الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله أجمعين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعـد:
أيها الناس! إن من يطالع التاريخ الإسلامي يجد سنن الله في الأرض، ويجد أيام الله لأوليائه، وأيام الله لأعدائه، ويعلم أن الله يجعل العاقبة للمتقين، ويجعل الدائرة على الظالمين، وأنه يثبت المؤمنين، وأنه ينزل خزيه وبأسه بالقوم الكافرين.
التقى سعد بن أبي وقاص بجيشه مع رستم الفارسي المتخلف الملحد بجيشه، وقبل المعركة بليلة، أرسل رستم رسوله وجاسوسه، لينظر في جيش المسلمين ماذا يفعلون في الليل، ثم قال: إذا انتهيت منهم فتعال فانظر إلى جيشنا، فذهب هذا الجاسوس فلبس لباس المؤمنين، ودخل في جيش المسلمين في ظلام الليل، فوجد طائفة منهم تصلي لله في ظلام الليل، وطائفة أخرى يدعون ويبكون ويطلبون النصر من عند الله الواحد الأحد، وطائفة أخرى يتدارسون القرآن ويذكرون الواحد الديان، ويتوبون من الخطايا والزلل ومما عصوا به الرحمن.
فعاد فدخل في جيشه فرأى الغناء يتردد، ورأى الزنا يفعل في الليل الدامس، يوم ظنوا أنهم غابوا عن عين الله، ووالله ما فاتوا نظر الله:
وجد أناساً يشربون الخمر، وأناساً في سباتهم يعمهون، فعاد فأخبر رستم الكلب، فعض أصابعه وقال: هزمنا، هزمنا، هزمنا!!
وفي الصباح أتى الإيمان مواجهاً للكفر، وأتى التوحيد والإلحاد فانسحق الذين ظلموا وعصوا الله وفجروا وتعدوا حدود الله، وانتصر الذين صلوا لله بالليل:
من أراد النصر فليتب إلى الله، وليتأكد من مطعمه ومشربه، وليترك الربا والزنا والغناء، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، والتسيب في أوامر الله، وتأخير الصلوات، ومتابعة المجلات الخليعات، وليعد صادقاً إلى الله.
ومن هذا المكان الطاهر، ومن هذا المنبر العامر، أعود إلى
بيت المقدس، إلى
أولى القبلتين وإلى أهلها، وإلى أبناء
خالد بن الوليد و
سعد، فأدعوهم إلى ثلاثة أمور:
أولاً: أن يسموا الانتفاضة جهاداً في سبيل الله؛ فإنما هي الجهاد.
ثانيها: أن يتوجهوا إلى الله صادقين، وأن يقاتلوا تحت راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، لا تحت رايةٍ غربيةٍ ولا شرقية.
ثالثها: أن يتوبوا من الذنوب والخطايا، وأن ينتهوا عن المعاصي والمخالفات، من ترك الصلوات، والولاء لغير الله، ونطالب منهم البراء من أعداء الله، وأن يتركوا الزنا والربا، وأن يحققوا إيمانهم، ويتأكدوا من مسيرتهم علَّ الله أن ينصرنا وإياهم.
عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
وارض اللهم عن صحابته الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بِمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
الله أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
وبالمناسبة لا يفوتني أن أشكر ولاة الأمور في هذه البلاد على موقفهم المشرف من الجهاد الأفغاني، ومن موقفهم القوي والمتحمس للجهاد، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فجزاهم الله خيراً، وهداهم سواء السبيل، ورزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تقودهم إلى الخير، وتدلهم على البر.
اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وفي فلسطين، وفي كل بلاد المسلمين.
اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم ثبتهم على الحق، اللهم ردهم إليك وأحسن عاقبتهم في الأمور كلها.
اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق: أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاةُ خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين:
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
[الأعراف:23].
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
[البقرة:201].
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.