استهل الشيخ خطبته الأولى بالحديث عن فضل الشهادة ، وفضل الشهداء ، ثم تكلم عن الشيخ عبد الله عزام وعن استشهاده ، وأن الموت بهذه الطريقة (الشهادة) هو سنة عظماء الإسلام ، وأورد أمثلة على ذلك.
ثم تكلم عن وصية الشهيد عزام ، وعن بعض مناقبه ، وكرّس خطبته الثانية للحديث عن طبيعة اجتماع الرئيسين الأمريكي والسوفييتي الذي تجلت فيه آية عظيمة من آيات الله.
استشهاد عبد الله عزام
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون.
الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الزعماء، وصفوة العلماء، وخيرة الأولياء، وأفضل الشهداء، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
فقدنا الشيخ/ عبد الله عزام -عليه رحمة الله- أحببناه حياً وأحببناه ميتاً، حفظنا له العهد حياً، وحفظنا له العهد ميتاً، فسلام عليه يوم جاهد، وسلام عليه يوم كتب بقلمه وبدمه، وسلام عليه يوم قتل، وسلام عليه يوم يبعث حيا.
هكذا ليمت العظماء، إذا مات الناس في الليالي الحمراء غارقين في الخمر فليمت الشهداء مرضيين عند الله، إذا مات اللاغون اللاهون اللاعبون وهم يتزلجون على الثلوج، فليمت أحباب الله وأولياء الله برصاص الغدر وبخناجر البغي من الشيوعية والعلمانية والصهيونية العالمية.
عظماء الإسلام شهداء، طلب الشهادة رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ابن كثير: فمات مسموماً فهو شهيد، فهو سيد الشهداء وسيد الأنبياء.
وحج عمر بن الخطاب وقد قدم دمه ودموعه، ووقته، وماله ولياليه وأيامه لخدمة هذا الدين، فلما أصبح عند الجمرات في آخر حجة حجها رفع يديه، وقال: [[اللهم إنها ضاعت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، وشاب رأسي، فاقبضني إليك، أسألك شهادة في سبيلك، وموتةً في بلد رسولك، وعاد إلى المدينة، وكان صادقاً، فأعطاه الله ما تمنى، فصلَّى بالناس الفجر، وروحه تتوق إلى الشهادة وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[العنكبوت:69] طعن في المحراب في صلاة الفجر ووقع شهيداً على التراب، يقول من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة، قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل ما سجد لله سجدة، رفعوه إلى البيت ووضعوا رأسه على وسادة، فقال: ضعوا رأسي على التراب علَّ الله أن يرحمني، يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]]
وقتل عثمان صائماً، وكان قد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر حين أغفى إغفاءه، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كأنهم في روضةٍ في الجنة، فقال له- صلى الله عليه وسلم-: يا عثمان! سوف تفطر عندنا هذا اليوم، وقتل قبل الغروب.
وذهب وألقى روحه في مؤتة، ويأتي شهيداً يوم القيامة مع الشهداء.
وصاحبنا هذا اليوم: هذا الشيخ المفضال الذي خرج من فلسطين الجريحة.. فلسطين الدامية، ترك كل شيء؛ الوظيفة والمنصب، وذهب إلى الجبال المثلجة في أفغانستان، يسهر الليل يكتب ويدعو، ويحمل البندقية والرصاص، ويجاهد ويجمع الشمل، ويؤلف القلوب، ويقول عن نفسه: والله لمال المجاهدين الأفغان عندي كالخمر وكالميتة، ذهب إلى الله ونسأل الله أن يجزل له ما أعطاه، أو ما قدمه لهذا الدين.
وفيه إعلام للعالم بأن هذه الأمة لا تزال صامدة بطلة قيادية، ولا يزال أبناؤها يقدمون أرواحهم لله.
عجباً للكافر، أو المعرض الفاجر! أيظن أن الحياة سيجارة، أو كأس، أو مجلة هابطة، أو أغنية ماجنة؟! لا، الحياة كحياة هذا القتيل.. الحياة كحياة هذا الذاهب إلى الله.. الحياة كحياة هذا المجاهد الذي ذهب وما ترك شيئاً.
بعض مناقب الشهيد عزام
كتب الشيخ وصيته قبل أن يموت بأيام، فأوصى أبناءه بالتوحيد، وأن يكونوا مسلمين، وأوصاهم بوصية يعقوب التي أوصى بها أبناءه، أوصاهم بطلب العلم النافع، وبالجهاد في سبيل الله , أوصاهم بصيام النهار، وقيام الليل، وصلة الأرحام، أوصاهم بكثرة تلاوة القرآن.
وأنا أعرف هذا الرجل عليه شآبيب الرضوان، كان من أكثر الناس قراءةً للقرآن، يقرأ القرآن قائماً وجالساً وعلى جنبه.. رأيته في بلاد الكفر وهو يتحدث عن عظمة الإسلام، وقوة الإسلام، ودموعه تسيل من لحيته الطويلة ويختم كلامه ويقول: أسأل الله أن يرزقني الشهادة في سبيله، يدخل القاعة في بلاد الكفر في أمريكا أمامه خمسة آلاف من شباب المسلمين، فتدوي القاعة بالتكبير، فلا يرد عليهم إلا بالسلام ودموعه تذرف، لأنه يتحرى مجد الإسلام، وعظمة الإسلام، وكرامة الإسلام.
رحمه الله وجمعنا به في مستقر الرحمة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فأخلصوا له ولإخوانه الدعاء، والهجوا إلى الله أن ينصر هذه الأمة وأن يرزقنا الشهادة في سبيله، وألا يجعلنا نموت حبطاً من كثرة المأكولات والمطعومات، وألا يجعلنا ضحايا للمعاصي والفجور والبعد عن الله.
عجباً للمعرضين عن الله! يتزلق أحدهم من على المسرح، فيقولون: شهيد، يغص بكأس الخمر، فيقولون: شهيد، تصيبه تخمة من كثرة ما أكل من الربا فيقولون: شهيد!! لا، الشهداء أحباب الله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
قدرة الله تتجلى في مالطا
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
الماء لله، والهواء لله، والسماء لله، والكافر لعين دخيل على أرض الله، وكأن لسان القدر يقول: ماذا جاء بكم هنا؟ جئتم إلى أهدأ مكان ما هي قوتكم؟ أنتم لا تملكون شيئاً، القوة قوة الله، والعظمة عظمة الله.
قتل النمرود بن كنعان ببعوضة، وقتل بعض الطغاة بذبابة، وقتل بعضهم بشلقة، وبعضهم أُخِذ جثةً هامدةً، حَوَّل الأرض خمس مرات، ودمرها خمس مرات، مرة بالماء، ومرة بالحاصب، ومرة بالصاعقة، ومرة بالخسف.
فكأن لسان الحال يقول: أأنتم أعظم أم الله؟ أأنتم أقوى أم الواحد الأحد؟ من الذي بيده مقاليد الأمور؟ من الذي يرسل من الريح قاصفا؟ من الذي يرسل البحر هائجا؟ من الذي يشعل النار؟ من الذي بيده ملكوت كل شيء؟ هو الله.
يا من يطالع الأخبار، يا من يقرأ الصحف، اعلم أن وراء هذا الكون مدبراً حكيماً خبيراً قوياً بيده مقاليد الأمور سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! ما أقواه! وما أعظمه!
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلم على حبيبنا وقدوتنا وأسوتنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان، وارض اللهم عن أصحابه الكرام، من المهاجرين والأنصار، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وما ترضاه.
اللهم إنا نسألك بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أن تحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم تب عليهم، واغفر ذنوبهم وخطاياهم، وأعدهم إليك، وحبب إليهم القرآن والإيمان وزينه في قلوبهم يا رب العالمين.