من معتقد أهل السنة أن يكفوا عن المتشابه " والله يقول: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7].
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن كثرة السؤال، قال الإمام مالك: " أراها المعضلات والأغلوطات ".
أي: كثرة السؤال من المعضلات، فالذي يتعجز العلماء والمفكرين والدعاة وليس قصده العلم والفائدة بل أن يعجزهم، فهذا منهي عنه، وقيل: من سأل الناس مالاً تكثراً، فإنما يسأل جمراً.
قال الحسن بن علي: مجلس العلم لا يفوتك منه أحد من خمسة:
الأول: أن تكتسب فيه صديقاً.
والثاني: أن يغفر لك به ذنب.
فإن الله عز وجل بعد أن يصرف الناس يسأل الملائكة وهو أعلم بهم -والحديث عند مسلم - فيقول: {كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم يسألونك، قال: ما يسألوني؟ قالوا: الجنة... -الحديث طويل في آخره يقول الله تبارك وتعالى-: أشهدكم أني غفرت لهم، قالوا: يا ربنا! معهم فلان بن فلان إنما جلس معهم هكذا، قال: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}.
والثالث: أن تستفيد مسألة علمية، فتستفيد حلالاً تعرفه، أو حراماً تجتنبه، أو فقه آية، أو معنى حديث من ميراث محمد صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن يزول عنك الوسواس، فإن الشيطان يفر من مجالس الذكر، ولذلك أوصى كثير من العلماء الفطناء من أصابه صرع أو مس من الجن أن يكثر من المحاضرات، والجلسات، والدروس، ومباحثات أهل العلم.
الخامس: التوبة من الله عز وجل والرحمة تغشاك بإذن الله ونحن معك.
من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام |
فيها السكينة والوقار وأهلها أهل العفاف وعِلْيَةُ الأقوام |
الجواب: قال أهل السنة -من العلماء- على رأسهم ابن جرير وابن كثير: سبب نزولها أن رجلاً اسمه {ابن جميل عاهد الله عز وجل، وكان فقيراً، وقال: يا رب! أعاهدك إذا رزقتني مالاً أن أجعله في طاعتك، وأنفقه في مرضاتك، فأعطاه الله ما شاء من المال، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يجبي الصدقة، فذهب فمر على المسلمين فأعطوه الصدقات، إلا العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم وخالد بن الوليد وابن جميل، منعوا الثلاثة فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم -وأصل الحديث في البخاري ومسلم - فقال عليه الصلاة والسلام: {أما
يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله |
خالد عنده مائة فرس جعلها وقفاً في سبيل الله، ومائة درع كذلك، والوقف لا زكاة فيه.
وأما ابن جميل الداهية الدهياء، فيقول فيه عليه الصلاة والسلام: {وأما
أذكر قصة باختصار ذكرها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وهي في الصحيحين من حديث أبي هريرة، يقول: {كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل ثلاثة: أقرع وأبرص وأعمى؛ الأقرع: الذي لا شعر في رأسه، والأبرص: الذي تغير جلده من البرص وذهب بهاؤه، والأعمى: الذي ذهب بصره، أراد الله أن يبتليهم، فأرسل لهم ملكاً من السماء، فمر على الأقرع، فقال: ماذا تشتهي وتتمنى؟ قال: أتمنى من الله أن يرد علي شعر رأسي الذي قذرني الناس به، فسأل الله أن يرد عليه شعره فرده، ثم قال: ماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: أشتهي الإبل، فدعا الله له فرزقه الله بناقة فولدت وأنتجت حتى ملأت الوادي، ثم ذهب إلى الأبرص وقال: ماذا تطلب من الله؟ قال: جلداً حسناً يرده الله علي فقد قذرني الناس بجلدي، فسأل الله فرد عليه الجلد الحسن، قال: ماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: البقر، فسأل الله فأعطاه بقرة فولدت وأنتجت حتى ملأت الوادي، ثم ذهب إلى الأعمى، قال: ماذا تشتهي؟ قال: أن يرد الله علي بصري
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور |
قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور |
وعند العمى أقول: العمى قسمان: عمى القلب وهو الذي لا طب فيه إلا أن يشاء الله، وعمى البصر وهو سهل، فعمى البصر سهل وأجر من عمي على الله، يقول سبحانه في الحديث القدسي في البخاري: {من ابتليته بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} وأما عمى القلب فهو الذي ليس بعده عمى، يقول سبحانه: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19] وقال: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].
{فأعطاه، ثم قال: وماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: الغنم، فسأل الله له شاة فأعطاه شاة فأنتجت حتى ملأت وادياً، ثم ذهب الملك وتغير في صورة مسكين} الله الذي يصوره، فقد صور جبريل له ستمائة جناح كل جناح يسد ما بين المشرق إلى المغرب، ومرة يصوره في صورة رجل كما في الصحيحين يوم أتى يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الإسلام، واسمع قول الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر:1].
{أتى هذا الملك على صورة مسكين، فمر بالأقرع، قال: أريد منك ناقة، أنا فقير ومسكين، قال: المال مالي ولا أعطيك شيئاً، قال: كنت أقرع وكنت فقيراً فرزقك الله، قال: لا. ورثت المال كابراً عن كابر، قال: إن كنت كاذباً فردك الله على ما كنت، فرده الله أقرع فقيراً، ثم ذهب إلى الأبرص، وقال: أعطني بقرة أتقوت بها، قال: لا. المال مالي، قال: قد كنت أبرص فقيراً، قال: لا. ما كنت أبرص وما كنت فقيراً، قال: إن كنت كاذباً فردك الله على ما كنت، فرده الله كما كان، ثم ذهب إلى الأعمى فسأله قال: خذ ما شئت واترك ما شئت، والله لا أشكرك على ما تركت، كنت أعمى فرد الله عليَّ بصري، وكنت فقيراً فأعطاني الله فخذ ما أردت، قال: أما أنت فقد رضي الله عنك وغضب على صاحبيك} وهذه النعم تجري، زكاة البدن تستخدمه في طاعة الله، وزكاة العينين البكاء، وزكاة اللسان الثناء، وزكاة الجسم الحياء، وكلها مما أوجبه الله على عباده.
الجواب: سبب نزول الآية كما في البخاري من حديث عبد الله بن الزبير: {أن
الآية لها ظلال ثلاث:
الأول: يقول بعض العلماء المجيدون معنى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65] أي: يرضوا بحكمك ويرضون بك إماماً لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] معنى يحكموك: أي في معتقداتهم وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم، من رضي بإمامة الرسول صلى الله عليه وسلم فجعله إماماً له في المعتقد والأخلاق والسلوك وأكبرها لا إله إلا الله، وفي سنن منها: اللحية، والثوب فهي من السنة، وإماطة الأذى عن الطريق، والسواك، وفي كل دقيقة وجليلة يحكم فيها محمد عليه الصلاة والسلام.
يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا |
أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا |
خذها جميعـاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا |
والتحكيم يعني: أن تجعله إمام، الآن أتباع استالين ولينين يحكمونه في كل شيء، وكذلك يقلدونه.
ولي خان باكستاني توفي قبل ما يقارب سنة أو سنتين، وقد دخل ابنه الحزب الديمقراطي في الانتخابات مع بناظير، هذا من حبه لـلينين وقد أخذ تمثالاً لـلينين معه في المجلس، كان إذا أراد أن ينام أخذ تمثالاً لـلينين وينام بجانبه، ويوم حضرته الوفاة في إسلام آباد أوصى أبناءه أن يدفنوه في موسكو بجانب قبر لينين ليحشر معه في نار جهنم، ولكن رفضت روسيا أن تستقبل جثته، وانظروا الحب، وانظروا الخزي والعار، وفي الأخير طلب أن يدفن، فدفن في داخل أفغانستان، وإنما أقول هذا؛ لتعلق بعض الناس ببعض المغرضين، من أمثال: ميشيل عفلق من مؤسسي حزب البعث في العالم العربي، وله أتباع رأيناهم يأخذون صورته ويقبلونه، ويقولون: من أجل عينيك وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] وأولياء الله والرسول عليه الصلاة والسلام أشد وأحسن وأقوى وأعظم.
فعجباً لهؤلاء كيف يقلدون هؤلاء الملاعين الملاحدة الأقزام؟! فأين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وتلاميذه وأتباعه؟!
تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال |
يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال |
روض النـبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال |
وأنتم أبناؤه وأتباعه على ملته.
يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار}.
والظلال الثاني: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65] تحكيم الدستور الإسلامي (الكتاب والسنة) في حياة الأمم والشعوب وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:44-47].
فمن حكم بغير ما أنزل الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم، يقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد قصة مشهورة عند أهل العلم وهي: {أن رجلين: يهودي ومنافق اختصما في قضية، فذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول اليهودي: نذهب إلى محمد، والمنافق يقول: لا} لأن اليهودي يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يحكم بالحق، والمنافق خائف لأن الحق عليه.
فلما ذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالحق، فقال المنافق: ما رأيك نعرض على أبي بكر عله أن يسهل لنا؟
قال: ذهبنا إلى أبي بكر فسألاه فحكم كحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أبا بكر سهل لين رقيق ما سألهم هل حكم قبلي أحد؟ فذهبا إلى عمر وكان في البيت، فقالا: نعرض عليك قضية، قال: ما هي؟ قالا: كيت وكيت! فقصا عليه القصة، فقال: عرضتم القضية على أحد قبلي.
هذا الرجل العملاق، الداهية الذي تفر منه الشياطين، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {هيه يا
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها |
{قال: أحكم قبلي أحد؟ قالوا: نعم. قال: من؟ قالا: الرسول صلى الله عليه وسلم و
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار |
ولا شلت يمينك يا أبا حفص.
الظلال الثالث: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً [النساء:65] بعض الناس يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه يجد حرجاً، وهذا دليل على النفاق، مثلاً: من يحمل السنة وفي قلبه خجل من الناس، وإنما يفعل مجاملة، فهذا في قلبه مرض ونفاق، مثل بعض الناس تجده يحضر صلاة الجماعة لكنه كالمجامل، ويعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث عليها لكن في قلبه حرج.
وبعضهم يقول: ليت الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتى بالحجاب، أنا أحجب بناتي والله المستعان؛ لكن ليته ما أتى به، هذا يدخل في عموم من في قبله مرض، لا يرضى بالإسلام، ولا يرضى بحكمه عليه الصلاة والسلام.
الجواب: معنى لولا عند أهل العلم: أي: هلاَّ، إذ جاءهم بأسنا، والبأس قيل: النكبة في الحياة، وقيل: المصائب التي يبتلي الله بها الناس، وهي أخذ الله وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ [هود:102] فمعنى الآية، يقول سبحانه: لماذا يوم أتاهم بأسنا وعذابنا ونكباتنا ومصائبنا ما رجعوا إلينا وتضرعوا وبكوا وندموا واستغفروا؟!
هذه الآية -أيها المسلمون- نعيش ظلالها هذه الأيام، فلن ينقذنا من أخذ الله ولا من عذابه ومقته وتدميره إلا الله، لا تنقذنا أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا دول الأرض كلها، فإن الله إذا غضب لا يقوم لغضبه أحد، فالمفر إلى الله، يقول الله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50] والذي يعتقد أن قوة الأرض وأركان الأرض هم الذين يحولون بينه وبين أخذ الله فهو جاهل، فعلينا أن نحفظ النعم بالشكر، البلد الذي رأيناه بلداً ناعماً سعيداً، بات هادئاً وما علم أنه سوف يجتاح في الصباح.
يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا |
سبحان الله! يحدثنا أحد تجار الرياض يقول: ذهبت إلى الخفجي؛ لأستقبل الرعايا واللاجئين الذين خرجوا من الكويت فلقيت تاجراً صديقاً لي يقول: أمواله بالملايين المملينة من أكبر تجار الخليج، قال: فلما رآني وكنت أوزع على الناس من مائة ريال يأخذون بها ماء وببسي، قال: فلما رآني هلت دموعه حتى جلس، فقال: يا فلان! والله ما تعودت آخذ وأنت تعرفني كنت أنفق الأموال والشيكات، والله إني كنت ألعب بالملايين في ليلة واحدة وفي يوم واحد، وأصبحت والله لا أملك ما أملأ به سيارتي وقوداً، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ [هود:102] وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112] فالقوى لا تحمينا، فالله إذا غضب لا يقوم لغضبه أحد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] وقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً [الطلاق:8].
انظر التعبير! عتت: تمردت على آيات الله، قرية ناعمة لكن لا يصلي أهلها في المساجد، ويخرجون على شريعة الله، ويتعدون حدود الله ويسهرون على معاصي الله: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً [الطلاق:8-9] ولسنا من الشامتين على أبناء الكويت المسلمين، فهم إخواننا، وهم المهاجرون ونحن أنصارهم.
سيصغي له من عالم الغيب ناصر ولله أوس آخرون وخزرج |
ولكن علنا نعتبر.. فإياك أعني واسمعي يا جارة! والله يقول: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى [الأحقاف:27].
يقول: انظروا الشعوب حولكم! كيف دمرناهم، فلماذا لا تراعون أمر الله؟! هذا من ظلال الآية.
ومعنى تضرعوا: عادوا إلى الله، فقد كان السلف إذا أتت حروب على الحدود يلجأون إلى المساجد بقيادة الخلفاء، ويكثرون من النوافل ومن دعاء النوازل ومن البكاء.
وقعت في المدينة هزة خفيفة، يقولون: سقطت بعض الحوائط، وكان الخليفة هو عمر، فقد كان هو المسئول، فلما وقعت الهزة وقعت بعض الحوائط والجدران، فصعد المنبر ونادى في الظهيرة الصلاة الصلاة، فاجتمع الناس، فخطبهم وبكى، وقال: ما هذه الهزة؟ قالوا: من الله، قال: أنا أدري أنها من الله، ولكن ما سببها؟ قالوا: لا ندري، قال: لا تدرون ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
والذي نفسي بيده لو تكررت هذه الهزة لا أجاوركم في المدينة بعدها، قالوا: ماذا نفعل؟ قال: توبوا إلى الله وتضرعوا؛ فإن الله يقول: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43].
قال أهل التاريخ: هبت ريح شديدة على بغداد، وأخذت بعض الشجر، وهدمت بعض البيوت، والخليفة في ذلك الوقت هو هارون الرشيد، فنزل من قصره، ودخل المسجد، وكشف البساط، ووضع خده، وقال: والله يا رب! لا أرفع خدي حتى تهدأ الريح؛ لأنك إن قتلت أمة محمد فبسبب ذنوبي، قالوا: فما رفع رأسه حتى هدأت الريح واطمأنوا إلى رحمة الله عز وجل.
الجواب: الحديث رواه أهل السنن وهو صحيح، وأما شرحه، فقوله صلى الله عليه وسلم: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء} فهو الرجل الذي يتشبه بالمرأة فيما يخص المرأة، مثل: تشبهه بكلامها، وبمشيها، وجلوسها، ولباسها، وحليتها، وأخذها، وعطائها وفي أنوثتها، ومن فعل ذلك استحق لعنة الله وغضبه.
{ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال} فمن تشبهت من النساء بالرجل في كلامه ولباسه وفي أخذه وعطائه وفي خروجه، فالتشبه بالرجال من النساء يدعو إليه -الآن- العقلانيون الذين ضلوا سواء السبيل بمشاركة المرأة في البرلمان، وتوليها للمنصب، وأخذها للوزارة والوظيفة، وهذا ليس وارداً في الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} والإسلام يحرم أن تتولى المرأة منصباً تأمر فيه وتنهى؛ لأنها ناقصة عقل ودين، فليعلم هذا حفظكم الله.
وقد رأيت كتيبات تباع في الأسواق وفيها فصول تنادي بهذا الأمر، وبعض الناس من صغار طلبة العلم أو المغرورين بالثقافة المنحرفة والعقلانية المعاصرة، اغتروا بهذا، وناقشوا نقاشاً باطلاً ليدحضوا به الحق، ولكن أمر الله عز وجل على العين والرأس ونحن نكرر هذا الحديث، والتشبه ظهر في هذا العصر في كثير من الناس وأبناء الجيل، لكن بدأت هذه الظاهرة تخف والحمد لله، ظهر في هذا الجيل يوم كانوا يسافرون إلى أوروبا، خف التأنث، والتشبه بالبنات، والتشبة بأعداء الله عز وجل، وجعل الدين رجعية وتخلف، وازدراء سلف الأمة، وتراثها، وميثاقها، وهذه مسحة العلمنة، وسوف أعرض إليها في آخر المحاضرة إن شاء الله.
الجواب: الحديث صحيح رواه أبو داود، ومعناه: من تشبه بقوم في زيهم وفي حركاتهم التي اختصوا بها فهو منهم ويحشر معهم، نحمله على ظاهره.
يقول سفيان بن عيينة: " أمِرُّوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على ظاهرها ".
قد يأتي لك أحد الناس يناقش في الحديث يقول: معنى {من تشبه بقوم فهو منهم} أي: يشابههم، أو ربما سار في طريقهم، أو شابههم في بعض الجزئيات، لا، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {فهو منهم}.
ومن التشبه: ما يفعله بعض المسلمين الآن من الانهزاميين الذين أصيبوا بالإنهزيمة: متشبهون بأعداء الله، فبعض الناس يرى الخواجة كأنه ملك نزل من السماء، لا طهر الله الخواجات فهم أنجس خلق الله، وهم أعداء الله عز وجل في كل عصر ومصر، وفي كل أرض، وهم يرصدون للإسلام المراصيد، والهزيمة النفسية التي أصابتنا نحن، لأننا نرى أننا ما قدمنا للبشرية في مائة سنة أو مائتين سنة شيئاً،نعم يقول:
كم صرفتنا يداً كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه |
فنحن الآن عالة على البشر، إذا ما حملنا الدين وقدمناه للناس فما قدمنا شيئاً، يقول كريسي موريسون في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: " قدمنا لكم الثلاجة والبرادة والطائرة والسيارة وما قدمتم لنا الإسلام ".
أي: ينتظر منا الغرب والروس والأمريكان أن نقدم لهم الإيمان، لا ينتظرون منا أن نصنع لهم طيارة، نحن لا نستطيع أن نصنع ولا هايلوكس، حتى الطباشير ما صنعناها فكلها مستوردة، مكتوب عليها: صنع خارجي فقط، وحتى الدبابيس والإبر، وما فعلنا شيئاً إنما وقفنا موقفاً سلبياً من توزيع هذا الدين للناس، والناس ينتظرون منا متى نصل به إليهم.
أنا قرأت قصيدة لـمحمد إقبال مترجمة اسمها (بحثت عنك يا رسول الله في ألمانيا).
هذا محمد إقبال شاعر الباكستان وهو شاعر عملاق، شاعر يحب الله عز وجل، كان إذا صلى الفجر أخذ القرآن فيبكي حتى طلوع الشمس، وهو سبب انفصال باكستان عن الهند وقيام الدولة، يقول: بحثت عنك يا رسول الله في ألمانيا فما وجدتك! لقد سافر ليدرس الفلسفة في بون لأن عنده دكتوراه في الفلسفة.
قال: يا رسول الله! بحثت عنك في ألمانيا، والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ليس في ألمانيا، هو مدفون في المدينة، وهو يدري لكن يقول: بحثت عن عدلك ورأفتك ورحمتك وعن منهجك فما وجدت ذلك يا رسول الله في ألمانيا أين أنت؟ فقد وجدت ناطحات السحاب، وجدت السيارات والقاطرات، لكني ما وجدت الحب، ولا وجدت الإيمان، ولا وجدت السلام، نعم! هم الآن يسعون إلى الهاوية كما يقول دايل كارنيجي: " نسعى إلى الهاوية 100% "؛ قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124].
يقول أحدهم وهو من المهلوسين:
جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! |
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! |
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! |
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! |
ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! |
لكن أهل الإيمان على بصيرة من الله، قال سبحانه: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].
فالتشبه موجود، وهو انهزامية في هؤلاء المتشبهين، التشبه موجود في الأكل، ونحن من عادتنا أهل الإسلام أن نأكل -مثلاً- على السفر، ولكن الأكل على الماسات عادة من الغرب، ولذلك اليابانيون يرفضون ذلك تمسكاً بعادات اليابان، لا لأنهم لهم دين لكن هكذا... يقولون: إن رئيس اليابان بعد الاتحاد قبل ما يقارب (66سنة) زار طلابهم في الغرب، فقال: اصنعوا مأدبتين على طريقة اليابانيين والغربيين، ثم اعرضوا لي الشباب من اليابان، فعرضوا له؛ فإذا بعضهم جلسوا في الأرض على عادتهم، وأناس تأثروا بالغرب وجلسوا على الماسات يأكلون، قال: أما هؤلاء فلا يصلحون وأخذهم معتقلين، وأما هؤلاء فيبقون للدراسة، نريد من يبقى على عادات اليابان، هذا واليابان والغرب كلهم على يسارك في النار، لأنهم أمم ضالة، فأين المسلم الذي يعتز برسالته ومبادئه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا التشبه يغني فيه كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم لـ أبي العباس ابن تيمية نظر الله وجهه في الجنة.
الجواب: الحديث صحيح رواه أبو داود وأحمد وغيرهما.
ومعنى {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع} يقول أهل العلم: إذا بلغ الولد سبعاً أمر بالصلاة أمراً لا ضرباً، فيقال له: صلِّ هداك الله، لماذا لا تصلي، ويلام ويعاتب، فإذا بلغ العاشرة عزر على الترك بالضرب، فالسن الذي يكلف فيها للصلاة في العاشرة، فيؤخذ إلى المسجد في العاشرة ويتأدب به، أما ما دون السابعة فلا يؤتى بهم إلى المساجد، لئلا تتحول المساجد إلى روضة أطفال وتشويش على المسلمين، وإضاعة لمقدسات المسلمين، والأصل هو تقدير واحترام بيوت لله عز وجل.
أما قوله: {وفرقوا بينهم في المضاجع} فهذا عند النوم، وللعلماء تعليق على هذا الحديث، يقولون: لا بأس أن يكونوا في غرفة واحدة، لكن يفرق بين الذكر والأنثى، والذكر والذكر، والأنثى والأنثى؛ لأنه حكم الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام.
الجواب: السحر عند كثير من العلماء كفر، من تعلمه فقد كفر، ولو أن للشافعية رواية في أنه ليس بكافر وإنما هو صاحب كبيرة.
قال عليه الصلاة والسلام: {وحد الساحر ضربة بالسيف} وقد قتلت حفصة ساحرة، وقتل جابر بن سمرة ساحراً، والكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب.
ومن ذهب إلى هؤلاء فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد} هذا من صدقه، أما من أتى إليه ولم يصدقه؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً لقوله صلى الله عليه وسلم: {من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} قال أهل العلم: هذا فيمن لم يصدقه، أما من صدقه فقد كفر بما أنزل على رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهم منتشرون، وأنا ألفت انتباهكم إلى أناس يدعون إخراج الماء من بطون الأرض، وهؤلاء على قسمين:
قسم جائز وقسم محرم.
الجائز: من يستدل على الماء بالعلامات؛ فيذهب معك إلى الأرض التي تطلب بها الماء، فينظر إلى الشجر والعروق والجبال فيستدل بهذه العلامات، فهذا لا بأس به وهو علم موجود عند العرب من قديم، وقد أثبته في أول مباحثه أهل الجيوليجيا.
أما من يبقى في بيته، ويقول: في البقعة الفلانية بئر، وإذا حفرت كذا وجدت الماء، وخذ لك عن يمينك كذا وعن يسارك كذا، فهذا ضال مضل منحرف ملعون على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الأصل في ذلك المنع، وما علمت أحداً يجيز أن يعلق شيئاً مكتوب على جسمه إلا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إذا كان من القرآن؛ ولكن الصحيح منع ذلك، سواء من القرآن أو غير ذلك، فلا يكتب في قراطيس، ولا يعلق على الطفل أو الكبير من هذه الحروز، سواء من القرآن أو من السنة أو من غيرها سداً لهذا الباب، وقد ذكر ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب، فلا يتجوز في هذا ولو كان من القرآن، ويكفي أن يرقى على المريض المصروع المسحور الذي أصابه مرض فيقرأ عليه الآيات البينات المؤثرة كآية الكرسي والمعوذات والإخلاص.
الجواب: اشتهر بين الناس ألفاظ شركية، مثل: لولا الله وفلان، وما شاء الله وشئت، والحلف بغير الله، يقول صلى الله عليه وسلم: {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك} وانتشر بين الناس ألفاظ شركية، مثل: (وحياتي، وشرفي، وحياتك، وشرفك، والنبي) وهذه ألفاظ محرمة وشركية، ويحجب الباب فيها، وقد انتشرت حتى في أبناء التوحيد الذي يجب أن ينشئوا على التوحيد الخالص الصافي، لكن هكذا تفعل السنن واتباع الأقوام والتأثر بالآخرين!!
الجواب: البيع بالتقسيط على صورتين:
الصورة الجائزة هي: أن تزيد في الثمن من أجل الزيادة في الأجل، يقول ابن القيم: " زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل لا بأس فيها".
مثلاً: عندك سيارة! تقول للمشتري: خذها اليوم بعشرين ألف، وبعد شهر بثلاثين ألف؛ فهذا جائز، لأنك زدت عشرة أيام من أجل زيادة عشرة آلاف من أجل زيادة الشهر، فزيادة الثمن من أجل زيادة الأجل لا بأس به، وهو بيع الناس المتعارف عليه.
أما من قال لا: يصح مثل من علق على سنن أبي داود، أو علق على بلوغ المرام كبعض العلماء، فهذا ليس بصحيح، وقد خالف كلام أهل السنة والجمهور، بل يزاد في الثمن من أجل زيادة الأجل، ولا يستوي أن تبيع الآن بيت بمائتي ألف وبعد سنة بمائتي ألف، لا بد أن تزيد من السعر إذا أردت من أجل زيادة الأجل.
أما بيع الجاهلية فصورته: أن تبيع -مثلاً- السيارة بثلاثين ديناً لمدة شهر فتنقضي المدة، فيقول المدين: ما عندي مال! فتقول: أتركك شهراً آخر وأزيد خمسة آلاف، ثم يأتي ويقول: ما عندي شيء، فتقول: أمهلك وأزيد عليك خمسة آلاف، فهذا محرم.
ويقول أهل الجاهلية: أتقضي أم تربي؟ أي: أتقضيني الآن أم أزيد عليك، فهذا هو المحرم فانتبهوا له.
وللفائدة: فقد اطلعت على بنود شركة الراجحي لبيع السيارات، وما أرى -إن شاء الله- بها بأساً؛ لأنه من أول العقد يخبرك بالزيادات على قدر السنوات، فيزيدون ثمناً من أجل زيادة الأجل، فهذا لا بأس به بإذن الله على حسب ما ظهر لي.
الجواب: إن من لطف الله عز وجل أن جعل المسح على الخفين رخصة للمسلمين، وما خالف في ذلك إلا الرافضة، وهو شبه إجماع بين أهل العلم؛ فقد رواه سبعون من الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما شروط المسح على الخفين فهي:
أولاً: أن تلبس الخفين على طهارة.
ثانياً: أن يكون ساتراً للمحل الممسوح، ويكون إلى فوق الكعب بقليل، ولو كان فيه ثقوب يسيرة فلا بأس، قال ابن تيمية: " لا بأس بذلك؛ فإن الصحابة كانوا يلبسون اللفائف وفيها ثقوب وكانوا في فقر ومشقة ولا يجدون ما يسترها تامة ". أي: الثقوب السهلة البسيطة.
ثالثاً: أن يكون داخل المدة؛ فإذا انتهت المدة، أو خلع الخف؛ فقد انتهت مدة المسح عليه.
أما كيفية المسح فهو: أن تأخذ الماء بأصابعك -رشاً- فتمسح على ظاهر الخف من أول أصابع الرجل إلى أول الساق وكذلك اليسرى.
وأما شرط: أن تلبسهما والقدمان طاهرتان؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: {دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين}.
هناك مسألة في المسح على الخفين وهي مسألة: ما إذا كنت طاهراً ولبست خفيك وأنت تمسح عليه، ثم خلعت الخف قبل أن تنتهي المدة هل ينتقض وضوءك؟
الصحيح عند الجمهور: أنه ينتقض؛ وأنها تنتهي المدة وعليك أن تتوضأ، وخالف في ذلك الحسن البصري وابن تيمية، وقالوا: لا. لأنه ليس من نواقض الوضوء خلع الخف، والصحيح: أنه من نواقض الوضوء؛ لأن الخف بدل المغسول، فلما انتهى بدل المغسول بقي المغسول بلا غسل، فوجب عليك أن تغسل وأن تعيد الوضوء، هذا هو الصحيح إن شاء الله.
الجواب: ذكر الله المنافقين في القرآن بأوصاف كثيرة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] أي: في الأعمال فيظهرون للناس بأعمال وهم في الباطن غير صادقين، قال تعالى: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ [النساء:142] فهم يصلون ويأتون إلى المساجد لكن يقومون كسالى، والكسل علامة للنفاق، والتخلف عن صلاة الفجر علامة للنفاق، ومن يتأخر عن الصلاة ويأتي وهو كسلان فهذه علامة النفاق. وقال تعالى: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] الرياء شعبة من النفاق، وقلة الذكر من علامة النفاق، فإنه لم يقل: يذكرون الله، فهم يذكرون الله قليلاً، المنافق يذكر الآن سيارته ووظيفته ومنصبه وأهله وأطفاله أكثر من ذكر الله.
قيل لـعلي بن أبي طالب وقد قاتل الخوارج: [[أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. قيل: أمنافقون هم؟ قال: لا. المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً، لكن مبتدعة ضالة
يقول ابن القيم في الوابل الصيب: "لو لم يكن من فوائد الذكر إلا أن صاحب الذكر يأمن من النفاق لكفى بها فائدة ".
إذا رأيت الإنسان يتمتم بالذكر ويستغفر كثيراً ويسبح، فاعلم أنه بريء -إن شاء الله- من النفاق، فهو لا يصطنع الإيمان، لا. الإيمان لا يصطنع، قد يجامل الإنسان يوماً أو يومين لكن طول الوقت لا يستطيع، لا بد أن يظهر المؤمن من المنافق، ومن أكبر علامات أهل الإيمان أنهم يذكرون الله.
ومن علامة النفاق: أن المنافقين إذا خلوا إلى شياطينهم في السهرات الماجنة، استهزءوا بأهل الدين وأهل العلم والفضل، يقول تعالى: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15] هذه من علاماتهم، وهذه من أساليب العلمانية وسوف أذكرها، وهي: الاستهزاء بالمسجد، والاستهزاء بالملتزمين، والاستهزاء بالدعاة والعلماء، ووصف الدين بأنه تأخر ورجعية وتزمت، كل ذلك من علامات النفاق العملي الذي أصابه، وربما يصل إلى نفاق اعتقادي في نفوسهم.
وهناك شريط بعنوان: (ثلاثون علامة للمنافقين) يغني جواباً عن هذا السؤال.
الجواب: هذا الحديث مختلف في صحته، والراجح أنه حسن، يقول النووي " -وهو في الأربعين النووية -: روُّيناه، وفي لفظ: رويناه " في كتاب الحجة بسند صحيح، إذاً فهو حسن وبعضهم يضعفه.
وأما معناه: يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم} أي: لا يكون كامل الإيمان حتى يكون هواه ورغبته تابعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يرتاح إلا في سنته عليه الصلاة والسلام، وحتى لا ينبسط خاطره وينشرح صدره إلا بما يقرِّبه من سنة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.
وتجد بعض الناس الآن يأكل بشماله بدون عذر وهو مرتاح، لكن تعال إلى مؤمن ملتزم، وقل له: كل بشمالك، ينزعج ويضطرب، ويلومه ضميره، ويؤنبه قلبه، ويردعه إيمانه فلا يستطيع، ويظن أن الدنيا قامت عليه، وأن الرأي العام لامه، لا يستطيع؛ لأن هناك إيمان، فهواه تبع لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
لكن بعض الناس لا يبالي، فيأكل باليسار، يقول: ما الفرق بين اليمين واليسار؟
وإذا قيل له: يقول: يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله} قال: لا. الأمر عادي، فالأيدي خلقها الله سواء، هذه من المكابرة، ومن علامات النفاق وعدم اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام.
الجواب: هذا الحديث رواه مسلم عن أبي ذر، ومعناه: أن الله عز وجل لا ينظر إليه عقوبة له، وعدم النظر إلى هذا العبد دليل ازدراء الله ومقته له، وهو من باب العتاب والعذاب، لكن هناك حديثان هذا الحديث وحديث: {ما أسفل من الإزار فهو في النار} قال أهل العلم: الإزار سواء الثوب أو السروال أو البشت أو الكوت أو ما يدخل فيها، إذا كان تحت الكعب فهو على قسمين اثنين:
أما من جره هكذا بلا كبر فهو في النار، وأما من جره كبراً ففي النار ولا ينظر الله إليه، إذاً: هنا وهنا النهي وارد، وقالوا: إنما زاد الرسول صلى الله عليه وسلم في ذاك الحديث لزيادة الوصف (خيلاء) فلما قال: (خيلاء) دل على زيادة العذاب، قال: لا ينظر الله إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأزرة المسلم إلى نصف ساقيه وإلا ففوق الكعب وهي سنة محمد وهديه عليه الصلاة والسلام.
الجواب: هذا الحديث صحيح من حديث علي رضي الله عنه، وهو حديث طويل منه: {لعن الله من غير منار الأرض، لعن الله من ادَّعى إلى غير والديه، لعن الله من آوى محدثاً} أما معنى {من غير منار الأرض} فهو الذي ينقل الحدود ويسمى في اللغة العامية -وهي تسمية خاطئة- (الوثن) بين المزرعة والمزرعة، والأرض والأرض، ومن نقلها ظلماً وعدواناً فعليه لعنة الله عز وجل.
وهذا إن دلنا على شيء فإنما يدل على تحريم الظلم ظلم الأعراض والأموال، وفي ممتلكات الناس يقول فيه عليه الصلاة والسلام: {من اقتطع مال مسلم بغير حق لقي الله، وهو عليه غضبان، قالوا: ولو كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: {من اغتصب قيد شبر طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين من النار} وهذا الحديث راويه سعيد بن زيد بن نفيل -أحد العشرة المبشرين بالجنة- وقد وقعت عليه مصيبة، ابتلته امرأة في عهد مروان بن الحكم في المدينة قالت: هذا سرق مزرعتي -المزرعة له والبئر له والنخل له، وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومن دعاة الإسلام والمسلمين- أتت عجوز إلى مروان تبكي قال: ما لكِ؟ قالت: أخذ مزرعتي، قال: سعيد بن زيد يأخذ مزرعتك؟! قالت: نعم. فأتى بـسعيد وقال: أخذت مزرعتها، قال: أنا آخذ مزرعتها، قال: نعم. ثم قال لـسعيد بن زيد: أعندك إثبات على أنها مزرعتك؟ قال: الناس يعرفون أنها مزرعتي، قال: اثبت، قال: لا أستطيع لأني أخذتها من قديم والناس يعرفونها لكن دعها تحلف هي، فحلفت أنها مزرعتها، قال: خذي المزرعة. ثم قال سعيد بن زيد: لقد سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من اغتصب قيد شبر من أرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين} اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها، واقتلها في مزرعتها.
قال الذهبي بسند صحيح: فعميت في المزرعة، ثم ذهبت بطفلة لها فوقعت على رأسها في البئر فماتت.
ولعذاب الآخرة أخزى لمن لم يتب، وتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.
أما والله إن الظلم شؤم وما زال المشوم هو الظلوم |
إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم |
يقول ابن كثير: دخل أحد الصالحين على سلطان من السلاطين، وهذا السلطان جبار، كان يضرب الناس على وجوههم، وهذا الفعل يفعله فرعون ذو الأوتاد، ولا يفعله مسلم، فدخل على السلطان! فاقترب... فقال للرجل: اقرب مني أكلمك عن مسألة؟ فاقترب فضربه على وجهه، فقال الرجل: اللهم إني لست بقوي فانتصر، ولست بمذنب فأعتذر، اللهم إني مغلوب فانتصر، اللهم اقطع يده، قال له: اعف عني، قال: لا أعفو عنك، فما مرت عليه جمعة إلا قطعت يده وعلقت بباب الإمارة في الكوفة، وهذا أمر الله وكلٌ قد يؤخر له إلا الظالم وهذا من ظلال حديث: {لعن الله من غير منار الأرض}.
الجواب: الصحيح عند المحدثين: أنها واجبة، ولو قال بعض الفقهاء: أنها سنة، لا. بل ما تطمئن إليه النفس أنها واجبة، ورأيت أربعة عشر دليلاً في السلسبيل للبليهي رحمه الله على زاد المستقنع على ذلك:
منها: قوله: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43].
ومنها وهذا قد يكون مظنوناً: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35] لكن الأدلة المحققة أربعة عشر.
ومنها: حديث الأعمى لما أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {إني شاسع الدار أتجد لي رخصة؟ قال: أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} الحديث عند مسلم والأعمى قيل: ابن أم مكتوم.
ومنها: حديث: {من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر} رواه عبد الحق الإشبيلي وابن ماجة وصححه الحافظ ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة، ونص على صحته الحاكم صاحب المستدرك.
أما حديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} فهو موقوف على علي، وحديث: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} ضعيف في الترمذي.
إذن أيها الإخوة: من علامة النفاق ترك صلاة الجماعة في المسجد، إذا رأيت الرجل لا يتعاهد المسجد كل يوم خمس مرات بدون عذر شرعي فاحكم عليه بالنفاق {أنتم شهداء الله في أرضه} ونحن نشهد أن من أتانا خمس مرات في المسجد نشهد له بالإيمان يوم القيامة وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143].
وفي صحيح مسلم رضي الله عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف]] فليعلم هذا.
الجواب: الإحياء يسأل عنه بعض طلبة العلم، وأنا أرى أن الإنسان لو اكتفى بكتب أهل السنة وترك هذا الكتاب كان أحسن؛ لأن هذا الكتاب فيه غبش، فيه ثلاثة أمور وقضايا كبرى انتبهوا لها:
أولاً: لا تأخذ المعتقد عنه، فالمعتقد مهم، وصفاء المعتقد -والحمد لله- لا ننتقص بلداً إسلامياً، وهنا في الجزيرة أكثر صفاء في المعتقد، تجد العامي صافي المعتقد بإذن الله، والله ما نقولها عاطفة ولا تعصباً لكن مما نرى ونشاهد؛ فإنك تجد العامي على التوحيد من غير أن يقرأ كتب ابن تيمية وابن القيم ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولو أنا نعرف أن في العالم الإسلامي أهل سنة وجماعة وسلفيون ومهتدون ومقتدون لكن الصفاء والكثرة تجدها هنا، فأنا أحذركم ألا تأخذوا المعتقد من الغزالي في الإحياء، فهو أشعري مرة وصوفي مرة أخرى ومرة يوافق أهل السنة.
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ وإن لقيت معدياً فعدناني |
فليس له ضابط، حتى إن ابن تيمية دائماً يتكلم عنه في بعض القضايا، وابن تيمية يُسمَّى مُنظِّر أهل السنة والجماعة في المعتقد، هو عبقري إمام أهل السنة والجماعة من فترته إلى الآن.
يقول أحد المستشرقين: " وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن ". عنده متفجرات فـابن تيمية عملاق، فقد رد على الملاحدة والفلاسفة والمناطقة والمعتزلة والأشاعرة والمعطلة والصوفية، ورد على كل فرقة، وقاتل بالسيف، وخطب ووعظ، وأفتى وزهد وألف، فرضي الله عنه وأرضاه.
هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله |
والأمر الثاني في الإحياء: أنه حاطب ليل في الأحاديث لا يصحح ولا يضعف، يأتي بالحديث الموضوع، ويقول: قال الرسول عليه الصلاة والسلام، تقبل أو لا تقبل، ولذلك خرجه العراقي لكن بعد تخريج العراقي أحذر من إحياء علوم الدين.
الأمر الثالث: معجب بـالصوفية، فإنه يأتي بأمور وخزعبلات ويرتاح لفعل الصوفية، يقول: تأخذ رقعة واحدة فقط، حتى أنه لا يرى ألا تلبس ثوباً واحداً لا سراويل ولا فنيلة من الزهد، ولا تأكل الرطب؛ لأن بعضهم -يمدحهم- يقول: ما أكل الرطب أربعين سنة. يعني: البلح، يقول: من زهده ما أكله أربعين سنة، والرسول عليه الصلاة والسلام أكل اللحم والعسل والدجاج يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51].
ذكر أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة قصة رجل من الصوفية، يقول: أتى فأخذ لصقة من الشطرطون، فوضعها على عينه اليسرى وغطاها، قالوا: ما لك؟ قال: إسراف وتبذير أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله عز وجل يقول: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] أهذا أحكم من الله؟ الله أبصر يوم جعل عينين لكن هكذا الهلوسة. يقول الذهبي: أحدهم وقد ترك الطعام ثلاثة أيام بلا فطور ولا غداء ولا عشاء، قال: زهد، حتى رأى أشباح الجوع مثل الدخان، قال: هذه الملائكة هبطت عليَّ، قال الذهبي له: والله ما هبطت عليك الملائكة لكن عقلك هاش وفاش وطاش، يعني: دندن من الجهل.
فسنة محمد صلى الله عليه وسلم تتبعها، ومن يقرأ الإحياء يصاب بهذه الهلوسة، مع العلم أني أقول: إن الأستاذ والمعلم والعالم إذا كان عنده دربة وعلم؛ فبإمكانه أن يستفيد منه، ففيه فوائد جليلة في عالم التربية؛ فإن الرجل مربِّ، والغزالي عملاق، ويُسمى حجة الإسلام، وهو بحر في العلم؛ لكن تجد هذا الدر في مثل المزبلة ما يخرجها إلا غواص أو فطن.
الكتاب الثاني: المحلى لـابن حزم، هذا كتاب فقه وهو مشهور بين أهل العلم.
وابن حزم رحمه الله كانت أسرته أسرة وزارة مع ابن جهور في الأندلس، ثم ترك الوزارة يقول: والله إني كنت أكتب في شبابي على ماسة الذهب بقلم من الذهب والدواة من ذهب، ثم تركت ذلك لوجه الله حتى ما أجد اليوم عشاء ليلة، يقولون: خرج من قصره وكان عمره (26سنة) وما تعلم العلم إلا بعد ستة وعشرين سنة، دخل المسجد يصلي على جنازة لأحد الولاة، فلما دخل المسجد بعد صلاة العصر على رأي المالكية لا تصلي فقام فسنن، فقال له ابن دحنون: اجلس هذا وقت نهي، فجلس.
فأتى في اليوم الثاني في وقت الضحى وفي هذا الوقت تجوز الصلاة فجلس، فقال: قم فصل، قال: أمس تجلسني واليوم تأمرني بالصلاة، قال: لأنك لا تعرف من العلم شيئاً، قال: والله لأتعلمن علماً أرد عليك وأمثالك، فذهب فهجر بيته وقصره ووزارته وتعلم حتى أصبح من المجتهدين الحذاق في الأمة، فـابن حزم هذا رهيب عقلية جبارة، ويسمى منجنيق الأندلس، لأنه يرمي دائماً بالمنجنيق، لكن في كتابه رحمه الله أمور منها:
أنه سريع أي: إذا رد على العلماء يرد بقوة، وبشراسة، ونسأل الله أن يغفر لنا وله، يقولون: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان، فهو يرد على بعض العلماء في مسألة جزئية في الطهارة فيقول: هذا عبد أضله الله على علم.
ويأتي يرد في موطن ثان، فيقول: أعوذ بالله من الهلوسة.
وفي موطن ثالث يقول: هذا كلام المجانين. والأحناف يقولون: الدم أو قدر النجاسة منه بقدر الدرهم البغلي، فيستهزئ ويقول: الدرهم البغلي هذا من بغال الكوفة أو من بغال البصرة.
الأمر الثاني: أن الرجل مؤول في صفات الله عز وجل، ونحن أهل السنة نمرها كما جاءت مع الإيمان بمعناها بدون تأويل، بينما هو لا يؤول في الفرعيات في الأحكام، يقولون: سال في موضع الجمود، وجمد في موضع السيلان، والواجب عليه أنه يترك الصفات ولا يتكلم عليها، وإذا أتى إلى الأحكام تكلم فيها، لكنه على العكس! إذا أتى إلى الأحكام جمد على الظاهر، وإذا أتت نصوص الأسماء والصفات تكلم.
الأمر الثالث: أنه نفى القياس ففاته ثلث الشريعة، يقول: لا نقيس، فمثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في زكاة الفطر: {صاع من تمر، صاع من بر، صاع من شعير، صاع من أقط} وفي لفظ: {صاع من زبيب} قال: فقط من هذه الأشياء، فالربا عنده فقط في الربويات التي ذكر، ولا يجري القياس أبداً في المكيلات والموزونات أو المطعومات والمدخرات.
على كل حال! رحمه الله رحمة واسعة، ورأيت كاتباً في صحيفة من الصحف المحلية يستدل برأيه في الغناء ويقول: إنه جائز لأن ابن حزم أجازه، سبحان الله! يترك بعضهم ألف عالم، ويترك علماء القرون، ويذهب يبحث يبحث حتى يجد عالماً ثم يقع على خطأ فيه ويقول للناس: انظروا ابن حزم حلل الغناء والغناء خمر يسكر العقل، أترون أن الأغنية الواحدة يبقى فيها المغني سنة إلى ستة أشهر، يجري له فيها بروفات ويبقى ليلاً ونهاراً، فإذا أخرج الأغنية، قالوا: بلغ القمة ورفع رءوسنا أمام الناس، وقدم لنا خدمات، ويقولون: نحن -والحمد لله- مكتفين اكتفاءً ذاتياً من المطربين، ونستطيع أن نوزع على الناس ونصدر على شعوب العالم.
الثالث: كتب العقاد أيها الإخوة: كتب العقاد كثيرة ومنتشرة ولي عليها ملاحظات:
أولاً: قلة اعتنائه بالنصوص، فلا يورد آية ولا حديثاً! وكأن الرجل يكتب من مخيلته أو من كلامه.
الأمر الثاني: لا يحمد بعض تفسيره وبعض مقارناته في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يقارن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين نابليون في عبقرية محمد، وقد أكرم الله رسولنا ورفع قدره عن نابليون.
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا |
الأمر الثالث: ليس عنده حرارة إيمانية تتوقد، يقول: وقال محمد، ويذكر عن محمد، ويريد الرسول عليه الصلاة والسلام، سبحان الله! تتكلم عنه بهذه البرودة، ألست من أمته؟ ألست كاتباً من كتاب دعوته؟ فما هذا البرود؟ إنه من وصمات أهل الاستشراق، ومن أثر الغزو الفكري على كثير من الكتاب.
على كل حال! من أراد أن يقرأ فيها فلا بأس لكن ننبه على هذه القضايا.
الجواب: من صور الغزو الفكري وهو من أساليب أهل العلمنة أمور:
الغزو الفكري في الإعلام، الغزو الفكري في التعليم، الغزو الفكري في مجتمعات الناس.
والغزو الفكري في الإعلام: هو أن يبقى إعلاماً سائباً لا موجهاً، إن قلت: حرام كله لا تستطيع، وإن قلت: حلال كله لا تستطيع، فهو إعلام يضيع القضية ويموه على الناس، ويوجد لهم بدل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً، فالمسلسلات ساعة، والأغنية ساعة، والحوار ساعة، وهذا من الضياع وهو من أقوى أساليب الغزو الفكري الذي فتك بالأمة.
والغزو في التعليم صور: منها بعدم إعطاء الكتاب والسنة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم مكانته، فالآن المدارس تجعل حصة القرآن هي السادسة وهي حصة في الأسبوع، فيخرج الطالب من الثانوية لا يعرف القراءة، بل قصار السور لا يحفظها، بينما لو سألته عن تاريخ فرنسا أو الجغرافيا أو عن عاصمة العواصم، أو عن المنتجات، أو عن المناخ والتضاريس يحفظه كالفاتحة!! فأي علم هذا!! من هو الذي خطط هذه المناهج؟ إنه غزو فكري، إنها حمله أهل العلمنة.
ومن صور الغزو الفكري: تهوين شأن الدين، حتى تجد بعض الآباء الآن لا يريد أن يدخل ابنه كلية الشريعة، يقول: أريد الطب والهندسة، أما مجالات الشريعة وأصول الدين فلا. وأنا أعرف أن هناك فضلاء في الطب وأخيار وجهابذة نفع الله بهم، لكن لا يستزرون بالشريعة على حساب الطب؛ لأننا إذا أردنا قلنا لهم وأنتم كذلك في قسم الولادة، والأمة بحاجة إلى داعية وإلى عالم أحوج من طبيب في قسم الولادة، أي: أننا نستطيع أن نستقدم كل صنف إلا اثنين: (العالم الورع التقي الصادق، والجندي المسلم) فالمهندس تستطيع أن تستقبله، خذ لك من أي مكان من أمريكا، من بريطانيا، من الأرجنتين، خذ من أي مكان؛ فالأطباء بالعشرات، كل عشرة في حبل، أما عالم الشريعة والجندي المسلم فلا يستقدم، هذه قضايا أحببت أن أنوه عليها.
ومن أساليب الغزو الفكري: الهجوم على الدين تحت ستار الغيرة، فتجد بعض الناس يقول: شوهوا الدين علينا وهو يريد أن يهاجمهم في العلانية يمدح الدين، وفي الخفاء يقتل الإسلام، ووالله إني أعلم أن بعض الآباء وقف حجر عثرة في طريق ابنه لا يهتدي ولا يتوب ولا يصلي ولا يستقيم، وإني أعرف شباباً شكوا إليَّ من آبائهم، يقول أحدهم: إن أبي رفض أن أربي لحيتي وأن أقصر ثوبي، ورفض أن أتعاهد المسجد، وأن أمشي مع الطيبين، وأن أحضر المحاضرات والدروس، وهذا غزو فتاك، قال تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10] وهذه صور كثيرة.
ومن الغزو الفكري: الإعجاب بالكافر، وتجد كثيراً من الأطفال يعرفون سير نابليون وهتلر وأمثالهم؛ لكن إذا سألتهم عن سيرة محمد عليه الصلاة والسلام أو سيرة أبي بكر أو علي أو عمر أو عثمان سكتوا؛ لأن التعليم قدم لهم الصورة هكذا...
أنا رأيت مادة التاريخ في بعض المدارس وقد جعلوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان وعلي في أربع عشرة صفحة تقريباً، ثم أتوا ببقية التاريخ في أربعمائة صفحة تقريباً حتى أوصلوك إلى سليمان فرنجيه في بيروت وأين ولد؟ وكيف أكل؟ وماذا أفطر؟ ومتى وقع عليه الانقلاب؟
أهذا علم؟ أهذا تاريخ؟! وما علاقتنا بـسليمان فرنجية أهلكه الله، وهل نحن محاسبون بكل ثورة قامت وانفصلت، وبكل حكومة وانقلاب؟!
ثلاث عشرة صفحة لا تصلح أن تكون ترجمة الرسول صلى الله عليه وسلم، انظر ماذا قالوا: ولد في مكة، حتى بوش يعرف أن محمداً صلى الله عليه وسلم ولد في مكة فهذا ليس بعلم، العلم هو المحصل! أما المعروف عند الناس فليس علماً وليس مقصوداً أصلاً.
وقالوا: عنده أربع بنات، يعرف الناس أن عنده أربع بنات صلى الله عليه وسلم.
قالوا: وهاجر من مكة إلى المدينة، وانتهت السيرة، لا. أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما تحدث ابن القيم في زاد المعاد، أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم العابد المجاهد الصادق الوفي الخاشع الفاتح المنتصر الصابر الثابت الكريم الحليم.
أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يحج؟ {خذوا عني مناسككم} وكيف يصلي؟ {صلوا كما رأيتموني أصلي} أي: نعرض تاريخه صلى الله عليه وسلم في صورة العظمة فنقدمه للناس، ولذلك يتخرج الطالب من الثانوية لا يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأحكام ولا عنده عاطفة إيمانية نحوه.
يقول p=1000230>أبو الحسن الندوي: " ما دبجت يد مسلم ككتاب زاد المعاد لـابن القيم رحمه الله ".
أيها الإخوة: إن من أسباب الغزو الفكري الذي منينا به هو تضخيم العلم المادي الأرضي المنحرف على العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن الكتاب الخالد والدستور العظيم مر بفترة من الضربات القاسية تلقاها من أهل العلمنة، يوم وضع القرآن حصة في الأسبوع وجعلت السادسة، فيقرأه التلاميذ وهم نائمون، فيتخرجون ما يجيدون قراءته.
وعرفت -والله- وقد مر بي هذا أثناء الطلب أنهم كانوا يخرجوننا في وقت القرآن للتمارين الرياضية حتى ما كنا نعرف كيف نقرأ القرآن؟ حتى أتينا إلى الشيخ عبيد الله الأفغاني، وكنا نعرف (طه والطبلة) كانت لطه طبلة يضرب عليها..... الخ كنا نحفظها غيباً وأناشيد بالكميات، وفي الجغرافيا نعرف عواصم ست عشرة دولة، ومنتجاتها وتضاريسها، والصادرات والواردات والعلاقات، نعرفها حفظاً، ولكن ما نفعتنا، سقطت بالتراب وبقي كتاب الله وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
وإنما قلت هذا؛ لأن معي أساتذة وطلبة علم، ولعل الإخوة يبلغهم هذا الكلام، فينقذوا تعليمنا في مادة القرآن والسنة مما وصل إليه، وإلا فإن الأمة سوف تمنى بضربة قاصمة لا تتصورها في معتقدها وفي جيلها وفي رسالتها الخالدة الموروثة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم.
الجواب: أيها الفضلاء.. معرفة الشر مطلوب للمسلم؛ لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55].
عرفتِ الشر لا للشر لكن لتوقيه |
ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه |
وقال عمر رضي الله عنه: [[إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة من أناس نشئوا في الإسلام لا يعرفون الجاهلية، ومن لا يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام]].
أيها الإخوة: الحلول مذهب ضال إلحادي زنديق، حمله كثير من الناس وعلى رأسهم ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم، وكتاب الفتوحات المكية، وأمره إلى الله، أما كتابه الفتوحات فقال الذهبي: "إن لم يكن فيه كفر فما في الدنيا كفر". والحلول -تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا- يقولون: إن الله حل في بعض الناس، فيأتي بعض غلاة الصوفية المنحرفة فيقول أحدهم: حل الله في كل شيء -تعالى الله- بل الله عزوجل مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، ليس في ذاته من خلقه شيء ولا في خلقه من ذاته شيء: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7] قال الإمام أحمد: أي: بعلمه. وقال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ومن اعتقد ذلك فقد ضل سواء السبيل؛ بل كفر بالله العظيم، وحده السيف يقتل كما أفتى علماء الإسلام بذلك.
الاتحاد مذهب ضال ملعون إلحادي، يقولون: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى اتحد في مخلوقاته، وهي دعوة ينادي بها الآن بعض الصوفية في السودان والهند، ولهم منشورات، ورأيت بعض الصحف تشيد بهذا -عليهم غضب الله وتعالى الله عما يقولون علواً كبيرا- بل الله بائن من خلقة، مستوٍ على عرشه، لا يغيب عنه شيء: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].
وأما العلمانية: فمذهب نشأ عام (1902م) نشأ في فرنسا وهو انفصال بين الكنيسة وبين العلم التجريبي وسببه: أن الكنيسة حظرت على الناس أن يكتشفوا أو يخترعوا ويبدعوا، فظنوا أن كل دين سوف يعادي الاختراع حتى الإسلام، فنادوا بفصل الدنيا عن الدين، ويسمون: اللادينيون، وأدخل في العالم العربي من قديم، وأول من أدخله في العالم العربي هو: مصطفى أتاتورك -عليه لعنة الله- ويسمونه محرر تركيا!! بل هو معذب تركيا، وهو الذي أدخل الشر والبلاء، وسقطت الخلافة على يديه، وهو أول من أتى بـالعلمانية في العالم العربي تزعمها ونادى بها: أبو رقيبة في تونس -عليه غضب الله- ونادى الناس في التلفاز مباشرة ألا يتقيدوا بتعاليم الدين وأن يشربوا في رمضان.
والعلمانية تقوم على أمور:
منها: أن الدين سبب تأخر الشعوب؛ فيسمونه رجعية وتخلفاً.
ومنها: أن الدين أمر خاص، ولذلك لا يريد العلمانيون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنهم يرونه تدخلاً في حريات الآخرين، وجرحاً لمشاعر الآخرين، ويرون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخالف لحقوق الإنسان، فيحاربون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقولون: الدين لك شخصياً، أنت لك أن تصلي وتصوم، وأما أن تتدخل في الدنيا والقوانين، وفي التعليم والإعلام، وفي الرأي العام، وفي ثقافة الناس فلا يجوز لك ذلك، وهذه هي محاربة الله عز وجل نهاراً جهاراً بل الدين يدخل في كل شيء، قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
أيها الإخوة: ومن أساليب العلمانية: أن أهل العلمنة قد يصلون بعض الصلوات؛ فيصلون العيد والاستسقاء، وقد يمدح الإسلام في خطبة عامة؛ لكن لا يعتقد نفع الإسلام ولا يعتقد أثره، ولا يحترم أهله، ولا يرى له مكانة في الأرض، ويرى أن الإسلام ليس وفياً، ولا يستطيع أن يقوم بحقوق الناس ولو ادعى بلسانه، ولذلك تجد بعض العلمانيين يصلون العيد والاستسقاء، وقد يصلي الجمعة لكن لا ينفعه ذلك عند الله، وفي قلبه زيغ ومرض وكفر دخيل والعياذ بالله.
وسميت علمانية قيل: لأحد سببين: أنها تدعو إلى العلم ليكون إلهاً، فهي تنادي أن العلم كل شيء، والعلم إذا انفصل عن الإيمان كفر، فهناك إله يعبد من دون الله اسمه: (العلم) طاغوت صنم وهي العلمانية، يجعلون العلم معبوداً، والعلم يوم ينحرف عن الإيمان سوف يكون زندقة وزيغاً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في المقارنة بين العلم والإيمان: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ [القصص:80].
قبل أن تجتاح الكويت كان هناك جريدة في الكويت -جريدة مؤسفة ومخزية- اسمها: الهدف، نشرت في أول صفحة لها تقول في الاستفتاحية: امرأة من فنـزويلا تلد كلباً، أتدري كيف جاء؟
لقحت هذه المرأة بمني كلب، العلم يوم انحرف عن الإيمان وقع في هذه النتيجة وإلا فالإيمان يقول: حرام مني الكلب أن تلقح به المرأة عند أهل العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما لم يرتبط العلم بالإيمان يبلغ إلى هذه النتيجة وإلى بحوث أخرى كلها تخالف العقل والنقل.
وقيل: العلمانية اللادينية -أي: لا دين- وينادون بمسخ الدين من الشعوب، وترك الشعوب بلا دين.
هذا ياسر عرفات يقول: " إذا قامت دولة لـفلسطين فسوف أجعلها علمانية " فعسى الله أن يقيم دولة الإسلام ولا يرينا وجه ذاك المجرم. بل لا يفتح فلسطين إلا موحدون صادقون مؤمنون، ولن تعود فلسطين أبداً على هؤلاء ولو حملوا ألف راية، وقد جربناهم أربعين سنة وهم لا يجيدوا إلا المعاريض والشجب والتنديد والاستنكار أما القتال فلا يجيدونه، ما يجيده إلا مثل صلاح الدين الذي يحمل بطاقة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وهوية لا إله إلا الله.
رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر |
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا |
تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ |
أما هؤلاء فلا.
يقول المجاهدون الأفغان: إذا انتهينا -إن شاء الله- من فتح كابل نأتي إلى فلسطين، وهم:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا |
وهذا معروف، روسيا أقوى من إسرائيل، والمجاهدون الأفغان أقوى من العرب؛ لأنهم يحملون لا إله إلا الله، في مساجد كابل لما فوجئوا بالهجوم الشيوعي ماذا فعلوا؟ أخذوا السلاح وخرجوا وقالوا:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا |
قرأت مقالة في صحيفة هناك: أن ياسر عرفات عرض لـسياف التدخل لمصالحة بينه وبين روسيا، فكتب له سياف، وقال: أما أنت فلك خبرة في بيع الأراضي، أما في استرداد الأراضي فليس لك خبرة فنرجو ألا تتدخل.
وأما القومية: مذهب أرضي ونزعة كافرة إذا انفصلت عن الدين، وهي تدعو إلى أن يكون لكل قوم شعار متحد كالعروبة، الأكراد وحدهم، والأفغان، والأتراك، شعوب الأرض يكون لها اتحاداً في ما بينها واشتراك، وأول من دعا إليها ميشيل عفلق والبيطار في سوريا ونشأ عليها حزب البعث؛ فهو قومي واشتراكي بعثي، فأركان الكفر عندهم أربعة: اشتراكي في الاقتصاد، وبعثي النزعة الفكرية، وقومي ينص على القومية، وقومية العرب ليس إلا، ولذلك فهؤلاء القوميون لا يرون صلاح الدين لأنه كردي، ولا محمد إقبال لأنه هندي، ولا صهيب لأنه رومي، ولا سلمان لأنه فارسي، والله يقول: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89] إذا ترك الرسالة هؤلاء العرب أعطيناها الأكراد، فإذا تركها الأكراد أعطيناها الأتراك، وهذا التاريخ يشهد بذلك.
الجواب: الصوارف عن الهداية أربعة:
أولها: الكبر.
الثاني: الغفلة.
الثالث: الخبث في النفس.
الرابع: التسويف.
أما الكبر: فهو أعظم صارف عن الهداية، قال تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] فالمتكبر لا ينقاد للحق ولا يهديه الله سواء السبيل بسبب كبره، وأعظم صارف لليهود عن الدخول في الإسلام هو: الكبر والحسد، وإلا فيعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89] ونعلم من بعض الناس الذين أثرت فيهم النزعة العلمانية، وتعاليم وأساليب العلمانية أنه ما يمنعه من سلوك الهداية وطلب العلم والاستفادة إلا الكبر، وإلا فهو يعلم أنه مخطئ ومذنب، فعسى الله أن يجازيه بفعله.
والثاني: الغفلة، قال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] فالغفلة حجاب وهي الغفلة عن ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والغفلة عن الآخرة؛ والغفلة عن تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ والغفلة عن منهج الله.
تجد بعض الناس -أعوذ الله ممن ركب الضلالة- بارع في علوم الدنيا، ومعطياتها، ومتحدث لبق؛ لكنه لا يعرف من الإيمان ولا من الدين شيئاً، فقيه في كل شيء إلا في الإسلام، عالم في كل شيء إلا في لا إله إلا الله وما يتعلق بلا إله إلا الله، يستطيع أن يتكلم ثلاث ساعات لكن في العمار والدور والقصور والأمطار والأشعار والأشجار والخضروات والفواكه؛ لكن إذا أتيت به في أبسط أمور العبادة لا يعرف شيئاً، وهذا دليل على الخسران والخذلان، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين}.
الثالث: الخبث في النفس: أي: أن بعض الناس مهما سمع ودعي لا يستجيب لخبث نفسه، قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].
الأمر الرابع: التسويف: فإن كثيراً من الناس لم يستجيبوا بسبب التسويف، ولذلك لامهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3] قال بعض المفسرين: استخدم (سوف) بالعتاب واللوم عليهم؛ لأنهم كانوا يعتذرون بسوف كل يوم، وكثير من الناس المعرضين كلما خاطبته بالتوبة وبالصلاة وبالعودة إلى الله قال: سوف أتوب، وهذه هي من علامات الحرمان ومن بذر بذرة (سوف) أخرجت له شجرة (لعل) وأثمرت له ثمراً يسمى (ليت) طعمه الحسرة والندامة.
أيها الفضلاء: انتهت محاضرة (سؤال وجواب) وعسى الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة.
الجواب: بل يعيد الصلاة وجوباً وصلاته تلك باطلة، وما دام علم أنه صلى بلا طهارة وجب عليه أن يعيد صلاته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عند البخاري من حديث أبي هريرة: {لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ}.
الجواب: من الكتب التي تعرفك العدو من الصديق، أولها: كتاب الله عز وجل، الفرقان، والنور، والهداية، والروح، والحياة، والرسالة الخالدة، هذا الكتاب العظيم الذي من استكفى بغيره فلا كفاه الله، ومن استشفى بغيره فلا شفاه الله، ومن اتبع سواه أضله الله، ومن طلب الهداية في غيره أعمى الله بصيرته وخذله ولعنه، فعليك بكتاب الله.
أما ما يتعلق بأمور الحوادث والأفكار المستجدة: فإني أرشدك إلى كتاب طيب لعالم وداعية غفر الله ذنبه لـسيد قطب في ظلال القرآن، فإني أطلب منك أن تقرأ كثيراً في هذا الكتاب، لأن هذا الرجل قرأ ثقافة الشرق والغرب، فقد بقي أربعين سنة يقرأ حتى عرف ماذا كتب الغرب.
يحدثنا أحد الأساتذة يقول: أرسل رجل انجليزي يحضر الدكتوراه في التفسير -مستشرق في التفاسير الإسلامية- واشترطت عليه اللجنة في لندن أن يقرأ كل التفاسير إلا تفسير في ظلال القرآن لـسيد قطب، وأحب شيء إلى الإنسان ما منع الناس، فهم مجبولون على حب الممنوع.
يقول علي بن أبي طالب: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]] يعني: جبلة فينا، فذاك أخذ في ذهنه! لماذا منعوني من الظلال لـسيد قطب؟ لا بد أن ذلك لشيء، ولما وصل إلى القاهرة بحث عن الظلال، وأخذ يقرأ فيه حتى وصل إلى سورة الأنفال، ثم أعلن إسلامه، هو سيد قطب إذا أتى إلى عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1] لا يقول: (عن وما) هذا علم النحو لا بد منه وكفى فيه السلف، لكن يتكلم عن تجربة، وعن حياة، رجل ذهب إلى موسكو وذهب إلى دنفر وعرف الحضارة وشمها وأكلها وشربها وعاشها، فهو يتكلم لك بحرارة الإيمان، ويكتب من دمه، فيرد على مفكري الغرب، ويتكلم عن قضية الإيمان ودوره في الحياة، ويدخل معك حتى في جزئيات العلوم التي مهروا فيها، أتى في آية الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] فذكر كلام كريسي موريسون في النحلة من يهديها، أعندها أريال؟
يقول الأمريكي: لماذا تذهب النحلة مسافة ألف كيلو ثم تعود إلى الخلية، من يخبرها؟
قال سيد قطب: ليس عندها أريال ولكن عندها وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل:68] رجل ينطلق من القرآن، وأنا أعرف له قضايا.
وميزة الظلال ثلاث أمور:
أولاً: الأسلوب الجميل البديع، يقول في سورة محمد عند قوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:1] قال: هذا هجوم أدبي على المشركين، يقول في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:18] قال: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء؟ والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء.
الميزة الثانية: أنه رجل كما قلت عرف الواقع.
الثالثة: أنه رجل يحمل روحه بين يديه أمام الطغاة، يقولون له: اكتب رسالة اعتذار لـجمال عبد الناصر ليعفو عنك؟ قال: " إن إصبعي التي شهدت لله بالوحدانية كل يوم خمس مرات تأبى أن تكتب لطاغية، إن كنت أقتل بباطل، فأنا أكبر من أن أستخذل الباطل، وإن كنت أقتل بحق؛ فأنا أصغر من أن أعترض على الحق ". وقتل وهو يتبسم.
يا شهيداً رفع الله به جبة الحق على طول المدى |
سوف تبقى في الحنايا علماً قائداً للجيل رمزاً للفدا |
ما بكينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى |
لكن أقول لك يا من يقرأ الظلال! لا تظن أنك أمام كتاب عقيدة، العقيدة تجدها في الطحاوية وكتب ابن تيمية؛ لأن الرجل لا يريد أن يعطيك عقيدة يريد أن يحدثك بأشياء وخواطر وظلال وأسرار الله أعلم بها، وكذلك لا يحدثك عن الأحكام، اذهب إلى ابن كثير والقرطبي.
الأمر الثالث: ربما توقف في بعض المسائل على عقيدة الأشاعرة ونحن نقول: غفر الله له {وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث}
دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس |
جمعنا الله به في دار الكرامة، وتغمدنا وإياكم بالرضوان، وشكر الله لكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر