بعد ذلك ذكر موقفاً مشرفاً من تاريخ الإسلام المشرق، فيه إشاراتٌ واضحة إلى عوامل النصر وأسباب الهزيمة، ثم ختم كلامه بالدعاء.
حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار فنجاه الله من النار.
وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد فنصره الله وأيده.
وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها خالد بن الوليد لما التقى مع الكفرة فرأى قلة المسلمين وكثرة الكفار، فقال له أحد المسلمين: [[إلى أين الملتجى أإلى سلمى وآجا -أي إلى الجبلين- قال: بل إلى الله الملتجى (حسبنا الله ونعم الوكيل)]] فانتصر بإذن الله.
وقالها طارق بن زياد لما سبح في البحر، فلما انتهى إلى الأندلس حرق السفن، وقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فنصره الله نصراً عظيماً.
وقالها عقبة بن نافع لما وقف على المحيط الأطلنطي فرأى البحر والأعداء، فقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فنصره الله.
وقالها المجاهدون الأفغان لما أتت روسيا بقضها وقضيضها ودباباتها وصواريخها وطائرتها تحارب الله الذي فوق سبع سموات، فخرجوا من المساجد مكبرين مهللين يقولون: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران:174].
شهيدهم في الجنة، وحيهم يعيش العزة والسعادة، واقترب فتح كابل فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97].. إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52].
قيل لهم: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة! فقالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـهيئة الأمم المتحدة.
وقيل لهم: تعالوا إلى مجلس الأمن! فقالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بمجلس الأمن.
في جحفل من بني الأفغان ما تركت كرّاتهم للعدا صوتاً ولا صيتا |
قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا |
خرجوا متوضئين، مسبحين، مهللين، فاتصلت قلوبهم بالحي القيوم: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] فنصرهم الله من فوق العرش واللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ [الروم:5].
أتت القوات، وأتت الحملات، فألهبت السماء، وضرجت الأرض بالدماء، واجتمع الكفر من كل مكان، وصاح الباطل، ولكن الحق ثابت، والإيمان لا يتزعزع، ولا إله إلا الله ثبتت في الساحة:
دعها سماويةً تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأيٍ منك منكوسِ |
وأرغم الكافر العميل، وأرغم اللعين؛ الذي ظن أن القوة هي طائرات الميراج، وأنها الصواريخ، والقنابل، والله عنده أعظم من الطائرات والصواريخ والقنابل.
هذه هي قوة الإيمان، يوم فتحنا الدنيا بلا إله إلا الله، ورفعنا في كل مكان لا إله إلا الله، يوم كنا صادقين مع الله.
والآن ينظر العالم إلى كابل، وينظر الناس وتنظر الدنيا إلى المجاهدين الأفغان، تعالوا وانظروا إلى الإيمان! ماذا يفعل الإيمان؟! سلاحٌ بدائيٌ يسقط الطائرات، وصواريخٌ بدائيةٌ تدمر الدبابات، وتهليل، وتكبير، وتحميد، وتسبيح يزلل كل عميل وملحد وطاغية على وجه الأرض.
وهذا من جند خالد بن الوليد:
وما أتى بقعة إلا سمعت بها الله أكبر دوت في نواحيها |
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها |
أولها: أن أعظم الهزائم هي المعاصي، وأن شعباً توجد فيه المعاصي والدعارة والتخلف والبعد عن الله، شعبٌ مهزوم في الدنيا والآخرة.
وبمفهوم المخالفة: أن أمة وشعباً يصدقون مع الله، ويتوجهون إلى الله، ويطلبون نصرهم من الله، ينصرهم الله في الدنيا والآخرة.
ثانيها: أنه لا قوة فوق قوة الله، ولا يغلب اللهَ غالبٌ، ولا يتحدى الله متحدٍ؛ فعنده القوة التي لا تُدَهْدَه ولا تعاند، ولا يوقف في جنبها.
ثالثها: أن من اعتمد على البشر خذله الله، وأذله، وأخزاه، وجعله عبرة وعظة للناس جميعاً.
رابعاً: أننا ما فتحنا الدنيا بكثرة قوة، وإنما فتحناها بالإيمان وبالعمل الصالح:
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا |
كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهـ ـدمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لحازهـا كنـزاً وصاغ الحلي والدينارا |
قتيبة بن مسلم وقف لفتح كابل وما يواليها، فقال: [[أين العابد
ثلاثون سنة وتزيد وفلسطين لم تمت، واليهود وأذنابهم وعملاؤهم في الساحة مؤتمرات وتنديد، ولكن والله لا تعود فلسطين إلا بـلا إله إلا الله، والله لا يعود بيت المقدس إلا بسلاسل صادقة، وبنصح مع الله، وبتوجه إلى الله: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160].. وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126].
فيا كل فلسطينيٍ على وجه الأرض، ويا كل مسلمٍ على وجه الدنيا، إن كنتم تريدون عودة فلسطين فاصدقوا مع الله، وعودوا إلى الله، وتعالوا إلى الله، وأبشروا بالنصر والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
واقترب فتح كابل فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97] يقولون: ما علمنا أن الإسلام يصنع العجائب! وما علمنا أن الإيمان يفجر الطاقات، وما علمنا أن البدائية بالإيمان بركان يتفجر على الملحدين!
فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97] ظالمين يوم هدموا المساجد ونسوا الله، ظالمين يوم قتلوا الأطفال ونسوا الله، ظالمين يوم ذبحوا الشيوخ والنساء ونسوا الله، ولكن أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81] أليس الانتقام بحاصل؟! أليس نصرُ الله بنازل؟! بلى والله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
أما بعـد:
أيها الناس! إن من يطالع التاريخ الإسلامي يجد سنن الله في الأرض، ويجد أيام الله لأوليائه، وأيام الله لأعدائه، ويعلم أن الله يجعل العاقبة للمتقين، ويجعل الدائرة على الظالمين، وأنه يثبت المؤمنين، وأنه ينزل خزيه وبأسه بالقوم الكافرين.
التقى سعد بن أبي وقاص بجيشه مع رستم الفارسي المتخلف الملحد بجيشه، وقبل المعركة بليلة، أرسل رستم رسوله وجاسوسه، لينظر في جيش المسلمين ماذا يفعلون في الليل، ثم قال: إذا انتهيت منهم فتعال فانظر إلى جيشنا، فذهب هذا الجاسوس فلبس لباس المؤمنين، ودخل في جيش المسلمين في ظلام الليل، فوجد طائفة منهم تصلي لله في ظلام الليل، وطائفة أخرى يدعون ويبكون ويطلبون النصر من عند الله الواحد الأحد، وطائفة أخرى يتدارسون القرآن ويذكرون الواحد الديان، ويتوبون من الخطايا والزلل ومما عصوا به الرحمن.
فعاد فدخل في جيشه فرأى الغناء يتردد، ورأى الزنا يفعل في الليل الدامس، يوم ظنوا أنهم غابوا عن عين الله، ووالله ما فاتوا نظر الله:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني |
وجد أناساً يشربون الخمر، وأناساً في سباتهم يعمهون، فعاد فأخبر رستم الكلب، فعض أصابعه وقال: هزمنا، هزمنا، هزمنا!!
وفي الصباح أتى الإيمان مواجهاً للكفر، وأتى التوحيد والإلحاد فانسحق الذين ظلموا وعصوا الله وفجروا وتعدوا حدود الله، وانتصر الذين صلوا لله بالليل:
عُبَّاد ليلٍ إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه |
وأسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ |
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه |
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا واغفر أيا رب ذنباً قد جنيناه |
كم نطلب الله في ضرٍ يحلُّ بنا فإن تولت بلايانا نسيناه |
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه |
ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ الله |
من أراد النصر فليتب إلى الله، وليتأكد من مطعمه ومشربه، وليترك الربا والزنا والغناء، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، والتسيب في أوامر الله، وتأخير الصلوات، ومتابعة المجلات الخليعات، وليعد صادقاً إلى الله.
أولاً: أن يسموا الانتفاضة جهاداً في سبيل الله؛ فإنما هي الجهاد.
ثانيها: أن يتوجهوا إلى الله صادقين، وأن يقاتلوا تحت راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، لا تحت رايةٍ غربيةٍ ولا شرقية.
ثالثها: أن يتوبوا من الذنوب والخطايا، وأن ينتهوا عن المعاصي والمخالفات، من ترك الصلوات، والولاء لغير الله، ونطالب منهم البراء من أعداء الله، وأن يتركوا الزنا والربا، وأن يحققوا إيمانهم، ويتأكدوا من مسيرتهم علَّ الله أن ينصرنا وإياهم.
عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
وارض اللهم عن صحابته الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بِمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
الله أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
وبالمناسبة لا يفوتني أن أشكر ولاة الأمور في هذه البلاد على موقفهم المشرف من الجهاد الأفغاني، ومن موقفهم القوي والمتحمس للجهاد، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فجزاهم الله خيراً، وهداهم سواء السبيل، ورزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تقودهم إلى الخير، وتدلهم على البر.
اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وفي فلسطين، وفي كل بلاد المسلمين.
اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم ثبتهم على الحق، اللهم ردهم إليك وأحسن عاقبتهم في الأمور كلها.
اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق: أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاةُ خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر