وفي هذا الدرس بيان لهذه الأحكام لمن لم يطلع على كتب الفقه أو عسر عليه فهمها.
أيها الفضلاء الأخيار! عنوان هذه المحاضرة (أحكام الموت وما بعده) ورقمها (305) وأسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان الحسنات.
أيها الكرام! الموت مخلوق من مخلوقات الله عزوجل، قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:1-2] ولكن إلى الآن ما اكتشف ما هو الموت، وصل العالم المادي إلى الذروة لكن ما اكتشف حقيقة الموت، لا يدرون ما هو، ولا كيف يموت الإنسان، ومتى يموت، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى اختص بعلمه.
وقد توعد الله أعداءه بالموت فقال سبحانه: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8].
يقول الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لبٍّ فرحاً]] والمعنى: أن كل من انبسط وارتاح وسر بما عنده من مال وولد، وما عنده من منصبٍ ووظيفة، إذا ذكر الموت تكدر، إلا الحمقى والبلداء، فالله عزوجل جعل هذا الموت منغصاً.
دخل أحد الفضلاء على خليفة من الخلفاء العباسيين فقال له الخليفة: "أما ترى القصر؟ قال: رأيته. قال: أما تراني؟ قال: رأيتك. قال: أرأيت جيشي؟ قال: رأيته. قال: ماذا تقول؟ قال:
أنت نعم الخليل لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للإنسانِ |
والله عزوجل لام الذين غُرُّوا، ولهوا بمتاعهم ولعبهم، فقال: وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:45-46].
يقول عدي بن زيد؛ وهو شاعر جاهلي، خرج مع النعمان بن المنذر قبل الإسلام، وكان عدي بن زيد رجلاً عاقلاً، أقسم ألا يشرب الخمر أبداً وهو في الجاهلية، فلما جلس مع السلطان الملك النعمان، أخذ السلطان يشرب الخمر، فقال له عدي بن زيد: "أبيت اللعنة -هذه كلمة تقال للملوك، ومعناها: أستأذنك في الكلام لا تغضب عليَّ- قال: قل، قال: أتدري ماذا تقول هذا الشجرة؟ وهي لا تتكلم، لكن أراد هذا الشاعر أن يدخل بموعظة إلى السلطان قال: لا أدري ماذا تقول. قال: تقول الشجرة:
رب ركبٍ قد أناخوا حولنا يخلطون الخمر بالعذب الزلال |
قد مضوا حيناً وساروا زمناً ثم صاروا جثثاً تحت الرمال |
يقول: ألا تعتبر بأجدادك وقد أصبحوا جثثاً وأنت تشرب الخمر!! ألا تتفكر وتتأمل!!.
ويا أيها الإخوة: موضوع الموت، وما بعد الموت، والاستعداد للموت هو حديث الساعة؛ لأن كثيراً من الناس بعد الأحداث أصبح في هلعٍ ورعبٍ من الموت، ولا يخاف من الموت إلا اليهود، قال الله عنهم: يَوَدُّ أحد هُمْ لَوْ يُعمر أَلْفَ سَنَةٍ [البقرة:96] لأنهم ليس لهم آخرة ولا جنة عند الله، أما المسلم فالآخرة خيرٌ له من الدنيا، وأبقى وأحسن، يوم يكون مؤمناً بالله.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وقد أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام بالموت وأنه كتبه على جميع الكائنات: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] وقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144] والخلد في الدنيا من المستحيلات ولا يخلد من البشر أحد، وهو قول واحد بإجماع العقلاء من الناس قاطبة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] ولكن ما هو أعظم زادٍ نتقدم به إلى الله؟ إنه الإيمان.
والبشرية الآن تبحث عن الإيمان، والإلحاد أصبح لا حقيقة له، أصبح كذباً ولعنةً، لا قرار له، حتى رؤساء الإلحاد والشيوعية في العالم تبرءوا من الإلحاد والشيوعية في العالم.
فهذا جرباتشوف -رئيس الشيوعيين في العالم، رئيس الاتحاد السوفيتي - يقول: في البروستريكا: "إن الإلحاد خرافة " ولذلك اعتنق النصرانية، وأثبت بعد الصفحة الخمسين من البروستريكا، يعني: إعادة البناء أنه مسيحي؛ لأنه وجد أن كفر الإنسان بالله كذب ولو وفق بداعية مسلم، وبإمام يقوده إلى الله، لكان مسلماً، ولكن الحكمة لله.
والشاهد أيها الإخوة: أريد أن أصل إلى الموضوع الذي أريد أن أتحدث عنه، وهو أحكام فصلها أهل السنة والجماعة في كتبهم، أريد أن نتدارسها اليوم؛ لأن الوعظ كثُر، ونحن بحاجة إلى فقه الأحكام، وما يقربنا من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور |
هل رأيت المنايا خلفن أمناً من ذا لا يُضام عليه مجيرُ |
أين كسرى، كسرى الملوك أنوشروان أم أين قبله سابور؟ |
معنى الأبيات؛ يقول: يا من يشمتنا بالموت، ويعيرنا بالفناء، أأنت تبقى؛ ولذلك تجد بعض الحمقى يعيرون بعض الناس، ويشمتون إذا ماتوا، وليس في الموت شماتة، لأنه يموت الشريف والدنيء، ويموت الكريم والبخيل، ويموت المؤمن والكافر، لكن الشماتة فيمن أعرض عن منهج الله، وصدف عن آيات الله.
والجواب: روى الترمذي والنسائي وابن حبان عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أكثروا ذكر هاذم اللذات فما ذكر في قليل إلا كثره} والحديث من رواية أبي هريرة.
وهاذم اللذات بالذال: هو الموت، وهو الذي يهدم اللذة على العبد، ويعكرها، ويقطعها؛ واللذة: كل ما تلذذ به من مال، أو حسب، أو نسب، أو جاه، أو منصب؛ أرأيت إنساناً أحمق في منصب، أو مال يذكر الموت ثم لا يتنغص!!
فقوله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} أي: الموت.
زاد بعض الناس: {أكثروا ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، وآخذ البنين والبنات} والجملتان الأُخريان ليستا من كلامه عليه الصلاة والسلام.
وأما قوله: {فما ذكر في قليل إلا كثره} يعني أن من يتذكر الموت دائماً يصبح القليل عنده كثيراً، القليل من المال، والمنصب أو الجاه يكفي، ما دام أنها عبور، ويقول الأول:
طول الحياة إذا مضى كقصيرها واليسر للإنسان كالإعسار |
فسيان كثرة المال وقلته؛ بل القلة قد تكون أنفع.
قال: "وما ذكر في كثير إلا قلله " أي: أن، أهل الأموال الكثيرة تقل في عيونهم أموالهم يوم يذكرون الموت.
دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد، وكان هارون الرشيد في قصره، والشعراء يهنئونه بقصر افتتحه، فقال لـأبي العتاهية: "كيف رأيت القصر؟ قال: اسمع مني أبياتاً، قال: ما هي؟ قال:
< عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور |
قال: هيه، يعني: زد. قال:
يسعى عليك بما اشتهيت مع الرواح أو البكور |
قال: زد. قال:
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور |
فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور |
هذا غرور أهل الدنيا، وهو غرور يشبه غرور البهائم، يوم يصدفون عن ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
والجواب: منع عليه الصلاة والسلام المسلم من أن يتمنى الموت، هذا من حيث الأصل، وهو أصل متفق عليه. ففي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من حديث أنس: {لا يتمنيَّن أحدكم الموت لضرٍ نزل به، إن كان محسناً فلعله أن يزداد إحساناً، وإن كان مسيئاً فلعله أن يتوب} فالأصل أن لا تتمنى الموت، واعلم أن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً عند الله. لحديث جابر عند مسلم {المسلم لا يزيده عمره إلا خيراً} وعند أحمد في المسند من حديث طلحة: {أن رجلين أسلما عند الرسول عليه الصلاة والسلام -دخلا الإسلام سواء، في يوم واحد، وفي ساعة واحدة، مسلم وأخوه أسلما عند الرسول عليه الصلاة والسلام- فقتل الأول شهيداً في سبيل الله، ومكث الآخر بعده أربعين يوماً ثم مات -هذه رواية
تنبيه: ذكر أهل السنة كـالطحاوي وابن كثير والذهبي: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما حج آخر حجة حجها، رفع يديه عند الجمرات، وقال: [[اللهم إنها كثرت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون. اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وفي بلد رسولك]].
والسؤال: لماذا يتمنى عمر الموت، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يتمناه؟
والجواب: عند أهل السنة بجوابين:
الجواب الأول: لم يتمن عمر الموت، ولم يحدد وقته، وإنما تمنى الشهادة في سبيل الله؛ وتمني الشهادة مطلوب، وهي من أفضل الأعمال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} رواه مسلم.
بينما تجد الرياء والسمعة إذا دخل في العمل لا ينفع، حتى لو قتل الإنسان في الجبهة، وهو مراء فلا ينفع، بينما إذا صدق ومات على فراشه فهو شهيد وعند أحمد في المسند بسند حسن: {ربَّ قتيلٍ بين الصفين الله أعلم به، -وفي لفظ- الله أعلم بنيته} فقد يكون مرائياً، وصح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، منهم: المجاهد الشهيد -فيما يظهر للناس- الذي قتل في المعركة، وقاتل رياءً وسمعةً ليقال: جريء، وقد قيل، فيقال: خذوه إلى النار}.
والجواب الثاني: أن المرء إذا تحقق أنه وقع في فتنة، وأن الناس قد فتنوا فله أن يطلب من الله أن يتوفاه، وقد دل على ذلك نصوص كإخباره عليه الصلاة والسلام، أن المؤمن في آخر الزمن من كثرة الفتن يمر على القبر فيقول: {يا ليتني مكان صاحب هذا القبر من كثرة الفتن} من قلة من يقول: لا إله إلا الله، ومن قلة من يعترف بأوامر الله، أو يكف عن محارمه.
الجواب: صح عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن حبان والثلاثة؛ أبي داود والنسائي والترمذي أنه قال عليه الصلاة والسلام: {المؤمن يموت بعرق الجبين} فما معنى الحديث؟
قيل: أنه إذا حضرته سكرات الموت أصابه عرق، وأتاه رشح، وهذا معنىً موجه، وهو صحيح.
وقيل: أنه يموت كداً وكدحاً في العمل الصالح؛ وهي كناية عن اجتهاده في العمل الصالح، وعن بذله، وعن تقواه لله عزوجل حتى يلقاه الله عزوجل وقد بلغ من نفسه مبلغاً من العبادة، والمجاهدة وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] على ذكر هذه الآية، فإن ابن أبي الحديد وهو معتزلي؛ شاعر عملاق، من أكبر شعراء المعتزلة، ذكره ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل، يقول في هذه الآية، لما أتته سكرات الموت قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] ثم قال أبياتاً، يخاطب الله، يقول:
وحقك لو أدخلتني النار قلت للـ ـذين بها قد كنت ممن أحبه |
وأفنيت جسمي في علوم كثيرة وما منيتي إلا رضاه وقربه |
أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيكرم مثواه ويعذب شربه |
وهي أبيات لطيفة، أعجبت ابن تيمية شيخ الإسلام، لكن من الذي يجاهد في الله؟ هو الذي يصدق مع الله عزوجل، ويفعل المأمور، ويجتنب المحذور، ويتبع الكتاب والسنة باختصار.
هذا معنى (المؤمن يموت بعرق الجبين).
وبعض العلماء يقولون: "من علامة المؤمن أنه قد يتبسم في سكرات الموت، ويعرق جبينه، وتأتيه مبشرات" وقد حدث هذا لـابن المبارك، فيما نقلوا عنه أنه تبسم، وقال: "لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]" وقد ترى له رؤيا حسنة في الحياة الدنيا؛ والرؤيا من المبشرات يراها المؤمن، أو تُرى له كما قال عليه الصلاة والسلام.
الجواب: يلزمه تلقينه (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فكلمة التوحيد، لا إله إلا الله ندخل بها في الدين، ونختم بها حياتنا، وقامت من أجلها السماوات والأرض، ونزلت من أجلها الكتب، وأرسلت من أجلها الرسل، وأقيمت من أجلها النار والجنة، ونصب الصراط، ونزلت الصحف، ونصب الميزان، لا إله إلا الله وثيقة أتت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام من لدن نوح إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وجرت من أجلها بدر وأحد وحطين والقادسية وعين جالوت ومعارك الإسلام، وهي فيصل بين أهل التوحيد وأهل الكفر وهي الميثاق الذي أخذه الله عز وجل بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173] فعليك إذا حضرت محتضراً أن تلقنه لا إله إلا الله.
إما شهيداً في المعركة، أو مريضاً، أو مصاباً بحادث، ورأيت أنه في الرمق الأخير، فالله الله أن تجري هذه اللفظة على لسانه، فإنها أعظم اللفظات، وأحسن الكلمات، وهي أكبر الحسنات.
قال أبو ذر للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: أعظم الحسنات} هل بعد لا إله إلا الله حسنة؟ هي أعظم الحسنات.
يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم وعند الأربعة: {لقنوا موتاكم لا إله إلا الله} من حديث أبي سعيد وأبي هريرة؛ ومعنى: لقنوه أي: قولوا له لا إله إلا الله، فإذا قالها فلا تعدها ولا تكررها عليه حتى يتكلم بكلام غير لا إله إلا الله؛ لأن هذا من الأدب.
ويذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ قصة عن أبي زرعة الحافظ الكبير، وأبو زرعة هذا عملاق، مجرح ومعدل يقولون: كتب بيده ألف ألف حديث -مليون- حضرته الوفاة فأراد تلاميذه أن يلقنوه لا إله إلا الله لكن استحيوا منه، فهو عالم الدنيا، ومحدث المعمورة، فاستحوا أن يقولوا قل: لا إله إلا الله -ولا حياء في هذا- فأرادوا أن يذكروه بسند الحديث، وأغمي عليه، فأرادوا فقط أن يقولوا: حدثنا فلان لأنه يعرف بضاعته، فإذا قالوا حدثنا فلان قال: حدثنا فلان تذكر بـالسند المتن فقال: لا إله إلا الله، فتلعثموا لا يدرون من السند أهو شعبة أو الأعمش سليمان بن مهران، فاستفاق وسمعهم يتضاربون بالكلام بينهم في الحديث فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقنوا موتاكم لا إله إلا الله} وحدثنا فلان عن فلان عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} لا إله إلا الله محمداً رسول الله ثم مات.
وهذه من علامات حسن الختام والثبات قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].
وهذا هو التلقين الذي على المسلم أن يلقن العبد به.
وأهل السنة يقولون: يدخل العبد في الإسلام بلا إله إلا الله.
ليس كما قال أهل الفلسفة وأهل المنطق بالنظر والاستدلال، بل قالوا: بلا إله إلا الله، وهي التي طلبها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. فقال في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، -وفي رواية- أو أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله} الحديث.
الجواب: تعلمون أن بعض المذاهب يرون أن على المسلم إذا حضر المحتضر، أن يقرأ على الميت سورة (يس) ويقولون: إنها تخفف من النزع ومن السكرات.
والصحيح عند أهل السنة من المحدثين أنه لا يثبت في ذلك حديث، وليس من السنة أن يقرأ على الميت سورة يس. وما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث معقل بن يسار عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {اقرءوا على موتاكم يس} لا يصح، قال الدارقطني: "حديث مضطرب لا يثبت، وفي سنده أبو عثمان، وليس بـالنهدي لا نعرفه ولا أباه " واختلف سنده على كثير من الحفاظ فردوه، والسنن العقدية لا تثبت بمثل هذا الحديث الضعيف الذي ضعفه العلماء ولم يثبتوه، والمسلم يقف عند المأثور ولا يبتدع في دين الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ومن نظر في سند ذلك الحديث وجد أنه لا يصح أبداً {ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} ورحم الله امرءاً وقف مع الأثر ومع الكتاب والسنة.
إذاً، لا يقرأ على المحتضَر سورة يس.
الجواب: نعم. ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- {أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما توفي سجي ببردة حبرة من برود اليمن}.
وهذا من السنة لكي يكون الميت مستوراً، حتى تجهيزه في الغسل والتكفين والدفن والصلاة عليه؛ فالمقصد من هذا أن يستر الميت، سترنا الله وإياكم، وهي سنته عليه الصلاة والسلام.
الجواب: جاء عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي بسند حسن أنه قال: {نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه} فعلى العبد أن يجتهد في أن يقضي دينه، لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، والحق الذي بينك وبين الله مبنيٌ على المسامحة، فعليك أن تجتهد في أن تقضي دينك، وأن ترد حقوق الناس قبل أن تلقى الله عزوجل.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يغفر للشهيد كل ذنبه إلا الدين} أي: شهيد المعركة إذا قتل في سبيل الله غفر الله ذنبه إلا الدين، قال: {أخبرني بذلك جبريل} لأنه لا مبرر أن تترك حقوق الناس ومظالمهم، ثم يموت العبد ويتركها ضائعة، ليس هذا بوارد. لكن على العبد أن يترك وصيته، فإذا لقي الله عزوجل كان عند ورثته خبر ونبأ ووصية مكتوبة بهذا، لما صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ما حق امرئ مسلم يبيت ثلاث ليالٍ إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه} من حديث ابن عمر، فكان ابن عمر يكتب وصيته، ويضعها عند رأسه رضي الله عنه وأرضاه.
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ |
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب |
ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب |
ورد عنه عليه الصلاة والسلام في الرجل الذي وقصته ناقته، وهو محرم في عرفات، قال: {اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه -وفي لفظ: وجهه-} وابن القيم متردد في إثبات لفظة وجهه.
هذا حاج من المسلمين، وقف مع الرسول عليه الصلاة والسلام في عرفة، فسقط من على ناقته فوقصته برجلها فمات، وهو محرم، فأتي به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبروه الخبر قال: {اغسلوه بماء وسدر} لأن الماء والسدر أنقى {وكفنوه في ثوبيه} أي: ثوبي الإحرام {فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً} وقد أتى في ذلك خبر، أنه: يخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، ولذلك لم يغط رأسه ولا وجهه لأنه محرم، والمحرم لا يغطي رأسه على الصحيح، وفي تغطية وجه المحرم خلاف، والصحيح أنه لا يغطيه.
فالمقصود أنه لا بأس بأن يمزج الماء الذي يغسل به الميت بسدر، أو كافور، كما في حديث زينب، أو صابون؛ لأن المقصود الإنقاء.
وهذا الشيء الطاهر الذي يضاف إلى الماء لا ينجسه، بل يزيده -إن شاء الله- طهارة، وسوف يأتي معنا تفصيل في ذلك إن شاء الله.
الجواب: روى أحمد وأبو داود عن عائشة {أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أتى
وقد كان وهو طفل في السنة الثانية من عمره صلى الله عليه وسلم كما قال أهل السير: إذا تعرى بكى حتى يلبس ثوباً، ويوم أخذته حليمة السعدية كانت تقول: [[كان إذا عري يبكي، ويحاول أن يضم نفسه حتى يستتر عليه الصلاة والسلام]] فالله الذي حفظه.
فهذه صفة غسله عليه الصلاة والسلام، أنه غسل من على ثيابه ودلك صلى الله عليه وسلم، فهو الطيب المطيب حياً وميتاً، ولذلك لما أتاه أبو بكر قال: [[فداك أبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً]].
نعم. فقد أتى أبو بكر والرسول عليه الصلاة والسلام مسجى قد مات، فكشف الغطاء عن وجهه وبكى وقبله وقال: [[ فداك أبي وأمي ما أطيبك حياً! وما أطيبك ميتاً! أما الميتة التي كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن لا تموت بعدها أبداً]] وهذا وارد.
السؤال الحادي عشر: صفة غسل الميت، وحديث غسل زينب.
روت أم عطية في الصحيحين أن زينب بنت الرسول عليه الصلاة والسلام توفيت- وقد توفيت بناته عليه الصلاة والسلام في حياته إلا فاطمة، وهذا من الستر لهن- فلما توفيت زينب، أتى الرسول عليه الصلاة والسلام فوقف على النساء في الباب، وقال لـأم عطية: {اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك -وفي لفظ: تسعاً (وبعض الحفاظ لا يثبتها)- واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما انتهين من غسلها أُخبر رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فأعطاهن حقوه -والحقو: إزاره الذي يلي جسده صلى الله عليه وسلم- وقال: أشعرنها} هذا من الرحمة، واللطف ببنته صلى الله عليه وسلم، إزاره الذي يلي جسمه، أمر أن يجعل شعاراً لها مما يلي جسمها، لأنها حبيبته وقرة عينه صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث قضايا:
منها: أن المرأة تغسل المرأة ولو كانت أجنبية.
ومنها: أن السنة في الغسل أن يكون ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً على الوتر.
ومنها: أنه لا بأس أن يخلط شيئاً من كافور، أو من أطياب؛ حتى تكون رائحة الميت طيبة.
ومنها: التبرك بآثار الصالحين؛ وهذا له خاصة عليه الصلاة والسلام ليس لأحد غيره، فيما نعلم، وهو أصل عند أهل السنة، ولو أن البعض تجوز لكن آثارة صلى الله عليه وسلم فقط، ثيابه، وشعره، وأظفاره؛ هي التي فيها البركة صلى الله عليه وسلم، وليست لغيره.
الجواب: ورد في الصحيحين من حديث عائشة: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية -نسبة إلى سحول قرية في اليمن - من كرسف) يعني: من قطن- كفن فيها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فثلاث قطع بيض تلف على الميت، هذه صفة الكفن.
ومن كفن في قميصه فوارد عند أهل السنة، وجائز أن يكفن في ثوبه إذا كان نظيفاً جميلاً طيباً، والسنة أن يكون أبيض كما سيأتي معنا.
والشاهد في هذا التكفين بالقميص.
ويقولون ابن المبارك رضي الله عنه وأرضاه المحدث الزاهد العابد كان له ثوب يصلي فيه دائماً، وكان يصلي فيه صلاة الليل، فلما حضرته الوفاة قال: كفنوني في ثوبي هذا؛ فإني قد صليت فيه لله كثيراً، وكنت أقوم فيه الليل.
وابن القيم له كلام في مدارج السالكين، يقول: " إن آثار الصالحين لها أثر على الصالحين؛ كثياب الصالحين، وعمائم الصالحين، وأحذية الصالحين، قال: حتى ترى وسام الصلاح عليها. وكذلك الفسقة؛ تعرف ثيابهم، وتعرف عمائمهم مما عليها من الفجور والفسق، وهذا أمر يعلمه أهل التقوى، وأهل الفراسة الإيمانية ".
الجواب: روى ابن عباس عند الخمسة إلا النسائي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم}.
والبياض لون جميل، وهو من أحسن ما يلبسه العبد المؤمن، والبياض مذكورٌ في كثير من الأحاديث، يقول عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس}.
وقال عمر رضي الله عنه كما ذكر مالك في الموطأ، في آخر الباب: [[يعجبني أن يكون ثوب القارئ أبيض]] فقوله صلى الله عليه وسلم: {البسوا البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم} دليل على أن السنة في الكفن أن يكون أبيض، تفاؤلاً أن يبيض الله وجه هذا الميت، وأن يكون هذا الثوب منقى من الأوضار والأوساخ والأدران. والله المستعان، وقد قيل:
خذ القناعة من دنياك وارضَ بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن |
فانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير اللحد والكفن |
أو كما قيل.
ولذلك لم يذهب أحد من الناس من القرون الأولى والأخيرة إلا بالطين والكفن، وهذه عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين؛ أنه لا يذهب الإنسان من هذه الدنيا إلا بالطين والكفن أبداً قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94].
يقولون: لما حضرت أبا بكر -رضي الله عنه وأرضاه- الوفاة أتوا بثيابٍ جديدة، فقال: [[ما هذه الثياب؟ -وهو في سكرات الموت- قالوا: نكفنك فيها. قال: لا. الحي أولى بالجديد من الميت، وأنا ميت فإذا مت فاغسلوا ثوبي هذا -ثوب قديم كان يصلي فيه ويجاهد ويتصدق ويقرأ القرآن ويسبح؛ أبو بكر الإسلام، وأبو بكر الدين، وأبو بكر الإيمان، وأبو بكر المجاهد صاحب المواقف الخالدة- قال: إذا مت فاغسلوا ثوبي هذا، وكفنوني فيه وقال: اذهبوا بثوبي الآخر إلى عمر، وبالبغلة، وبهذا الجمل، وقولوا: يا عمر اتق الله، ليصرعنك الله مصرعاً كمصرعي. فلما ذهبوا بهذا إلى عمر، بكى حتى جلس وقال: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]] لأنه أوصاه وقال: هذا الميراث، وهذا بقية الميزانية، فهل أكلت أموال الأمة؟، وكان أبو بكر الصديق يحكم الشام والعراق والجزيرة واليمن، يحكم ما يقارب ست دول الآن، فلما حضرته الوفاة ترك في بيت المال بغلةً له وجملاً وثوباً وقال: ردوه إلى بيت المال، إلى عمر الخليفة الذي بعدي، وقولوا: يا عمر انتبه، ما تركت أنا إلا هذه، فلا تلعب بالأموال، ولا تبدد الثروات، ولا تحاول أن تلغي العدل في مملكتك فيأخذك الله، فبكى عمر وقال: [[أتعبت الخلفاء بعدك]].
واستطراداً أنا أذكر قصة ذكرها ابن القيم، يقول: كان أبو بكر يخرج بعد صلاة الفجر كل يوم -كان إذا صلى الفجر في المسجد يخرج إلى البادية، إلى ضاحية من ضواحي المدينة قريبة- فيجلس في خيمة هناك حتى طلوع الشمس ثم يعود فافتقد عمر أبا بكر -رضي الله عنهم جميعاً- وسأل أين يذهب هذا الخليفة؟ -خليفة المؤمنين، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فذهب وراءه، فلما خرج أبو بكر من الخيمة اختفى عمر ودخل بعده فوجد عجوزاً عمياء جالسة معها أطفال. قال: يا أمة الله من أنت؟ قالت: عجوزٌ عمياء. قال: أين أبوكم؟ قالت: مات منذ زمن، وأنا وأطفالي ليس لنا عائلٌُ إلا الله، ثم الشيخ الذي يدخل علينا هذا. قال: أعرفتيه؟ قالت: ما عرفته -وهو أبو بكر، لأن أبا بكر ما قال: أنا أبو بكر، ولم يعلم بنفسه، ولم يخبر باسمه- قال عمر: فماذا يفعل إذا دخل عليكم؟ قالت: يقُّمُّ بيتنا -يكنس البيت أولاً- ويحلب شياهنا، ويغسل ثيابنا، ويصنع لنا طعامنا. فجلس عمر وكان واقفاً وبكى وقال: أتعبت الخلفاء بعدك]].
فهذه سيرة حميدة، وهذا سجل التاريخ، وهكذا تساس الأمة، ويقاد الأجيال، ويعلم وينشر الدين بهذه الأخلاق النيرة، حتى الغرب، وحتى أعداء الله عزوجل يعترفون بهذه السيرة.
وقد قرأت أن أحدهم يسمى كرس مرسن أمريكي يقول: "أعطوني إسلاماً كالإسلام الذي يعيشه عمر وأدخل في الدين".
ولذلك جعل مايكل هارف وهو أمريكي؛ صاحب العظماء المائة، عمر رقمه (56) وقال: إنه عظيم، وإنه أثبت عظمته بسيرته التي طوقت الدنيا.
هل تدرون من الأول عند مايكل هارف؟ هو الرسول عليه الصلاة والسلام، جعله الأول في الكتاب وقال: " إني أعلم أن الشعب الأمريكي سوف يغضب يوم جعلت محمداً الأول "، قلنا: أرغم الله أنفك وأنف الأمريكان، وهل كان عليه الصلاة والسلام إلا عظيماً، سواء رضيت أم أبيت، وهذا هو المقصود.
الجواب: نعم. روى مسلم عن جابر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا ولي أحد كم أخاه فليحسن كفنه} أي: إذا توليت أنت كفن المؤمن، قريباً، أو حبيباً، أو صديقاً فأحسن كفنه وحسناً لا يدخل في المغالاة؛ لأن المغالاة قد ورد فيها النهي، ومهما غاليت فلا ينفع الميت إلا عمله، وتسبيحه، وذكره، وصلواته، ووالله لو نسجت له كفناً من ذهب، وألبسته تاجاً في القبر، وحكت له بردة من ديباج، وصنعت له كساءً من فضة؛ فإنه لا ينفعه إلا أن يكون من أولياء الله؛ وإذا كان من أولياء الله فلو كان بغير كفن، فـحمزة ما وجدوا له كفناً، وجدوا له أذخراً وحشيشاً غطوه به، وكان سيد الشهداء عند الله.
وكذلك مصعب -رضي الله عنه وأرضاه- لكن الحسن معناه أن تختار ثياباً جميلة نسبياً بيضاء طيبة نقية؛ هذا هو الإحسان.
أما المغالاة في الكفن، فقد نهى عنه عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح فقال: {لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً} أي يصبح هباءً منثوراً، تأكله الدود في ثلاثة أيام.
وقد كان عمر بن عبد العزيز؛ الخليفة، الزاهد، الراشد، الذي جدد أمر الأمة في المائة سنة، وتولى الخلافة وعمره تسعاً وثلاثين سنة، وقاد الأمة بالزهد، ما كان عنده إلا ثوب واحد، وهو خليفة يملك اثنين وعشرين دولة، إلى حدود أسبانيا وسيحون وجيحون والسند والهند يملكها كلها، ومع ذلك ليس عنده إلا ثوب يغسله يوم الجمعة، ويبقى في ثيابه الداخلية حتى يجف ثوبه، ثم يصلي فيه، يقول له الناس: [[ألا تتزين، وتتجمل؟ قال: كيف لو رأيتموني بعد ثلاث ليالٍ في القبر، إذا تولى عني الأحباب والأصحاب ووسدت التراب]].
فقوله صلى الله عليه وسلم: {لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً}؛ معنى ذلك: لا تأتوا به غالياً فإنه ثلاثة أيام فينتهي، ولا يبقى إلا العمل الصالح:
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ؟! |
ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ |
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسرانُ |
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ |
الجواب: الأصل أن يدفن كل ميت وحده، لكن إذا اضطر إلى ذلك من كثرة القتلى، أو كثرة الأموات، فيجوز أن يدفن اثنان أو أكثر في قبر واحد، لما روى جابر في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {أنه جمع قتلى أحد الاثنين والثلاثة في قبر وقال: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقدمه} ليكون إماماً لهم وقريباً لهم، وشفيعاً لهم.
وكان صاحب القرآن عند الرسول عليه الصلاة والسلام سيداً من السادات.
يقول أنس: [[كان الرجل إذا حفظ سورة البقرة وآل عمران جدَّ فينا]] يعني: نبل وفضل وأصبح سيداً.
وعندما أتى كوكبة من الصحابة يريدون الغزو قال عليه الصلاة والسلام: {أفيكم أحد يحفظ سورة البقرة؟. قال أحدهم: أنا يا رسول الله! قال: اذهب فأنت أميرهم}.
فالإمارة في الإسلام بالفضل، والقرآن وبتقوى الله، والقرب منه، بالمؤهلات التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وليس بغيرها.
فالشاهد هنا: أنه يجوز أن يجمع بين الثلاثة، والأربعة، ويستحب عند أهل العلم أن يجمع الأحباب في الدنيا في القبر؛ يعني: المتوافقين، والزملاء، والأحبة، والجيران المتآخين أن يكونوا هم في قبر واحد.
ولا يجمع بين غير المحارم؛ كأن يجمع بين الأجنبية والأجنبي، لا، والأصل المنع من ذلك.
الجواب: نعم، فقد روت عائشة في مسند الإمام أحمد وابن حبان أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لها قبل أن يموت بأيام: {لو متِ قبلي لغسلتك}.
وزار بقيع الغرقد فسلم عليهم في ظلام الليل، ثم عاد وهو معصوب الرأس عليه الصلاة والسلام من الصداع، وقال: {وارأساه}.
بل في الصحيح أن عائشة قالت: {وارأساه! قال عليه الصلاة والسلام: بل أنا وارأساه! -وهذا على الندبة- ثم تفكهت
أخذ من هذا أهل العلم، أن الرجل يغسل زوجته، وأن المرأة تغسل زوجها، فإن علياً غسل فاطمة، لما رواه الدارقطني بسند صحيح عن أسماء بنت عميس قالت: [[لما توفيت
فلأحد الزوجين أن يغسل الآخر.
الجواب: روى بريدة بن الحصيب في صحيح مسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام: (صلى على
ونحن أهل السنة والجماعة لا نكفر بالكبائر، وأهل الكبائر الذين لم يستحلوها لا زالوا مسلمين لكنهم فسقة، يقول حافظ الحكمي:
لكن عصاة من أولى التوحيد قد يدخلونها بلا تخليدِ |
وإنما كفر بالكبائر الخوارج -عليهم غضب الله- وهم مخالفون مبتدعة.
فالمقصود من هذا أن من ارتكب حداً أقيم عليه فإنه يصلى عليه ولا زال مسلماً؛ كالمحدود من الزنا إذا تاب، وعلمت توبته، وندم، وأتى يطلب الحد، فإنه يقام عليه الحد، ثم يصلى عليه كما فعل صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم.
روى جابر بن سمرة في صحيح مسلم أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص؛ قيل المشاقص: شيء من السكاكين الطوال، وقيل: هي الأسهم التي يرمى بها، أي: نحر نفسه فمات، فلم يصل عليه النبي عليه الصلاة والسلام، ترك الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- ولم يصل عليه.
قال أهل العلم: تعزيراً من الإمام ألا يصلي على هذا. نسأل الله العافية والسلامة.
الجواب: السنة لك في ذلك أن تذهب وتصلي عليه صلاة الجنازة، وهو في القبر.
لكن يقول أهل العلم: إذا كان العهد قريباً، قدر بعضهم ذلك بشهر، أو ما يقاربه. لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: {كانت امرأة تقم المسجد -وفي لفظ: رجل- فماتت -فكأنهم سهلوا شأنها، وما أرادوا أن يخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام بشأنها -فصلوا عليها ودفنوها، فسأل عنها عليه الصلاة والسلام، فأخبروه أنهم دفنوها أو دفنوه، فقام على قبرها أو قبره فصلى عليه الصلاة والسلام صلاة الجنازة}.
وعند البخاري من حديث ابن عباس موقوفاً عليه، وهو من قبيل المرفوع الفعلي الحكمي، قال: {مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى على قبر دفن لشهر} فبعض أهل السنة يحددها بشهر.
وأما من طالت مدته فلا، ويكفي الدعاء له والاستغفار.
الجواب: روى الإمام أحمد والترمذي عن حذيفة قال: {نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن النعي، وقال: لا نعي في الإسلام}.
والنعي المنهي عنه يا أيها الإخوة! هو الإخبار على وجه التشهير؛ أن تشهر بهذا، وتجعل له منزلة كما يفعل الناس الآن في الصحف والمجلات، فيقولون: ننعى إليكم فلان بن فلان الذي توفي يوم كذا وكذا، وينشرون إعلانات في الصحف؛ فهذا من النعي المحرم؛ لأنهم يريدون به الشهرة.
ثم يكتبون بعد ذلك إعلانات شكر لمن شاركهم في العزاء، أو اتصل بهم في الهاتف، وإعلانات شكر لمن زارهم، وواساهم، ولمن بكى من بكاهم أو غير ذلك، وهذه ليست واردة في الإسلام، وهذا خلاف السنة، لأنه لا نعي في الإسلام، لأنه تشهير بالميت.
ولكن روى البخاري عن أبي هريرة قال: {نعى إلينا الرسول صلى الله عليه وسلم
أما حديث النجاشي {أنه نعى} أي: أخبرنا؛ فالخبر لا بأس به، ولك أن تخبر بموت الميت ليحضر الناس ليصلوا عليه، أما أن تشهر به في الناس، وتندبه، وتخبر به؛ فهذا ليس وارداً، وليس من السنة، وإنما النعي هنا بمعنى: أخبرنا صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فصلى عليه الصحابة كما سيأتي.
الجواب: قد كثر الحديث في هذه القضية، وكثر القيل والقال، والعجيب أن للعلماء أربعة أقوال في المسألة.
بعضهم يقول: -كـالروياني من الشافعية- إذا كان الميت تجاه القبلة فنصلي عليه؛ وهذا لا دليل عليه أبداً.
وبعضهم يقول: يصلى عليه مطلقاً؛ واستدلوا بحديث معاوية بن معاوية الليثي {أنه مات في المدينة، والرسول عليه الصلاة والسلام في تبوك فصلى عليه صلى الله عليه وسلم من هناك} والحديث ضعيف لا يصح، بل يصل إلى درجة الوضع.
ولكن ما هو الصحيح، والراجح في المسألة؟ الراجح -إن شاء الله- أن المسلم إذا مات في بلد لم يصل عليه فيها فيصلى عليه؛ أي: مسلم مات في بلد ولكن ما سمعنا أن أحداً صلى عليه، فنصلي عليه صلاة الغائب.
لأن بعض العلماء قالوا: النجاشي لما توفي؛ توفي بأرض الحبشة وكانوا نصارى وما صلوا عليه، فصلى عليه صلى الله عليه وسلم في المدينة، صلاة الغائب، فالمسلم إذا مات وتيقنا أنه لم يصل عليه مسلم صلينا عليه.
الحالة الثانية قالوا: إذا كان للمسلم بلاء حسن؛ كإنسان مشهور، كعالم من العلماء الكبار، كما يفتي علماؤنا الآن بالصلاة على عالم من العلماء، أو مجاهد من المجاهدين الكبار، أو رجل؛ كان له عدل، وكان يحكم بالكتاب والسنة، فهذا يصلى عليه.
فهي حالتان: إذا لم يصل على الميت في بلده الذي مات فيه.
والحالة الثانية: إذا كان له أثر وبلاء حسن.
أما أنه كلما سمعنا بميت مات قمنا صلينا، كلما مات في الطائف ميت، أو في الرياض، أو في جدة، أو في تبوك قمنا وقلنا للناس مات فلان بن فلان، وليس له أثر وقدم صدق يعرف بين الناس، فليس هذا بوارد في السنة فيما أعلم، هذا في صلاة الغائب.
الجواب: ورد عند مسلم عن ابن عباس، قال عليه الصلاة والسلام: {ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه}.
وكلما كثر العدد كان أحسن، والسنة أن يكونوا ثلاثة صفوف، وكان ابن عباس يوزع الناس ثلاثة صفوف، لأنه من أحسن ما يكون، وفعل ذلك جابر وكثير من الصحابة.
فالأربعون وما فوق أحسن، وورد عن ابن عباس في رواية (120) لكن الأكثر كأنه على زيادة الأجر. والله أعلم.
فهنيئاً لمن صلى عليه أربعون أو أكثر لا يشركون بالله شيئاً، وأخلصوا له الدعاء، فعسى الله أن يشفعهم فيه.
الجواب: الأصل في ذلك أن تكون في الجبانة -في الصحراء- هذا الأحسن والأحوط، وكان الصحابة يفعلونه، وهو الأغلب في فعلهم مع الجنازة.
لكن روت عائشة كما في الصحيح قالت: {والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
وسبب الحديث أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه وأرضاه- توفي، فأتوا به من البادية، فأدخلوه في المسجد؛ مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام يصلون عليه، فأنكر بعض الصحابة. فقالت عائشة {ما أسرع ما نسي الناس! والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
فعلم أنه جائز ووارد أن يصلى على الميت في المسجد إذا كان الجمع أكثر، أو كانت الجبانة أو الصحراء بعيدة، ولا يمكن أن يذهب الناس إلى هناك، فالأمر وارد، وهو وارد في السنة وله أصل ولكن الأولى والأحوط إذا كانت المقبرة قريبة، والناس يتواجدون هناك أن يصلى عليه في الصحراء، (في الجبانة).
الجواب: ورد عن جابر بن سمرة: {أن امرأة ماتت في عهده صلى الله عليه وسلم -قيل: ماتت بسبب الولادة، أو ولدها مات في بطنها فماتت بهذا- فقام صلى الله عليه وسلم وسطها فصلى بالناس}.
فالسنة أن يقوم الإمام وسط المرأة، وعند رأس الرجل هذه سنته عليه الصلاة والسلام في الصلاة، والدعاء للمرأة يتغير بلفظ المؤنث، وعلى الرجل بلفظ المذكر، وسوف تأتي الأدعية التي كان يدعو بها صلى الله عليه وسلم.
ورد أربع تكبيرات، وورد خمس، والراجح الأربع كما يقوله الحنابلة وغيرهم من المحدثين: وكان عليه الصلاة والسلام يكبر التكبيرة الأولى فيقرأ سورة الفاتحة، وكان ابن عباس يجهر بها أحياناً يعلمها الناس، قال: [[ليعلموا أنها سنة]].
وورد أن ابن عباس كان يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد [الإخلاص:1] مع الفاتحة، ويكبر الثانية ويصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام -الصلاة الإبراهيمية-: {اللهم صل على محمد وعلى آل محمد} الحديث، ويكبر الثالثة ويدعو للميت كما في حديث عوف بن مالك قال: {توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فاقتربت من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لامست ثيابي ثيابه، فسمعته يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم عافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه قال
وكان عليه الصلاة والسلام، ربما قال: {اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تفتنا بعده واغفر لنا وله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ثم يسلم تسليمة واحدة على اليمين، كما هو المعروف، وإن سلم تسليمتين فوارد، وفي حديث معقل بن يسار وهو صحيح، وحديث ابن مغفل وهو صحيح {أن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم تسليمتين} فللإمام أحياناً أن يسلم تسليمتين إذا أراد، ولكن الغالب والراجح تسليمة واحدة.
الجواب: المشيع الذي يمشي السنة أن يكون أمام الجنازة، لما روى الخمسة وابن حبان {أن الرسول صلى الله عليه وسلم و
تقول أم عطية في الصحيح: {نهينا عن اتباع الجنازة، ولم يعزم علينا} نهاهن صلى الله عليه وسلم لكن كما تقول لم يعزم عليهن، وكثير من أهل العلم يرون أن لا تتبع المرأة الجنازة، ويلحقونها بباب زيارة القبور للنساء؛ لأنها سريعة الهلع، وقليلة الصبر، فليس لها أن تتبع الجنازة بل تبقى في بيتها، وتتقي الله عزوجل، ولو كان الميت قريبها، أو ابنها، أو أخاها، أو أباها، فلا تفعل، بل تبقى في بيتها وتتقي الله، وبيتها أستر لها.
الجواب: روى أبو داود من حديث عبد الله بن يزيد أنه قال: {السنة أن يدخل الميت من قبل رجلي القبر} أي: أول ما يدخل رأسه من عند رجله حتى يوضع في قبره.
زيارة القبور سنة للرجال لقوله صلى الله عليه وسلم: {كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر بالآخرة} وهذا الحديث -أيها الإخوة الفضلاء- عند مسلم من حديث بريدة بن الحصيب.
وأما النساء فالراجح عند أهل العلم أنه لا يجوز للمرأة أن تزور القبور، لقوله صلى الله عليه وسلم: {لعن الله زائرات القبور، والمتخذات عليهن المساجد والسرج} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولو أن بعضهم يقول يجوز للمرأة أن تزور نادراً لأن لفظ الحديث (زوارات) يدل على الكثرة، لكن الصحيح أن (زائرات) ورد، ولو كان (زوارات) لما أخرجنا اللفظ من أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع الزوارات، ومن يخبرنا أن المقصود به من تكثر الزيارة، ولو كان اللفظ للمبالغة، وقطع مادة الإفساد هي الأولى والأحسن، وذلك سداً لذريعة المفسدة، فنمنع النساء أن يزرن المقبرة.
أما ما ورد في صحيح مسلم الذي يستدل به الشيخ الألباني وغيره من العلماء، يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـعائشة لما قالت: {يا رسول الله! إذا زرت القبور ماذا أقول؟ قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين..} الحديث، فهذا -والله أعلم- يقول بعض الشراح، ولا أدري كيف يخرج هذا قال: إذا اضطرت أن تمر بالقبر، أو صادف أن مرت به فلها أن تسلم، كأن تكون في سيارة، أو مرت مع ابنها، أو وحدها ورأت قبوراً فلها أن تسلم وتقول: {السلام عليكم دار قوم مؤمنين} الحديث الذي في مسلم.
هذا هو المقصود، وأما أن عائشة زارت قبر أخيها عند الترمذي من حديث عطاء في مكة وبكت وأبكت، ففي سنده انقطاع، ثم عمل الصحابي وحده لا يقوم به حجة إذا خولف، والمسألة فيها بحث طويل.
والخلاصة: زيارة القبور سنة للرجال، والنساء ممنوعات من ذلك لهلعهن وجزعهن.
والرسول عليه الصلاة والسلام دمعت عيناه، وحزن قلبه، وقال في موت إبراهيم: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا
الشوكاني
: أن مدة العزاء ثلاثة أيام، وألا يتجمع الناس في بيت الميت، ولا ينصبوا خياماً كما يفعل بعض الناس، ولا يصنع أهل الميت للناس طعاماً، وإنما قال عليه الصلاة والسلام عند الخمسة: {جعفر
طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهمجعفر
عبد العزيز بن باز
كتاب في ذلك تعرفونه، وهو رسالة خاصة يخص أهل الجنوب، لأن السائل من أهل الجنوب. والسنة أن تعزي ولا تجلس، ولا يذهب الناس جماعات، ولك أن تعزي عند المقبرة، أو في الطريق، أو في السوق، أو بالهاتف، أو برسالة.عصاة الموحدين: سلف أنه يخاف عليهم العذاب، ويرجى لهم الرحمة، ولكن لا يخلدون في النار، ويسمون فسقة من أهل الكبائر، هذا أهل الكبائر.
الثاني: هل نشهد لأحد بجنة، أو نار؟
أما الجنة، فقال ابن تيمية لـأهل السنة فيها قولان:
القول الأول: لا نشهد بالجنة لأحد إلا من شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام.
القول الثاني: من استفاضت عدالته وزهده وصلاحه وخيره؛ شهدنا له بالجنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {وجبت وجبت -للجنازتين ثم قال-: أنتم شهداء الله في أرضه}.
الجواب: الحديث الذي ورد فيه، ضعيف عند أهل العلم، أورده ابن حجر في بلوغ المرام، وهو ضعيف لا يعمل به، وعليه فلا ينبغي إذا حضرت المقبرة أن تقول: يا فلان، وهو في القبر، إذا قال لك الملك: من ربك؟ فقل: ربي الله. ومن رسولك؟ فقل: رسولي محمد صلى الله عليه وسلم. وما دينك؟ فقل: الإسلام، ليس بصحيح، ولا يفعل، والسنن لا تأتي بهذه الأحاديث الواهية، وأنتم لكم أن تراجعوا سنده عند ابن حجر في بلوغ المرام، وأظن ابن حجر يرى ذلك لأنه شافعي المذهب، وللشافعية كلام في هذا، ولكن أهل الحديث يقولون: لا يثبت هذا، ولا نفعله، ونقف مع النص.
الجواب: هذا ليس بوارد، ولم يقله عمر، ومن أخبر الخطيب أن عمر قال ذلك.
الجواب: نعم يصلى عليه، ولا زال مسلماً موحداً، وهو من العصاة، وما منا إلا مذنب، وغالب الناس يذنبون، وليس فيهم معصوم، ولكن نرجو منه أن يتوب، وأن يستغفر ربه قبل أن يلقى مولاه.
ابن تيمية
على أن من ترك الصلاة فقد كفر، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام تدل على هذا، مثل قوله: {الجواب: تجعل القبلة أمامك، يعني: القبر بينك وبين القبلة ثم تصلي إلى القبلة، أي: لا تستدبر القبلة، وهذا أمر معلوم.
أيها الإخوة الفضلاء! في ختام هذه المحاضرة أشكركم شكراً جزيلاً، وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وأن يثبتنا وإياكم على القول الثابت.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر