وفي مقدمة هذه المحاضرة يسعدنا أن نرحب بالشيخ الفاضل المبارك الداعية، الشيخ: عائض القرني في محاضرته التي هي بعنوان: (محمد إقبال شاعر الحب والطموح) فحياه الله وحياكم جميعاً، وبين يدي محاضرته الكريمة نقدم له تحية عاطرة في باقة شعرية لأن الشيخ يحب الشعر، وتهتهز أريحيته لسماع الشعر:
سلام من الأعماق يا شيخ عائض سلاماً يضاهي الغيث بالحب ناهضُ |
حللتم سويداء القلوب بفضلكم فلله كم يسمو وكم هو رائض |
ومرحى بكم في معقل العلم والهدى وطئتم رياض الود والود نابض |
ولله در الشيخ إن قام واعظاً فمن غيض ما يلقيه والبحر فائض |
فكم من قلوب هزها بحديثه وكم من دموع سيلتها المواعظ |
إذا شئت علماً فالزم البحر زاخراً وإن شئت شعراً فالمُزون العوارض |
وإن كنت مشتاقاً إلى ورد منهل تبل الصدى منه فنعم المرابض |
فما يعرف الأشواق إلا مكابد ولم يدر طعم النفل إلا الفرائض |
سيشهد هذا الجمع بالحق داعياً إلى الله بالحسنى هو الشيخ عائض |
والآن أدعو فضيلته ليعطينا ما ييسر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له،فليتفضل جزاه الله وإياكم خير الجزاء.
نعم عنوان هذه المحاضرة:(إقبال شاعر الإيمان والحب والطموح). وزدت هذه الليلة كلمة الإيمان, ورقم هذه المحاضرة العاشرة بعد المائة، وقبل أن أبدأ أشكر لأهل الفضل فضلهم, وعلى رأسهم هذا الأستاذ الحبيب، والأديب الأريب عبد الله بن محمد بن حميد وقد أخذني على غرة بهذه الأبيات، وما كنت أعلم بها, وأقول له كما قال المتنبي لسيف الدولة:
أتاني رسولك مستعجلاً فلباه شعري الذي أذخر |
ولو كان يوم وغى قاتم للباه سيفي والأشقر |
أصرف نفسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمر |
فشكر الله له كلماته, وأنا أعرف أنه يحبني ولذلك تغاضى عن نقصي وزاد في مدحي.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا |
أنا أشهد الله على محبته ومحبتكم فيه، وأسأل الله عز وجل لي ولكم وله الثبات والهداية والسداد، والرشد والتوفيق.
أيها الإخوة: هذه المحاضرة عن شاعر عالمي وليس بإقليمي، ليس على مستوى أبها وليس على مستوى الجزيرة ولا على مستوى العرب، ولا على مستوى المسلمين، إنه شاعر على مستوى القارات الست، يعرفه الناس جميعاً، يعرف محمد إقبال الأمريكان، والأوروبيون، والهنود، واليابانيون، والصينيون، والأتراك، والأفغان، يعرف محمد إقبال العلماء والأدباء والجامعات، تعرفه الفلسفة والأدب، وتعرفه القصة والمسرحية، وأنا لن أبالغ في مدحه هذه الليلة لأنه مشهور عندكم, ولكني سوف أتكلم في ظلال هذه الكلمات الثلاث: الإيمان، الحب، الطموح.
الإيمان بالله تبارك وتعالى رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالإسلام ديناً، والحب ما هو معناه الذي ترجمه محمد إقبال؟ والطموح يعني الهمة العالية التي تحدت حدود الزمن وآفاق التاريخ.
أولاً: القرآن الكريم: كان محمد إقبال يقرأ القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم، ولا يختم المصحف -كما قيل عنه- حتى يبله بالدموع، كان يتأثر تأثراً بالغاً من القرآن لأنه عرف مشارب الجاهلية, قرأ الفلسفة وقرأ العلوم الأخرى وسافر إلى الغرب وذهب وأتى.
ثانياً: إطلاعه الواسع: يقول عنه الدكتور الشرباصي: أظن أنه ما وقع كتاب في يد محمد إقبال إلا التهمه، والرجل ذكي ذكاءً خارقاً إبداعياً رهيباً، فلم يك رجلاً عادياً.
ثالثاً: خروجه إلى العالم: خرج أولاً من بومباي إلى قناة السويس ثم ذهب إلى أوروبا، واستقر في لندن فترة من الفترات، ثم ذهب إلى ألمانيا فحضر رسالة الدكتوراه في الفلسفة، ودرسها هناك في الجامعة, ثم عاد يطوي العالم, ومر بالعالم العربي، وكان يلقى ترحيباً واسعاً من العالم، وكان إذا هبط بلداً سمع الناس بقدومه فخرجوا لاستقباله.
كانت محادثة الركبان تخبرنا عن جعفر بن فلاح أروع الخبر |
حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري |
يقول أبو الحسن الندوي في كتابه روائع إقبال صـ20: وجدته شاعراً في الطموح والحب والإيمان، أشهد على نفسي أني كلما قرأت شعره جاش خاطري، وثارت عواطفي، وشعرت بدبيب المعاني والأحاسيس في نفسي، وبحركة للحماسة الإسلامية في عروقي.
وتلك قيمة شعره وأدبه في نظري، وأشهد على ما شهد عليه أبو الحسن الندوي أنه يأتيني أمر عجيب إذا قرأت شعره, وسوف أورد نماذج من شعره في هذه الليلة.
يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: كدت أتوافق أنا ومحمد إقبال في المعاني، وربما توافقنا في الألفاظ.
وحياة الرجلين متفقة في مجملها؛ فذاك درس الدراسة الغربية، وهذا كذلك، وذاك يملك طموحاً وهذا كذلك، وذاك يملك عصا الإيمان، وهذا كذلك.
شعراء الضلال سحار فرعون وأنت العصا وأنت الكليم |
تزوج ثلاث مرات، المرة الأولى لم يوفق وأنجب من زوجته الأولى طفلتين وولداً، وتزوج الثانية ثم الثالثة.
كان يسكن بيتاً متواضعاً، فقيل له: لماذا تسكن هذا البيت؟ قال: إني أسكن العالم. وبالفعل كان يسكن العالم، كان يتبرم بالأوضاع التي يعيش فيها، وينظر إلى الهنود وإذا هم يعيشون حياة بعيدة عن الإسلام، وينظر وإذا المسلمون مستخذلون بالاستعمار، فينفر ويقطب جبينه ويحاول أن يثور كالبركان.
كان مريضاً في حياته، والعظماء كثيراً ما يمرضون، فتجد العظماء عندهم خلل في الهيكل الجسمي, قطع الغيار عندهم لا تتوفر، إما الكلى أو الرئة أو العين أو اليد، وهذا أمر معلوم بالاستقراء والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلى وأعلم.
عاش في فترات ثلاث:
الفترة الأولى: فترة الشباب:
قضاها في العلم النافع، وهو علم مجمل من علم الشريعة، والرجل ليس مفتياً ولا واعظاً وإنما كان عنده علم مجمل، ويخالفه طلبة علم وعلماء الشريعة في بعض القضايا التي سوف أعرج عليها.
أنا -يا أيها الأخوة!- لا أعرض عليكم الليلة محمد إقبال على أنه مفتٍ، ولا من هيئة كبار العلماء، ولا شارحاً للطحاوية، إنما أعرض عليكم محمد إقبال شاعراً عالمياً، لا نجد مثلاً للشاعر الذي يقدم للإسلام شعراً قوياً أصيلاً إلا محمد إقبال.
وأنا أعرف أن أمامي من الدكاترة والأساتذة والأدباء من قد يخالفني في بعض المسائل ويوافقني في البعض ولكن أقول لهم:
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد |
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد |
الفترة الثانية: فترة الرجولة:
عاش إقبال صارخاً في شعبه يريد أن يوحد دولته، ولذلك هو الذي كان سبباً في إقامة دولة باكستان بعد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأهل باكستان اليوم إذا احتفلوا بعيد محمد إقبال يخرج ثمانون مليوناً في الشوارع، يحملون صور محمد إقبال ويهتفون:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنياً لمن لم يحي ديناً |
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قريناً |
والشعر شعر إقبال.
الفترة الثالثة: فترة الشيخوخة:
قضاها متأملاً , كان يصعد إلى الجبال ويكتب، ونحن لم نفهم شعره, لكنه مترجم, وربما تكلم بالعربية ببعض القصائد فحرك الأجيال، يقول الباكستانيون: كان يكتب قصيدة في الليل، فتنشر في الصحيفة في اليوم الثاني -كما يذكر الشرباصي وغيره- فيخرج الشعب هائجاً مائجاً في الشارع, وهذا والله الأدب، وهذا والله السحر الحلال، وهذا والله الفيتامين الذي ما ملكه إلا محمد إقبال؛ أن ينظم قصيدة وتنشر في الصحيفة ثم يخرج الملايين يدندنون بفكرته، ولذلك ثاروا على الإنجليز وأقاموا دولة, وسوف أعرض لبعض مقتطفاته.
- وكتب عن إقبال نجيب الكيلاني في قصة طويلة أسماها: (إقبال الشاعر الثائر).
إقبال في مسجد قرطبة للدكتور عبد الوهاب عزام.
- فلسفة إقبال , للدكتور علي شعلان الصاوي.
- إقبال وموقفه من الحضارة الغربية: لـخليل الرحمن عبد الرحمن.
- إقبال العرب: لمجموعة من العلماء.
- وكتب عنه طه حسين مقالة.
- وكتب عنه العقاد مقالة، وذكره في كثير من كتبه.
- وذكره الطنطاوي في مقالات, ونسي نفسه وهو يتحدث عن إقبال.
- وتعرض له سيد قطب كثيراً وأشاد به.
- وكتب عنه مقالة المراغي شيخ الأزهر.
- وكتب عنه كذلك الشرباصي.
ولا أعرف مفكراً إسلامياً إلا تكلم عن محمد إقبال , إما بقصيدة أو بموعظة أو بكلمة أو بمقالة.
وعندي قضايا هذه الليلة أعرضها عن حياة محمد إقبال.
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه |
قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه |
يقول إقبال في قصيدته الطويلة "شكوى" دمعة أرسلها من عينه وتكلم بها في قصيدة يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي، يشكو من المسلمين ويشكو من بعدهم عن دينهم وعن رسالتهم، ويبين لهم أن انتصار الإيمان في الدنيا أمر مجمع عليه, وأن الإنسان لا يصلح إلا بالإيمان وأن الدنيا لا تصلح إلا بالآخرة، وأن المسجد لا يصلح إلا مع المزرعة والمزرعة مع المسجد، هذا هو ما يريد أن يقوله للناس. ولذلك يخالف السعد الشيرازي والسعد الشيرازي: واعظ أفغاني وشاعر كبير, وقيل: هو عجمي إما من حدود إيران أو نحو ذلك, وكنت أظنه من شمال إيران، ويقول عنه محمد إقبال: وهو عالم وواعظ يريد أن يبقى في طرف المسجد وأنا أريد أن أحرك العالم كله، أريد أن تسلم لندن، وأن تسلم موسكو وبون لله رب العالمين، أما السعد الشيرازي فيريد أن يبقى مع كسر خبزه وملحه يعظ الناس في شيراز، فأنا أختلف معه، والسعد الشيرازي شعره جميل, يقول:
بكت عيني غداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا |
فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا |
وأسعدت التي بالدمع جادت بأن أقررتها بالوصل عينا |
ويقول:
ما مر من طيف الهوى بمسمعي لو سمعته الورق ما ناحت معي |
يا معشر الخلان قولوا للمعافى لست تدري ما بقلب الموجع |
أما إقبال فيقول عن هذا:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا |
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا |
تساندها الكواكب فاستقرت ولولا الجاذبية ما بقينا |
وفي التوحيد للهمم اتحاد ولن نصل العلا متفرقينا |
هذه من قصائده في الإيمان، ويقول عن المؤمن والكافر، يصف الكافر بأنه ضيق ضيق ومتخلف متخلف وحقير حقير في علم الله وفي الأرض والكون، ويأتي بالمؤمن فيجعله عالماً وكوناً، يقول في بيتين:
إنما الكافر تيهان له الآفاق تيه |
وأرى المؤمن كوناً تاهت الآفاق فيه |
تدبروا واسمعوا السحر الحلال، يقول:
الكافر يتوه في الآفاق، والمؤمن تتوه الآفاق فيه.
ويصف مشاعره وأحاسيسه في قصيدة اسمها: "إلى مدينتك يا رسول الله" وأنا قد ترجمت منها بعض المعاني, وعبد الوهاب عزام ترجم كثيراً منها , وأبو الحسن الندوي آثر أن يترجمها نثراً، فترجمها نثراً لأنه ليس بناظم. يقول أبو الحسن الندوي:
يا رسول الله! زرتك البارحة في المنام فأتيت إليك أشكو ظلم الهنود، وأشكو ما فعلوا برسالتك، إنهم يا رسول الله! حولوا رسالتك إلى تمائم ومسابح وإلى رقصات، إن رسالتك يا رسول الله! انبعثت من المدينة فأحيتني وأحيت أمثالي, لكن رفض الهنود أن يستجيبوا لك يا رسول الله. ثم يصف خروج الرسالة من طيبة الطيبة وذهابها إلى العراق ثم إلى الأتراك ثم إلى الهنود، وأنها ترتفع بإذن الله لتغطي الدنيا:
من ثراها قد كتبنا النور في دنيا الوجود وعلى أهدابها صغنا معان من خلود |
حكمة الإيمان من طيبة سارت للعراق وهفا الأتراك في دنيا رُؤاها والهنود |
وكانت قضيته الكبرى أن يؤمن الناس.
وأرسل رسالة إلى لينين، وكان محمد إقبال مشهوراً على مستوى العالم يعرفه لينين، ويعرفه أذناب الشرق والغرب، يقول:
اتق الله يا لينين! فإنك قصمت ظهر الرأسمالية فأحسنت، فألحق بقصمك لـالرأسمالية لا إله إلا الله. لينين هذا ثار على الحق الفردي في الرأسمالية , ولكنه أخرب كل الخراب عليه لعنة الله، كفر بالله، يقول: لا إله والحياة مادة. يقول: تعال بلا إله إلا الله. ولكن ذاك رفض.
ودخل على نادر شاه في كابل , ونادر شاه كان ملك أفغانستان آنذاك، وكتب رسالة إلى محمد إقبال يقول: أقدم إلينا أقدم إلينا، فدخل محمد إقبال فخرج الأفغان ألوفاً مؤلفة في الشوارع يستقبلونه، فأخذ -قبل أن يقابل الرئيس أو الملك- نسخة من المصحف وأعطاه وقال: يا نادر شاه! والله لن تعلو بشعب الأفغان حتى تأخذ هذه الوثيقة, إنني أتيت بها من الله. يعني: أن هذا القرآن من الله.
إن كان لي نغم الهنود ودلهم لكن ذاك الصوت من عدنان |
يقول: أنا أتكلم بالهندي ولا أعرف اللغة العربية, لكني يا رسول الله! أحبك وأموت في حبك وقلبي عربي.
ويقول في مقطوعته:
هضبات نجد في مغانيها المها ومحاور الغزلان ملء تلالها |
والمجد مشتاق وأمة أحمد يتهيأ التاريخ لاستقبالها |
هكذا انبعاث الأرواح والإيمان والعقائد في أبيات الشعر:
والمجد مشتاق -يشتاق إلى أمة الرسول عليه الصلاة والسلام.
والمجد مشتاق وأمة أحمد يتهيأ التاريخ لاستقبالها |
كأن التاريخ نائم، ثم أفاق وما رأى أمة جديرة بأن تقود التاريخ والدهر والزمن إلا أمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقف يستقبل هذه الأمة.
ثم يقول:
سبحانك يا رب! خرج من الصحراء أناس كانوا يعبدون اللات ومناة والعزى، ثم أصبحوا يطوفون بالبيت لله، يقول:
وأصبح عابدو الأصنام قدماً حماة البيت والركن اليماني |
من هم؟ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. أصبح عكرمة وخالد اللذان كانا يطوفان بمناة واللات يحملان لا إله إلا الله والرسالة الخالدة, ويطوفان بالبيت لله رب العالمين. ويقول في قصيدة له اسمها: (تاجك مكة):
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا |
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا |
من هم؟ العرب، العرب المسلمون، لا عروبة القومية ولا البعثية ولا العلمانية، لكنها عروبة لا إله إلا الله، عروبة تجري في دمك بإياك نعبد وإياك نستعين، عروبة أن تتوضأ وتسجد لله خمس مرات في خمس صلوات، عروبة أن تقول: لا إله إلا الله، فتهتز لها وتقدم دمك من أجلها. يقول:
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا |
وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا |
يقول: وكأن السيوف في المعارك تقدم لنا باقات من الزهر عند خالد وسعد وطارق وصلاح الدين، يقول:
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا |
يقول: ما كنا نأتي بأرواحنا في أجسامنا، كنا نبيعها لله قبل المعركة، والثمن الجنة, إن الله اشترى، وسوف يأتي بها في قصيدة (إن الله اشترى) قال: فكنا نأتي بأرواحنا في أكفنا إليك يا ربنا فنبيعها منك.
لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا |
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي خلق الوجود وقدر الأقدارا |
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهـ ـدمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا |
يقول: يا رب! أما فتحنا الهند -يعني: أجدادنا فتحوا الهند - أما فتحناها فقدموا لنا الأصنام وقلنا: لا لا نريد الأصنام؟ قالوا: من ذهب اشتروها؟ قلنا: لا فحرقناها وحرقنا الكفار معها، وهدمناها وهدمنا الكفار عليها، أليس نحن المسلمين؟ يقول:
محمود مثل إياز قام كلاهما نكبا العبادة تائباً مستغفراً |
العبد والمولى على قدم التقى فارحم بوجهك عبد سوء في الثرى |
والمقصود من هذين البيتين محمود بن سبكتكين المسلم، كان عنده ألف ألف من الأبطال فتح بهم ما وراء نهر سيحون وجيحون، ثم قدموا له الأصنام فرفض كما فعل قتيبة بن مسلم وقال: لا والله لا يدعوني الله يوم القيامة ويقول لي: يا مشتري الأصنام، ولكن يدعوني: يا مهدم الأصنام، فكسرها بفأسه، وأحرقها وأتى بالملك فذبحه ثم نكسه على الصنم. فيقول: محمود مثل إياز، وهو خادم محمود بن سبكتكين , وهو قائد الراية بعده رحم الله الجميع.
محمد إقبال في قصيدة له بعنوان " آه من لهفات إلى الحجاز ":
نغمات مضين لي هل تعودوا أنسيم من الحجاز يعود |
آذنت عيشتي بوشك رحيل هل لعلم الأسرار قلب جديد |
لماذا يحب الحجاز؟! ألغبار الحجاز؟! ألجبال الحجاز السوداء؟! ألفقر الحجاز؟! لا.. لأن في الحجاز رجلاً مدفوناً هناك.
لأن في الحجاز نوراً انبعث.. لأن في الحجاز رسالة خالدة.. لأن في الحجاز جماجم الأبطال.. لأن في الحجاز مخرجاً من مخارج التوحيد والتاريخ.
في الحجاز محمد عليه الصلاة والسلام.. في الحجاز والكعبة والحجر الأسود وزمزم وطيبة.. في الحجاز آمال المسلمين وطموحهم، فهو يحب الحجاز. وله قصيدة اسمها " ناقتي في الحجاز " وصف نفسه وهو يبكي ويقول: يا ليتني أعتمر مرة ثانية, ولم تكن متسهلة له, كان يدرس في الجامعة الفلسفة، وشرح ديوان المتنبي , وكان يدور في الليل والنهار ويلقي محاضرات، وفي آخر عمره كان يلقي في اليوم الواحد عشر محاضرات, يريد أن يعيد الأمة إلى الله تعالى بشعره يقول:
يا ناقتي الخطارة وظبيتي المعطارة |
حثي الخطا قليلاً منزلنا قريب |
هذا من نظم الدكتور/ عبد الوهاب عزام، ولكن ذاك أفضع وأفضع، وذاك أقوى وأقوى, يقول:
يا قلب حسبك لا تفيق صراحة إلا على مصباح نور محمد |
يقول: لا يفيق قلبي إلا على مصباح نور الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول في عالم الإيمان قبل هذا:
بحثت عنك يا رسول الله! في ألمانيا فما وجدتك
هل سافر رسول الله إلى ألمانيا؟ لا.. إقبال درس في ألمانيا الفلسفة.
قال: وجدت القاطرات والسيارات، والشاحنات والطائرات، والثلاجات والبرادات والبنات وما وجدت من أنزلت عليه الآيات البينات عليه الصلاة والسلام.
محمد إقبال، وحالي، والسعد الشيرازي، وطاغور وشكسبير.
ويقول وهو يتفجع على المسلمين وقد زار قرطبة، ووقف أمام الجامع ولم يجد المسلمين, وجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله، وجد العاهرات وهن في محراب المسجد؛ فبكى، وجلس عند الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة وهو يقول:
أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال |
وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال |
وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي |
ثم يقول:
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال |
يقول: تؤذنون ولكن نغمة بلال لا تجيدونها، عندكم أذان ولكن لا تستطيعون أن تؤذنوا مثل بلال.
وجلجة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال |
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العبَّاد خالي |
وأما قصيدة (إن الله اشترى) فهو يتكلم بها إلى العالم الإسلامي كله, ويخبر بأهل بيعة الرضوان رضوان الله عليهم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111].
وفي مقالة له نثرية يقول:
أتيت إلى العرب فوجدتهم يتقاتلون، وأتيت إلى الأتراك فوجدتهم يصبغون بالبويات أطراف الزجاج. -أي: أصبحوا نجارين وخشابين وأتيت إلى الهنود وهم يبحثون على الخبز في الأسواق، ولكن ما وجدت من الأصناف من يحمل لا إله إلا الله للعالم، فكل مشغول بخبزه وسيارته ووظيفته، لكن ما وجد محمد إقبال جيلاً يحمل لا إله إلا الله.
يقول:
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى |
حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا |
ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا |
أين هم؟ من هم؟ إنهم أجدادنا.
أم مَن رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا |
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى |
إنهم المسلمون.
وهي من أبدع ما قال في حياته.
أما قصيدته المشهورة والتي يعرفها غالبكم وهي "شكوى "، فقد بدأها بقوله:
حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناء |
يقول: أنا أتكلم من روح إلى روح ومن قلب إلى قلب، أنا لا أتكلم إلى الآذان، فقد أكثرنا من الندوات والمحاضرات.
هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر السماء |
ومعدنه رخاميٌّ ولكن سرت في لفظه لغة السماء |
هذا محمد إقبال في شكواه يتفجع على المسلمين، ثم يقف على معالم أسبانيا بعد رحيل المسلمين من هناك، ويرى مساجدهم ويرى القرآن وحلقات العلم قد عطلت، ويرى الفرنجة قد استولوا على معالم الدين هناك فيقول:
قد كان هذا الكون قبل وصولنا شؤماً لظالمه وللمظلوم |
لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم |
وصف الكون بروض, ولكن هذا الروض يبس، وصوح نبته، وماتت أعشابه، وذوت أزهاره، وماتت أطياره، وجف معينه، فأطل محمد صلى الله عليه وسلم، فاهتزت الروح وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، لما أتى محمد عليه الصلاة والسلام اهتز الكون:
لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم |
مر معنا ماذا قال في ألمانيا عندما رآها ورأى حضارة القصور, وهو المنطق الإيماني، لكن من شبابنا من يسافر إلى هناك ويأتي يمدح لنا أوروبا، ويمدح لنا أمريكا، إنهم يمدحون ناطحات السحاب، والطائرات والسيارات والقاطرات , جلست مع شاب يتحدث عن أمريكا فقال:
رأيت في مدينة دلس عمارة طولها مائة وستة وخمسون دوراً. وهو مثلج الصدر متعجب، ويقولون: في أمريكا أكثر من ألف مطار، وفي أمريكا شوارع تحت الأرض لا يدري بها الذين فوق الأرض، ثم ترك هذا كله في جانب، وترك جانب الروح والإيمان. قال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:65-66].
أما تركوا منهج الله؟ أما قلبوا في الحياة لما انحرفوا عن لا إله إلا الله؟ أما انتحر الكثير منهم؟ أما تفصمت عرى الأسر عندهم؟ أما فشا الربا؟ وأصبحت المرأة سلعة رخيصة في المنتديات والمسرحيات؟ أما أصبح الشعب هائجاً مائجاً فارغاً؟ أما أصبحت الآلة عندهم أغلى من الإنسان؟ أما أصبح الإنسان عندهم من العجلة يأكل وهو واقف كالآلة؟ أما أصبح عندهم العبد مبرمجاً يذهب ويأتي؟ أما أصبح الرخيص عندهم يعمل ولكن عليه الجنابة سنة كاملة لا يغتسل؟ أما أصبح الإنسان يبول واقفاً كالكلب أمام الملايين من الناس في الشارع؟ أما أصبح الكلب مقدساً معظماً؟
احتج على كلب ضرب في دنفر ورفعوا فيه مذكرة، بينما شعب فلسطين والأفغان يسحقون بالألوف وما احتُج لذلك، بل التي تحتج ضد القرار دائماً هي أمريكا، هي صاحبة النقض نقض الله أساسها، وهي صاحبة الفيتو فتت الله رشدها دون هذا الشعب؛ لكن للكلب عندهم مقدراً, رأينا والله عجوزاً في أكلاهوما إذا أصبحت الصباح تغسل كلبها بالشامبو والصابون والماء الدافئ وكان الجو بارداً، ثم تركبه في السيارة بجانبها في الميمنة وهي تقود، وتطيبه وتعطره وتركب الميدالية في نحره، نحرها الله، أهذه هي الحضارة؟!! أمنتهى الحضارة أن يبقى الإنسان على هذا المستوى؟! محمد إقبال نثرها وخرج من ألمانيا , وأتى إلى المسلمين وأعلن أن الحضارة محتاجة إلى إيمان المؤمنين وصلاة المصلين وصدق الصادقين، يقول للمسلم:
أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك |
محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك |
يقول: ليس في العالم إلا أنت، ولا يضرك هذا الضجيج والإعلام والفلسفة، لأن أذناب العلمنة الذين ولدوا في لوس أنجلوس ودرسوا في ديفرسايد، ولا يعرفون القرآن ولا زمزم ولا توضئوا بالماء، طلسموا عقول الناس وجعلوا الدين خرافة ورجعية, فيقول محمد إقبال:
أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك |
يقول: أنت في لحافك، وأنت في طرف المسجد، أشرف من ألف من أمثال ريجن وكارتر وفورد، ثم يقول:
محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك |
يقول: لكنك لم تتكلم ولم تهدِ الشعوب. ويقول: كريسي مريسون الأمريكي كما ينقل عنه:
يا مسلمون! قدمنا لكم الثلاجة والسيارة، والغسالة والطائرة ولكن ما قدمتم لنا الإيمان. يقول محمد إقبال تكلم, اخرج, عظ الناس. وحضارتهم يسميها حضارة القشور والتبعية ويقول:
دخلت ألمانيا فأظلم قلبي، وانطفأت معالم الروح في نفسي، ونسيت حلاوة القرآن التي كنت أجدها في البنجاب، لماذا؟ يقول:
لأن الفتاة العاهرة تجلس بجانبي على كرسي الدراسة، وكأس الخمر على ماستي، يعني: زميله يجعله على ماسة محمد إقبال، وإلا فـمحمد إقبال مؤمن، فلذلك أتى وهو ثائر كالمصدوع، متفجر الرأس, وينذر الناس من هذه الحضارة ويقول: أيقظوا العالم, أيقظوا الناس، وجهوهم إلى الله رب العالمين.
هي بنت من؟ -يسأل الناس وهو يعرف أنها بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن يضخمها، وإبهام السؤال للتعظيم والتهويل، مثل قوله تعالى: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2] وقال تعالى: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-2].
هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ ثلاثة أمور, بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وزوجها علي وهي أم الحسن والحسين.
هي بنت من؟ هي زوج من؟ هي أم من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها |
أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها |
وعلي زوج لا تسل عنه فما أزكى شمائله وما أنداها |
إيوانه كوخ وكنز ثرائه سيف غدا بيمينه تياها |
هذه فاطمة الزهراء قدمها للناس في تعريف بسيط، أما أبوها فهو أكرم الناس، وجبريل رباها بالتوحيد, وعلي زوج لا تسأل عنه... إلخ.
هذا فاروق يشبع حماره من أموال المسلمين والأطفال يموتون الشارع، والفاروق المعرف (بألـ) جائع دائماً ليشبع أطفال المسلمين. فاروق هذا أدخل الإنجليز إلى مصر، واستخذى لهم عند الأحذية , والفاروق ذاك صاحب (ألـ) اهتز منه كسرى وقيصر وهما في عروش الظلم حتى زلزلهم زلزله تامة فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] قالوا: اكتب له رسالة، لأن فاروق يعرف من هو محمد إقبال، فكتب إليه:
(بسم الله الرحمن الرحيم: من إقبال إلى فاروق مصر، يا فاروق مصر! إنك لن تكون كـالفاروق عمر حتى تحمل درة عمر، والسلام)
هذا من أقصر الكتب في التاريخ، يقولون: من أقصر الكتب في التاريخ كتاب خالد بن الوليد لما أصبح في اليرموك واشتعلت عليه المعركة واصطدم بالأعداء، نظر فإذا المسلمون ثلاثون ألفاً، والروم مائتان وثمانون ألفاً، فقال: الله المستعان! علي برسالة, والتجأ إلى الله وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، لكن لا بد من أخذ الأسباب, وأخرج القلم وأخذ رقعة وكتب إلى قائد القبائل العربية وشيخها عياض بن غنم:
(بسم الله الرحمن الرحيم: من خالد إلى عياض , إياك أريد والسلام)
فذهبت الرسالة إلى عياض، فقال: ما يريدني أنا وحدي, إن الكتاب خطير، فجمع كتائب العرب وحشدهم وبعد ثلاثة أيام إذا هم بجيوش كالجبال، والمقصود هذه رسالته.
الشيرازي كان يؤمن ببعض القضايا الصوفية، ووحدة الحب عنده مزاجية،ولذلك يقول في قصيدته المشهورة, وهي مكتوبة على هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، يسمونها وحدة الشعوب, يقول فيها:
قال لي المحبوب لما زرته من بباببي قلت بالباب أنا |
قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا |
ومضى عام فلما جئته أطرق الباب عليه موهناً |
قال لي من أنت قلت انظر فما ثَمَ إلا أنت بالباب هنا |
قال لي أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا |
وهذا من أحسن ما قيل في الشعر، وهي قصيدة جميلة ولكن محمد إقبال يقول: لا.. لا بد يا شيرازي أن تخرج بعصاك وببردتك لتغير العالم، وقد أتى إلى مشايخ الأزهر فخطب وألقى فيهم كلمة، فقال: لا يكفي أن تبقوا في مصر، أنتم لـمصر ولكل الأمصار، لستم أنتم هنا على الكراسي تفتون للناس، بل أنتم للدنيا كلها.
(كن تلميذاً لرجل صالح خبير، واهرب من نظام ديمقراطي, فإن مخ مائتي حمار لا تنتج مخ إنسان واحد) يقول: النظام الديمقراطي أنا أخالفه، وقد غروا الناس بالنظام الديمقراطي، والإسلام أعظم شورى في الأرض، لكن النظام الديمقراطي فيه ثلاث سلبيات:
أولها: أنه يجعل لك حرية حتى فيما بينك وبين الله، يقول: ليس لأحد عليك ملكية ولا عبودية حتى الله، يريدون أن يوصلونك إلى أن تتفسخ من كل شيء، تشرب الخمر.. تتهتك.. تزني.. تفعل ما تشاء، ليس بينك وبين أحد علاقة, ولا تخف من أحد حتى من الله، وهذا كفر وإلحاد, وهو المفعول والمعمول به الآن في أمريكا.
ثانيها: الديمقراطي يأتي بالإنسان الرخيص بكثرة الأصوات فيصبح رئيساً. ريجن كان ممثلاً في ديفرسايز في كاليفورنيا وكارتر كان يزرع الفول في جورجيا، ولكن صعد بكثرة الأصوات.
يقول محمد إقبال: هذا ليس بصحيح، نحن لسنا بالكثرة، إن مخ مائتي حمار لا تصنع لك مخ إنسان، والإسلام يرفض هذه الهمجية والحشد الهائل من الأصوات، الإسلام عنده أهل الحل والعقد، كما فعل عمر رضي الله عنه والخلفاء الراشدون، أن يجتمع علماء الناس وخيارهم، فيختارون رجلاً واحداً من أحزمهم رأياً وأحسنهم, أما أن تجعل التصويت سارياً، الفوال والخباز والكناس والمغني والمعربد وشارب الخمر له صوت، فيختارون من شاءوا، إذاً من الممكن أن يسقط ذاك الشريف ويرفع هذا الدنيء.
ثالثها: أنها ديمقراطية موهومة في نظره، يقول: أنا عشتها، (وقد كان محامياً) قال: وجدتهم يلعبون على الناس، ليس بصحيح ما يدّعون,، في الظاهر ديمقراطية , لكني بحثت عن حقي كهندي مسلم فلم يعطوني حقي؛ لأنني لست إنجليزياً ولا أمريكياً، وهذا موجود.
ولو عشت أنت عربياً في أمريكا ثم تشاجرت مع يهودي، لنصروا اليهودي عليك، ولو أنهم يزعمون أنهم أهل الحرية، وأهل الديمقراطية.
(كن تلميذاً لرجل صالح خبير) سلم قيادك لرجل عادل كـعمر، اختير بالشورى لا بكثرة الأصوات من المائجين الضائعين، كثرة الأصوات جعلت بنازير بوتو تصعد على ثمانين مليون مسلم، علماء وأدباء باكستان، وشعب باكستان تستولي عليهم مراهقة معربدة، لا تملك من الإيمان ذرة، رافضية شيوعية يسارية وكل شر فيها لأنها بالأصوات, لكن لو كان هناك مجلس شورى, والعلماء يختارون الرجل السديد الحصيف العاقل، لما وقع هذا. فهو ينادي بترك الكذب على الناس: (كن تلميذاً لرجل صالح خبير, واهرب من نظام ديمقراطي، فإن مخ مائتي حمار لا تنتج مخ إنسان واحد) يصبح إنساناً لكن ليس عنده مخ.
ويقول في كتاب (ضرب الكليم) صـ149: (الديمقراطية نظام للحكم تعد فيه الرءوس ولكن لا توزن) يعني رأس خبل, ورأس مجنون، ورأس مصدع، ورأس مثلج، ورأس بليد , ولكنهم لم يزنوا هذه الرءوس، ونحن نحتاج في الإسلام لوزن الرءوس لنختار، قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9] وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] يقول الشاعر العربي، وهو يساوي برجل آخر حقير:
ولـو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان |
لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني |
ويقول: (إن العلم إذا كان منحرفاً عن الفطرة السليمة ومزيفاً في أصله، فهو عندنا أعظم حجاب وأعظم حرمان، العلمانية، اللادينية علم ولكن بلا دين، يقول تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ [الروم:56] دين وإيمان، علم وإيمان، يقول أهل العلمنة: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ويقولون: صل في المسجد ولا تجرح شعور الآخرين. أي: لا تأمر ولا تنهى، كن شيطاناً أخرس، يقولون: لا بأس على الإنسان إذا فرغ من عمله أن يصلي العيد والجمعة وليكون حبيباً عند هؤلاء المتطرفين، أي: يجاملهم حتى يكون حبيباً عند الناس الملتزمين, يعايدهم ويستسقي معهم، لكن الصلوات الخمس يضرب بها عرض الحائط. فـمحمد إقبال يقول: (إن العلم إذا كان منحرفاً عن الفطرة السليمة ومزيفاً في أصله فهو عندنا أكبر حجاب وأعظم حرمان ونعوذ بالله من الحرمان:
إذا ما لم يزدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا |
وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا |
إذاً ما هو العلم؟ العلم أن تتصل بالله، قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ [الروم:56] وقال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً [الأنعام:122] أي: بالجهل فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام:122] أي: بالعلم وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [الأنعام:122] بالبصيرة كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] وقال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] فهو ينادي إلى أن العلم بلا إيمان وبلا صلاة وبلا خير؛ إنما هو كفر بالله, ويعترض على مصطفى كمال أتاتورك , في رسالة ذكرها خليل الرحمن عبد الرحمن في كتابه: (إقبال وموقفه من الحضارة الغربية) يقول: كنت أؤمل فيك يا مصطفى كمال أتاتورك! أن تكون مجدداً, ولكنك أتيت مهداداً ومخرباً.
ولعن الله أتاتورك فهو الرجل الصنم كما سماه فلاسفة ومسلمو الأتراك، رجل أتى إلى تركيا وهي متدينة، الخلافة كانت في تركيا من بني العثمان، فأتى إليهم وحجب الناس عن المسجد، وأتى إلى امرأة مفتعلة فأنزلها في الميدان وشق حجابها أمام الجماهير فصفق له الناس، وبتر اللغة العربية ومزق المصحف أمام الناس, وكفر بالله رب العالمين، فتعثرت تركيا وأصيبت بضربة على الدماغ، وضربت في كيانها وفي عرضها وفي إيمانها، وأصبح هذا الرجل مجرماً على عباد الله إلى يوم الدين، وأصبح صنماً يعبد من دون الله، وصفق له العلمانيون في العالم العربي, وعلى رأسهم المجرم المتهالك المعتوه بورقيبة، وقد أصبح الآن لا يدري أين يمينه من شماله، وقد أدخل العلمنة مع سوهارتو، في إندونيسيا، وحسيبهم الله عز وجل, وقد انتشرت بأذيالها وأفراخها وسمومها، وحقرائها الذين ينشرونها في الجامعات وفي كل مكان، ولكن عسى الله أن يصدهم بجيل من أمثالكم، وبموكب كريم منكم، يا متوضئون ويا متطهرون! ويا أبطال الدعوة وحفاظ الرسالة!
قوم أبوهم سنان حين تندبهم طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا |
لو كان يُقعد فوق الشمس من كرم قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا |
محسَّدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم ماله حسدوا |
وهذه -أيها الأخوة- عادة جميلة تركناها, والأفغان الآن والباكستانيون والهنود المسلمون يحفظونها دائماً، وهي أنهم دائماً يقرءون القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس، هذا برنامجهم اليومي دائماً، مع أنهم في بقية الأوقات يشتغلون بأمور، لكن من بعد الفجر يقرءون القرآن.
كان محمد إقبال يخرج بعد طلوع الشمس إلى الزهرات في كثبان البنجاب وفي حقولها , ويناجي الزهرة ويكتب قصيدة, ويأتي إلى السفح ويكتب قصيده، وإلى النهر ويكتب قصيدة، وإلى الشجرة ويكتب قصيدة، ولكنه يربطها برباط لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ [إبراهيم:25-26] كلمات الفجور في الشعر، كلمات الغناء الفاحش، كلمات الكفر والإلحاد كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:26-27].
أيها الإخوة! لا أريد أن أطيل, وربما يكون هناك مداخلات, وهنا أسئلة كثيرة, والآن أترك المجال للدكتور صالح بن عون الغامدي الشاعر والأديب, أن يشارك في هذه الليلة, عل الله أن ينفعنا بما نسمع من هذه المحاضرة، فليتفضل جزاه الله خيراً.
شكراً لشيخنا الفاضل/ عائض القرني على هذه المحاضرة التي حلق بنا فيها مع شاعر إسلامي رائع؛ لم يكن شاعر الهند ولا شاعر العرب، إنما كان شاعر الإسلام وكفى، لا أريد أن أقول الشاعر العالمي، لكن شاعر الإسلام وهذا يزيده فخراً.
لا شك أن لشاعرنا الإسلامي هفوات وتركيز على الجانب الفلسفي، ولكن شيخنا الفاضل الأستاذ/ عائض، قال: إن حسناته فاقت على سيئاته، وهذا عذر له.
إن تجربة الشاعر الإسلامي في البلاد الأوروبية ربما كان لها جانبان:
الجانب الأول: هو جانب الإبداع والمناجاة التي أبدع فيها عندما تناول الجانب الإيماني، وقارنه بالحياة الفاشلة أو الحياة السيئة والتفكك الأسري في أوروبا، لكن أيضاً هناك جوانب أثرت عليه، وهو الجانب الآخر وهي عملية الفلسفة التي درسها في أوروبا، وكلنا يدرك هذا الشيء, لأن الأوروبيين يركزون دائماً على محاولة إفساد العقل المسلم وإشباعه بالخرافات والمعتقدات السيئة, ومع ذلك لم ينزلق شاعرنا الإسلامي فيها.
شكراً لكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: قد ذكرت في أول المحاضرة جملة من المراجع ما يقارب ثمانية أو تسعة، ولكن لا أعلم أن هناك ديواناً جمع شعره كله، هناك (ضرب الكليم) و(الأسرار والرموز) وهو للدكتور/ عبد الوهاب عزام، شعر محمد إقبال , وله قصيدتان جميلتان اسمها: (شكوى، وجواب شكوى) أما ما اقترح الأخ فلعل الله أن يهيء من طلبة العلم والأدباء من يقوم بهذا المشروع، ولو أن شعر الرجل أصبح مشهوراً متداولاً, خاصة بين الأدباء وطلبة العلم والمثقفين.
الجواب: هناك كتابان في متداول اليد، وسأدلكم عليهما وهما سهلان وطيبان:
1- (إقبال الشاعر الثائر لـ) نجيب الكيلاني.
2- (روائع إقبال) لـأبي الحسن الندوي.
الجواب: يقولون: إن أقرب لغة إلى اللغة العربية هي اللغة الفارسية، فهي قريبة جداً, والرجل في لغته كان يؤثر في قومه، ولذلك عندهم الآن شعر إقبال عجيب جداً، وقد رأينا في إسلام آباد وفي بيشاور شوارع إقبال، ومحلات وجامعات ومدارس باسمه, وقد أثر في حياتهم كثيراً , وتجدهم مغرمين بشعره ويتهافتون عليه، وتجد العوام يرددون شعره، فهو مثل المتنبي عندنا، الآن راعي الغنم عندنا إذا مر عليه حادث يقول:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن |
فأصبح إقبال عندهم كـالمتنبي عندنا، ولكن الشعر كما قلت لكم باللغة الفارسية وهي قريبة من اللغة العربية.
مثلاً: كنا في حفل تخريج الدفعة الخامسة مع المجاهدين، وكان الشيخ سياف ومحمد مولوي نبي موجودين وجماعة من المجاهدين، فقاموا ينشدون وقالوا:
نامني نظام غَرْبِيا نامني نظام شرقيا |
مصطفى مجتبى نظام حبيبيا |
فقلت في نفسي يمكن أنهم يقولون:
نرفض النظام الغربي ونرفض النظام الشرقي، ونريد نظامك يا رسول الله! يا مصطفى ويا مجتبى ويا حبيب! فسألت الشيخ الأفغاني فقال: نعم. هذا هو المراد. فيأتي عبد الوهاب عزام، ويضع المؤشرات والبويات والرتوش حتى تصبح قصيدة , وعبد الوهاب يدل على أنه ذكي وشاعر إجادته في الترجمة, وقد قالوا: إقبال له قصائد قالها بالعربية، ولكن لغته العربية ليست بذاك, ولو كانت قوية لفجر ينابيع التأثير فينا.
الجواب: نعم أحسنت... هذا أمر مبتدع كما تريد أن تقول؛ لأن {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ولكن بدعهم كثيرة بسبب قلة الدعاة الصادقين المخلصين الذين يعرضون الدعوة الصحيحة عليهم.
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد |
فلعل الله أن يصلح الحال، وإلا فبدعهم كثيرة، مثلاً: محمد علي مناج يسمونه جنة وإلا هو محمد علي جناح، هو في الدرجة الثانية بعد إقبال، وصوره حتى في مكاتب الخطوط وفي البقالات وفي كل مكان، مع العلم أن هذا مهلوس، ولو أنه وطني عندهم لكنه لا يصلح.
فهم دائماً كلما أتت ذكرى يومه خرجوا في الشوارع يصيحون ويضربون، وهذه كلها مخالفة لأمر الله عز وجل.
الجواب: مثل ما سلف في الكتب التي ذكرت فيها قصائد ومقطوعات، ولكن حسبك من شعره خمس أو ست قصائد, حتى يشعل في ذهنك معنى الأدب، وحتى تشعر أن هناك أدباً إيمانياً ليس أدب البطاطس والخيار والجرجير، فنحن عندنا أدب لكن أكثره أدب بطاطس وخيار وجرجير، أدب خلطة وأسمنت , أدب درجات حرارة وصيدليات مناوبة، ومن هذا القبيل؛ ولذلك فإن الجرائد ممتلئة بهذا وترمى في المزبلة في آخر النهار، رأيت ما يقارب أربعة وعشرين قصيدة نشرت في أسبوع في الصحف اليومية، وحاولت أن أجد بيتاً جميلاً، أو أحفظ شيئاً جميلاً، فما وجدت شيئاً جميلاً, وجعلناه في سلة المهملات، وأطلعكم على قليل من هذا الأدب:
انظر الفجر زاهي بالوفا قد تجلى مثل وجه المصلي عقب فرض الصلاة |
جدهم عمرو والفاروق وابن المعلا ناصر الدين يوم الكفر طاغ وعاتي |
وبعض الناس يقول: لا تعارض الأدب النبطي. صحيح ربما يصلح للنبط وللعوام, ولكن لمثلكم وأنتم مثقفون وطلبة علم، وفضلاء، أيصبح معيننا أن نسمع للبدو في كل صحيفة ونحفظ أشعارهم؟ أو أدب حداثي ممجوج لغة, ولفظاً، وإيماناً، ومعنى، وكل شيء، مثل قولهم:
للنملة ثدي سال ثدي النملة باللبن
أنا ذبابة الليمون أطير من شجرة إلى شجرة
نمت على سفح الفيل، طار بي الفيل في وديان الحب... عاوزين إيه!
السؤال: ألا يعد عبد الوهاب عزام له أكبر الفضل بعد الله في نشر شعر محمد إقبال؟ فمن هو عبد الوهاب عزام؟
الجواب: بلى. عبد الوهاب عزام دكتور فاضل وداعية كبير, وكلامي هذا مثل ترجمة بعض الطلاب عندما نسألهم في الامتحان عن الصحابة رضوان الله علهم: من هو أبو هريرة؟ قال: أبو هريرة صحابي جليل, عاش مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وحفظ كثيراً من الأحاديث رضي الله عنه وأرضاه. وأنا أعتذر لأني لا أعرف الحياة التفصيلية لـعبد الوهاب عزام، أعرف أنه فاضل وأديب. مثلما قال محمد الراشد.
الجواب: لا خلاف في المسميات إذا اتفقنا نحن على المقاصد, إن قلت أنا: إقبال أو محمد إقبال، وإن قلت: محمد إقبال شاعر الإسلام أو شاعر الصحوة أو شاعر الحب والطموح، أو شاعر الإيمان.
خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق |
فلا خلاف بينها, لكني وضعت كلمة الحب؛ لأن بعض الناس من الشباب يظن أن الحب فقط للمغنين والمغنيات، ولكن نحن عندنا حب أعلى وأسمى، يقول الطنطاوي: نحن أهل الحب، نحن الذين صنعوا الحب وأذكوه في قلوب الرجال، نحن الذين نشروا الحب من على المنائر خمس مرات في كل يوم، نحن الذين عرفوا الحب وعرفوا الناس الحب، الحب الذي يقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [المائدة:18] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] فالحب إيماني وهو كالصلاة وهو عقيدة أهل السنة الجماعة {من أحب لله وأبغض لله , وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان} أما حب مجنون ليلى، وحب صلاح عبد الصبور، وحب أودنيس، وحب بدر شاكر السياب وغيرهم, فهذا ليس من الحب في شيء, هذا حب حرام، يقول مجنون ليلى:
أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب |
وأما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب |
وقد ذكرت من أشعارهم في محاضرة (الأدب الذي نريده).
الجواب: أصلاً كل الفلسفة لا يقبلها المسلمون، ومحمد إقبال مضطر للمجتمع الذي ذهب إليه، ذهب إلى بون يريد أن يدرس، تريد أن يدرسوه كتاب الفقه من (زاد المستقنع) وإلا صحيح البخاري وإلا تفسير ابن كثير وأقرب علم للإسلام الفلسفة، فيريد هو أن يدخل إلى حضارتهم ويعرف علومهم وثقافتهم وتربيتهم وعلم النفس من طريق الفلسفة، فدرسها وعرفها، وليس معنى ذلك أن الإنسان إذا درس الشيء اعتقده أو آمن به؟ لكن العلم بالشيء خير من الجهل به:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه |
ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه |
والفلاسفة متهوكون، يقول الشهرستاني وهو من تلاميذهم وأساتذتهم:
لعمري لقد طفت المعالم كلها وسرحت طرفي بين تلك المعالم |
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم |
فيقول له أحد الناظمين:
لعلك يا أستاذ ما زرت أحمداً رسول الهدى المبعوث من خير هاشم |
فوالله لو قد زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للصقور القشاعم |
نحن نخالف الفلاسفة في المعتقدات، وفي كثير من مسائل والأصول، فالمعنى أنك تقرأ الشر لتجتنبه.
الجواب: هناك قصائد , منها قصيدة "بين الأمس واليوم" وآخر قصيدة هي لقادة المجاهدين الأفغان, قلت في بعضها:
الحق أبلج والسيوف عواري فحذار من صولات حكمتيار |
بطل إذا عزف الرصاص تمايلت أطرافه بالعسكر الجرار |
ومنها:
حيوا الجهاد فذكره يشجيني وأخص حكمتيار قلب الدين |
ليس قَلب الدين ولكن قُلب الدين وهو رائحة الورد.
أسد براثنه شباب محمد قاد الكتائب وهو في العشرين |
آماله ضرب الجماجم في الردى سماه مادحه صلاح الدين |
شكراً لأستاذ المكارم والنهى سياف رمز القائد المأمون |
ومعلم الأجيال في ساح الردى الشيخ يونس صاحب السبعين |
لا تنس رباني فإن حديثه كالشهد أو كالتوت في تشرين |
...أو كالتفاح في أكتوبر.
وصلى الله وسلم على محمد, والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر