أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
أما عنوان هذا اللقاء فهو: وصف الجنة من الكتاب والسنة، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من رواد الجنة؛ في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، هي دار الصالحين. الجنة ذهبت المهج من أجلها، وهي سوق الله عز وجل وداره التي بناها تبارك وتعالى:
فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها |
قصورها ذهبٌ والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها |
في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (دخلت البارحة الجنة فسمعتُ دف نعليك يا
قال ابن تيمية: لأهل العلم من أهل السنة قولان اثنان فيمن يشهد له بالجنة، القول الأول: من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد له.
والقول الثاني: من استفاضت عدالته وإمامته وصدقه وعبادته وإخلاصه نشهد له بالجنة، لما ورد حديث في الصحيحين: ( إنه مُرَّ على الرسول عليه الصلاة والسلام بجنازتين، فأثني على الأولى بالخير، قال: وجبت، وأثني على الثانية بالشر، قال: وجبت، قالوا: ما وجبت في الأولى يا رسول الله وما وجبت في الثانية؟ قال: الأولى أثنيتم عليها خيراً، فقلت: وجبت لها الجنة، والثانية أثنيتم عليها شراً، فقلتُ: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه) وهذا القول يؤيده ابن تيمية، وبعض السلف: كـأحمد بن حنبل ومالك، وأبي حنيفة والشافعي وأمثالهم، اشتهرت عدالتهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
أرسل عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة وجعفر الطيار وابن رواحة إلى مؤتة يقاتلون الروم، وحضرت المعركة فقتل الثلاثة، وقام عليه الصلاة والسلام خطيباً في الصحابة، وأخبرهم أن الثلاثة دخلوا الجنة، وفي سرير ابن رواحة ازورار رضي الله عنه وأرضاه.
أتت معركة أحد، فتقدم أنس بن النضر فقاتل، فقال له سعد بن معاذ: [[دونك يا
وللجنة ريح، وسوف أستعرضه هذه الليلة مع نعيم أهل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وألا يجعل أكبر مقصودنا وأكبر اهتمامنا هذه الدنيا، وألا يجعل حظنا من النعيم هذه القصور، وهذه الفلل، فوالله لقد مللناها لما سمعنا أخبار الجنة.
يقول جعفر الطيار وهو في مؤتة:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبةٌ وباردٌ شرابها |
والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها |
عليّ إن لاقيتها ضِرابها |
أنهارها.. أهلها.. سلامة صدورهم.. مجالسهم.. لبسهم.. ريح الجنة.. أبوابها.. أول من يدخلها.. صفة دخول أهلها.. أدنى أهلها منزلة.. درجاتها.. خيامها.. شجرها.. طعام أهلها.. نساؤها.. سوقها.. نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى.. مناديل أهل الجنة.. آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وهنا بحثٌ طريف لـابن تيمية: هل يدخل الجن الجنة؟ وجود الجنة الآن وعدم فنائها..
أيها الإخوة الأخيار: إنما نعرض لهذه المسائل علَّ القلوب أن تهاجر إلى الله، وتشتاق إلى رضوانه، وعلَّ النفوس أن تصحو، فوالله ما لبثنا في هذه الدنيا ولا قرارنا إلا قليلاً، وإن الخاسر من شرى الدنيا بالجنة، وباع حظه من الله عز وجل.
قال: فتقدم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، فقدموا أرواحهم ثمناً للجنة، والسلعة هي الجنة، فتبايعوا في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قاموا من مجلس العقد، فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: {ماذا تريد منا؟ قال: أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم، قالوا: فما لنا إن فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع! والله لا نقيل ولا نستقيل}.
ثم قاموا من مجلس العقد، قال ابن القيم: والبيعان بالخيار مالم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع.
أما الجنة فهي حدائق وعيون، وأنا أحرص أن تكون الدلائل من الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45] قال أهل العلم: جناتٌ: جمع جنة، وهي الحديقة، ويجوز أن تطلق على حدائق الدنيا، فتسمي حدائق الدنيا الجنة، ولله المثل الأعلى، ولجنته مثلٌ أعلى بالنسبة لخلق الدنيا.
قال ابن عباس فيما صح عنه: [[ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء]] أي: أن هناك رماناً وريحاناً وثمراً، وهنا رمان وريحان وثمر، لكن لا سواء، فليس إلا الاسم.
وأما العيون فقيل: عيونٌ ثابتة صافية الماء راكدة.
وقيل: -نسأل الله من فضله- أنهارٌ تجري، وهي تسيح، ولها أصوات، وفيها ما الله به عليم.
وحوضه عليه الصلاة والسلام: {طوله كما بين صنعاء وأيلة -طوله شهر، وعرضه شهر- أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وعدد آنيته عدد نجوم السماء }.
وهذا يؤيد المعنى الأول: أنها من تحت الغرف ومن تحت القصور، لكن بالإمكان الشرب منها، والجلوس حولها، وهي تسح على وجه الجنة على المعنى الآخر سحاً.
ما هي هذه الأنهار؟ لقد ذكرها الله عز وجل في سورة محمد عليه الصلاة والسلام، قال سبحانه: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [محمد:15] وهذا لكل مؤمن، لأنه لم يعد الله بالجنة إلا المؤمنين، وهذه قاعدة ابن تيمية، لأن المسلم قد يكون مرتكباً للكبائر، وصاحب الكبائر لم يوعد بالجنة، ومعتقد أهل السنة أن صاحب الكبيرة يخاف عليه، وهو لا يخلد في النار، وقد يعذب، وقد تدركه رحمة الله، وهو فاسقٌ بكبيرته، ناقص الإيمان، لا يخرج من الإسلام -كما أخرجته الخوارج- إلا أن يستحل الكبيرة، هذا معتقد أهل السنة والجماعة.
قال سبحانه: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد:15].
والآسن: المتغير؛ فماء الجنة لا يتغير -نسأل الله من فضله- مهما بقي في مكانه فهو عذبٌ صافٍ طيبٌ تشتهيه الأنفس!!
وقال وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15] أي: لم يدخله حموضة عند بعض المفسرين، ولا يدخله عفن، ولا رائحةٌ منتنة، بل هو عذبٌ طيبٌ سائغ الشراب.
وقال: لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ.
أي: لا تتعطل عقولهم، ولا تذهب كخمر الدنيا.
وهذا الفرق بين هذه الخمر وهذه، وخمر الدنيا؛ لأن فخمر الدنيا: {من شربها ولم يتب منها كان على الله عهداً أن يسقيه من ردغة الخبال، قالوا: وما ردغة الخبال يا رسول الله؟ قال: عصارة أهل النار} قيل: قيحهم وصديدهم ودماؤهم والعياذ بالله.
بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا من العناية ركناً غير منهدم |
لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ |
ألا تريد أن يجمعك الله بأطفالك وبناتك وأهلك في الجنة؟ ألا تريد أن تسلم عليهم ويسلمون عليك؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].
بعنا النفوس فلا خيار ببيعنـا أعظم بقومٍ بايعوا المختارا |
فأعاضنا ثمناً ألذ من المنى جنات عدنٍ تتحف الأبرارا |
وطلب الجنة من مقاصد أهل السنة والجماعة خلافاً للصوفية وغلاتهم، الذين قالوا: نحن نعبد الله ولا نريد الجنة ولا نخاف من النار، إنما خدمة له، والله يقول في كتابه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] وقال عن الصحابة: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً [الفتح:29] وقال عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجة بسندٍ حسن: {هل من مشمرٍ إلى الجنة...إلخ} فالجنة من المقاصد.
وقد ورد أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحم الله تلك العظام- دخل على أحد السلاطين، اسمه ابن قطلوبك سلجوقي، فقال له السلطان: يـ ابن تيمية! يقولُ الناس: إنك تريد ملكنا وملك آبائنا وأجدادنا، قال: ملكك؟! قال: نعم. قال: والله ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض. فمن أراد رضوان الله لا يتلمح للدنيا أبداً.
قال سعد بن أبي وقاص: [[ لما حضرنا معركة أحد، قام عبد الله بن جحش وهو من شباب الصحابة، فقال: يا رب! اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم فإذا حضرنا المعركة فلاق بيني وبين عدوٍ لك شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني فيك، فيبقر بطني، ويجدع أنفي، ويقطع أذني، ويفقع عيني، فإذا لقيتك يا رب يوم القيامة في هذه الصورة، وقلت لي: يا عبد الله! لمَ فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب!! قال: فانتهت المعركة، قال سعد: فوالذي نفسي بيده، لقد رأيته قد قتل وبقر بطنه، وجدع أنفه، وفقئت عيناه، وقطعت أذناه]].
ويقولون: لله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله.
وإن الحسد والضغينة تقتل صاحبها في الدنيا، ولذلك جعل الله من نعيم أهل الجنة إذا دخلوا الجنة أن ينزع الغل من قلوبهم، والحسد قد يكون بين المؤمنين والمسلمين قال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] وفيها نعيم.
أولاً: قال: ونزعنا، ولم يقل: نُزع، للاحتفاء بهم.
وقال: ما في صدورهم من غلٍ ليذهب كل حقدٍ وغيظ.
وقال: إخواناً، لأنه قد ينزع، ولا يكون بينهم معرفة، فزادهم أن تعارفوا في الجنة.
وقال: على سُررٍ، وهذا من النعيم، ولم يقل: على بسط، أي: رفعهم سبحانه، وقال: متقابلين، أي: لا يولي بعضهم بعضاً ظهره؛ لأن من النعيم أن تقابل أصحابك في جلسةٍ ندية، قال أحد شعراء العرب في نعيم المجالس:
ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الروض ناديا |
أثار لنا طيب المكان وحسنه منىً فتمنينا فكنت الأمانيا |
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياءٍ وكرم |
قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذا قُلتَ: نعم قال: نعم |
قال سبحانه في سلامة صدورهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
وقد ذكر أهل التاريخ أن علي بن أبي طالب وطلحة رضي الله عنهم وأرضاهم، في معركة الجمل، التي قامت بين عائشة وطلحة والزبير من جانب، وبين قومٍ من جنود علي، فقتل طلحة في المعركة -أحد العشرة- فنزل علي وترجل إلى طلحة، بعد أن رآه مقتولاً، فمسح التراب عن وجهه، ومسح الغبار عن لحيته وقبله، وبكى علي، وقال: [[يعز عليّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً على التراب، ولكن أسأل الله أن أكون أنا وإياك ممن قال فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]]].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه جلس مع الصحابة في المسجد، فقال: {يدخل عليكم من هذا الباب رجلٌ من أهل الجنة} فدخل رجل متوضئ تتقاطر من لحيته آثار الوضوء، حذاؤه في يسراه، فصلى ركعتين وجلس، وفي اليوم الثاني، قال عليه الصلاة والسلام ذلك، وفي اليوم الثالث كذلك، فذهب ابن عمرو وراء هذا الرجل، وبات معه ليلتين، وقيل: ثلاثاً، فرآه عادياً في صلاته، ليس هناك ما يلفت النظر، لا يتميز عن الناس في صيامه، وفي أذكاره، فقال: {يا فلان! والله ما بي إلا أن سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام أخبرنا ثلاث مرات أنك من أهل الجنة فماذا تفعل؟ رأيت صلاتك ليست بكثيرة -أي من النوافل- وكذلك صيامك، وذكرك، قال: أما وقد سألتني فوالله الذي لا إله إلا هو، ما أنام ليلةً من الليالي وفي قلبي غلٌ أو غشٌ أو ضغينةٌ أو حقدٌ أو حسدٌ لأحدٍ من المسلمين، قال: فبذلك غلبتنا} أو كما قال.
إذاً من أعظم النعيم سلامة صدور المؤمنين، وهذه لا تكون إلا في الجنة، أما في الدنيا فتجد الأحقاد والحسد، أحد الناس كبير في السن يدعو على أحد الأموات من المسلمين، قلنا له: لماذا تدعو عليه؟ قال: سرق علي قتب البعير، أسأل الله أن يقذفه بهذا القتب في نار جهنم! مسلم يصلي ويصوم وأخوه في الله، ويمكن أن يكون أخطأ في سرقة قتب، لا يساوي خمسة عشر ريالاً، فيدعو عليه أن يقذف الله به في نار جهنم!!
ما هذا الشح؟! وما هذا البخل؟!
شبر من الأرض قد يتقاتل عليه الناس، يخرج أحدهم المسدس فيقتل صاحبه!! وقد مررنا بقرية فيها بيتان متجاوران لأخوين شقيقين، يقول لنا أحد الدعاة: والله! إن صاحب هذا البيت لا يسلم على صاحب هذا البيت من عشر سنوات أو أكثر بسبب قطعة هذه الأرض، فأين الإيمان؟! سبحان الله! وصف الله مُلْك الجنة، فقال: وَمُلْكاً كَبِيراً [الإنسان:20] ووصف أهل الجنة، فقال: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
وكان لـمعاوية بن أبي سفيان مزرعة في المدينة في جانب مزرعة عبد الله بن الزبير ابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، فدخل عمال معاوية في مزرعة عبد الله بن الزبير، فغضب ابن الزبير، وبينه وبين معاوية إحن، فكتب لـمعاوية: [[ إلى معاوية بن هند آكلة الأكباد، أمَّا بَعْد: فإن عمالك قد دخلوا مزرعتي، فأمرهم بالخروج، وإلا فوالله الذي لا إله إلا هو ليكوننَّ لي ولك شأن
[[من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير ابن أسماء ذات النطاقين أمَّا بَعْد: فوالله الذي لا إله إلا هو، لو كانت الدنيا بيني وبينك، لسلمتها إليك، ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لسلمتها إليك، فإذا أتتك رسالتي فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك، فإن جنة الله عرضها السماوات والأرض
أما مجالس أهل الجنة، فقال سبحانه: عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الصافات:44] وتقدم هذا، وقال سبحانه: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن:54] قالوا: هو اللين من الحرير، وسوف يأتي تفسير ذلك، وبعضهم يقول: بطائنها من إستبرق، أي: ما غلظ من الحرير، وبعضهم يقول: ما رق من الحرير، والمقصود أن الله ذكر الحرير مرتين:
الغليظ منه والرقيق، فالرقيق أعلى الطنافس، والغليظ من تحت، ولا إله إلا الله! من نعيم ورغد ما أحسنه! لا هم ولا غم ولا حزن ولا فرقة ولا فوت ولا خوف! نسأل الله من فضله.
وقال سبحانه: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:34] يعني مرفوعة عن التراب، وكلما ارتفع الفراش كان أحسن وأحسن، وقد ورد في بعض الآثار أن الإنسان يغوص في فراشه، وقال سبحانه: عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [المطففين:23] والأرائك أقل من الفرش، فهناك أصناف من المجالس.. منابر من نور، وكثبان من مسك، وفرش ممهدة، وفرش عالية، وأرائك، يغير الإنسان ما استطاع في كل يومٍ جلسات متعددة، فأين نعيم الدنيا؟! وأين لذتها؟!
أحد سلاطين الدنيا كان يملك قصوراً هائلة، وهو معروف في التاريخ ومشهور، فلما ملك وأكل وشرب، أتاه مرض أقعده، فأخذ يعوي ويبكي الليل والنهار، حتى تمنى الموت.
والوليد بن عبد الملك هذا الخليفة الأموي، ذكر عنه الذهبي: أنه لما حضرته الوفاة انبطح على التراب يبكي ويضرب وجهه، ويقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].
فأين النعيم؟! إنما النعيم في الإيمان وفي طاعة الواحد الديان، وفي أن تتعرف على الله، أما القصور مع الفسق، والسيارات مع ترك الصلاة والإعراض عن الله فهو والله خسارة وندامة.
وقال سبحانه: مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ [الرحمن:76] والأخضر لونه جميل، والعجيب أني رأيتُ بحثاً لأحد الأطباء يقول: اللون الأخضر من أحسن ما يكون! ولذلك وصف الله الجنة بالخضرة ووصف كذلك لباسهم في الأحاديث الصحيحة بالخضرة، والطيور التي تأوي إليها أرواح الشهداء وصفت بالخضرة، وقال سبحانه: عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ [الرحمن:76] حتى ورد أمر في بعض المقاطعات في بريطانيا أن على الأطباء أن يرتدوا اللباس الأخضر عند إجراء العمليات، ولا يلبس الأحمر، وهذا ليس خزعبلات، بل هو علم، وما ذكر الله الأخضر هنا إلا لسر يعلمه الله، وربما تنشرح له النفس قال: فألزم الأطباء أن يلبسوا الأخضر حتى يستبشر المريض، والفأل الحسن يحبه الله والرسول عليه الصلاة والسلام، وذكروا من البحوث أن اللون الأسود يطوي النفس ويقبضها، ولذلك لم يحببه الله ولا رسوله، قال سبحانه: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106].
وليس المعنى أن من كان أسود البشرة، فهو ليس محبوباً، بل قد يكون محبوباً عند الله وأرفع وأحسن إذا آمن واستقام، فإنه يكون عند ذلك من الأولياء، وأبو جهل كان أبيض، وبلال أسود، فـبلالٌ في الجنة، وأبو جهلٍ في النار، فما أغنى ذاك أسرته ولا ماله، وما بعد هذا أسرته ولا فقره. ولا أريد أن أستطرد، لأن ذلك يأخذ علينا من الوقت ولعل بعضكم سمع هذا البحث، فمن أتانا بعلمٍ يصدقه الكتاب والسنة قبلناه، والحكمة ضالة المؤمن، وما خالف كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم رمينا به عرض الحائط.
ثم قال سبحانه: عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ [الواقعة:15-16].
وهذه الآيات يصدق بعضها بعضاً، وهي من باب العطف، أو من باب البيان، أو من باب الترادف، أو من باب التعجب.
أولاً: يا أيها الإخوة! تذكروا يوم العرض الأكبر أننا سوف نأتي عراة حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وأول من يكسى إبراهيم عليه السلام، والناس يحشرون حفاةً عراةً غرلاً بهماً، كما ولدتهم أمهاتهم، حتى تقول عائشة وهي تتعجب: {يا رسول الله! عراة!! ألا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: الأمر أعظم من ذلك يا
هل يتفكر الإنسان أو ينظر؟!! لا والله. الأمر أدهى وأعظم وأكبر من أن يتفكر الإنسان أو يوسوس في مثل هذه الأمور، فيكسى إبراهيم وليس بأفضلهم، بل أفضلهم محمد ثم إبراهيم، ثم يكسوهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الجنة، أما أهل النار فتقطع لهم ثيابٌ من نار، يصبُ من فوق رءوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، وفي بعض الروايات، يلبسون القطران ويلبسون الحديد المصفح الحامي، أما أهل الجنة فاسمع إلى لباسهم! قال سبحانه: يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ [الدخان:53] قالوا: والسندس: ما غلظ من الديباج أو الحرير، وصح عند مسلم من حديث أنس {أن الرسول عليه الصلاة والسلام، أُهدي له جلبابٌ من سندس، فأخذ الصحابة يمسحون وينظرون، فيقول صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من ذلك؟! والذي نفسي بيده، لمناديل
من هو سعد بن معاذ؟
شهيد أصيب في الخندق بسهم، ومات بعدها بقليل، اهتز عرش الله -كما صح بذلك الحديث- لموته!! فقد مات شهيداً فاهتز له عرش الله، وشيعه سبعون ألف ملك.
قال حسان بن ثابت:
وما اهتز عرش الله من موت هالكٍ سمعنا به إلا لـسعدٍ أبي عمرو |
ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مناديله- والمناديل إنما تعد للعرق ونحوه- أحسن من هذه الجبب التي هي من الحرير في الدنيا، فكيف بغيرها؟!!
وقال سبحانه في لباسهم: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً [الإنسان:21].
قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {من يدخل الجنة، ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه} وصح في أحاديث أن ثياب أهل الجنة تخرج من ثمرات الأشجار، أي: أن كم الشجرة -وهو غصنها- يثمر فيأتي بأكمام، فتتفتق بثيابٍ مفصلة عليهم بكل لونٍ أرادوه، فينزعون الثياب ويلبسون!! إنه نعيم لا يتصوره الإنسان، والذي لا يكتسي بلباس التقوى، فوالله لو لبس ثياب الدنيا كلها ما ستره الله.
قال ابن القيم: ورد في النصوص ألفاظ، منها أربعين عاماً، وخمسمائة عام، وغيرها من الأعوام فإما أن يكون ذلك على قدر العمل، أي: أن من أتى بعملٍ عظيمٍ شنيع أبعده الله أبعد من أربعين عاماً، ومن أتى بعملٍ أخف فأربعين عاماً، وقيل: على طرف الجنة وعلى وسطها، فمن طرفها يمكن أن يكون أربعين، ومن وسطها خمسمائة أو مائة عام أو مائتان في الأحاديث، وهذا جمع جيد لا شلت يده وصحت، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء.
(من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً) كان أنس بن النضر يستنشق يوم أحد، قالوا: مالك؟ قال: أجد ريح الجنة من دون أحد وقتل، ضرب ثمانين ضربة فلم تعرفه إلا أخته ببنانه، لكن ما أحسن هذا الضرب! وما أحسن هذا القتل! والذي لا يموت صادقاً مع الله يموت كما تموت الدواب والبهائم.
وصح أن عبد الله بن عمرو الأنصاري سأل الله رضوانه، ولبس أكفانه قبل المعركة واغتسل وتحنط وتطيب، ثم أتى المعركة فأخذ غمد السيف وكسره على ركبته فقتل، فأتى ابنه جابر يبكي فيقول صلى الله عليه وسلم: (ابك أو لا تبكِ، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعتموه، والذي نفسي بيده لقد كلَّم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبتُ على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً) فجعل الله روحه وروح إخوانه في حواصل طير خضر ترد الجنة، فتأكل من أثمارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:169-170].
من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول |
يقول: أنت دائماً في الأول، أنت أول الذاكرين وأول المجاهدين، وأول الصادقين، وأول الدعاة، أعطيت الإسلام دمك ودموعك وعرقك ومالك ووقتك، فلماذا لا تأتي الأول؟
فنسأل الله أن نكون ممن يزاحم في ذاك الباب! فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] ما بين المصراع والمصراع أربعون سنة، والأبواب أربعون سنة، والأبواب ثمانية ويأتي على كل باب منها يوم وهو كظيظ من الزحام، والله إنا نطمع في فضل الله، ورجاؤنا في الله أن يجعلنا من الداخلين المزاحمين، وإلا فليس عندنا عمل، ما سفكنا دماؤنا ولا بذلنا أموالنا، ولا أذهبنا أعمارنا في طاعة الله، إنما نحن مقصرون، وكما قال الأول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجربِ |
ونحن من ذاك [[قال رجلٌ لـ
يا تقياً والتقى جلبابه |
وذكياً حسنت آدابه |
قم وصاحب من هم أصحابه |
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل |
فقل لـبلال العزم إن كنتَ صادقاً أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً |
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا |
قال عقبة بن عامر: {روحتُ إبلي -كان يرعى إبلاً، وهكذا كان الصحابة يرعون الإبل، لكن قلوبهم تهفو إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض- قال: فروحتُ إبلي، فتأخرت فيها وأتيتُ والرسول عليه الصلاة والسلام يحدث الناس، وقد مضى في الحديث، قال: فسمعته يقول: من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً، كان حقاً على الله أن يرضيه. قلتُ -و
إنه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أبو القاسم، في المركز الأول، درجته في الجنة الوسيلة.. ولذلك اختلف أهل العلم ما هي الوسيلة؟
قال صلى الله عليه وسلم: (درجةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ وأرجو أن أكون أنا هو) أي أن أعلى منزلة في الجنة مقعد واحد، لا اثنين، وليس هو إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، ودخوله إلى الجنة طريفٌ وعجيب، ولنا أن نفرح بهذا؛ لأنه رسولنا عليه الصلاة والسلام، تغلق أبواب الجنة، والناس في الحشر في عرصات القيامة وهي مغلقة، فيأتي عليه الصلاة والسلام، فيطرق باب الجنة، فيقول خازن الجنة رضوان: من؟ قال: أنا محمد بن عبد الله رسول الله، فيقول الملك: بكَ أُمرت ألا أفتح لأحدٍ قبلك، فيفتح الباب..!!
قال عليه الصلاة والسلام والحديث عند مسلم في الصحيح: (أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة) وعند مسلم في الصحيح: (آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح فيقال لي: من؟ فأقول: محمد فيقول: بك أمرتُ ألا أفتح لأحدٍ قبلك) وعند ابن ماجة، أن أول من يدخل من الأمة: أبو بكر لكن في الحديث كلام، ذكره ابن القيم وتكلم في الحديث.
على كل حال أول من يدخل الجنة من الناس محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأصناف الفقراء يدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة عام!!
اسمع إلى الحديث المتفق عليه، عن سهل بن سعد، في صحيح البخاري وصحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً -أو سبعمائة ألف كما في رواية في الصحيحين - متماسكون آخذٌ بعضهم ببعض، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر) متفقٌ عليه.
إذاً فالدخول جماعي، في صفوف كأنهم زحف مقدس فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] يدخلون على منازل أولهم على صورة القمر ليلة أربع عشر، ثم على صورة الكواكب الدرية، ثم بعدها في البياض، هكذا تدريجياً.
في صحيح مسلم أن موسى سأل ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة، والأسئلة العقدية دائماً مع موسى، ولذلك يقول ابن تيمية: هو من أجرأ الأنبياء، لما كلمه الله، قال: ربِّ أرني أنظر إليك، ولذلك صلح لبني إسرائيل، ولما غاب عنهم استضعفوا هارون عليه السلام فعبدوا العجل، فلما أتى أراهم النجوم في رابعة النهار، ولذلك يخافون منه لأنه قويٌ شجاع من أشجع الناس، أزال بيده الصخرة التي لا يزيلها المجموعة: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26] فهو قوي أمين يخاف الله وقوي ولذلك يقولون: لما أرسله الله عز وجل -عند بعض أهل السير وأهل التواريخ- إلى فرعون أتى بعصا -فقد كان يرعى الغنم بعصاه- فأتى إلى باب فرعون وعلى باب فرعون ستة وثلاثون ألف حارس، فأخذ يضرب الباب.
بعض الناس يمر بأبواب فرعون ويكظم أنفاسه، ولا يعطس، ولا يتثاءب حتى يمر، وهذا يضرب الباب، قالوا: من؟ قال: موسى، قالوا: من موسى؟ قال: ابن عمران، قالوا: ماذا تريد؟ قال: أدعو فرعون إلى الله، ولذلك قالوا: مجنون، ثم دعاه في قصةٍ طويلة.
فعلى كل حال ورد عنه أسئلة طويلة منها في الصحيحين، أنه التقى بآدم عليه السلام، لا ندري أين التقيا لكن الظاهر والصحيح الذي يؤيده ابن الجوزي وبعض المحدثين أنهما التقيا في السماء، وبعض العلماء قال: يلتقون يوم القيامة، بينما يقول صلى الله عليه وسلم: {تحاج آدم وموسى} أي: التقيا ووقعت المحاجة والمناظرة: {احتج موسى وآدم، قال موسى عليه السلام لآدم: أنت آدم الذي خلقك الله بيده؟ ونفخ فيك من روحه؟ وأسجد لك ملائكته؟ خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة -هذا نصٌ في الصحيحين يقول: دخلنا الجنة ولو بقيت في الجنة ما كنا خرجنا إلى الدنيا نعصي الله، ويسفك بعضنا دماء بعض، وتأتي منا المخالفات، لماذا لم تجلس مكانك؟ خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة!- فقال آدم: أنت موسى الذي كتب الله لك التوراة بيده، وكلمك تكليماً؟ قال: نعم. قال: فكم وجدت أن الله كتب عليَّ ذلك قبل أن يخلقني؟ قال موسى: بأربعين عاماًً، قال: أفتلومني على شيءٍ قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين عاماً، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى} أي: غلبه.
وهذه لها شرحٌ عندي لـابن تيمية من أحسن ما يكون، كالعسل المصفى في المحاجة، أما أهل البدعة: فقد جعلوا آدم جبرياً وموسى كأنه قدري عليهم غضب الله، يحتجون بكلامهم، وهذا ليس مقام بسط، وهناك محاضرة في شريط بعنوان (أهل السنة بين الجبرية والقدرية) من بحث عليه وجد فيه شرح هذا الحديث.
يقول صلى الله عليه وسلم: {قال موسى عليه السلام: يا رب! ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: يا موسى! أدنى أهل الجنة منزلة -والحديث عند
لكن هل ترضى همتك أن تكون في ربض الجنة؟ أتعد من يصلي الخمس فقط بمن يصلي الخمس ويقوم الليل ويتنفل، ويتدبر القرآن، ويجاهد نفسه على طاعة الله ويبذل ماله ويصدق مع الله؟ لا سواء؛ كما قال تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [آل عمران:163].
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان |
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان |
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدانِ |
يقول: يا آذاناً تريد رحمة الله لا تتعوضي بالموسيقى والغناء المحرم الذي يفسد القلب ويضيعه ويبعده عن الله.
ومن أعظم الكرامات:نظر أهل الجنة إلى ربهم، وهذا من عقيدة أهل السنة قال سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] ويقول سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] قال الشافعي رحمه الله: لما حجب أهل المعصية دل على أن أهل الطاعة يرونه، واتفق الشيخان من حديث أبي هريرة أنه قال: (قال الصحابة: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضامون -أو تضارون- في رؤية القمر ليلة البدر؟! قالوا: لا. قال: هل تضامون -أو تضارون- في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم سترون ربكم يوم القيامة!!) وفي حديث آخر: (كما ترون القمر ليلة البدر) فنسأل الله أن يرينا وجهه!
وهي الزيادة، قال ابن تيمية: إذا ذكر الله الزيادة في القرآن فهي النظر إلى وجهه الكريم.
وفي حديث صهيب عند مسلم: (أن الله يقول لأهل الجنة: أتريدون نعيماً؟ قالوا: يا رب! وماذا نريد وقد بيضت وجوهنا وأرضيتنا؟! قال: فإن لكم عندي موعداً لا تخلفونه، قال: فيكشف الحجاب عن وجهه فينظرون إليه فما يرون لذةً أعظم من ذلك).
وفي الصحيحين في قصة الجبة التي أهديت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولمسها الصحابة، قال: (أتعجبون من هذه؟! لمناديل
وجود الجنة الآن من معتقد أهل السنة والجماعة.
أيها الأبرار: إن الجنة موجودةٌ الآن، والشهداء في عهده صلى الله عليه وسلم دخلوا الجنة، ونعموا فيها، وأن الإنسان قد يرى الجنة إذا مات، ويفتح له بابٌ أو نافذةٌ إلى الجنة، فمن معتقدنا أنها موجودةٌ الآن، ومن معتقد أهل السنة وهو الصحيح أن الجنة لا تفنى، فهم خالدون مخلدون لا تفنى، قال الشيخ حافظ بن أحمد حكمي:
والنار والجنة حق وهما موجودتان لا فناء لهما |
والفلاسفة والمنطقيون، قالوا: يخلقها الله فيما بعد، وقد كذبوا على الله، قال: وهما موجودتان لا فناء لهما؛ لأن بعض الفلاسفة قالوا: إن الجنة والنار تفنيان، فإن صح عنهم ما قالوا، فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وقال أبو الهذيل العلاف المعتزلي: يفني الله حركات أهل الجنة وأهل النار، هذا قول مبتدع يضرب به وجه صاحبه فالجنة حقٌ والنار حق، وهما موجودتان الآن لا فناء لهما، بل خلودٌ أبدي سرمدي.
أيها الإخوة: قبل أن أنتهي، الدرس المقبل -إن شاء الله- بجامع الملك فهد بـأبها، عنوانه (ما ورد في وصف النار من الآثار) فأعاذنا الله وإياكم من النار، وباعد بيننا وبين النار كما باعد بين المشرق والمغرب، نسأله أن يحرم النار علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين، ونسأله الجنة وما قرب إليها من قولٌ وعمل، ونعوذ به من النار وما قرب إليها من قولٍ وعملٍ.
الجواب: الرياء مرضٌ خطير، وهو شركٌ أصغر، وتتخلص منه بالإخلاص، وأن تقصد الله بالعمل، وأن تعرف أنه النافع الضار، وعليك بالدعاء الذي في الحديث الحسن: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم} وقال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الأعراف:29] وقال صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات} والرياء شرك.
الجواب: يقول ابن القيم: من أحسن من عرف الزهد ابن تيمية، قال في تعريف الزهد: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، أما ما ينفعك في الدنيا من تجارة وكسبٍ وطلب مال فمطلوب، أما زهد المتصوفة فليس من الإسلام.
يقول الخطابي في كتاب العزلة: أخذ أحد المتصوفة لعينه لاصقاً فألصقه على إحدى عينيه، قالوا: مالك؟ قال: إسرافٌ أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله يمتن على العبد: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] أفأنت أبصر من الله الذي خلق لك عينين؟! وهل من الإسراف أن تنظر بعينين؟! يقولون: هذا من عدم طلبه للعلم.
فهذا التصوف الهندوكي ليس في الإسلام.
كما يذكر ابن الجوزي في كتاب صفة الصفوة الذي فيه طلاسم ينبغي أن يبحث عنها، قال أحد العباد: أين أنتم عني؟! ما أكلت الرطب من أربعين سنة!
وهل يحمد على ذلك ويشكر؟! والرسول صلى الله عليه وسلم أكل اللحم والعسل والرطب؟! والله أمر الصالحين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51] فلم يقل: كلوا من الحصى والتراب، بل لا يأكل إلا رطباً ولحماً وعسلاً، خلقها الله، لكن بشرط أن تعمل بها صالحاً في الحياة الدنيا، فالانزواء والانقباض عن الحياة وعدم استعمارها ليس من الإسلام وكذلك التهالك وعبادة الدرهم والدينار وعبادة التراب ليس من الإسلام، أنت تجعل المال بيدك وتستعين به على طاعة الله ويكون أكبر اهتمامك رضا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
الجواب: أولاً: يا أيها الإخوة! أحذركم ونفسي من البدع، فالبدع خطيرة، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وصح عنه أنه قال: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
فمن المخالفات قول القارئ بعد الانتهاء من قراءته: صدق الله العظيم، والله يقول في سورة آل عمران: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران:95] وهذا صحيح، وهو معقولٌ عقلاً ونقلاً، لكن وضع هذه الكلمة بعد القراءة بدعة لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته.
وقول القائل في الصلاة: ربنا ولك الحمد والشكر، فزيادة الشكر بعد سمع الله لمن حمده ليست واردة فتحذف، فليس في الصلاة زيادات فلا يأت الإنسان بزيادات، والشكر لله مطلوب، لكن في هذا الموطن لا تقال؛ لأنها لم تثبت عن المعصوم عليه الصلاة والسلام.
قول المصلي بعد الإمام إذا قال الإمام: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] استعنا بالله، ليست بصحيحة، ومن تعمد قولها بطلت صلاته، والجاهل والناسي يعلم، وبعض الناس يتابع الإمام حتى إذا قال الإمام: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال: لك الحمد يا رب!! الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: اللهم ارحمنا برحمتك!! إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: استعنا بالله!! اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] قال: اللهم اهدنا الصراط..!! فهذا ليس من سنته عليه الصلاة والسلام.
الإشارة بالإصبعين في التشهد؛ صار تحريك الإصبع في التشهد باليمنى واليسرى، حتى إن بعضهم كأنه يعمل على مكينة أو على آلة، يحرك أصابعه كلها، وإنما المقصود إصبع واحدة علامة التوحيد، ففي سنن الترمذي عن سعد بن أبي وقاص، قال: {رآني صلى الله عليه وسلم وأنا أشير بإصبعين، أي بالسبابة اليمنى واليسرى، قال: يا
المسألة الخامسة: قول بعض الناس وبعض الطوائف: نويت أن أصلي الظهر أربعاً أو العصر أربعاً، فهذه بدعة، فما كان يقول ذلك صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح، ويكفي أن الله يعلم أنك توضأت وأتيت من البيت لتصلي قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ [الحجرات:16] حتى تحدد له العصر، ما بقي إلا أن تقول: نويت أن أصلي العصر أربع ركعات في مسجد الخميس.
ومما وضعه بعض الناس يقولون: حج حاج به خبل، فأخذ يطوف وقال: اللهم إني فلان بن فلان، يا رب! كنت أعمل عند بامحفوظ، واليوم أعمل عند الراجحي في السجائر، اللهم إني حجيت، فلا تقل يا رب يوم القيامة: لم َلمْ تحج يا فلان؟ نسأل الله العافية، إن كان ثبت عنه فهو معتوه، وإن كان وضعوها عليه فهي من الإسرائيليات، فهذا مثله مثل الذي يأتي إلى المسجد ويقول -وهم عشرات كل يوم- اللهم إني نويت أن أصلي العصر أربع ركعات، فهذا من الهذ: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ [الحجرات:16].
الجواب: أولاً: هذا الدعاء ثابتٌ في النوازل، فإذا نزل بالمسلمين نازلة، أو داهمهم عدو، أو أتاهم أمرٌ مجحف، فلهم أن يقنتوا كما قنت عليه الصلاة والسلام، في حديث أنس وحديث أبي هريرة في الصحيحين على رعلٍ وذكوان وعُصية التي عصت الله ورسوله، فدعا عليهم؛ لأنهم أخذوا الراعي وحاربوا الله ورسوله، لكن أن تبقى دائماً في النوازل وغير النوازل فليس ذلك بصحيح، وهو أقرب إلى البدع، وينهى عنه هذا الشخص، ولو أن للشافعية رواية في ذلك، ولذلك تجد أن مساجد الشافعية يداومون على هذا، وقد خالفوا الدليل، والناس بين اثنين: رجلٌ سمع الدليل فخالف فقد ابتدع، ورجلٌ ضل والدليل معه، لكن لم يبيَّن له الحق، فهو متأول مخطئ قد يؤجر، لكن على كل حال الصحيح ألا تفعل إلا في النوازل، أما في الوتر فإنها تفعل دائماً، ومن تركها فلا بأس.
إحدى النساء قال لها زوجها: سوف أتزوج زوجةً ثانية، قالت: حرام لا يجوز ذلك قال: بل هو جائز لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] قالت: هذه الآية لم تنزل نزلت فينا، إنما هم أهل بلد لا أذكره، قد تكون بريدة.
الجواب: أولاً: عند ابن أبي حاتم في التفسير بسندٍ جيد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر في الليل، فسمع عجوزاً من الأنصار تقرأ وتبكي وتقول: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] فوضع رأسه على صائر الباب يبكي ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني، كانت تقول: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] لا تدري أن المخاطب وراء الباب، فكلما قالت: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] قال: نعم أتاني، عليه الصلاة والسلام الغاشية: هي يوم القيامة، تغشى بهولها الأبصار كما قال المفسرون؛ والقارعة، والزلزلة، والواقعة، والحاقة، والطامة، والصاخة، فنسأل الله أن ييسر ذلك اليوم علينا.
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] الاستفهام هنا للتقرير، أي: سوف يأتيك، وبعض المفسرين قالوا: للإنكار، أي ما أتاك وسوف يأتيك، واسمع خبراً مدلهماً، قالوا: إذا بدأ الله بالسؤال فسوف تأتي عجائب، وإذا قال الله للرسول صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ [القارعة:10].
إذا قال: ما أدراك، فسوف يخبره!! وإذا قال: وَمَا يُدْرِيكَ [الأحزاب:63] فلن يخبره، قالوا: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:10-11] وقال: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب:63] فما أخبره!! هذه قاعدة للمفسرين، ما أدراه يخبره، وما لا يدريه لا يخبره، ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ [الغاشية:2] الخاشعة: التي علاها الخوف والرهق والمذلة والإرهاق.
خاشعة أي: خاشعة من الخوف، عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:3] أي: عملت في الدنيا وتعبت ولكنها في غير طاعة، قال بعضهم: هم أهل البدعة عملوا على غير طاعة، عبدوا الله عز وجل، لكن خالفوا فدخلوا النار، وقال بعضهم: هم النصارى، عبدوا الله على ضلالة، كما قال سبحانه: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا [الحديد:27] والصحيح أنهم قومٌ تعبوا في غير طاعة الله، وما أخلصوا العمل لله، فضيع الله سعيهم في الدنيا والآخرة، فكانوا أهل خزي في دنياهم وأخراهم.
الجواب: نسأل الله أن يأجره، وأن يرفع منزلته، وأن يلهمه السلوان، وأن يجعل جزاءه على ذلك جنةً عرضها السماوات والأرض، فإن مرضه أربعين سنة، يكفر السيئات والخطايا عنه، وقد ذكر ابن حجر في الإصابة أن عمران بن حصين أحد الصحابة مرض أربعين سنة، حتى كانت الملائكة تصافحه بأيمانها في السحر؛ لأنه صبر واحتسب، وقطعت رجل عروة فصبر واحتسب، ومرض الصالحون قديماً فصبروا واحتسبوا، فوصيتي لأبيك أن يصبر وأن يحتسب، وأن يعلم أن له بصبره على مرضه أجراً عظيماً.
والأمر الثاني: أن يحمد الله أن لم تكن المصيبة في دينه، لأن بعض الناس سمينٌ بطين يأكل ويشرب ومصيبته في دينه، ولذلك يقولون دائماً: يحمدون الله ويوجهون إلى النِعمة لا إلى النَعمة، فإن أعظم النعم نعمة الدين، فليست النعمة هي هذه الأشياء الظاهرة فقط، وليحمد الله أنها لم تكن في دينه، وإنما كانت في جسده وأن يعلم أن ثوابه عند الله عظيم.
وأوصيه بكثرة قول لا حول ولا قوة إلا بالله وأن يحمد الله، ففي حديثٍ يروى عن أبي الدرداء: {أول ما يحاسب الله الناس، يقول: أين الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء؟ وهم قومٌ ابتلاهم الله في الدنيا حتى تحاتت سيئاتهم، فيقول الله: ادخلوا الجنة بلا حساب، فيقولون: يا رب حاسبت الناس وتركتنا، قال: قد حاسبتكم في الدنيا! فيود قومٌ أنهم قرضوا بالمقاريض في الدنيا} أي: يودوا أنهم مرضوا واصابهم البؤس، وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس أنه قال: {يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس غمسة في النار ثم يخرج، فيقول الله له: هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا يا رب! ويؤتى بأبأس أهل الدنيا وهو من أهل الجنة، فيغمس غمسة في الجنة، فيقول الله: هل رأيت بؤساً قط، فيقول: لا يا رب!}.
وفي الختام إلى لقاءٍ -إن شاء الله- في الدرس المقبل الذي سيكون بعنوان: ما ورد في وصف النار من الآثار في جامع الملك بـأبها.
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر