وفي هذا الدرس حديث عظيم، هو قاعدة من قواعد الإسلام، فيا من يبحث عن طريق الجنة! فإن طريقها ومفاتيحها في هذا الحديث العظيم.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
قبل أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، نظر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلى الناس، فمقتهم جميعاً، عربهم وعجمهم، أحمرهم وأبيضهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، فلما بعثه صلى الله عليه وسلم أنار الله به أفئدة الإنسانية، وهدى به البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، فكان عليه الصلاة والسلام يوصي دائماً وأبداً، ومن أجل وصاياه، ومن أعظم ما أهداه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: هذا الحديث الذي معنا هذه الليلة، وهو حديث عظيم من قواعد الإسلام، ومن أسس هذا الدين، وهو من الأربعين النووية.
فاسمعوا إلى هذا الحديث القيم، الحديث الذي هو أقرب الطرق إلى الجنة لمن أراد الجنة، وهو أحسن الوصايا لمن أراد الله والدار الآخرة.
عن معاذ بن جبل سيد العلماء، وقائد العلماء إلى الجنة رضي الله عنه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقلت: يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه) هذا السؤال من أعظم الأسئلة التي طرحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه -ثم أجاب عليه الصلاة والسلام- قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على رأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: الصيام جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل. ثم تلا عليه الصلاة والسلام قول تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16] إلى قوله: يَعْمَلُونَ ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه، فقال معاذ: أئنا لمؤاخذون يا رسول الله بما نقول؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ -أي فقدتك، وهو دعاء لا يراد به ظاهره- وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على أنوفهم إلا حصائد ألسنتهم
ولا بأس أن نقف لحظات مع هذا الصحابي الجليل معاذ رضي الله عنه وأرضاه، جاهد في ذات الله، وذهب إلى اليمن، ولما ودعه صلى الله عليه وسلم، وهو مسافر إلى أرض اليمن، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصني يا رسول الله! قال: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} وقال له: {يا
ولما قدم راجعاً، جاهد مع أبي بكر الصديق، ومع عمر، حتى كان مع أهل الفتوح الذين ينشرون لا إله إلا الله في المعمورة، وهو من الذين حضروا معركة اليرموك ضد الروم، وتوفي وعمره سبعٌ وثلاثون سنة، لكنها خيرٌ عند الله من سبعة وثلاثين قرناً، كان به دمل رضي الله عنه وأرضاه في يده اليمنى من الطاعون، فقال له الناس: لا بأس عليك تتشافى بإذن الله، فرفع يديه، وقال: [[اللهم إني قد مللت الحياة، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون ثم قال: [[اللهم إنك تكبر الصغير، وتبارك في القليل، اللهم اجعل وفاتي في هذه القرحة]] وهذا لا يتعارض مع عدم تمني الموت، فإنه رضي الله عنه وأرضاه خاف من الفتن، فانتشرت هذه القرحة، ومات شهيداً رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه مات بالطاعون.
فقال صلى الله عليه وسلم وهو يستعرض أمور الإسلام، لأن هذا الدين ليس ألغازاً، وليس أحاجي ولا مشكلات، إننا لن ندخل الجنة بالمؤهلات العلمية ولا بالدور ولا بالقصور ولا بالأشجار، ولا بجري الأنهار، إنما ندخلها بالصدق مع الله وبالعمل الصالح، وبالتقوى، وكما وصفها صلى الله عليه وسلم لـمعاذ، وقضية شرح الإسلام للناس، أو طرح مسألة الإسلام للناس لا يحتاج إلى تكلفات في التعبير، أو فلسفة، أو منطق، إنه أسهل من الماء البارد الذي نشربه، وأسهل من الهواء الذي نستنشقه.
أتى أعرابي من الصحراء يريد طريق الجنة، يريد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعرابي من البادية، لم يسجد لله سجدة، ولا ركع لله ركعة، فجاء الأعرابي بجمله وعقله في طرف المسجد -وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يعرض الإسلام على الناس، لا كما يعرض الإسلام الآن صعباً شائكاً، إنما هو سهل ميسور لمن أراد الله والدار الآخرة- فعقل هذا الأعرابي الجمل، ثم تخطى الصفوف، يسأل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول للصحابة: أين ابن عبد المطلب؟ يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم -يسميه بجده؛ لأنه أشهر في العرب من أبيه، حتى يقول عليه الصلاة والسلام:
أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب |
في حنين - فيقول الصحابة: ذاك هو الرجل الأبيض، الأمهق المرتفق، أي: المتكئ، فيتقدم الأعرابي.
واسمعوا إلى أسئلة عن الإسلام، واسمعوا لحسن العرض منه عليه الصلاة والسلام، ولحسن السؤال، ثم لحسن الجواب منه صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا محمد! قال عليه الصلاة والسلام: لبيك! قال: إني سائلك فمشددٌ عليك في المسألة قال: سل ما بدا لك. فقال الأعرابي: يا محمد من رفع السماء؟ قال: الله! قال: من بسط الأرض؟ قال: الله! قال: من نصب الجبال؟ قال: الله! قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان عليه الصلاة والسلام متكئاً، فجلس وتربع -لأن هذا أعظم سؤال عرفته البشرية، وهذا أكبر سؤال وقع على البسيطة منذ خلق الله الخليقة إلى اليوم- فقال عليه الصلاة والسلام، وقد احمر وجهه من عظم السؤال: اللهم نعم.
قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، ثم أخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام؛ فرفع يده، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، ثم ولى، وفك عقال جمله وذهب، فتلفت صلى الله عليه وسلم إلى الناس وهو يتبسم، ويقول: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} وفي رواية: {أفلح الرجل ودخل الجنة إن صدق} أي: صدق مع الله، هذه هو دين الإسلام في سهولته ويسره الذي عرضه صلى الله عليه وسلم على الناس.
فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنهـا والجار أحمد والرحمن بانيها |
قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها |
صح في صحيح مسلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الشجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {للمؤمن في الجنة خيمة مجوفة طولها في الجو -وقيل: عرضها- ستون ميلاً، في كل طرف من أطرافها أهلون وبنون للمؤمن، لا يرى بعضهم بعضاً} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن في الجنة سوقاً يأتيه المؤمنون؛ فتهب عليهم رياح الشمال، فتحثو في وجوههم المسك، فيعودون إلى أهلهم وقد ازدادوا جمالاً إلى جمالهم وحسناً إلى حسنهم}.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الفرات والنيل وسيحون وجيحون أربعة أنهار من أنهار الجنة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يوم الجمعة يزور المؤمنون فيه ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيجلس الأنبياء على منابر من نور، ويجلس الشهداء على كثبان من مسك، ثم يجلس الناس على مجالسهم، فينظر إليهم ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وينظرون إليه، فما أُوتوا نعيماً أعظم من ذاك النعيم} وهو يوم الزيادة، يدخل أهل الجنة الجنة، فيتلذذون ويتنعمون، لا يبولون، ولا يجوعون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، ولا يبصقون
بنو ثلاث وثلاثين سنه جرد مكحلون مرد حسنه |
وجوههم من النعيم مسفرة لا ظلمة ترهقهم أو قترة |
أهل الجنة إذا دخلوا الجنة انتهى عنهم الهم والحزن والغم والنصب قال تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74].
فيقول معاذ رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة، هل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك أن تأتي بمؤهلات، أو أن تتوظف وتخدم كذا سنة، وتأتي بعدد من المال، أو تذبح نفسك كما يفعل بنو إسرائيل، أو تجوع نفسك الأيام والليالي كما تفعل النصرانية، أو تطول أظفارك وشعورك كما تفعل البوذية، لا. أتى بأمر بسيط يستطيع جمهور الناس أن يفعلوه، كله سهل وميسر على من يسره الله عليه.
لكن يقول صلى الله عليه وسلم لما سئل: {إنه ليسير على من يسره الله عليه} أما من عسره الله عليه فليس بيسير، وبعض أهل الصلاح وأهل الاستقامة يتعجب من كثير من الناس، لا يصلون في المساجد، ولا يقرءون القرآن، ويقولون: ماذا يكلفهم لو صلوا خمس صلوات في اليوم والليلة؟ ماذا يكلفهم لو قرءوا شيئاً من القرآن؟ ماذا يكلفهم لو صاموا شهراً في السنة؟ ماذا يكلفهم لو حجوا مرة في العمر؟ لكن القلوب بيد فاطر السماوات والأرض، والنفوس بيد الحي القيوم، يقول عز من قائل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56].
هذا الرجل مهتد مصل صائم منيب زاهد متورع إلى الله عز وجل، ويرزق ولداً فاجراً من الفجار، وفاسقاً من الفسقة، وفاسداً من المفسدين، ومارداً من المتمردين، فلماذا؟ حكمةٌ بالغة، وقدرةٌ نافذة من الحي القيوم.
يقول عز من قائل: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] هذا يسكن في أحسن مسكن، ويأكل أحسن طعام، ويتمتع بالمطاعم الشهية والمراكب الهنيئة والمشارب الرضية، ولكن قلبه مغلق عن الهداية، لا يريد لا إله إلا الله، ولا يتلذذ بلا إله إلا الله، ولا يمضي إلى مسجد الله، ولا يعفر وجهه ساجداً لله.
وهذا رجلٌ آخر يعيش البرد كله، ويأخذ الجوع بحده، والظمأ والتعب والإعياء، وينام على الرصيف، وأحب كلام إليه كلام الله، وأحسن صوت إليه صوت المؤذن، وأحسن جملة تمر بأذنيه لا إله إلا الله، وجهه يلمع نوراً، وقلبه يتفتح للهداية، فما هو السبب؟ حكمة بالغة.
فالله عز وجل نظر إلى قلوب العباد، فرأى أن هذا القلب يستحق الهداية فمنحه الهداية، ونظر إلى ذاك القلب، فإذا هو مطموس عليه لا يستحق النور ولا الهداية، فأغلق الله عليه: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:23-24].
ماذا قال أهل العلم في قوله عز من قائل: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24] قالوا: يحول بين الإنسان والإيمان، يريد أن يؤمن، يريد أن يصلي، لكن الله علم فيه الخبث، فلا هداه ولا كفاه ولا وقاه ولا شفاه. فالله الله يا أيتها الأمة المحمدية، يا أيتها الأمة المرضية! التي يريد الله أن تدخل الجنة أول الأمم، والتي بنى الله لها قصوراً في الجنة؛ فإن طريق الجنة هو هذا الحديث.
ثم قال له صلى الله عليه وسلم: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً} هل هناك عسراً وصعوبة في عبادة الله، وعدم الإشراك به، أتعلمون إلهاً غير الله؟ هل تعلمون أكبر من الله؟ أو أعظم من الله أو أحق بالعبادة من الله؟!
وكل شيء يشير إلى وحدانية الله، وكل مخلوق يثبت بالبرهان أنه لا إله إلا الله، وكل كائنة تشير بيدها أنه لا إله إلا الله، الومضة من النور، اللمعة من الضياء، والقطرة من الماء، والورق من الشجر، الصوت من الطائر، الإنسان بما آتاه الله يشير أنه لا إله إلا الله.
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
قيل للإمام الشافعي رحمه الله: دلل لنا على القدرة، أي: اذكر لنا دليلاً على قدرة الحي القيوم، قال: هذه الورقة ورقة شجر، وتأكلها دودة القز فتخرج حريراً، وتأكلها النحلة فتخرج عسلاً، وتأكلها الغزال فتخرج مسكاً، وتأكلها الشاة فتخرج روثاً، أليست دليلاً على الحكيم الخبير؟
وقيل للإمام أحمد: دلل لنا على وجود القدرة، قال: هذه البيضة كالحصن الحصين، أما الباطن فذهب إبريز أصفر، وأما الظاهر ففضة بيضاء يخرج منها حيوانٌ سميع بصير، هو الفرخ، ألا يدل على وجود السميع البصير؟
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
كل شيء يشير إلى الله، يقول عز من قائل: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ [يونس:101] يقول عز من قائل لأهل مكة يوم نزَّل عليهم القرآن، وهم لا يرون إلا الجبال السود، ولا يرون إلا السماء، ولا يرون إلا الأرض، ولا يرون إلا الإبل، خاطبهم بلغة عصرهم؛ لأن العلم الطبيعي ما بلغ هذه الدرجة التي بلغها اليوم، فقال عز من قائل: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ الغاشية:17-20]. مالهم لا ينظرون؟ مالهم لا يتفكرون؟ ما للذي يترك الصلاة إذا سمع الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، ماله يلوي عنقه ويتولى عن المسجد؟ أنسي الله؟ أنسي البعث والنشور؟ أنسي الذي سواه في أحسن صوره؟ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد:8-11] يقول: ما هو الأمر الذي أتى به هذا حتى يتكبر علينا؟ ويقول عز من قائل: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35].
يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يتحدث عن الأعمال الموجبة لدخول الجنة: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله، لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار) رواه مسلم.
وما معنى الحديث؟ يقول عليه الصلاة والسلام: من توضأ وصلى الفجر في جماعة، أحاطه الله ورعاه وكفاه ووقاه، فلا يحدث عليه بإذن الله أي حادث من حوادث الذنوب الكبيرة، لا يشرب الخمر، ولا يسرق، ولا يزني بإذن الله؛ لأنه عصم نفسه بصلاة الفجر في جماعة، فيقول صلى الله عليه وسلم: ( فالله الله، لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) معناه يقول: أن من صلى الفجر في جماعة فهو في حفظ الله، فلا يُتعدى على دمه أو عرضه أو ماله؛ لأنه أصبح في حفظ من الله، وفي رعاية من الواحد القيوم قال: (تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة) الصلاة التي لما ضيعناها وأخرناها، وأخللنا بأوقاتها وخشوعها وركوعها، ضعنا والله، وديست كرامتنا، واحتلت مقدساتنا، وفسد أبناؤنا، وقلت البركة في أرزاقنا، وقست قلوبنا.
الصلاة التي لما ضيعناها قل القطر علينا، الصلاة التي لما تركناها أصبنا والله -إلا من رحم الله- بالبغضاء وبالشحناء والفتن ما ظهر منها وما بطن، الصلاة التي لما تركناها أو تهاونا فيها دخلت علينا المعاصي بلا حساب، الربا والزنا، والفحش والدعارة والمخدرات؛ التي فتكت بشباب الأمة، بسبب تركنا وتهاوننا بالصلاة.
فيا أيتها الأمة المصلية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام: من أراد الجنة، فهذه بيوت الجنة، ورياض الجنة، ومفاتيح الجنة عند مفاتيح هذه الأبواب، ومن أراد الهداية فليس له هداية إلا أن يعفر وجهه كل يوم خمس مرات، فو الله ثم والله ثم والله، إن لم تكن عبداً لله، فإنك عبد للشيطان، وعبد للشهوات، وعبد للنزوات، فافتخر بعبودية الله.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا |
عباد الله: هذا درس وجيز، نريد أن نجتمع بهذه الوجوه الطيبة الطاهرة التي جاءت لتصلي، وجاءت لتعلن الوحدانية لله، وجاءت لتغسل ذنوبها، وأدرانها، وسيئاتها، وتكفر ما فعلت من المعاصي.
هذا مختصر في كل أسبوع من مساء الجمعة، أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئ الأعمال، وأن يجعلنا ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه، وأن يحشرنا في زمرة الصالحين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وحسن أولئك رفيقا!
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر