إسلام ويب

أين أنتم يا شباب؟للشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وجه الشيخ حديثه هذا إلى صنف من الناس لا يحضرون المساجد ولا مجالس الخير، وذكر أنه يحبهم رغم أخطائهم لأن في قلوبهم بقية من الإيمان، وفيهم بقية خير:(الفطرة، والغيرة.. إلخ).

    موضحاً أنهم بعد تعليمهم وإرشادهم سيكونون رصيداً للإسلام والدعوة والجهاد، وألمح إلى المنكرات والمخالفات التي يقع فيها هؤلاء الشباب والشابات، ورأيه فيها، وإسقاط الأحكام الشرعية المناسبة عليها، وعد منها ما يزيد على أربعة عشر منكراً.

    ثم شرع يتكلم عن علاج الأمراض السابقة وعن التوبة والصبر على الهداية والنظر إلى معالي الأمور.

    ثم تكلم عن الاقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم ختم بعبارة نفيسة عن الموت وتذكره، والإجابة على أسئلة الحاضرين، وحث على قراءة كتاب (صيد الخاطر) لابن الجوزي.

    1.   

    نداء للشباب اللاهي

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    عنوان هذا الدرس: أين أنتم يا شباب؟

    أيها الإخوة الكرام البررة! كانت المحاضرة السابقة بعنوان (لقاء مع الشباب) وكانت لصنف من الشباب الذين يحضرون الدروس، والذين يواظبون على الصلوات الخمس، والذين يحبون الله ورسوله، والذين يتولون الله ورسوله ولاية خاصة، وهذه الليلة حديث مع صنف من شباب آخر، ليسوا هنا، لكني أبلغهم سلامي وسلامكم من هنا، فسلام الله عليهم ورحمة الله وبركاته.

    إن قلبي يحن إليهم وأنا أريد أن يحضروا، وعسى أن نراهم في القريب العاجل، ربما حضر بعضهم، ولكن الكثير لم يحضروا، إنهم هناك على الأرصفة، وفي المقاهي، وفي المنتزهات، وفي أماكن اللهو، يا ليتهم يحضرون ليروا إخوانهم من المؤمنين الصادقين المصلين، أهل الصلوات الخمس، أهل الولاية العامة والخاصة، الذين يحبون الله ورسوله.. إنني أبلغهم قول القائل:

    أهلاً وسهلاً والسلام عليكم     وتحية منا تزف إليكمُ

    أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم     لا تقبح الدنيا وفيها أنتم

    أهتف من كل قلبي إليهم أن يشاركوا شباب الصحوة في مسيرتهم الخالدة، وفي صلاحهم واستقامتهم.

    أيها الشباب الذين لم يحضروا وألهاهم المباح، أو الذي يؤدي إلى المكروه، أو الأمر المحرم عن الحضور، نناديكم لأن بيننا وبينكم عهداً وميثاقاً هو ميثاق: إياك نعبد وإياك نستعين، وعهد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحقٌ علينا أن نناديكم، وأن نهتف بكم، وأن نزوركم، وأن ندعوكم إلى رحاب محمد عليه الصلاة والسلام.

    إلى هنا؛ حيث البر والعفاف والاستقامة والذكر.

    إلى هنا حيث الأمجاد والتاريخ وحيث الحنيفية السمحة والشريعة.

    إلى هنا حيث القبسات الإيمانية وإشعاع النور، والانطلاقة التي بثها في الكون محمد عليه الصلاة والسلام، أنادي في قلوب هؤلاء الشباب بقية الإيمان، وفي قلوبهم بقية من إيمان، فلم ينتزع الإسلام أصلاً من قلوبهم؛ بل مازالت بذرة الإيمان في قلوبهم، وأنادي بقية النور نور الهداية في قلوبهم، وأنادي الحب لله ورسوله عليه الصلاة والسلام، الذي في قلوب أولئك الذين يحملونه، ولو كانوا يتأخرون عن الصلاة، ولو كانوا يسمعون الغناء، ولو كانوا يصاحبون المجلة الخليعة، فما زال أصل الإيمان يشع يشع ويذوي يذوي في قلوبهم:

    تعالوا تعالوا نكتب الحب موثقاً     بدمعٍ غزيرٍ يغسل الحوب والذنبا

    تعالوا نعيد العهد بين قلوبنا     أتيناكم طوعاً نبادلكم حبا

    إنهم أحفاد مصعب، ولكن مصعباً لم يكن لاغياً لا هياً في الحياة. كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، قطع جسمه في سبيل الله ليظهر أنه يحب الله ورسوله، أليس هذا دليلاً على الحب؟! أليس هذا برهاناً على ولاية الله؟! أليس هذا شاهداً على حبه لله؟ إي والله لقد قطع في أحد.

    فيا أيها الشباب الذين لم يحضروا: شلل، وعصابات، وجماعات، همهم السيجارة والكيرم والسهرة، والضحك الذي لا ينتهي، واللهو، والعبث، إن مصعباً يعتب عليكم أنكم ادعيتم أنكم أحفاده، ولكنكم لستم بأحفاده إلى الآن، نعم بينكم وبين مصعب نسب لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    ويا أحفاد معاذ بن جبل لم يكن معاذٌ مضيعاً لأوقاته، كان معاذ يحملُ الكتابَ والسنةَ ويعلم العالمين:

    عُبَّاد ليل إذا جن الظلامُ بهم     كم عابد دمعه في الخد أجراهُ

    وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم     هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه

    يا أحفاد أُبي! لم يكن أبي هاجراً للكتاب، بل كان سيد القراء، يصحب الكتاب.. كتاب القرآن ربيع قلبه، ونور بصره، وأنيس روحه، كان يحب القرآن، ويعمل بالقرآن، فأين أنتم يا شباب الإسلام من كتاب الله عز وجل ومن قراءته وتدبره؟!

    وقِّفَا بي على النقى وقفا بي     واتركاني هنيهة وارفقا بي

    واعذراني من الدموع فهذي     قصةُ الحب صاغها أحبابي

    هذه مقدمة، وأنا أعلن أني أحب أولئك كما أحبكم في الله؛ لأن الحب يتجزأ والولاية مع هؤلاء في الله عز وجل وفي رسوله عليه الصلاة والسلام تتبعض، فهو حب نسبي وولاء نسبي، نحبهم لأصل الإيمان الذي عندهم، فعندهم خير كثير.

    1.   

    جوانب الخير عند الشباب

    أنا أحدثكم عن جوانب الكمال التي في هؤلاء:

    من جوانب الخير: الفطرة

    أولاً: إن عندهم الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله، أنا أعلم أنهم لم يحضروا، وأنا أعلم أن بعضهم يصلي في بيته، وأنا أعلم أن كثيراً منهم يستمع إلى الأغاني الماجنات أكثر من سماعه إلى الآيات البينات، وأنا أعلم أن الكثير يطالع المجلات الخليعات أكثر مما يطالع الأحاديث النبويات الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، ولكن عندهم الفطرة، مكتوب في قلوبهم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقد نزلت رءوسهم من بطون أمهاتهم إلى الأرض وهي تحمل مبدأ التوحيد: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172].

    فأنا أخاطب الفطرة فيهم، وكثير من الناس يظن أن هؤلاء يعيشون بلا فطرة أو يعيشون بلا دين.. اذهب إليه وحرك الفطرة، اسقها بماء الهدى، وابعث فيها الأنوار، واجعلها تنمو وتنمو وتكبر وتكبر حتى تراه بجانبك في الصلاة وفي الدرس، وفي المحاضرة، لكنك أنت أخطأت، وأنا أخطأت، وهو أخطأ.

    فأخطأت أنت لأنك لم تشارك في الذهاب إليه، ولم تبعث له بحبك، ولم تقف معه، ولم تبادله الأشواق والمودة، وأخطأت أنا لأنني ما خصصت جزءاً من دعواتي ومحاضراتي لأولئك، وأخطأ هو لأنه لم يلتمس النور، ولم يبحث عن الهداية، ولم يأت مرة ليجرب نفسه في مثل هذه المحاضرات والدروس، إنه جرب نفسه في المقهى، وجرب نفسه في المنتدى، وجرب نفسه على الرصيف، وجرب نفسه مع الكرة، وجرب نفسه مع الأغنية، لكنه ما جرب مرة واحدة طعم الهداية والنور:

    أين من يدعي ظلاماً يا رفيق الليل أينا     إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه

    قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه

    أين توجد معالمه عليه الصلاة والسلام؟ في المحراب. أين توجد أنواره؟ في المحراب. أين يوجد دستوره؟ في المحراب.

    أين توجد مسيرته المباركة؟ في المحراب. أين يوجد منهجه المستقيم؟ في المحراب. اذهب إلى أولئك وتعال بهم إلى المحراب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} هذه هي المكاسب الغالية يا شباب الإسلام.

    من جوانب الخير: الغيرة

    ثانياً: أخاطب في أولئك الغيرة، إن عندهم غيرة، إي والله! ابحث عن الغيرة، تجد الواحد منهم أسداً هصوراًً إذا سمع أن عرضه سوف ينتهك، إنه يغار على أمه، ويغار على أخته، ويغار على بنته، فاحيي في قلبه هذه الغيرة، غيرة سعد بن عبادة سيد الخزرج المضياف الكريم الذي كان يضيف المئات في الجلسة الواحدة، يقول وهو يسأل المصطفى عليه الصلاة والسلام: {يا رسول الله! لو وجد أحد منا رجلاً مع امرأته ماذا يفعل؟ قال عليه الصلاة والسلام: يذهب ويستشهد أربعة من المسلمين، قال: يا رسول الله! أتركه معها، وأذهب لأجمع أربعة؟! والله يا رسول الله! لأضربنه وإياها بالسيف غير مصفح} والأنصار إذا قالوا فعلوا، فهم الذين قاتلوا العرب من أجل مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم، وقُتل منهم في المعارك ثمانون في المائة حتى يقول حسان:

    لنا في كل يوم من معد     قتالٌ أو سبابٌ أو هجاءُ

    فنحكم بالقوافي من هجانا     ونضرب حين تختلط الدماءُ

    فضحك عليه الصلاة والسلام،وقال: {تعجبون من غيرة سعد؟! والذي نفسي بيده إني أغير منه، وإن الله أغير مني} هؤلاء الشباب الذين على الأرصفة وفي الملعب وفي المقهى والمنتزهات، الواحد منهم يسلم روحَه رخيصة دون أمه وأخته وزوجته، فأنا أقول لهم: ومبادئ محمدٍ عليه الصلاة والسلام ألا تحتاج إلى غيرة؟! ألا تحتاج إلى دفاع عنها؟! ألا تحتاج حماساً؟!

    من ينصر مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم؟! أنتم جنده وأنتم كتيبته، فتعالوا هنا لتتعرفوا على سيرته، والله إني أعلم أنكم أشجع من حزب البعث ومن الأنظمة العلمانية في الساحة، ومن الماركسيين الشرقيين والغربيين، ولكنكم خدرتم بالأفلام والمجلات وبالميوعة والضياع، حتى أصبح الأسد كالسنور:

    عجبت لدنيا تهضم الليثَ حقَّه     وتفخرُ بالسنور ويحك يا مصر

    سلام على الدنيا سلام على الورى     إذا ارتفع السنور وانخفض النسر

    من جوانب الخير: حب الله ورسوله

    أيها الإخوة! إن في أولئك حباً لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، أنا أعرف أنه ليس كحبكم لأن حبكم موار، ومن حبكم:

    أنكم تصلون الصلوات الخمس، وأنكم تسمعون كلام مثلي إلى صلاة العشاء، وتفرحون بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعضكم يأتي بأهله.

    وبعضكم يحمل الشريط، فيوزعه على المسلمين.

    والآخر يدعو، والآخر يقوم الليل، هذا حب فوار موار.

    والرابع: يقوم ويناجي ربه في السحر.

    والخامس: يتلو كتاب الله ويبكي، هذا هو الحب المتفوق.

    هم عندهم حب، ولكن ليس مثل حبكم؛ حبهم يبرز في المصادمات، تجد الواحد في يده سيجارة وفي اليد الأخرى مجلة خليعة، تجده لاهياً لاعباً، وتجد عنده العود والموسيقى والناي والوتر، ولكنك لو تنال من محمد عليه الصلاة والسلام عنده، لقدم رأسه رخيصاً ليقاتلك ويذابحك، وتجد الواحد منهم عنده حب؛ ولذلك لو قلت له: يا كافر لا يصبر، بعضهم يترك الصلاة، ومن ترك الصلاة في الإسلام فقد كفر، لكنك لو قلت له: يا كافر! لقاتلك وما صبر على ذلك لأنه لا يتفاهم، قل له كل شيء إلا كافر، لأن الكفر عنده أعظم شيء:

    فأثبت في مستنقع الهول رجله     وقال لها من تحت أخمصك الحشرُ

    وقد كان فوت الموت صعباً فرده     إليه الحفاظ المر والخلق الوعرُ

    ونفس تعاف الذل حتى كأنه     هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفرُ

    لا يرضى أحد منهم أن تقول: يا فاسق، ولا يا كافر، ولا يرضى أحد منهم أن تأخذ المصحف وتمزقه بينهم، هم أكبر درجات من شباب البعث قاتلهم الله، الذين أخذوا المصحف مع أحمد حسن البكر ومزقوه في شوارع بغداد، وداسوه بالجزمات، عندنا خير من هؤلاء الشباب، عندنا طلائع إيمانية، عندنا كنوز، لكنها تحتاج إلى من يأتي إليها ويبعد الغبار عنها، ويمسح عنها ذلكم الصدأ، لتعود نقية طاهرة طيبة قوية بإذن الله، وأنتم أهل المهمة، اذهبوا إليهم وجربوا.

    حدثني أحد الأخيار، وأظنه معنا في هذا المجلس، وهو من أهل الفضل، ولكن لا أذكر اسمه فالله يعرفه، ولا يغيب عن الله هو وأمثاله، قتل بعض الصحابة في قندهار، تبعد أكثر من ألف ميل عن المدينة [[فأتى عمر، فقال للصحابة: من قتل في قندهار؟ قالوا: فلان وفلان وفلان، وأناس لا نعرفهم، فانسكبت دموع عمر على لحيته، وقال: لكن الله يعرفهم]].

    هذا الأخ الكريم يذهب مع مجموعات في العطلة الصيفية الماضية، وكان يجلس في حلقة وهم حلقات، والعود مع أكبرهم الذي علمهم الطرب، يجلس في وسط حلقة الذكر، على مذهبهم فيجلس مجموعة من هنا، ومجموعة من هنا، وعندهم أدب في استماع الغناء، كأن على رءوسهم الطير، يجلسون في جلسة حتى كأن الجلسة في الصلاة، وهذا يجلس في الوسط، والثاني يسكب الشاي ولا يقاطعه أحد، حتى لا يقطع عليه الدورة، فيعزف بالناي، ثم يتحرك بالصوت فيما بعد، ثم يبدأ التصفيق، فيأتون يعمدون إلى الكبير هذا فينزعج، ولكنهم يحيونه ويهدءونه لأنه رأس الحية، فيسكتونه ثم يبدءون معه في حوار وفي أخذ وعطاء، فيبدأ أولاً بوضع العود على التراب، وهذه خطوة جيدة، إنها تنازل معك، الثاني يبدأ ويلتفت، ويسألهم من أين أتيتم؟

    الثالث: يأخذون معه في الحديث ثم يسألون المجموعة، ثم تبدأ الموعظة، ولا تسأل كم من الاستجابة! ثم يهدون لهم الشريط الإسلامي، من دعا منكم شخصاً فجابهه أو ضربه أو شتمه؟!

    هذا نادر! أنا لا أظن أنه يأتي في الألف واحد، الذي يقول لك: إن هؤلاء العصاة يجابهون.

    لا يجابهون إلا أحد شخصين، إما جاهل لا يعرف عرض الدعوة، وإما رجل قاسٍ فظ غليظ يتحكم عليهم في الصوت، وهذا لا يرضاه أحد، أنا لو أتاني أحد ونهرني بعنف لا أقبله.

    إذاً يا أيها الإخوة! حُبُّ الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام في قلوبهم ثابت، فاستغلوا هذه الفرصة واعلموا أن المرء يحشر مع من أحب، وأن بيننا وبينهم خيط الود.

    من جوانب الخير: أنهم رصيد الإسلام

    أيها الإخوة! إن هؤلاء رصيد للإسلام، لا بد أن نتعرف عليهم، ولا بد أن نهديهم إلى الله، لأنهم سوف يكونون مجاهدين في سبيل الله لو حلت في البلاد فتنة.

    أيضاً يكونون عوناً في الأزمات بإذن الله، أيضاً رصيد للدروس والمحاضرات، وطاقمٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يحملون الدعوات الإيمانية والرسالات النبوية، وفيهم خير كثير لكن إذا عرفنا كيف نستغلهم وكيف ندخل إلى قلوبهم.

    وكثير من الدعاة أثابه الله أحسن في الدخول إلى قلوبهم من القديمين والمحدثين، وأذكر من الأمثلة التي تحضرني الآن من الدعاة في هذا العصر، ولو أنه توفي قبل سنوات رحمه الله وأسكنه الله فسيح جناته، وهو الشيخ عبد الله القرعاوي وقد دعا في منطقة جيزان، ولكنه ضرب أروع الأمثلة في الصبر والحلم والعطاء والبشاشة، والدخول إلى قلوب الناس، ذكر لنا أحد تلاميذه من العلماء قالوا: أتى مرة يخطب في السوق، واجتمع الناس عليه، وشيخ القبيلة كان غاضبًا، وأحياناً بعض الناس من وجهاء القبائل أو وجهاء البلد، إذا غضب لا تسير الأمور في مسارها الطبيعي، قالوا: فأرسل إليه من أقوياء هؤلاء الذين معه، فأرسل إليه شيخ القبيلة، فأوقفه، وقطع عليه كلامه، فذهب من السوق هذا الداعية، ماذا قال؟ أدعى على هذا؟ لا. أسب وشتم؟ لا. هل قال: كفى؛ قد بلغت ما عندي ويكفي إذ قد منعت؟! لا. إنما أخذ كيساً من الدراهم على وقته، وذلك قبل ثلاثين أو أربعين سنة..

    وهذه عقاقير طبية نافعة، من جربها عرف أنها فيتامين (واو) والرسول صلى الله عليه وسلم استغلها كثيراً في خدمة لا إله إلا الله، أعطى بعض الصناديد مائة ناقة حتى دخل في الإسلام، وأعطى بعضهم ثياباً وذهبًا وفضة.

    ذهب هذا الداعية (ببقشة) وفيها ملابس وشيء من دنانير وكأنه ما عرف شيئاً عن تصرف هذا الشيخ، التصرف الجارح المؤذي، وطرق عليه الباب، قال: من؟ قال: أنا فلان، قال: أنت الذي يتكلم ويجمع الناس ويفعل، وانهد عليه بمحاضرة شاتمة، قال: مهلاً! جئت أولاً أسلم عليك، وقصدتك في هدية، ومعي بعض الثياب، وأنا أردت أن أعرض عليك دعوتي، فإن أحسنتُ في عرض دعوتي فاتركني أحدث الناس وإلا فرأيك، قال: وكانت عنده شيشة.

    ونحن لا نؤيد أهل المعاصي في شيشهم ولا في دخانهم، ولا نقرهم عليها، لكنها مرحلة كما فعل عليه الصلاة والسلام، الأصنام كانت حول الكعبة، ومع ذلك ما كسرها أول يوم، حتى أقر في القلوب لا إله إلا الله، لا تبدأ بالمعاصي الصغيرة، فينفر عنك الناس، لا تبدأ مباشرة على الرجل، تقول: ولماذا تحلق لحيتك؟ حتى تغرس في قلبه لا إله إلا الله، لا تناقشه وتشاتمه على إسبال الثوب حتى تزرع في قلبه زهرة: إياك نعبد وإياك نستعين.

    فانشرحت أسارير هذا الشيخ، وأخذ البقشة أولاً، وأَخْذُها خطوة جيدة، بمجرد الأخذ انتهى الأمر.. وقال: اعرض علي، قال: أنا أدعوهم إلى الإيمان، وإلى التوبة النصوح، وإلى الصلوات الخمس، وإلى طاعة من ولاه الله أمرهم مثل طاعتك، وطاعة أمثالك، لأني أسمع أنهم قد يعصونك أحياناً، قال: أثابك الله، قال: يا فلان -لذاك القوي الذي أرسله- اجمع الناس، ومن تخلف فلا يلومن إلا نفسه، فجمعهم وقام الداعية، فقال فيهم كلاماً عجيباً، وأخذهم بالمدارس، وبالدعوة والتحفيظ، حتى ردهم إلى الله، حتى أثبت جدارته في منطقة شاسعة، فيها ألوف مؤلفة من البشر.

    هذه هي الدعوة التي تدخل إلى القلوب بدون استئذان، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125].

    من جوانب الخير: بقاء ملامح الخير

    هؤلاء الشباب أيضاً ما زالت ملامح الخير فيهم، فإن الكثير منهم ما أظنهم يتركون الصلوات الخمس، نعم. قد يؤخرونها عن وقتها، وهذا خطأ كبير، نعم. قد لا يصلونها جماعة، وهذا خطأ كبير، لكني كنت أرى بعض الرسائل من الذين تابوا ما كانوا يتركون الصلاة، والنادر منهم من يترك الصلاة، لكن تسمع عنهم معاصي، ومخالفات، وكبائر، ولكن يندر أن يتركوا الصلاة، فهؤلاء نستغل أنهم يصلون، وهذا أمر طيب مقبول، ولله الحمد والشكر.

    1.   

    منكرات يقع فيها بعض الشباب

    بقي هناك مسألة، وهي أن هؤلاء -صراحة- قد لا يوفقون بالصحبة الحسنة من بيوتهم ولا في مجتمعاتهم، فيبقون بعيدين، حتى لا يتصورون الوعي الموجود، ولا الصحوة والمحاضرات، ولا الدروس، فتجد بعضهم كأنه في عالم آخر، قد تجرى أحياناً أسئلة في بعض اللقاءات كبعض المعاهد وبعض المستويات وبعض المؤسسات فتسأل: كم في البلد من دروس؟ فلا يجيبك أحد، ولا يدرون، تعرف للداعية الفلاني اسم شريط، قال: لا أعرف شريطاً له، ما هي الكتب التي تعرفها لـأهل السنة والجماعة؟، قال: ولا كتاب! فهذا دليل على أنهم يعيشون في عالم آخر، وأنهم قد عزلوا ببرمجة خاصة من اللهو والضياع حتى وصلوا إلى هذا المستوى، فإذا بصروا وعلموا فسوف تراهم إن شاء الله مقبلين على الله عز وجل إقبالاً طيباً مباركاً.

    عند هؤلاء الشباب صور ضياع، وكلنا -نحن وإياهم- مقصرون، أنا لا أزكي نفسي، ولا أزكي أحداً على الله، ونحن وإياهم تحت رحمة أرحم الراحمين، نسأل الله أن يرحمنا وإياهم، وأن يتوب علينا وعليهم، وأن يردنا وإياهم رداً جميلاً، وأن يسترنا ويحفظنا وأن يهدينا ويتولانا.

    ونشفق عليهم، وإلا فما الداعي لهذا الكلام؟ كان بإمكاني أن أوجه مسار الحديث لدرس في التفسير، أو في الحديث، أو في الفقه، أو قضية اجتماعية، أنا أعرف أنهم طبقة هائلة، إذا حضر هنا ستة آلاف يحضر في مباراة الكرة على الأقل ستون ألفاً، ويسمون هذا (اجتماعاً طبيعياً!) طبيعي أن يجتمع ستون ألفاً، وليس لك أن تنكر بقلبك؛ لأنه أصبح مع طول الأزمان اجتماعاً طبيعياً، بل منهم من يحجز مكانه من أيام، ولهم بطاقات دخول وخروج، وآداب في التشجيع، ومشاركات وحماسات وغير ذلك.

    الاستهزاء بالعلماء

    هؤلاء لهم صور ضياع يعيشونها، وأنا أخبركم ببعضها وهم يعرفونها، ما أصبحت خافية لشهرتها على الناس، منها الاستهزاء بالعلماء والدعاة، والسخرية منهم، وأكل لحومهم، وربما تجدها فاكهة لمجالسهم، فتجد من يستهزئون بشيخ من المشايخ، بلحيته أو بوعظه أو بكلامه في الدروس أو بحركاته أو بصوته أو بسعاله، وهذه خطيئة كبيرة.

    الله الله! انتبهوا لها يا شباب الإسلام! فقد قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

    رأيت فيلماً كاد قلبي أن يتقطع وأنا أراه، وهو مشهور عند بعض الإخوة، رجل من الشباب من بعض النوادي الرياضية، يمثل المشايخ، يمثل أصواتهم وحركاتهم، كعالم الأمة وعالم البلاد الشيخ عبد العزيز بن باز، وغيرهم من الفضلاء، يمثل الحركات بشيء من السخرية، ومعه جماعة شلل ملء قاعة، يضحكون ويتمايل بعضهم على بعض، ويصفقون له.

    سبحان الله! إلى هذا المستوى؟! أي أمة يمكن أن تقدس ولا يقدس علماؤها ودعاتها؟! سبحان الله! ما وجد في نقاط الضعف إلا أن تصل إلى العلماء والدعاة في عقر دارهم وهم صمام الأمان، وهم ا لمسيرة البارة الراشدة، وهم بإذن الله الحبل الوثيق، وما يقوم الأمن ولا الرخاء ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا على العلماء، يقول المولى سبحانه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].

    وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات [المجادلة:11].

    وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِين [الزمر:9].

    وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]

    هجر أماكن الخير

    أيضاً من نقاط الضعف وصوره عند هؤلاء الشباب؛ هجر المساجد وحلق العلم والدروس والمحاضرات، شاب يعيش في حارة وتسأله: هل تصلي في مسجدك. قال: لا. لا يعرف الإمام! ولا يعرف المؤذن! ولا يعرف أهل الصف الأول! ولا يصلي في المسجد! وإن صلى نادراً ففي الصف الأخير، يدخل آخر الناس ويخرج أول الناس.

    أيها الإخوة! كيف يهتدي مثل هذا؟ إن طرق الهداية عندنا هي المسجد، والعالم، والداعية، والمنبر، والكتاب، والمصحف، والشريط، والدعاء، فكيف يهتدي من أغلق النوافذ؟!

    وتجدهم تعمر بهم المقاهي، وأماكن اللهو واللغو والأرصفة، والجلسات الخلوية على الضَّياع، ويجلسون أكثر من ساعتين أو ثلاث لا يذكرون الله، ولا يصلون على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل في كلام فحش أو غيبة أو نميمة، أو نهش في أعراض المسلمين، فنسأل الله أن يتوب علينا وعليهم، ونسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً.

    الاستماع إلى السوء

    إن هؤلاء إذا استمر الحال يشكلون على أنفسهم وعلى المجتمع وعلى الأمة خطراً عظيماً، وقد حدث هذا في صور سوف أذكرها فالله المستعان! يحفظون الأغاني المائعة، والقصائد الساقطة الفاحشة، وعندهم أشرطة فاسدة من أشرطة الغناء الفاسد، وقد نبه بعض كبار العلماء عن بعض كلمات الأغاني التي دخلت إلى درجة الكفر، تصوروا أنه ضبطت أغنية لأحد المغنين في بعض البلاد وهو يغني: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

    وآخر يقول:

    حبيبتي حمالة الورد     لا حمالة الحطب

    وآخر يرنم على سورة: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2].

    على مقاطعها ويأتي بقصائد الحب على ذلك، وثالث يأتي بكلمات كفر، يقول:

    أيا رب تخلق أغصان رند     وألحاظ حور وكثبان رمل

    وتنهى عبادك أن يعشقوا     أيا حاكم العدل ذا حكم عدل

    ويقول:

    نصبوا اللحم للبزاة     على ذروة عدن

    ثم لاموا ريادتي     في فتونٍ من افتتن

    لو أرادوا صيانتي     ستروا وجهك الحسن

    يقول: لو أراد الله ألا يفتني ما خلق لك وجهاً حسناً، فنعوذ بالله، وهذه أيضاً منتشرة.

    وهناك أفلام هائلة الدمار، فيلم واحد يهدم شعباً كاملاً، يوجد عند الواحد منهم مجموعات، ويجتمعون إليها من بعد صلاة العشاء إلى الثانية ليلاً، ثم ينامون عن صلاة الفجر، وبعضهم يصلي قبل أن يذهب إلى الدوام، وبعضهم قد لا يصلي، وتجد سواد المعصية عليه، تاب الله علينا وعليه.

    مأساة الرياضة وتقليد نجومها

    أيضاً عندهم إسراف في ممارسة الألعاب الرياضية، ومتابعة أخبارها ودوراتها، حتى تصبح شغلهم الشاغل وهمهم الأول، فيعرف الواحد منهم أسماء المنتخب والفريق، وحارس المرمى، والقلب، والمقدمة، والمؤخرة، والجناح، ويعرف أخبارها وأعلامها ونجومها، ومتابعاتها، وأول ما يأخذ الجريدة يفتح على الصفحة الرياضية، وتجده يتحرك مع أولئك، كأنه يرى في هؤلاء أنهم المهاجرون والأنصار، أو العشرة المبشرون بالجنة، أو أهل بدر، أو أهل بيعة الرضوان، فالله المستعان! وصدق الله إذ يقول: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23].

    أيضاً يرتدون الملابس القصيرة التي لا تجوز الصلاة فيها، وهي إلى نصف الفخذ، ولا يجوز النظر إليهم، ولا يجوز اللعب معهم، لأن عورة المؤمن من السرة إلى الركبة، وهذا ثابت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام، أيضاً يطيلون الشعور إطالة فوق الحد، تقليداً لما يسمونه بالنجوم الكفرة، نجوم وليسوا بنجوم، يقلدونهم في قصات الشعر، وفي التسريح، لأن ذاك فعل، ولهم صور لأولئك يحتفظون بها، ويعشقونهم ويحبونهم، ويتولونهم، وهذا جرح في العقيدة وفي معالم التوحيد، أيضاً تجد بعضهم يربي شعره تربية مذهلة ويحلق لحيته، فإذا فاوضته في ذلك تكلم لك بذكاء وبخداع، وقال: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي شعره، وهو قد حلق لحيته! أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85].

    تؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم في الرأس وتكفر به في اللحية، لماذا تؤاخيه صلى الله عليه وسلم هنا، وتتركه هنا، وأصبحنا في درجة من الدروشة أن يضحك علينا بمثل هذا، وبلغ من حرص هذا أن يطبق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في رأسه، وهو لا يصلي معنا الصلوات الخمس في جماعة، أيضاً تجد بعضهم يطول أظفاره، حتى تخاف منه إذا صافحته أن يخدشك، وقد يقاتل بها أحياناً، وبعضهم يطول ظفراً واحداً، وهذه والعياذ بالله خطورة ما بعدها خطورة، لأنهم يمثلون مسارات خاطئة من المعصية والانخلاع والدمار في الخلق.

    تعليق السلاسل في الرقاب، وربط الخيوط في المعاصم، وهي موضة خاصة يفعلها جيل من الشباب وطائفة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم.

    أيضاً إهمال الرياضة الحقيقية: رياضة محمد صلى الله عليه وسلم ورياضة أصحابه، وهي السباحة والرماية وركوب الخيل، ويأتون بهذه الرياضة الأخرى التي تورث الذلة والقلة، والانهيار عند الأمة، أما رياضة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي القوة والمناعة والحصافة والرجولة، فيهملونها تماماً، ولا يفعلونها!

    أيضاً إطلاق الصرخات والصيحات بالشتم والسب والألفاظ النابية، وبعضهم من يحيي بها بعضاً، وقد سمعتها بأذني، وكثير منكم يسمع هذا إذا لقيه لعنه، أول ما يراك يقول: لعنك الله.. أعوذ بالله! وقد أتى في الآثار أنه سوف تكون تحيتهم في آخر الزمان اللعن.

    وذاك يضحك ويرد عليه اللعنة بأحسن منها، وهذه خطورة والعياذ بالله! ويشتمه شتماً لو تقولها لبعض الناس ذابحك وقاتلك، ويتلقاها ذاك برحابة صدر، فهذا دليل على أنه لا يتصور شيئاً عن الرسالة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في الخلق، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتابع الألفاظ ولا يمكن أن يجرح، وكان يقول: {لا يقل أحدكم خبثت نفسي، ولكن يقول: قلست نفسي} لأن الخبث لا يذكر في مثل هذا فكيف بالشتم واللعن؟! كيف بالقذف؟! كيف بأمور تشيب لها الرءوس يقولونها ويزاولونها؟! هذا أمر موجود يجده من يذهب منكم إلى المنتديات وإلى أماكن التجمع والأرصفة والملاهي.

    نعم. تخرج الرياضة عندنا وفي البلاد الأخرى عن المنافسة، أو عن شغل الوقت أو عن أمر من المباح، إلى شيء يصل إلى درجة التحريم؛ إلى الحزبيات، فهذا يدعي أنه هلالي إلى آخر قطرة من دمه، فيعيش باسم الهلال، وهذا نصراوي يتعشق نادي النصر في كل حركة، لباسه نصراوي، وسيارته نصراوية، وميداليته نصراوية، ويحب المجلة النصراوية، وإذا أتى مباراة هز كتفه وقلبه، ودموعه وأشجانه، وقام ليله ونهاره، وتبرع بالغالي والرخيص، وحضر وشجع، يسببون إرباكاً في الأمن، وفي مسيرة الأمة، يعرف ذلك من عرفه لولا أن حُد من هذه الظاهرة والحمد لله.

    يذكرون أن رجلاً كان هلالياً، قدس الله روحه، وامرأته نصراوية نور الله ضريحها فغلب الهلال النصر، فدخل عليها فرحاً، فأعطته من الشتمات تدافع عن ناديها، كرمها الله وأعز الله قدرها، دفاع خولة بنت الأزور والخنساء وأسماء وزينب، فطلقها!

    إنه الهوس التشجيعي، في الملبس والحديث وعند اللقاءات حتى تكون ديدن الإنسان ليل نهار، يشجع ويموت، ويتفانى ويدافع عن ناديه فرداً فرداً، ويأتي بالمحاسن إلى هذا النادي، ويتبجح بفضائل وانتصارات هذا النادي، كأنه أعاد لنا القدس وأفغانستان والأندلس المفقود وعمورية:

    لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم     هوىً إلى بابك الخرمي ينتسب

    وقاتلت دوننا الأبواق صامدة     أمـا الرجالُ فـماتوا ثَم أو هربوا

    عفواً هديت أبا تمام تسألني     كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب

    ماذا فعلنا غضبنا كالرجال ولم     نَصدُق وقد صَدَق التنجيم والخطب

    ناديت بالأمس عمورية اتقدت     وللمنجم قالوا إننا الشهب

    واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا     نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب

    تقليد الغرب في الرياضة والملابس والتمرينات والجوائز والدروع والكئوس والميداليات: {حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} أمة تقلد في كل شيء.

    قال أحد المفكرين: لو أتى غربي في لندن أو واشنطن ووضع حذاءً على رأسه، فأصبحت الموضة، لأصبح الناس بعد ثلاثة أيام في البلاد العربية يأخذون أحذيتهم ويضعونها على رءوسهم، فتقول لهم: لم؟ فيقول: موضة! تقليد أعمى.

    قلدناهم في القشور فقط كما قال الغزالي والقرضاوي، وقد أصابا في هذا، لا صنعنا صاروخ جو أرض ولا أرض أرض ولا جو جو.

    اختلفنا على تحريك الإصبع هل تتحرك جو أرض أم أرض أرض حتى تقاتلنا، ولا بد منها ولكن بحديث واحد، لم نصنع شيئاً.. الطباشير مستوردة من إيطاليا، والمسَّاحة من النمسا، والسبورة من بلغاريا، والأستاذ من بلد آخر، والطالب من الإنتاج المحلي.

    فأنا أقول: يا أيها الكرام! لماذا لا نقلدهم في الإنتاج، وفي الإبداع، وفي التصنيع؛ صنع الطائرة، والميكرفون، والراديو، والمسجل؟ فقط في الخنافس، وفي الغناء، وفي الضياع، والتزلج على الثلج، والإقبال الشديد على متابعة المسابقات الرياضية، حتى أن المدرجات تزدحم بالجماهير، وكأنك في يوم عرفة، وصاحب اللاقط المرئي (صاحب التلفزيون) يظهر لك شباب الإسلام جيل محمد صلى الله عليه وسلم أنهم حضروا، فتمر الكاميرا يميناً ويساراً وتجد شباب الإسلام وهم يتمايلون على التصفيق، وشامير احتل فلسطين، وابتلعها، ونجيب الشيطان ابتلع أفغانستان، ومع ذلك شباب محمد عليه الصلاة والسلام يتمايلون في المدرجات، ألوف مؤلفة، ونقول: ما شاء الله! ما شاء الله، يا الله قويهم، على ماذا؟! على ضياع الأمة، وعلى موت الضمير، وموت الأعصاب! الاهتمام بالرياضة حتى تطغى على المشاعر والعواطف، فترى البعض يبكي لفوز فريق أو لهزيمة فريق، وهذا بكاء لا أجر فيه {عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله..} لا لانتصار فريق ولا لانهزام فريق، لدرجة أن يبكي الواحد منهم كالفتاة، وينهد وينكسر أمامك، لماذا؟ قال: غلب الفريق.

    العزوف عن الزواج

    ومن ذلك عزوف الشباب والشابات عن الزواج، وخاصة خريجو الجامعات، ورفض الزواج بحجة إكمال الدراسة، أصبحت الدراسة عندنا طاغوتاً، كأنه صنم يعبد من دون الله، ولا بد أن يكمل الدراسة، ومن يمنع أن تتزوج وتكمل الدراسة، ويتزوج ويكمل الدارسة، إذا أصبحت المرأة جَدَّة فإنها لا تتزوج، أصبح وهو مولود بعد الحرب العالمية الثانية وما تزوج، تجد الشيب في رأسه وفي لحيته، مالك لا تتزوج؟ يقول: ما زلت شاباً! لأنه رسب في المستوى الواحد ثمان مرات، ويقول: إذا تخرجت تزوجت، وهذا سن الفتوة، وهذا عمار الحياة: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].

    وبعضهم يقول: الزواج متاعب في الحياة، فإنه يتطلب مصاريف، ويحتاج إلى تكلفات ونفقة، والعجيب أن السلف الصالح على شبه إجماع أن من كان فقيراً فعليه أن يتزوج، كما قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32].

    قال عمر: [[من كان فقيراً فعليه بالزواج]] كان السلف يرون أن الزواج هذا فاتحة خير، وهذا صحيح ومجرب بالاستقراء، أفقر الناس العزوبيين، حتى تجد براديدهم، وثيابهم ما هي من ثياب الناس ولا براديد الناس مكسرة مقربعة، الفقر معهم أينما حلوا وارتحلوا حتى المكاتب العقارية لا ترحب بهم، ولا تؤجر منهم، إذا دخل عليهم في الحارة سألوا عنه، فإذا قيل: عزوبي، قالوا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، يذهب في كل مكان، أما المتأهل فالطيب يستقبلك من الشارع الثاني، والبخور والقهوة والشاي والمرطبات، هذه الحياة التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم، إلى متى يكون الإنسان عزوبياً؟! حتى يموت! أو يتزوج في الأربعين ويأتيه الطفل في الخمسين، ويموت وهو في الستين، طبيبة بلغت الثلاثين من عمرها ولم تتزوج، وأخرى بلغت الأربعين، وأخرى تتكلم وهي في الخمسين تقول: خذوا كل شيء وامنحوني زوجاً، ألمانية جلست تواصل دراستها ليست مسلمة، تقول: ليتني رابعة للمسلمين عند رجل مسلم، وتمدح الرسول صلى الله عليه وسلم أنه دعا إلى التعدد عليه الصلاة والسلام، يقول شوقي للرسول صلى الله عليه وسلم:

    شعوبك في شرق البلاد وغربها     كأصحاب كهف في عميق سبات

    بأيمانـهم نوران ذكـر وسنة     فـما بالهم في حالك الظلـمات

    الإعجاب والافتتان بالمشركين

    أيضاً الإعجاب بغير المسلمين والمبالغة في الحديث عنهم وعن حضارتهم، والتشبه بهم في الملبس والهيئة وقص الشعر والتسريحات، وطريقة الأكل والشرب والتحدث وغير ذلك، حتى أصبحنا الآن نقلدهم في الفلل، الفلل الآن بنيت على طريقة الفلل الأمريكية، غرفة النوم يكشفها المطبخ في الدور الأرضي، ويكشف غرفة النوم في الدور الأعلى، درجة في وسط المنزل، فيدخل الداخل والضيف يرى كل شيء في البيت، أنا رأيت فلة كهذه، ودخلتها ورأيت أنها على الطريقة الغربية، وقد نبه بعض المفكرين في الرياض في شريط له عن مسار التفكير عند المسلمين عن هذه الظاهرة فيقول: الغزو الهندسي والمعماري في بناء البيوت، فهي على الطريقة الأمريكية، أو على الطريقة البريطانية أو الإيطالية أو غير ذلك، تجد الواحد منهم إذا سافر لا يتحدث إلا عن تلك الأمة، وعن عدالتهم، وعن حوارهم، وعن نظافتهم، وعن صدقهم، وإخلاصهم، تحدثه عن أبي بكر وعمر قفز لك عند شامير وريتر وبيتر، تحدثه عن المدينة، وهو يحدثك عن دالاس وعن تكساس، كل شيء هناك هناك، حتى إن بعضهم يقول: القوم هناك.

    متابعة الموضة وملاحقة أخبار الأزياء

    أيضاً متابعة مايسمى بأخبار الموضة وملاحقة أخبار الأزياء، والحرص على اقتناء وشراء المجلات الباهضة السعر، يقول هاري فورد اليهودي: إن اليهود من أجل تحقيق غايتهم قد سيطروا على ثلاثة أمور، منها الأزياء. هذه الأزياء دخلت على المسلمين دخولاً عظيماً، تصور أن المرأة تفصل لها ثوباً بألوف مؤلفة، الشُرْعة تصل بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً في عالم بعضه يموت في الخيام جوعاً، لا يجد كسرة الخبز.

    ندعو الناس نقول لهم: تبرعوا يا جماعة الخير لبناء مسجد، الناس يصلون في المطر، ويصلون في الشمس، فيتبرعون من عشرة ريالات، ويشترط الواحد منهم بهذه العشرة فيقول: اللهم أدخلني على يمين الجنة، وابنِ لي فيها قصراً! صراحة يعذر كثير من الشباب أنهم لا يستطيعون الزواج، أنا أعرف أن المهر قد يكون مقبولاً نسبياً، لكن تصور أن هذا الشاب يكون زواجه في الصالة، وسوف يدعو إخوانه، وأقاربه، وجماعته، وقبيلته، وسوف يصنع وليمة تكلفه لحمه ودمه، وسوف يعطي أخوات هذه المرأة، وعماتها، وخالاتها، وقريباتها، والأمهات، والعمات، والجدات الأحياء منهم والأموات، وهو ليس شركة موزعة، إنما عنده مبلغ بسيط يريد أن يتزوج امرأة، أما أن يشتري لمجموعة من النساء فليس بصحيح.

    أيضاً هذه فتنة، توزع مجلات الآن في أماكن يراها الكثير منكم، وتشتريها كثير من الفتيات.. يرسلن لها فتأتي بأسعار باهضة جداً جداً، وفيها صورة الفتيات والأزياء، والخلاعة، نسأل الله العافية والسلامة...

    أخبار النجوم والإصدارات الوافدة

    أيضاً من نقاط الضعف ومن السلبيات والدمار عند هؤلاء متابعة أخبار من يسمون بنجوم الفن والموسيقى، وتقليدهم في كل شيء، وتأثرهم بسلوكهم، فتجدهم معهم في كل مراحل حياتهم، يحتفظون بصورهم وتوقيعاتهم وأشرطتهم وأفلامهم وأخبارهم حتى الشخصية منهم، وإذا تاب الواحد منهم لا يتعظون به، بل يتركونه ويسقطونه من الحساب، ويبقون مع القديم منهم ممن بقي على الغواية، يقلدونهم في الغواية، ولا يقلدونهم في الهداية.

    أيضاً افتتان الشباب بالصحف والمجلات وخاصة الوافدة، والمجلات الوافدة الآن تقارب ثلاثاً وعشرين مجلة، هذا حسب معلوماتي، وفيها خطورة، وفيها تهديد الفكر والمسار العقدي، ولا يعلم إلا الله عز وجل مدى خطورتها وجرمها، حتى عدها البعض من أخطر وسائل التغريب، وأبرز وسائل الغزو الفكري، وقد جاء في الإحصائيات أن عدد الصحف التي تصل إلى أسواقنا في الشهر تزيد عن أربعين صحيفة ما بين أسبوعية وشهرية، يزيد عدد نسخها عن خمسة ملايين نسخة شهرية، يصل أسواقنا ومدننا وبلادنا أكثر من خمسة ملايين، هذا في قطعة من العالم الإسلامي، فكم يصل مصر والعراق واليمن والكويت والمغرب والهند وباكستان وتركيا؟ وهذه كلها غزو فكري لتحويل جيل محمد صلى الله عليه وسلم عن مساره الطبيعي -الذي هو رفع لا إله إلا الله محمد رسول الله- إلى الانهيار، قرأت في بحث أن هناك حظراً على الجيش الإسرائيلي أن تدخل المجلات الخليعة، والبرامج الملهية التلفزيونية وغيرها، والأفلام الهابطة، إن كان صدق هذا البحث، يبقى الجيش محتفظاً بإرادته وبقوته وبكرامته وتأهبه في مواقع القتال، كل هذا يصرف الجيل عن القراءة المفيدة والاطلاع النافع في الكتب والسير والتراجم من النماذج المضيئة الخالدة التي حفل بها تاريخنا الإسلامي المجيد.

    الدعايات والإعلانات

    والأخطر هي الدعايات والإعلانات التي طغت على إعلامنا ووسائله المرئية والمقروءة بشكل لا يصدق، حتى أصبح الأطفال والشباب والشابات والشيوخ والعجائز يصدقون الدعاية الإعلامية أكثر من تصديقهم لبعضهم، وقد أشارت دراسات إلى أن الفتيات أكثر تأثراً بالدعاية، وأسرع تجاوباً معها.

    ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما جرى عليه الشباب والشابات خلف ما يسمى إعلامياً بآخر الصيحات في عالم العطور، والتي طغت على إعلانات الصحف والمجلات والتلفزيون، بل إن هناك لا فتات داخل الشوارع، وفي أطراف السكك، وعلى الأرصفة، وعند إشارات المرور، لوحات بعضها تشتغل بالكمبيوتر، تجلب الأذهان والأفهام إليها بدعاية شركة أو مؤسسة أو صورة أو شيء يجلب انتباه هذا الجيل وهذه الأمة؛ حتى يصبح الشاب والشابة لا هم له إلا ثوبه وشريطه وفيلمه وأغنيته، وتسريحته وموضته وزيه، يضيع مستقبله مع الله عز وجل، وحياته، وصراطه المستقيم، ضياع ألقي على الأمة الإسلامية لا يعلمه إلا الله، ضياعٌ صُب عليها صباً بتخطيط ماكر واستراتيجية عابثة، دبرتها كواليس الماسونية العالمية والصهيونية العابثة بالقيم، حتى خلعت هذه الأمة التي كانت في فترة من فترات التاريخ تقود الركب، وتتكلم على لسان الدهر، وتحكم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وأصبحت مفترية مغنية، راقصة، عابثة، متخلفة، فنشكو حالنا إلى الله..

    ارتياد دور التجميل

    من نقاط الضعف ارتياد محلات الكوافير ودور التجميل التي انتشرت هنا وهناك، هنا للتزيين، وهناك للقص، وهناك للتسريح، وهناك للدلك، كلها تعلن وتوزع، ورأينا نشراتها، ومعنا منها الكثير، وهذا عبث في مسار الأمة، وخطورة توجه للشباب والشابات، وقد طاوعها كثير منهم، وقد عبثت مثل هذه بشعور المسلمات، ولطختها بالصبغات، وأفسدتها بالمقصات، والعرب تقول:

    ليس التكحل في العينين كالكحل

    وقال المتنبي:

    حسن الحضارة ممزوج بتطريةٍ     وفي البداوة حسن غير مجلوب

    فالحسن الذي أنبته الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي ما تدخلت فيه الأيادي العابثة، هو الحسن المطلوب وهو المقرب، ولذلك لعن الرسول صلى الله عليه وسلم النامصات، والواشمات، والواشرات، والمتفلجات للحسن، والمتشبهات من النساء بالرجال.

    إن الجمال الخلاق أحسن وأكمل من جمال الحلاق، وإن الواحد الأحد أحسنَ صورةَ الإنسان وأبدعها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] فله الحمد وله الشكر

    التدخين

    أيضاً من الظواهر عند هؤلاء: التدخين الذي أوله دلع وآخره ولع، وقد نجح الشيطان في جعل أبناء المسلمين يستبدلون السيجارة بالسواك، وقد جاء في إحدى الدراسات أن المدخن إذا كان يستغرق ست دقائق لشرب سيجارة واحدة، فإنه يهدر من وقته ثمان ساعات يومياً، أي: ثلث اليوم، ومائتين وأربعين ساعة شهرياً، وألفين وثمانمائة وثمانين ساعة سنوياً، أي ما يعادل مائة وعشرين يوماً في السنة الواحدة، خلاف ما يهدر من صحته ودينه وماله ومستقبله، فكل حياته عبث بسبب سيجارة واحدة.

    السفر لغير حاجة إلى بلاد الكفار

    أيضاً من نقاط الضعف عند هؤلاء ومن المخالفات: السفر إلى الخارج بكثرة لا لحاجة، بل لغير حاجة؛ فإن بعضهم يسافر لا لدعوة ولا لطلب علم يستفاد من تلك البلاد، ولا لعلاج، وإنما فقط للضياع، بعضهم يجعل هذا مدعاةً للتفاخر في المجالس، وبعضهم يكدس أموالاً من رواتبه للعطل، ليذهب هناك في بلاد يعلم الله عز وجل ماذا يفعل، بل بعضهم جاهر لما نصح في مثل تلك البلاد وقالوا: اتق الله، قال: الله في الجزيرة فقط، سبحان الخالق الأحد الذي يقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].

    الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219] يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:18-19] مع ما يحدث لهم من مشكلات هناك، وما يعاني أهل هؤلاء من مشقة من غيابهم، ومن ترك بيوتهم، ومن ترك أعمالهم، ومن ترك دراستهم، ومن إذهابهم لأموالهم ورصيدهم الذي كان يمكن أن ينفعهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يلقونه في المعصية والعياذ بالله.

    المخدرات

    أيضاً إدمان المخدرات، هذا الوباء الذي فتك بالأمة الإسلامية التي دلها رسول الهدى على سبيل النجاة، ولذلك كانت المخدرات أخطر على الأمة من البندقية والدبابة والصاروخ والقنبلة، وقد استعملها المستعمر في الصين عندما عجز في حروبه، قالوا: إن اليابانيين استعملوا سلاح الأفيون ضد الجيش الصيني، فانهزم عن بكرة أبيه، وأحياناً بعض الأمور وبعض الوسائل تهزم الجيوش، ولو لم تكن أسلحة، التقت داحس والغبراء في معركة ما غابت نجومها في ليلة من الليالي، فأتت قبيلة داحس إلى القبيلة الأخرى، وحملوا عطوراً معهم، ثم قالوا: لعطارة اسمها منشم إذا اشتبكت المعركة اذهبي إلى أولئك ووزعي بينهم العطور، فوزعت بينهم العطور، فلما شموا العطور، ماتت أعصابهم وارتخت، وتذكروا بالعطور أشياء أخرى، فانهزموا فأتى لهم هؤلاء بالسيوف، فيقول زهير بن أبي سلمى، يمدح هرم بن سنان وقيس بن زهير:

    تداركتما عبساً وذبيان بعدما     تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم

    فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله     رجال بنوه من قريش وجرهم

    يميناً لنعم السيدان وجدتما     على كل حال من سحيل ومبرم

    تداركتما عبساً وذبيان بعدما     تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم

    كيف تنتصر أمة شبابها غرقى وراء المخدرات، وفي السجون حبسوا من أجل حبوب لاهية عابثة، أرسلها الكافر إليهم في بلادهم؟

    هؤلاء أحفاد عمر وخالد وصلاح الدين؛ تحولوا إلى هذا، ولكنا نرجو أن يعودوا وأن يعرفوا مستقبلهم، وليس على الله بعزيز، وأنا أطلب منكم مسألة وهي أمانة لمن يستطيع، وهي أن تهدوا لهم الأشرطة، خاصة مثل هذا أن تعطوه لواحد منهم، علهم أن يسمعوا ويعوا، وقد قال الله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ [التوبة:6] وهذا للمشركين فكيف بالمسلمين؟!

    أسمعه يا أخي الشريطَ، أسمعه المحاضرةَ، أسمعه الدرسَ، أسمعه الموعظةَ، تحدث إليه، ناقشه، حاوره، كن جريئاً، ادخل معه مباشرة، استضفه في بيتك، أركبه سيارتك، أما أن نبقى في عزلة، ويبقى بيننا وبينهم جسر، فهذا ليس بصحيح.

    وكلما تذكرنا، قلنا: الله المستعان! ضاع شباب الأمة! ونحن من ضيعَ شباب الأمة، نحن المسئولون عن شباب الأمة، فلنتق الله فيهم.

    أيها الإخوة الكرام! إن من الناس من عباد الله من يقاد إلى الجنة بالسلاسل، فاذهب إلى هؤلاء وقدهم بالسلاسل إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

    التلفزيون والسينما

    أيضاً مما هو عند هؤلاء مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، ومتابعة الأفلام السينمائية، عن طريق أشرطة الفيديو، والتي نعلم جميعاً أنها تخالف تعاليم ديننا، وهدي رسولنا صلى الله عليه وسلم، وعاداتنا وتقاليدنا؛ لأنها تعتمد على الحب والغرام، والجريمة والقتل، والسرقة والرشوة، والاختلاط، وخروج المرأة، فتدبلج وتخرج في صور، وتبرمج مع دعاية، حتى ينشأ الطفل والعياذ بالله سارقاً أو زانياً أو شارب خمر.

    حتى فيلم الكرتون أنتجته شركة يهودية إيطالية، يربون به الأطفال الصغار على مسألتين:

    مسألة: حب المال، حب يطغى على حب الله، رأسماليين، فيظهر الطفل وقد وضع الدينار والدرهم والدولار على فمه ثم يبتلعه في بطنه ويكبر بطنه بهذا، فينشأ الطفل وأكثر ما يحبه المال.

    والمسألة الأخرى: يربونهم على الجنس، طفلة وطفل يطاردها، ويقبلها، ويشاديها، ويناغمها، فينشأ الطفل متعشقاً، لابساً ثوب الجنز وهو لا يزال طفلاً صغيراً.

    أيضاً ضياع الأوقات وصرفها فيما لا فائدة فيه: كالسهر لساعات طويلة، على مشاهدة الأفلام أو لعب الورق، أو الشطرنج، أو نحو ذلك من وسائل قتل الوقت، أو المعاكسات الهاتفية التي أزعجت البيوت ودمرت المنازل، وخربت الأسر، أو النوم لساعات طويلة في النهار، حتى تضيع أوقات الصلوات، وتفقد بركة العمر، ومنشأ هذا كله عدم معرفة قيمة الوقت.

    دقات قلب المرء قائلة له     إن الحياة دقـائق وثوانِ

    فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها     فالذكر للإنسان عمر ثانِ

    1.   

    الدواء الشافي

    لقد عرضنا الأمراض، والأدواء، فما هو العلاج والشفاء؟

    عند محمد صلى الله عليه وسلم صيدلية، يرسل منها عقاقير يحملها أتباعه على مر الدهر لمن أراد أن يتطبب ويتشافى بإذن الله ومنها:

    المحاسبة علاج لأمراض الشباب

    من العلاج أن أوقف هؤلاء أمام ضمائرهم، وأمام إيمانهم، وتاريخهم، وأمام أمتهم، وأقول للواحد منهم: قف.. تدبر.. تأمل.. اتق الله في نفسك وفي مستقبلك، إنك قادم على الله: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8].

    أيها الشاب! ألم يجعل لك ربك عينين ولساناً وشفتين وهداك النجدين؟!

    أيها الشاب! ألم يقل الله لك ولأمثالك: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3].

    أيها الشاب! أنا أوقفك أمام تاريخك المجيد، وأمام سيرة الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام، وأمام القبر، وأمام النشر، والميزان والصراط، وأمام الجنة والنار، أوقفك في يوم تتذكره أنت: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].

    يقول سيد في الظلال عند تفسير قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] قال: الجسد مكشوف، والضمير مكشوف، والقلب مكشوف، والصحيفة مكشوفة، والتاريخ مكشوف، أمام الله عز وجل.

    أنا أوقف هذا الشاب الذي في الرصيف، والذي في المقهى والمنتدى، أوقفه بجسمه وبلحمه ودمه وشحمه وأعصابه وشعره وبصره وأظفاره، أوقفه أمام رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في يوم يقول فيه: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6].

    إنك متعب سواء تغني أو تصلي، سواء تسمع الموسيقى أو تقرأ القرآن، وكل سيلقى ربه فيحاسبه.

    أيها الإخوة! أنا أعلم أن هناك شباباً ما كانوا يحافظون على الصلوات الخمس، أصيبوا بحوادث انقلاب سيارات، وذهبوا ضحيتها، أسأل الله أن يرحمهم، وأسأل الله أن يرحم كل من مات مسلماً، كنا نعزي أهاليهم؛ أمهاتهم وآباءهم، فيقول الأب وهو يبكي: ما علي ليته كان مستقيماً! إذن لهانت مصيبتي، لكن والله أتذكر أنه ما كان يحافظ على الصلوات الخمس، وكأن قلبي يتقطع، أنا أبكي على ابني لأنه يحاسب الآن في القبر عن الصلاة، يتقطع قلبي حسرة لهذا الابن؛ كيف يموت وهو ما كان طائعاً؛ لا أدري هل هو في روضة من رياض الجنة أم في حفرة من حفر النار! هذه مأساة لا يتصورها الإنسان.

    الموت سهل، أن يموت لك ابن صالح، يلقى الله وهو صالح، يحافظ على الصلوات الخمس، عنده قرآن، وعنده ذكر، وعنده تسبيح، وعنده خير، وعنده استقامة، لكن أن يموت ابنك وهو عدو لله في صلاته وفي عبادته وفي سلوكه وأخلاقه، هذه مأساة كبرى لا يتصورها الإنسان.

    التفكر في نعم الله علاج يوقظ الغافلين

    أيضاً يتفكر هذا الإنسان في نعمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، حيث أعطاه العينَ والسمعَ والبصرَ والفؤاد والنعم الوفيرة، أعطاه الشباب والقوة والمال، فهل جزاء ذلك أن يذهب ويعبث بهذه النعم؟! هل جزاء الصحة والفراغ والمال أن يذهب في الملاهي والمعاصي؟!أهكذا رد الجميل؟! أهكذا رد المعروف؟! الواحد منهم كالسارية، ولكن عند الصلاة لا يقوم ولا يتحرك: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4].

    التفكر في السيرة النبوية

    أيضاً أوقفك مع رسولك عليه الصلاة والسلام، أيها الشاب الذي هو هناك لا هنا! لأنكم هنا أبرار، ونسأل الله أن يجعلهم أبراراً كما أنتم، أيها الشاب هناك! أمحمد صلى الله عليه وسلم أخرجك للدهر وللتاريخ بهذا المستوى، وأرادك أن تكون هكذا؟! إن محمداً صلى الله عليه وسلم أخرج لنا معاذاً وسلمانَ ومصعباً وبلالاً، نماذج في التاريخ الواحد منهم يساوي أُمَّةً ودهراً وتاريخاً، وأوقفك مع الناس، بل أولاً مع والديك، أوالدك وأمك يرضون هذا المستوى؟!

    سلوا من يخالط المجتمع كخطيب الجمعة وإمام المسجد، أو من يكون له دعوة، سلوا كم من المشكلات تُعرض عليه، يأتيني شيخ في الستين من عمره يبكي وتدمع عيناه، قلت: مالك؟! قال: ابني فظ غليظٌ عليَّ يتهددني، تجد الواحدَ من الآباء ربى ابنه بدمه وبدموعه وبماله وبكل ما يملك، وأعطاه كل شيء في حياته، منحه الحب والسهر، وأعطاه المال، وجاع ليشبع، وظمئ ليروى، وسهر لينام، وتعب ليرتاح، وبعدما اكتمل نمو هذا الشاب، وأصبح قوياً، عقَّ أمه وأباه، وأغلظ لهما وطردهما، حتى أنه يوجد في المجتمع من لا ينفق على والديه وهم بحاجة إلى الصدقة والزكاة!

    تصور أين شعور هذا الشاب الذي يأكل مع زملائه على الخضروات، وعلى الفواكه والمطعومات والمفروشات، ووالده في حاجة ماسة إليه! تصور أن بعض الآباء لا يبرهم إلا أبناء الجيران، تجده مع أبناء جيرانه إلى المستشفى، وإلى المسجد، وإلى المحاضرة، وإلى الدرس، فتسأله أين ابنك؟ قال: عقني وتركني وعصاني، هذه مأساة أيضاً مع الناس.

    تصوروا -أيها الإخوة- كم خسرنا من شباب لو أنا استفدناهم، ولو أني وإياكم كنا صادقين، لذهبنا إليهم وجلسنا معهم، وأهدينا لهم الشريط الإسلامي والكتيب، وزرناهم وتفقدنا أحوالهم، وأتينا بهم، إذن سيكون مع هذا الجمع مثله خمس مرات، لكن قلنا: أنفسنا! وسكتنا، وحضرنا واستمعنا، وخرجنا وما قدمنا شيئاً.

    أيضاً أنا أنادي هذا الشاب: هل هو يرضى حياته هذه؟! أيرضى أن يكون ابنه مثله؟! إما مروج مخدرات، أو متعاطياً لها أو سامعاً للأغنيات تاركاً للصلوات، أو نازلاً في الشهوات؟!! والله لا يرضى إذا كان عاقلاً! لكن سبحان الله! الهوى يعمي:

    إذا ما لم يفدك العلم خيراً     فليتك ثم ليتك ما علمتا

    وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ     فليتك ثم ليتك ما فهمتا

    مشيت إلى الصروح بغير علم     لعمرك لو وصلت لما رجعتا

    تفـر مـن الهجير وتتقيه     فهلا مـن جهنم قد فررتا

    وتشفق للمصر على الخطايا     وترحمه ونفسك مـا رحمتا

    هو يرحم الناس، أنت لو ذكَّرت شاباً برجلٍ يعذب في النار لربما بكى، ولكن نفسه هو لا يتأملها ولا يدعوها ولا يذكرها.

    باب التوبة مفتوح

    أيضاً أقول لهم: باب التوبة مفتوح لي ولكم ولكل مسلم، ولا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، بشرى: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها}.

    طوبى لمن يأتي إلى الله تائباً! فتوبوا إلى الله جميعاً أيها الشباب، ولا يقل أحدكم: لطخت صحائفي؛ فهذا أدعى لك أن تتوب،؛ حتى تغير الصحائف إلى حسنات، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

    ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    تدرون من هو أجرم الناس؟ إنه فرعون الطاغية، أرسل الله له موسى، فقال: لعله يتذكر أو يخشى، يقول أحد العلماء: لا ييأس أحد من رحمة الله؛ فإن الله قد دعا فرعون إلى رحمته، بل قد دعا الله إبليس، إلى أن يتوب، فكيف بك وأنت من أسرة مسلمة، وأنت تحب الله، وأنت تسأل الله التوبة؟ إن الله لا يخيب سعيك.

    أيها الإخوة! أدعو نفسي وإياكم ألا نُقنِط الناس من رحمة الله، وألا نجعلهم يائسين من رضوانه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ومن قبوله، يروى في الأحاديث الإسرائيلية أن قارون فعل الأفاعيل مع موسى عليه السلام، حتى دبر عملية، وأرسل زانية أعطاها قنطاراً من الذهب لتدعي أن موسى عليه السلام زنى بها، فلما اجتمع بنو إسرائيل قام موسى خطيباً، فقامت هذه المرأة تضرب وجهها، وتشق شعرها وتصفق وتولول، فوقف موسى عن الكلام، قال: مالك؟! فقالت: موسى زنى بي، فوقف موسى واجماً مذهولاً، ووقف بنو إسرائيل، فقال: أسألك بمن شق البحر لي أفعلت ذلك؟ قالت: لا والله، قال: من أعطاك؟ من أرشاك؟ من دفعك؟ قالت: قارون، قال: اللهم خذ قارون أخذ عزيز مقتدر، وكان قارون في بيت من ذهب في غرفة مشرفة كالمصطبة، وكالدكان المرتفع من ذهب، فأخذ بيته ينزل في الأرض، وقد حبست أقدامه في البيت حتى لا يفر، كما قال تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ [القصص:81].

    أخذ البيت ينزل تدريجياً تدريجياً في الأرض، يسقط ويغوص، فأخذ يولول: يا موسى! يا موسى! وهو قريب لموسى، يناديه حتى ينقذ الموقف، فسكت موسى، صامتاً مجروحاً يريد أن ينتقم منه، حتى أخفي وبيته تماماً عن وجه الأرض، فقال الله لموسى: يا موسى ما أشد قلبك! وما أغلظك! وعزتي وجلالي، لو دعاني بكلمة مما دعاك به لأنقذته. وموسى رفض لأنه قد فعل الأفاعيل.. وذهب قارون إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.

    وكذلك لابد من رد الإخوة إلى الله عز وجل، وتذكيرهم بأن الرب الرحيم يغفر الذنب، ويتجاوز سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه.

    إن السعادة يا شباب الإسلام في الاستقامة، وفي العمل الصالح، ليس هذا شعاراً، سلوا من كان لاغياً ثم تاب، سلوا من عرف الذكر والقرآن وصلاة الجماعة وحب الصالحين وحضر دروس الخير.

    الصبر والنظر إلى معالي الأمور

    أيضاً أوصي أولئك الشباب إذا اهتدى الواحد منهم أن يستمر وأن يصبر، وأن يواظب، ولا يظن أن الهداية كلمة تقال، يوماً أو يومين: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

    فعليه أن يصبر حتى يفرج الله عز وجل كربه، حتى يجعل الله له الإيمان كالغذاء: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    أيضاً على هؤلاء الشباب أن ينظروا إلى معالي الأمور، فليس المقصد عندنا تجارة ولا بلوت، ولا أغنية ولا لهو ولا لذة.. عندنا مقاصد مهمة، جنة عرضها السماوات والأرض، حب الله ورسوله، ورفع الدين في العالم، وتصحيح مسار الأمم، وإعادة التاريخ من جديد مشرقاً، وحمل الهداية إلى الناس، ورد العاصين إلى الله، وإعمار الدنيا، وإقامة العدل في المعمورة، هذه مقاصدنا و:

    على قدر أهل العزم تأتي العزائم     وتأتي على قدر الكرام المكارم

    وتعظم في عين الصغير صغارها     وتصغر في عين العظيم العظائم

    قارن بين هؤلاء وبين مصعب بن عمير , وعبد الله بن عمرو الأنصاري ومعاذ بن جبل، تجد البون الشاسع:

    لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم     ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ

    عندي عواطف وأشواق، ولو أعلم أني أستطيع لذهبت لكل واحد في مكانه، وسلمت عليه وعانقته، صدقوني لا أقوله من باب تزكية النفس، والله أعلم بما عندنا من التقصير، والله إني أفرح إذا رأيت الشاب الذي بدأ لأول مرة في الالتزام حتى لا تظهر عليه علامات الالتزام أنه ملتزم، إذا عانقني وإني أسلم عليه، وإني أفرح أنه يهتدي وأنه يحضر الدرس، وأنه أحب الدعاة، وأنه اقترب من طلبة العلم، حتى كأنه أهداني شيئاً عظيماً، فلله الحمد. يا إخوة: لا نقابل هؤلاء مقابلة فظة غليظة.

    أحدهم يريد الهداية فتقول له: يا عاصي الله ورسوله تأتينا وتسلم علينا، ليس هذا بمجلسك، هذا مجلس غيرك، أعوذ بالله!

    بعضهم يشكو في رسائل من الفظاظة والغلظة والمقابلة الباردة التي ليست مقابلة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكسب الناس كالمغناطيس، يقول أحدهم في الرسول صلى الله عليه وسلم:

    محاسنه هيولى كل حسن     ومغناطيس أفئدة الرجال

    يأتيه المشرك وهو يعبد الصنم، فيقبله ويعانقه، ويهش له ويبش، ويجلسه ويطعمه، فيصير جندياً من جنوده، ويجره الأعرابي ببردته، فيضحك ويتبسم له ويكسبه معه، فيعود الأعرابي داعية إلى قبيلته، فتسلم قبيلته عن بكرة أبيها.

    دعونا من هذه المواجهات الساخنة مع الناس، أو الكلام الفظ الغليظ الذي يكسر بيننا وبينهم الزجاج، أو يقطع جسور المحبة، اجعلونا نصل الحب ونسكبه في قلوبهم حتى يشعروا أنا إخوانهم، وهم أبناء العمومة، وهم أبناء الجيران، وأبناء الخال، ما فاتوا عنا، وما فتنا عنهم.

    الحث على الاقتداء بالرسول قولاً وفعلاً

    أيضاً أدعو أولئك الشباب، وأسألهم سؤالاً، وأوقفهم أمام التاريخ، وأوقفهم أمام الأيام، أمام الدهر، وأوقفهم أمام الكرة الأرضية بأسرها، من هو قدوتهم؟ أنا أعرف أنهم سوف يقولون لي: إن قدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا باللسان وليس بالفعال، لكن الواحد منهم يقتدي بمغنٍ أو بلاعب أو بموسيقار عابث، أنا أدعوهم أن يقتدوا بخير من خلق الله، أنا أدعوهم أن يقتدوا بصفوة الله من خلقه، أنا أدعوهم أن يتأسوا بأصدق من خلق الله، وأكرم من خلق الله، وأبر من خلق الله، وأحلم من خلق الله، بأبي هو وأمي:

    يا قاتل الظلم فارت ها هنا وهنا     فضائح أين منها زندك الواري

    يا صاحب المثل العليا وهل حملت     روح الرسالات إلا روح مختار

    أنا أسألهم أن يقتدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن يدرسوا سيرته، ليست السيرة الجزئية التي صورت لهم محمداً صلى الله عليه وسلم أنه متعبد في مسجد.. دعا مرةً في مكة، ومرة في المدينة، وأن عنده بعض الصحابة كان يدرسهم بعض الأحاديث، محمد صلى الله عليه وسلم فجر للأمة، محمد صلى الله عليه وسلم رحمة؛ قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

    محمد عليه الصلاة والسلام بركة، محمد معصوم، محمد نعمة لهذه الأمة، أنقذها من الظلمات، وأخرجها إلى النور، قادها بإذن الله، أنا أدعوهم أن يقتدوا به، فهو قدوة الناس: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

    سيد قطب يقول في الظلال، وقد كان في مصر وهو في الأربعين من عمره، وكان في القاهرة، يقول ذلك في سورة النجم، ونعود إلى الظلال حيث القصة، كان يستمع يقول: فسمعت فجأةً صوت الراديو عند أحد جيراننا، يقرأ المقرئ في الراديو سورة النجم، فسكت أنا وزملائي لأسمع المقرئ وهو يقرأ: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى [النجم:1] فصحبت الرسول بروحي وعشت معه، وفارقت المجلس الذي أنا فيه، أبقيت شبحي معهم، أما روحي فقد ذهبت وسافرت، فمشيت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلة إلى العالم العلوي، وعشت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تفجرت باكياً، وحاولت أن أحبس من هزة جسمي، فتحول جسمي إلى هزات عضلية، هكذا قالها في معاناته، أنا أريد الشباب أن يعيشوا القرآن، وأن يعيشوا حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يعيشوا الأشواق والحب الحي الذي يسري في كل ذرة من ذرات دمائهم.

    أيضاً من الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم: أن تدرس هديه دراسة واعية، من زاد المعاد ومن أمثاله من الكتب، حتى تكون على بينة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تذكر الموت

    أخيراً: أذكر أولئك الشباب بالموت قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8].

    عمرو بن العاص الفاتح المسلم والداهية العظيم، في سكرات الموت، في ساعة الصفر قال له ابنه عبد الله: [[يا أبت! أسألك بالله أن تصف لي الموت، فقد أصبحت أنت في الموت، في ساعة لا تكذب فيها، قال عمرو: والله يا بني لكأن جبال الدنيا أصبحت على صدري، وكأني أتنفس من ثقب إبرة]].

    وقال عمر بن الخطاب لـأبي بن كعب: [[أسألك يا أُبي أن تصف لي الموت، قال: يا أمير المؤمنين! مثل الموت كشجرة كثيرة الشوك في جوف ابن آدم، فليس منه عرق ولا مفصل، وهو كرجل شديد الذراعين، فهو يعالجها وينتزعها، فلا تبقى شوكة إلا انتزعت عرقاً أو مفصلاً حتى تخرج كل شوكة بعرق، فبكى عمر حتى كاد يغشى عليه]].

    الموت صعب! السكرةُ الواحدةُ منه تعادل ما يضرب به إنسان سبعين ضربة بالسيف، محمد عليه الصلاة والسلام أبر الناس: لما حضرته سكرات الموت كان يقول: {لا إله إلا الله! اللهم هون علي سكرات الموت، اللهم خفف علي سكرات الموت} أنا أذكر أولئك الذين يجلسون الآن في المقاهي والمنتزهات، الآن يلعبون البلوت، الآن مع الأغنية، ومع المجلة، ومع الضياع، أذكرهم بالموت، فإذا لم يتذكروا فلن يتذكروا أبداً، خوَّف الله حتى اليهود بالموت، وقال: فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:106] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

    هُوَ الموتُ ما منه ملاذ ومهرب     متى حط هذا عن نعشه ذاك يركب

    نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها     لعل الردى مما نرجيه أقربُ

    ونبني القصور المشمخرات في الهوا     وفي علمنا أنا نموت وتخربُ

    كان سفيان الثوري إذا ذكر الموت مات كل عضو منه في جهة، وبعض الصالحين حفر له قبراً يراه كل يوم ليتذكر الموت، دخل بعض الصالحين على بعض السلاطين الظلمة فأراد أن يبطش به قال: أذكرك الموت فوقف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هاذم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره} آخذ البنين والبنات، مفرق الجماعات، مهدم البيوتات.

    أنا أذكر أولئك الشباب ألا يغتروا بالصحة ولا بالسيارة ولا بالفلة، ولا بالوظيفة، أذكرهم بالموت، وكل يوم نحمل شباباً إلى القبر، ونصلي على مجموعة من الشباب، ونسمع أخبار حوادث السيارات، وهي تلقي بأولئك الشباب أقوياء الأجسام، خرجوا من بيوتهم، جيوبهم مليئة بالدراهم والقروش والدنانير، وبطونهم مليئة بأنعم الله، خرجوا وهم يغنون ويطبلون ويرقصون، وعادوا جثثاً إلى بيوتهم، افترستهم الحوادث، فأصبحوا شذر مذر، فلا استطاع أحد منهم أن يقدم أو يؤخر أجله ساعة، ولا يعود ليستأذن والدته ووالده ولا يقبل أهله.. ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62].

    خرجوا بساعات في أيديهم، وبملابس جميلة، وخرجوا بعطورات، وخرجوا في شخصيات وبهيئات، وخرجوا ببزات، ثم سلبوا كل ما خرجوا به، ثم حفر لهم في الأرض حفرة، وغسلوا بالماء، وأْرِجوا في قطعة قماش: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94].

    أتيت القبور فناديتها     فأين المعظم والمحتقر

    وأين المذل بسلطانه     وأين العظيم إذا ما فتخر

    تفانوا جميعاً فما مخبر     وماتوا جميعاً ومات الخبر

    فيا سائلي عن أناس مضوا     أمالك فيما مضى معتبر

    تروح وتغدو بنات الثرى     فتمحو محاسن تلك الصور

    أسأل الله أن يغفر لنا ولمن مات من أموات المسلمين، وأن يرد شباب المسلمين رداً جميلاً.

    اللهم رد شباب المقاهي إلى المساجد، وشباب المنتزهات إلى الصلوات، وشباب النوادي إلى نوادي الحق والعلم والذكر، اللهم رد العابثين صالحين، ورد المفسدين مصلحين، اللهم ارحمهم بالتوبة النصوح، اللهم وفقهم للعمل الصالح، اللهم ائتنا بهم في مجالس الخير والعلم والطهر والعفاف، اللهم أنقذهم من الظلمات يا رب العالمين، واجمعنا في دار الصالحين في دار الكرامة يا أرحم الراحمين!

    أخوة الإيمان! في ختام هذه المحاضرة أرجو أن تكون رسالة تبلغ أولئك مع حبي وأشواقي، وسلامي ودعائي لهم في ظهر الغيب، وأشكر بالمناسبة الذين كتبوا لي رسائل واقتراحات وشاركوا في هذا الموضوع باقتراحاتهم وإرشاداتهم ببعض الملامح، وتحمسوا لهذا الموضوع الحار.. أشكرهم، وأسأل الله أن يثيبهم على ما فعلوا.

    أخ في الله قدم لي رسالة، كنى نفسه أبا البراء، أشكرك يا أبا البراء! وأسأل الله أن يكتب لي ولك وللحضور براءة من النار، أشكرك على رسالتك، وأنا أتيت على أسفلها في المحاضرة، وهو يشكو من ضياع الأوقات عند الشباب ومن اهتمامهم بالمظهر على حساب المخبر، ومصاحبتهم للأشقياء، ومن هممهم الرخيصة التي لا تعدو عن الرياضة، وعالم الفن، وعالم الصور، وعالم الأزياء، وعالم الموضات الجديدة، أشكرك شكراً جزيلاً، وقد أتيت في المحاضرة على ما ذكرتَ.

    1.   

    الأسئلة

    توبة المغنين

    السؤال: يسألني بعض الإخوة عن توبة بعض المغنين هل هو صحيح؟

    الجواب: ادعوا الله أن يتوب علينا وعليهم، وأن نراهم قريباً في دروس العلماء والمشايخ والدعاة.

    عقوق الوالدين

    السؤال: يقول أحد الإخوة وكتب بالخط الأحمر، أنا دائماً أعق والدتي والعياذ بالله، كلما حاولت أن أبتعد وجدت في نفسي عقوقاً،فأنا عاق، فماذا تنصحني؟

    الجواب: أولاً: أسأل الله أن يلين قلبك لوالدتك.

    ثانياً: اتق الله في هذه المرأة التي خَرَجتَ قطعة منها، ولا أعرف أن إنساناً قدم جميلاً لإنسانٍ آخر أعظم مما قدمته الأم لولدها، ولا يمكن أن يكافئ الولد أُمَّه مهما فعل. [[رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً من أهل اليمن، يحمل أمَّه عجوزاً على منكبيه يطوف بها في البيت، في حرارة الشمس في الظهيرة، يوم تتوقد الشمس في مكة، يطوف بها حول الكعبة، وهذا الرجل المسلم اليمني يسيل عرقه، وقد بلغ به الإعياء مبلغاً عظيماً لا يعلمه إلا الله، فلقي ابن عمر رضي الله عنه، قال: يا ابن عمر! أسألك بالله هل كافأت أمي بما قدمت لي، وبما فعلت لي من جميل؟ قال: لا والله ولا بزفرة من زفراتها]] فاتق الله! تذكَّر كيف وضعتك، وكيف حملتك، وكيف أرضعتك، وكيف غسلت عنك الأذى، وكيف ألبستك، وكيف أطعمتك، وكيف سقتك، إن الذي عنده دم وعقل، وعنده مروءة ودين، يتفكر، أنا أتركك تتفكر وتتأمل، ولا أزيد على ذلك.

    مدمن خمر يطلب الهداية

    السؤال: أنا كنت مدمن خمر، وأنا جئت من مدينة أخرى خوفاً من العار، فدلوني؟

    الجواب: أولاً: حياك الله في هذا المجلس، ولله الحمد أن حضر معنا تائب هذه الليلة، فهو مكسب عظيم، ما هي مكاسب أهل الدنيا مع مكاسبنا، صفقة تجارية، عمارة، أرض، سوق، نحن والحمد لله مكاسبنا أجيال تهتدي، فلك الحمد يا رب، فأنت الهادي، ليس عندنا شيء، ولا منا شيء، ولا عملنا شيء، لكن لله الحمد هذا تائب حضر هذه الليلة ضيفاً عليكم، أسأل الله أن يثبته، وأسأل الله أن يستره، وأسأل الله أن يحفظه وأن يزيده إيماناً.

    من آثار الرفق في الدعوة

    السؤال: أنا شاب كنت في مجلس من مجالس اللهو مع مجموعة من الشباب نسمع الغناء، وأنا أول مرة أراك وأحضر هذا الدرس، عمري الآن حوالي تسع عشرة سنة، وقد سررت بهذا الدرس، وكنت أظن أن الدروس فيها تشديد، ولكن الحمد الله أعجبني الدرس وحضرت، حفظت ستة وثمانين بيت غناء، فأريد أن أمحو هذا، فكيف تأمرني؟ وكيف تدلني؟

    الجواب: أسأل الله أن يمحو النفاق والشك والشبهة من قلبك، وأن يقذف في قلبك الإيمان، وأن يهديك سواء السبيل، أنا أقول: واصل الحضور، واستمع الشريط الإسلامي، وصاحب الدعاة وطلبة العلم، وأكثر من الدعاء بدءاً من الآن أن الله يهديك ويردك إليه رداً جميلاً.

    خاتمة:

    أيها الإخوة! سوف أجعل في كل أسبوع كتاباً أدلكم عليه، لا أقرأ الكتاب، ولا أعرف أفكاره، وإنما أدلكم عليه، كل أسبوع إن شاء الله إذا تذكرت، وهذه مسئولية الإخوة أن يذكروني، كل أسبوع أختار لكم من المكتبة الإسلامية كتاباً لا طويلاً مملاً ولا قصيراً مخلاً، سوف يكون هو مادتكم خلال الأسبوع، اخترت لكم كتاباً بديعاً رائعاً جميلاً مجيداً، هو صيد الخاطر لـابن الجوزي، مجلد واحد في ثلاثمائة صفحة، أو ما يقاربها، بسبعة ريالات، فإن غلا فبعشرة ريالات، اسمه صيد الخاطر، أطلب منكم أن تقرءوه، ومن يستطيع منكم أن يقرأه ثلاث مرات، فليقرأه، صيد الخاطر هذا عجب من العجب، كتبه ابن الجوزي بعد أن بلغ السبعين من عمره، فدبجه، وشارك بدمه، وقلبه وعمله وفكره، ليس معصوماً، لكنه أجاد كل الإجادة، كتاب ليس فيه تكلف، كتاب يحدثك ويسامرك ويعيش معك، صيد الخاطر لـابن الجوزي، لأن هناك فيض الخاطر لـأحمد أمين لكن:

    لشتان ما بين اليزيدين في الندى     يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم

    فهم الفتى الأزدي إتلافُ ماله     وهم الفتى القيسي جمع الدراهمِ

    فلا يحسب التمتام أني هجوته     ولكنني فضلت أهل المكارمِ

    ولعلي أراكم بعد أسبوع في كتاب آخر، لكن أنا لا أبيع وليس عندي مكتبة، حتى تقولوا أني أعمل لي دعاية، ولكن أحببت هذا الكتاب حتى جعلته عند رأسي أقرأ منه، حتى يقولون عن كتاب علي الطنطاوي: هذا الكتاب له القصة -لأنه قدم له- أخي ناجي القاضي، كان عند رأسه كل ليلة حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب، والحقيقة أني رأيته أكثر مما قاله الأستاذ وأرفع وأجل وأحسن، وليس هذا من المبالغات، وفيه بعض الأمور مما في كلام البشر، أبى الله أن يكون الكمال إلا لكتابه، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

    ففيه بعض الأمور، لكن أنا أنصح طلبة العلم أن يقرءون كثيراً كثيراً، ومن أراد أن يكتب لي عنه ملاحظةً، أو يستفسر قضية فيه، فأنا مستعد أن أفاوض فيه، أو يتصل بي، أو يلقاني.

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كبيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767942203