وفي هذه المادة الحديث عن هذه المسائل والأحكام.
والحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، والصلاة والسلام على رسول الإسلام, مكسر الأصنام, علم الأعلام، خير من صلى وصام، وحج البيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, ما غرد على الأيك الحمام، وما تدفق بالودق الغمام، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
أيها المسلمون! فيا لسعادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثهم عن الجنة ونعيمها وراحتها، لأن من أخذ هذه الدنيا داراً ومستقراً فقد أصابه الله بالحرمان، وكتب عليه الخذلان.
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت نفسك فيما فيه خسران |
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان |
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران |
خرج عليهم صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث لهم عن نعيم الجنة, ثم قال: (دخلت الجنة البارحة فسمعت دفّ نعليك يا
أعظم قضايا الإسلام هي: لا إله إلا الله، وأيسرها إن كان فيه يسير: إماطة الأذى عن الطريق، لكن من قصد بكل قضية وجه الله أدخله الله الجنة، والعجيب أن لهذه الجنة أبواباً ثمانية.
يقول عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه: {روحت إبلي عند المساء -وهذه رواية
يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بـبقيع الغرقد -بالمقبرة- فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ثم التفت إلى الصحابة صلى الله عليه وسلم فقال: وددنا أننا رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا نحن إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم أصحابي، ولكن إخواني قوم يقتدون بسنتي وما رأوني، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرفهم بين الأمم يوم القيامة -يقصدون بين الملايين، بين أمم يحشرهم الله كالتراب في عدد الذر, أمة إبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى، والألوف من الرسل عليهم الصلاة والسلام- قالوا: كيف تعرف أمتك يا رسول الله! بين الأمم يوم القيامة؟ قال: أرأيتم لو كان لرجل خيل غر محجلة -أي: فيها بياض في وجوهها وأرجلها ويديها- بين خيل دهم ألا يعرف خيله؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: فإن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء} فيعرفك صلى الله عليه وسلم وما قد رآك، لكن يعرف أنك من أمته، وأنك من أهل حزبه وملته، وأنك من الذين يَردون حوضه ويشربون من كوثره بعلامة الوضوء، وجهك يبرق كالقمر، وتبرق يداك ورجلاك كأسارير النور لأنك توضأت في الحياة الدنيا.
فقل لـبلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا |
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا |
فيا لعظمة المسلم يوم يقوم من فراشه مع صلاة الفجر، وأهل النفاق والفجور والإعراض عن الله والغفلة في فرشهم متغمصون بنفاقهم وفجورهم! فيقوم إلى الماء البارد فيتوضأ ثم يرفع سبابته ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى. يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط} رواه مسلم، ومعنى إسباغ الوضوء على المكاره أن تسبغ وضوءك في شدة البرد، يوم ألا يمس المنافقون الماء البارد, ويتأذون به, فتقوم فتشرشر بالماء البارد على أعضائك الدافئة طلباً للفضل والأجر من الله، فيحت الله عنك الخطايا كما تحات الشجرة ورقها في شدة البرد, أو في الرياح الهائجة.
وقال أبو هريرة: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق -واستمعوا لطلاوة الحديث وحسنه- قال عليه الصلاة والسلام: {إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت خطاياه من عينيه حتى تخرج مع آخر قطر الماء} وفي رواية عند مسلم {..خرجت خطاياه التي نظر بها -أي: نظر بعينيه في خطأ أو في حرام خرجت من الوضوء مع آخر قطر الماء- فإذا تمضمض خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، ثم إذا أتى المسجد ما مشى خطوة إلا رفع له بها درجة, وحط عنه بها خطيئة, فإذا جلس ينتظر الصلاة جلست الملائكة تدعو له وتقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث}.
فهل يطلب المسلم أجراً بعد هذا، أو يريد نشاطاً بعد هذا الترغيب لينشطه على عبادة الله.
فيا من أراد أبواب الجنة! دونك أبوابها ثمانية فتحت لك، فتوضأ وادخل على الله من أقرب الأبواب وأيسرها، وتعال إلى المسجد طاهراً مطهراً من الذنوب والخطايا, فما أعظمك أيها المسلم! وهنيئاً مريئاً لك يوم تتوضأ كل يوم خمس مرات، وهنيئاً لك يوم تتطهر بالماء البارد فتخرج خطاياك من أعضائك، هنيئاً لك يوم تطلب رضوان الله، وجنته.
فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها |
قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيشٌ نابت فيها |
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
أمَّا بَعْد:
فإن من السعادة التي نحمد الله عليها سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أن رزقنا الإسلام، فنسأله كما رزقنا وإياكم الإسلام أن يسترنا، وألا يفضحنا، وأن يصلح بواطننا وظواهرنا، وإن من النعيم كل النعيم أن تتلذذ بطاعة الله.. وبذكره.. بالوضوء لأداء فرائضه.. بتلاوة كلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.. بالصيام له.. بمناجاته في غلس الليل.. بالصدقة.. بطلب مرضاته.. بحسن الخلق لرفع الدرجات عنده.. ولقد كان العلم عند السلف الصالح سهلاً يسيراً، عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كان علمهم مسهلاً لم يعرفوا هذا التنظير العلمي الذي شغل أوقاتنا، وهذا الجدل العقيم الذي ضيع ساعاتنا، علمهم سهل يعلمون المسألة فيعملون بها؛ فيرزقهم الله علماً إلى علمهم؛ ولذلك أثر عنه صلى الله عليه وسلم وقد حسن هذا الحديث: (أن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم).
ويقول أخوه وزميله وقرينه سيف الله المنتضى أبو الحسن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه: {كان الصحابي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا حدثني بالحديث عنه صلى الله عليه وسلم استحلفته فإذا حلف صدقته فنفعني الله بذاك الحديث ما شاء، وحدثني
وهذا الحديث صحيح فاستبشروا به، فإذا ألمَّ أحد منكم بخطأ أو فاحشة, أو بظلم كبير فليذهب إلى الماء البارد وليتوضأ به وليطفئ نار الذنب, والخطيئة, وغضب الله, وليصل ركعتين ثم ليستغفر الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] ومن يغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويتجاوز عن السيئات إلا الله، ومن يغفر للعبد ويرحمه، ويمجده، ويهديه إلا الله، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر53] فاستبشروا بسنة الوضوء واستصحبوا السواك، وإذا توضأتم فارفعوا سباباتكم إلى الله، وأصابعكم إلى الحي القيوم, وأعلنوا الوحدانية قوية رائعة، وأعلنوها حية طلقة، قولوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله, يفتح الله لكم أبواب الجنة الثمانية, وتسلم عليكم الملائكة, ويدعو لكم المقربون, ويشهد لكم الأنبياء والرسل.
فسلام على كل من توضأ, وأتى إلى بيت من بيوت الله منيباً، وسلام على من تطهر لله ظاهراً وباطناً.
اللهم اجعلنا من التوابين والمتطهرين، اللهم كما طهرت أعضاءنا بالماء البارد فطهر قلوبنا من النفاق، والكفر، والغش، والكبر، والحقد, والرياء والحسد, والغل, يا رب العالمين.
اللهم كما سترت ظواهرنا من العيوب، والجروح، والأمراض فاستر بواطننا.
اللهم كما أغفيت عنا لباس الستر في الدنيا, فلا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم نأتيك حفاة عراة غرلاً بهماً تسمعنا بالداعي وينفذنا بالبصر.
عباد الله! وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه, فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد, واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين!
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه يا رب العالمين، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم تب عليهم وكفّر عنهم سيئاتهم وخطاياهم.
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين، وفي كل أرض من بلادك يا رب العالمين، اللهم ثبت أقدام المجاهدين، اللهم أنزل السكينة عليهم، اللهم اجعل لهم مدداً من توفيقك ونصرك، اللهم اجعل كلمتك مرفوعة على بنادقهم، اللهم سدد سهامهم في نحور أعدائهم، اللهم من أراد بالإسلام مكيدة فالعنه كل لعنة، واشغله بنفسه، ودمره تدميراً، ومزقه كل ممزق إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر