السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ:
وشكر الله لمن كان سبباً في هذه الدعوة، وأشكر عميد الكلية وهيئة التدريس.
عنوان هذه المحاضرة (العلمانيون في كتاب الله عَزَّ وَجَلَ) وهي المحاضرة الثالثة عشرة بعد المائة الثالثة.
وقد اختير هذا الموضوع لاعتبارات كثيرة:
من هذه الاعتبارات: أننا نعيش مأساة العلمانيين الذين تربوا على موائد الغرب، وتلقوا علومهم هناك، وأتوا ينفثون سمومهم هنا.
ومن هذه الاعتبارات: أنه بدأ يلوح لنا في الأفق سيف العلمنة يريد أن يقصم ظهر الإسلام، وأن ينهي المسجد والمصحف والصلاة والتسبيح.
ومن هذه الاعتبارات: أن من الحكمة أن نتكلم عن المقام الذي يتحدث فيه، ولعل الله أن يهيئ من الوقت والطاقة ما نتحدث بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن موضوع (المفكرون في القرن الحالي من المسلمين)
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257] ويقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة:161-162].
أيها الأبرار: العلمانيون قوم يمثلون المنافقين في عهده عليه الصلاة والسلام، ولو كان عدونا يهودياً لكنا حذرناه وعرفناه، ولو كان نصرانياً لكنا أبصرناه، ولو كان شيوعياً لكنا أدركناه، لكن هذا العدو الذي أتكلم عنه هذه الليلة يلبس عقالاً ومشلحاً، وقد يصلي يوم الجمعة، وقد يصلي صلاة العيد، ويحضر صلاة الاستسقاء، ولكنه في داخله وفي نفسه يحمل ناراً تلظى على لا إله إلا الله، ويكره عباد الله، ويريد أن تهدم الكعبة، وفي زعمه أن القديم من الدين الإسلامي هو سبب تأخر المسلمين وتخلفهم ورجعيتهم.
هذا الصنف سافر إلى الخارج، ولكنه ما أتانا ليصنع طيارة، ولا سيارة، ولا بنى عمارة، ولا هندس لنا قاطرة؛ وإنما أتانا وقد حلق لحيته وفي زعمه أن هذه اللحية تخلف، وأنها تمثل وجه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وابن تيمية.
وأتانا وقال: إن الثوب القصير رمز الرجعية التي ما زال يعيش عليها الناس في الجزيرة العربية، وأتانا يضحك على جده الذي يقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس والثلاثة البيض من كل شهر.
وأتى يضحك على الناس يوم يجتمعون في صلاة الاستسقاء، ويقولون: اللهم اسقنا اللهم أغثنا.
درس هناك في دنفر أو لوس أنجلوس أو باريس أو لندن، ولكنه ما أتانا بتلك الحضارة التي قدموها للإنسان.
نعم قدموا لنا كهرباء، ومكبر صوت، وطاولة وكرسياً، وأسباب المادة، وليته أتانا وقدم لنا ما قدم أولئك للعالم من أسباب مادية، ولكنه أخذ القشور وترك اللباب.
منهم أخذنا العود والسيجاره وما عرفنا نصنع السياره |
استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا |
وكانت الكنيسة آنذاك ظالمة آثمة عقيمة متخلفة تعادي العلم، فثاروا عليها، وقد اكتشفوا بعض الكشوفات، فقررت الكنيسة إحراق المكتشفين وشنقهم، وبدأت العلمنة تبني أصولها على فصل الدين عن الدولة حتى تصبح لا دينية؛ والعلم هو السيد، والإله الذي يعبد من دون الله.
وقالوا: إن الدين سبب التخلف؛ لأن الكنيسة منعتنا من الاكتشاف والعلم، وهي كلمة حق أريد بها باطل، لأنهم أجروا هذا القياس على كل دين حتى الإسلام، وقد أخطئوا في ذلك.
ومن أساتذة العلمنة في العالم دوركايم وفرويد ودارون -صاحب النظرية- وماركس صاحب المذكرة في المبدأ الاشتراكي الإلحادي الذي بنيت عليه سبع دول من الحلف الشرقي، وسار على منهجه سوهارتو ووسوكارنو وأبو رقيبة ومصطفى كمال أتاتورك وثلة كثيرة من العالم الإسلامي، فقد تبنوا الفكرة وأدخلوها إلى البلاد، ودخلت العلمنة في الجزائر بعد الثورة الجزائرية على المحتلين، وكان عبد الحميد بن باديس يريد أن تكون لا إله إلا الله و: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هي التي تسيس الأمة، ولكن أبى أحمد بن بلا المنافق الذي يدعي الآن أنه يعود إلى الإسلام ويتشبث بلا إله إلا الله، وقالوا عنه: إنه يحفظ القرآن في السجن، وكذب عدو الله! لو كان يحفظ القرآن لكان عرف نور القرآن.
ودخلت العلمنة في مصر على يد الخديوي إسماعيل وقد أساء كل الإساءة للمسلمين في مصر.
ودخلت في تركيا على يد الرجل الصنم أتاتورك، ثم قس على ذلك بقية البلاد، وعندنا الآن طابور سادس في بلادنا لهم مكانات، وهم يحملون الفكر الإلحادي، ومنهم من يحمل الفكر البعثي، ويجتمعون في أن الدين لا يصلح أن يقود الحياة.
وأخبرتكم أن ماركس اليهودي هو الذي تزعم هذا الفكر المنشطر، بعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون عدم وجود أي علاقة بين الله وبين حياة الإنسان، وهذه المسألة يتبناها جرباتشوف الآن، وقد نص عليها في البروسترويكا بعد الصفحة الخمسين، فهو يرى أنه يعتنق المسيحية، ولكن لا دخل لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في نظام، ولا في قوانين، ولا في قواعد الدنيا.
وأبو رقيبة كان يخرج على الناس بالكأس في رمضان في التلفزيون التونسي ويشرب أما الناس ويقول: وما علاقة الله في الشعب التونسي أن يصوم؟! نعم كان الصيام يصلح للأعراب في عهد محمد عليه الصلاة السلام، ولكن الآن لم يعد صالحاً.
وسوف أخبركم وأنتم تعرفون ذلك أن الإسلام أتى بالعلم، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي فجر كما أمره الله بقوله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] وقال تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] وأن خلفاء الإسلام كانوا يعطون جوائز لمن يكتشف أمراً أو يجيد فناً أو يؤلف كتاباً.
هل العلم في الإسلام إلا فضيلة وهل أمة سادت بغير التعلم |
فكان روتينياً عند أهل الإسلام أن يكون العلماء هم المنتجون والمكتشفون والمخترعون وقد قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] وحق على المسلمين أن من اكتشف عندهم اختراعاً أن يبجلوه، ويكرموه، ويحترموه ويعطوه من الجوائز ما يليق به، لكن ضلت العقول.
يقول أبو الأعلى المودودي -جمعنا الله به في دار الكرامة- ذاك الأستاذ الخطير الذي سجن وعذب في سبيل الله:
نفسي فدتك أبا الأعلى وهل بقيت نفسي لأفديك من أهل ومن صحب |
أما استحى السجن من شيخ ومفرقه نور لغير طلاب الحق لم يشب |
يقول: إن الدين الذي أتى به محمد عليه الصلاة السلام يدخل مع الإنسان في المسجد والمعمل والسوق، إنه يلاحق الإنسان ما دام حياً، ويلاحقه ما دام ميتاً؛ حتى يدخله جنة عرضها السماوات والأرض، هذا هو دين محمد عليه الصلاة والسلام قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].
وكان يقول لأحد وزرائه لما أتى يقرأ وقال: الحمد لله قال: اخسأ، وهذه حرب وطعنة نجلاء في ظهر كل مسلم على وجه الأرض، فنسأل الله أن ينصفنا من هؤلاء المرتزقة الزنادقة.
فعندهم فصل الدين عن السياسة، وسير أمور السياسة بكل شيء لكن لا يجوز لك أن تتكلم في السياسة إذا كنت دَيِّناً، ولا يجوز للسياسي أن يتدخل في الدين إذا كان سياسياً، ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا |
فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا |
ومن معتقداتهم تكثير الإباحية، ولذلك الدول العلمانية في الدول العربية أنشأت دوراً للدعارة، وجعلت على ميمنة المسجد وميسرته دارين للدعارة، وسمح للزنا ببطاقات وبإذن رسمي من تلك الدول التي يحكمها دين العلمنة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
لقد بلينا بعلمانيين يقولون: الإسلام لا يتدخل في شئون الحياة أو النظام أو المعمل أو المدرسة، وإنما الإسلام في التمائم، وزيارة القبور والغسل للجنابة والحيض والمسبحة، أي: أن الإسلام للدراويش فقط وللمتطرفين المتزمتين، أما أن تطور الإسلام حتى تخاطب الدكاترة في الجامعات والمعامل والمصانع والكليات، فقد أخطأت نصيبك: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود |
وأصبحت الدول التي تملك حق النقض (الفيتو) خمس كافرة كلها بالله، وليس فيها دولة إسلامية: أمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين والاتحاد السوفيتي، وكانوا يضحكون ويقولون: بعض ممثلي الدول العربية كان نائماً في آخر الجلسة في مجلس الأمن، فقد كان ساهراً في السباحة، وفي المرقص، وأتى وحضر فنام، فقام من الجلسة فقال: موافق موافق، ولم يصوت على القرار الآن، لكن أخذها عادة أنه يوافق سواء سمع له أو لم يسمع، لذلك تسمع في الأخبار قالوا وأجمع مجلس الأمن على كذا وكذا، وخالفت دولتان ولكن هذه المخالفة ليس لها أثر، ولكن حينما يأتي الرد على إسرائيل يجمع مجلس الأمن وتخالف دولة ممن يملك حق النقض الفيتو فلا يسري القرار ويعتبر لاغياً.
ومليار مسلم في الهند وباكستان وأفغانستان وتركيا والعرب والأكراد والمصلون والصائمون ليس لهم نقض ولا فيتو إنما جزاهم الله خيراً الذين أدخلونا مجلس الأمن! ودعونا نرى المباني وناطحات السحاب، وأجلسونا هنا، فهذا: فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة:4]..!!
أما الجذور الفكرية فتعرفون أنه العداء المطلق للكنيسة، تلك الكنيسة المتخلفة التي لا نقرها، وكان لليهود دور بارز في جعل العداء بين الدين والدنيا، حتى ينفصل الدين بما فيه الإسلام عن مسيرة الناس، حتى يأتي الإنسان كافراً ملحداً يكتشف الذرة ويصور الضوء وهو لا يؤمن بالله تعالى.
متعجب مني بأن خالفته وأنا على أخلاقه متعجب |
أخشى أراه لأن جلدي ناعم يسبى إذا والاه جلد أجرب |
جمعت لأهل العلمنة وللعلمانيين عشرة أوصاف أو اثني عشر وصفاً في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وأنتم تأخذون هذه الأوصاف وتفصلون هذه الثياب على أجسامهم، وسوف تجدونهم في الساحة، وإذا رأيت آيات المنافقين في القرآن، فهم أهل العلمنة، فهم أناس لا يستطيعون مجاهرتك بسب الدين.
قد يحضر المجلس، ويأخذ معه مسبحة، ويسبح أمامك إذا نظرت إليه، ويمدح أبا بكر وعمر وعثمان، ويقول: إن الصلاة طيبة، والمسجد فيه خير وهناك صحوة والحمد لله، ولكن في باطنه نار تغلي على الإسلام، وهو يريد أن يهدم المسجد ويمزق المصحف.
ولذلك إذا قام شباب الصحوة يطالبون بحقوق في بعض الشعوب الإسلامية يقول: وقام بعض المتطرفين وضربوا بغازات مسيلة للدموع وبهراوات، شباب في تونس ما توا جوعاً وأرادوا الخبز فطردوا فقال: وقام بعض المتطرفين...، حتى الذين يلاحقون الخبز وحتى من يطلب بيع الخيار، والسُكَّر متطرف!
وهذه مسئولية الصهيونية العالمية.
وأتى السذج في بلاد المسلمين فنقلوها، حتى إن كبير السن الذي عمره سبعون سنة كان يصلي ويصوم ولا زال يصلي ويصوم لكن من تموج الإعلام ومخلطات الإعلام أصبح بعضهم يعادي ابنه إذا تطوع، وقال: سوف تصبح متطرفاً! لا تقصر ثوبك كن وسطاً كذا لا تأخذ الدين بعروقه؛ لأن الدين هو أن تمشي حالك وتكون مناسباً، لا تجرح مشاعر الناس، أما أن تشدد في الدين، فلا أريد أن تتشدد في الدين.. صل مثل الناس.. واخرج مثل الناس.. واستمع الغناء.. والله غفور رحيم (ومع الخيل يا شقرا) (وحط رأسك مع الرءوس) وقد دخل هذا في أذهان العامة ممن يسمع إذاعة لندن، حتى العجائز عندنا، وذلك من عدم مصداقية الإعلام، وأصبحت العجوز تأخذ حبر قلم وتحطه على الإذاعة -إذاعة لندن- وهذا أمر معروف، والعجائز لا يسمعون الآن إلا إذاعة لندن، لم يعودوا يثقون إلا في هذه الإذاعات، فيسمعون ويثقون، ويقولون: هذا هو الخبر الصحيح، وتأتي العجوز في الصباح مع العجوز وكالة يونايتد برس، وتنشر عليها أخبار احتلال العراق والكويت، وتحلل تحليلاً سياسياً، وتقوم هي وإياها عن المشكلة وقد أنهتها والحمد لله.
فهؤلاء يلمزون ويسخرون، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79] يقول أهل السنة: لا يسمى الله ساخراً، لكننا نطلق هذه الصفة بقيد، الله يسخر ممن يسخر منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فماداموا يسخرون فالله يسخر منهم، يقول أبو الطيب المتنبي في رجل كان أبكم وأبو الطيب هذا فصيح وشاعر عجيب يملك الكلمة ويسير الحرف، وهو صاحب الأبيات التي يحفظها رعاة الغنم عندنا التي يقول:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم |
وهو القائل في قصائده المشهورة:
تحملوا حملتكم كل ناجية فكل بين علي اليوم مؤتمن |
إلى آخر ما قال لهذا الأبكم:
تعيرنا لأنا غير بكم وتهجونا لأنا غير عور |
يقول: تعيرني وتسبني لأني غير أبكم، تريد أن أكون مثلك، وتسبني لأني غير أعور، تريد أن أكون أعور، وهذه مشهورة عند الناس وعند العرب، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر أن هؤلاء فيهم صيغة اللمز، قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] وهو الذي يهمز ويلمز، والهمز: تكسير الحاجب، وكم رأينا في مجلس من مجالس هؤلاء العلمانيين إذا دخل شاب عليه سيما الخير والصلاح والصدق مع الله عَزَّ وَجَلَ؛ غمز لأخيه في المجلس، انظر..تفرج.. انظر للشكل رقم سبعة عشر، وهذا موجود، ونقول لهم:
ولـو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان |
لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني |
وأقول:
إن الشكل سبعة عشر هو الذي يفتح الدنيا إن شاء الله، وهم الذين كان منهم صلاح الدين الذي دمر الصليبيين، وفتح بيت المقدس، ومنهم قطز الذي دمر رءوس التتار، ومنهم أبو بكر الذي قاتل المرتدة، ومنهم طارق.
ولكن هؤلاء العلمانيين لما وقفوا أمام جولدا مائير فروا وتركوا أحذيتهم في سيناء، وكانت تضحك عليهم، وأرجوكم راجعوا مذكرات جولدا مائير وهي موجودة اسمها الحقد، وانظروا من صفحة مائة وثمانية وستين، تضحك علينا وتضحك على العرب؛ لأنها كانت تقود مليونين والعرب كانوا مائة مليون.
واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب |
وكان هناك فاسق في المدينة المنورة من العلمانيين جلس في الفسحة مع الطلاب -درس في أمريكا - فقال: حدثنا صنيهيت، قال: حدثنا شليميح أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -هذه من الفكاهات التي يتزندق بها- جلس مع أصحابه فقال: أتدرون ما البيبسي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أتدرون ما السيكل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قوموا غربت وجوهكم لا تعرفون السيكل والبيبسي، وهذه يستباح بها دمه في الإسلام، ولا يصلى عليه ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ويقول الله في العلمانيين عن هذه المسألة: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15] إذا جلسوا مع المؤمنين والمشايخ وكبار السن في القرية قالوا: نحن مؤمنون، والحمد لله، والله يغيثنا ويرزقنا وإياكم الصلاح والتوفيق، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ويهز رأسه عند الموعظة وتدمع عيناه ويعصرهما، ولكن ليس فيهما دمع، وإذا أتى إلى زملائه في المقهى ومع البلوت والكيرم، قالوا: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] بهذه الشلل المتخلفة: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:15-16].
وهذا هو الغبن، فأكبر غبن في الحياة هو غبن هؤلاء؛ لأنهم فقدوا أكبر شيء في الحياة -الدين- وأكبر شيء يعتز به الإنسان.
يا أيها الإخوة: شباب البلاشفة الحمر الروس يسحقون تحت الدبابات والمجنـزرات في أفغانستان، وتشدخ رءوسهم على جبال أفغانستان من أجل مبادئ لينين واستالين، واليهود يقتلون في سيناء، والصليبيون شذر مذر في العالم من أجل مبادئهم، وأنتم يا حملة الرسالة ألستم أولى أن تتحملوا الاستهزاء والسخرية في سبيل إقامة لا إله إلا الله؟! يقول أبو الطيب:
إن كان سركم ما قال حاسـدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم |
وعاد هؤلاء من الغرب ناقمين على الأجداد والجدات وعلى الأخوال والخالات، وسبب نقمتهم عليهم أنهم متمسكون بالقديم الذي تركه هؤلاء.
من دنفر قد أتى في دينه قد عتا |
إلى متى ذي الصلاة إلى متى هل أتى |
هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1]؟! وبعضهم له مقولة كفرية يقول إلى متى: تبت يدا أبي لهب وتب، يعني متى تنتهي.
مازال هذا السجود من عهد تلك الجدود |
متى يزول القديم فقد سئمنا السكوت |
أصبح الكلب يغسل ويطيب وتعلق السلاسل في عنقه ويجلس مع السائق في السيارة! أيحدثك عن المسارح التي أصبحت المرأة فيها أقل من الحذاء، وأرخص من الصفر، وأصبحت زانية عاهرة في كل مكان؟ أيحدثك عن الانتحار؟ قرأت وما أزال أقرأ، وأنا معجب بذلك الكتاب، وعسى الله أن يعينني أو بعض طلبة العلم على أن أنسج على منواله، مذكرة وهو كتاب دع القلق وابدأ الحياة الذي ألفه دايل كارنيجي اللماح الذكي، فهو كتاب أعجب من العجب، بيع منه ثمانية ملايين نسخة، وطبع ست عشرة طبعة، ويتحدث عن المأساة التي يعيشها الغرب هناك وعن حالات الانتحار، أظنه يقول: في كم ثانية تحصل حالة انتحار في أمريكا، وعد في ولاية تكساس كم عدد الذين ينتحرون، وبإمكانكم أن تراجعوا هذا الكتاب، وهو يدعو إلى الإيمان، لكن على طريقة المسيحيين.
ومحمد الغزالي المفكر العصري له كتاب اسمه جدد حياتك حاول أن ينسج على منواله وللشيخ عبد الرحمن السعدي العلامة الكبير -رحمه الله- كتاب اسمه الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
وفي نظري أن كتاب دع القلق، يحتاج هذا إلى أن تؤخذ الأحكام التي فيه والقواعد والتجارب التي أتى بها علماء الغرب مثل وليم جيمس وألكسس كارل، وغيرهم وتوضع مع الأحاديث النبوية والقصص والآيات ثم تقدم في كتاب، وإن شاء الله يحصل هذا.
ومقصودي من هذا: أن هؤلاء لا يتحدثون عن الانتحار، أو الزنا، أو الفحش، أو التدمير الذي بلغه أولئك، لكن يحدثونك عن ناطحات السحاب.
يقول: في تكساس عمارة ارتفاعها مائة وستة وخمسون دوراً، وهناك في الأرض ممرات أرضية، وضغطنا لأحد الأزرار فنقلنا مرة واحدة أربعين دوراً، وننزل في عربية وتحملنا إلى القطار، وهناك الطائرة لا تحجز من قبل، تأخذ أنت كأنك في سيارة تذكرة وتركب.
وحضاراتهم من أكثر من مائتي سنة، ويذيع أنهم تطوروا تطوراً عجيباً.
لكن لماذا يعجب بحضارة الكافر المادية، ولا يخبرنا بما بلغوا إليه من التردي في الروح؟ يقول الله: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] والله يقول عنهم: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66] ويقول سبحانه عن حضارتهم: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا |
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا |
يعجبون بحضارة الكافر، والله يقول: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ [التوبة:55]؟! أتعجب من إنسان ما عرف مصيره؟! يعملون هم لستين سنة فقط لكن عالم الغيب لا يعرفونه، فهم محجوبون عنه تماماً، فأي حضارة تنبني على كفر وإلحاد لا خير فيهما.
ومن أحسن الكتب التي ألفت في هذا الباب كتاب أبي الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين فهو من أروع ما كتب! على يد رجل جرب الثقافة الغربية وعرفها، ومن أحسن من يتحدث عنها رجلان؛ أديب شاعر ومفكر كاتب؛ أما المفكر الكاتب فـ سيد قطب في الظلال، وأما الأديب الشاعر فـ محمد إقبال، وكلا الرجلين توافقا حتى يقول سيد قطب: ربما توافقنا حتى في الألفاظ، وكلا الرجلين سافر إلى الغرب ودرس هناك وحضّر شهادته من هناك، ولكنه عاد بقضية أن الإسلام هو دين الله الحق في الأرض، وأنه لا سعادة للإنسان إلا بالإسلام.
أخبرنا بعض الأساتذة الدعاة الكبار أن رجلاً إنجليزياً من بريطانيا كلف بأن يبحث بحثاً للدكتوراة في كتب التفسير، وأخذوا عليه موثقاً ألا يقرأ الظلال لـسيد قطب، يقولون اقرأ التفاسير كلها: تفسير الخازن وفتح القدير لـ الشوكاني وتفسير ابن كثير وتفسير ابن جرير و تفسير الطبري، لكن احذر الظلال فهو ليس من مهمتك، وأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه، فأنت إذا منعت الطالب أن ينظر إلى النافذة في وسط الحصة جلس دائماً ينظر إلى النافذة كلما غفلت عنه، اترك طفلك في الغرفة، ولا تقل له: لا تخرج فسوف يبقى، لكن قل له: لا تخرج، ولئن خرجت لأضربنك فسوف يخرج.
يقول علي بن أبي طالب: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]] يعني: لو أتيت الناس تخطب يوم الجمعة تقول: لا تفتوا البعر فهذا حرام؛ لخرجوا من المسجد وفتوه، وقالوا: ماذا فيه؟ أي أن الإنسان مغرم بالمخالفة فأتى هذا الرجل، فقال: لماذا منعوني من سيد قطب في الظلال وذهب إلى القاهرة، وأتى أول ما أتى المكتبة قال: أين الظلال لـ سيد قطب؟ قالوا: هذا هو، وكان يجيد اللغة العربية فقرأ لرجل يستفيض إلهامات، فقد درس سيد قطب ثقافة موسكو بل جلس فيها فترة، وفي دنفر فترة، وفي أوروبا فترة، فتكلم معه وحاوره في الكتاب -وسيد قطب قتل كما تعرفون- وبعد ما وصل سورة الأنفال أعلن هذا الرجل إسلامه، وألغى رسالته، وأنا أدلكم أن تقرءوا هذا الكتاب كثيراً.
قال سبحانه في العلمانيين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4].
وتجد أن أهل الجهاد والتضحية، والبذل، وقيام الليل فيهم ضمور، وربما يظهر عليهم الجهد والإعياء، لكن هؤلاء الفرد منهم، كالبغل يهد الجدار، لكن قلبه ممسوخ، تموت طفلته فينهار مثل الصبي، وينقل إلى المستشفى مباشرة، ليس عنده رصيد من الإيمان، لا يعرف كلمة إنا لله وإنا إليه راجعون.
يقول سبحانه: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] يخافون من الحروب؛ لأن الحرب لو قامت عنده في الخليج لا تتركه يأكل بطاطس، ولا يشتري خياراً من السوق، ولو وقع بركان في الفلبين فإنه ينتفض ويتابع الأخبار: يا الله سترك، يا الله حوالينا ولا علينا، ومن أجل ماذا؟ لأن عنده عشرين عمارة وعشرين سيارة وعشرين مرتباً، وعشرين دخلاً، أما المؤمن فقد باعها بجنة عرضها السماوات والأرض، ومعنى ذلك يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا [التوبة:52]
أحد المفكرين وصل إلى الصحراء المغربية ووجد جماعة من المسلمين البربر يرعون الغنم هناك، وهو يريد أن يدفع القلق، وقد ذكره دايل كارنيجي في آخر كتابه دع القلق، قال: فعشت معهم سنة طعمت الإيمان، وطعمت الاستقرار، وذهب عني القلق، قالوا: كيف؟ قال: رأيت بعضهم تمر عليه الريح فتأخذ نصف الغنم، وتموت نصف الغنم، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويواصل يرعى البقية، تموت طفلته فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل، ويدفنها، ويعود وهو سعيد يتبسم.
فأقول: إن هؤلاء يخافون: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4] الأحداث تزعجهم، ولذلك لا يريدون أن يفادوا بأرواحهم، ولا بمقدارتهم، وهم خائفون من كل ما يسمعون، ويريدون أن تبقى الأمور هكذا بدون تحرك، على خلاف المؤمنين، فالمؤمنون أمرهم سهل.
وليس على الأعقاب تدمى كـلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما |
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما |
يجوز أن تثوري يجوز أن تعربدي يجوز أن تخرجي إلى السكة كسلة السيف عريانة |
وتولي أعداء الله عَزَّ وَجَلَّ هزيمة نفسية أصبنا بها في العموم الغالب، والآن انظر وأنت في المطار، تريد أن تركب -مثلاً- ومعك في السير خواجة أو أي غربي أو أي كافر تجد حتى الجندي من الهزيمة النفسية التي يحملها قد يقدم عليك الخواجة: هلو مستر خواجة، بينما إذا أتى إليك أنت -وأنت ابن لا إله إلا الله وأنت معه وحبيبه وأخوه- يتقطب جبينه في وجهك، ولا يتعامل معك بالتي هي أحسن، ورأينا بعض الناس قدم علينا نساء غربيات في الطابور، فقلت له: على الأقل هم نساء، إذا كنت لا تعاملنا بلا إله إلا الله وتعاملنا بلا إله والحياة مادة، على الأقل نحن رجال فأدخلنا، قال: هؤلاء الأجانب لهم علينا حق الاحترام والتقدير، فنحن ننظر إلى المستعمر أنه الذي لا يغلب، وكأن هذا الأشقر ملك نزل من السماء، ويقول سبحانه: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:139].. وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8] لا يدرون بهذا، ولا يدري بها إلا أهل المسجد من أمثالكم يا طلعات الخير ويا سيما الفضيلة ويا منائر الحق.
عندنا شاب سافر إلى بريطانيا يحمل لا إله إلا الله، ويحمل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] له تخصص يدرس هناك، لكن أسكنوه مع عائلة، وفي هذه العائلة عجوز بريطانية، فكان هذا الشاب مع صلاة الفجر يأتي إلى الصنبور في الثلج والجليد ويصلي الفجر، فتقول العجوز: لو تأخرت قليلاً قال: لو تأخرت ما قبل الله صلاتي، لا بد أن أصلي في هذا الوقت، قالت: هذه إرادة تكسر الحديد.
دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس |
فهكذا تكون الهمم، وهذا هو انتصار الإرادات، وهذا هو الاكتساح العارم الذي يخشاه الغرب والشرق من الإسلام، فهم يسمونه المارد، ويسمونه العملاق، لأن هذا الإسلام لا يرضى فقط أن يكون في الزاوية.
إسلامنا لا يستقيم عموده بدعاء شيخ في زوايا المسجد |
إسلامنا نور يضيء طريقنا إسلامنا نار على من يعتدي |
فهذا الإسلام أراهم النجوم وسط النهار، دخل الفرنسيون الجزائر وحاولت الثورات: ثورة علمنة، وثورة شيوعية أن تخرج الفرنسيين فما استطاعت، فأتى عبد الحميد بن باديس -العالم الكبير السلفي- وأقام دعوة على لا إله إلا الله، والمصحف، وأخرج شباب الجزائر من المساجد، وقامت المعركة وقدم الجزائريون مليون شهيد، وأخرجوا فرنسا.
ولذلك الآن الصحوة في الجزائر لما سمع بها ميتران هذا رئيس فرنسا قال: سوف نوقفها عند حدها، فقال له: قائد الصحوة الجزائرية هناك: إن كنت شجاعاً فأت إلينا، فسوف نريك أياماً مثل أيامك الأولى، فقال لسان حاله: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
والإسلام رأوه في أفغانستان ماذا فعل بالروس؟ وكيف ردهم خائبين؟ ونحن نحتاج الإسلام أن يأتي إلى فلسطين مرة ثانية ليخرج اليهود خارج المرمى.
وقد ذكروا في بعض الأماكن أن بعض الناس كانوا متحمسين للصلاة، وكانوا يحضرون عند صلاة الفجر في سجل عند الإمام، فإذا سلم قال: فلان، قال: حاضر، فلان قال: حاضر، فأتى في صباح جمعة فحضر هذا الإمام، وغاب أحد المصلين، فلقيه مع صلاة الجمعة في الظهر، قال له: أين أنت يا فلان لم تصل معنا؟ قال: والله قال لي فلان جاري: إنك لن تحضر صباح الجمعة، أي لك لو كنت تحضر لكنت حضرت.
أي: أن ذكر الله عليهم ثقيل، ولذلك إذا أتى إلى المسجد يقول: سبحان الله! ثم يجلس ربع ساعة، ويقول: الحمد لله يلتفت إلى الناس، فلا يعجبه الوضع في المساجد ولا في المجالس أو الطريق أو السيارة أو الطائرة، ولذلك تشاهد كثيراً من الناس -وهذا من الغزو الفكري- إذا استقل الطائرة أخرج الجرائد فيقرأها ظهراً لبطن من أولها إلى آخرها حتى إعلانات الأسمنت، ومن ضيع تابعية، ومن غير اسمه، وإعلانات العطور، والأزياء، ودرجات الحرارة، والصيدليات المناوبة، والسهرة هذه الليلة، ثم يطويها ويأخذ الثانية، وهكذا حتى تصل الطائرة، وما فتح مصحفه، وما تأمل كتاب الحديث، أو استغفر أو كان له ورد من الأذكار، وأنا لا أقول: لا تقرءوا الصحف والجرائد بل لابد من قراءتها، حتى نعرف الواقع، لكن أين الإيمان؟ أين الرصيد؟ أين القرآن؟ أين دستور الحياة؟
محمد إقبال شاعر الباكستان دخل على نادر شاه حاكم أفغانستان وقال: والله يا نادر! لن تجد طعم السعادة والحياة حتى تقود أفغانستان بهذا المصحف، فهو وثيقة سماوية.
فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملؤها أجراً |
سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى |
فإذا رأيت الإنسان لا يتفقه في الدين فاعلم أن الله لا يريد به خيراً، ولا يريد هو خيراً لنفسه.
فهؤلاء العلمانيون ليسوا مستعدين للتفقه في الدين، أما علوم الدنيا فقد امتلئوا منها وقد توسعوا فيها، وقد أجادوها كل الإجادة، لكن علم الفقه في الدين علم الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة لا يعرف أحدهم في ذلك شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً، بل بعضهم الآن يحمل شهادة دكتوراة، وهي معلقة في بيته، ولكنه لا يعرف مدة المسح على الخفين -وهذا موجود- وبعضهم لا يعرف سنية التيمم ولا أقل جزئية في الإسلام، فهذا قاسم مشترك بين العلمانيين أنهم قليلو الفقه في كتاب الله ودينه وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولذلك يسر هؤلاء لمصائب المؤمنين والموحدين والمصلين الصادقين أيما سرور، ولكنهم يتنغصون بما يسرّهم.
فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني |
وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني |
فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني |
إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني |
ويقول الله في القرآن عن هؤلاء العلمانيين: الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:168] يقولون في معركة أحد لبعض المؤمنين: اجلسوا هنا فسوف تقتلون إذا ذهبتم، فتركهم المؤمنون وخالفوهم وعصوهم وذهبوا، فقتلوا شهداء في سبيل الله، فقال المنافقون: نصحناهم، ولكن رفضوا النصيحة، حذرناهم من القتل ولكن رفضوا أمرنا، يستحقون ما أتاهم، فيقول سبحانه: الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا [آل عمران:168] أي: في المدينة: لَوْ أَطَاعُونَا [آل عمران:168] أي: في الجلوس: مَا قُتِلُوا [آل عمران:168] هناك، فقال الله متحدياً لهم: قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:168] فأنتم سوف تموتون لكن وأنتم أذلاء على الفرش، تموتون وروائحكم منتنة، وأما أنس بن النضر وعبد الله بن عمرو ومصعب بن عمير والشهداء، فماتوا ولكنهم أخيار مرفوعون عند الله عَزَّ وَجَلَّ، فكلمهم الله بلا ترجمان.
يقول أحد المسلمين من المهتدين في الشهادة:
أيا رب لا تجعل وفاتي إذا أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف |
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف |
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف |
وإقبال شاعر الباكستان يقول: نحن أمة رفعنا أرواحنا بين أكفنا لنسلمها لك شهداء:
أرواحنا يارب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا |
لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا |
وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا |
أليس هذا هو الإيمان؟ أليست هذه هي الأصالة التي تركها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفوس محبيه وأتباعه؟!
يريدون أن يبقى الإسلام في المسجد، وأن يبقى الإسلام مسألة شخصية تتعلق بالإنسان فقط، أما إدخال الإسلام في الحياة فهذا لا يجوز عندهم، ويفصلون الإسلام كما ذكرت عن المصنع والمعمل والمدرسة والسوق والشارع، وهذا هو الكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالإسلام دين ودولة، والإسلام مدرسة ومسجد، ومصنع ومعمل، وصلاة واستشهاد: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] ويسميها سيد قطب ولله درّه: (جاهلية الفن) وجاهلية الفن هي مخالفة أمر الله في الرسم، لأن: رسم الأرواح محرم عندنا، فلنا في الإسلام أن نرسم الشجر والمدر والحجر والزهر والليل إذا أقبل، وأن نرسم النجوم والقمر والنهر، إذا تدله بالماء، والأغصان، والروضة الفيحاء، ولكن لا يجوز لنا أن نرسم ذوات الأرواح، لكن جاهلية الفن تقول: يجوز هذا.
وهناك جاهلية الأدب ولنا أن ننشد الشعر، وأن نسمع جميل القول، وأن نتأثر بالكلمة الطيبة المؤثرة، وهناك شريط اسمه (دور الأدب في معايشة النكبات) على من وجد فرصة أن يستمع إليه لمواصفات الأدب المسلم، وهناك محاضرة بعنوان (الأدب الذي نريده) ومحاضرة بعنوان إقبال شاعر الحب والطموح؛ وقصدي بهذا أن نعرف مسارات الأدب الملتزم لئلا نعيش جاهلية الأدب.
ما هي جاهلية الأدب؟
جاهلية الأدب أن يأتينا أديب كافر مثل نزار قباني أو أدونيس قطع الله دابره، فكثير منهم سب الله عَزَّ وَجَلَّ، وأحفظ نماذج من ذلك، أو رجل يدعو إلى الفاحشة والجريمة، فهذا أدب جاهلي، وهذا أدب محرم، فالأمة لابد أن تعيش الإسلام في الأدب والفن والصناعة والهندسة والاقتصاد والسياسية؛ لأن الإسلام يحكم مسار الأمة، فليس إسلام المسجد فقط، وليس إسلام الخطيب يوم الجمعة فحسب، بل إسلام الحياة وإسلام كل شيء، يقول سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:44-45] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] والله يقول مُقْسِماً سبحانه جل قَسمه وجل اسمه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] فوالله لا يهتدون ولا يجدون طعم السعادة حتى يتبعوك أنت أيها العظيم.
وأنا كررت في محاضرات أن مايكل هارف الأمريكي صاحب العظماء المائة جعل الأول محمداً عليه الصلاة السلام، وهذا حق رغم أنفه.
من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول |
فهذا المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد منك أن تعيش الحياة، والله يقسم أنك لا تجد طعم السعادة والإيمان حتى تتبعه وتحكمه في كل شيء، فتحكمه في لا إله إلا الله، وتحكمه في الصلاة، واللحية، والثوب، وتقليم الأظافر والاقتصاد، والإعلام والأدب والحياة كل الحياة، إن كنت تريد أن تكون متبعاً للرسول عليه الصلاة والسلام.
ولكن العلمانيين قالوا: الإسلام في المسجد، وليس في المصنع، وقالوا: الإسلام عند صلاة الجنازة، وقالوا: ليس له حكم في الإعلام، وقالوا له: نعم. عند الرقية على المصروع، وقالوا له: لا. عند الاقتصاد، وقالوا للإسلام: نعم. عند المسبحة، وقالوا للإسلام: لا. عند الحاكمية، فبتروا الإسلام من مصدره وصلته وطريقه وعمقه؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل.
أيها الفضلاء: أقول لهذا المرتدي لهذا الثوب والذي نحت فكره من أفكار الآخرين وتنكر لعقيدة المسلمين:
أحاكم عقلك المنهوب جهدي إلى قاضي الهداية والمعالي |
أشرع محمد فيه التباس ومنـزله عظيم ذو جلال |
أو كما قال الآخر:
تركت الردى خلفي لمن قل دينه ويممت قلبي في حماك فيمما |
وخالفت من قد خالف الله جهرة وفارقت من قد لابس الحق مسلما |
وعسى الله أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
والمقصود من هذه المحاضرة أمور ثلاثة:
الأمر الأول: إظهار الجاهلية وتعرية أهل الجاهلية كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55].
الأمر الثاني: أن نغرس اعتقاداً جازماً عند الناس أن القرآن يلبي حاجة الناس، وأنه يعايش المشكلات العصرية التي يعيشها الناس والتي دائماً تعيش ظروفهم ودائماً تلابسهم.
الأمر الثالث: أن نكون على بصيرة ممن يعايشنا، وممن نعيش معه، حتى نعرف عدونا من صديقنا.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه |
ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه |
وما بقي من وقت فللأسئلة، وشكر الله لكم اجتماعكم وإنصاتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله، قد تُعرض لهذا قبل فترة بمحاضرة بعنوان (الرسول عليه الصلاة والسلام مع الأطفال) وما ذكره الأخ ذكر هناك، وذكر في كثير من المحاضرات، ونبهنا الأخ على بعض المسائل لا بأس أن أعيدها هنا، وهي مسألة (غزو الطفل المسلم) ومن أدواتهم في ذلك فيلم الكرتون، ومنتجته شركة إيطالية يهودية، وهو يربي الأطفال على ناحيتين:
الناحية الأول: ناحية عبادة الدولار والدرهم من دون الله عَزَّ وَجَلَّ، وتحبيبه إلى المال، حتى تجد في القفز والأخذ والعطاء درهماً أو ديناراً في فمه، ويصعد ويأخذه ويجتذبه من ذاك، ثم يطارد زميله، ثم يقاتله من أجل هذا الدرهم والدينار؛ لأن هذا الفكر ماركسي، وهي تربية الإنسان على عبادة المادة من دون الله.
الناحية الثانية: تربية الطفل على الجنس، فهناك طفل وطفلة، تقبلها وتقبله، غرام وعشق وهيام ومطاردة، والطفل لم تكن عنده الغريزة وما نشأت إلا الآن، فيصبح في ذلك متذكراً متلهفاً، وتغرس مع الأيام في هذا، ولو لم يكن فيه إلا تضييع وقت الطفل عن تربيته بالآيات، وبالآداب الشرعية، وبالأشرطة الإسلامية، وبالأناشيد الطيبة، وبتثقيف لسانه باللغة الحية، لكان أعظم خسارة من هذا الضياع.
وأما الإعلانات والدعايات فهي سموم كثيرة طمت وعمت، كتشهير أعداء الله عَزَّ وَجَلَّ بزعيم مجرم كان قد حارب الإسلام يشهر به في بعض الإعلانات، أو رجل معتوه، أو رجل صاحب فن في فن الغرام والطرب، ولا عب كرة مشهور فيجعل دعاية في شركة أو مؤسسة أو منتدى أو على لعبة أو سلعة تباع، وهذا كله هدم لمؤسسات العقيدة وتشويه لمسار الإسلام في قلوب الأمة.
الجواب: الذي وصلنا من هذا كما وصلكم، أن هناك ما يقارب ثلاثة وأربعين امرأة علمانية خرجن في شوارع الرياض يقدن السيارات وينشرن منشوراً هناك يطالبن فيه أن المرأة تقود السيارة، وأذيعت هذه في الإذاعات الأجنبية، ولكن أسأل الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكف الشر، وقد تكلم كثير من العلماء والدعاة في المسألة، وأرى أن هذه الفترة فترة تمايز بين أهل الحق وأهل الباطل، ولا يكون هناك فريق ثالث إما يمين وإما يسار، إما أهل لا إله إلا الله، وإما أهل الطاغوت والكفر بمبادئ الله -عَزَّ وَجَلَّ - التي أنزلها على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فواجبنا أن نعود بالأمة إلى لا إله إلا الله وإلى مصداقية لا إله إلا الله في القلوب والميدان.
وقد سلف كما قلت في محاضرة (الفتاة السعودية والعلمانيون) بعض الحقائق عمّا يراد بالمرأة هنا، يراد بها أن تكون مضيفة في الطائرة، ومغنية ومهرجة وتظهر للناس، يراد أن تكون في المصنع، وجندية تحمل السلاح، وتقود الدبابة، وتغامر مع الجيوش والطوابير إلى غير ذلك، ويراد منها أن تكون عارضة أزياء، وخادمة، ووسيلة للدعاية، ولقمة سائغة لكل مهرج ومروج وفاجر.
على كل حال فيما سمعت أن الفتنة انتهت بطريق جيد إن شاء الله، وقد تفاهم ولاة الأمر في هذه المسألة مع هيئة كبار العلماء، وأوقفوا هذا المد، وأخذوا تعهدات على هؤلاء الخاسرات، وأظنها أول نغمة يفعلنها بعد نغمات كثيرة كانت من وراء الستار ليروا أهل الفضل والعلم والصحوة ما هي ردود الفعل هناك؛ وأنا أعرف أن أولئك النساء لسن بحاجة ماسة لقيادة السيارة، ولكن مقاصدهم أعظم وأعظم، وهي أطوار مرت بها المرأة في بعض البلاد الإسلامية.
وكما تعرفون قصة الميدان هدى شعراوي وقصة سعد زغلول مع النساء ومصطفى كمال أتاتورك في أنقرة وغيره بدءوا بهذا، ولكن عسى الله عَزَّ وَجَلَّ أن يوفق القائمين حتى يوقفوا هذا الخطر، وأن يرشد طلبة العلم والدعاة والعلماء أن يقفوا بحكمة أمام هؤلاء الذين يهددون مقدراتنا ومسيرتنا.
الجواب: بلادنا لا تسلم بل عدد العلمانيين كثير، وهؤلاء يتميزون بما ذكرت في المحاضرة من صفات تعرفونها، وهم يسمون في علم الكتاب والسنة المنافقون، ولكنهم هنا يتدبلجون لنا، وقد يلمعون أنفسهم بحضور المحاضرات أو مدح الإسلام في العلانية وقتله في الخفاء، ومدح الدعاة أمامهم وقتلهم في الخفاء، والتهوين من شأن الإسلام أو تحجيم الإسلام بأي وسيلة، وهؤلاء هم قوم كثر.
ولهم كتب في الساحة، ولكن كتب الغرام والهيام والحب والفن عندهم أكثر من الكتب الفكرية؛ لأنها لا تجد رواجاً في هذه المرحلة؛ لأن المسيرة ما زالت والحمد لله قائمة، وأهل الخير وأهل الفضل لهم مسار صحيح ومقدر بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الجواب: لا تسألني أنا، بل السؤال يوجه إلى من بيده الحل والربط، أما أنا فلا يطاع لي أمر (لا يطاع لقصير أمر) فأنت اكتب للمسئولين، وقل: أريد أن تُصَادر هذه المجلة لأنكم حريصون على إقامة التوحيد، وعلى حماية الإسلام، ومما يحارب الإسلام والتوحيد هذه المجلات، وسوف يستجيبون لك إن شاء الله.
الجواب: هذا خطأ! وما صدق في هذا؛ بل الديمقراطية تختلف عن الشورى باختلافين اثنين:
أولاً: الشورى في الإسلام هي احترام الرأي: أن يكون لك رأي محترم يسمع منك، وتكون لك مكانة في المجتمع ولا يقتل صوتك، فهذا معنى الشورى، فالشورى كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38].. وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159] أن تضاف الآراء جميعاً إلى أن تكون رأياً واحداً أو بالأغلبية.
أما الديمقراطية فهي تعلن التحرر حتى بين الإنسان وبين الله فيقولون: ليس لله عليك هيمنة، ولا ألوهية، ولا لله عليك حق، وإنما لك حرية حتى مع الله عَزَّ وَجَلََّ.
ولذلك يقول محمد إقبال في بعض رسائله: أرفض الديمقراطية الغربية بوضعها؛ لأنها تخرج الإنسان بهيمة مع الله، أي تجوز الكفر بالله حتى تقول له: صلِّ، يقول: أنا حر مع الله، فهذا معنى الديمقراطية عندهم، فهذا جانب.
ثانياً: أن الشورى في الإسلام تختار أهل الرأي وأهل الحل والعقد، فتختار الفضلاء، وطلبة العلم والعلماء، والصالحين الناصحين المثقفين، ومن له دور في المجتمع وله تأثير.
أما الديمقراطية فهي على حسب الرءوس، ولذلك يقول محمد إقبال: مخ مائتي حمار يساوي عندهم رأساً، وقال: ولكن رأس مائتي حمار لا ينتج لك رأس إنسان.
فهذا ريجن كان ممثلاً -كما تعرفون- من كالفورنيا من روفر سايد أتى حتى أصبح رئيس جمهورية بالأصوات، قد يكون جديراً أو قد لا يكون جديراً فهذه هي الديمقراطية، وهذا كارتر كان يزرع فولاً في جورجيا وأتى حتى صعد، وقد يكون جديراً أو ليس جديراً حتى أصبح رئيساً.
لكن في الإسلام لا بد أن يكون هناك أهل حل وعقد وعلماء وفضلاء وأخيار لا يساوون بغيرهم، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] ولذلك كان الصحابة يختارون صفوة هم الذين يدبرون شئون الأمة، لكن تأتي بمعربد وبمتفلت على شرع الله وأهوج وأحمق ومتزلف ومطرب ضائع، وتجعله مثل هذا، وتقول: هو صوت وأنت صوت، وهو مقعد وأنت مقعد، فهذا ليس بصحيح، وهذا هو اختلاف الشورى في الإسلام عن الديمقراطية.
الجواب: أنا أرجو الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكون هؤلاء الثلاثة بعيدين من العلمانية، عليهم ملاحظات، وقد يكون الحديث عن كل واحد على حده، وأما الترابي فقد قرأت له بعض الكتب، وعتبت عليه كثيراً لقلة ثقافته الحديثية والسنة عن الرسول عليه الصلاة السلام، وقلة اطلاعه على السنة، حتى رأيته يرى أن الغناء لا بأس به، والحجاب متساهل فيه، والموسيقى وأمور كثيرة، فعتبت عليه من هذا الجانب.
ومما نعتب عليهم أيضاً موقفهم من العدوان الذي جرى على الكويت فقد أجمعت الأمة على أنه عدوان وبغي، وظالم اعتدى على مظلوم، فالواجب أن يعلنوا أن صدام قد ظلم واعتدى، هذا الذي نريده منهم، وما سمعنا تصريحاً منهم يشير، وقد تكلمت عنهم بعض أجهزة الإعلام وعن بعض كلامهم، وما أدري هل هو ثابت لهم أم لا، لكن ما زلنا نطمح بأن نسمعهم ينددون بالعدوان والطغيان والبغي خاصة أن عباس مدني في الجزائر له كلمة في وسط الناس هناك.
وراشد الغنوشي في تونس له كلمة في الصحوة والترابي في السودان له كذلك مكانة فنريد من هذه الجزئية، وما أريد أن أتكلم بتفصيل؛ لأنه -أحياناً- قد ينقل الكلام إلينا وليس بصحيح ونحتاج إلى تثبت ومجالسة معهم.
الجواب: مصطفى محمود رأيت له مما يقارب ستة كتب، وبعضها ما يساوي الحبر الذي كتب به، ورأيت منها مقالات كثيرة ولكنها هراء، وكلها في عالم الخيال، ويتكلم عن مسائل تافهة، وقد أغرق في كتاب اسمه الحب في مسألة الجنس إغراقاً عجيباً، وجعل المرأة كأنها مقصودة، وهذه أظنها في فترة حياته؛ لأنهم يقولون: إنه تحسن وضعه فما ندري، لكن على كل حال: كتبه غالبها: كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] وهو يقول مثلما يقول عمر لابنه حين مر بابنه ومولاه وهم ينشدون شعراً فلما سمعوه سكتوا قال: من الذي أنشد منكما فقالا: ما أنشدنا، قال: لتنشدان، فأنشد الأول ثم أنشد الثاني ليرى صوتيهما، فقال: أنتما كحماري العبادي له حماران قيل له: أي حماريك أحسن؟ قال: هذا ثم هذا.
وأحياناً قد يجيد في عالم المادة، لكنه يخلطها بشكوك وارتياب، وأنا قرأت كتابه هذا فيشكك الإنسان، هو يريد أن يخرج من الشك لكنه يرسب في الشك.
لأن طريقة المناطقة التي سلكوها للإيمان بالله ليست بصحيحة عند العلماء وهي تورث الشك والحيرة، وطريقة القرآن هي الطريقة الصحيحة، التفكر في آلاء الله والذكر والتسبيح وكثرة العبادة، والاهتداء بنور محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
الجواب: أنا أرى ذلك وأرى أن لهم كلمة في هذا ولهم تأثير، ومن تأثيراتهم: تقليص حصص الدين، وإضعاف منهج القرآن، بينما تكثف المناهج الأخرى، والاعتناء بها كما ترون، حصة القرآن الخامسة والسادسة بعد أن ينام الطلاب وينعسوا، تخريج دفع من الثانويات والمعاهد لا يجيدون قراءة القرآن، صرف أوقات القرآن في الحصص الرياضية وأشباهها، جعل المادة الفنية (الرسم) حصتين أو ثلاث حصص والقرآن حصة، اختصار التاريخ الإسلامي وسيرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدين في خمس عشرة صفحة، بينما زنوبيا وسليمان إفرنجية في تاريخه ثلاث وعشرون صفحة، وإظهار الإسلام أنه دين طيب للصلاة والصيام والحج والعمرة، لكن ليس بإظهار الإسلام في الثقافة بأنه الدين الحي الذي يفرض هيمنته في العالم، ويسيطر على الوجود، وبإمكانه أن ينقذ الأمة.. إلى غير ذلك.
الجواب: أدعوك أولاً إلى أن تخلص في عملك عل الله أن يثبتك وأن يكون رزقك حلالاً، ولكن إن لم تستطع فأنت أمام خيارين: إما أن تقدم استقالتك من العمل، وهذا الأسلم والأتقى والأنقى لك عند الله، والله يرزقك ما تستطيع، وإما إن لم تستطع هذا فتفاوض مع المسئول المباشر عليك في هذه المسألة، وتخبره بظروفك ليكون على بصيرة، ويعرف الساعات التي تغيبها، ويعرف كيف يتصرف معك، فإن أذن لك فلا بأس في تلك المرحلة.
الجواب: لا بد من أن يكون هناك طبيبة مسلمة، ولكن في مرحلة الضرورة القصوى، التي هي مرحلة الضرورة التي ما بعدها إلا الموت فلا تأت بمسألة زكام، وتقول: يكشف عليها الدكتور؛ لأن الزكام ليس ضرورة أو صداعاً في الرأس، أو حرارة أو حموضة، ولا يجوز أصلاً للطبيب أن يكشف على المرأة، فكيف بالأجهزة التناسلية التي هي من أحرج ما يمكن؟! ولكن إذا وصلت قدر الضرورة التي تصل إلى درجة الموت، ولم توجد امرأة وبحث عنها، ولم توجد طبيبة، فإن أهل العلم جوزوا ذلك من باب الضرورات لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] وحد الموت، مرض مهلك، أما غيرها من الأمراض فلا.
الجواب: أنتم تعرفون تحريم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصور الحية، ولكن للضرورات هناك بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعض الوسائل التي قد تعفينا من التحريم، وهي مثل: قطع الرأس حتى يكون كأنه شجرة، لحديث النسائي، فإذا أردت أن ترسم بطة لك أن تقطع رأسها، ولا يلزمك أن يكون الرأس موجوداً، وبعض العلماء يقول: يكون هناك فاصل حتى لا تستطيع الحياة لو كانت حية، فأرى قطع الرأس أو رسم جزئية من الحيوان أو رسم الحيوان على أجزاء أربعة مثل الرأس وحده والجناح وحده والرجل وحدها وهكذا، فهذا الذي أراه.
الجواب: الكتاب الأول بعد كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ: (في ظلال القرآن) لـ سيد قطب.
(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لـ أبي الحسن الندوي.
(واقعنا المعاصر) للأستاذ المفكر محمد قطب.
(تذكرة الدعاة) لـ أبي الأعلى المودودي.(مبادئ الإسلام) لـ أبي الأعلى المودودي.
(حصوننا مهددة من الداخل) لـ محمد محمد حسين.
(الغارة على العالم الإسلامي) لمجموعة من الكتبة، وقد ترجمه مجموعة من العرب وهو موجود في الأسواق.
(دمروا الإسلام أبيدوا أهله) كتيب لـ جلال العالم لا بد أن تقرءوه.
(جند الله ثقافة وأخلاقاً) لـسعيد حوى.
(معالم في الطريق) لـسيد قطب رحمه الله.
(الإيمان والحياة) للدكتور يوسف القرضاوي، وفي هذه المرحلة أنصحكم بكتاب (عودة الحجاب) لـ محمد إسماعيل وهو من أحسن ما كتب.
وهناك (الحجاب) لـ مصطفى العدوي.
(معالم الانطلاقة الكبرى عند أهل السنة والجماعة).
فهذه تكفي إن شاء الله مع كتب السلف وبالخصوص كتب ابن تيمية وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر