أمَّا بَعْد:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
عنوان هذه المحاضرة "عقوبات المعاصي"
ما غضب الجبار إلا من المعاصي، وما فسدت القلوب ولا قست، ولا تشتت الأرواح، ولا كثرت الهموم والغموم، ولا انقطع الحبل بين العبد وربه، ولا دمرت البلاد، ولا تقاتل العباد، ولا جف القطر من السماء، ولا دعت العجماوات والكائنات على عصاة بني آدم إلا بسبب المعاصي.
والمعاصي تورث الذل والهم والغم، وتفسد البصائر والأبصار والمعتقدات.
والمعاصي تشتيت وهدم للأسر وللبيوت، وهلاك للشعوب..
والمعاصي محق للبركة، وانتزاع للعلم، وفسادٌ للقلوب لا يعلمه إلا الله، وقد عد بعض أهل العلم آثار المعاصي وعقوباتها، فأوصلها إلى مائة عقوبة.
ولذلك حق على المسلم أن يسمع هذه العقوبات وأن يسمعها أهله، وأن يهدي هذا لأحبائه وأقاربه علّهم أن يتعظوا، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النّعم)
فلا إله إلا الله كم أفسدت المعاصي! ولا إله إلا الله كم أوجبت من قطيعة بين العبد وبين الله! ولا إله إلا الله كم دمرت من أسر وأفسدت من شباب وخربت من ديار! تلك آثارهم في البلاد، فانظر كيف غضب الله عليهم فأخذهم بالزلازل والبراكين، وبالريح والصيحة والحاصب والطوفان: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13].
وكان لزاماً على المسلم أن يبين لإخوانه آثار هذه الذنوب، فإنه وُجِدَ من الناس -ونسأل الله السلامة- من لم يهتم لهذا الأمر.
وكان الإمام أحمد إذا جلس في مجلسه قال: "اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم، فإن العبد بين خطرين اثنين: بين يوم مضى لا يدري هل غضب الله عليه أو رضي، ويمكن أن يكون من المغضوب عليهم، وبين يوم أقبل لا يدري هل يسلم فيه أم يهلك هلاكاً ويعطب عطباً ما بعده عطب". وسر الحياة وسعادتها وبهجتها وزيتنها كلها في رضا الله تعالى وطاعته والعودة إليه، فإذا فاتك هذا الرضا فقد فاتك كل خير، فنعوذ بالله من قلب لا يعي، ومن عين لا تبصر، ومن أذن لا تسمع.
ألم تر كيف ذكر الله عز وجل قوماً أعرضوا عنه، فقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] فحقيق على المسلم أن يتنبه لنفسه، وأن ينجو ببيته وأسرته وقرابته، لقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] وحق على المسلم أن ينصح كل من يقوم عليه أو يتصل به بنسب أو قرابة، قال عز من قائل: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214].
فإن العلم هبة من الله، والفهم عطية منه، والفقه مادته منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يهبها لمن يشاء، والله ربط العلم والفهم بالتقوى، فقال عز من قائل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ [البقرة:282] وإذا أعطى الله العلم صاحبه، أو علمه حديثاً أو آية أو قضية، أو بصره، أو رده عن خطأ ولم يتعظ؛ سلب الله العلم منه، وأطفأ نوره وشهابه ومصباحه، فجعله في الدنيا في ظلمات، ثم أوعده بظلمات في الآخرة.. فأهل الظلمات على الصراط إنما هووا على وجوههم في النار؛ لأنهم ما وجدوا نور الطاعة في الدنيا، ولأن ظلمات المعاصي أحاطت بهم.
ولذلك قال الله تعالى عن بني إسرائيل لما عصوه وأفسدوا في الأرض واستوجبوا غضبه ولعنته: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [النساء:155] أي: بمعاصيهم؛ لأن في عنقك يا مسلم عهد من الله، من يوم خلق الله آدم ونثر ذريته كالذر من ظهره أخذ الميثاق عليهم ألَّا يُعبد إلا هو، فأنت قد أعطيت الله ميثاقك مرتين: مرة يوم أخذه من ظهر أبيك آدم، ومرة يوم أرسل لك محمداً عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} وقد دخلت دعوته إلى كل بيت، فيعز بعز طاعته كل عزيز،ويذل بذل معصيته كل ذليل.
فأول عقوبة حرمان العلم، قال الله: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13].
أتى الإمام الشافعي رحمه الله ليزور مالك بن أنس في المدينة، وهو إمام دار الهجرة، فرأى مالك نور الطاعة على وجه الشافعي، ورأى السمت والوقار، فأخذه بيده وقال: "يا شافعي! إني أرى عليك نور الطاعة فلا تطفئ نور طاعتك بمعصية الله". وذهب الشافعي إلى شيخه وكيع بن الجراح العالم الكبير المحدث، فقال: عظني، ما هو أنفع دواء للحفظ؟ كيف أحفظ القرآن؟ كيف أحفظ الحديث؟
قال: عليك بتقوى الله، وإياك والمعاصي فإنك لن تنسى العلم بمثل المعاصي، قال الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي |
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي |
مر أحد الناس فرأى امرأة فنظر إليها، فقال له أحد العلماء: تنظر إلى الحرام! والله لتجدن غبها وعقوبتها ولو بعد حين. قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. وقال بعض أهل العلم: لما قال يعقوب لأبنائه: وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ [يوسف:13] أوحى الله إليه: يا يعقوب! خفت الذئب وما رجوتني!
فمن الذي يحفظ إلا الله؟
ومن الذي يرعى إلا الله؟
ومن الذي يسدد إلا الله؟.
ومن الذي يهدي إلا الله؟
فيقول: يا يعقوب! أرسلت ابنك وما قلت: يحفظه الله وقلت: أخاف أن يأكله الذئب. فأخذه إخوانه فغاب عن أبيه أربعين سنة.
قال أحد الصالحين -وهو أبو سليمان الداراني -: إني لأرى وجهي في المرآة كل يوم مرات، أنظر هل اسود وجهي من المعاصي؟! هذا وهو ولي، قائم الليل صائم النهار.. صادق مع الله مخلص.. ومع ذلك يأخذ المرآة ينظر هل تغير وجهه.
فقل لي بالله! كم أذنبنا! وكم أخطأنا! وكم ارتكبنا من ذنب وخطيئة الله أعلم بها! لكننا أصبحنا لا نشعر، فهم يشعرون لأن فيهم حياة، ونحن لا نشعر لأن قلوبنا قد ماتت من كثرة المعاصي.
ولذلك يقول أحد السلف: "إنني لأنكر أخلاق الناس معي بسبب المعاصي" وقال بعضهم: ما فعلت معصية إلا تغير الناس لي، وهذا أمر واقع، وأنت بإمكانك أن تجرب علاقتك مع الناس، وتسهيل أعمالك ومراجعاتك، فإنها لا تسهل إلا بطاعة الله، وإذا تعقدت وتصعبت فبسبب المعاصي.. فالحذر الحذر! والبدار البدار إلى التوبة! فلا ملجأ من الله إلا إليه بتوبة نصوح.
وأبغض الناس إلى الله هم العصاة، فلا يمكن أن يفقههم في دينه أو يعلمهم، ولذلك لا يستفيدون من الموعظة ولا يفهمون، والله ذكر بني إسرائيل فقال: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] فهم عطلوا أمر الله ونهيه وتعاليمه؛ فجعلهم كالحمير لا تفهم ولا تعي، وقال عن عالمهم: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176] ولذلك يقول الأول:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام |
فتجد الذي يستمع الغناء أو ينظر إلى الحرام كثيراً، أو يأكل الربا، أو يسهر على البلوت وعلى معصية الله، أو يعاشر الفاجرين المعرضين؛ تجده لا يحس بالذنوب، يقول ابن مسعود كما في صحيح البخاري: [[إن المؤمن ينظر إلى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، وإن الفاجر ينظر إلى ذنبه كأنه ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا]] فأسرع الناس اقترافاً للذنوب هم الفجرة، ولذلك تجدهم يستصغرون كبائر الذنوب وسوف يأتي بيان ذلك، فحذار حذار يا من له طريق إلى العلم أو الفهم من المعاصي! نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم من الذنوب والخطايا، وأن يثبتنا حتى نلقاه.
فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، كما ثبت ذلك في مسند الإمام أحمد.. فما تعطل الرزق، وما قلت بركة الناس وبركة بيوتهم ودخلهم، وما كثرت عليهم المتطلبات إلا بسبب الذنوب والمعاصي.
ولذلك كان الرزق الهنيء لأهل الطاعة، ولا يهولنك أن تجد فاجراً عنده قصور ودور ونعمة، وعنده شيكات وبنوك ودخل وسيارات، فإن هذه نقمة لا نِعْمَة قال تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً [المدثر:11-17].
فلا إله إلا الله كم قلت بركة ورزق من أعرض عن الله! تأتيه الأموال مثل الجبال لكن لا بركة فيها: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126].
فأوحش شيء إلى العاصي أن يجلس وحده مع الله، فتجد العاصي يفر من الوحدة ولا يحب العزلة، بينما كان الصالحون والتابعون والسلف الصالح يجلس أحدهم في غرفة، فيذكر الله تعالى ويسبحه ويكبره، ويستغفره ويدعوه، ويجد اللذة والسكينة وحده.. أما الفاجر إذا جلس في غرفة وحده فكأن وحشة الدنيا وهمها وغمها اجتمع عليه، فلا يحب الوحدة بل تجده يحب الخلطة مع الفجرة، ويجلس في المنتديات والمقاهي مع المعرضين، ويحب الفكاهات والضحك الطويل العريض لينفس عن نفسه.. فتجده يضحك من شدقه إلى شدقه ومن أذنه إلى أذنه ويقهقه قهقهة قد تهدد أمن الحارة، فهو أكثر الناس ضحكاً وقهقهة، وأكثر الناس مزحاً فاحشاً وبذيئاً؛ لأن في قلبه غم وذلة وهم وحسرة لا ينفسها إلا الضحك.. فلذلك كان بين العاصي وبين الله وحشة وبين الطائع وبين الله زلفى وقربى.
كان الإمام أحمد يجلس وحده فيقال له: ألا تستوحش؟
فيقول: كيف أستوحش والله يقول: أنا جليس من ذكرني.
وكان إبراهيم بن أدهم يجلس وحده في جبل في لبنان فقالوا له: أتجلس وحدك؟
قال: معي الله عز وجل. قالوا: ألا تستوحش في هذا الخراب؟ قال: أنا في العمار وأنتم في الخراب. فهو في الصحراء لكن الله معه.
ذكروا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان يخرج من المسجد بعد صلاة العصر وحده إلى الصحراء، فيرفع إصبعه ويذكر الله ويهلل ويكبر، ثم يبكي ويقول:
وأخرج من بين البيوت لعلـني أحدث عنك النفس بالسر خاليا |
وهذا البيت لـمجنون ليلى، قاله في محبوبته، لكن ابن تيمية حوله إلى الحبيب القريب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال:
وأخرج من بين البيوت لعلـني أحدث عنك النفس بالسر خاليا |
وإني لأستغشي ومـا بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا |
ولذلك العاصي دائماً يشعر بالضجر ويريد أن يقضي الوقت في التوافه، حتى إن بعض الناس إذا دخل عليهم رمضان جلسوا في لعب، كلعب البلوت أو الورقة أو ما شابهها، ويأخذون الساعات الطويلة في لعب الكرة، يقولون: نضيع أو نقطع الوقت، ويشعر أحدهم بضجر ويقول: انتابني هم وغم؛ وذلك بسبب معاصيه وإعراضه عن الله تبارك وتعالى.
قالوا: العاصي متهم دائماً، كاد من الريب أن يقول: خذوني. لو تحرك الباب لقال: جاء الطلب، ولو تُكُلم في إنسان لقال هو في. قال الله عن المنافقين: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] فالعاصي بينه وبين الناس وحشة، فهو يرى أن الطائعين يتهمونه،ويرى أن الناس كلهم يظلمونه ويتحدثون فيه.. فإذا سمع اثنين يتناجيان قال: فيَّ يتكلمون، وإذا سمع صاحبين يتكلمان قال: فيَّ يختصمون، وإذا سمع حزبين يختلفون قال: فيَّ يتحدثون.
فهو دائماً متهم، وهو دائماً مسلوب الإرادة ليس عنده قوة، وبينه وبين الناس وحشة.
حتى أنك تجد الذي يتمرد في المعاصي كثيراً ويعيش فيها سنوات لا يحب مجالسة الصالحين ويفر منهم؛ حتى وجد أن بعض الناس ذهب إليه بعض الدعاة في بيته ليحدثه، فخرج من الباب الآخر، وقال لأطفاله: قولوا أبونا غير موجود. ووجد من بعضهم أنه يعتذر عن الوصول، ويعتذر عن حضور الوليمة التي هي للطائعين؛ لأن فيها قرآناً وحديثاً، وفيها سيرة وسلف وأخبار وأخيار،لكن إذا وجدت الربابة والدف والطبل حضر ورقص وشارك بشعوره وتكاتف وتعاون، فهو معرض عن الناس المستقيمين ومقبل على المعرضين لقربه وصلته بهم، فلا إله إلا الله كم بين من أحب الله من قرب وزلفى! الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] نسأل الله أن نكون منهم.
ونجد أن المعرضين في الظاهر متعاونون متساعدون، ولكن بينهم من الشنار والعار والدمار ما الله به عليم: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] فمن أراد الحب والولاء فليتول الصالحين وليقرب منهم، ولذلك عقد النووي رحمه الله: باب زيارة ا لصالحين والاستئناس بهم وحبهم، والمرء يحشر مع من أحب.
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة |
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة |
قال ابن القيم: بل أشد من ظلمة الليل. وليس المقصود الذي يقترف السيئة ثم يتوب ويستغفر، إنما المقصود هو الذي انقطع حبله وشرد، كما يقول ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام: "وشرد عن الله كما يشرد الجمل الشارد عن أهله.
فالمقصود بالعاصي هو الذي تهتك بالمعاصي، وأصبحت له جبلة، وأحبها وآثرها وفكر فيها، واستبدل مكان الطاعات معاصياً.. حتى إنك تجد مكان المصحف مجلة، ومكان التلاوة أغنية، ومكان السواك سيجارة، ومكان الكتاب الإسلامي مجلة خليعة، ومكان الأخيار والأبرار والدعاة فساقاً وفجاراً يجلس معهم ويهواهم، ومكان المسجد مقهى ومنتدى وجلسة حمراء تُغضب الله عز وجل.. فلا يزال العبد يفعل ذلك حتى يجد ظلمة في قلبه. قيل لأحد الفلاسفة المعرضين عن الله: مالك لا تتوب إلى الله؟ قال: أحاول دائماً أن أتوب فلا أستطيع، أصبح قلبي ظلمات بعضها فوق بعض.
وكان ابن عمر يقول: [[اللهم إني أعوذ بك أن تحول بيني وبين ما أشتهي. لأن الله يقول: ((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)) [سبأ:54] قالوا: كيف يحال بينك وبين ما تشتهي؟ قال: أريد أن أقول: لا إله إلا الله، فيحال بيني وبين لا إله إلا الله]] فلا يزال العبد يعصي الله ويتهتك في حدوده ويعرض عن بيوته؛ حتى يحال بينه وبين لا إله إلا الله محمد رسول الله في سكرات الموت، وذكروا أن بعض الناس قيل له في سكرات الموت: قل لا إله إلا الله؛ فحيل بينه وبين لا إله إلا الله، حاولوا وكرروها عليه، رددوا لا إله إلا الله فما استطاع أن يقولها.
فظلمة المعصية ظلمة محسوسة وظلمة معنوية يجدها العاصي في قلبه، لكنه لا يستطيع أن يخرجها لأنه ما صمم على التوبة والعودة إلى الله.
فلا يزال العاصي في صعوبة وفي تعسير الله أعلم بها، بل بلغ ببعض الناس المذنبين الذين تركوا المسجد أن تصعبت أمورهم في وظائفهم وفي أرزاقهم ومكاسبهم، وفي تربية أطفالهم، وأتت عليهم من الكوارث والحوادث والمصائب ما الله به عليهم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] حتى قال بعض السلف: إني لأجد اختلاف دابتي وعدم تذللها لي بسبب ذنوبي. وقال بعضهم: يلبس العاصي الحذاء فلا تستقيم له إلا بمشقة، والثوب لا يستطيع لبسه إلا بمشقة.
فأكبر التكدير من المعاصي، حتى الحركات العادية بسبب المعاصي؛ ولذلك أمرنا بالاستغفار. وكان ابن تيمية رحمه الله يُسأل عن مسألة من مسائل العلم فيقول: "تعجم علي -أي: تصعب- فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل فيفتحها الله علي.
فالمطلوب منا جميعاً أن نكثر من الاستغفار، وإذا أردنا أمراً فعلينا أن نستغفر، وأحد الصالحين أراد أن يكلم أحداً من وجهاء الناس في مسألة، فذهب إليه فما استجاب له، فعاد إلى بيته وقال: هذا بذنوبي وخطاياي فتوضأ وصلى ركعتين واستغفر ثم ذهب إليه في اليوم الثاني وكلمه؛ ففتح الله له قلبه وسخره له.
فالقلوب بيد الله، ولا يسخر الأمور ولا يسهلها إلا الله الواحد الأحد.
فأما القلب فتضعفه حتى يبقى جدثاً -والعياذ بالله- للمعاصي، وصنماً للخرافات، ومنتجعاً للوساخات والقاذورات، ولذلك تجد قلوب الزناة كالحمامات.. فالذين يستمرئون الزنا قلوبهم كالحمامات تماماً، ليس فيها قرآن ولا ذكر، ولا حب لله ولا للرسول صلى الله عليه وسلم ولا للصالحين، بل هي كالبيت الخرب، حتى يذكر ابن القيم وصفاً لهم في كتاب الفوائد فيقول: ففي هذه البيوت -أي: القلوب التي تشبه البيوت الخربة والخرابات- من البوم والعقارب والحيات والخرافات والخزعبلات ما الله به عليم.
وعند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام: {إن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب} فلا يزال العبد يخرب قلبه بسماع الغناء وبحب الفاحشة، والتفكر في الجريمة والمعاصي، ومخالطة السيئين؛ حتى يصبح قلبه كالحمام والعياذ بالله، فيصبح مأوى لكل خسارة ونذالة، فلا يصفو ولا يفهم ولا يرق بسبب ذنوبه.
وأما ضعف البدن فقد قال ابن القيم: فانظر إلى أجسام فارس والروم، لما قاتلوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بأجسام طويلة وأخشاب مديدة وأعضاء قوية، فما نفعهم ذلك بل انهزموا والله. كان جيش الروم في معركة اليرموك (280)ألفاً، وجيش خالد بن الوليد(p> (30ألفاً، فالتقى هؤلاء وهؤلاء، وخرج حزب الشيطان بأجسام طويلة، عليهم الديباج والحرير والتيجان، ومعهم السيوف المذهبة والخيول المتوجة، وعندهم كبر وبطر، وخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أجسام نحيفة، ولكن على جباههم السجدات، وعليهم الأذكار، وعليهم تقوى الله: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29] فالتقى الجمعان، وتراءى الفريقان، وخرج الحزبان، وأقبل جيش الروم والكتائب كالجبال، كل كتيبة ما يقارب عشرة آلاف، فقال بعض المسلمين لـخالد لما رأى جيش الروم وكثرتهم، قال: يا خالد! اليوم أظننا نفر إلى جبل سلمى وآجى في حائل من كثرتهم. فدمعت عينا خالد والتفت إلى السماء وقال: لا والله، لا نفر إلى جبل سلمى ولا إلى أجا ولكن إلى الله الملتجا.
فتقدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ملائكته وأنزل نصره، فذبحوا تلك الأجسام وبددوها بالسيوف ومزقوها وداسوها في الأرض، وفتح الله لهم الأرض شرقاً وغربا وشمالاً وجنوباً؛ بسبب إخلاصهم وقوتهم ونصرتهم للواحد الأحد.
يقول محمد إقبال:
فكم ماتت زهـور في الروابي وكم بادت نخيل في البوادي |
ولكن زهرة الإسلام تبقى على مر العواصف والعوادي |
ونورك في ضحى الإسلام باقٍ بقاء الشمس والسبع الشداد |
فمن أراد النصر فعليه بتقوى الله، يقول الله عن المنافقين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِم كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4] وقال حسان فيهم:
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير |
فعندهم قلوب، لكن قلوب ليس فيها نور، ولا تفهم ولا تعي.
فقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها بحق في مغيب ومطلع |
وسامح عيوناً أطفأ الله نورهـا بأبصارها لا تستفيق ولا تعي |
كان ابن مسعود طوله أشباراً.. جسمه كالصقر، وعظامه نحيلة كالأصابع، ولحمه خفيف، لكن عنده قلبٌ كالجبل.. يحفظ القرآن، ويقوم الليل، ويدعو إلى الله، وهو صادق مع الله.. صعد شجرة من الشجر فهزته الريح، فتحركت الشجرة والغصن وابن مسعود، فتضاحك الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} إنها المبادئ الخالدة ورسوخ المعاني.
ولذلك تجد في المسلمين الإنسان كأنه حربة أو عصى أو عود وهو يشكل ملايين وطلائع وجبال من بعض الناس.
والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا |
وتجد المتكبر ضخماً كبيراً، ولكنه يحشر يوم القيامة في صورة الذر يطؤه الناس بأقدامهم، وهذا ليس على الإطلاق، فإن بعض المؤمنين سمين بدين لكنه مؤمن بالله، مثل عمر بن الخطاب، كان إذا مشى كأنه راكب، كان مهولاً كالحصن، حتى قال بعضهم -والله أعلم بصحتها- يقولون: إن الحلاق أخذ يحلق رأسه بـمنى فعطس فأغمي على الحلاق، فرش بالماء، حتى يقول فيه الشاعر:
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها |
فجعل الله له هيبة في المبدأ وفي العقل والجسم والقلب، كان له عصا تخرج الشياطين من رءوس أصحابه، يجوب بها المدينة، وصح أن عفريتاً من أقوى الجن لقيه في شارع من شوارع المدينة، فقال عمر: من أنت؟ قال: أنا جني عفريت من العفاريت. قال: أتصارعني؟
وعمر يحب المصارعة دائماً؛ لأنه عاش المصارعة بين الحق والباطل، عاش الجاهلية والإسلام.. عاش النور.. والظلام عاش الحق والباطل، فقال: نعم أصارعك. فأخذه عمر ثم طرحه أرضاً، فقام العفريت ثانية فطرحه، فقام ثالثة فطرحه وبرك على صدره حتى تاب.
ولذلك جاء في صحيح البخاري: {ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} يأتي عمر من هنا فيأتي الشيطان من هناك، يهرب دائماً لقوة قلبه، فليس من الصحيح على الإطلاق أن يكون المؤمن دائماً نحيفاً.
وكذلك قد تجد بعض الفجرة نحيفاً كالعصا، لكنه فاجر أعمى، جمع: (حشفاً وسوء كيلة) تجده نحيفاً يابساً هزيلاً ميتاً، لكنه يدمر من المعاصي ما لا تدمره الألوف المؤلفة؛ فليس هذا الأمر على إطلاقه.
وإنما أقول: ليست العبرة بالأجسام طولاً أو قصراً، وإنما الشاهد أن المعاصي توهن الأبدان، فالفاجر أخوف الناس قلباً وأبعدهم شجاعة وأقلهم حماساً، ولذلك تجد في الجيوش -دائماً- إذا التقى أهل الفجور والمعاصي فهم أهل الهزائم، وما انهزم العرب مع إسرائيل إلا لمعاصيهم؛ فإن أحد قادات العرب لما وصل إلى الفالوجة في فلسطين، قال له بعض الناس: نصلي. قال: لا نصلي إلا إذا عدنا إلى بلادنا. فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فترك جزمته هناك وفر هارباً.. فر من الموت وفي الموت وقع.
لقد ذهب الحمار بأم عمروٍ فلا رجعت ولا رجع الحمار |
ولكن وجد من عباد الله في أفغانستان أناس بسطاء آمنوا بالله، عليهم لفائف من القماش، وأجسامهم نحيفة، ومع ذلك قاوموا الدبابات، ووقفوا في وجه الطائرات، وفجروا -بإذن الله عز وجل- قوىً عالمية هائلة، وأرغموا الملحد وسحقوه ودمروه، وهزموه، وفضحوه، ومزقوه، وأفشلوه أمام العالم، وهذه عظة وعبرة.
قال بعض السلف: إن العبد يحرم الطاعة بالذنب يصيبه. وقال بعضهم: سهرت في مجلس يغضب الله -في مجلس غيبة- ففاتتني صلاة الفجر.
وقال بعضهم: فاتتني صلاة الجماعة في العشاء فاحتلمت في الليل.
والاحتلام في الليل ليس معصية، لكنه -على كل حال- من الشيطان وليس من الرحمن، فليس من كرامات الأولياء أن الإنسان يحتلم في المنام فيصبح وقد احتلم فيغتسل، والرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء لا يحتلمون أبداً؛ وذلك لعصمتهم وعلو منـزلتهم ومكانتهم، والاحتلام تلاعب من الشيطان، فيقول أحد السلف: غبت عن صلاة الجماعة في العشاء فابتليت بالاحتلام. وهذا لدقتهم، فإنهم يعرفون من أين أتوا، أما نحن فكما قال القائل:
تكاثرت الظباء على خراشٍ فما يدري خراش ما يصيد |
الإنسان الذي قطع رأسه ما يحس أن فيه زكاماً أو مرضاً أو روماتزم أو غيرها، فإذا أتوا به إلى المستشفى وقالوا: نريد أن تنظروا ما هو مرض هذا الرجل؟ قيل: مرضه أنه مقطوع الرأس.
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميت إيلام |
أحد الصالحين وهو سهل بن عبد الله التستري ذهب إلى صلاة الجمعة فانقطعت حذاؤه، فقال لتلاميذه: أتدرون لماذا انقطعت حذائي؟
قالوا: لا ندري. قال: لأني ما اغتسلت اليوم للجمعة ثم ذهب فاغتسل.
فعرف من أين أُتي، لكن الواحد منا اليوم يصدم بالسيارة، ويتضارب مع الناس، وينهدم بيته وتأتيه المصائب، ويرسب أبناؤه، فما يدري من أين أُتي؛ لأن الذنوب -والعياذ بالله- قد كثرت. فنشكو حالنا إلى الله، ولا يتوب علينا إلا الواحد الأحد.
فحرمان الطاعة -والعياذ بالله- بسبب المعاصي، وقد يحاول الإنسان أن يطيع الله لكن بسبب المعاصي لا يوفق إلى الطاعة، تجده دائماً يذهب في عكس الطاعة.. فلا يتلو القرآن، وليس عنده ذكر، ولا يحضر الدروس والمحاضرات والعياذ بالله.
قال أهل العلم: الطاعة تولد الطاعة، والمعصية تولد المعصية، فالطاعات قرابة وخئولة وعمومة من الرضاعة والنسب، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، والمعاصي قرابة وعمومة وخئولة ورضاعة ونسب، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
فالعاصي من أقل الناس أعماراً.. انظر إلى بعض العصاة الآن، يعيش مائة وعشرين سنة لكنه مثل الحمار، يجدون معه مذكرات يكتب فيها ماذا فعل.. لقي امرأة في البرازيل وكتب مذكرات، وسمع أغنية، وعنده موسيقى وليلة حمراء، وشرب كئوس الخمر، وفتك بعباد الله وقتل ودمر.. فلا بركة ولا نور ولا عمر.
لكن ابحث الآن عن بعض أعمار المسلمين، فهذا سعد بن معاذ عمره 37سنة، عاش في الإسلام سبع سنوات فقط، لكهنا أحسن من سبعة آلاف سنة، ولما توفي مقتولاً من أثر جراح في سبيل الله اهتز عرش الرحمن لموته، وأخذت الملائكة بأهداب العرش وقالت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] وشيعه سبعون ألف ملك، وأتى صلى الله عليه وسلم فشهد جنازته، وأتى صلى الله عليه وسلم يتكفكف بثيابه ويقول: {والذي نفسي بيده ما من موطن في الأرض -أي التي حوله- إلا وفيه ملك حضروا جنازة
وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـسعدٍ أبي عمر |
والنووي توفي وعمره أربعون سنة، لكنه ألف من الكتب ما يقارب عشرين مؤلفاً، منها ما يبلغ أكثر من عشرة مجلدات، وكان يسرد الصيام ويقوم الليل كله، وعنده من الأذكار والأوراد وقراءة القرآن، وفعل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يعادل الجبال من الحسنات، وبعضهم عاش ثلاثين سنة فأثمر الله في جهده، وبعضهم عشرين، بل يكفي من الطائع سنة واحدة ليخلص مع الله.
وهذا عمر بن عبد العزيز عمره أربعون سنة، وهو مجدد من مجددي الإسلام رضي الله عنه وجمعنا به في دار الكرامة. ويتساءل ابن القيم ويقول: هل نقصان العمر حقيقي أو مجازي؟
أي هل هو حقيقي بأن يقصر الله عمره فبدلاً من أن يعيش ستين سنة يعيش أربعين؟ أو هو مجازي بأن يعيش هذا ستين وهذا ستين لكن هذا عمره أبرك من الآخر؟
ولا يَسْتبعِد أن يكون حقيقياً، وأن الله يقدر أن هذا يعيش ستين سنة لكن بسبب معاصيه يقدر أن يموت قبل أن يبلغ الستين. وقيل هو مجازي، فهذا يعيش ستين سنة لكنه طائع، عاش ستين سنة في الطاعة، وهذا يعيش ستين سنة في المعصية، فيمحق الله بركة هذا ونوره ولياليه وأيامه، فيأتي صفر اليدين عند الله يوم الدين.
وقد سبق هذا، وأن جزاء المعصية معصية، وأن العبد يعصي فتأتي هذه بأخواتها حتى يصبح عاصياً، قال أهل العلم: الزنا أوله نظرة أو سماع.
إذاً: فاحشة الزنا، التي كادت السماوات أن تتحطم على الأرض من أجلها أولها نظرة، وقالها الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام فكلامٌ فموعد فلقاء |
نعوذ بالله من ذلك، يقول عن نفسه ويتمدح أمام الناس: أول ما أتى هذا اللقاء أني نظرت، ثم تبسمت، ثم تكلمت، ثم وعدت، ثم لاقيت، ثم فعل الفاحشة، ثم أغضب الله، ثم استحق لعنته، ثم دخل النار.
فتولدت هذه المعصية من شيء بسيط هو النظر. وقد تكون بسبب السماع، قال ابن القيم: الغناء بريد الزنا. وما أدمن عبد على الغناء إلا وقع في الزنا، وإنما تجد المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات، والمسرحيين والمسرحيات، والممثلين والممثلات، الأحياء منهم والأموات إلا أهل فواحش ورذائل كظلام الليل، بل هم سقطة المجتمع، وهم الذين سيروا الزنا في العالم، وهم الذين أنتجوه وصدروه، وهم الذين أدخلوا الشريط الغنائي والمسلسلات والمسرحيات إلى البيوت، حتى أوقعوا جريمة الزنا بين الرجل والمرأة. وما تظن برجل يتوله ويقول: يا حبيبتاه! وقمره وقرة عينه لا أقر الله عينه إلا بنار جهنم؟!
وما تظن بإنسان يشتكي دائماً الهجر والقطيعة والهيام، وأنه دائماً سهران الليل ومعذب وما عرف الطريق، وأنه محروم ومنحرف وضال وموله؟! هل ترى هذا الرجل إلا رجلاً أُطفِئت بصيرته فما استفاق وما شعر، فهؤلاء أراذل الناس.
وإذا بلغ الإنسان هذه الدرجة فقد بلغ الهلاك والعياذ بالله.. فإذا صار إلى درجة أن يقال له: تب إلى الله. فيقول: ما أستطيع أن أتوب. أو يئس من روح الله فقد بلغ الهلاك، ويوجد صنف من الناس يبلغ من الذنوب من أخمص قدميه إلى رأسه، فيدعى للتوبة فلا يتوب ولا يستجيب ولا يعود، ويعرض ويقول: ما أستطيع أن أتوب، ولا يرحمني الله، أنا مذنب وانتهيت، ولو تبت ما قبلني الله.
لا إله إلا الله! قال الله تعالى: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]
فالمعاصي تضعف إرادة التوبة، حتى إن بعضهم يجزم ألا يتوب إلى الله، وبعضهم يذكر أعذاراً ويقول: إن الله قدر علي الذنوب، ولو أراد الله بي خيراً لهداني، فإن شاء أن يعذبني عذبني وإن شاء أن يرحمني رحمني، ويقول: لا ذنب لي، كل شيء هو من الله.
فهذا محروم من وجهين: بوقوعه في الذنوب، ولأنه عارض القضاء والقدر، والله لا يرضى المعاصي ولا يحبها وإنما يبغضها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولو قدرها وقضاها.
قالوا: لا يزال العبد عنده حياء، والحياء يزيد بالطاعات والاستغفار والذكر فيزيد الله من حيائه، والحياء كله خير، والله يقول: يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ [النساء:108] فإذا وجدت الشاب والرجل والمرأة والفتاة عندهم حياء فاءمل فيهم خيراً، وادع لهم فسوف يثمرون الخير، وإذا رأيت الإنسان قد أسقط جلباب الحياء، فاغسل يديك منه، {إذا لم تستح فاصنع ما شئت} فإنه قد يبلغ ببعض الناس من الجرائم أن يتحدث بها في المجالس، ويخبر أنه مذنب ومصر، وأنه فعل كذا كذا، وعند الناس فضائح ومذكرات مما فعلوا في أيامهم الخالية، يوم سترهم الله في الليالي الظلماء السود، وبإمكانهم أن يستتروا ويستغفروا ويتوبوا فيغفر الله لهم، لكنهم جاهروا الله بالمعاصي، فهؤلاء لا يعافون.
جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين. قالوا: ومن المجاهرون يا رسول الله؟ قال: أناس يفعلون الذنب ويسترهم الله، فيصبح أحدهم فيقول: يا فلان فعلت كذا وكذا البارحة. يمسي والله يستره، ويصبح فيكشف ستر الله عليه} فهذا لا يعافى، كما تجد بعض الناس -وهذا خطأ في جاهلية نسبية مرت بكبار السن- يقول: أنا سرقت من آل فلان وذبحت من آل فلان وفعلت، وزنى البعيد وفعل وفعل والعياذ بالله، فهذه تسجيلات وشهادة أمام العالمين أنه فعل ذلك.
وهذا هو سقوط الحياء الذي هو جلباب النور، من يعطيه الله عز وجل فقد أعطاه خيراً كثيراً، حتى إنك تجد بعض الناس يبلغ من التقوى أن يترك بعض المباحات خشية أن يقع في بعض المعاصي، فتجد بعضهم لا يأكل في السوق، والأكل في السوق مباح، لكنه لا يناسب المروءة، فبعض الناس لوقاره وحشمته وكرامته ومروءته ما يأكل شيئاً في السوق؛ لأنه يعرف أن لنفسه وزناً وأن له قيمة، لكن بعضهم من سقوطه وقلة مروءته ما عليه أن يمشي مكشوف الرأس، ويطارد الناس في السوق، ويتمازح هو وإياهم ويتضاربون، ويأكل وهو واقف ويرفع صوته، فهو أجدر بأن يقع في المعاصي، وهذه تدل على غيرها.
فالعبد العاصي لا يزال يذنب ويذنب حتى يسقط من عين الله.
بكى الحسن البصري فقالوا: مالك تبكي؟ قال: [[أخشى أن يلقيني ربي في النار ثم لا يبالي ولا ينظر إلي]] وبعض الناس يسقط من عين الله فلا يجعل له وزناً ولا كرامة ولا وقاراً، ويجعله من صنف القردة والخنازير والحمير والعياذ بالله، فيسقطه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من عينه ومن قلوب الخلق فلا يكون له وزن.
ولذلك يقولون: أرخص الناس عند الناس من عصى رب الناس.
حتى قالوا: إن الزانية إذا زنى بها الزاني كانت أرخص الناس عنده، ولا يرضى أن يتزوجها، ولا يحب أن تكون له زوجة، ويحتقرها دائماً في نفسه، ويسأل الله ألا تكون أخته أو ابنته أو أمه أو قريبته أو خالته أو عمته مثلها، ويرى في نفسه أنها خائنة وداعرة، وأنها قد ارتكبت أمراً فضيعاً، وهو الذي زنى بها، وهي نفسها لا ترضاه زوجاً إلا إذا كانت متخلعة، ولا ترضى أن يكون أبوها أو أخوها أو عمها أو خالها كمثل هذا الزاني، وهذا من رخصهم عند الله وخلقه، نسأل الله العافية والسلامة.
فإن العبد لا يزال يحتقر الذنوب والكبائر حتى تصبح عنده كالهوى وشرب الماء، وبعضهم يغتاب فيُوصي، فيقول: الغيبة سهلة، وبعضهم يترك الصلاة في الجماعة، فيقال له: صلِّ في الجماعة. فيقول: يكفي أن أصلي في البيت، فإن بعض الناس ما يصلي الصلاة مطلقاً فأنا خير منهم، فلذلك لا تلوموني على هذا.
وبعضهم يطول إزاره ويقول: سبحان الله! ليتك ترى الناس في أوروبا، ليتك سافرت ورأيت الناس في أمريكا. فينـزل نفسه إلى منـزلة الكافر ويقيس نفسه بالكافر.
ويأتي إلى أهل الدعارات والخيانات فيجعل بينه وبينهم نسب، وإذا قيل له: لا تسبل إزارك. قال: أنت في الإزار وفي اللحية، والناس أصبحوا الآن في مسائل غير هذه المسائل، ألا تعرفون إلا الإزار واللحية؟!
وذلك لأنها هانت عليه، وأصبحت عنده قشور، والمصاب بمرض عضال لا يهمه الزكام، فإذا كان عنده مرض السرطان أو السل، أو مرض من الأمراض الفتاكة، ويؤتى إليه في المستشفى ويُقال له: نعالجك أولاً من الزكام، فيقول: الزكام هذا أمره سهل وسوف يذهب، لكن عالجوني من هذا المرض الفتاك.
وكان ابن تيمية يستشهد ببيت شعر ويقول:
إن اللبيب إذا شكا من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطرا |
فحذار حذار من استصغار الذنوب! فإنه لا يزال العبد يستصغر الذنوب حتى يسقط من عين الله، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم جعل ذنوب أصناف من الناس أعظم من ذنوب غيرهم، وقد صح في الحديث أنه قال: {ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب} من هم؟
لا ينظر الله إليهم يوم القيامة لأنهم سقطوا من عينه في الدنيا، ولا يزكيهم فشهادتهم ساقطة، وليس لهم عند الله قبول، ولهم عذاب إليم: {أشيمط زانٍ} شيخ كبير عجوز يزني، شابت لحيته، وبدا له الشيب وهو النذير: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ [فاطر:37] ومعلوم الزنا من الشباب حرام وكبيرة، لكنه مضاعف أن يزني الشيخ الكبير، ولماذا يزني؟
قد ضعفت قوته، ورأى نذير الشيب، واقترب من لقاء الله، وأنذرته السنوات، وعاش الأيام والليالي، ودفن الأموات من والأجداد والأحفاد ومع ذلك يزني! لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم، وهو أدهى وأمر.
ولذلك تستبشع إذا رأيت إنساناً في الخمسين من عمره وهو جالس في المقهى يشرب الشيشة، وإذا رأيت شاباً عمره 15 أو 18سنة ربما تستسهل هذا الأمر ولو أنك تستقبحه، لكن أن ترى إنساناً كبير السن عنده أطفال بالبيت وزوجة وأولاد، فيتركهم على المسرحية والغناء والمجلة، ويذهب بعد صلاة العشاء إلى الساعة الثانية يشرب الشيشة، هل رأيت أحقر من هذا؟ وكيف يزكى؟ هذا ليس عنده واعظ.
الإمام أحمد رأى الشيب في المرآة فبكى حتى كادت أضلاعه أن تختلف، فقالوا: مالك؟ قال: يقول الله عز وجل: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ [فاطر:37] هذا هو النذير. أي: الشيب.
ويروى عن إبراهيم عليه السلام أنه نظر إلى المرآة فرأى شعرة بيضاء فنظر إليها وقال: يا رب! ما هذا البياض؟ قال: وقار يا إبراهيم. قال: اللهم زدني وقاراً.
ولذلك ورد في حديث حسن: {ما شاب العبد شيبة في الإسلام إلا كانت له حسنة} فهذا الشيب معناه أنه يردعك عن المعاصي.
مر شيخ كبير بشباب يلعبون في شارع من شوارع الكوفة، فقال أحدهم لهذا الشيخ:
يا أبتاه! من الذي أعطاك هذا القوس الذي على صدرك؟
فقال الشيخ الكبير: هذا القوس أعطانيه الدهر بلا ثمن، وسوف يعطيك قوساً مثله. يقول: انتظر، فسوف يأتيك.
تمنت عجوز أن تعود فتية وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر |
تسير إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر |
من يعيد شبابه إلا العمل الصالح؟
ومن يعيد قوته ومجده وجاهه إلا تقوى الله عز وجل؟
أما إذا ولى العمر ولى.
{وعائل مستكبر} رجل فقير ممزق ليس عنده شيء، ومع ذلك لا ينظر إلى الناس، ولو كان هذا الأمر من غني لكان قبيحاً، لكنه فقير ويتكبر.. ممزق الثياب، وينام على الرصيف وتسحبه الكلاب بأيديه وأرجله، وكل شيء فيه، ومع ذلك ينظر إلى الناس ويزدريهم ويحتقرهم كأنهم الذباب.. فهذا لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.
قال عليه الصلاة والسلام: {وملك كذاب} سلطان من السلاطين ليس في حاجة إلى أن يكذب فيكذب، ولماذا يكذب والكذب إنما هو لدرء خوف، وهو لا يخاف من الناس في العادة، أو لجلب منفعة والمنفعة عنده، فلماذا يكذب؟! فلا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.
المعصية أمرها عجيب! تصل أضرارها مثل القنبلة الذرية، تقع هنا وتنتشر في المدن والقرى، مثل قنبلة هيروشيما، يقولون: لا زالت آثارها إلى الآن، وهناك مذكرات وصور عن أطفال مشوهين لا زالت تجري مع الماء، وهذا المفاعل النووي الروسي لما انفجر حذر الناس منه حتى في استراليا، وقالوا: الجو تعكر وأصبح سماً زعافاً، والفواكه والألبان والخضروات، حتى الصحف أصبحت تحذر من أن تصدر بسبب هذه الجريمة.
والمعصية مثل ذلك، فلا يزال العبد يعصي الله حتى تنتقل إلى ولده وزوجته، وفي أثر يقول الله: {إني إذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإني إذا غضبت لعنت وإن لعنتي لتبلغ السابع من الولد} بل تجد العاصي يلتف حوله عصاة ويوجد له خلايا في المجتمع وأصدقاء فيقعون في المعاصي.
ووجد من بعض الشباب أنه كان يحمل سيجارة ويدخن، فأخذ شباباً من الحي وصاحبهم وأركبهم حتى أصبحوا مدخنين عن بكرة أبيهم وتركوا المسجد، فهذا من آثار شؤم هذا الرجل.
ووجد من بعض الصالحين من سار صلاحه في القرية حتى حمى الله به بعض القرى، فهذا رجل في القصيم حدثنا عنه بعض العلماء: أنه كان يذكر الله من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وكان له أوراد هائلة من التسابيح والحصون التي يستخدمها ابن تيمية وأمثاله بعد صلاة الفجر، كان ابن تيمية يستقبل القبلة بعد الفجر فيهلل الله ويكبره، ويردد الفاتحة والأدعية والأذكار، ويبتهل ويدعو الله، فيقولون: ما لك تطول؟ قال: هذه غدوتي لو لم أتغد لسقطت قواي. وهذه معاني روحية مثل الجبال، وحصن حصين بينه وبين المعاصي، يقول أهل العلم: استقبل يومك بالدعاء.
كان هذا الرجل في القصيم، فأصاب القصيم مرض الجدري، وذلك قبل أربعين سنة أو ما يقاربها، فكان يقوم بعد صلاة الفجر في بلدته من ضواحي القصيم، فيدور على البلدة جميعاً ويقرأ عليها: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. وينفث على القرية ببساتينها ونخيلها وأطفالها، ويقرأ آية الكرسي والمعوذات كل صباح، فقيل لي: والله! لا نعلم بلداً ولا قرية إلا دخلها الجدري، إلا مكان هذا الرجل، والله ما أصيب ولا طفل واحد بهذا المرض. لماذا؟
إنه حفظ الله للرجل الصالح، حتى يقول ابن القيم: الله يحفظ الصالح في ديرته وحيه وقريته. ونحن في أبها يمكن أن يحفظنا الله ببعض الصالحين الصائمين قوَّام الليل، وإلا لو تركنا ومعاصينا وفجورنا وإعراضنا لتدكدكت بنا الدنيا.
تزلزلت المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه زلزلة بسيطة سقطت منها بعض الحوائط، فقام رضي الله عنه فقال: الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر وقال: ما هذا الزلزال؟ -هو يدري أنه بقضاء وقدر- قالوا: يا أمير المؤمنين! بقضاء وقدر. قال: أخبروني ما هذا الزلزال؟ قالوا: بقضاء وقدر، قال: بسبب ماذا؟ قالوا: بسبب ذنوبنا.
فقال: والذي نفسي بيده إن عاد هذا الزلزال لا أجاوركم بـالمدينة بعدها. يقول: أنتم السبب في هذا الزلزال، ولو عاد مرة ثانية فلا يمكن أن أبقى معكم. وهو لا يزكي نفسه لكنه يعلم أن هناك ذنوباً وخطايا، وهي مدرسة الوعظ المنهجية، يدخل معهم في المعمل ويقول: هذا زلزال وأثره الذنوب والخطايا.
والآن أصبح الناس الكفرة مثل الحمير، فيرى الحمار الزلزال فيعرف أنه زلزال، ويرى الريح تمر والبرق والرعد والمطر فيعرف أنه مطر لكن ما يعرف ما هي أسبابه.
خسف بمدينة في بلاد المغرب وبأهلها وقصورها ودورها وفنادقها، فقالوا: لأن الغطاء الصخري ارتخت بينه الدرجات فانصدع فهوت المدينة. نحن نعرف هذا، لكن من قدر انصداع الغطاء الصخري ومن أتى به إلا الله؟!
وكذلك مدينة ذمار في أرض اليمن ذهبت حيص بيص -كما تعرفون- بسبب ماذا؟ بسبب المعاصي، لكنهم قالوا: لأنها تقع في شبه الجزيرة، وغطاء الجزيرة الخارجي الأرضي الترابي غطاء رقيق يتعرض دائماً للهزات.
من الذي هزها إلا الواحد الأحد؟
وهذه التعليلات صحيحة، لكن من المعلل والمسبب والمقدر إلا الله الواحد الأحد؟
الطوفان الذي أرسل على قوم نوح هو مثل ما يأتي في البحر، أن يتبخر بالشمس فيحدث فيه طوفان ومطر، وكذلك الريح وكذلك البرق والصاعقة والزلزلة وما أشبهها، لكن بسبب الذنوب والمعاصي.
فأهون الناس العصاة، حتى إن أحدهم لا تهمه نفسه ولا سمعته شيئاً، ويصبح ليس عنده حرارة، ولذلك يقولون: الديوث لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه، وحرم الله عليه الجنة لا يجاوره فيها. ومن هو الديوث؟
الذي يقر الفاحشة ويدري بها في أهله.
بل وتبلغ ببعضهم الدياثة إلى أن يكون داعياً للجريمة في أهله -نعوذ بالله من الخذلان- فيكون من أسقط الناس وأهونهم، فحرام عليه أن يجاور رب الناس في جنة رب الناس إله الناس، فهذا يكون أهون الناس، حتى أنه لا تهمه سمعته، يقال له: يا فلان! سمعنا أنك تتناول المخدرات، فيقول: من قال لك؟ قال: فلان، فيقول: وهل المخدرات حرام هي مثل الخمر؟
فلا يتحرك ولا يتغير وجهه أبداً، بينما لو قيل هذا الكلام لرجل صالح لأخرج السكين مباشرة، وغضب وأقام الدنيا وأقعدها. ولكن من يدري؟ فإن بعض الفجرة لو قيل له: يا كافر! لذبح الناس، وقد ارتكب من المكفرات مثل الجبال، لكن عنده غيرة.
ولذلك نجد أن سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الخزرج، كان فيه غيرة الله أعلم بها، فمن غيرته أنه تزوج امرأة فأركبها على فرس وراءه، فلما ذهب بها من بيت أهلها إلى بيته نزل فنحر الفرس وقتله، وقال: لا يركب الفرس الذي ركبته امرأتي بعدي أحد.
وكان فيه شهامة تتوقد مثل النار، كان ذات مرة جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى أعرابي وقال: {يا رسول الله! إذا وجد أحدنا مع زوجته رجلاً فماذا يفعل؟ قال: يشهد على الرجل ويشهد عليها ثم يقام عليهما الحد. قال
لكنه صلى الله عليه وسلم قال: يذهب فيأتي برجال يشهدون فقال: يا رسول الله! أتركهم! معنى ذلك: أسد الباب وأقول: انتظروا، ويذهب يبحث في السوق عن شهداء يشهدون على الجريمة! هذا يأخذ ساعات، ولذلك قال: يا رسول الله! أأنتظر! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح، أي: ما أدري أوجه السيف كذا أو كذا، ويقتلهم جميعاً.
قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم من هذا الكلام: {أتعجبون من غيرة
وفي الصحيح عند البخاري في صلاة الخسوف، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا عباد الله! لا أحد أغير من الله، ومن غيرته حرم الزنا، ومن غيرته أن يغار على عبده المؤمن أن يزني وأمته المؤمنة أن تزني}.
فأفسد الناس عقلاً أهل المعاصي، ولذلك لا يفهمون ولا يستنبطون، وأنت قد تعارضني الآن وتقول: لماذا الكفار من الغرب يكتشفون الصواريخ والطائرات والدبابات والذرة؟
أقول: يقول الله سبحانه عنهم: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] فهم لا يعرفون الطريق إلى الله، ولا يعرفون المصير ولا يعرفون معنى الحياة، ولا يعرفون الرسالة التي من أجلها وجدوا، والسر الذي من أجله خلقوا، قال سبحانه: بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمون [النمل:66] فأفسد الناس إرادة وعقلاً وتصريفاً هم أهل المعاصي، ولا تزال المعاصي تتوالى حتى تطمس فهم صاحبها.
فيصبح مطبوعاً عليه، فلا يعي ولا يفهم ولا يسمع الخطب ولا المواعظ، ولا يستفيد من آيات الله البينات، ويرى الأموات وهو يضحك، بل وجد من بعض العصاة أنه كان يشيع جنازة وهو يمزح، وكانت رجله في القبر وهو يضحك ويأتي بمزح فاحش بذيء والعياذ بالله، لأن قلبه قد مات.. يدفن قريبه ويضع الطين تحت رأسه، وقد أسلمه إلى مثواه الذي يلقى بعده الله الواحد الأحد، ومع ذلك يضحك؛ لأن قلبه قد مات.
{ولعن صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء}.
ولعن شارب الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها.
ولعن النامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة. ولعن من آوى محدثاً، ولعن من غير منار الأرض، ولعن من أتى امرأته في دبرها، ولعن الفاعل والمفعول به، ولعن عليه الصلاة والسلام أصنافاً أخر كلعنه عليه الصلاة والسلام من ادعى إلى غير أبيه.. فالعاصي يستحق بمعاصيه لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن الملائكة يستغفرون للذين آمنوا وللطائعين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7] فالعاصي يحرم هذه الدعوة الفاضلة من الملائكة الكرام ومن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فكم فوت من خير، وكم فوت من أجر ومثوبة.
فما تكدر ماء ولا جف قطر ولا مات طائر -كما قال مجاهد وعكرمة وأمثالهم- إلا بسبب الذنوب: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] فالفساد في العالم وفي البر والبحر بسبب الذنوب والخطايا، حتى ذكر عن عكرمة أنه قال: [[إن الحبارى تسقط ميتة بذنوب بني آدم]] وذكر مجاهد أن من الوحوش من يموت بسبب ذنوب بني آدم، وأنها تدعو على عصاة بني آدم وتقول: منعنا القطر بسببكم.
وقد سبق بيان الغيرة، فصاحب المعاصي لا يغار، وإذا سمع الفواحش في البلد لا يهتم ولا يتأثر ولا يتغير وجهه، أما الطائع فيتغير وجهه ويتمعر ويغضب ويقول كيف يوجد هذا؟
ولذلك ذكر الله الذين سلبت الغيرة منهم، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19]
فإن العاصي لا يعظم الله؛ بل لو رأى قبيلته وقرابته لما عصى الله أمامهم، بل يحترمهم ويقدرهم، فإذا خلا بالله وحده هتك الحجاب بينه وبين الله.
فلا يزال العاصي يعمل ويعمل حتى يتخلى الله عنه، ثم يتركه في معصيته وندامته، فلا ينظر الله إليه نظر توقير ولا تقدير، وإنما يتركه هباءً منثوراً.
فتلبسه مكان الجاه حسرة وخيبة وسوء سمعة، ومكان الرزق الحلال حراماً، ومكان الأحبة فجاراً، ومكان الحب من الله بغضاً في قلوب الخلق، وبغضاً في قلب كل مخلوق حتى يلقى الله عز وجل، ثم تأتي عليه الكوارث والعياذ بالله.
ثم ما يلقيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قلب العاصي من الرعب والخوف، فأخوف الناس هم العصاة، فهم أهل رعب وخوف وأهل غم واكتئاب وحزن وذلة، والطائعون صدورهم مشروحة بالنور والإيمان والقرآن.
وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي |
فنعوذ بالله من الخذلان.
فيزيل الله عن العاصي اسم المحسن والتقي والورع والعابد والزاهد والحبيب والواد والناصح، ويكسبه الله أسماء كاسم العاصي والشقي والفاجر والملعون والطريد وعدو الله، وأمثال ذلك من الأسماء.
فأعداؤه يتجرءون عليه حتى السفهاء من الناس، يقول أحد الصالحين: عصيت الله معصية فخرجت في الصباح فرماني أطفال الحارة بالحجارة، فقلت: إذا كان جزائي في الدنيا هذا فيكفيني، لكن أخشى أن أرمى مع الحجارة في جهنم والعياذ بالله.
فما يتجرأ الأعداء حتى الكلاب إلا على العصاة والعياذ بالله، وحتى الأطفال والسفهاء.
وأما الطائع فتجد عليه وقاراً، فإذا مر وهم يلعبون الكرة توقفوا ونظروا فيه من جلالته وسيما الوقار عليه والحسن، واحترموه وعظموه وقدروه، لكن العاصي الفاجر الذي عرف في الأحياء بالفجور يلحقونه الحجارة، ويذمونه ويسألون عن اسمه واسم أمه وأبيه.. وهذا من مهانته وسقوط منـزلته عند الله وعند خلقه.
فأجابوا: شرب الدخان حرام لكثرة ضرره وإنفاق الأموال فيه إسرافاً، وقد نهى الله عن الإسراف، ولكونه خبيثاً فينطبق عليه قوله تعالى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] وبناء على ذلك فالإتجار به حرام، والكسب من ذلك حرام، وإنتاجه زراعة وصناعة حرام، ونرسل لك رسالة في حكمه زيادة في الفائدة، وعلى نبينا صلاة الله وسلامه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ويدخل في ذلك من أجر دكانه أو محله على من يعصي الله، كمن يحلق لحى الناس، أو من يبيع الثياب الشفافة للنساء التي يعصى الله بها عز وجل، أو يبيع المجلات الخليعة، أو يبيع سجائر الدخان، أو يبيع أشرطة الغناء كلهم يدخلون في هذا الحكم؛ لأنهم تعاونوا على الإثم والعدوان، والعياذ بالله.
الجواب: أنا سمعت بهذه القصة، وهذه القصة تلخيصها: أن أمامي مئات من الناس دعوناهم -جزاهم الله خيراً- إلى النـزول أو من يستطيع منهم لتعليم الناس في القرى الفاتحة والوضوء وأركان الإسلام، علَّ رجلاً واحداً تعلمه يدخلك الله به الجنة ويكون في ميزان حسناتك لأنهم بحاجة، فاستجاب بعض الإخوة ونزلوا، ولكن المشكلة حدثت أن ما عندهم سيارات تنـزل بهم، فذهبوا إلى كثير من الإخوة الذين استعدوا وهزوا رءوس الاستعداد، وقالوا: نحن نساهم وننفذ كل شيء في صالح هذا الدين. فقالوا: نريد سيارتك ننـزل بها، قال: سيارتي معطلة، سبحان الله! ما تعطلت إلا عندما ستذهب في الدعوة، أما في النـزهة والسفر فكالساعة، وذهبوا إلى غيره فلم يجدوا، وفي الأخير أتى رجل من الصالحين وقال: عندي سيارة هيلوكس اركبوا في الصندوق، وأنتم دعاة فاصبروا، فركبوا في الصندوق، وأما سياراتنا فما نزل منها أحد، فسلام الله عليها.
ما لها ما نزلت في الدعوة؟ ولو كان هناك أمر أو زفير أو شهيق أو صفير أو نزهة لنـزلت، ولكن سبحان الله! يأبى الله عز وجل إلا أن يتم هذا الدين ولو بالوسائل البسيطة، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم بلغ دعوة الله على بغلة وحمار، حتى بلغت أسبانيا ونقشبند والسند: وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [التغابن:6].
فمن أراد أن يمسك سيارته فليحفظها وسوف يلقاها يوم القيامة، ومن أراد أن يبذل من ماله فما بذله إلا لنفسه وما أبر إلا بنفسه: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96] وأنا أدعو ثانية إلى النـزول وإلى تعليم الناس.
الجواب: أنا أذكر خمسة أشرطة، ووصيتي للإخوان إذا استفاد أحدهم من الأشرطة أن يهديها لأخيه أو لجاره أو لمن يقوم عليه عل الله أن ينفع بها، وهي موجودة في التسجيلات الإسلامية، وأنا أنصح بسماعها للأسر وللأطفال عل الله أن ينفع بها.
أولاً: شريط: احفظ الله يحفظك، وهو شرح حديث: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك} وعمر هذا الشريط ثلاث سنوات، ونسأل الله أن ينفع به.
الشريط الثاني: الرحلة إلى الدار الآخرة، وقد ألقي في مدينة قنا، وهو يتكلم عن رحلة الإنسان ولقائه لله عز وجل، وما يمر به في طريقه حتى يلقى الله.
الشريط الثالث: شباب عادوا إلى الله، وهو يتحدث عن الشباب الذين أذنبوا وعصوا ثم استيقظوا وأفاقوا فتاب الله عليهم، فأريد أن يسمعه الشباب والأسر عل الله أن ينفع به.
الشريط الرابع: الدعاء هو العبادة، وهو في دعاء العبد لله عز وجل، وفي أحكام الدعاء؛ لأن الدعاء طريقنا إلى الله.
الشريط الخامس: الشباب واهتمامات العصر، بما يعيشه شبابنا وأسرنا.
وأوصي بثلاث خطب عل الله أن ينفع بها لأنها حديث الساعة.
الشريط الأول: تحريم التبرج للنساء.
الشريط الثاني: حرب على المرأة.
الشريط الثالث: العائدون إلى الله.
وعسى الله أن ينفع بها، وهناك للشباب المهتمين كتاب صدر وهو في تسجيلات الفرقان اسمه: الحركات الإسلامية المعاصرة، فمن أراد أن يأخذه ليستفيد من بعض الأمور التي لا تخفى على المطلع؛ فليتناوله في تسجيلات الفرقان.
الجواب: أولاً: أخلص واصدق مع الله.
ثانياً أكثر من الدعاء والذكر.
ثالثاً: تدبر القرآن.
رابعاً: حافظ على الفرائض وتزود من النوافل.
خامساً: عليك بالوسائل، كالكتيبات والأشرطة الإسلامية، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة الصالحين وحضور الدروس، وسوف يزيدك الله هدى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] فمن الذي أتى إلى الله فرده؟ ومن الذي التمس حبل الله فقطع الحبل دونه؟ ومن الذي أقبل على الله فرفضه؟ بل أَقبل وأَبشر.
الجواب: هذه ظاهرة لا تبشر بالخير، وأنا أرجو من الإخوة ألَّا يكون خروج النساء متطيبات متزينات متعطرات في الأسواق؛ لأنهن فتنة؛ ولأنه تعريض للفاحشة والعياذ بالله، ولأنه إغضاب لله تعالى، فحذار حذار من هذه الظاهرة، وأرجو أن تكون المرأة في بيتها وفي حجابها عل الله أن يسترها حية وميتة، فقد جاء في السنن: {إذا خرجت المرأة متزينة متعطرة لعنتها الملائكة حتى تعود..
الجواب: حكمها أنها محرمة، وتلحق بالغناء لأنها من أدوات اللهو، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} فالموسيقى من المعازف، فهي محرمة، واستغن بسماع القرآن وسماع ما ينفعك.
الجواب: نعم، الملاحظ من كثير من الناس أنه يأتي متأخراً، فإذا أقيمت الصلاة اقتحم الصفوف وداهم الصف الأول وزاحم بمنكبيه وضارب مضاربةً، فعليه أن يبقى مكانه ولا يؤذي المسلمين، ويرفق بهم، وهو الذي تأخر، ومنـزلته حيث أتى، وإذا أراد الصف الأول فليأت مبكراً.
وكذلك ظاهرة حجز الأمكنة، فتجد بعض الإخوة يأتي من بعد صلاة العصر فيضع سجادته وسواكه ونظارته وحذاءه ويذهب يتمشى، فيصبح المسجد مطبخاً.. وهذا لا يصلح، فالإنسان الذي يريد أن يحجز المكان فليجلس فيه، أما أن يمسك ويحجز فلا، والمكان لا يحجز إلا لرجل له مكانة وبلاء في الإسلام، رجل عالم ومجتهد مطلق، مثل أن يدخل عندنا عالم فاضل فنحجز له مكاناً ونقول: هذا مكان العالم الفاضل، ويفسح له الباب، ويجلس في مجلسه، أما أن يحجز أحدنا مكاناً ويذهب يتمشى حتى الغروب، ثم يأتي ويأخذ الأمكنة على الناس، ويأتون هم مسرعون فيجلسون في الصفوف الأخيرة، فهذا غير صحيح.
الجواب: لا بأس بالدف للنساء خاصة في الأعراس، أن تأتي امرأة وتضرب الدف لكن بدون أجرة، فلا يجوز دفع الأجرة للمرأة هذه التي تضرب بالدف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في سنن أبي داود: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه الدف} لذا فلا يأت واحد يقول: الدف حرام، ويجلسون مع الزوجات والنساء يسبحون ويصلون الضحوات وقت الزواج.. فهذا فرح، يقول صلى الله عليه وسلم لـعائشة في صحيح البخاري: {أما عندكم شيء من اللهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو} فاللهو شيء من الدف، تتبرع امرأة فتأتي تضرب الدف ويصفقن وينشدن فلا بأس بهذا، لكن لا يجوز أخذ مغنية ولا مغني، فالغناء ظلمات بعضها فوق بعض، أما الرجال فلا يجوز لهم ذلك، وما أعلم فيه نصاً.
هذا ما حضرني هذه الليلة، ونكتفي لعدم الإطالة وعدم المشقة على الناس، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم حتى نلقاه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر