إسلام ويب

الزواج الناجحللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الزواج سنة الله التي أودعها في خلقه، وإذا أسس على تقوى الله والخوف من الله؛ فهو الزواج الناجح المبارك القائم على شروط ومواصفات وحقوق وواجبات ولطف وحب وتراحم ومساعدة واختيار حسن من الزوج والزوجة ولزوم تقوى الله.

    1.   

    مقدمة الشيخ علي القرني

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن، نحمده حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها لي ولكم إلى يوم المصير، يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله إلى العالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان:

    أمَّا بَعْد:

    أيا مجمع الذكر فيك الإخاء     وفيــك المحبة والملتقى

    وفيك تجمع شمل الرجال     وصرت بحق لهم منتدى

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم يوم أن أجبتم دعوة أخيكم في الله، السلام عليكم يوم أن اجتمعتم على ذكر الله وتقوى الله، والسلام عليكم يوم أن اجتمعتم في فرح من أفراح المؤمنين، باسمي وباسمكم جميعاً نحيي محاضرنا الكريم، ونسأل الله أن يجزل له المثوبة والأجر؛ لأنه تجشم الصعاب في سبيل تلبية طلبنا فنسأل الله الذي جمعنا وإياكم مع هذا المكان مع شيخنا أن يجمعنا قي مستقر رحمته.

    أيها الإخوة الكرام:

    فرحٌ بذكر الله يحيا، لأنه مفخرة ومنفعة وطاعة، وفرح بغير ذكر الله مقبرة بل مزبلة ومهزلة، فرح بلهو ومزمار ولعب ورقص وغناء مشأمة ومعصية، وفرحنا في هذه الليلة -بإذن الله- سيكون من نوع آخر، إنه فرح بذكر الله يوم ترقص القلوب طرباً بذكر الله تعالى، هذا هو فرحنا هذه الليلة، لا يسعني في هذه الليلة إلا أن أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك للزوج وزوجه، وأن يبارك عليهما ويجمع بينهما على خير، ويرزقهما الذرية الصالحة، ويجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.

    1.   

    ترجمة عائض بن عبد الله القرني

    الشيخ: عائض بن عبد الله القرني، ولد الشيخ عام 1379هـ، ولد في قرية آل سليمان في بلاد بلقرن، وتلقَّى تعليمه الابتدائي بقرية آل سليمان في بلاد بلقرن، ثم تلقى تعليمه الأساسي بمعهد الرياض العلمي، ثم تلقى تعليمه بالمرحلة الثانوية في معهد أبها العلمي، ثم التحق بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع أبها، ثم تخرج منها بالشهادة الجامعية وعين بها محاضراً، ثم حصل على شهادة الماجستير، وكان عنوان أُُطروحته العلمية رواية المبتدع في علم الحديث، والشيخ محدث وشاعر وأديب -كما تعلمون- بدأ زهرة شبابه بالدعوة إلى الله والتحصيل العلمي، والتضلع من الكتاب والسنة، ويكفيه بذلك نبلاً أنه تتلمذ على كتب شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، ومناقب الشيخ أكثر من أن تحصى، ونسأل الله أن يوفقه لما يحبه ويرضاه.

    1.   

    التذكير بالله في الأفراح

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وأقام علم الجهاد، ونشر العدل في البلاد، وهدى الله به العباد، وفتح الله به أفكار الإنسانية، وأنار به أفئدة البشرية، وزلزل الله به كيان الوثنية، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، ما فاحت الأزهار، وما تدهدهت الأنهار، وما هطلت الأمطار، ما تحركت الورق على الأشجار، وما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار.

    أمَّا بَعْد:

    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهنيئاً لكم بمجلس الذكر، غيركم إذا اجتمعوا على غناء وطبلٍ ورقصٍ، وأنتم اجتمعتم تسبحون وتذكرون الله كثيراً، الملائكة تحفكم، والسكينة تتنزل عليكم، والله يباهي بكم في عليائه، فهنيئاً لكم.

    أسأل الله أن يصرفني أنا وإياكم من هذا المكان وهو يقول لملائكته (انظروا لعبادي اجتمعوا على ذكري أشهدكم أني غفرت لهم، انصرفوا مغفور لكم).

    ثم أشكر لصاحب الدعوة، وأسأل الله أن يجعل زواجه مباركاً هنيئاً مريئاً، وأن يبني زواجه على خير وهدى، وأن يرزقه ذرية صالحة لاتشرك بالله أحداً، ذرية تعرف المسجد والمصحف، وذكر الله، ذرية تأكل الحلال وتتجنب الحرام، ذرية تجاهد في سبيل الله؛ لأن الله أخذ على نفسه أن من بدأ معه الطريق أن يثبته إلى النهاية، فمن كان زواجه على الخير، وعلى ذكر الله، وتقوى الله كان مستقبله إلى الخير حتى يلقى الله:أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].

    أفمن أسس زواجه على تقوى، وذكر، ودعوة، وعلى حب وإخاء خير ممن أسس زواجه على كبر، وكبرياء، وبطر، والله أعلم بالقلوب: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193].

    أما ما ذكره الشيخ علي بن عبد الخالق القرني من تقدمة فأبرأ إلى الله، وأعرف نفسي وأسأل الله أن يغفر لي ولكم ذنوبنا وخطايانا، وأن يسترنا وألاَّ يفضحنا على رءوس الأشهاد، وأسأله ألاَّ يؤاخذنا بتقصيرنا، فإنا والله نصبح مذنبين ونمسي مذنبين، حنانيك يا رب! إليك نشكو خطايانا وتقصيرنا.

    ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي     جعلت رجائى نحو عفوك سلما

    تعاظمني ذنبي فلما قرنته     بعفوك ربي كان عفوك أعظما

    لما جلسنا تحت هذه الخيمة في صلاة المغرب، تذكرت خيام الجنة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم يقول: (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً) والميل أكثر من الكيلو متر فما بالكم بخيام الجنة، الخيمة الواحدة ليست من شعر، ولا ذهب، ولا من خشب، أو جص أو حديد، الخيمة من لؤلؤة مجوفة، في طرف كل خيمة أهلون وأولاد، لا يرى بعضهم بعضاً أعدها الله عز وجل لمن أحسن الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، ووصل الأرحام، وصلى بالليل والناس نيام.

    أصغر أهل الجنة ملكاً من يملك عشرة أمثال ملك الدنيا، وهو آخر الناس دخولاً الجنة، يقول الله عز وجل: (تمن يا عبدي) وهذا الحديث في صحيح مسلم وأنا أقص لكم الحديث ثم أعود لموضوع المحاضرة.

    يقول عليه الصلاة والسلام: (آخر أهل الجنة دخولاً الجنة رجل ينجيه الله من النار بعد أن دخلها) وفيه دليل على أن بعض الناس ولو صلّى وصام وحج واعتمر، قد يدخل بذنوبه النار نعوذ بالله منها.

    رحماك يا رب! أجسادنا لا تقوى على النار، أجسادنا ضعيفة، وعظامنا هزيلة، لا نقوى عليها، فرحماك يا رب!

    لكن بعض الناس قد تكون ذنوبه كالجبال فلا تدركه الشفاعة فيتدهده في النار، وهو من عصاة الموحدين الذين لا يخلدون في النار (فيخرجه الله من النار وقبل أن يخرج، يقول: يارب! يا رب! يا رب! أخرجني من النار؛ قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، أي: حماؤها ونارها فيخرجه الله.

    قيقول الله له: يا بن آدم! أئذ أخرجتك أتسال غير ذلك؟

    قال: لا. والله يارب! أعاهدك ألا أسأل غير ذلك، فيخرجه الله من النار فيجعله في قنطرة بين الجنة والنار، فينظر إلى الجنة، قال: يا رب! قربني إلى الجنة، فيقول: فإذا قربتك إلى الجنة، قال: أعاهدك ألا أسأل غير ذلك، فيقربه الله من باب الجنة فينظر إلى أنهارها، وأشجارها، وثمارها، وقصورها) والقصر الواحد كالربابة البيضاء مثل السحابة يمشي في جو الجنة.

    الشجرة الواحدة يمشي فيها الراكب المجد على الفرس مائة عام لا يقطع ظلها، أما أنهارها فنهر من عسل مصفى، ونهر من لبن أبيض كالثلج، ونهر من ماء غير آسن، ونهر من خمر لذة للشاربين، قطوفها دانية، إذا جلست أتاك القطاف، وإذا اضطجعت على جنبك وصلك التمر إلى فمك، وإذا قمت يرتفع الغصن -لا إله إلا الله ما أعظم الجنة!- إذا اشتهى أهل الجنة الغناء والطرب، وهذا لمن حرم على سمعه الطرب في الدنيا، أرسل الله له ريحاً طيبة، فتهز أغصان أشجار الجنة فيجدون حلاوة الصوت، يقول ابن القيم رحمه الله لمن اشتغلوا بغناء وطرب ورقص الدنيا، وهذا الكلام موجه خصوصاً إلى من اشتغل قلبه بطرب أهل الدنيا ألا تريد طرب الجنة؟ فلم تشتهي طرب الدنيا؟!

    يقول:

    قال ابن عباس ويرسل ربنا     ريحاً تهز ذوائب الأغصان

    فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ     إنسان كالنغمات بالأوزان

    يا خيبة الآذان لا تتعوضي     بلذاذة الأوتار والعيدان

    ( فيخرج الله هذا الرجل؛ فإذا اقترب ورأى الجنة وما فيها، قال: يارب! أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تدخلني الجنة، فيضحك ربنا تبارك وتعالى ضحكاً يليق بجلاله، كما ورد في صحيح مسلم ثم يقول الله: يا بن آدم! ما أغدرك، ما أخونك! تقول: لا تسأل وسألتني، أدخلوه الجنة، فيدخل الجنة فإذا رأى ما فيها من قصور ونعيم ودور وملك كبير، الله أعلم بذاك الملك، دار لا يمرض صاحبها، ولا يفنى شبابه، ولا تبلى ثيابه، ولا يذهب حسنه وجماله، دار ليس فيها هم ولا غم، ولا حسد أو حقد، أو دين أو مرض أو خوف ولا جوع، لا يبولون ولا يمتخطون، وجوههم كالقمر ليلة أربعة عشر، أعمارهم ثلاثاً وثلاثين سنة، الرجال والنساء

    فيقول الله: تمنَّ يا عبدي! فيتمنى من القصور مئات القصور، ومئات الأشجار والأنهار، والبساتين، فيقول الله: لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، قال أبو سعيد: خمس مرات، قال أبو هريرة: والذي لا إله إلا هو لقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: عشر مرات، وصدق: مثل ملك الدنيا عشر مرات، فيقول العبد: -والحديث في صحيح مسلم - يقول: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟! قال: لا. وعدي الحق، وقولي الحق) فنسأل الله أن ينجينا وإياكم بكلمة التوحيد، لأنه ليس عندنا عمل، ولا حسنات وكلنا أهل سيئات ومقصرون، فنشكو حالنا إلى الله.

    لما أتت الوفاة عمرو بن العاص وهو في سكرات الموات، فقال: لا قوي فأنتصر، ولا معذور فأعتذر، وليس عندي إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    أحد الصحابة توفي ويديه مضمومة، وأخذوا يغسلونه ففتحوا أصابعه فعادت، ثم أدخلوه الكفن وفتحوا أصابعه فعادت، ثم حاولوا فتح أصابعه عند القبر فعادت فدخل القبر بلا إله إلا الله محمد رسول الله.

    والمقصود بهذا الكلام أن نستعد للقاء الله بالأعمال الصالحة، وأن ننظر إلى نعم الله كيف أنعم الله علينا، قبل عشرين أو ثلاثين سنة كانت أحوالنا صعبة وشديدة، ويخبرنا كبار السن كيف الفارق بين تلك الأيام التي كانوا فيها في رعب وجوع ومشقة، وبين هذه الأيام التي أنعم الله علينا نعم ظاهرة وباطنة، أتتنا نعم الدنيا من كل مكان: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34] أما سترنا الله؟ أما أمننا؟ أما أشبعنا؟ أما أروانا؟ فما جزاء هذه النعمة؟ جزاؤها أن نستخدمها في طاعة الله.

    يقول الله عن بعض القرى التي أعرضت عن منهجه:وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112].

    بعض الناس وجد في زواج من الزواجات أنه ذبح ما يقارب من خمسين خروفاً رياء وسمعة ثم إنه ما وجد من الناس من يأكلها، ثم حملها في القلابات ووضعها في الزبالة، وطلب هذا الرجل -وكان تاجراً من التجار- أن يبني مسجداً، قال: لا أستطيع، قلنا: سبحان الله! تستطيع لهذه الأمور التي لا ترضي الله، أما أن تبني مسجداً؛ فيبني الله لك بيتاً في الجنة فتأبى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الحديث القدسي: (يا بن آدم! عجباً لك! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد).

    يذكر أن رجلاً من بني إسرائيل، قال: يارب! أريد أن أعبدك عبادة ما عبدك بها أحداً من الناس إلا الأنبياء؛ فأمره الله أن يخرج إلى جزيرة من الجزر في وسط البحر، فأتى هذا الرجل المسكين العابد فخرج إلى جزيرة وحده لا زوجة ولا ولد ولا أهل ولا قبيلة يعبد الله خمسمائة سنة، فأنبت الله له شجرة من رمّان، وكان إذا اشتهى الأكل قطف الرمانة وأكلها، وصلى وعبد الله وذكره وسبحه وتأمل في مخلوقاته، فلما عبد الله خمسمائة سنة توفاه الله وليس له ذنوب، ما أكل مال أحد، ولا اغتاب أحد، ولا أكل الربا، ولا استمع الغناء، ولا زنى، ولا شهد شهادة الزور، فلما قبض الله روحه قال: ياعبدي! أتريد أن تدخل الجنة بعملك أم برحمتي؟

    قال: أريد أن أدخل الجنة بعملي؛ لأنه توهم أن عبادة خمسمائة سنة تخوله وتؤهله لدخول الجنة.

    قال الله: تريد الجنة بعملك أم برحمتي؟

    قال: بعملي يا رب.

    قال الله: نحاسبك بقدر النعم التي أعطيناك وبقدر عبادتك التي عبدتنا إياها، فتقدمت الملائكة بالميزان يحاسبونه فنشروا له الصحف، وعدّوا نعم الله عليه وعبادته، فوجدوا عبادته جميعاً لا تعدل إلا نعمة البصر، وبقية نعمة القلب والسمع والحياة، والتنفس والعقل، والهداية وغيرها، قال الله: خذوه إلى النار.

    قال: يا رب! أسألك أن تدخلني الجنة برحمتك.

    قال: أدخلوه الجنة.

    إذاً مهما فعلنا، ومهما صلينا وصمنا وذكرنا الله، والله إننا مقصرون إلى أبعد نهاية، لكن أملنا في الواحد الأحد أن يغفر لنا الذنوب والخطايا.

    وأنا أريد أن أعرض لكم بشرى من محمد عليه الصلاة والسلام، وأريد منا جميعاً أن نتذكر هذا الحديث كلما أدركنا اليأس أو القنوط من رحمة الله عز وجل.

    يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي: (يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك ولا أبالي. يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة) فنسأل الله أن يغفر لنا ولكم.

    عنوان هذه المحاضرة (الزواج الناجح) لأن في الحياة زواج فاشل وزواج ناجح..

    أما الزواج الفاشل فلا أتحدث عنه فإنه يعرف إذا بينتُ الزواج الناجح؛ لأن الزواج الناجح هو الذي ركب على تقوى الله، وعلى الخوف من الله، ويبدأ أولاً باختيار الزوجة الصالحة، وباختيار الزوج الذي يتقدم إلى هذه المرأة؛ لأنه اجتماع بكلمة الله الواحد الأحد: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21].

    فهي من آيات الله الواحد الأحد، يأتي بهذه المرأة الغريبة إلى هذا الرجل الغريب، فيعيشون حياة ويرزقون ذرية، فتكون المرأة أحب إليه من بعض أخواته وقريباته، ويكون هذا الرجل أحب إلى هذه المرأة من كثير من إخوانها وأقاربها وخالاتها وعماتها.

    فسبحان الله! مقلب القلوب، وسبحان الذي يجمع بين القلبين.

    ولكن ما الفرق بين الزواج؟ لأن الزواج فطرة بين الأمم، المسلم يتزوج، واليهودي يتزوج، والنصراني يتزوج، والشيوعي يتزوج، ولكن ما الفرق بين زواج المسلم وزواج الكافر أو الفاسق أو العاصي؟

    المسلم أولاً: يبحث عن ذات الدين، يقول عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).

    اليهود يتزوجون من أجل المال، فهم لا يبحثون إلا عن المرأة التي عندها مال؛ فإذا وجدها تزوجها، الأعاجم أهل فارس إذا بحثوا يبحثون عن المرأة ذات الجمال.

    الروم يبحثون عن الحسب أو العرف في الجاهلية.

    أما المسلمون: فيذهبون ويبحثون عن صاحبة الدين، لأن الدين كل شيء في الحياة، وصاحب الدين التقي قريب من الله، قريب من عباد الله، والفاجر عدو لله، قد قطع الحبل بينه وبين الله.

    كيف تجعله صهراً لك وقد قطع الخطوط بينه وبين الله، قد أعلن محاربة الله؟

    أما الرجل الذي يتقدم فاحرص على أن يكون خائفاً من الله، قيل للحسن البصري قال له أحد الناس: من ترى أن أزوج ابنتي؟

    قال: زوجها من يخاف الله؛ فإنه إن رضيها أمسكها بمعروف، وإن كرهها فارقها بإحسان، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: كما عند الترمذي بسند صحيح: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

    من هو صاحب الدين؟

    إنه صاحب المسجد الذي يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا يدع صلاة الفجر، الذي يأتي إلى بيت الله متوضئاً صادقاً.

    في الترمذي بسند فيه كلام، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) نشهد لمن شهد له صلى الله عليه وسلم أنه إذا اعتاد المسجد خمس مرات في اليوم والليلة نشهد له بالإيمان في الدنيا وفي الآخرة وأنه من أولياء الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في أرضه) إذا ماتت الجنازة استشهد عليها الملائكة، وفي يوم الآخر استشهد عباده الصالحين.

    مرت بالرسول عليه الصلاة والسلام جنازتان؛ أما الأولى فكانت من أهل الخير، كان صاحبها يصلي في المسجد، وكان صادقاً مع الله متصدقاً، ذاكراً لله، عابداً من عباد الله، ولياً من أوليائه، فقال الناس: رحمك الله يا فلان! غفر الله لك يا فلان! أسكنك الله فسيح الجنات، كنت كذا وكذا؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (وجبت وجبت وجبت) ومروا بالجنازة الأخرى وكان صاحبها فاسقاً؛ لا يعرف بيت الله، ولا يعرف المسجد، معانداً لله، وعدواً له، وبعيداً منه، قطع الحبل بينه وبين الله، فهو يعيش لكن لبطنه وفرجه، فهو من جنس الدواب والبهائم أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِـلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ويقول الله تعالى:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ [الأعراف:179].

    ذرأنا: أي: خلقنا؛ لكن خلقهم لجهنم، يقول موسى عليه السلام: (يا رب! كيف خلقت قوم من عبادك للنار وخلقت قوم للجنة؟

    قال: يا موسى! ازرع زرعاً في الأرض؟ فزرع موسى، فقال: احصد الزرع؟ فحصده، فأبقى بقية هذا العلف والجذور - وهذه من قصص بني إسرائيل التي رويتْ عن موسى - قال الله: خذ هذا يا موسى؟ قال: هذا يارب لا خير فيه، قال: يا موسى! وكذلك من تركت للنار لا خير فيهم ) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

    فلذلك كان على المسلم دائماً أن يراقب الله عزوجل، فلما مرت هذه الجنازة الشريرة التي قطع صاحبها الحبل الذي بينه وبين الله، قالوا: أراحنا الله منك يا فلان! الحمد لله الذي قبض روحه، كان شريراً، سيئ الغيرة، قطوعاً لأرحامه، عاقاً لوالديه، قال عليه الصلاة والسلام: وجبت، فقالوا: يا رسول الله! ما وجبت في الأولى وما وجبت في الثانية؟ قال: (الأولى شهدتم لها بالخير، فقلت: وجبت لها الجنة، والثانية شهدتم لها بالشر، فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143] فنسأل الله أن نكون ممن شهد له المسلمون بالخير، فإن الإنسان يُعرف بعمله، وبصلاته، وبصلاحه، وبصدقه، وبغيرته، وبصلته للأرحام، وببره للوالدين، فأول ما تبحث عنه من الرجال الذي يخاف الله عزوجل، فوالله لا يقدر حميلتك ولا كريمتك ولا ابنتك ولا أختك إلا من يخاف الله، والله لا يرفع قدرها ولا يحافظ عليها إلا من يخاف الله.

    قال أحد الصالحين لابنه: يا بني! لا تصاحب ثلاثة: قال من هم يا أبتاه؟

    قال: لا تصاحب الفاجر؛ لأن الفاجر ملعون في السماء، ملعون في الأرض، فكيف تصاحب الملعون؟!

    ولا تصاحب عاق الوالدين؛ لأن عقوق الوالدين يدخل معه قبره، ولا تصاحب الكذاب لأن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب، فأول ما نبحث عنهم من الرجال الذين يخافون الله.

    1.   

    تيسير أمور الزواج

    وهنا أوصي إخواني وآبائي بمسألة مهمة وهي: ألا تتأخر المرأة إذا حان زواجها، فالمرأة كالثمرة إذا حان قطافها وتأخرت عن حان القطاف فسدت، وكذلك الرجل، (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) ولا تتأخروا إذا وجدتم الكفء للمرأة الصالحة فلا تتأخروا، فإن أقواماً أخروا زواج بناتهم فكسبوا إثماً من الله الواحد الأحد، وهؤلاء أحد رجلين: إما جاهل لا يعرف الشريعة ولا يعرف أمر الله، وإما رجل طماع يبيع ابنته كما تباع الدابة أو الأرضية أو السيارة.

    يحدثنا أحد العلماء في الرياض يقول: حضرنا إلى باب المستشفيات فوجدنا رجلاً مع ابنته وهي في مرضها، وعمرها أربعين سنة لم تتزوج، كلما تقدم لها رجل رفض أبوها، يقول: كان من أطمع الناس، صاحب دنيا لكن لم تنفعه دنياه، عنده من الدور ومكاتب العقارات والسيارات والمعارض، لكنه معروف بين الناس أنه إذا زوج ابنته لا يزوجها إلا بمئات الألوف، فكلما تقدم لها شاب رفض تزويجها؛ لأن الذين تقدموا إليها شباب فقراء، وأكثر الناس أحوالهم لا تمكنهم من دفع المهور الغالية، فكلما تقدم له رجل صالح سأل عن وظيفته؟ وسياراته؟ ومرتباته؟ فإذا أخبره بأنه دون ذلك تركه، حتى وصلت إلى سن الأربعين، ثم أصابها مرض عضال، ونقلت إلى المستشفى، فلما حضرتها سكرات الموت، وهو الانتقال إلى الواحد الأحد الذي يحكم بين الخصمين ولا حاكم إلا هو، والذي ينصف المظلوم من الظالم، فلما حضرتها سكرات الموت قالت: ياأبتاه! اقترب، فاقترب منها، فقالت: قل آمين، فقال: آمين، فقالت: قل آمين فقال: آمين. -والله لقد حدثنا بها شيخ من الشيوخ الذين تقبل شهادتهم- فقالت: قل آمين، ثالث مرة، قالت: أحرمك الله الجنة كما أحرمتني لذة الزواج.

    أربعين سنة تقف المرأة في بيت أبيها ماذا تنتظر؟!

    ثم يأتي يرد هذا ويرد هذا من أجل أن تباع ابنته كما تباع الدابة، أهذا في الإسلام؟! كان السلف الصالح الواحد منهم يأخذ درهمين، أو ثلاثة، أو أربعة، ثم يمتع ابنته، وبعضهم يبني لابنته بيتاً ويسلم ابنته لزوجها مكرمة مهذبة معلمة، ثم يشكر الله أن رزقها زوجاً صالحاً؛ لأن المحرم أمرها صعب، وجود البنت في البيت صعب، الجاهليون في الجاهلية يأخذ أحدهم ابنته فيدفنها وهي حية؛ خوف العار، فلما أتى الإسلام كرمها بالزوج، وحفظها ورعاها وسترها، ثم قام بالقوامة عليها، ولهذا كيف يشترط الإنسان مهراً غالياً مع هذه التكاليف؟

    صورة من حياة السلف الصالح في تيسير الزواج

    سعيد بن المسيب أحد الصالحين من علماء السلف الصالح، كان من علماء الدنيا بل هو عالم الدنيا في عصره، كان عنده ابنة حفظها كتاب الله فحفظت كتاب الله كله، كانت مفتية مثل سعيد بن المسيب، ومن أجمل النساء، تقدم لها ولي خليفة المسلمين الوليد بن عبد الملك يخطبها فرفض سعيد بن المسيب، قال: أعطيك نصف الملك، قال: والله لو تعطيني الدنيا وما فيها، الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وتعطيني نصف جناح بعوضة! قال: ولم قال: إذا سلمت ابنتي لك أسمعتها الغناء والمعازف ونسيت كتاب الله.

    إن حياة أمراء بني أمية وبني العباس معروفة، لهذا رفض ذلك، فلما أتى فقير من تلاميذه لا يملك إلا درهمين، قال له سعيد بن المسيب أين تأخرت يا فلان؟ قال: كنت عند زوجتي أمرضها، مرضتها ثم ماتت فجهزتها ودفنتها وأتيت، قال: هل لك من زوجة؟ قال: لا. قال: هل عندك مال تتزوج به؟ قال: والله ما عندي إلا درهمين، قال: فآتي بالدرهمين، فقال له: أترضى أن أكون صهراً لك؟ فانذهل ولم يصدق، كيف يصاهر سعيد بن المسيب عالم الدنيا، قال: هات الدرهمين، فأخذها وكتب له عقد وسلمها له بعد مغرب تلك الليلة، ولم تكن وليمتهم إلا شيئاً من خبز الشعير، وشيئاً من الزبيب، قال: فلما دخلت عليها وجدتها حافظة لكتاب الله تعالى، عالمة فقيهة محدثة، تقوم الليل وتصوم النهار، فهذا هو تقوى علماء أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

    الرسول عليه الصلاة والسلام زوج فاطمة فانظروا إلى مراسيم الزواج، ومن هي فاطمة؟ يقول محمد إقبال شاعر باكستان:

    هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟     من ذا يساوي في الأنام علاها

    أما أبوها فهو أشرف مرسل     جبريل بالتوحيد قد رباها

    و علي زوج لا تسل عنه سوى     سيف غدا بيمينه تياها

    أبوها محمد صلى الله عليه وسلم، وابنها: الحسن والحسين، زوجها: علي، فما هو مهرها؟ وكيف زفت من بيت أبيها إلى بيت زوجها؟ انظروا إلى مراسيم العرس:

    يقول علي: أردت أن أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزواج من فاطمة -الإمام المرتضى أبو الحسن الذي يضرب رءوس الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر كضرب الصرام أو كضرب رءوس الشعير، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: فلما دخلت البيت أردت أن أحدثه بالزواج من فاطمة، فنظرت إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم فأصاب وجهي الخجل والحياء والرهبة، فما استطعت أن أتكلم بكلمة، مع من يتكلم؟ مع سيد الخلق، شفيع الناس، وجهه كان كالقمر ليلة أربعة عشر، إذا رآه الشخص أخذ يرتعش كأنه أصابته حمى، كما جاء أن أحدهم دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رأى وجه الرسول، ورأى هيبته أخذ ينتفض ويرتعش، قال صلى الله عليه وسلم: {هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة} يقول صلى الله عليه وسلم: إن أمي كانت تأكل القديد بـمكة، القديد: اللحم المشوي الذي يشوى في الملح ويعلق بالحبال، كأنه يقول: إن أمي كانت فقيرة وأنا فقير، أنا لست من السماء، وهو أشرف من ملائكة السماء، لكنه تواضع، ونحن نقول: صدقت أنت ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة لكنك حولت العالم، وابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة لكنك أنت من فتح من السند إلى الهند إلى أسبانيا بلا إله إلا الله، ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة لكن دعوتك سارت في أنحاء المعمورة، وأنت شفيع الناس يوم القيامة، قال علي: فلما أتى بي من الخجل والهيبة والحياء مالا يعلمه إلا الله سكت، فتبسم عليه الصلاة والسلام.

    لها أحاديث من ذكراك تشغلها     عن الشراب وتلهيها عن الزاد

    إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] قال يا علي: كأنك تريد فاطمة قلت: نعم يا رسول الله! قال عندك مال -وهو يدري أنه ليس عنده شيء- علي بن أبي طالب الذي ضرب رءوس الجبابرة أبوه شيخ الأباطح ليس عنده من الدنيا شيء! كان ينام على صوف الخروف، ينام عليه في الليل ويلتحف به بالنهار، قال له صلى الله عليه وسلم: أعندك مال؟ قال: ليس عندي شيء يا رسول الله! قال: تذكر، قال: والله ليس عندي درهم ولا دينار ولا تمرة، أو حبة، أو زبيبة أبداً، قال: تذكر هل عندك شيء من السلاح، قال: عندي درع لا تساوي درهمين ألبسه في المعركة قال: هاته، فذهب وهو خجول رضي الله عنه وانتزعه من بيته، وأتى به ووضعه عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا مهر فاطمة، فقال صلى الله عليه وسلم: قد قبلت، قال: وهل قبلت يا علي؟ قال: قبلت، قال صلى الله عليه وسلم: وفاطمة زوجة لك، فذهب بها إلى البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: اصنع مأدبة عشاء. قال: ليس عندي شيء يا رسول الله، قال: اذهبوا إلى بيوت أمهات المؤمنين، وكان عنده صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، وكان كل امرأة في غرفة صغيرة إذا نام صلى الله عليه وسلم وصل رأسه طرف الغرفة ورجلاه في الطرف الآخر، فقال: اذهبوا والتمسوا شيئاً، فذهبوا إلى أم سلمة ووجدوا عندها بعض أقراص الخبز، ثم ذهبوا إلى عائشة فقالت: لا. والله ما عندنا شيء، ثم ذهبوا إلى زينب فقالت: ووجدوا عندها شيئاً من الزبيب، ثم ذهبوا إلى امرأة أخرى، وكان معها شيء من لبن، فلما جمعوا من هذه الأشياء البسيطة، قال صلى الله عليه وسلم: هاتوا لأدعو عليه بالبركة، لأنه مبارك عليه الصلاة والسلام، ينفث على الطعام فيزيده الله، نفث على الشراب الذي لا يملأ كأساً فكفى ثمانمائة مقاتل، فتوضئوا، واغتسلوا، وسقوا خيولهم وغنمهم وبقرهم وإبلهم.

    بيان بركة النبي صلى الله عليه وسلم

    يقول جابر: رأيته صلى الله عليه وسلم وهو يحفر خندق المدينة، يطوقه ضد اليهود والمشركين حتى لا يقتحموا المدينة، قال: فأتيته فإذا به من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، قال: فلما رأيت الجوع بوجهه، أتيت إلى زوجتي، وقلت لزوجتي: أعندك شيء من طعام؟ قالت: عندنا عناق -ولد الماعز- ومد من شعير، قلت: اطحني الشعير وأنا أذبح هذا العناق، وأسلخها وأضعها في القدر على البرمة، وطحنت الشعير، وأقامت منه طعاماً، وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يحفر ومعه ما يقارب من سبعمائة مقاتل، كلهم جياع، فوقع على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أريدك بكلمة، قال: ماذا تريد؟ قال: تعال أنت واثنان معك أو ثلاثة، قال: فقام صلى الله عليه وسلم فوضع المسحاة من يده، وقال: يا أهل الخندق! إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحيهلا بكم.

    قال جابر: فأخذني من الخجل ما قرب وما بعد، أريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان فقط وأتى بسبعمائة، قال: فمضيت وأنا لا أدري ماذا أفعل، قلت: لعله لم يسمعني، أو لم يفهمني صلى الله عليه وسلم، قال: فسبقت إلى زوجتي، وقلت: الويل لك، قالت: وماذاك؟ قال: قلت للرسول صلى الله عليه وسلم يأتيني باثنين أو ثلاثة، فصاح بأهل الخندق كلهم فأقبلوا، قالت: -وكانت عاقلة- الله ورسوله أعلم.

    فأتى صلى الله عليه وسلم، والتفت جابر وإذا بالصحابة مئة بعد مئة، مئة بعد مئة، مئة بعد مئة، فتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدري أن قلب جابر أخذ يحترق، فقال: يا جابر! لا تنزل الطعام عن البرمة، ولا تنزل اللحم من القدر، اتركها في برمتها، قال: سمعاً وطاعة يا رسول الله! ثم أتى عليه الصلاة والسلام إلى القدر، وفيه اللحم فبصق عليه، وبصاقه بركة، فقال: بسم الله اللهم بارك! بسم الله اللهم بارك! باسم الله اللهم بارك! ثم أتى إلى هذه البرمة، فدعا بالبركة، ثم قال: يا جابر أدخل الناس عشرة عشرة، فدخل عشرة فأكلوا وقاموا، ثم عشرة ثم عشرة ثم عشرة.. حتى أكل جميعهم -السبعمائة- فلما قاموا وانتهوا بقي الرسول صلى الله عليه وسلم وجابر فأكلا، قال جابر: والله لقد تقدمت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بحالها ما نقص منها لقمة، فأخذ عليه الصلاة والسلام يتبسم ويقول لـجابر وهو ينظر إليه: أشهد أني رسول الله -وأنا أقول: أشهد أنك رسول الله، وأنك صادق أمين، مبارك، وأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة.

    الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في طعام علي وفاطمة فكفى الناس بإذن الله، وأتى علي وفاطمة ينشئون بيتاً جديداً على ذكر الله.

    وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي وسط الليل ويذهب إلى علي وفاطمة لأن غرفتهما قريبة من غرفته، فيوقظهم لصلاة الليل، جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام: قام وطرق على باب علي، وقال: ألا تصليان؟ ثم عاد صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل، فما سمع فتح الباب؛ لأن الذي يقوم من الليل يفتح الباب ويتوضأ فلم يسمع فتح الباب، فعاد صلى الله عليه وسلم فضرب الباب، فقال: ألا تصليان؟ فقام علي يعرك النوم من عينيه، ويقول: إنما نفوسنا بيد الله إن شاء قبضها وإن شاء أرسلها، فأخذ صلى الله عليه وسلم يضرب على فخذه ويقول: وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف:54].

    أتت فاطمة إليه، وقالت: يا رسول الله! طحنت بالرحى حتى تشققت يدي، وكنست البيت حتى اتسخت ثيابي، وحملت الماء حتى لوي ظهري، فهل لي من خادمة تخدمني من السبي؟ فأتى إليهما، وقال: ألا أدلكما على خير من خادم وخادمة؟! قالا: بلى. يا رسول الله! فقال: سبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وأحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرا الله أربعاً وثلاثين، فذلك خير لكما من خادم وخادمة.

    الأمر الثاني: على المسلم ألا يكلف رحمه وصهره من الدنيا إلا قدر طاقته:لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

    كيف يشق الإنسان على صهره ورحيمه فيطلب منه المهر ما يكلف عليه، فيستدين فيضطر إلى الدين، ويأخذ أموال الناس وتدخل ابنتك عليه وقد أصبح فقيراً، يبيع بعض أملاكه.

    والله لقد سمعت أن بعضهم يقول: لقد كلفني الزواج ما يقارب مائتي ألف، ويبقى مديناً، ويظل يقضي دينه ما يقارب من ست أو سبع سنوات، وتبقى هي فقيرة في بيت هذا الفقير، هذا ليس من الأخلاق، وأين الرفق والرحمة؟

    ما دام ربطك الله بهذا الرجل معناه: أن الله اختاره لك واختارك إليه، الدنيا تذهب وكذلك المال والذهب والفضة، ولا يبقى إلا تقوى الله عز وجل.

    الثالث: ينبغي ألا يغال في الزواجات، ولا يسرف فيها، ولا يكون رياءً وسمعة؛ لأنه وجد من الزواجات أن يجمع لها الشعراء ثم يعطوهم الأموال الطائلة مقابل أشعارهم، وهذا حرام، من سلم ماله للشاعر سواء كان المتزوج أو أبو البنت أو قرابة المتزوج أو قرابة أبو البنت.

    حرام أن يعطوا أموالهم لهؤلاء الشعراء لأنهم لا يتقون الله ولا يرضونه، والشعراء ليس همهم إلا مدح هذه القبيلة وسب تلك القبيلة، وهذا الصرف حرام، ولايجوز، وقد أفتى العلماء فيه مراراً وتكراراً في فتاوى شفوية ومكتوبة، وهؤلاء الشعراء الذين يأخذون هذه الأموال لا يجوز لهم أكل أموال الناس بالباطل، كيف يأخذه؟ هل فعل خيراً؟ هل قدم شيئاً لهذه الأمة؟

    ما هي النتيجة والثمرة التي قدمها للناس؟ فقط أنه يمدح هذه القبيلة، وأنهم فعلوا وأنهم انتصروا، كلها حروب جاهلية، مسلم على مسلم، وقبيلة مسلمة على قبيلة مسلمة، أو يتكلم في النساء وقد سمعنا من الشعراء من يتغزل بنساء الناس في الحفل، واستقدام هؤلاء الشعراء محرم ولا ينبغي للمسلم أن يعطيهم أجرة، وإذا غلب في ذلك فليأتِ الشاعر وليس له إلا التراب، يتكلم بما شاء من القصائد، فإذا طلب منا أجرة قلنا له هذا الجبل خذ منه ما تشاء، وليس له شيء، وكذلك أخذ المغنين والمغنيات وهذا موجود في المدن، لكن نخشى أن تصل هذه إلى القرى، أو تتدهور القرى حتى تصل مثل بعض المدن، تأتي بمغنية أو بمغني وهؤلاء المغنين أو المغنيات والمطبلين والمطبلات، الأحياء منهم والأموات، فعلهم يغضب رب الأرض والسماوات، ولا يجوز أبداً.

    1.   

    حكم الدف في الأفراح للنساء

    يجوز للنساء في الحفل أو الأعراس أن يجتمعن وعندهن دف وهن وحدهن، فيرقصن وينشدن: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] بعضهم يحملهم على حب السنة والشريعة إلى أن يخرج من السنة، يخرج من السقف أو من العرصة، لكن الوسط هو المطلوب، النساء في الإسلام يجوز لهن في العرس أن يجتمعن على دف فينشدن ويرقصن ويغنين بشرط ألا يكن معهن أجانب من الرجال، ولا يكن معهن مغنيات، أو أشرطة غناء لمغنين ماجنين، لكن يرقصن ويغنين وحدهن فإنه لا بأس بذلك، يقول عليه الصلاة والسلام: (أعلنوا النكاح واضربوا بالدف) ويقول لـعائشة: (هل معكن شيء من اللهو؛ فإن الأنصار يعجبهم اللهو) فلا بأس باجتماع النساء بمجلس خاص؛ لأنه فرح وليس عزاء، وكذلك لا بأس إذا اجتمع الرجال في مجلس أن ينشدوا الأشعار، يأتي الكبار منهم، ويتحدثون بالشعر حتى من شعر القبائل، ولا بأس أن يذكروا فكاهات بشرط ألا يكون فيها غيبة ولا كذب، أو يستدعى بعض طلبة العلم أو الدعاة، فيتكلمون في هذا المجلس ويعرضون الناس، لأن بعض الناس يقول: ما تنبغي المحاضرات في الزواج، والناس لابد أن يتحدثوا بحق أو بباطل، وإذا ما ذكروا الله ذكروا الشيطان، وإذا ما سبحوا الله ذكروا إبليس -والعياذ بالله- واغتابوا ونموا واستهزءوا، فشغل حفلات الزواج بذكر الله من أحسن ما يكون.

    كذلك ينبغي على الرحم أن يقدر رحمه، ويحترمه، وأن يدعوه إلى تقوى الله عز وجل إذا رأى خللاً منه لابد أن يقوم البيت على منهج الله بالتي هي أحسن:ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فهذه هي الدعوة المطلوبة أن تكون مباركاً أينما كنت، وتؤثر في بيوت أصهارك بالكتاب الإسلامي، وبالكلمة الإسلامية، وبالشريط الإسلامي، علَّ الله أن يهديهم بك.

    1.   

    مواصفات المرأة المسلمة

    بعض الناس يقول: أنا لا أتزوج إلا من بيت يصلون الليل، ويصومون النهار، ولا ينظرون، ولا يغتابون، وهؤلاء ليسوا موجودين في الدنيا، وإنما هذه من صفات الملائكة، أما نحن بشر نصيب ونخطأ، ونعصي الله ونستغفر، أما الشروط هذه بأنهم يفعلون كذا وكذا فهذه ليست من الشروط، فالرسول صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة بنت يهودي، فدلها على طريق الاستقامة، وعلى الهداية، فهداها الله عز وجل، وتزوج بنات المشركين فهداهم الله على يده.

    إذاً بعض الشروط التي يزيدها بعض الناس ليست بصحيحة، لكن الشروط الصحيحة أن يكونوا محافظين على الصلوات الخمس، ويجتنبون الحرام، وليس عندهم اختلاط ولا تبرج، فمثل هذه الأمور هي التي ترضي الله عز وجل، وهي التي مطلوب منا أن نتواصى بها.

    ثم من الأمور التي يجب أن ننبه عليها: أن على الرجل أن يحسن عشرة زوجته، ويتق الله فيها، وأن يقيمها على منهج الله عز وجل، ويدلها علىطريق الجنة، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ويقول: (إنهن عوان عندكم - أي أسيرات - فالله الله في النساء). وعلى المرأة أن تحترم زوجها، فتطيعه في طاعة الله، وتحفظه بالغيب، ولا تجلس أحداً على فراشه، ولا تدخل الأجانب في غيبته، ولا تتطلع على عورات المسلمين، ولا تعرض عرضها للناظرين - والعياذ بالله - فإن من تفعل ذلك فإنها ناقصة عقل ودين، وقد سلب الإيمان من قلبها، وأهم وصف للمرأة أنها:حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31].

    حور حرائر ما هممن بريـبة     كضباء مكة صيدهن حرام

    يحسبن من لين الكلام روانياً     ويصدهنَّ عن الخنا الإسلام

    1.   

    حقوق الزوج على المرأة

    فهذا وصف المرأة المسلمة، ومن حقوق الرجل عليها أن تقتصد في النفقة، لأن بعض النساء مبذرة ومسرفة، تعدم مال زوجها وما يدخله عليها، فتعدمه بالملابس والأثاث، والأكل والشرب؛ والمطعومات والمفروشات؛ فهذه ناقصة عقل ودين، أما حافظة المال فإنها من الحافظات بالغيب بما حفظ الله.

    صحيح أن لها أن تأخذ من مال زوجها ولو لم يعلم، ولو بغير علمه، لكن بالمعروف. قالت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان:يا رسول الله! أبو سفيان رجل شحيح -بخيل- لا يعطيني وأولادي، فهل آخذ من ماله شيئاً؟ قال صلى الله عليه وسلم: (خذي من ماله وبنيك بالمعروف) أي: ما يكفيك وأولادك.

    ومن حقوق الزوج: أن تقوم على خدمته بالمعروف، بالطبخ، والغسيل، وخدمة البيت؛ لأن انتشار الخادمات لا يبشر بالخير، واشتراط أبو البنت خادمة لابنته أو سائقاً -وهذا موجود في المدن كثيراً- منهي عنه، وليس من المعروف؛ لأن استقدام الخادمات وخاصة غير المسلمات لغير ضرورة ليس من الشرط، لكن يجوز استقدامهن بثلاثة شروط:

    1- أن تكون مسـلمة، فلا يجوز استخدام يهودية أو نصرانية أو شيوعية أو بوذية أو هندوسية.

    2- أن تكون لضرورة في البيت، كأن تكون المرأة مريضة أو عندها عمل.

    3- ألا يراها الزوج ولا يراها الأجانب وتكون في غرفة خاصة.

    هذا هو المطلوب من المرأة، وهو أن تقوم بخدمة زوجها.

    1.   

    حقوق الزوجة على زوجها

    ومن حقوقها عليه -كما قلت-: إحسان العشرة، والنفقة، وأن يحفظها -كذلك- بالغيب، وأن يبر أهلها، وألا يحرمها زيارة أبيها وأمها، وهذا هو المطلوب، والذي نريد أن نقوله لكم: أيها الناس! اعلموا أن هذه الحياة بزواجها وأكلها وشربها، وسياراتها ومناصبها ما هي إلا مرحلة كالحلم والنوم حتى نلقى الله عزوجل:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71] هذه الحياة حياة هم، وغم، وحزن، ومرض، وفقر، لا يشفى مريضها، ولا يهنئ شابها، ولا يهدأ غنيها:

    يا متعب الجسم كم تسعى لراحـته     أتعبت جسمك فيما فيه خسران

    أقبل على الروح واستكمل فضائلها     فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

    يا عامراً لخراب الدار مجتــهداً     بالله هل لخراب الدار عمران

    إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُون [الأنبياء:101-103].

    الاستعداد ليوم المعاد

    فيا إخوتي في الله شيوخاً وشباباً، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً! اعلموا أنكم عما قريب قادمون علىالله، لقد تزوج آباؤنا وأجدادنا، ثم ذهبوا ووسدوا التراب، وفارقوا الأصحاب، وتركوا الأحباب، وجردوا عن الثياب، كأنهم ما أكلوا مع من أكل، ولا شربوا مع من شرب، ولا تزوجوا مع من تزوج، ولا كأنهم تمتعوا.

    والله لقد ذهبوا مرتهنون بأعمالهم: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94]

    لا دار للمرء بعد الموت يسكنها     إلا التي كان قبل الموت بانيها

    فإن بناها بخير طاب مسـكنه     وإن بناها بشر خاب بانيـها

    أمـوالنا لذوي الميراث نجمعها     ودورنا لخراب الدهر نبنيها

    فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها     الجار أحمد والرحمن بانيها

    قصورها ذهب والمسك طينتها     والزعفران حشيش نابت فيها

    عاش نوح عليه السلام ألف سنة، فلما أتته سكرات الموت، قال الله له: كيف وجدت الحياة؟ -والله أدرى وأعلم- قال: وجدت الحياة كبيت له بابان، دخلت من هذا الباب وخرجت من هذا الباب.

    آدم عبد الله ألف سنة في الجنة ثم أكل من الشجرة بعد أن نهاه الله عنها فعصى ربه، فأنزله الله من الجنة فبكى، أول ما نزل من الجنة على جبل في الهند فبكى ثلاثمائة سنة، ثم قال الله له: يا آدم! ما لك؟ قال: يارب! عبدتك ما يقارب ألف سنة، فلما عصيتك بأكل شجرة أنزلتني وأهبطتني من الجنة.

    قال الله: يا آدم! وعزتي وجلالي لو عصاني أهل السماء والأرض لأنزلتهم في ديوان العاصين ولحرمتهم حتى يعودوا من التائبين.

    قال: يارب! هل لي من توبة؟ قال: يا آدم! تب أتوب عليك، فقال: أستغفر الله، فتاب الله عليه، فلما قال الله: يا آدم! وعز تي وجلالي لو أن أهل السماء والأرض عصوني لكتبتهم في ديوان العاصين، أنزل جبريل -كما قال ابن الجوزي - التاج من على رأسه وبكى، وكذلك ميكائيل وإسرافيل، قالوا: وعزتك وجلالك ما عبدناك حق عبادتك.

    إذا علم هذا فلنخف من معصية الله، يقول الله: مهلاً مهلاً وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، لخسفت بكم الأرض خسفاً.

    وذنوبنا ومعاصينا وخطايانا وسيئاتنا لا تعد ولا تحصى، انظر ماذا فعلنا؟

    كثير من الناس يشهد عند القضاة شهادة زور، وبعضهم يشتري الشاهد بآلاف الدراهم والدنانير، فيبيع دينه وذمته، ويبيع نصيبه وحظه من الله، ويقطع الحبل الذي بينه وبين الله، فلا ينظر له الله يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم، فيذهب إلى القاضي فيشهد شهادة الزور فيغضب الله وملائكته وعباده.

    لو دفع للإنسان الدنيا وما فيها على أن يشهد شهادة الزور فإنه والله هو الخاسر وهو المطرود، أيضاً يوجد من الناس من يصنع لجاره المشاكل والمصائب والعناد ما لا يعلمه إلا الله.

    أين الغيرة؟ أين الإسلام؟

    يقول صلى الله عليه وسلم: {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} أي: سيجعل له حظاً من الميراث.

    كان جار الرسول عليه الصلاة والسلام يهودياً، فكان صلى الله عليه وسلم إذا اشترى اللحم يعطيه منه.

    وكان صلى الله عليه وسلم يزور اليهودي إذا مرض، وفي الأخير قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، هذا هو الإسلام، الجار أمره عظيم، يأتي جار يبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتفع بكاءه فيقول صلى الله عليه وسلم: مالك تبكي؟ قال: يا رسول الله! أشكو إليك جاري، سبني وشتمني، إذا غبت ما حفظني، وإن حضرت هضم حقي، قال: ماذا أفعل يا رسول الله؟ قال: اصبر واحتسب، فصبر واحتسب، ثم عاد يبكي ثانية، فقال صلى الله عليه وسلم: اصبر واحتسب، فصبر واحتسب، ثم عاد يبكي، فقال صلى الله عليه وسلم: خذ متاعك وأهلك وأطفالك وانزل واجلس في طريق الناس، فأخذ متاعه وزوجته وأطفاله ونزل في طريق الناس، قالوا: مالك يا فلان؟ قال: أخرجني جاري من داري، قالوا: لعنه الله! وهكذا كلما مر شخص يسأله عنه حاله، فيعلم بما حصل له، فيسب ذاك الجار المؤذي، فسمع ذلك جاره، فقال: والله لا أعود، عد إلى بيتك، بعد أن أخذ لعنة العالمين؛ فنعوذ بالله من الخذلان!

    بعض الناس الباب إلى الباب ولا يسلم بعضهم على بعض سنوات طويلة، بل الأرحام يتقاطعون، ويتشاكون، بل يتلاعنون، بل بعضهم يكادون يتقاتلون، أين الإيمان؟! أين الإسلام؟!

    يوجد في القرى مساجد لا يصلي فيها إلا ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة فأين الإيمان؟!

    يسمعون الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أربع شهادات، ثم لا يجيبون:إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].

    أين إيمان المؤمن؟ إذا سمع الأذان ترتاح نفسه.

    هذا أحد السلف مرض مرضاً طويلاً كأنه قطعة لحم على الفراش، وكان إذا سمع: الله أكبر، قال: احملوني إلى المسجد، قالوا: عذرك الله! أنت مريض، قال وهو يكاد يتقطع: كيف أسمع: الله أكبر ولا أقوم! أسمع: حي على الصلاة حي على الفلاح ولا أقوم إلى المسجد! ولو كان في القلوب إيمان والله ما يأتيك النوم بعد أن تستمع الأذان، بل يضطرب قلبك، ويصبح مثل القدر يغلي، لأن الإيمان يجعل القلب كالقدر يغلي غلياناً.

    وجلجلة الأذان بكل حي     ولكن أين صوت من بلال

    منائركم علت في كل ساح     ومسجدكم من العباد خال

    يقول أحد السلف: [[يا رب! إذا أمتني أمتني ميتة حسنة.

    فقال له أبناؤه: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد]] فأعطاه الله ما تمنى؛ لأن الله يعطيك على قدر نيتك:وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد:21].

    أتته سكرات الموت، فقال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت معذور، أنت في سكرات الموت، قال: سبحان الله! أسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح ولا أجيب!! فحمله أبناؤه على أكتافهم حتى وضعوه في الصف، فصلى صلاة المغرب فلما كان في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، لأنه صادق مع الله، طلب الموت وهو ساجد، فأعطاه الله.

    يقول أحد الصالحين وأبناؤه يبكون عنده: لا تبكوا عليَّ، قالوا: ولم؟ قال: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109] أحد الناس لا يعرف إلا المسجد، أول ما يفتتح برنامجه اليومي صلاة الفجر، حتى يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله -أي: في حفظ الله - فالله الله لا يطلبنكم الله بشيء من ذمته}.

    وأوصيكم بترك أكل المال الحرام، كالربا، فقد انتشرت البنوك الربوية، وكيف يدعو الله وهو يأكل الربا، فيقول الله: لا لبيك ولا سعديك مطعمك حرام، ومشربك حرام، وملبسك حرام، فأنى يستجاب لك!

    لا يستجيب الله للذي يأكل الحرام، حتى الحاج يحج ويتعب ويصهر في الشمس ويجوع وتفصم ركبه من السير، فيقول: لبيك اللهم لبيك، فينادي الله من السماء: لا لبيك ولا سعديك، مطعمك حرام، ومشربك حرام، وملبسك حرام، فأنى يستجاب لك!

    فحذارِ حذارِ من الدخل الحرام، فإنه يفسد العبادة ويعطل الدعاء ويغضب المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    ثم أوصيكم ونفسي بالتزود من النوافل، وكثرة الذكر فأنتم قادمون على سفر، وأنتم الآن مقبلون على هذا السفر البعيد، بعضنا بقيت له أيام وبعضنا أسابيع وبعضنا أشهر وبعضنا سنوات وسوف نجتمع غداً، فاعملوا لجنة عرضها السماوات والأرض، واعلموا أننا والله مهما ارتحنا وضحكنا واسترحنا وبنينا وعمرنا وركبنا فإنها ستسلب منا سريعاً، وأنه لا يبقى إلا وجه الله.

    هارون الرشيد ملك الدنيا من الشرق إلى الغرب، من الشمال إلى الجنوب، بنى قصراً من أعظم القصور في بغداد عاصمة العراق وكان اسمها دار السلام قديماً، فلما بنى هذا القصر، قال للشعراء: ادخلوا وامدحوا القصر وصاحبه، فدخلوا ومدحوا الخليفة نفسه، ثم أتى شاعر الزهد والحكمة أبو العتاهية، فقال لـهارون الرشيد:

    عش ما بدا لك سالماً     في ظل شاهقة القصور

    قال: هيه، قال:

    يسعى عليك بما اشتهيت      مع الرواح أو البكور

    قال: هيه، قال:

    فإذا النفوس تغرغرت     بزفير حشرجة الصدور

    فهناك تعلم موقناً     ما كنت إلا في غرور

    فبكى حتى سقط من على كرسيه. إن سكرة الموت تنسيك كل لذة في الحياة.

    والله إنه قد وجد من بعض الملوك وقد قرأت سيرهم، مثل: المعتضد كان عنده أربعمائة جارية، وأربع نسوة، وكان عنده من القصور في كل مكان، وكان يقول: ما تركت لذيذاً حتى أكلته، وما تركت جميلاً حتى لبسته، ولا نعمة حتى تمولتها، فلما أتته سكرات الموت كان على عرش الملك، قال: أنزلوني، فأنزلوه، فكشف البساط، ومرغ وجهه في التراب، وقال: ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانية، ياليتني ما عرفت الحياة! يا ليتني ما عرفت الملك!

    إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا      وفي كل يوم واعظ الموت يندب

    ولله كميت حبيب ورائح     يشيعه للقبر والدمع يسكـب

    فيا أيها المسلمون: يا من عرف مصيره! ويا من عرف طريقه إلى الله! تزود من العبادة، وأكثر من النوافل، أكثر من التسبيح، وسع قبرك بالعمل الصالح، القبر والله لا يوسعه الدور، ولا القصور، ولا المال، ولا المنصب، ولا الوظيفة، لا يوسعه إلا العمل الصالح:

    والقبر روضة من الجنــان      أو حفرة من حفـر النيران

    إن يك خيراً فالذي من بعده      أفضل عند ربنــا لعبده

    وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ      ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

    اللهم تولنا فيمن توليت، اللهم تب علينا، اللهم إنا نسألك من العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الوقت أتمه، ومن الزمن أعمه.

    اللهم ثبتنا على لا إله إلا الله، وأمتنا على لا إله إلا الله، وأدخلنا قبورنا على لا إله إلا الله، ونجنا من النار بلا إله إلا الله، وأدخلنا الجنة بلا إله إلا الله.

    اللهم إنا نسألك الأمن والأمان، والالتزام والسلام، والراحة في الأبدان والأوطان والأديان يا رب العالمين.

    ربنا زدنا تقىً وعفافاً وغنى، وثبتناً وأرشدنا واصرفنا مغفوراً لنا يا رب العالمين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم اللعن وقطع الأرحام

    السؤال الأول: أب لا يمر عليه يوم واحد حتى يلعن زوجته وأولاده؛ كما أنه لا يصل رحمه، فإذا نصح تمادى في غيه وسبه وشتمه، أرجو من شيخنا التوجيه في هذا؟

    الجواب: أسأل الله أن يهدي هذا الأب وكل ضال من ضلال المسلمين، وأن يرده إليه رداً جميلاً، فإن الله يتوب على من تاب والهداية بيده تعالى، وليعلم هذا الأب أن اللعن من كبائر الذنوب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة} ويقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء}.

    فحذارِ حذارِ من اللعنة؛ فإن معناها: الطرد والإبعاد من رحمة الله، فقد يلعن الولد فتصادف ساعة استجابة من الله لا يسأل فيها شيئاً إلا أعطاه، فيلعن ولده فيطرد الله هذا الولد من رحمته أبد الآبدين.

    أو يلعن زوجته فيطردها الله من رحمته أبد الآبدين.

    مر عليه الصلاة والسلام في غزوة، وفي الجيش امرأة معها ناقة، فقالت المرأة للناقة: لعنك الله! - تلعن الناقة - فقال صلى الله عليه وسلم: {خذي متاعك من على الناقة واتركيها لا تصحبنا ناقة ملعونة} فكيف بالزوجة؟! فيكيف بلعن الأهل والأولاد؟! كيف يأتي حسن الخلق؟! كيف ينزل الله السكينة؟! كيف تغشى الرحمة؟!

    فيا أيها الأب! حذارِ حذارِ، فليس لديك كفارة إلا التوبة، أما المرأة فلا تطلق باللعنة - بعض الناس قد يتوهم أن المرأة عليها أن تذهب إلى بيت أهلها، لا. مهما لعن فإنها لا تطلق، بل هي زوجته وما زالت، لكن تنقص البركة ويكتسب أكثر الذنوب، ويقل الله السكينة في البيت، ويدخل الشيطان والعياذ بالله.

    فأنا أوصيك أولاً أن تجتنب اللعنة، وأن تستغفر، وتتصدق لعل الله أن يكفر عن سيئاتك: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].

    أما قوله: إنه يقطع أرحامه، فلا إله إلا الله ما أعظم قطيعة الرحم! من أعظم الذنوب والخطايا: قطيعة الرحم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

    فوصيتي إليك أن تتوب وتعود إلى أرحامك ولو قطعوك، أن تصلهم ولو آذوك، أن ترحمهم وتعطيهم ولو منعوك: {أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم -والحديث عند مسلم - قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أحسن إليهم ويسيئون إلي، وأصلهم ويقطعونني، وأرحمهم ويؤذونني، فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما تقول فلا يزال معك من الله ظهير -أي: نصير- وكأنما تسفهم المل} أي: كأنما تحرقهم بالرماد الحار.

    فوصيتي لك أن تصل رحمك، وأنت سوف تقف أمام الله باكياً نادماً مثبوراً إن لم يتداركك الله برحمة منه.

    طريقة إحياء الزواج المشروع

    السؤال الثاني: أرجو أن توضح لنا كيف يستطيع الزوج إحياء ليلته بفرحه بمثل هذه الليلة المباركة خصوصاً إذا عرف أنه لا يتيسر لكل شخص أن يجد طلاب العلم أمثالكم؟

    الجواب: ولو لم يكن لصاحب هذا الزواج إلا وجود مثل هؤلاء الناس، لأنهم صفوة المجتمع، لأنه لا يحرص على مجالس الخير إلا صفوة الناس، فمجالس الشيطان يحضرونها حثالة الناس، رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سارقاً ووراءه قوم من الناس يصيحون بالسارق، قال عمر: [[قبح الله هذه الوجوه لا ترى إلا في الشر]] لأن وجوه أهل الخير تجتمع في مجالس الذكر، ففرصة لهذا المتزوج أن يستضيف هؤلاء الأخيار، أهل الصدق مع الله، أهل السنة، وأهل الخير والفضل، فوجودهم ودعوتهم له تعادل الدنيا وما فيها، يوم ندعو نحن ويقول الناس: آمين. تعادل الدنيا وما فيها، فليحرص الإنسان على مجالس الذكر مثل هذه؛ لأن الملائكة تحف مجالس الذكر، وتتنزل عليه السكينة، والرحمة تغشاه، والله يذكرهم فيمن عنده، فهي من أعظم الفرص، هذا نموذج للزواج الحي الإسلامي، لكن الزواج الجاهلي لا يذكر فيه اسم الله، بل يحضره الشيطان ومعه جنوده من الراقصين والمغنين والمطبلين وغيرهم من أتباعه: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة:60] وأهل الخير ومجالسهم فيها قال الله قال الرسول، ومجالس أهل الشر قال الشيطان، وقال فلان، ويحسن بالإنسان أن يستدعي طلبة العلم وهم متواجدون في كل مكان، المعاهد العلمية، هيئة الأمر بالمعروف، والدعوة، والقضاة، كلهم فيهم خير، يجمع مجموعة من الناس، ويتحدثون بكلام طيب ولا يشترط أن يحضر مكروفون، وأن يرفع المحاضر صوته، وأن يهز يديه الاثنتين، هذا لا يشترط، بل إذا حضروا في المجلس يتكلم هذا بكلمتين وهذا بكلمة طيبة، وهذا بحديث، وهذا بآية؛ لأن الناس لا تغلق أفواههم وألسنتهم، لا بد أن يتحدثوا، والمجالس إما أن تشغل بالخير وإلا أتى الشيطان يشغلها بسوء، إما أن يتكلموا بقال الله، وإما تكلموا بالغيبة والنميمة وبغض واستهزاء يغضب الله تعالى، فإذا استطاع الأخ أن يجمع من هؤلاء فطيب وحسن.

    وفكرة أخذ الكتيبات والأشرطة الإسلامية وتوزيعها وإهداؤها بين الأحبة والوفود من أحسن ما يكون؛ لأنها أصبحت وسيلة ناجحة للدعوة.

    ميراث المرأة بين الشرع والجاهلية

    السؤال الثالث: كثير من القبائل يعيبون على المرأة إذا أخذت ميراثها من عند أهلها ويقطعونها، نرجو التوجيه؟

    الجواب: من يفعل ذلك قطع الله حبله؛ لأنه عارض الكتاب والسنة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كتب لها في القرآن ميراث، امرأة مخلوقة لها حق: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11] حتى يقول بعض العلماء: [[إن الله لم يترك تقسيم الفرائض لأحد من الناس بل قسمه بنفسه تبارك وتعالى]] الله من فوق سبع سماوات هو الذي قسم المواريث، لهذا السدس، ولهذا الثمن، ولهذا النصف، ولهذا الثلثين، فيأتي الناس يقولون: عيب أن تذهب المرأة إلى أهلها حتى تأخذ حقها! فيحرمون حقها من أبيها، هذا من الجاهلية: حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] ومن يفعل ذلك فقد حارب الله، وعارض شريعة الله! وليس بعيب على المرأة أن تذهب إلى إخوانها إذا احتاجت.

    ولو أخذنا على نظام الجاهلية هذه، وقلنا: لا يجوز أن تأخذ حقها من أهلها، هل كل النساء لها ولد، أو زوج يرعاها؟

    كثير من النساء يرميها ولدها، وقد رأينا قضية أن بعض الأبناء ضرب أمه سبع مرات، حتى تدخل الأمن ورجال الشرطة، وسحبوا هذا الابن الفاجر وضربوه بالمداسات؛ لأنه بلغ إلى هذا المستوى، ووجد من الأزواج من إذا صارت زوجته عجوزاً وأصبحت متعته شهوانية كأنه في شريعة الغابة والبهائم وما أصبح له بها حاجة، طلقها، لأنها أصبحت عجوزاً وأحرمها ميراثها فتذهب لا تجد أهلاً، وإذا ذهبت تطلب بيتاً تسكن فيه من أهلها وإخوانها، قالوا: لكل واحد منا بيت ومزرعة وأنت ليس لك شيء وهذا عيب! فأين تذهب؟

    سبحان الله! هذه شريعة لا توافق عليها حتى الأمم الكفارة، حتى اليهود والنصارى، للمرأة أشياء محددة، والحمد لله هذه الظاهرة بدأت تخف وتقل؛ لأن الناس صحوا وعادوا إلى الله، وأصبح عندهم رشد، وأصبح فيهم عقلاء، والذي يخالف هذا ففيه سفه، وأسأل الله أن يهديه سواء السبيل.

    أحوال الناس بعد سماع المحاضرة

    السؤال الرابع: كثيراً ما يحضر أبناء المنطقة مثل هذه المحاضرات، فتجدهم قلوب خاشعة وآذان صاغية، ولكن حين مغادرتهم للمحاضرة تجدهم يعودون إلى غيهم، وتشاجرهم، وحسدهم على لا شيء، ماذا تقول لهم؟

    الجواب: لا شك أن من يحضر المحاضرة ويسمع الذكر، تحف به الملائكة، وتتنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، ويكون قلبه قريباً من الله، لكن إذا خرج تعرض له شياطين الإنس والجن، نظره وأذنه ولسانه تعصي الله، ولا شك أن القلب يتغير، كما قال حنظلة لما أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: نافق حنظلة يا رسول الله! قال: ولم؟ قال: نكون معك فتحدثنا عن اليوم الآخر، فنرى الجنة والنار كأنها رأي العين، فإذا عدنا لعبنا ونسينا وغفلنا، فقال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لو كنتم كما تكونون عندي، لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعة وساعة، ساعة وساعة، ساعة وساعة}.

    ولكن لابد أن تربي نفسك تربية إسلامية، وتجتنب المعاصي، وتتوب إلى الله، وتعرف من تجالس، وتسد عن أذنك المعصية، وعن عينك التطلع إلى عورات المسلمين والنظر إلى ما حرمه الله، وعلى لسانك ما يغضب الله عز وجل؛ فهذا هو الدين، وهذا هو مفهوم قول الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    الحجاب الإسلامي

    السؤال الخامس: نرجو التكرم بالتحدث عن الحجاب، علماً بأن كثيراً منا يعملون في الزراعة والأعمال الزراعية؟

    الجواب: الحجاب الإسلامي: أن تغطي المرأة ما ظهر من زينتها، وأعظمها: الوجه والكفين، لا كما يقول بعض الناس: إن الوجه والكفان ليس من الزينة، ولها أن تخرج الوجه والكفين وهذا خطأ، فالوجه والكفان لا بد أن تسترهما وأن تكون محتشمة، وهناك ظاهرة موجودة في بعض القرى وهي أن المرأة تظهر على حميها -أخو زوجها- وقريب زوجها، وهذا محرم في الشريعة، قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الحمو فقال: {الحمو الموت}.

    لا يجوز لأخي الزوج أن يختلي بزوجة أخيه، وبعض الأقارب يخرجون في رحلة فيجلس الأجانب والأجنبيات يتضاحكون، ويسمرون ويمزحون وهذا خطأ ومحرم، فالواجب أن المرأة تبقى محتشمة، والمحارم لها هم سبعة في كتاب الله تعالى، ليس لها غير ذلك، أما ابن عمها، وابن خالها فليسوا بمحارم، والمحارم في الشريعة معروفون.

    ثم أقول: أما ما ذكر الأخ من مزارع فلا بأس أن المرأة إذا خرجت المزرعة وكان الأجانب بعيدون أن تكشف وجهها وتحصد وتساعد زوجها على أني أنادي بتخفيف المؤونة على المرأة؛ لأنه وجد ضرر على النساء، فإن عملها في البيت وفي المزرعة، وتكليفها أكثر من طاقتها، والمرأة ضعيفة تعاني الحمل والولادة والرضاعة، والغسل والطبخ والكنس والقيام على شئون البيت، ثم تحول ذلك إلى عاملة في المزرعة، هذا فيه مشقة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإذا نزلت المرأة فلا بأس أن تساعد زوجها وتكشف عن وجهها لترى وتبصر، بشرط أن يكون الأجانب بعيدون عنها أما إذا اقترب أجنبي أو رأت شخصاً نزل من طريق فعليها أن تستر وجهها، هذا إن شاء الله هو الأقرب إلى السنة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768034695