وهناك ثمرات عظيمة تحتاج منا إلى تفكر وتذكر واسترجاع لحساباتنا، وأن نعرف كيفية المحافظة على هذه الثمرات في حال الرخاء.
أمَّا بَعْد:
أيها المسلمون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
شكر الله اجتماعكم, وأشكر صاحب هذه الدعوة لهذه المحاضرة فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم النملة , وكما تفضل في كلامه عن الغيث الذي عشناه في بلادنا، ونسأل الله عز وجل أن يغيث قلوبنا، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الوحي كما صح عنه في الصحيحين: (مثل ما ابتعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث) وإنما قال: بعثني؛ لأنه بعث في أناس أموات ما كانوا يعرفون لا إله إلا الله، بل هو عليه الصلاة والسلام من أعظم المنن عليه أن يهتدي هو بالوحي قبل أن يهدي الناس: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجعٍ يعلى بخضر المطارفِ |
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فجٍ من الأرض خائفِ |
إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف |
ما معنى الأبيات؟
يقول: يا رب! إذا حانت وفاتي فلا تمتني على الفراش، ولكن اقتلني في سبيلك واملأ بطون الطير والسباع من لحمي دمي حتى ألقاك شهيداً.
وذكر أهل السير -كما ذكره ابن إسحاق وغيره في أسانيد جيدة- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه قال: [[لما التقينا يوم أحد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نقاتل المشركين قال لي عبد الله بن جحش: يا سعد! تعال ندعو الله هذا اليوم أن ينصرنا، قال: فملت أنا وإياه أمام هضبة -أكمة كبيرة أو صغيرة- قال: فلما أكملنا دعوت الله بالنصر, فتقدم عبد الله بن جحش واستقبل القبلة، قال: اللهم إنك تعلم أنني أحبك, اللهم إذا التقينا بالأعداء فلاقِ بيني وبين عدوٍ شديد حرجه، قوي بأسه، فيقتلني فيك، فإذا قتلني بقر بطني, وجذع أنفي، وقطع أذني، وفقع عيني، فإذا لقيتك يوم القيامة قلت: يا عبد الله! لم صنع بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب! قال سعد بن أبي وقاص: فالتقينا وانتهت المعركة, ومررت على القتلى فوجدت عبد الله بن جحش قد قتل وبقر بطنه، وجذع أنفه، وفقئت عيناه، وقطعت أذناه، قال سعيد بن المسيب -أحد الرواة-: أسأل الله أن يلبي له ما سأل]].
وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده, لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل} قال ابن كثير: فأعطاه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الشهادة مع النبوة، فله منزلة الشهادة فإنه مات شهيداً على القول الصحيح؛ لأنه أكل لحماً مسموماً وبقي سنة يتعاوده هذا السم- سمه اليهود عليهم لعنة الله فمات من أثر ذاك السم.
والشهادة والموت في سبيل الله؛ ما كانت تتردد على أسماعنا, فكان كثير من الناس يموتون لكن على الفرش, والمسلمون الأوائل كانوا يرون أنه عيب أن يموت الإنسان على فراشه، ويرون كما يقول عبد الله بن الزبير: [[إنا لا نموت حبجاً أي: تخمة، إنا نموت تحت صقع السيوف وضرب الرماح]] فأكبر ثمرة لهذا النصر أن نستثمر طلب الشهادة من الله عز وجل أن يرزقنا الشهادة: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه} رواه مسلم.
والعجيب أن هناك أناساً قد يموتون في الجبهة وبين الصفين! والله أعلم بنيتهم، وهذا حديث عند أحمد في المسند مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم يقول: {رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته} لماذا؟!
لأن الله هو المطلع على النيات: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] وقد صح أن أحد الناس اسمه قزمان خرج مع المسلمين إلى أحد يقاتل، فما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة إلا ضربها، وفي آخر المعركة قتل، قال الصحابة: { هنيئاً له الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: كلا، والذي نفسي بيده! إنه في النار، قالوا: يا رسول الله! كيف؟! فسألوا أهله كيف قتل؟! قال أهله: أصابته جراحة في رأسه فما صبر فنحر نفسه} وفي غزوة أخرى -والحديث صحيح- وقتل أحد الناس فقالوا: { هنيئاً له الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: كلا والذي نفسي بيده! إن البردة التي غلها لتتلظى عليه في النار} فوجدوه قد غل بردة لا تساوي أربعة دراهم.
ألا بلغ الله الحمى من يريدها وبلغ أكناف الحمى من يريدها |
فالله أعلم من يقاتل لتكون كلمة لا إله إلا الله هي العليا؟ والله أعلم من يقاتل لترتفع إياك نعبد وإياك نستعين؟ وفي الصحيح: {أول ما تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: منهم رجل شجاع مقدام، يقول الله عز وجل: ألم أمنحك شجاعة؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا فعلت؟ قال: قاتلت فيك وقتلت، قال الله: كذبت، وتقول الملائكة كذبت ويقول الله: إنما قاتلت ليقال: شجاع وقد قيل خذوه إلى النار، فيأخذونه فيدهده على وجهه في النار} والمقصود هنا أن علينا أن نربي أطفالنا وقلوبنا وبيوتنا ورجالنا على حب الشهادة.
وأكثر ما ذهب شباب الأمة في حوادث السيارات، أو في غرف الباطنية من كثرة المأكولات والمشروبات والمطعومات، وأصبحنا لا نسمع قتلى، نحن الذين نعلّم الناس كيف نقتل في سبيل الله عز وجل.
فهذا عبد الله بن عمرو الأنصاري -وقصته تتكرر وسوف تتكرر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- قبل المعركة سأل الله أن يقتل شهيداً فقتل لكن بعد ماذا؟! بعد قتال يوم كامل في أحد , فما سقط حتى ضرب ثمانين ضربة من ضربات السيف والرمح, فأتى ابنه يبكي وأبوه مسجى، فقال صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! ابك أولا تبكِ، والذي نفسي بيده! ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال تمن: قال أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون, فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} فهذه أعظم الثمرات, وهي أن نقدم أبناءنا ونعلمهم الشهادة، وأن يسأل الإنسان الله الشهادة في سبيله علّ الله أن يرزقه شهادة تمحو ذنوبه.
فإن العرب لم يأخذوا الإسلام بصك شرعي، إذا انحرف العرب عن الإسلام أعطى الله الأكراد أو الأفغان أو الهنود أو الأحباش الإسلام، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89] فلما تولى العرب وأصبحوا أهل جواري, وأهل ما يطلبه المستمعون, وجمع طوابع, وضياع, وهوايات ساقطة؛ غضب صلاح الدين وأقسم بالله لا يتبسم حتى يفتح بيت المقدس , وجهز جيشاً عرمرماً، فهل تعلمون متى بدأ الهجوم في معركة حطين؟
أنه بدأ الساعة السادسة يوم الجمعة، قيل لـصلاح الدين: لم اخترت هذا الوقت، قال: " إذا ارتقى الخطباء على المنابر يوم الجمعة في عالم الإسلام, رجوت أن يدعى لنا بدعاء فينصرنا الله "، وبدأ الهجوم، يقول بعض المؤرخين: قرأ قبل الهجوم سورة الأنفال وكان الجيش الذي يصادمه -الجيش الصليبي الألماني والفرنسي والإنجليزي- كلهم جبهة ضد صلاح الدين، ولكن مع صلاح الدين الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] واستمع قبل المعركة قليلاً لـموطأ مالك وانظر هذا القائد الرباني حتى موطأ مالك يقرأ عليه في المعركة، فقرئ عليه في باب الجهاد بعض الأحاديث ثم بدأ الهجوم وانتصر, وبعد أسبوع صلى الجمعة في مسجد بيت المقدس الذي سقط بعد عمر وأعاده للمسلمين صلاح الدين، وكان في الصف الأول وقام شمس الدين الحلبي العالم يخطب الجمعة، فاستهل الجمعة وقال: الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب، الحمد لله وحده، الذي نصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم قال يحيي صلاح الدين:
تلك المكارم لا قعبان من لبنِ وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن |
وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن |
فهذه من أيامنا وليالينا التي عشناها منتصرين, فلما تركنا الجهاد انحصرنا وأصبحنا في آخر الركب, دول نامية لا قيمة لنا في العالم، ليست لنا ريادة، بل روى أحمد وأبو داود بسند يصححه ابن القطان: {إذا رضيتم بالزرع، وتبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} وهذا أمر معلوم.
إذا انصرفت الأمة إلى الفلاحة وزراعة البطاطس والباذنجان, وأصبحت فقط هوايتها الأسعار وأخبار الأمطار والأشجار والحدائق والبساتين, وأصبحت هوايتها ما يطلبه المستمعون وافتح يا سمسم, وهذه الأمور تسقط الأمة من عين الله, فلا يكون لها مكانة في العالم.
إذا عادت لنا الأزمة فعلينا أن نجاهد ونحمل راية الجهاد من جديد وألا نستسلم، وأي إنسان يقول كما يقول بعض أهل العلمانية: أن هذا الجهاد وحشية, والإسلام ينتشر فقط بالقلم والفكر والرأي والحوار، وكيف تحمل السلاح وتقتل الكفار؟! قال: بالحوار, فاهجره حتى يسمع كلام الله، وهل نسي أن ثلث القرآن من الآيات التي طالبت المسلمين بالقتال في سبيل الله؟! إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
لأننا مرت بنا سنوات عشنا غثاءً وبعداً وعشنا بروداً وعشنا غفلة؛ غفلة في المعتقد, صحيح أننا نحفظ السور والآيات والأحاديث عن العقيدة، لكن لا نطبقها في دنيا الواقع، تجد الواحد منا يستشهد: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا [التوبة:52] لكن لا يعمل بها، ويستشهد بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36] مع أن هذا الإنسان الذي يستشهد بهذه الآية تجده مهزوماً وفيه خور, بل يخاف البشر أكثر من خوفه من رب البشر.
قطاع هائل من الناس الآن يخافون من الناس أكثر من خوفهم من رب الناس, ويتحفظون من كلامهم في الناس أكثر من كلامهم أو من معاصيهم مع رب الناس تبارك وتعالى وهذه غثائية في المعتقد، وأصبح عند الناس كراهية الموت وحب الحياة، وغثائية في الفكر فلا تجد التفكير السليم, بل تجد أحد الناس يصلي ويصوم ولا يعرف ما هو دور الإسلام في الحياة, بل يقول: الإسلام للتيمم والمسح على الخفين، والإسلام له حيز خاص، ويقول بعضهم: لا تدخلوا الإسلام في كل قطاع وفي كل مجال, الإسلام له خطوط يجب أن يبقى عندها! ونسي قوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] ونسي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين [الأنعام:162-163].
فلا الجانب الغنائي اكتسح العراق ولا المسرحيات قصمت ظهر حزب البعث، ولا المسلسلات وقفت وحررت الخفجي، ولا الجلسات الحمراء وجلسات البلوت, حملوا الرشاش، وقاموا على الدبابات والمجنزرات.
لم يكن هذا أبداً, بل الذين كانوا يسجدون ويعبدون هم الذين قدموا دماءهم؛ فأهل المواقف هم أهل لا إله إلا الله: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] ولا بد من هذه التصفية.
وفي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام اختلط الحابل بالنابل قبل معركة أحد , فأراد الله أن يميز الصف ويظهر الصادق من الكاذب, فبدأت المعركة.
خرج صلى الله عليه وسلم بألف مقاتل فانخذل في الطريق ثلاثمائة مقاتل, خرج المنافقون على جنب: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46] , فلم يخرجوا أبداًً ولم يقبلهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وانخذلوا؛ لأنهم ما صدقوا، وأحد الشعراء يقول:
من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح |
والذي لا يصلي الصلوات الخمس في المسجد فلا تظن به خيراً, أو تنتظر منه أن يرفع لا إله إلا الله أو أن يجاهد من أجل لا إله إلا الله، أو أن ينصر لا إله إلا الله؛ لأنه خان لا إله إلا الله في المسجد فكيف ينصرها في الميدان؟!
وقصة طالوت في الميدان هي مثل هذه القصة, لما مروا بنهر، قال لقومه: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249] فمضوا قليلاً فلما أحسوا بالظمأ لم يصبروا, انهار أهل الشهوات فشربوا حتى رووا، وبقي ثلة كأهل بدر ثلاثمائة وأربعة عشر لم يشربوا، ولما نزلوا قالوا: قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250] قال الله: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251] فهذه ثمرة من ثمرات النصر يجب أن نقف معها طويلاً، وأن نتأملها ونعرف من الذين يقدمون للأمة نفعاً, ويمكن أن يكون لهم مكانة لننزلهم منازلهم؟!
وهذه قصة تكررت في مناسبة سبقت، وإني أطلب من الإخوة الذين سمعوها أن يتحملوا سماعها مرة ثانية. يوم الأحد الماضي عشت أنا وبعض الإخوة تجربة في طائرة وقد أقلعت بنا من أبها في الصباح، فلما قطعنا شيئاً من الوقت -ما يقارب نصف ساعة- عادت بنا إلى المطار مرة ثانية وأصلحوا في محركاتها ما أصلحوا, ثم أقلعت بنا, فلما اقتربنا من الرياض أبت محركاتها أن تنزل المطار, ووقفنا على سماء الرياض ساعة كاملة أو ما يقاربها، وتسع مرات كلما اقتربنا من المدرج رفضت أن تهبط وأصبحنا في قلق, أما النساء فأصابهن انهيار، ورأينا بعض الناس ممن كان يضحك ويلهو أصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت, وبلغت القلوب الحناجر, وأصبحنا نكتب أسماءنا في قصاصات ليتعرف على جثثنا بعد أن نصل الأرض، ونسينا الأهل والأولاد والمناصب والحياة وأصبحنا نتذكر في الدقائق التي بعد قليل (من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟):
والله لو عاش الفتى في عمره ألفاً من الأعوام مالك أمره |
متلذذاً فيها بكـل لـذيذة متنعماً فيها بنعمى دهره |
ما كان ذلك كله في أن يفي فيها بأول لحظة في قبره |
وهذا هو المصير، فلا إله إلا الله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] فلما أتت الأزمة امتلأت المساجد ولاحظنا ذلك، لما أصبحت صواريخ اسكود تضرب بعض المدن أتى العصاة -الآن الذين ما كانوا يسمعون لا إله إلا الله ويستكبرون ويتعامون ويتصامون- يهرولون في المسجد كأنهم ما يعرفون الله إلا في الحرب، كبعض الطلبة في الامتحانات يؤدون الصلوات الخمس في المسجد فإذا علقت النتيجة ورأى اسمه مع الناجحين, ترك المسجد: أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً [الإسراء:83].. وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ [فصلت:51] وإذا مسه الشر ألقى على الله محاضرات من الدعاء والابتهال: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] فتجد كثير من الناس وسمعنا نساء تبن وتحجبن، وعرفت بعض الأسر تركوا سماع الأغاني، وقالوا: لماذا نسمع الأغاني والكيماوي قريب منا والمزدوج؟ فلما سمعوا بانتهاء الأزمة: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28] ولكن بقي في الناس من جدد صلته وعاد إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبتنا وإياه.
وهذه من دروس الفتن والمصائب حتى على مستوى الأفراد، فقد تجد كثيراً من الشباب لم يعودوا إلى الله إلا بحادث سيارة، أو بموت أب، أو بموت أم، والله يبتلي من يشاء: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين [العنكبوت:2-3].
في مذكرات حردان التفريدي أخبر أن هناك معاهدة عدم اعتداء حزب البعث وبين إسرائيل عدم الاعتداء وهذه موجودة في المواثيق، أما الضحك على دقون الشعوب بأنا سوف نحتل إسرائيل لا:
أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافرِ |
هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناح طائرِ |
وهذا الجيش مهيأ لضرب بلاد المسلمين؛ لأنه لا يريد لا إله إلا الله، فإن علمه مكتوب عليه:
آمنت بـالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني |
وإنما قول صدام: الجهاد في سبيل الله كقول فرعون لما أصبح في البحر: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فهو يضحك على الهنود والباكستانيين والأفغان والأتراك؛ لأنهم يحبون من ينادي للجهاد؛ لأنهم ما وجدوا من ينادي بالجهاد فلما نادى أراد أن يكسب عاطفتهم فما كسبها والحمد لله، المقصود بالثمرات كسر ظهر البعث , وما ألذ وما أحسن أن رأينا وجهه يعفر بالتراب:
ما ربع أمية محفوف يطوف به غيلان أبهى لنا من خدها الترب |
لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب |
يقول سبحانه: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21] انظر كم أتاه من رجل يلتمس منه أن يتنازل ويصطلح، ولو تنازل واصطلح مع الناس لأبقى قوته، ولكن الله غالبٌ على أمره، قالوا: خذ ما أردت من الشروط، فلو وافق كان خيراً له, لكن الله غالبٌ على أمره.
فحطم الله قوته, وكسر ظهره, وأزال شره, فلله الحمد والشكر.
وهذه ثمرة -وأظنها والله أعلم- في طريق مستقبل الإسلام؛ لأنه بإذن الله بعد سنوات سوف يسيطر على العالم هذا الدين الخالد؛ لأن المستقبل له: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40] فالوارث هو الله, والخلافة لهذا الدين، وقبل سنوات كسر ظهر الشيوعية واليوم البعث وغداً الصليبية وبعد غد اليهودية ليبقى دين الله عز وجل: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45].
ذكر أحد الدعاة من الكويت اسمه طارق السويدان: أنه التقى في اثني عشر نائباً من مجلس النواب الأمريكي، وسألهم عن مشاعرهم في هذه الأزمة، فكلهم بلا استثناء كما ذكر ذلك في محاضرة مسجلة -ذكر أن لدعاء المسلمين في البلاد هنا أثر في الانتصار، وهذا رئيسهم يدعوهم وهو دينه محرف لا يقبله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فـالمسيحية لا يقبلها سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ولكن رئيسهم دعاهم في وقت الهجوم البري أن يتجهوا إلى الكنائس ويدعون الله، لكن دعاء محرف، ودين باطل محرف، فكيف بالمسلمين إذا صدقوا والتجئوا إلى الله؟! كم من شيخ وعجوز وأم! وكم من طفل! دعوا الله عز وجل فلبى الله دعاءهم.
إذاً علينا أن نكثر من الدعاء، فنحن وعندنا سلاح معطل ما استخدمناه إلا قليلاً، وهو الدعاء الذي هو أقوى من صواريخ المعتدي:
دعها سماويةً تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوسِ |
يقول أحد الصالحين لأحد الجبابرة وقد اعتدى عليه: "اللهم إني مغلوب فانتصر، ليس لي قوس ولا وتر ولا نبل ولكن عندي أقواس أريشها في السحر, ثم أطلقها بالدموع, ثم أرفعها فتصل علام الغيوب, فيقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
قيل لـعلي بن أبي طالب -وهو ثابت عنه في الترجمة- كم بين العرش والأرض؟! قال: دعوة مستجابة.
وسجن يحيى بن خالد البرمكي سبع سنوات، أخذه الخليفة هارون الرشيد وسجنه، وكان يحي البرمكي وزيراً من أكبر الوزراء في الدنيا، فمكث سبع سنوات لا يرى الشمس، فزاره أحد أصدقائه، قال: يا يحيى! بعد النعيم تنزل في هذا السجن قال: نعم. دعوة سرت في ظلام الليل غفلنا عنها, وما غفل الله عنها.
هذا أثر دعاء الصالحين فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد، والأمة يجب عليها أن تثق بربها سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وأن تحسن الظن به, وأن تعلم أنه الذي نصر رسوله في بدر ونصر أولياءه في كل المواقف وهو ينصرنا متى استنصرناه ومتى صدقنا معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
فقد زاد الإيمان بالغيب في قلوب الصالحين بعد أن كشف الله هذه الأزمة, فوثقوا بربهم الذي أزال المكروه عنهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأصبحت التقارير وكثير من التخرصات والتكهنات والتحليلات السياسية والصحفية والإعلامية؛ هباءً, لقد سمعنا وسمعتم أنتم في بعض التحاليل أنه سوف يدمر جزء كبير من المنطقة، وآبار البترول سوف تحترق وسوف تهدم, ويقتل كثير من الناس ويباد كثير من الجيش, وأن الكيماوي سوف يهلك المنطقة بأسرها وما حصل شيء من ذلك.
من أطفأ وأسكت هذا السلاح؟! ومن أباد هذه القوة؟! بل خذلوا خذلاناً ما سمع التاريخ بمثله, من الجنود يسلمون الأسلحة ويستسلمون ثم يقودهم جندي واحد، بل سمعت أن جندياً كان يسوق ثلاثة آلاف، وهذا ما سمعنا به في الحروب، فمن الذي ينصر ويخذل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] وأنا أعلل ذلك بالذنوب التي قام بها ذاك الشعب, فإن من يعرف تاريخه ويعرف تاريخ انحراف كثير منه, يعرف أن الذنوب هي التي خذلته هذا الخذلان العظيم وإلا فلا يتعثر من جبن فهو من أشجع الشعوب؛ ولكن المعصية -والعياذ بالله- تخذل الجيوش.
وكان عمر رضي الله عنه يكتب لـسعد ويقول: [[إياكم والمعاصي! فإني لا أخشى عليكم من عدوكم لكن أخشى عليكم من المعاصي]] فإن أعظم ما يخذل الجيوش معصية الواحد الأحد، فهي التي تعمي بصره وتظهر خوره وتبيد خضراءه، وهي خطيرة إذا حلت بأي أمة أو بأي بلد، فارتفع الإيمان بالغيب ووثق الناس بربهم.
بل بعض الناس لما سمع عن انجلاء هذه الفتنة كان يسجد على الأرض ويقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، وعرف أن هناك رباً ينصر وينتقم ويأخذ وقد تحققت في الطاغية آيتين في القرآن، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52] فهو خائن فما هدى الله كيده، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81] وهو مفسد فما أصلح الله عمله.
الآن مثل أهل الكويت لما خرجوا قبل الأزمة وقبل اجتياح العراق الكويت ما كانوا يشعرون بهذا النعيم الذي هم فيه ولا بالرغد ولا بالسكينة ولا بالاستقرار فلما أخرجوا وعادوا الآن، وعادوا يتلهفون على هذه النعمة وعلى هذا الأمن -وشكره سوف يأتي في عنصر كيف نعبر عن شكرنا أمام هذا الحدث الجلل- فالمقصود أن كثيراً من الناس لا يعرف النعمة حتى تنصرف عنه.
الآن سل الشاب صحيح الجسم عن صحته، يقول: الحمد الله، لكنه إذا أصبح على السرير الأبيض في المستشفى حمد الله وتذكر ذاك النعيم وتلك القوة والعضلات وهذا أمر قد يفوت، ولا يتذكره إلا كبير السن إذا تذكر شبابه وصحته ونعيمه، فبم يستقر الأمن؟! يستقر بشكر المنعم سُبحَانَهُ وَتَعَالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
تعدى الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري |
وهذا أمر معلوم، الحق لا يحميه إلا قوة، ولا إله إلا الله لا يحميها إلا شباب محمد:
بلاد أعزتها جيوش محمد فما عذرها ألا تعز محمدا |
من أعزنا بعد الله؟ جيوش الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا ما كان لنا كيان في العالم ولا كان لنا ذكر ولا تاريخ ولا ثقافة فما حقنا إلا أن نعز دينه، ويقول زهير وقد أخطأ، في نصف البيت وأصاب في نصفه الآخر ويقول:
ومن لا يذود عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم |
فالأخير جاهلي والأول صدق فيه (ومن لا يذود عن حوضه بسلاحه يهدم) إذاً هذا الدين الذي معنا لا يحميه إلا قوة ذخيرتها شباب محمد عليه الصلاة والسلام، وتحمل علم لا إله إلا الله، ألا ترى سيطرة الشعوب في العالم ما سيطرت إلا بالقوة، لا عبرة للاقتصاد في عالم القوة إذا قورن بعالم السلاح ولا عبرة في الإعلام، ولا عبرة في عدد السكان, فإن بريطانيا عضو دائم ممن تملك حق النقض (حق الفيتو) في مجلس الأمن، والهند أكثر منها ما يقارب سبعمائة مليون:
لكن عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبتهم وجدتهم أصفاراً |
والعجيب أن القوة الآن بيد الكافر، دول النقض الخمس كلها كافرة، فهي التي تملك حق الفيتو، ومن مواثيق هيئة الأمم المتحدة، تجدون الرابع والخامس من المواثيق يقول: إذا اعتدت دولة كبرى من الدول الخمس على دولة صغيرة فلا يحق لدولة أخرى أن تتدخل، فـالاتحاد السوفيتي لما اعتدى على أفغانستان؛ لأنها دولة من الخمس، لكن قصم الله ظهرهم من فوق سبع سماوات وقالوا: في البند الذي بعده وإذا تدخلت دولة صغرى تسندها دولة كبرى فلا يحق لأي دولة أن تتدخل، إسرائيل لما أسندتها أمريكا من تدخل؟! لا يستطيع أحد, وهذا ظلم وعدوان، وعلينا أن نعرف حقيقة أنه لا يمكن أن نحمي مسجداً أو نحمل مصحفاً إلا بقوة ونتربى على الجهاد.
وهذا هو الأمر المطلوب الذي يعرفه العقلاء من كل الناس.
جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي |
فلا نصادق أحداً إلا على لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا نحبه إلا لأنه يتولى الله ورسوله والذين آمنوا: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].
يا أيها الإخوة: هذا هو المبدأ الصحيح, ألا يكون بيننا وبين الناس منافع مشتركة أو مواقف محددة فانتقاصنا لهذا لأمر غير الدين، ويمدح هذا، ويسب هذا لأمر غير الدين، حينها تفشل هذه الصداقة: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] بل وجد أن من مد بالسلاح أصبح حرباً، ومن مد بالمال أصبح طعنة:
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني |
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني |
إذاً من هو حبيبنا؟! من يسجد لله بأي لون أو بأي شعب أو بأي لغة، من يعترف بلا إله إلا الله محمد رسول الله هو أخونا نحبه ونتولاه.
كيف تدوم النعمة؟!
إن شكر الباري سبحانه، ليس شكراً باللسان فقط بل شكر العمل وشكر اللسان وشكر الاعتقاد، نعتقد أن المنعم هو الله، رأيت في قصة لداود عليه السلام أنه يقول: يا رب! كيف أشكرك؟! وداود عليه السلام أنعم الله عليه بالنبوة والملك وجمع آل داود وكانوا ثلاثين ألفاً، فقال داود: إن الله أنعم عليكم بنعم لم ينعمها على أحد من الناس فقيدوها، قالوا كيف نقيدها؟ قال: بالشكر، قالوا: ماذا نفعل، قال: دعونا نقتسم ساعات الليل والنهار، نصلي ونسبح ونذكر الله، فتوزعوا ساعات الليل والنهار فما مرت ساعة من ليل أو نهار إلا وأناس من آل داود يصلون وأناس يسبحون ويدعون، فقال الله: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] يقول داود في بعض كلامه لربه: يا رب! كيف أشكرك؟ قال: يا داود! أتعلم أن هذا النعيم مني، قال: نعم، قال: فقد شكرتني، وهذا شكر الاعتقاد.
وشكر العمل أن تصرف هذه النعمة في مرضاة الله عز وجل، فالمال الكثير حارب به الشركات السياحية والإجرام، والصد عن سبيل الله، ومحاربة لا إله إلا الله: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] وأنا أعرف أن بعض الناس سحب من بعض الأشرطة الغنائية أكثر من مائة ألف شريط ليوزعها على الناس، انظر هذه الهدايا والصدقة: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] شكوت لأحد العلماء هذا الموقف فقال: لا يهمك حبل الباطل قصير، ثم قال: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] بينما لو صرف هذا الجهد وهذا المال في بناء المساجد, وفي توزيع الشريط الإسلامي, وفي إطعام المساكين والفقراء, وفي توزيع الكتيب الإسلامي, وفي إعطاء اللاجئين والمجاهدين؛ لكان عنده فضل عظيم من الله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261] وهذا من عدم شكر النعم وما عرف كيف يصرفها في مصارفها فجعلها الله حسرة كما يقول أبو تمام:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم |
بل تجد حرص بعض أهل الباطل على نشر الباطل والإنفاق عليه وتأييده كأنه هو الذي يجب أن يسود ويسيطر وهذا خطأ في المنهج.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده |
وإلا فالمشركون كانوا في بدر ثلاثة أضعاف المسلمين فهزمهم الله، وقال الله لأوليائه: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] ولما أعجب الصحابة بعددهم في حنين أخبرهم الله أن العدد لا يكفي فانهزموا في أول المعركة، قال سبحانه: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25] لأن العدد وحده لا يكفي، يقول أحد المسلمين في حنين: " لا نغلب اليوم من قلة ", لكن غلبوا من غير القلة، من العجب، وعادوا وانتصروا في آخر المطاف لما تلقنوا درساً.
الجيوش العالمية التي يهول بها ليست شيئاً أمام الحق، والحق متى يستعد أصحابه بما استطاعوا من قوة نصرهم الله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60] في قدرتكم واستطاعتكم ليس إلا ثم ينصر الله يفتح ويثبت ويؤيد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
إذاً: التهويل لجيوش الباطل ليس له أساس عند المسلم، خالد بن الوليد التقى في اليرموك وكان جيشه ثلاثين ألفاً وجيش الروم مائتين وثمانين ألفاً، فمائتان وثمانون ألفاً, يقابلها ثلاثون ألفاً وانتصر عليهم خالد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، يقول سبحانه: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174-175] فهذا فضل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وحده.
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول |
يقول: إذا كان الرجل معتاداً على القتل والقتال، سهل عليه خوض المعركة والوصول لها، وتعرفون من الصور والنماذج التي كانت من شبح الموت أن بعض الأطفال أتاهم عن طاغية العراق من التهويل وساهمت بعض الصحف في تهويل هذا الطاغية، فكانت ترسمه بأنياب كالخناجر، وبعيون يخرج منها الشرر وترسمه وتصوره وعليه خنجر وسلاح؛ فخوفوا الأطفال والبنات الأحياء منهم والأموات، وظنوا أن هذا يأكل البشر حتى أن بعض الأطفال يقول: هذا صدام يأكل الناس، قلنا: ما يأكل، بل يأكل خبزاً وسوف يقصم الله ظهره، أما الأطفال ما يأكلهم.
فهذا ساهم فيه بعض الصحفيين في رسمه وتقبيحه وتكبيره وتهويله وهذا خطأ، ويسمى عند أهل الفقه: الإرجاف، ويُمنع المرجف والمخذل الذي يرجف في الناس ويخذل ويُمنع ويؤخذ على يديه؛ لأن العدو ضعيف ضعيف، والذي يتصل بغير الله حقير، لا يقام له وزن وأن جندنا لهم الغالبون وهذا هو جند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وأعرف ناساً في أقصى الجنوب، في قرى يمكن لو قامت أكبر المعارك العالمية يمكن ما يصلهم شيء قاموا على نوافذهم باللاصق فألصقوها حتى لا يدخل الهواء.
وفي جدة كانت هناك محاضرة عامة اسمها: "خطر ممنوع الاقتراب" قبل الهجوم بيوم أو بيومين -الهجوم الجوي- فكنت أتحدث مع الإخوة عن مسألة التوكل على الله وماذا علينا ولو متنا: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ [التوبة:52] ونحن إن متنا فإلى نعيم نموت، فنحن نموت على التوحيد والإيمان وهل المصير إلا الموت، وفي أثناء ذلك يحس الإنسان أن الناس انشدت أعصابهم وزادت شجاعتهم، وفجأة على الميمنة من المسجد سمعنا صوت عجل سيارة له دوي كدوي البندقية أو الرشاش، فكاد الناس يخرجون من الأبواب الأخرى، فإذا المحاضرة ذهبت من المغرب إلى صلاة العشاء في الهواء؛ والسبب أن شبح الموت كبِّر وضخِّم للناس وعاشوا خوفاً، وإلا لماذا هذا الخوف؟ وكيف يصبح أعداء الله أشجع من المسلمين، بل تجد الاشتراكيين يقدمون جماجمهم تحت الدبابات، وهكذا والبعثيين والماركسيين، والشيوعيين في أفغانستان كيف قتلوا هذا القتل والإبادة؟! مع العلم أنهم يقدمون على المعركة من أجل مبادئهم الباطلة, ونحن أهل مبادئ لا إله إلا الله: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104] ويقول تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] يقول أحد الشعراء واسمه النابغة الجعدي: والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: كيف تنتصرون على العرب، وهو كان من قبيلة بني جعدة وكانوا من الشجعان شجعان، قال: كيف تنتصرون على العرب؟ قال:
تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا |
فلما قرعنا النبع بالنبع لم تكن على البعد أنت في عيدان تسترا |
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا |
فتبسم عليه الصلاة والسلام, ومعنى البيت: هم شجعان ونحن شجعان لكنا أصبر منهم، ثم يقول في بعض أبيات:
بلغنا السما مجداً وجوداً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
قال: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة يا رسول الله! قال: لا فض فوك -وليس لا وظفوك!- قال: فما سقط له سن وقد عاش مائة وعشرين سنة وليس هذا شاهدنا, بل الشاهد الصبر والتحمل، ونحن لا نخاف الموت، بل لابد أن نربي أطفالنا أن يخرج الطفل بعد صلاة المغرب إلى الشارع وإلى البيت الآخر، ما يخاف من القطط والكلاب والحمير والوحوش بل يبقى صامداً شجاعاً أما حياة الجبن والخور فيجب أن نزيحها تماماً، ويقولون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت أمه تلاعبه وهو صغير وتقول:
بأبي وأمي حيدره كليث غابات كريه المنظره |
ويقولون كان علي إذا سقط على الأرض وسال دمه لا يبكي مثل الأطفال لكن علياً من جرأة قلبه لا يبكي، وكان إذا بارز الكافر يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندره |
فهذا هو إنتاج محمد عليه الصلاة والسلام, أما أن يوجه الناس إلى الحياة فقط ويحبب لهم الركود ويصبح لا هم لهم إلا الاستقرار بدون جهاد وتضحيات؛ فهذا ينتج جيلاً جباناً لا نحتاجه ولا يحتاجه الإسلام. فشبح الموت زال عنا ووجدنا أن الموت قريب والحمد الله، وأن هذه الأوهام التي يخوف بها الناس لا حقيقة لها ولو مات الإنسان أو قتل ففي سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً [آل عمران:145] وهناك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:52].
وقد سمعت مقالة لأحد الناس يقول: نحن في عصر حرية الرأي.. وكلام يشبه هذا، وعصر الإخاء الإنساني الذي يجب أن يزال وينزع فيه السلاح وتتهادن الشعوب، وقضية العداء الديني نزيله من أذهان الناس وهذا الكلام مخالف لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، سبحان الله! وأي إخاء إنساني؟! وماذا يربطك بالكافر؟! قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] فلا مودة ولا إخاء إنساني، فأخونا من اقترب معنا في إخاء لا إله إلا الله, قال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] هذا هو أخونا وحبيبنا وبلده بلدنا:
وأينما ذكر اسـم الله في بلـد عددت ذاك الحمى من صلب أوطانِ |
في الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـالرقمتين وبـالفسطاط جيرانِ |
أما إخاء يدخل أبا لهب وأبا جهل في الإسلام فلا نريده أبداً، فـبلال لما قال: لا إله إلا الله وسلمان الفارسي لما قال: لبيك اللهم لبيك، وصهيب الرومي لما أقبل يقول: الله أكبر الله أكبر أدخله صلى الله عليه وسلم تحت مظلة إياك نعبد وإياك نستعين ودخلوا الجنة.
فلما جاء أبو طالب القرشي وأبو لهب القرشي والوليد بن المغيرة القرشي وكفروا بلا إله إلا الله دخلوا النار.
إذاً: هذه المقولة ليست صحيحة، وقضية مسالمة الكافر ليست بواردة, بل لا بد من الجهاد حتى تنتصر لا إله إلا الله كما قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم وقلوبكم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، القلم يجاهد، واللسان يجاهد، والسلاح يجاهد؛ لتنتصر لا إله إلا الله؛ لأن المستعمر صار دخيلاً في الأرض ليس له حق البقاء، أي كافر سواء الصليبي أو اليهودي أو الشيوعي أو القومي أو البعثي؛ ليس له حق البقاء في الأرض، بل البقاء للا إله إلا الله محمد رسول الله فقط -فيا أيها الإخوة- لا بد من الصراع حقيقة، ليل ونهار, رشد وضلال, حق وباطل من سنن الله في الكون، ولو كان الحق لا توجد عقبة في طريقه لاهتدى الناس جميعاً ولما عرف الصادق من الكاذب، ولكن أبى الله إلا أن يميز أولياءه من أعدائه.
فيا أيها الإخوة الكرام! هذه من ثمرات النصر التي وقفنا عليها وشاهدناها وعشناها ونسأل الله أن ينعم علينا وعلى الأمة الإسلامية بنصر خالد تعود فيه بلادنا إلينا وتحكم فيه شريعته في الأرض كلها وتنتصر لا إله إلا الله ويزاح الباطل, ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يرزقنا وإياكم الشهادة في سبيله، وأن يمنحنا موتةً على منهج رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يجعلنا من أتباع دينه، وأنه إذا أراد بقوم فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين ولا مفرطين ولا ضالين ولا مضلين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: العلم عند الله، والذي يظهر أن هذا الرجل منته، فقد احترقت أوراقه وقصم ظهره وأصبح مبغوضاً من شعبه، والمشكلة أن حزبه قوي عنيف ولكن لا قوة فوق قوة الله عز وجل، وإلا فهو قد ربى الحرس الجمهوري خاصة وهو ما يقارب مائة وخمسين ألفاً وقيل أكثر وهو نزيف من الناس، ولكن منذ أن يبلغ الإنسان رشده أو في سن التمييز يذهب به إلى المدرسة العسكرية ويتلقى تعاليم صدام ويسبح بحمده ولا يرى إلا هو، فهم له موالون, لكنهم منتهون بإذن الله وسوف يقصمهم رب العزة، والوضع في العراق خطير؛ لأن هناك ثلاث جهات أو أكثر:
1- جبهة رافضة وهي الكبرى.
2- وجبهة الأكراد وهي سنة، لكن ضعيفة.
3- وجبهة الشيوعيين.
وربما تكون هناك جبهة الديمقراطيين الوطنيين.
وسمعت أنها اجتمعت في لبنان لتشكل حلفاً ضد صدام وتسقطه، وعلى كل حال -والله أعلم- الذي يظهر أن حزب البعث سوف ينهار وينسحق بعد وقت، وهذه من المبشرات، لكن الذي يأتي بعده ما ندري، وقد تشكل حكومة ائتلافيه من كل هذه الأحزاب وهذا هو الحال في هذا الوقت إن أرادوا إسقاط هذا المجرم.
الجواب: على كل حال هذه الاحتمالات لا ندري صحتها وعلمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، فمسألة لو لم يكن هذا لكان كذا؛ هذه في علم الله عز وجل, لكن الذي يظهر أن حزب البعث وجيش البعث قد خذله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإلا فتصور جيشاً تعداده ما يقارب المليون وكان في الكويت ما يقارب نصف مليون مسلح بآلياتهم وقواتهم ودباباتهم وكان عندهم من الدبابات ما يقارب خمسة آلاف وخمسمائة دبابة, وهذا يسمونه رابع قوة في العالم، ومع ذلك خذلوا. على الأقل مع قوة كهذه لو أراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شيئاً لقتل كثيراً وتوقع الناس أن يقتل ألوفاً بل عشرات الألوف من الشعب الذي يقابله, لكن خذله الله.
وخذلانه ظهر من أول لحظة فإنه دُمر وذهب طيرانه وأتى إلى المعركة بدون غطاء جوي وسحق سحقاً بيناً واستسلم جنوده وأعمى الله بصيرته أن يتقيد بالشروط من قبل ثم افتضح أمام العالم؛ فذهب ما يقارب من جيشه مائة وخمسين ألف أسير، ودُمَّر ما يقارب أربعة آلاف دبابة، ودمر اقتصاده ومشاريعه وإنتاجه ثم افتضح أمام العالم فأخذ قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، اثنا عشر قراراً فابتلعها كما يبتلع المريض الحبوب ولباها، ووجد أن الأسرى عنده بالعشرات وما قتل أحداً، وهذا خزي وعار، فأين جبروته الذي لا يسلطه إلا على أفراد شعبه وعلى دول الجوار؟!
فالقوة قوة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإلا كان بالإمكان أنه ما قصم كل القصم، وما تلقى من غارات ولو أثرت فيه لكن بقي له قوة فانخذل وعاد وتراجع وانسحب، بل العجيب مما علم من بعض التقارير التي سمعت من بعض المراسلين أنه أمر هو في اليوم الأول بعد الهجوم البري بسحب الدبابات من الكويت وبقي الأفراد بالرشاشات أمام الناس، وهذا من الخذلان العظيم، ثم أتى يقاتل الناس وما عنده غطاء جوي، وهذا من الخذلان العظيم ثم قطعت موارده وما غطى خطه الخلفي الذي يمد من البصرة إلى الكويت وهذا من الخذلان العظيم، ثم كان يقول له قادته: القوة التي نصارعها قوة عالمية رهيبة وقوتنا أصغر من قوتهم، فكان يعدمهم ويعزلهم، فقد عزل اثنين من وزراء الدفاع أثناء الأزمة وقتل الثالث وهذا من الخذلان العظيم، وعلى كل حال يقول تعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160].
الجواب: هذا السؤال فيه شقان:
الشق الأول: ما يتعلق بالناس من أنهم لم يلاحظ الأخ عليهم عودة إلى الله، وأظن أنه لم يلاحظ العودة في هذه الأيام الوجيزة أو أن الإنسان لا يستطيع أن يستقرأ العودة في عيون الناس وقلوبهم ووجوههم, لكن لوحظ عودة كثير من الناس، ومن يلاحظ أخبار الناس ويتأملهم وجد ذلك وعلى كل حال إذا التزمنا بما نحن فيه من خيرية ولو أنها قليلة فهذا خير كثير, إذا لم تستطع أن تزيد على ما معك فالزم ما عندك:
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ |
لأن بعض الناس -والعياذ بالله- بعد الانتصار يبطرون ويتكبرون ويتجبرون فيرتدون على أعقابهم.
وأما ما ذكر الأخ من بعض المعاصي ودور المعاصي وأماكن الربا, فنسأل الله عز وجل أن يوفق ولاة الأمر وأن يهديهم إلى سواء السبيل؛ لإزالة مثل هذه الأماكن وهذا يرفع إليهم، ونسأل الله تعالى أن يهديهم قراراً حكيماً يتخذون بشأن هذه وهذا الذي نأمله؛ لأنهم هم الذين يملكون هذا القرار المهم في حياة الأمة وهذه أمنية السواد الأعظم من أمة هذه الرسالة؛ لأن الشعب هذا شعب مسلم علمه لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويحب الله ورسوله، حمل وثيقة إياك نعبد وإياك نستعين، وما أظن أنهم إذا رأوا هذا وتأملوا إلا هداهم الله عز وجل لما فيه خير للإسلام والمسلمين.
الجواب: ما ذكره الأخ من طلب التحدث عن شهر رمضان فقد سبق بالأمس محاضرة بعنوان (هدي السلف في رمضان) وقد أشبع فيها الكلام بما فتح الله عز وجل، وفيها مسائل مهمة -والحمد لله الشريط سهل التداول- وإعادة الكلام وتكراره على الناس صعب، فأنا آمل من الأخ إن استطاع أن يعود إلى الشريط الذي به محاضرة الأمس (هدي السلف في رمضان) ولكن بهذه المناسبة يمكن أن أقول: إن أعظم ما يمكن أن نستقبل به رمضان أن نجدد توبتنا وعودتنا إلى الله, واعلم أنه إذا انسلخ منك رمضان وما حرصت على أن تعتق رقبتك من النار فقد خسرت خسراناً مبيناً -نعوذ بالله من الخسران- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رغم أنفه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من أدركه رمضان ولم يغفر له} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فيا أخي! احرص على أن تعتق رقبتك من النار بالطاعات والتوبة إلى الله، وأما بقية المسائل ففي المحاضرة السابقة.
الجواب: يقول العربي:
وإذا تكن ملمة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب |
وهذا بيت يمثل به الشجاع العربي أخاه وهو، يقول: إذا كانت هناك مهمة وكلفة ومشكلة أدعى أنا لأحمي أهلي، وإذا كان هناك حيس -والحيس: هو البر بالسمن- يدعى جندب أخوه، يقول: وهذا ليس صحيحاً، فبعض الناس للحيس، يعني أوقات الراحة والتسلية على الأمة، بل بعضهم كما يقول تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8] وقرأت مقابلة مع مغن في أحد الصحف قالوا: ماذا قدمت للأمة في تلك الأزمة؟ قال: قدمت لهم صوتي ووتري وعودي -الله أكبر! جزاك الله خيراً ما هذا الطموح؟!- قال: وأنشدت نشيداً وطنياً قلت فيه:
الله الأول وحبـ ك يا الوطن ثاني |
وهذه الكلمة شرك في حد ذاتها، وقد نبه أهل العلم أنه لا يجوز إطلاقها وهو يعني أنه هزم صدام حسين بالوتر والعود!
والجيوش العربية كانت تتوخى ألا تسمع نشيداً في المعركة ولا غناء لأنها تنهزم، ويقولون معركة عبس وذبيان كانت من أسباب انهزام إحدى القبيلتين أنهم سمعوا مغنية معها عطر اسمه: منشم، فانهزم الجيش كله فيقول زهير:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم |
فالأمة لا تحيا ولا تنتصر بالغناء والمجون واللهو والضياع والتفلت, فنحن أمة لنا رسالة خاصة واتجاه ولنا مبادئ محددة, والحمد لله الأمة في غنى عن الغناء والضياع, وعندها مبادئ وسماع شرعي رحماني أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين واليابانيين واليونان والروس والصينيين إذا استمعوا الغناء, فما عندهم قرآن, لكن عندنا السماع الشرعي المحمدي القرآني وعندهم السماع الشيطاني الطاغوتي اللاهوتي الضائع، فلا يجوز أن تقرن هذا بهذا, والحقيقة أن الأحداث تتكلم عن نفسها، فقد رأينا من هو أعود على الأمة صلاحاً, هل هو الطيار والطبيب والمهندس والداعية والمعلم والأستاذ والتاجر المسلم؟ أم هو المغني والمطبل والضائع والكاتب بلا هوية والمرتزق بمبادئه والمتعاطي بقلمه, يقول تعالى: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة:60].
الجواب: السبعة اسم جنية، وهذه الإشارة فيما قرأت لـجيجون الفرنسي فقد كان يشير بها الجيش الفرنسي ثم نقلت إلى أنحاء العالم، وقد أشار بها أبو عمار في ثالث هزيمة تعرض لها، فلما طرد من بيروت أشار للفلسطينيين بهذه، ولما سحق كذلك بعض الفلول له، وهذه مصيبة فلسطين مصيبة لنا نحن ولا يحرر فلسطين إلا المصلون العابدون، وليس هي قضيتهم وحدهم بل هي قضيتنا نحن أيضاً، وقضية المسلم الهندي والأفغاني, والمسلم التركي والكردي، إنما المقصود بها أن يشيروا بها إلى الهزائم:
واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب |
ومن النكات التي سمعتها -ربما كانت من الإسرائيليات لكن كان يحدث بها بعض الشباب في بعض الجهات- أن طارق يوحنا وهو وزير خارجية العراق وهو نصراني طارق يوحنا عزيز وهم يحذفون يوحنا تمويهاً على الناس:
طلقة في رأسك اليوم تطلقها للفرود وطلقة في رأس حنا وطلقة في علا |
فـطارق هذا يقولون -وهذا من الظرائف: إنه دخل بعد أن اجتاحت القوات الكويت على صدام وأشار إليه بهذه الإشارة فقال: بشر، قال: ما بقي اليوم إلا أنا وأنت! أما علامة النصر عندنا فهي رفع السبابة قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] وكان صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه عند الدعاء والذكر فهذه علامتنا، أما هذه العلامة فهي علامة الانهيار والهزيمة وما حملها إلا عميل ومستخذ ومجرم وربما يفعلها بعض الناس جهلاً أو تشبهاً وهذا ما يجرم هذه الفعلة لأنه يكون مخطئاً ونقول له: لا، الإشارة الأولى أحسن، وهذه تب واستغفر واتركها.
الجواب: أولاً: لست بحديث عهد بـأفغانستان من قبل سبعة أشهر أو تسعة أشهر كنت هناك مع بعض الإخوة وأتيت بالأخبار اسمه: " ليالي في أفغانستان " إنما مجمل ذاك أن الجهاد رفع به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جبهة الأمة الإسلامية وأثبت لنا أن القوة الأرضية مهما كانت أمام الحق فهي لا شيء, فمجاهدو الأفغان لما احتلت روسيا كابل خرجوا من المساجد بالكلاشنكوف يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا |
وهذه وحدها تكفي؛ لأن تكون ميثاقاً وعلامة أن الأمة لا زالت مستطيعة، إذا جدت وواصلت سيرها واستعانت بربها أن تنتصر على عدوها وهي قضايا أخرى وحقيقة أن إدخالاً لموضوعات في موضوعات أو طرق بعض المحاضرات في بعض المحاضرات قد يأخذ وقتاً طويلاً أو يمل السامع.
الجواب: من القصائد مقطوعة الرسول صلى الله عليه وسلم عارضت بها البردوني شاعر اليمن وله قصيدة رائدة من أجمل ما قيل، مع العلم أني نبهت أن البردوني هذا مجرم، عمره الآن ما يقارب السبعين سنة لكنه بعثي ويحمل الاشتراكية والقومية أعمى القلب والبصر قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّه [الجاثية:23] لكن أتته مرة ثائرة من حادث، فألقى قصيدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صنعاء وهي من أروع ما قيل، يحيي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول:
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار |
بشرى النبوة طافت كالشذا سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوار |
وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار |
ثم يقول يا رسول الله:
أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار |
نحن اليمانيين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار |
إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار |
فقلت في قصيده:
صوت من الغور أم نور من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار |
يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعمار وأقطار |
تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري |
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والناري |
أنت اليتيم ولكن فيك مـلحمة يذوب في ساحها مليون جبار |
فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار |
يبيع ذمته في الـرجس في وثن والدين ينهاه منه في شف هار |
لو بيع في السوق ما حازوا له ثمن ولو شروه لكان الغبن للشار |
جمع الـطوابع من أسمى هـوايته ذو همة بين خباز ونجار |
فهذه من المقطوعات وأستأذنكم في البقية.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر