إسلام ويب

الشيوعية إلى الهاويةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لله سبحانه وتعالى سنناً في خلقه لا تتغير ولا تتبدل، ولذلك ما طغى طاغية وتكبر وتجبر إلا قصمه الله وأذله، وما سارت أمة من الأمم، أو فئة من الفئات أو جماعة من الجماعات على غير نهج الله؛ إلا أبادها الله ودمرها كما دمر الأمم السابقة، والسقوط في الحقيقة إنما هو سقوط المبادئ لا الأشخاص، وبانهياره ينهار الأشخاص، وأي مبدأ مخالف لدين الله فهو ساقط مهما طال الزمان.
    إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    عنوان هذا الدرس: (الشيوعية إلى الهاوية) وهو حديث الساعة وقضية الزمن، وهو حدث هائل هز العالم، ولا بد أن يتكلم عنه الدعاة، وأهل العلم ويفيضوا فيه، وتكون الأمة على مسمع ومرأى من هذا الحدث الهائل، وما هي قدرته سُبحَانَهُ وَتَعَالى وتأثيره، فسبحان الذي يغير ولا يتغير: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88] ويقول سبحانه تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالى، الذي يغير هذه الدول ويبيدها.

    حارت الأفكار في قدرة من     قد هدانا سبلنا عز وجل

    فاترك الحيلة فيها واتكل     إنما الحيلة في ترك الحيل

    ثم ليعلم المسلم أنه لا يقع في الكون من صغير ولا كبير، ولا تولية ولا عزل، ولا غنى ولا فقر، ولا قوة ولا ضعف، ولا سلم ولا حرب، ولا نصر ولا هزيمة إلا بقدرة القادر، فإن الله يقول عن نفسه: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29].

    قال ابن القيم رحمه الله: يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويجبر كسيراً، ويعافي مبتلىً ويولي هذا ويعزل هذا، ويملك هذا وينـزع الملك من هذا، فلله الحكمة المطلقة، وله القدرة النافذة، جل اسمه.

    يقول أبو العلاء المعري:

    تقضون والفلك المقدر ضاحكٌ      وتقدرون فتضحك الأقدار

    والمعنى: أنكم أنتم تحاولون أن تبنوا شيئاً والله يريد هدمه، وتريدون أن تمضوا شيئاً والله يريد إيقافه، وتريدون إحياء شيء والله يريد إماتته.

    دخل القاضي عبد الجبار المعتزلي على أبي المعالي الجويني والقاضي عبد الجبار المعتزلي على مذهب المعتزلة وهم لا يرون أن الله يقدر المقادير سبحانه، وهو رأي مبتدع أخذ من المجوس، وهم يرون أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لا يدري بالأمر حتى يقع، وهذا كذب، وكان أبو المعالي الجويني أشعرياً لكنه أهدى وأقرب إلى السنة من القاضي عبد الجبار المعتزلي.

    قال القاضي عبد الجبار: سبحان من لا يقدر الفحشاء، وهذا فيه كلام وفيه دغل، ومعناه: أن الفحشاء تقع والله لا يقدرها، قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112] وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً [يونس:99] وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] قال أبو المعالي الجويني: سبحان من لا يقع في كونه إلا ما يشاء.

    إذا علم هذا -أيها الإخوة- فليعلم أن الشيوعية الآن تهوي إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، أي: إلى غير رجعة، فما هي أسباب هذا السقوط والانهيار؟ وما هي أسباب هذا الموت والدمار؟ وهل لقدرة الله تأثير؟

    نعم والله فإن الله تعالى يقول: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] وقال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].

    أسباب سقوط الشيوعية سبعة أسباب:

    1- الشيوعية خالفت فطرة الله قال تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30].

    2- الأنظمة التي واجهتها الشيوعية سواء كانت مهتدية كالإسلام أو ضالة كـالرأسمالية، كانت مصيبة في عدائها للشيوعية في المذهب الاقتصادي، أو في الحوار والرأي أو في الحكم والقرار، وكان لهذا الوقوف من جانب الإسلام والرأسمالية أعظم الأثر في انهيار الشيوعية.

    3- الجماعة التي لا تجتمع على الحق لا بد أن تتبدد في الأخير، وهي سنة الله عز وجل، فـالشيوعية قامت بالثورة عام (1917م) ولم تكمل اثنتين وسبعين سنة إلا وهي تعلن الانهيار والموت، والإسلام عمره الآن (1500) سنة أو نحو ذلك، وهو سوف يبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وكلما بقي وكلما استمر أعلن شموخه وعزته.

    4- شب الأفراد عن الطوق، وذهبت عبودية البشر، فإلى متى يبقى الإنسان عبداً للإنسان؟

    5- قوة وسائل الإعلام الغربية في تدمير الشيوعية في نفوس أصحابها بما تعرضه عليهم من مغريات، وما تطاردهم في أنفسهم من حاجيات، ومن فقر مدقع وعوز وضعف.

    6- مصير العسف وخاتمة الجبروت الهاوية.

    7- الجهاد الأفغاني يمكن أن يكون سبباً سابعاً وإلا فالبعض يرونه السبب الأول وأنا أقول هو السابع.

    مخالفة الفطرة من أسباب سقوط الشيوعية

    أيها الناس: يقول سيد قطب رحمه الله: تحققت سنة الله عز وجل فيمن أعرض عن منهجه، والله يقول في كتابه لمن لم يهتد، ولمن حكم أنظمته على حكم الله الذي أنزله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الوحي السماوي الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، يقول لأبنائه سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً أو شعوباً، قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:110] يؤخذ من الآية.

    أولاً: أن من لم يهتد بنور الله فهو فاسد المزاج ضعيف العقل.

    الثاني: أن الله له بالمرصاد فلا يتمم عمله، والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81] والله يقول: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52].

    الثالث: أنه لا بقاء إلا لدينه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] فـالشيوعية خالفت فطرة الإنسان، والإنسان مفطور على أن هناك رباً وإلهاً يوحَّد، فقد أتت بمقولة كارل ماركس وقالت: (لا إله والحياة مادة) وليس في الكون إله، والإله الذي زعمته الأنبياء والرسل على حد قولهم أسطورة لا حقيقة له.

    الأمر الثاني: أنها قالت: يمكن أن يعيش الإنسان بدون دين، وبلا عقيدة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والله يقول: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30] [الروم:30] ويقول: هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].

    ففرت من العبودية لله، وجعلت العبودية للبشر، لـلينين واستالين، وغيرهم من عملاء الأرض، ومن الخونة للشعوب ومن قاتلي الإرادات، إذاً فلن تتصور الشيوعية التصور الجميل للأحداث، لا للكون ولا للإنسان ولا لله، أما الله فنفته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وألحدت به، وكذبت بالألوهية، وأما الإنسان فجعلته عبداً للإنسان.

    ولا يعرف في تاريخ الناس منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ذلة وضعف الإنسان وعبودية الإنسان واستخزاء الإنسان إلا في الشيوعية.

    حدثنا بعض الدعاة الذين ذهبوا إلى موسكو في فترة برجنيف في مهمة علمية كان لا بد أن يذهب إليها، يقول: والله لقد مررنا بمعسكرات للناس حتى ظننا أنها معسكرات الحيوان، وفيها البشر الذين أخطئوا أو أرادوا الخروج على الشيوعية أو أرادوا كسر هذا الحاجز، أو أرادوا أن يبدوا حوارهم، رأيناهم في معسكرات من شباك وأسلاك شائكة وهم يعلفون كما تعلف الأنعام تماماً، يوصل إليهم الخبز والماء، وعندهم دورات مياه، وقد رأيناهم ألوفاً مؤلفة وراء الأسلاك الشائكة كالحيوانات تماماً.

    ثم تصورت الشيوعية كذلك أن الكون قائم بنفسه، وأنه لا مؤثر له، وأن يد القدرة لا دخل لها في تسيير الكون، وقالوا: الطبيعة خلقت نفسها والأحداث خلقت نفسها، ولا دور للقدرة في ذلك، فكان مصيرها الانهيار والتكذيب، جرباتشوف اعتنق النصرانية على خلاف بين المطلعين، قيل: اعتنقها في أول سنة تولى الحكم هناك، وقيل: قبل الحكم بثلاث سنوات، وقرأت كتابه البروسترويكا، وفي الصفحة الخمسين وما بعدها يعلن ذلك، وكأنه يريد الدين، وكأنه اعتنق النصرانية ولم يوفق لاعتناق الإسلام ولا اهتدى لنور الله، وكأنه ما وجد داعية يرشده لهذا النور الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، فرأى هو أنه لا بد للإنسان من دين، وأن من الخطأ أن يعيش بلا دين فاعتنق النصرانية.

    ولعلها لظهور دول نصرانية كـالولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو أسبانيا وغيرها بهذا الدين، ظن هو أن الهداية من هذا: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].

    الإسلام والرأسمالية قوتان واجهتا الشيوعية

    والشيوعية واجهتها قوتان في الأرض، قوة الإسلام وقوة الرأسمالية.

    والرأسمالية تؤمن بالتملك للفرد، وأن للفرد أن يتملك، وهي على ما فيها أخف من الشيوعية، ونحن لا نقر الرأسمالية ونعتبرها مذهباً خاطئاً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتربوياً، وهو منهج أرضي سوف يسقط قريباً بإذن الله، لكنها على كل حال، سلمت بحق الفرد، وقالت: لابد للإنسان أن يتملك، بينما الشيوعية تجرده، ولما أتت الشيوعية في عدن، سأل أحد العلماء أحد العدنيين قال له: كيف الشيوعية التي عندكم؟ زعمت أنها سوف تقدمكم، هل قدمتكم؟ هل أطعمتكم خبزاً؟ هل أشبعتكم؟ هل كستكم؟ قال: لا. القائم بطحوه والكادح كدحوه.

    ويقول المجرم نزار قباني:

    ماركسيون والجماهير جوعى     فلماذا لا يشبع الفقراء

    وحدويون والبلاد شظايا     كل جزء من لحمها أجزاء

    وهذا الكلام صحيح، يقول: أين هذا الشبع يا ماركسيون؟! في عدن، أو في أثيوبيا، أو في أي مكان، أين شبع الجماهير؟!! الإنسان يكدح من الصباح إلى المغرب، ثم تؤخذ غلته وتقسم على الشعب، فالنائم في الفلة تحت المكيف يأخذ حصته كما تأخذه أنت، وأنت تزرع بطاطس في المزرعة.

    ووالله لقد رأينا طوابيرهم وهم يأخذون البطاقات ليستلموا حصصهم من السكر والشاي، والطابور الواحد فيه أكثر من ثلاثمائة رجل يريد حصته من حفنة من السكر وهو كادح.

    والشيوعية ترى أن مال الشعب للشعب، وأن المحصول للجميع ولا بد أن يوزع، وهي النظرية الاشتراكية الخاطئة التي تجعل الذي يتصبب عرقاً ويتعب ويجمع ويدخر، كالذي يخنع في بيته ولا يعمل ولا يبذل ولا يضحي، هذه مما واجهتهم به.

    أما الإسلام فله قرار آخر؛ لأن الله تعالى يقول: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138] والله يقول: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

    يقول: هل هناك أنظمة في الأرض أحسن من الله حكما، فهلا أجرى الإنسان طاقته فيما يعود عليه بالنفع مثل:

    * مصارف الزكاة.

    * التكافل الاجتماعي.

    * الصدقة.

    * كفالة اليتيم.

    * الحقوق العامة التي سنها الإسلام.

    * المضاربة.

    * الاشتراك المالي.

    * أنواع الشركات.

    كلها تؤدي إلى أن هذه الأموال تستثمر وتسعد بها الأمة أفراداً وجماعات، ولكن النظرية الإسلامية الاقتصادية لم تطبق إلى الآن، أروني شعباً طبق النظرية الإسلامية الاقتصادية الحقة!! لم تطبق في الأرض إلى الآن، ولم يرها الناس إلا في عهد الخلفاء الراشدين، فإنهم لم يقروا الربا ولم يؤمنوا به وحرموه ورفضوه ولم يقبلوا به أبداً. ولكن العالم الآن يريد أن يرى الإسلام يعلن تجربته الحقة في عالم المال ليقتدي به، ولكن المسلمين الآن يتعاملون بالربا، ولم يقدموا تجربة صحيحة.

    الشيوعية باطل لا يدوم

    الثالث: الجماعة التي لا تجتمع على حق، وكل جماعة أسست على ضلالة فخاتمتها الانهيار والله يقول: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109] يذكرني هذا بكلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه كما في صحيح البخاري يقول: [[إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم، فاعلم أنهم على دسيسة]] وأي جماعة أو حلف أو أسرة اجتمعت على باطل فسوف يهدم الله الباطل على رءوسهم: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41] بعض المفسرين العصريين له كلام جميل، يعرض قضايا في الآية منها:

    * أن الأنظمة الوضعية وإن طالت وعظمت فإنها كخيوط العنكبوت تنهار.

    * أن الذي لا يؤسس على قرار فإن مصيره إلى الدمار.

    * أن الأيادي التي ليست يد الله فوقها فإنها خاسرة خائبة، فالله يقول لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] فما أحسن التعبير! وما أحسن النظام الذي يعيشه المسلم ويد الله فوق يده ترعاه وتحوطه وتحفظه وتكلؤه!!

    قام كارل ماركس واخترع نظرية الشيوعية هذه وألفها في مذكرة، وأنا صراحة أقول لكم: لقد قدم كارل ماركس لشيوعيته ولنظريته أكثر بكثير مما قدمت أنا وإياكم للإسلام، فمن شاء أن يغضب منكم فليغضب، ومن شاء أن يرضى فليرض، ضحى تضحيات ما ضحيناها نحن لديننا وهو خاطئ، حتى يقول عمر رضي الله عنه: [[اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر ومن ضعف المؤمن]] وهذا أمر عجيب، وهذه مصيبة عظمى أن تجد الفاجر فيه جلد وصبر وتضحية هائلة، وتجد المسلم خائفاً جباناً، خواراً، لا يرفع مبادئه.

    كارل ماركس كان في بلجيكا ودخل بيتاً هو وامرأته وطفلاه بغير إذن، وكان عليه ثوب مقطع، والسبب أنه ألف نظرية الاشتراكية الاقتصادية؛ لأنه يدعو الناس إلى اشتراك الاقتصاد وهو جائع وعارٍ لم يجد عملاً في بلجيكا ذهب إلى كل مؤسسة وطردته، دخل في أثناء المطر بيتاً، فأتى صاحب البيت فأخرجه هو وأطفاله وسحبه من رجليه وألقاه إلى الشارع، وذهب إلى فرنسا وأدخل الحبس، لأنهم يقولون: يريد أن يثور على الرأسمالية ثم نقل إلى انجلترا وسجن فترات، ومع ذلك ما زال مصراً يسجن ويحبس ويسحب وهو مصر، وفي الأخير طبقت نظريته واعتنقها مليار (ألف مليون) فـالصين والاتحاد السوفيتي في ناحية، ثم يدخل في ذلك حلف وارسو بما في ذلك تشيكوسلوفاكيا وبولندا ويوغسلافيا.، هذه الدول الشرقية كلها على نظريته في الاقتصاد، وبعض الدول العربية في ذلك، وتركوا محمداً عليه الصلاة والسلام ورسالته، وسوف يأتي معنا كلام الشيوعيين العرب الآن.

    في عام (1917م) قام الحزب الشيوعي بالحكم وقتل لينين من الشعب الروسي في أيام معدودة (ستة عشر مليوناً) ومجموع ما قتل من الشعب من الاتحاد السوفيتي (واحد وثلاثون مليوناً)كسكان هذه البلاد ثلاث مرات، قتلهم، وهذه مثبتة في وثائق عن الشيوعية، وفي الموسوعة السياسية، وأعلن ذلك مثل أنور الجندي وغيره من الكتاب.

    إن الشاهد في ذلك أنه حكمهم بالحديد والنار، وأقام هذه الجمهورية على الجماجم، وفعل استالين أدهى وأمر من ذلك.

    نخرج من هذا: بأن أي فئة طغت في فترة من فترات التاريخ فإنها سوف تنهار، ولا يغرك أن يستقيم نظام علماني في البلاد العربية أو غيرها في فترة من فترات الزمن، فإن الله أعلن عليهم الانهيار، وأعلن أن هذا الأمر لا يستمر.

    الوعي عند الإنسان سبب في انهيار الشيوعية

    السبب الرابع في انهيار الشيوعية:

    إن الأفراد شبوا عن الطوق، وأصبح الإنسان الآن بدرجة من الوعي، وما أصبح عبداً للإنسان، أصبح عنده تطلع على أن يعلن صوته وحواره، وأن يكون شجاعاً في كلمته، ذهب العصر الذي يجب أن يكون الإنسان فيه حيواناً، يقاد ويضرب ويعلف ويؤمر وينهى، لكن الإنسان أصبح يتطلع إلى مرحلة هي المرحلة العمرية، أتدرون ما هي المرحلة العمرية؟ إنها مرحلة الأوج والقمة التي عاشها الحوار في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك يحييه شاعر وادي النيل ويقول:

    قل للملوك تنحوا عن مناصبكم     فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

    يقول: رجاءً اتركوا هذه الأمور لـعمر، يعيشها عمرية، الذي يأخذ الدنيا في ساعة، ويسلمها في ساعة، فأصبح العالم الآن يريد النظرية العمرية، نظرية أن يأتي الأعرابي في صلاة الجمعة وعمر بشحمه ولحمه ودمه وإخلاصه وصدقه وهيبته على المنبر، فيقطع عمر الخطبة فجأة ويقول للناس: [[يا أيها الناس: ماذا ترون فيَّ لو اعوججت أو قلت عن الطريق هكذا]] يعني: ملت، وخرجت عن الخط المستقيم في الاقتصاد والسياسة والعدل والحوار والحق، فقام أعرابي من أقل الناس ثقافة بمستوى ثقافة عصرهم -بدوي- ولعلها أول جمعة يصليها مع عمر، فقام من آخر المسجد فاستل سيفه، ثم قال: [[والله -يا أمير المؤمنين- لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا قال عمر: اجلس بارك الله فيك، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو ملت عن الطريق هكذا، لقالوا بالسيوف هكذا]] وحياه عمر وشكره على هذه المقولة.

    هذا الحوار الذي أحياه الإسلام، حتى الكافر يربط في المسجد ولا يزحزح ولا يزعزعه الرسول عليه الصلاة والسلام، ويأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاقب بعض الناس قبل أن يسمعوا البرهان فيقول الله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ [التوبة:6].

    يقف عمر مرة ثانية ثم يقول: [[بسم الله، أيها الناس اسمعوا وعوا، فيقوم سلمان من وسط المسجد ويقول: والله لا نسمع ولا نعي، قال: ولم؟ قال سلمان: تلبس ثوبين وتلبسنا من ثوب ثوب]] -ثياب قدمت من اليمن في الصدقات وزعها عمر على الناس، ولكنه رجل طويل رضي الله عنه، فثوبه ما أتى إلا إلى الركبة، فأخذ ثوب ابنه عبد الله ووصله بثوبه- قال: [[يا عبد الله بن عمر! أجب سلمان، قال عبد الله بن عمر: نعم، هذا الثوب الثاني هو حصتي من المسلمين وقد دفعته إلى أبي عن رضاً من نفسي وهو حق لي أتصرف فيه كيف أشاء، قال سلمان: الآن قل نسمع ومر نطع]].

    فالعالم الآن يتجه إلى النظرية العمرية، ولا يريد أن يكون مستخزياً تحت السياط والقهر والتبكيت من أي جهة كانت من الجهات. نعم. أدرك ذلك العالم الشيوعي، والذي يرى من الأفلام التي تصل من هناك ويراها شهود العيان، أنه لما حوصر جرباتشوف في القرم نزل المدنيون بالأبدان العارية والثياب الممزقة؛ يقفون أمام الدبابات، ويطرحون أنفسهم ويضطجعون على الأرض أمام الدبابات يعارضون الحزب الشيوعي الذي يتولى الحكم، يقولون: لا نريد جرباتشوف، إلى درجة أنك تجد هذا الإنسان المنهك الجائع المتعب الضامئ يريد أن يخالف هذا الطابور الحاشد من الدبابات.

    نعم. العالم صراحة يحقق شيئاً بنفسه بغض النظر عن الدين، لكن التعددية التي يشهدها العالم سببها أن الإنسان أصبح مثقفاً، وأصبح يدرك ويرى أن له حق الحوار، أي: من حقي أن أبدي رأيي، وأن أعلن حواري وأقول كلمتي دون أن أكون مهدداً بكرامتي أو حريتي أو دمي، فالفرق بين جرباتشوف هذا أو برجنيف أو استالين أو لينين، أنه يرى هو أنه لا بد أن نسمع الرأي الآخر، وهم يقولون: الرأي الآخر نسحقه بالدبابة. هذا من أسباب سقوطها.

    وسائل الإعلام أخرجت الشيوعية

    السبب الخامس: قوة وسائل الإعلام:

    فالإعلام الغربي سلط شاشاته وأسلاكه وصحفه وصوته ونظراته على العالم الشيوعي في غرب الأرض وفي شرقها، ويطالبهم بالوعود، يقول: أين وعود الشيوعية؟ والفرد منكم يسكن قصراً ويملك سيارة فخمة، ويكون في مرتبة عالية وينعم برغد العيش، بينما نحن في عالم الغرب نسقنا بعض أمورنا التي أعلناها للناس في الرأسمالية، وعلى كل حال بعض الذنب أهون من بعض، والنظرية الاقتصادية الرأسمالية أهون بكثير من النظرية الاشتراكية التي أقامها كارل ماركس، فالإعلام أحرج الضمير الشيوعي، أو الإنسان هناك أحرجه بمطالبه وأوصله إلى جدار مغلق وإلى متاهة، وقال: أين وعودكم؟ وقد تلفظ بها حتى الشيوعيون العرب، فأنا أسلفت لكم قول قائلهم وهو شاعر من فصيلتهم يقول:

    ماركسيون والجماهير جوعى     فلماذا لا يشبع الفقراء

    يقول: وعدتمونا أن تدخلوا الغاز في بيوتنا والخطوط المسفلتة إلى قرانا، وأن تنيروا لنا الأجواء، وأن تدفعوا لنا اللحم والخبز والماء والكساء، فأين هي؟

    كما قلت لكم وكما قال الرجل العدني الذي اعتمر: القائم بطحوه والكادح كدحوه، وهذا أمر معروف، فلما رأى الناس ذاك السلطان الإعلامي، وقوة التأثير الغربي بوسائله، أدرك أنه كان مخطئاً، وأنه كان في حظيرة الحيوان، وأنه كان يسير بلا إرادة، وقد سحب عقله وبرهانه، فتذكر وفكر ملياً، ثم أعلن تمرده على هذا الحكم الجبروتي الناري الدموي الفاسق.

    الانهيار عاقبة الجبروت

    السبب السادس:

    إن مصير التعسف وخاتمة الجبروت الانهيار، وأن الظلم لا يدوم، وقد ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فقال: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [النمل:52] وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه يدمر القرى إذا أعرضت عن منهجه أو ظلمت، قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28].

    ووالله لقد بدل الشيوعيون نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار والخزي في عالم السياسة والعسكرية والاقتصاد والتربية، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً [الطلاق:8-9].

    وأي عتو أعظم من عتو الشيوعية على الله، أن تقول: (لا إله والحياة مادة) وتجرد قدرة الله عز وجل من الكون، وتنسب التأثير للطبيعة، وتأخذ ملك الله عز وجل فتستبد به، وتجرده سبحانه تعالى من الخلق والأمر قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] وله القدرة وله التأثير، وله العاقبة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40].

    الشعوب مهما صبرت فإنها لا تصبر إلى درجة أن يكون الإنسان في مسلاخ حيوان، ولا تجمع كلها أبداً على الرضا بالظلم إلى آخر المطاف، فإنها تتمرد في أي مرحلة من مراحل التاريخ، أو أي جيل من الأجيال، أو في أي بقعة من بقاع الأرض، وقد رأينا في تجربة الشاه مع الشعب الإيراني، بغض النظر عن استقامة هذا الشعب، أو عن اتجاهه أو عن ديانته، أو عن حصيلته أو عن مبادئه، لكن رأينا ذاك الرجل وهو يخرج من قصر الظلم والجبروت وهو يحمل الكلاشنكوف، وصوره مثبتة بطائرة هيلوكبتر، ويرش الشعب الإيراني في الشوارع معه جنوده، ويقتلون الناس كما تقتل الحشرات بهذا السائل المبيد، ومع ذلك تخرج الطوابير الأخرى وتعلن تمردها فإذا قتلت أتى الطابور الآخر يزحف بالجثث ويأخذها ويسحبها ويخرج الناس كأنهم من جديد يرفضون الظلم، وفي الأخير انتصرت هذه الإرادة وسحق الظلم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.

    وهذه سنة الله عز وجل، وقد جرب ذلك الجاهليون، حتى يذكر ابن قتيبة: أن الظلم عاقبته وخيمة، وقالوا لامرأة من بني عبس: أين ملوك عبس وقد كانوا يحكمون الدنيا؟ قالت: ظلموا فأُخذوا.

    وذكر ابن كثير أن البرامكة لما أدخلوا الحبس، قالوا: لـيحيى بن خالد البرمكي، أبعد الوزارة والإمارة والتجارة أدخلت هذا المكان؟! وقد أدخل مكان لا يرى الشمس سبع سنوات، أدخله هارون الرشيد، والعجيب -سبحان الله- أنه تحقق فيه القول المأثور: {من لم يعرفني سلطت عليه من لا يعرفه، أو من لا يخافني سلطت عليه من لا يخافه} فسلط الله عليهم أقرب الناس إليهم هارون الرشيد، تركهم في السجن سبع سنوات، ما رأوا الشمس، قالوا: بعد النعيم المقيم أصبحتم هنا، قال: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها.

    سجن المهدي الخليفة العباسي أبا العتاهية وحبسه، فأرسل له قصيدة من الحبس يقول فيها:

    أما والله إن الظلم شؤم     وما زال المشوم هو الظلوم

    إلى ديان يوم الحشر نمضي     وعند الله تجتمع الخصوم

    فبكى المهدي وأعلن إطلاقه، ولكن الله عز وجل سوف يحكم، وسوف يجمع الأولين والآخرين ويقول: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16] أين الأنظمة الوضعية؟

    أين السلطات الأرضية؟

    أين الدبابات التي كانت تسحق البشر؟

    أين الزنزانات التي كان يجلس فيها الفرد ويباد؟

    أين السياط الملتهبة التي كانت تقطع منها جلود الناس؟

    أين الكرابيج؟

    أين الأسلاك الكهربائية؟

    أين البرك الباردة المثلجة التي تمزع الأبشار؟

    قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16] ويقول تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] فأين سلاطينكم وأين كياناتكم وأين قواكم؟ ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً [مريم:93-94].. وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً [مريم:80] فكانت نتيجة حتمية أن تصل الشيوعية إلى هذه الخاتمة التي أسعدتنا وأثلجت صدورنا، وتمثلنا فيها بقول أبي تمام:

    ما ربع مية محفوفاً يطوف به     أبهى إلى ناظري من خدها الترب

    لما رأت أختها بالأمس قد خربت     كان الخراب لها أعدى من الجرب

    رمى بك الله جنبيها فهدمها     ولو رمى بك غير الله لم يصب

    مداولة الأيام بين الناس سنة الله في خلقه

    السبب السابع: أنها سنة الله عز وجل، قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62] وقال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43].

    يقول ابن الوردي:

    أين من شادوا وسادوا وبنوا     هلك الكل فلم تغن القلل

    كتب الموت على الناس فكم     فل من جيش وأفنى من دول

    حارت الأفكار في قدرة من     قد هدانا سبلنا عز وجل

    من الذي تولى وما عُزل، وحكم وما انتهى، واستذل وما ذل، وعلا وما أُخذ؟

    سنة من سنن الله.

    إن التجربة الإسلامية في التاريخ تثبت أنه حتى على الأجناس لا بد أن تطوف السنة الإلهية، قاد العرب فترة من التاريخ، فلما توجهوا إلى الموسيقى والبلوت والسهرة الخائبة أعطى الله قيادة الناس للأكراد، فأخذها صلاح الدين ونور الدين مرحلة من المراحل، فلما توجه الأكراد إلى حيص بيص وإلى الضياع وإلى ما لست أدري، أعطاها الله السلاجقة وكان منهم محمود بن سبكتكين وأمثاله، فلما تركوها سلمها الله للأتراك وأخذوها مرحلة، ثم ضاعت شذر مذر، وهي تنتظر الآن من يأخذها ليسلمها إلى عيسى عليه السلام.

    من الأسباب ولعل هذا السبب الثامن وأنا كنت أسلفت في العناصر أنه السابع:

    الجهاد الأفغاني من أسباب سقوط الشيوعية

    أما الذين يقولون: إن السبب الوحيد هو الجهاد الأفغاني، فأقول: لا. هذه نظرة من وجهة نظري، وقد تكون خاطئة، ذلك أنه كيان ضخم بُني من قبل اثنتين وسبعين سنة على يد أذكياء وعباقرة في مستوى الأرض، ثم أقيم له جيش عرمرم هائل، وتعداد الجيش الروسي في بعض الأنباء، وبعض وكالات الاستخبارات العالمية قد يصل إلى ستة ملايين، وهو أضخم بكثير من الجيوش الغربية، وهو يملك ترسانة هائلة، ولكن مصيبته التبديد والتشتيت؛ لأنه يعيش القهر والاستخذاء.

    مرة من المرات أنزلوا في منطقة كرواتيا ستين ألف مظلي، شعوب كلها ستحمل السلاح، وقبل ثلاث ليالٍ -وهذا القرار هو من الكنيسة- أعلن التلفزيون الإسرائيلي انزعاجه من وضع جمهوريات روسيا الإسلامية في الاتحاد السوفيتي، إذ تملك جمهورية كازاخستان الإسلامية والتي يحكمها نور سلطان ستمائة وستين رأساً نووياً، وهذه الجمهورية إسلامية، وكان في طرفها البخاري والترمذي والنسائي وسيبويه:

    أولئك أبآئي فجئني بمثلهم     إذا جمعتنا يا جرير المجامع

    وهذه الولاية كانت الجمهوريات الاتحادية العظمى تنازعها على الحدود، فأعلن نور سلطان قبل ثلاث ليالٍ: إما كففتم عنا وإلا سوف نستخدم بعض الرءوس النووية، فكفوا.

    ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه     يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

    وهذا استطراد، نعم جاء الجهاد الأفغاني، ولكن من ينظر إلى الخارطة وإلى الحدث، وإلى التأثير يرى أنه لم يؤثر بشكل مباشر، فإنه كان في جنوب الاتحاد السوفيتي في بقعة صغيرة في أفغانستان، قام مجموعة صغيرة من الأخيار والأبطال، بضرب جيش هذا الباغي وسحقه وإخراجه، فلم يكن سبباً مباشراً ولكن كان من الأسباب إن شاء الله، وللمسألة كلام وتحتاج إلى تمعن أكثر، وإلى إثبات وبراهين وحقائق من كلا الطرفين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088932938

    عدد مرات الحفظ

    779987103