إسلام ويب

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في اللباسللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمور الحياة كلها محكومة بشرع الله جل وعلا، ومن ذلك اللباس، فاللباس له أحكام، وله ضوابط لابد للمسلم أن يعرفها.

    وفي هذا الدرس بيان لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه، وفيه عرض لبعض الأحكام؛ مثل: حكم إسبال الإزار، وحكم لبس الحرير، وما ورد من أذكار تقال عند لبس الثياب.

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله نحمده على كل نعمة أنعم بها في قديم أو حديث، ونشكره شكراً جزيلاً، ونصلي ونسلم على معلم الخير، ومعلم البشر، ورسول الإنسانية، وهادي البشرية، ومزعزع كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    السموات شيِّقات ظِماء     والفضا والنجوم والأنواء

    كلها لهفة إلى المصطفى الهادي     وحب مبجل واعتناء

    حن جذع إليه وهو جماد     فعجيب أن تجمد الأحياء

    معنا في هذه الليلة هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس، والسؤال: كيف كان يلبس؟ وما هو قدر اهتمامنا بلباسه صلى الله عليه وسلم؟ وهل أتى ليعلمنا اللباس؟ وأن نلبس غتراً وثياباً وأقمصة وسراويل لتكون محددة؟

    الجواب: نعم. أتى ليعلمنا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويعلمنا الخير، والهدي، والأدب، والسلوك، والطعام، والشراب، واللباس، فلا نلبس إلا بأمر، ونجتنب المحرم لنكون على بصيرة، فهو قدوة في كل جليلة ودقيقة صلى الله عليه وسلم.

    اللباس في القرآن

    ولنستمع إلى الإمام البخاري وهو يفتتح كتاب اللباس: بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب اللباس: "باب قول الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32]" هذه الآية جاءت رداً على الذين كرهوا جمال اللباس، والتزين بنعم الله -عز وجل- وأنكروا أن يتزين الإنسان في الحياة، فرد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم بهذه الآية فقال: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32] فالطيبات للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وهي لهم في الآخرة ولا يدخل معهم الكفار، فالكفار يشاركون المؤمنين في هذه الحياة، بل يزيدون عليهم بالذهب والحرير، والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة.

    قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32] من هذا الذي أحل وحرم غير الله عز وجل وغير رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النحل:116] فالتحليل والتحريم لا يأتي إلا من الكتاب والسنة، ولذلك دخل في باب التحريم والتحليل أناس ليس عندهم علم، فأفتوا الناس بأن هذا حلال وهذا حرام؛ فافتروا على الله.

    فالذي يريد أن يحرم فليأتِ بدليل، والذي يريد أن يحلل فليأتِ بدليل، لا يقل: هذا الطعام حرام؛ لأن فيه كيت وكيت. من أين لك تحريمه؟ وقد سمعنا وسمعتم، ورأينا ورأيتم من أدخلته هذه الفتيا في باب الوسوسة، حتى حرم على عباد الله ما أحل الله لهم، وحلل لهم ما حرم الله عليهم، وهو باب خطير يأتي تفصيله.

    قال ابن القيم كلاماً في إغاثة اللهفان معناه: حملت هذه الوسوسة بعض الناس إلى أن حرموا طعام المسلمين، وأكلوا طعام الملاحدة والزنادقة.

    فلذلك أباح الله لنا أشياء ذكرها في الكتاب، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم، وحرم أشياء ذكرت كذلك.

    اللباس في السنة

    قال البخاري: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة} وهذا الحديث معلق، والمعلق هو: الذي حذف من أول إسناده رجل أو أكثر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أو إلى من دونه. فهذا الحديث معلق؛ لأن إسناده حذف من عند البخاري، فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129] أي: لا هي بصاحبة زوج، ولا هي مطلقة.

    ومر معنا أن المرأة تقول في زوجها: العشنق إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق. فالحديث المعلق هو الذي ليس بموضوع وليس بمسند، وإنما نسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث صحيح وسوف يأتي مسنداً. قوله صلى الله عليه وسلم: {كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة} الإسراف: أن تبذر تبذيراً، وأن تتجاوز الحد في الإنفاق، فكل والبس وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة.

    والمخيلة: أن تأخذ هذا الشيء كبراً وبطراً.

    إذاً المذموم في اللباس ما حملك على إحدى اثنتين أو عليهما: الكبر أو الترف والتبذير.

    قال البخاري: "وقال ابن عباس: [[كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطِئَتْكَ اثنتان سرف أو مخيلة]] وهذا الحديث موقوف على ابن عباس، ولو أن بعض أهل العلم رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. والمخيلة من الخيلاء، وهو الكبرياء، ويستخدم في المعاني والذوات، يقال: هذا في قلبه مخيلة، ويقال في جسمه مخيلة مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18] أي: قلبه يفخر، وجسمه يختال، وهذا يحدث في المعاني والذوات، فصاحب المعاني الذي في قلبه كبر يظهر على فلتات لسانه، فتراه يقول: رحت، وذهبت، وقلت، وراجعت، ودخلت، وخرجت.. وصاحب الخيلاء والكبرياء في الجسم يظهر على حركاته وسكناته.. من جلسته وتنحنحه، ومن ذهابه وإيابه؛ لأنه عمي عن الإرشاد النبوي الشريف.

    قال البخاري رحمه الله: حدثنا... وكلمة (حدثنا) معلم كبير من معالم أهل السنة والجماعة، وهي متعوب عليها، وهي تربي الرجال والأجيال، حتى يقول أحد الزنادقة -كما يقول ابن تيمية -: اتركونا من حدثنا.

    قال أحد العلماء: إذا رأيت الرجل يقول: اتركونا من حدثنا؛ فاغسل يديك منه. أي: حارب الإسلام جهاراً نهاراً، وعلم ليس فيه (حدثنا) فمعناه وسوسة، وتنميق الكلام وتصنيف الحديث

    العلم ما قيل فيه قال حدثنا     وما سوى ذاك وسواس الشياطين

    (فحدثنا) لا بد أن تدخل كل بيت مسلم، ولا بد أن تربي ملكتك الذهنية وأبناءك وبيتك على تذوق (حدثنا) وهي كانت عند السلف الصالح من أروع وأحسن الكلام، قالت الصوفية: نحن نأخذ علمنا من الرزاق ما نأخذه من عبد الرزاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني شيخ أحمد في الحديث، قال ابن القيم في مدارج السالكين: والله الذي لا إله إلا هو لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الرزاق ولا عرفتم الخلاق، ويقول غلاتهم: علمنا علم الخرق، وعلمكم علم الورق.

    ولذلك إذا رأيت إنساناً يستهزئ بالسنة أو بالسيرة أو بالكتب فاعرف أنه قد بلغ درجة من البهيمية -وهذا استطراد إنما نحن عند كلمة حدثنا- والإمام أحمد يقول: إن لم تكن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث فلا أدري من هم. وقال الشافعي: إذا رأيت محدثاً كأني رأيت صحابياً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقالوا لـأحمد: إلى متى تطلب الحديث؟ قال: من المحبرة إلى المقبرة. فقد كان عمره فوق السبعين وهو مريض، وقد جلد في ظهره، وهو بالمحبرة ينتقل من شيخ إلى شيخ يكتب، قالوا له: تكتب، حتى الآن؟ قال: من المحبرة إلى المقبرة.

    قال سهل بن عبد الله التستري: حق على المسلم أن يكتب العلم حتى يصب آخر المداد في القبر. أي: يصب عليه في القبر إذا انتهى.. وذكر ابن قتيبة: أن داود قال لسليمان عليه السلام: "يا بني سجل العلم وقيده في ألواح قلبك".

    وأخرج عبد الله بن المبارك الإمام الزاهد الكبير العالم المحدث بطاقة وهو على زبالة، فقالوا: مالك؟ قال: مرت من هنا جارية تنشد بيتاً فسجلت هذا البيت؛ لأنه درة في مزبلة. وبلغ من حرصهم على تصيد الفوائد الشيء المذهل، يوم كانوا يعرفون وزن العلم والفائدة، والتضحية من أجل ذلك.

    قال البخاري: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم، يخبرونه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا ينظر الله إلا من جر ثوبه خيلاء} وهذا الحديث بلاغ للناس، ونظر الله عز وجل معناه رحمته وبره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالذي يجر ثوبه لا ينظر الله إليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088932854

    عدد مرات الحفظ

    779985108