السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم في الله: عائض بن عبد الله القرني من مواليد بـالقرن بالجنوب، عام (1379هـ) نشأت هناك في قرية ريفية حالمة، تقع على مشارف شفى تهامة، تحف بها من جنبتيها شجر العرعر، وهي عليلة النسيم، طيبة الأنداء، وارفة الظل، نشأت مع أطفال القرية، قليلة حضارتنا هناك، وقليلة معداتنا وأدواتنا، ولكنَّا نشأنا على كل حال -والحمد لله- في التزام لا بأس به، مع والدين وأناس يصلون، ويصومون، ويذكرون الله كثيراً، وأهل القرية يتعاودون المسجد كل يوم خمس مرات، وعندهم خير كثير، وهم على الفطرة ولو أنهم يحتاجون إلى علم شرعي كثير.
رعيت الغنم، وضاعت مني غنيمات، وكم بكت عيني من ضياع الغنم لا من خشية الله، وأنا أستغفر الله عز وجل من تقصيري، ولكن مهما يكن فالعظماء قد رعوا الغنم، فكيف بالمقصرين من أمثالنا؟!
وإني بالمناسبة أوجه درساً لأساتذة الابتدائية وما يقاربها أن يتقوا الله في هؤلاء الطلاب، وأن يعلموا أن العصي لا تُعلِّم وإنما تهذب، فمهمتها أن تكون مهذبة ومربية ومعزرة، لا أنها مفهمة ومدرسة ومعلمة، وانتقلنا في مدرسة ابتدائية إلى مراحل وأكثر ما استفدت تعليم الخط والإملاء، وفي الأولى: درس وزرع ووزن.
وفي الرابعة: طه والطبلة، كان لطه طبلة يضرب عليها ووددنا أنهم جعلوا بدل الطبلة طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى [طه:1-4] وحفظت أناشيد كثيرة، ولكنها ضاعت؛ لأنها في الحقيقة هزيلة، لم تكن تؤدي الغرض المقصود، ولم تكن مستعدة لأن تعيش معنا كثيراً.
والعجيب أنني كنت آخذ في أولى في الترتيب الرقم (20) وفي الفصل (80) طالباً، فلما أتيت في الثانية أخذت المرتبة الـ(15) وفي الثالثة -أظن- الـ(8) أو ما يقاربها، وفي الرابعة إلى الخامس، فلما وصلت السادسة أصبحت أزاحم على الأول، فما أدري ما هذا الذكاء الذي أتى فجأةً والحمد لله رب العالمين.
وإنما كنت -والحمد لله- مرتاحاً لأسلوب التدريس في المعهد، وللفوائد التي نتلقاها، ولكثافة العلم الشرعي الذي نستفيده كل يوم، ولجودة الأساتذة، ولو أنا لا نخلو بعض الأيام من بعض الضربات، خاصة من أستاذ الرياضيات سامحه الله عز وجل على ما قدمه لنا من ضرب شائق وشائك في مادة الجبر التي هي أعقد من الحديد إذا اختلط بعضه ببعض.
ثم ذهبت إلى أبها في الثانوية ودرست هنا، وأول من لقيته من الأساتذة الشيخ الداعية إبراهيم سير -حفظه الله- فكان له أعظم الأثر في توجيهي إلى طلب العلم، وإلى الاستزادة من المعرفة، وإلى إلقاء الكلمات والمواعظ، وقد كتب لي كلمةً أول ما وصلت إلى أبها، وقال: ألقها على الطلاب، وأنا لا أزال أذكر بعض هذه الكلمة، أحفظها؛ لأنه كتبها بيده وهي كلمة بليغة جداً، يقول في أثناء هذه الكلمة: أين يسير شباب هذه الأمة؟
ما هو هدفهم؟
ما هي غايتهم؟
أي حياة يعيشونها؟
وأخيراً: من المسئول عنهم؟
تساؤلات كثيرة إلى آخر ما قال، فقرأت الكلمة على الطلبة وأعجب الطلبة، ثم بدأت ألقي بعض الكلمات في الأندية، وكنت أظن أن العلم الموجود في الساحة هو علم أدب وشعر، وأنه لم يكن هناك علماء إلا أبو تمام والمتنبي والبحتري وامرؤ القيس وأحمد شوقي!
ولكن الشيخ عبد الله الأفغاني الداعية الموفق والأستاذ العجيب، والقرآني الفريد، أتى وأخذني، وقال: إني أرى فيك ذكاءً، ولكن أرى أن تميل إلى علم الحديث؛ لأنه العلم الذي ينفعك ويقودك ويهديك -إن شاء الله- إلى سواء الصراط المستقيم... وكلام مثل هذا، فأخذت أطالع في صحيح البخاري فرأيت في أول السند: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، وأنا متعود على خفة المعلومات وعلى قلتها عن طريق الأدب، فقلت: متى أصل إلى الفائدة بهذه الطرق؟ ولكن الله فتح، فأخذت مختصرات الحديث وراجعتها، وأذكر أنني راجعت مختصر البخاري للزبيدي ست أو سبع مرات، ثم أخذت صحيح البخاري، فقرأته بالسند ما يقارب ثلاث مرات، ثم رجعت إلى الفتح فقرأته ما يقارب مرة، وبعض المواضع فيه من باب التحدث بنعمة الله قرأتها إلى ما يقارب عشر مرات، إلى اثني عشر مرة، إلى إحدى عشر مرة، أما بلوغ المرام فأعرف أنني ألزمت نفسي أن أكرره فكررته أكثر من ثنتين وخمسين مرة، ولو أني حفظت بعضه لكن بعضه أستذكره استذكاراً لا حفظاً.
وأما في جانب الحديث، فكانت هي مادتي المرغوبة وهي المقدمة والمفضلة جداً، فكنت أطالع المختصرات وأكررها، وأطالع شروح الأحاديث، وأخذت على نفسي أني إذا أخذت من المختصرات أن أكرره ولو ثلاث أو أربع مرات حتى يرسخ، كـرياض الصالحين وبلوغ المرام كما تقدم، ومختصر مسلم للمنذري ومختصر البخاري للزبيدي والمنتخب من الصحيحين للنبهاني وجامع الأصول كما تقدم، ومشكاة المصابيح للتبريزي إلى غيرها من الكتب والرسائل، فكان وقت القراءة سعيداً، ومن باب ذكر التحدث بنعمة الله عز وجل طالعت سير أعلام النبلاء للذهبي ثلاث مرات، ونظرت في كثير من كتبه كـميزان الاعتدال وكررت بعض المواطن فيه، وكان إذا أعجبتني بعض الأبيات دونتها أو أعجبتني أحاديث أو طرف جعلته في الحواشي أو في مسودات صغيرة؛ لأكررها عند الطلب أو أحفظها، وكان الوقت عامراً بالقراءة، ولو مُنِّيت أو خيرت أن أجلس مع أي أحد ما اخترت إلا الكتاب كما قال المتنبي:
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب |
وفي العطلة الصيفية كنت أسكن في القرية، فكانت قليلة المشاغل لا هاتف ولا سيارات متحركة ولا أسواق ولا فتن ولا أمور تستدعي الشغل، فكنت أجلس بعد صلاة الفجر وأطالع إلى الثامنة ثم أنام ما يقارب ساعة، وأطالع إلى الظهر -والحمد لله- ثم بعد الظهر كذلك ثم أنام قبل العصر، ثم أطالع من العصر إلى المغرب، وقد جعلت في البرنامج أن يكون الصباح دائماً في القرآن والتفسير، وأمَّا بَعْد نومة الصباح إلى الظهر ففي الحديث غالباً، وأما في الظهر فللتاريخ وأغلب ما أقرأ فيه، وأما العصر ففي الفقهيات وبعض ما كتب من مؤلفات حديثة، وأما في المغرب فأدب، وبعد العشاء كنت أطالع في كتب الجاحظ أو لـابن قتيبة أو ما يقارب ذلك.
وابن القيم تعجبني كتبه، ولكن العجيب كتب ابن تيمية، وأنا أنصح بها كثيراً، وأتمنى من إخواني أن يطالعوها بإسهاب، وأن يصبروا على المطالعة فإنها هي العلم، وتبين لي أن المطالعة هي ركيزة بعد فتح الله عز وجل وتوفيقه أكثر من الدروس المقررة والمواد، وتبين لي أن هذه الدروس والمواد والكليات والمعاهد والثانويات إنما هي مفاتيح فحسب، ومن اقتصر عليها فلا يكون معه إلا علم قليل بإمكانه أن ينفع به الناس، أما أن يكون متوسعاً عارفاً عنده معلومات ونصوص، وإدراكات وثقافات عامة، وعنده استنباط وجودة قريحة، فلا بد أن يطالع مطالعة هائلة، وهذا معلوم بالاستقراء من سيرة العلماء فإنه بإذن الله -بعد فتح الله- لم يكن لهم إلا المطالعة.
أما المخيمات فقد حضرت ما يقارب سبعة مخيمات للإخوة، وكان يغلب عليَّ طابع المزح والهزل في الأرجوزات وحفل السمر، حتى إن بعض الإخوة خفت عليهم أن ينفجروا من كثرة الضحك، وبعضهم كان يترنح برجله، وبعضهم دمعت عيناه على لحيته من كثرة ما ضحك، وقالوا: سوف تأخذ فينا ذنباً، ولا أزال أحفظ بعض هذه المقطوعات وهي مسجلة عند بعض الإخوة في أشرطة قديمة.
ثم أعان الله عز وجل بعد التخرج على دراسة السنة التمهيدية في الرياض إلى الدراسات العليا، وكان من الأساتذة الشيخ: أحمد معبد، والشيخ الدكتور: الذيب الصالح، والشيخ: عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ: عبد الوهاب البحيري إلى غيرهم من العلماء الذين استفدنا -حقيقة- منهم فائدة طيبة.
ثم عدت إلى أبها، وحضرت الماجستير في البدعة وأثرها في الدراية والرواية، وقد حصلت عليه -والحمد لله- وأنا أعمل اليوم محاضراً في أصول الدين، وإمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق، وأنا أتحرى من الله أن يغفر ذنبي وذنب كل مسلم، وأن يزيدنا من عنده، وأن يغفر لنا تقصيرنا وخطايانا وزللنا.
الجواب: الذي أعرفه من نفسي أنني عادي في أموري، عادي في الذكاء والالتزام، وعادي في الحماس وفي التوجه، ولكن مجتمع القرية -على كل حال- أسلم بكثير من مجتمع المدن قبل سنوات لا توجد امرأة فيما أعلم متبذلة مع أن الحجاب عندهم كان هو هذا الحجاب الذي هو رأي لبعض أهل العلم ألا يغطى الوجه، لكن الآن أصبح يغطى الوجه والكفان، فلم تكن امرأة متبذلة مع أنَّ عند بعض النساء قلة دين؛ لكن هناك مروءة، ونخوة قبلية، وأنفة، وكذلك لم يكن هناك مغريات وأجهزة إعلام تنساب بهذا الركام وهذا الزيف، ولم يكن هناك صور خليعة، ولا جلسات البلوت ولا الباصرة، ولا مقاهي تستضيف حملة السيجارات ولا الأغاني، إنما كان عندنا المسجد والبيت والمزرعة، فكنا بين هذه الثلاثة وربما اجتمعنا مع أهل القرية في جلسة سمر أو جلسة في العصر يتذاكرون ما لذ من الأخبار وأخبار الآباء والأجداد، وما جرى بين القبائل وقصائد وأشعار وأسمار ومن هذا القبيل.
فبدأت على هذا المنوال، ولكني لما وصلت إلى الرياض تأثرت ببعض الإخوة وببعض الأساتذة، وأكثر ما أظن أنه أثر في مساري كثرة القراءة في كتب السلف وخاصة تراجم السلف الصالح يوم طالعت تراجم الصحابة مثل: كتاب رجال حول الرسول لـخالد محمد خالد، وأنا يعجبني هذا الكتاب ولي عليه ملاحظتان:
في ترجمة أبي ذر ملاحظة، وفي عدم توثيق النصوص أخرى، لكن أسلوبه عجيب وأخاذ، وقد أثر فيَّ تأثيراً بالغاً حتى كأني أعيش مع الصحابة، ولا بأس أن يطالع ويستفاد منه لأسلوبه العظيم ولطرحه العجيب، وكذلك بعض التراجم، فأظن أن من ما أثر فيَّ التراجم، ثم ولعت وبصراحة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شرف لي، وطالعت في كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لـسعيد حوى ولي عليه ملاحظات، وقد استفدت منه كثيراً، ثم طالعت السيرة لـابن هشام، وأحسن ما أعجبني في هذا الباب زاد المعاد لـابن القيم، فإنه من أحسن ما دبجت يد مسلم، فغفر الله لذاك الإمام العظيم، وأنا أنصح بهذا الكتاب.
وعلى كل حال؛ فسيرته صلى الله عليه وسلم وافية حتى كنت أفرح -والله- إذا ذكر في المجلس، وإذا ذكره بعض المشايخ، وقد كنت أصلي في الرياض وأنا في السنة التمهيدية وأنا مع الشيخ: محمد الراوي فكان إذا ذكر شيئاً من السير لا أملك دموعي وأنا جالس بين المصلين، خاصة إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعظمته، وزعامته، وإصلاحه في العالم ونوره، وإشراقه، وتعجبني لفتات سيد قطب إذا ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في الظلال أيما عجب! لأنه يعرضها بأسلوب عصري بديع، ثم يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم بحرارة، وبشوق، وبلوعة، هذا مما أظن أنه في بداية الالتزام، وأنا أسأل الله أن يزيدني وإخوني التزاماً وتوفيقاً وهداية ورشداً، وأن يثبتنا حتى نلقاه.
الجواب: بدأت في المهد أحفظ في القرآن، وقد حفظت في المهد ما يقارب من ثمانية أجزاء، ولما عدت إلى الكلية، قلت: لا بد من حفظه جميعاً، فمن بداية أولى أصول الدين بدأت في حفظه حتى انتهيت إلى الثالثة في نهاية حفظه، ولكني أقول: أنا لا أحفظ القرآن جميعاً حفظاً ترضى به النفس، ويطمئن إليه القلب، لأن الحافظ هو الذي يقرأ من أي مقطع في أي وقت كان ويستذكر، أما أنا فالمقطع الذي أريد أن أصلي به في الناس لا بد أن أكرره قبل الصلاة في الغالب، فقد حفظت القرآن؛ ولكني أحتاج إلى مراجعته، وأحتاج إلى أن أعود إليه وأن أثبته؛ لأني شغلت عنه وإن كان لي ورد يومي ولكنه لا يكفي؛ فإن المشاغل كثيرة، وبعض الطلبات، والمحاضرات، والجلوس مع الأحبة، وأشغال الدنيا تلهي عنه، فعندي منه خير، والذي يهمني كثيراً في القرآن أن أعمل به، وأطبق تعاليمه، وأن أعيشه في حياتي وسلوكي.
وأما الحديث؛ فالحمد لله يعلق بذهني شيء كثير، ولو أني ما تعمدت حفظ كتاب بعينه، حاولت في الجمع بين الصحيحين واللؤلؤ والمرجان مرة، ولكن ما اصطبرت على ذلك، ولكن -والحمد لله- يعلق بالذهن كثيراً من كثرة ما أراجع وكثرة ما أُحَضِّر؛ لأني ألزمت نفسي بدرس كل صباح -من قريب- مع بعض الإخوة في شرح المسند، فهذا ينفع كثيراً في تذكر الأحاديث، والتدريس في الكلية كله في متون الأحاديث، والمحاضرات لا بد أن يعاد إلى الأحاديث قبل إلقائها قبلها، وكثرة القراءة في الحديث، ولذلك يعلق بالذهن كثير ولله الحمد والمنة.
الجواب: الحمد لله، أنا أقول الشعر، والشعر قد يكون نعمة أو نقمة، نعمة: إذا قُصِدَ به طاعة الله وكان في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ونقمة: إذا كان مجوناً وسخفاً وعبثاً ولعباً -والعياذ بالله- وإذا كان زندقة فهذا كفر.
فأنا أقول الشعر وأهواه وأحبه كثيراً، وأحفظ فيه من أجمل المقطوعات، وأنا أعزم مع بعض الأحبة -إن شاء الله- جمع بعض الأشرطة والكتيبات اسمها من أعذب الشعر، أو الأدب الذي نريده، ليكون عوضاً عن هذه السخافات والركام الذي في الساحة التي رزحت به، ركام يعرض وركام يستمع إليه وركام يطالع، يقول أحدهم في قصيدة حداثية:
أنا ذبابة ليمون أطير من شجرة إلى شجرة |
قلنا: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم لا تضلنا بعد إذ هديتنا، اللهم لا تزغ قلوبنا.
والآخر نبطي يقول:
يا ونتي الونيت يوم صليت ونت وطارت وراء حمامة |
قلت: أين هذا؟ وأين هذه المدلولات من أبيات الشعراء ومقطوعاتهم التي رأيناها في كتبهم ودواوينهم التي تستحق الإجلال؟ فليتها تفضى على الناس، وليتها تفرغ لتعيها القلوب، ويحفظها الخطباء، ويتهدرون بها على المنابر، وتذكر في الجلسات، ويحفظها الشباب في المخيمات لكانت لهم بعد القرآن والسنة زاداً.
وعلى كل حال؛ فإن لكل بداية نهاية فإن العبرة بتمام النهايات لا بنقص البدايات، بدأت في معهد الرياض في أولى متوسط وثاني متوسط ببعض القصائد، وفي ثاني متوسط أذكر أنه جاءنا معهد لعله معهد الجوف زيارة، فكلفوني بنظم قصيدة، فنظمت قصيدة فجعلتها مثل فهرس، توفي الأمير فيصل رحمه الله في تلك الفترة فرثيته في القصيدة، ورحبت بمعهد الجوف، وأثنيت على معهد الرياض، ودعوت الشباب إلى الالتزام، وذكرت العلم والعلماء، فكانت شبه فهرس، وهي ضعيفة البنية سقيمة المعاني، لكن أوهمني الأساتذة في معهد الرياض أني متنبي العصر!! فظننت أنني كما قالوا، وهم يريدون تشجيعي فمنها.
لك يا معهدي الأجل سلامي عامر الود والتحايا أمامي |
جئتك اليوم نافضاً عن إهابي أسأل الجهل والأماني أمامي |
فكان أهم شيء أن تختم بالميم، وأما المعاني فيضحك منها عجائز نيسابور!
الجواب: أول موعظة فيما أذكر في مسجد في حي المرقب في الرياض، وكان معي في النشاط الشيخ: صالح السحيباني، وهذه الموعظة في وفاته عليه الصلاة والسلام، واكتشفت فيما بعد أن الموعظة مكذوبة وموضوعة وليست بصحيحة، قرأتها من كتاب مكذوب، فقمت أمام الناس بعد صلاة المغرب فقبضت المكرفون وأخذت أتحدث، وأخذت أرجلي ترتعش بجانب الإمام؛ لأنها أول مرة، والمسجد كبير، والمصلون مزدحمون، فكنت أتكلم وأنظر في السقف وما نظرت إلى مصلِّ حتى انتهيت من شدة الخوف والوجل، وكانت أي كلمة تخرج من لساني أخرجها بحول الله، فأتيت إلى قصة عكاشة أو عكَّاشة -واللفظان صحيحان- فأتيت بها فاضطربت مرةً أقول: عكاشة، ومرة بلال، ومرة معاوية؛ فأصبح الناس في حيص بيص ما يدرون بماذا يخرجون؟ لكن كنت أتعمد رفع صوتي؛ لأنني ظننت أن الموعظة هي الصوت، حتى انتهيت وأنا وجل خائف خوفاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، والعرق يتصبب، وما أدري ماذا قال الناس؟ لأنني ما التفت إلى أحد، ثم خرجت من الباب الجانبي للمسجد.
الجواب: أذكر موقفاً محرجاً واحداً كنت في مخيم جامعة الإمام في حجلى أول مخيم تربوي، وكان كبيراً، وحضره كثير من طلبة العلم والمشايخ والأساتذة، منهم الشيخ: علي جابر إمام الحرم، وكان هو في أسرته أسرة محمد الفاتح، فكلفوني أن أقول قصيدة في الحفل الكبير، فجهزت قصيدةً ونظمتها وصححتها، ولكن لما جلسنا في الخيمة قبل الحفل طلب مني أحد الإخوة محمد حجر من الطوال ومن جهة سامطة أن ينظر في القصيدة؛ فأعطيته القصيدة لينظر فيها ونسيتها معه، فنـزل عند أمه في خميس مشيط قبل الحفل، وظننت أنها في جيب البنطلون؛ لأنا كنا في لباس كشافي رياضي، فلما أتى الحفل، وأتت الشخصيات ووجهاء المنطقة، وبدئ بالحفل، وكنت أنتظر فقرتي، فنودي بي على رءوس الأشهاد أن ألقي قصيدتي، فقمت فلما أصبحت أمام المكرفون، وقدمت للقصيدة، وأخبرت بالدافع لي على هذه القصيدة وما هي نواياي، فتحت الزرار لآخذ القصيدة، فإذا الجيب فارغ، حاولت في الجيب الثاني فتذكرت في الحال أن الأخ نزل بها، فقلت المعذرة يا جماعة الخير! نزل الأخ محمد حجر -ببساطة أريد أضحكهم- نزل بقصيدتي في الخميس، وإن شاء الله سوف يعود بها الليلة، لأنه سار يسلم على أمه بالسيارة، فارتج الحفل بالضحك!! وخرجت والعرق يتصبب مني، ثم تمددت داخل الخيمة، وقلت: حسبنا الله ونعم الوكيل.
الجواب: لما أتيت إلى أبها في المعهد العلمي كنت في مسجد صغير في شمسان أصلي فيه إماماً -أحياناً- ثم في مسجد آخر بجانبه، وكنت أقرأ عليهم في كتاب بعد صلاة الفجر، ثم ذهبت إلى مسجد محمد بن عبد الوهاب الذي بناه التاجر محمد بن عبد الوهاب قابل، فصليت به فترة أظنها سنتين أو ثلاثاً، ونفعتني تلك الفترة؛ لأني كنت أكتب الخطب وأعود إليها، وأهتم بها كثيراً لما أرى من إقبال طلبة العلم، فكنت أهتم بالخطب، وربما حفظت بعض المقاطع منها ارتجالاً، ثم ذهبت إلى الرياض وعدت، فعينت إماماً في جامع أبي بكر الصديق ولا أزال إماماً فيه إلى الآن والله الموفق والمعين.
الجواب: أما ثلاث قصائد مما قلتها فمنها مقطوعة في الرسول عليه الصلاة والسلام، قلت فيها:
صوت من الغور أم نور من الغار أم رمضة الفكر أم تاريخ أسراري |
يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أوطار وأعماري |
تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري |
البدر والشمس في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار |
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ |
فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار |
شادوا الدنانير هالات مزخرفة جماعها لا يساوي ربع دينار |
يبيع ذمته المأفون في وثن والدين ينهار منه في شفا هار |
لو بيع في السوق ما حازوا له ثمناً ولو شروه لكان الغبن للشاري |
جمع الطوابع من أسمى هوايته ذو همة بين خباز ونجار |
إلى آخرها، وقصيدة الذرية في أبي ذر منها:
دمعة الزهد فوق خدك خرسا ووجيب الفؤاد يحدث جرسا |
أنت من أنت يا محب وماذا في حناياك هل تحملت مسَّا |
إلى آخر القصيدة وهي موجودة في ديوان لحن الخلود وديوان واإسلاماه، ومنها قصيدة للمجاهدين الأفغان منها:
مروا بقلبي فقد أصغى لي البان لي في حمى الحب أصحاب وجيران |
نعم لك الله ما قتلت من وله أما لكم صاحبي صبر وسلوان |
إلى آخر القصيدة، وقصيدة في سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز منها:
قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي |
إلى آخر القصيدة وبعض القصائد الأخرى.
أما الأشرطة التي أرى أنها مفيدة وهي من أشرطتي لعل الله أن ينفع بها، ويجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم فشريط (احفظ الله يحفظك، ورسالة إلى المغنين والمغنيات، وقتل المجرمين عدالة، وصفات المرأة المسلمة، ورسالة إلى مسئول، وأسباب انشراح الصدر).
الجواب: من أحسن الكتب التي كتبت في هذا الفن: كتاب لـأبي زهرة اسمه: الخطابة، ولكن من مقومات الخطابة فيما أرى:
أولاً: الإخلاص لله عز وجل، وأن يقصد بعمله وجه الله في كل عمل يعمله.
ثانياً: أن يكون صاحب جرأة -أي: شجاع القلب- مستعد أنه يواجه الجماهير، لا يهاب، ويكون عنده رباطة جأش؛ لأن الموقف صعب، شيب رءوس كثير من العظماء، حتى يقول عبد الملك بن مروان لما قال له أبناؤه: نراك شبت، قال: من صعود المنابر كل يوم جمعة أعرض عقلي على الناس.
ثالثاً: أن يكون عنده تدرج، بأن يبدأ بالمساجد الصغيرة، وبالمجمعات الصغيرة والقرى والأرياف، ثم يتهيأ لخوض المدن وحضور الجماهير في المدن الحاشدة.
رابعاً: أن يكون عنده علم، وأن يكون كثير الاطلاع، لأن الكلمات تسعفه، فتسعفه الأبيات، والآيات، والأحاديث، والقصص، والمواقف، والنكت والطرائف، فيكون عنده مادة؛ لأن الذي عنده جرأة وليس عنده مادة كالرجل عنده شجاعة ولكن ليس لديه سيف، فلا بد من مادة.
خامساً: أن يتهيأ قبل الخطبة، كما قال عمر -لما حضر سقيفة بني ساعدة رضوان الله عليهم-: [[زورت كلاماً]] أي: هيأت كلاماً، فيعرف ما هو الموضوع الذي سوف يتكلم فيه، وماذا سوف يقول، ويحفظ الآيات والقصص ويرتبها في ذهنه ويعنصرها في ذاكرته ثم يتكلم، وإذا كتب فعليه أن يعتني بحسن الأسلوب وجمال العبارة، وأن يكرر المكتوب، وألا تقيده الورقة عن الناس.
ثم أوصي الخطباء ألا يطيلوا على الناس، وأوصيهم أن يعيشوا الواقع، وأن يزودوا خطبهم بالآيات والأحاديث الصحيحة.
وأوصيهم أن يجملوا العبارة بالأسلوب الطيب الرائق، لأن أهل الباطل غلبونا بأساليبهم، فلا بد أن نعرض الخطابة في ثوب جميل يقبله الناس، وأوصيهم كذلك أن يعملوا بما يقولون: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
الجواب: أما الدواوين فمنها: ديوان لحن الخلود وديوان واإسلاماه، وديوان نسمات من الجنوب، وديوان هدايا وتحايا).
ومنها كتاب: (شباب عادوا إلى الله، وكتاب الحركات الإسلامية المعاصرة، وكتاب أمريكا التي رأيت، وكتاب همسة في سحر ونسمة في سمر، وكتاب سيرة الأبطال) وهي مطبوعة جميعاً وسوف يصدر قريباً -إن شاء الله- ضوابط الصحوة الإسلامية، وكتاب كيف تطلب العلم، وكتاب الغزالي في ميزان الاعتدال، وكتاب دروس للصائمين وسوف يصدر -إن شاء الله- رسالة وهي البدعة وأثرها في الدراية والرواية، وشجو الحمام في أدب السلام وغيرها من الكتيبات، والله المعين.
الجواب: أنا أحب الأحكام وأعتني بها، بل أدرِّسها كثيراً وأكثر ما أدرِّس الأحكام، حتى لا أدرس في المصطلح ولا في أي مادة أخرى، لكن الأحكام لأني محتاج إليها في علم الفتيا؛ ولاحتياج الناس والعامة ومن يجلس معه الداعية فأفرؤها، لكن التأليف قد رأيت كثيراً ممن أغدقوا في الساحة وكفوا هذا الجانب، وتكلموا كثيراً في البرامج، مثل: الإذاعة، والأشرطة، والكتيبات، والرسائل، والكتب، فرأيت أنه ينقصنا كثيراً في الإيمانيات ورد الناس إلى الإيمان ليتلقوا الأحكام، فالأحكام بلا إيمان لا يتقبلها الناس، وقد يفهمها حتى المعرض، لكن أريد أن يصل الإيمان وأن يربى الناس على الإيمان حتى يتلقوا الأحكام، ولا ينقصنا جانب الأحكام؛ لكن ينقصنا الإيمان كيف نرد الناس إلى هذا الدين؟ وكيف نحبب الناس في هذا الدين وفي رسول هذا الدين عليه الصلاة والسلام.
الجواب: قابلت بعض الشخصيات الشهيرة، واستفدت منهم ولو في مجلس واحد، فإن من أفادك حرفاً فقد أفادك، منهم من أعجبني ولا يزال يعجبني دائماً أحبه حباً جماً سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز متع الله بحياته، ونفع بأنفاسه، وأمد في عمره، جلست معه مجالس، وحضرت له بعض الدروس، واستفدت من كلماته، ومن بعض أشرطته وكتيباته.
ومنهم الشيخ العلامة الذكي: محمد الصالح العثيمين زرته مرات في بيته، واستفدت من أشرطته وكتبه وحضرت له بعض المحاضرات والدروس.
ومنهم الشيخ الأستاذ العلامة المحدث الكبير: محمد ناصر الدين الألباني لقيته مرة واحدة في مكة هذا الزمن المنصرم، وجلست معه ما يقارب ثلاث ساعات ولي فيه قصيدة، ولي في الشيخ عبد العزيز بن باز أيضاً قصيدة اسمها: "البازية" ذكرتها قبل قليل، وفي الشيخ ابن عثيمين أبيات منها:
إذا بريدة بالأخيار قد فخرت يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها |
وفي الألباني أبيات منها:
هاكم سلام الله يا إخواني قولوا رعاك الله يا ألباني |
يا جامعاً سنن الرسول بعصره كـالترمذي أو أحمد الشيباني |
يا دار قطني الشريعة إنني أهفو إليك وحبكم أشجاني |
إلى آخر القصيدة.
وقابلت الدكتور عبد الله عزام رحمه الله، والأستاذ العلامة المفكر الكبير محمد قطب، وزرته قريباً قبل ما يقارب أسبوعين، والشيخ الأستاذ العلامة عبد المجيد الزنداني واستأنست برؤيته والجلوس معه، وكثير من الأحبة، ومن الدعاة الموفقين كالداعية الأستاذ أحمد القطان، والداعية عصام البشير وغيرهم من المشايخ.
الجواب: أقول: يتقدمون مع ركاب الدرجة الأولى، وذلك بتبكيرهم في الساعة الأولى، ولا يبقوا حتى لا يجدون فرخة ولا دجاجة ولا بيضة.
السؤال: ما سبب نحالة جسمك؟
الجواب: من الجلوس مع الثقلاء.
السؤال: ما رأيك في زوجة ثالثة؟
الجواب: إذا ماتت زوجتاي اللتان معي تزوجت الثالثة.
السؤال: نجيب ضرب مقره في كابل؟
الجواب: ضل وله حصاص.
السؤال: ما رأيك في قتل عزام؟
الجواب: طعنة في قلب كل مسلم.
السؤال: ما رأيك في سيَّاف؟
الجواب: بطل من الدرجة الأولى.
السؤال: تعليق على موسكو والانفتاح؟
الجواب: عير انقطع رباطه.
السؤال: رأيك في ابن باز؟
الجواب: ابن باز رجل كـجبل أحد يحبنا ونحبه.
السؤال: رأيك في الحداثيين؟
الجواب: رؤيتهم تنقض الوضوء، وحدثهم حدث أكبر.
السؤال: رأيك في صغار ينقمون على الألباني؟
الجواب: يقول المثل: مائة إبرة لا تساوي فأساً.
السؤال: قولك في التوبة؟
الجواب: طريق التائبين والمستغفرين وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135].
السؤال: أناس يقولون: قليل من الوقت للبلوت؟
الجواب: ما أسكر كثيره فقليله حرام.
السؤال: بعض الفضلاء عليهم ملاحظات؟
الجواب: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
السؤال: ما هو عنوان رسالتك في الماجستير؟
الجواب: البدعة وأثرها في الدراية والرواية.
السرال: ماذا يضايقك؟
الجواب: يضايقني فراغٌ كثير عند كثير من الشباب، لا يستغلونه في طاعة الله، ولا في العلم الشرعي، ولا في التحصيل.
السؤال: حدث أبكاك؟
الجواب: موت الدكتور عبد الله عزام، وقبله موت أبي الأعلى المودودي.
السؤال: هل هناك أديب أعجبك؟
الجواب: من المعاصرين في أدبه على الطنطاوي بارك الله فيه.
السؤال: هل لك لحظة ندم؟
الجواب: إذا تذكرت ذنوبي وتقصيري مع الله، وكثرة نعم الله علي سُبحَانَهُ وَتَعَالى ندمت.
السؤال: هل هناك شاعر أعجبك؟
الجواب: المتنبي.
الجواب: أصلي الفجر، وبعد الفجر إذا كنت في أبها درس في مسند الإمام أحمد يستمر ما يقارب ساعة إلا ربع، ثم ركعة الإشراق، ثم أذهب إلى البيت فالإفطار، فإن كان عندي محاضرة في الكلية في أيام الدراسة ذهبت وإلا نمت ما يقارب ساعة، ثم أقوم فأكتب أو أطالع إلى ما يقارب الظهر، ثم صلاة الظهر، ثم العودة، فمطالعة أو كتابة، وغالباً هذا الوقت للاتصال بالهاتف وسماع بعض أصوات الأحبة، ثم الغداء، ثم القيلولة التي أحافظ عليها كثيراً إلا في بعض الأوقات، ثم صلاة العصر، وبعد العصر هذا الوقت الدسم عندي للمطالعة في المكتبة ويتخلله اتصال بالهاتف، وبعد المغرب في الغالب زيارة الأحبة، وسماع بعض الأسئلة من الإخوة والاستفادة من الجلوس معهم، وعرض بعض المشاكل، وبعد العشاء مطالعة أهم شيء في الواقع، مجلات إسلامية، صحف إسلامية، وسماع الأخبار أحياناً، وما يدور في الساحة، ثم الوتر ثم النوم.
الجواب: أقول: أما مبدأ التكرار فليس بعيب؛ فالقرآن كرر كثيراً من القصص، فهذه قصة موسى عرضت في القرآن طولاً وقصراً ما يقارب ثلاثاً وعشرين مرة، ونحن معنا مادة وهي موجودة لا يزاد فيها ولا ينقص القرآن والسنة، إذا بدأنا من الفاتحة انتهينا إلى الناس ثم نعود من الفاتحة وهكذا، وهذه قضيتنا ودائماً هذه رسالتنا حتى يعرفها الناس، وقضية أن المتكلم أو الداعية يأتي كل يوم بشيء جديد، فهذا ليس بوارد، لابد أن يجدد مادته، وأن يأتي من الكتاب والسنة بالجديد الذي ما سمعه الناس إلا قليلاً، لكن أن يستهدف كل وقت؟
هذا متعسر وليس الداعية فنان يأتي كل يوم بأغنية أو مسرحية، أو يأتي بفرقة تغير أصواتها، هو دائماً داعية يضرب على نقاط وعلى مسائل لا بد أن يكررها حتى يعيها الناس، وهل عمل الناس بالمسائل التي قلناها حتى نأتي لهم بجديد؟
وهل نحن هواة نقل كلمة، إنما نريد هذه القضايا أن تنفذ؟
وأنا أقول -ولو قال الإخوة أنه تكرار- ليس تكرارً مطلقاً، صحيح أن القصة ممكن تتكرر في خمسة أشرطة وفي عشر محاضرات وفي عشرين لكنها تعرض بقوالب وفي أساليب، مرة طولاً ومرة قصراً، مرة بأسلوب علمي، ومرة بأسلوب وعظي، ومرة بأسلوب أدبي ومرة مناقشة فهذا ليس كذاك.
وقال الأول:
قالوا: تكرر قلت: أحلى علماً من الأرواح أغلى |
فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلاً وسهلاً |
وقال الثاني:
كرر العلم يا كريم المحيا وتدبره فالمكرر أحلى |
فأنا أحاول الآن الاقتصار في بعض المحاضرات، وإعادة بعض المحاضرات القديمة بنفس المادة لكن بأسلوب آخر.
الجواب: هذا أولاً لا بد منه مهما بلغ الإنسان لا بد أن يضعف في بعض الجوانب، وأنا أعرف نفسي أني ضعيف مقصر، لكن أحياناً قد تكون المادة من علم الواقع، أو من مسائل الواقع التي ما تظفر بنصوص من الكتاب والسنة إلا نصوصاً عامة؛ لأن القرآن جاء فيه صلاح العباد في الدنيا والآخرة، فأحياناً أضطر أن أكثر من علم الواقع، ومن أطروحات في الواقع، ومن مسائل مرت في الساحة فتنقصها النصوص، والشباب متعودون على أنه لا بد من مادة دائماً تكون محفوفة بالنصوص، وأحياناً قد تكون كلمات مرتجلة فتسجل، أذكرها في بعض المواقف لأنه لكل مقام مقال إما اجتماعاً مع بعض الأحبة، أو حفلة، أو كلمة مفاجئة، أو طرفة نادرة فتسجل فيقولون: هذه ما حُضِّر لها وهو الصحيح.
على كل حال؛ لا بد من الضعف والقوة والإبداع والقدم والغرابة، ولا بد من الضعف والله يغفر لنا ولكم زللنا.
الجواب: أنا أولاً: أشكر التسجيلات الإسلامية شكراً جزيلاً على ما قدمته للأمة الإسلامية شكراً لا انتهاء له، فقد أثرت الساحة بالشريط الإسلامي، وقدمت الطيب والجديد من القرآن الكريم، والمحاضرات، والفتاوى، والدروس، والخطب، وما قدمته من الأمسيات، والأناشيد، وقد أجادت كل الإجادة، هذا في غالب التسجيلات لا في العرض فقط بل في الإنتاج، والابتكار، والإبداع، والتوزيع، واستقبال المشتري، فجزاهم الله خيراً، ولكن لي معهم وقفة!!
أولها: إني أطلب منهم أن يقصدوا بعملهم هذا وجه الله، ويجعلوا هذه المادة ثانوية، أي: طلب المال من هذا الطريق؛ لأنهم ينفعون وينشرون الدين بهذه الطريقة، الشريط إذا دخل البيت كأن داعيةً دخل البيت، كم من غاوٍ، وكم من ضال، وكم من مارد، وكم من فاجر، سمع شريطاً فاهتدى وعاد.
إنكم -أيها الإخوة- من أهل التسجيلات الإسلامية دعاةً في الحقيقة ولو لم تتكلموا، أو تحاضروا، أو تخطبوا في الناس ولو لم تعظوا، أدخلوا الشريط قلوب الناس وبيوتهم وسياراتهم هدية، فأطالبهم أولاً بالإخلاص.
ثانياً: بحسن التسجيل، أن يكون التسجيل مبتكراً صافياً طيباً، لأنني لاحظت بعض التسجيلات تسجيلها ضعيف حقيقة، على ما تطور به العلم الحديث، وعلى الأجهزة والأساليب، وعلى ما أجاد الله به من مال، ومع ذلك سمعت مرة شريطاً لي أنكرت صوتي، قلت: أنا هذا! ما هو صوتي حتى اكتشفته من بعد -والحمد لله- دلني الله على أنه صوتي! فهل يعقل أن هذه تسجيلات في هذا العصر؟ لكن غالب التسجيلات تعتني.
ثالثاً: أوصيهم بأن يساعدوا الناس خاصة إذا كانوا بعض الطلبة والمحتاجين، أو الفقراء الذين لا يملكون المادة، أن يخفضوا في قيمة الشريط، أو أن يتصدقوا فإنه في ميزان الحسنات.
رابعاً: أن يعتنوا بالابتكار والإبداع وحسن الدعاية في سبيل الله عز وجل، لأن أهل الباطل في تسجيلاتهم وفي إبداعاتهم يعتنون بالدعاية والنشر والإعلان حتى يعرف الناس أن هناك مادة، وهذا ليس من باب الرياء والسمعة؛ لكن من باب إظهار الحق ونصرته.
وأما تسجيلات البيارق فأشكرهم على هذا اللقاء، وأتمنى لهم مزيداً من الخير، وأوصيهم وصايا منها:
أن يختاروا المكان الطيب والعرض الطيب، وإن عرضهم طيب -والحمد لله- ولا زال بعضنا يوصي بعضاً وينصح بعضاً، ولكن لهم مني الدعاء الخالص بالتوفيق، ولكل تسجيلات إسلامية نفع الله بها وزادها توفيقاً ورشداً وهداية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر